• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

سرعة الفيء

سرعة الفيء
خالد بن محمد الحسني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/3/2017 ميلادي - 7/6/1438 هجري

الزيارات: 45212

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صفات المصلحين (3)

سرعة الفيء


الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونصلي على محمد وآله وصحبه، وبعد:

فليس يسلمُ إنسانٌ - مهما قوي صلاحه وطهارةُ قلبه - من عارضَي الغضبِ والخطأ، وهما عارضان لازمانِ للعبد مهما اشتدَّ ساعدُ صلاحه، ورأى من مبشرات فلاحه؛ قضاءً مِن الله تعالى على خلقه، وحكمة بارزة من حِكمه، فليس يُعاب الوقوع في أحدهما عرَضًا، ولكن يعاب التمادي فيهما بعد انجلاء الأسباب، وذَهاب سكرة الهوى، وخمود جَمْرة النفس.


والفيء من الغضب، والرجوع عن الخطأ: شعارُ الأخيار الأتقياء، والسمة المُظهِرة لهم بين الأنام، والغُرَّة المميزة بينهم وبين سائر الدهماء، ولم يكن حفظ العلم يومًا علامةً على طهارة القلوب ونقائها، ولا كان حسنُ المنطق وحلاوته دليلًا على زكاة الأرواح وصفائها؛ وإنما هي الأحوال الباطنة الفاصلة، والأخلاق الظاهرة الفاضلة.


وخُلُق الفيء عن الخطأ بعد تبيُّن الصواب - له أسباب مولدة، وآثارٌ طيبة متعددة، يستحسن بالساعي في تنقية نفسه معرفتُها، ويلزم المؤمنَ العارف التحلِّي بها؛ عساه يُدرِك بذلك مراتب المفلحين، أو يرتقي بها إلى مصافِّ عباد الله الصادقين.


ومعنى الفيء في اللغة: الرجوع؛ قال ابن منظور[1]: "فاء: رجع، وفاء إلى الأمر يفيء وفاءه فَيْئًا وفُيُوءًا: رجع إليه"، وسُمِّي الظل فيئًا؛ لرجوعه من جانب الغرب إلى جانب الشرق، وسميت الغنيمة فيئًا؛ لأنها مال رجع إلى المسلمين عفوًا بلا قتال، وتفيأت المرأة لزوجِها: تثنَّت عليه، وتكسَّرت له، وتدلَّلت وألقت نفسها عليه، وهو أيضًا بمعنى الرجوع، وفاء المُولِي من امرأته: كفَّر يمينه ورجع إليها، قال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ فَاؤُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 226]؛ وذلك أن المُولِيَ حلف ألَّا يطأ امرأته، فجعل الله له مدة أربعة أشهر بعد إيلائه، فإن جامَعها في الأربعة أشهر فقد فاء؛ أي: رجع، وكل ما جاء مِن (فيأ) فمعناه يرجع إلى معنى الرجوع؛ قال ابن منظور[2]: "الفيء في كتاب الله تعالى على ثلاثة معانٍ، مرجعها إلى أصل واحد، وهو الرجوع".


والمراد بالفيء فيما نحن فيه الفيءُ من الغضب والخطأ، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم - مما حسنه الترمذي، وصححه غيره - عن أبي سعيد الخدري: ((ألَا إن بني آدم خُلقوا على طبقات شتَّى))، إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، فتلك بتلك، ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، ألا وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء)).


في هذا الحديث النبوي إشارة إلى تمايز أخلاق بني آدم في أصل الخلقة، وتفاوت طبقاتهم في ذلك، ويؤخذ منه أن الصلاح قسمان:

صلاح محصَّل بالاجتهاد في القربات والطاعات، ولا تفاضل فيه بين العباد إلا بالجد والتشمير.

وصلاح موهوب من الله تعالى يخص به أفرادًا من عباده.

وقد يجتمعان في ذات واحدة كما هو حال الأخيار المصلِحين، وعلى رأسهم الأنبياءُ صلوات الله عليهم، وقد ينفردان، فتجد الرجل يسعى في سبل الخير مما يوجب له وصف الصلاح، لكنه سرعان ما يقع فيما يستقبح من الخصال الذميمة؛ كالغضب والحقد والحسد، أو تجد الرجل بعيدًا عن طريق الاستقامة أو الدين جملةً، لكنه يتَّصِف بأوصاف نبيلة؛ كالحلم والحياء والكرم، فافهم هذا المعنى؛ فبه ينجلي لبس كثير.


وفيه أيضًا أن خير الخَلْق بطيء الغضب سريع الفيء، ولا يكون ذلك إلا عند عظماء الحكماء وكَمَلَتِهم، ممن عرَفوا الأشياء على وجهها، وساعَدهم في ذلك جِبلَّةٌ في أصل الطبيعة، وتمام في هيئة النفس، ورسوخٌ في محل اليقين، وثبات قلب، ورجولةٌ كاملة، وصفاءُ صدر.


وأعظم تجسيد لهذه الصورة سيرةُ نبي الرحمة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم؛ فقد أعطى في هذا الباب عليه الصلاة والسلام أنصعَ النماذج المبثوثة في كتب الشمائل والسِّيَر، حتى أضحت برهانًا تستدل به الأمم على اختلاف أجناسها وعقائدها، ونورًا تستضيء به الخلائق على اختلاف أعراقها ومشاربها.


وإن كان خيرُ الخلق أثقلَهم غضبًا أسرعهم فيئةً، فشرُّهم أسرعُهم غضبًا أثقلهم رجوعًا، وهذا الصنف من الناس عبءٌ ونكد، لا يُسعَدُ به مُقرَّب، ولا يسلَمُ منه بعيد، بل هو نفسه لا يهنَأ بنفسه، غالب أحواله ضيقٌ وضنك، ولستَ تَسلَم منه إلا بالمجانبة والحذر.


ثم إن الفيء لا ينحصر في الغضب فحسب، بل يكون في عموم الخطأ، فالعلماء والكتَّاب والحكَّام والأمراء، وكل مَن ولي من أمر العامة أو الخاصة - مُعرَّضٌ لمجانبة الصواب في أحواله ومعاملاته، وهو في ذلك بين أمرين؛ إما التواضع والرجوع عن خطئه، أو المكابرة والمنافحة عن باطله، كما هو حاصل مع الكثير من الأمراء والمتصدرين للكتابة والتوجيه والتعليم.


وهذا الجانب أشدُّ من الفيء حالَ الغضب؛ لأن الغضب أمرٌ جِبلِّي مركوز في أصل الخِلقة، بخلاف الخطأ، فإنه من الوهم الحاصل بسبب النسيان أو الجهل أو الغفلة، ولا يمنع الرجوعَ عنه بعد التذكر والتعلم والانتباه إلا المكابرةُ أو الهوى، ومِن أمثلته ما يقع للطوائف المبتدعة بعد تبيُّن الصواب، من الشموخ بالأنف، ومجابهة الحق بالأباطيل المزيفة، والأدلة الواهية المحرَّفة.


وكثير من الخلاف في المسائل العلمية الدقيقة ناجمٌ عن هذا الملحظ، فقد يؤلِّف المؤلِّف الكتاب في فن مِن الفنون، ثم يتبين له الزلل، فلا يمنعه من الرجوع عنه إلا نفسُه وشيطانه، حتى انتشرت بذلك الأقوال الغريبة، والمسائلُ الشاذة.


وإنما خُصِّص أرباب المناصب والولايات بالذِّكر في هذا الباب؛ لأن الشهرة تعمي صاحبَها، وتمنعه من الرجوع إلى الحق؛ لما يتوهم من سقوط قدره إذا رجع عن باطله، ومنه استُحب الخمول؛ لما فيه من السلامة من هذه الآفات.


ونحوه يقع في المعاملات بين العامة، فقد يتبايع الرجلان فيقع منهم الخطأ بقصد أو بغير قصد، فلا يمنع من الفيء إلا حبُّ أكل أموال الناس بالباطل، والجشعُ في جمع الثروات من جميع الوجوه ما حلَّ منها وما حرُم، وهو شائع جدًّا بين المسلمين اليوم، حتى صار من العادات اليومية عند كثير ممن أدمن فنَّ الخداع والحيل.


وإذا كان العلماء والحكام يجتمعون في كون الشهرة تمنعهم من الرجوع إلى الحق بعد تبيُّنِه، فإن الحكام والعامة يجتمعون في كون الجشع يصدهم عن اتباع الحق في معاملاتهم وأقضيتهم، وهنا إشارة استدعاها المقام، فإن شهوة العالم في حب الشهرة وتحصيل الجاه، وإيثاره ذلك على الرجوع إلى الحق - أفضى إلى فساد الحاكم وتسلُّطِه على حقوق العامة، وتسلط الحاكم على العامة أفضى إلى فساد العامة فيما بينهم، ونبوغ أهل الدعارة والفساد منهم؛ حتى اتَّسع الخرق، واستنهر الفتق، ولم يبقَ من الرجاء إلا رحمةُ الله، وتمكينه سيف العدل بأيدي البطش؛ لكبت كل داعرٍ فاجر، وظالمٍ غبي متسلط.


أما الغضب، فمنه غضب الخالق وغضب المخلوقين:

أما غضب المخلوقين، فحال من هيجان النفس، وغليان الدم، بسبب عدم الرضا عن فعل أو قول أو حال، وعرَّفه الكفوي بأنه[3]: "إرادة الإضرار بالمغضوب عليه"، وتلك نتيجته لا عينه، فكأنه عرَّفه بالنتيجة، وهو قسمان: محمود ومذموم؛ فالمحمود ما كان في جانب الدين والحق، والمذموم ما كان في غير الحق، وإذا أردتَ وصف الإنسان بالغضب قلت: رجل غَضِبٌ، وغَضُوبٌ، وغُضُبٌ، وغُضُبَّة، وغَضُبَّة، والغضبان قيل: سريعُ الغضب وشديدُه، وقيل: إنما هو الحال، والأنثى غَضْبَى وغَضُوب.

وأما غضب الخالق تعالى، فسخطه وعدم رضاه عمَّن عصاه، وإنكاره عليه بالعقاب.


ومِن آثار الغضب: تغير اللون، وشدة الرعدة في الأطراف، وخروج الأفعال عن الترتيب، واستحالة الخِلقة وتغيُّرها[4]، وهذه الأحوال تنغصُّ العيش، وتَذهَب بالعقل، وتكون سببًا في فساد الأمر جملةً، حتى يصعب الرجوع بعدها إلى طبيعة النفس وهدوئها.


والناس في الغضب ثلاثة: مُفرِط، ومُفرِّط، ومُعتَدِل، وكلٌّ من الإفراط والتفريط مذموم، فذم التفريط؛ لأنه سبب ضياع الحقوق وتسلُّط شرار الخلق، وذم الإفراط؛ لأنه سبب فساد الحال كما تقدم الوصف، وأما الاعتدال فمحمود؛ لأنه لا يصل بصاحبه إلى فساد النفس والحال، ولا يفتح الباب لتسلط الظالمين، فيرفع الظلم ويمنع وقوعه عليه، وعلى هذا المعنى يُحمل القول المرويُّ عن الشافعي: "من استُغضب فلم يغضَب، فهو حمار"؛ أي: من استُغضب بانتهاك حماه فلم يغضب غضبًا يدفع عنه الأذى، فهو حمار، وجاء بهذا الوصف لزيادة التشنيع وتقريب المعنى، فإنه لا يقبل وقوعَ الظلم عليه إلا فاسدُ النفس، خامد القلب، والفطرة أن يدفع الإنسان عن نفسه وعِرضه وأهله وماله، وفي الحديث الصحيح: ((مَن قُتِل دون مالِه فهو شهيد، ومَن قُتِل دون أهله فهو شهيد، ومَن قُتِل دون دينه فهو شهيد، ومَن قُتِل دون دمه فهو شهيد))، والمؤمن عزيز النفس لا يقبل الضيم والذل، والعاقل من استعمل لكل وضع ما يصلحه.


وأما الخطأ، فهو ضد الصواب، ويقال فيه: خطأ وخَطَاءٌ، وكل ذلك ما لم يتعمد، فإن تعمَّده فهو خِطْءٌ، والمخطئ مَن أراد الصواب فصار إلى غيره، والخاطئ مَن تعمد ما لا ينبغي.

قال ابن رجب[5]: "الخطأ هو أن يقصد بفعله شيئًا فيصادف فعله غير ما قصده؛ مثل: أن يقصد قتل الكافر، فيصادف قتله مسلمًا".


وقد دلت النصوص الشرعية على رفع الحرج عن المخطئ، وهو الذي يأتي الفعل المباين للصواب إما بسهو أو نسيان أو غفلة أو جهل، ومثله القتلُ غير العمد، والخطأ في حكم القاضي، والخطأ في التأليف والتعليم، وفي قضاء الأمانات وحقوق العباد.

وكل هذه الوجوه لها صورٌ متعددة، أما القتل غير العمد، فقد بيَّن الشارع أحكامه في نصوص القرآن والسُّنة، وليس هذا موضع بسط ذلك؛ وإنما موضعه كتب الفقه.


وأما خطأ القاضي، فقد بيَّنه النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((القضاة ثلاثة، اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل عرَف الحق فقضى به، فهو في الجنة، ورجل عرَف الحق فلم يقضِ به وجارَ في الحكم، فهو في النار، ورجل لم يعرِف الحق فقضى للناس على جهل، فهو في النار))، وهذا الحديث يبين خطورة القضاء والفصل بين الناس، ويلحق به التعليمُ والفتوى وإرشاد العباد، فكل ذلك من عظيم المسؤولية التي أضحى العباد يتساهلون فيها، ويلجؤون إلى مضايقها لأغراض سافلة؛ كحب الشهرة، والرغبة في الجاه وجمع الأموال، نسأل الله أن يسلِّمنا من ذلك كله بمنِّه وكرمه.


ويؤخذ من ذلك أن التجاوز عن الخطأ ليس على إطلاقه؛ وإنما يبنى على قصد الواقع فيه، وتهاونُ العبد في حمل الأعباء التي لا يُطيقها من حقوق العامة والخاصة من جملة القصد، ومنه ما انتشر اليوم بين كثير من المفكِّرين والكتَّاب مما يسمى بالاستشارات في القضايا الأُسرية والاجتماعية والنفسية، فالذي يرتقي هذا المعنى ولا يكون أهلًا له؛ كالقاضي الذي قضى للناس بجهل، وكم رأينا من التوجيهات في هذا الباب ما يستدعي إعادة النظر فيه، والتنبيه على خطره وشؤمه على صاحبه.


والفيء من الخطأ في القضاء والفتوى والإرشاد، ونحو ذلك، بسبب الجهل - لا ينفع صاحبه؛ لأنه خاطئ ابتداءً بسلوكه سبيلًا ليس أهلًا لها، ولأنه جانَب الصواب مرتين؛ الأولى بحمله المسؤولية وهو يعلم عجزه عن أدائها، والثانية في أدائه للمسؤولية على وجه يؤدِّي إلى ضياع حقوق العباد فيما يخص القضاء، وتضييع مصالحهم الدنيوية والأخروية فيما يخص التعليم والفتوى والإرشاد.


وحتى يتبين الفيء المحمود من الفيء المذموم، لا بد من معرفة أسباب الفيء، وتتلخص في: الخوف، والرحمة، والمودة، والعجز، والمصلحة، والصلاح.


أما الفيء بسبب الخوف، فقسمان:

الأول: الخوف من الله تعالى.

والثاني: الخوف من المخلوقين.

فالأول كالعبد الذي يقع في المعصية أو التقصير في حق من حقوق الله تعالى أو حقوق العباد كالوالدين، فيحمله الخوفُ من حلول غضب الرب عليه إلى أن يفيء ويندم ويستغفر مولاه، وتلك هي التوبة.


والثاني كمَن يخاف بطش حاكم أو والد أو زوج، فيسرع بالرجوع والفيء؛ خشية نزول العقاب عليه.

والفيء بسبب الرحمة مثاله ما يقع من غضب الوالد على ولده، فيفيء رحمةً بولده وإشفاقًا عليه، وإذا لم يحدد بحدود الشريعة وضوابط التربية، أدى إلى فساد الأبناء وتضييعهم.


وأما الفيء بسبب المودة، فكالذي يكون بين الرجل وزوجته، فقد يغضب عليها ثم يحمله حبُّه لها على الرجوع عن غضبه، وهو محمود ما لم يحمل على تضييع حق من حقوق الله تعالى، كمَن يترك زوجته بلباس تبرج، أو يغفل عن أدائها حقوقَ الله تعالى؛ من صلاة وطهارة وما يتبع ذلك.


والفيء بسبب العجز كأن يدفع الغضب الرجلَ للبطش بالمغضوب عليه، ثم يتبين له عجزه عنه، وعدم قدرته عليه، فيفيء بسبب العجز، وفيئه مؤقَّت، وقد يرجع في حال زوال عارض العجز، وغالبُ الحقد والعداوات منه.


والذي بسبب المصلحة كمَن يسلك طريقًا من طرق الخير أو الشر ثم يتبين له أن مصلحته لا تتحقق بذلك، ولا يمنعه من الاستمرار فيما أقدم عليه غيرُ خوف فوات المصلحة، وهو علامة أرباب الدنيا، ممن يبنون أعمالهم كلَّها على مصالحهم الزائلة الزائفة.


وأما الفيء بسبب الصلاح، فمتعلق بالصالحين الذين يتجنَّبون المكروه والمباح مما لا يليق بذوي الصلاح والمروءة، وإذا وقعوا في شيء من ذلك، سارعوا في الرجوع عنه، وتلك خصلة تقارب الكمال، وقليل مَن يتصف بها من العباد، وهي المرتبة التي يتعين على المصلحين التحلِّي بها؛ فإنها حلية الوقار والبهاء، وشيمة الأخيار من ذوي النُّهى.


هذا ما عنَّ للخاطر الكادح في خُلُق الفيء، وهو صفة من صفات عباد الله المخلصين، جعلنا الله منهم بمنِّه وعطائه، وسلكنا في درر عقدهم بجوده وكرمه، آمين.



[1] لسان العرب، الجزء 11، ص: 247 / دار صادر.

[2] لسان العرب، الجزء 11، ص: 247 / دار صادر.

[3] الكليات، ص: 565، مؤسسة الرسالة.

[4] مختصر منهاج القاصدين، ص: 199، دار الحديث.

[5] جامع العلوم والحكم، ص: 569/ مطبعة المدني.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بين الظل والفيء

مختارات من الشبكة

  • الجري وحده.. لا يكفي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • لماذا نشكو الملل في زمن السرعة؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الخوف من سرعة مرور الأيام والليالي (وبيان حقيقة الدنيا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر إخلاص الدعاء في سرعة الاستجابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دروس مستفادة من الحج: الامتثال لأمر الله تعالى وسرعة الاستجابة (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • سرعة القذف وسلس المذي(استشارة - الاستشارات)
  • سرعة القذف والطلاق(استشارة - الاستشارات)
  • أريد أن أتزوج بسرعة(استشارة - الاستشارات)
  • العبرة من سرعة انقضاء الزمان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سرعة الموافقة على فسخ الخطبة(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب