• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

عام الرمادة وحال المسلمين اليوم

سامي بن عيضه المالكي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/2/2017 ميلادي - 25/5/1438 هجري

الزيارات: 44786

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عام الرمادة وحال المسلمين اليوم

 

الحمد لله الذي أكرمَ الأمةَ بدينِ الإسلام، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه على آلائِه الجَليلة ونِعَمه العِظام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولا نِدَّ ولا مثيلَ له في الأنام، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه وخيرتُه من خلقِه الذي شهِدَت على صدقِ نبوَّته الدلائِلُ والأعلام، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه صلاةً وسلامًا دائمَين ما تعاقَبَت الليالي والأيام.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ فإن التقوَى وصيَّةُ الله للأولين والآخرين، ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

 

معاشر المسلمين: الوقوف مع حاجات المنكوبين، والعيش مع معاناة الآخرين، خلق عربي نبيل، ومبدأ إسلامي أصيل، ومن أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- المشهودة له قبل البعثة: أنه كان يحمل الكلَّ، ويقري الضيف، ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الحق.

 

فكم نحن بحاجة أن نستشعر هذه المبادئ ونعززها في زمن تعالت فيه صرخات اليتامى، وسمعت فيه تأوهات الثكالى!!

ما أجمل أن نتحدث عن إغاثة الملهوف، وتفريج المكروب!!

وما أروع أن نتكلم عن نجدة المظلوم، ومواساة المكلوم!!

ولكن أجمل من ذلك وأروع أن نرى هذه القيم مثالاً، وهذه المُثُل فِعالاً.

نراها في شخصيات عاشت ذلك واقعًا محسوسًا، وشاهدًا ملموسًا.

 

فتعالوا - إخوة الإيمان - مع حديث الأزمات، وخبر من أخبار المجاعات، مع عمر - رضي الله عن ه- وخبره عام الرمادة، فحياته - رضي الله عنه- مع هذه المأساة عجب من العُجاب، ومواقفه مع هذه المحنة عبرة ورسالة لكل صاحب مسؤولية وولاية خاصة أو عامة، أن يستشعر عِظم المسؤولية، وأمانة التكليف.

 

إخوة الإيمان: في السنة الثامنة عشرة من الهجرة كانت مدينة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وما حولها من البوادي على موعد مع مجاعة لم تعرفها العرب في تاريخها، وقعتْ هذه المسغبة بعد انقطاع المطر عن أرْض الحِجاز مدةً طويلة، فحصل القحْط، ومات الزَّرْع، وقلَّتِ اللقمة، وعُدِم أطايب الأكْل، ونزر الكلام، وكفَّ السائلون عن السؤال، وهزلتِ المواشي، فكان الرجل يذبح الشاةَ فيعافها مِن قُبْحها، وجعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، وحصلتْ مسغبةٌ ما عرفتْها العرب في أيَّامها؛ حتى كان الرجلُ القويُّ يتلوَّى بيْن أهله من شدَّة المخمصة، ومات كثيرٌ من الأطفال والنِّساء في تلك السَّنة.

 

وانجفل أهلُ البادية إلى المدينة، لعلَّهم يجدون عندَ الخليفة ما يسدُّ حاجتهم، ويُسكت بطونَهم، وكانت أعدادهم تزيد على ستِّين ألفًا، وبقوا أشهرًا عدَّة، ليس لهم طعامٌ إلا ما يُقدَّم لهم من بيت مال المسلمين، أو مِن أهل المدينة آنذاك.

 

روى ابن كثير في "تاريخه": أنَّ عمر -رضي الله عنه- عسَّ ذات ليلة عام الرَّمادة، وقد بلغ بالناس الجهْد كلَّ مبلغ، فلم يَسمع أحدًا يضحك، ولم يسمع متحدِّثًا في منزله، ولم يرَ سائلاً، فتعجَّب وسأل، فقيل: "يا أميرَ المؤمنين: قد سألوا فلم يجدوا، فقطعوا السؤال، فهم في همٍّ وضِيق، لا يتحدَّثون ولا يضحكون".

 

أمَّا حال عمر -رضي الله عنه- مع تلك المجاعة، فلا تسلْ عن حاله؛ تغيَّرت عليه الدنيا، وأظلمتْ عليه المدينة، طال كمدُه، وتغيَّر لونُه، وذبل جسمُه، وحمل همًّا لا تتحمله الجبال الرواسي.

 

كان -رضي الله عنه- أكثرَ الناس إحساسًا بهذا البلاء، وتحملاً لتبعاته، فكان لا ينام إلا غِبًّا، ولا يأكل إلا تقوتًا، ولا يلبس إلا خَشِنًا.

 

عاش كما يعيش الناس، تنفَّس همومَهم وغمومَهم، وذاق حاجتَهم وفاقتَهم، بل كان أولَ مَن جاع وآخِرَ مَن شبع، ما قَرُب امرأة من نِسائه زمنَ الرمادة، حتى أحيا الناس من شدَّة الهمِّ.

 

قال عنه خادمُه أسلم: "كنَّا نقول: لو لم يرفعِ الله تعالى المَحْل عام الرمادة، لظننا أنَّ عمر يموت همًّا بأمر المسلمين".

 

خطَب الناسَ عام الرمادة، فقرقر بطنُه وأمعاؤه من الجوع، حتى سَمعتِ الرعية قرقرةَ بطنه، فطعن بإصبعه في بطنه، وقال: "قرقِرْ أو لا تقرقِر، والله لا تشبع حتى يشبعَ أطفالُ المسلمين".

 

هذا هو الفاروق، هذا هو ابن الخطَّاب، الذي حَكَم ديارَ الإسلام من مشرقها إلى مغربها، فليأتِ لنا التاريخ، ولتحضر لنا البشرية بمِثْل عمر، عقمتِ النساء أن يلدنَ مثل عمر.

يَا مَنْ يَرَى عُمَرًا تَكْسُوهُ بُرْدَتُهُ
وَالزَّيْتُ أُدْمٌ لَهُ وَالْكُوخُ مَأْوَاهُ
يَهْتَزُّ كِسْرَى عَلَى كُرْسِيِّهِ فَرَقًا
مِنْ خَوْفِهِ وَمُلُوكُ الرُّومِ تَخْشَاهُ

 

أما أخبارُ عمر وقصصه مع هذه الخَصَاصة، وتلك المسْكَنة، فأمر لا ينقضي عجبُه، وشيء يعزُّ نظيرُه في تاريخ البشرية، ولعلَّنا نتلمس طرفًا منها، فاستقصاؤها مقام يطول.

 

إخوة الإيمان: ها هي العيون قد هدأتْ، والجفون قد نامتْ، والنجوم قد تلألأتْ، فلا تكاد تَسمع في المدينة أنيسًا، ولا متحدِّثًا ولا ماشيًا، إلا رجلاً طوالاً لم تكتحلْ جفونه بنوم، أخذ دِرَّته، وجعل يجوب سِكك المدينة، يتفقَّد حاجاتِ المحتاجين، ويرى بنفسه تضرُّعاتِ البائسين، إنَّه الفاروق -رضي الله عنه-، نَما إلى علمه أنَّ جماعة في أقْصى المدينة، قد نَزَل بهم من الضُّر أكثرُ مما نزل بغيرهم، فحمل الفاروق -رضي الله عنه- جِرابينِ من دقيق، وأمر خادمَه أسلم أن يلحقه بقِرْبة مملوءة زيتًا، وأسرع عمرُ في الخُطا، حتى وصل إلى أولئك المحتاجين، ورقَّ لحالهم، وتأثَّر من خماصتهم، فوضَع بنفسه الطعامَ في القِدر، ونفَخ في النار، حتى كان الدُّخَان يخرج من بيْن لحيته البيضاء، فطبخ للقوم طعامَهم، ووزَّعه عليهم حتى شَبِعوا، وطابتْ عينُه بعدَ ذلك، ثم أمر بهم، فحُملوا إلى داخلِ المدينة حتى يكونوا قريبًا منه.


هذا الموقف المؤثر حرَّك مشاعر الشاعر حافظ إبراهيم، فهاجت نفسه بهذه الأبيات:

ومن رآه أمام القِدر منبطحًا
والنار تأخذ منه وهو يُذْكيها
وقد تخلل في أثناء لحيته
منها الدخان وفوه غاب في فِيها
رأى هنا أمير المؤمنين على
حالٍ تروع لعمر الله رائيها
يستقبل النارَ خوف النار في غده
والعين من خشيةٍ سالت مآقيها

 

كان -رضي الله عنه- دائمًا ما يقول: كيف يعنيني شأن الرعية، إذا لم يمسَّني ما مسَّها؟!

لقد كان بإمكان الفاروق -رضي الله عنه- أن يؤثِر بنفسه وأهله ما في بيْت المال، ويَعيش حياةً رغيدة بعيدةً عن هؤلاء وشأنهم، ولكن الإيمان الذي بيْن جنبيه، والخوْف من ربِّه الذي فتَّ فؤاده فتًّا، جعله يترك هذه الأثرَة، ويذوق آلامَ الآخرين.

 

بل أبعد مِن ذلك -عباد الله-، أنَّ عمر -رضي الله عنه- كان يحمل أهلَه، وأولاده زمنَ الرمادة، على شدَّة وشظف العيش؛ دخل يومًا على ابنه عبد الله، فوجدَه يأكل شرائحَ لحم، فلامه، وقال له: ألا إنَّك ابن أمير المؤمنين، تأكل لحمًا، والناس في خَصاصة! ألا خبزًا ومِلحًا، ألا خبزًا ومِلحًا؟!

ورأى يومًا بطيخة في يد ولدٍ من أولاده، فصاح به: بخٍ بخٍ يا ابن أمير المؤمنين، تأكل الفاكهة وأمَّة محمَّد هزلَى؟!

 

كان -رضي الله عنه- يؤثِر بطعامه الآخرين على نفسه، أمَرَ يومًا بنَحْر جزور وتوزيع لحمِه على أهل المدينة، وعندما جلس عمرُ لغدائه، وجد سنامَ الجذور وكبدَه على مائدته، وهما أطيبُ ما في الجَذور، فسأل: من أين هذا؟! فقالوا: مِن الجزور الذي ذُبِح اليوم، فأزاحه بيده، وقال: بئس الوالي أنا، إن طعمتُ طيبَها، وتركتُ للناس كراديسَها؛ يعني: عظامها، ثم أمر بمأدبته المعهودة، خبز يابس وزَيْت، فجعل يكسِر الخبز ويثرده بالزَّيت، ولم يكملْ هذه الوجبة المتواضعة؛ لأنَّه تذكر أهل بيتٍ لم يأتهم منذ ثلاثة أيام، فأمر خادمَه بحمْل الطعام إلى ذلك البيت.

قِفْ أَيُّهَا التَّارِيخُ سَجِّلْ صَفْحَةً
غَرَّاءَ تَنْطِقُ بِالخُلُودِ الكَامِلِ
حَرِّكْ بِسِيرَتِهِ الْقُلُوبَ فَقَدْ قَسَتْ
وَعَدَتْ بِقَسْوَتِهَا كَصُمِّ جَنَادِلِ

كان -رضي الله عنه- في تلك المَخْمصة كثيرَ التضرُّع لربِّه، منكسرَ الحال، ملازمًا للصلاة، لم ينقطع لسانُه عن الاستغفار.

لقد فقه الفاروق -رضي الله عنه- أنَّ هذه الصِّعابَ ليس لها كاشف إلا مسبِّبها، فعجَّ إلى ربه بالدعاء، وسعى بعد ذلك إلى إصلاح نفسه، ومحاسبتها، وإصلاح رعيته وتذكيرها.

 

ذكر ابنُ سعد في "الطبقات"، عن سليمان بن يسار قال: خطب عمرُ الناسَ في زمن الرمادة، فقال: "يا أيُّها الناس: اتَّقوا الله في أنفسكم، وفيما غاب عنِ الناس من أمرِكم"، إلى أن قال: "هلمُّوا فلندعُ الله أن يصلحَ قلوبنا، وأن يرحمَنا، وأن يرفعَ عنا المَحْل"، قال الراوي: فرُئي عمر -رضي الله عنه- يومئذ رافعًا يديه يدعو، والناس يدعون، حتى بكَى، وأبْكى الناس مليًّا.

 

قال عنه ابنه عبد الله: "سمعتُ أبي في السَّحَر يقول: اللهمَّ لا تجعل هلاكَ أمَّة محمَّد على يدي". وكان يقول: "اللهمَّ لا تهلكْنا بالسنين، وارْفع عنَّا البلاء".

 

وخرَج -رضي الله عنه- إلى المصلَّى يستسقي، ومعه الناس، والضَّعَفة والأطفال، فخرج متواضعًا متضرِّعًا متخشعًا، فصلَّى بالناس ركعتين، لم يدرِ الناس ما يقول من البُكاء، ثم وعظ الناسَ وذكَّرهم، ثم ألحَّ في الدعاء، والمسألة، وكان من سؤاله: "اللهم عجزتْ لنا أنصارُنا، وعجزتْ عنا حَوْلُنا وقوتنا، وعجزت عنَّا أنفسنا"، ثم أخذ بيد العباس بن عبد المطلب، فقال: "اللهم إنا كنَّا نستسقي إليك بنبيِّنا فتسقينا، وإنا نتوسَّل إليك بعمِّ نبينا فاسْقنا"، وكان العبَّاس قد طال عمرُه، ورقَّ عظمُه، فجعلت عيناه تذرفان، وهو يقول: "اللهمَّ أنت الراعي فلا تُهملِ الضالَّة، ولا تَدعِ الكسير بدار مضيعة، فقد صرَخ الصغير، ورقَّ الكبير، وارتفعتِ الشَّكْوى، وأنت تعلم السِّرَّ وأخفى، فأغْنِنا بغناك".

 

واستجاب الله الدعاء، وعمَّت الرحمة، وأرسلتِ السماء خيراتِها، فلم يكد ينصرف الناس إلى منازلهم حتى خاضوا الغدران، واستبشر المسلمون خيرًا، وعَرَفوا أنَّ المدد الإلهي قد قرب.

 

بيْد أنَّ الفاروق -رضي الله عنه- بعدَ هذا الخير العميم، لم يقفْ موقفَ المتواكِل؛ لأنَّ الأرض لن تخرج بركتَها إلا بعد أيام كثيرة، والناس حوله يتضاوون من الجوع ويموتون، فسلك كلَّ طريقة فيها إغاثةُ الناس، وما ترك وسيلةً فيها إصلاحُ الناس إلا سعَى إليها.

 

تَرَك أخْذ الزكاة من الناس ذلك العام، وأنْفق كلَّ ما في بيت المال من الطعام والكساء، واشترى كلَّ ما في السوق من الأكل، حتى نفد الطعام، وأصبحَ المال لا قيمةَ له بعد ذلك.

 

ذكر ابنُ كثير أنَّ عمر عام الرَّمادة قد غفل عن طلب الغَوْث من أمراء المناطق، حتى أشار عليه بعضُ الصحابة فقال عمر -رضي الله عنه-: "الله أكبر! بلغ البلاء مدته". ثم كتب إلى عُمَّاله في المناطق: الغوثَ الغوثَ، كتب إلى أبي عُبيدة بالشام، وإلى عمرو بن العاص بمصر، وإلى معاوية بن أبي سُفيان بالعِراق، يستغيثهم ويستمدُّهم، فأسرع الولاةُ لنجدةِ خليفتهم، وعاصمة إسلامهم، فجاءتْ قوافلُ المسلمين تزحف كالسيل، محمَّلة بالطعام والكِساء.

 

كتب إليه عمرو بن العاص: "أتاك الغوث -يا أمير المؤمنين-؛ لأبعثنَّ إليك بعِيرٍ أولُها عندَك، وآخرُها عندي".

 

ووصلت تلك الإغاثات إلى عمر -رضي الله عنه- فسُرِّي عنه، وخف همُّه، وبرد غمُّه، وقسم على كل ناحية من نواحي المدينة أمراء، يتولَّوْن إطعام الناس، ومتابعة حاجاتهم، ثم يجتمعون عندَه في المساء؛ ليوافوه بأخبار الناس، بل كان عمر -رضي الله عنه- يُشرِف بنفسه أحيانًا على إطْعام الناس، فيقول: أطعموا هؤلاء، وزِيدوا مرقةَ أولئك.

 

ذكر ابن سعد أنَّ عمر -رضي الله عنه- سأل يومًا: أحصوا مَن تعشَّى عندنا، فأحصوهم فكانوا سبعةَ آلاف، وفي ليلة أخرى عشرة آلاف.

واستمرَّتِ القدور العُمرية الضخْمة تستعر نارُها من بعد الفجر إلى المساء، وكان عمر -رضي الله عنه- يُرسِل إلى الناس مؤنةَ شهر ممَّا يصله من الأمصار.

 

ثم بعد تسعة أشهر، أخرجتِ الأرض خيرَها، وعمَّتْ بركتُها، وزال الضِّيق، ورُفِعتِ الكربة، ولهجتِ الألسن بحمد الله وشُكْره، فجعل الناس يترحَّلون من المدينة بعدَ أيام عَنَت ومشقَّة عاشوا فيها، وفقدوا فيها أحبابَهم.

 

وجعل الفاروق - رضي الله عنه - يسير معهم، ويودعهم بدمعات حارَّة، يرى تلك الوفود التي آوتْ إليه جائعةً متهالكة خائفة، ها هي الآن تعود إلى دِيارها ومساكنها، آمنةً مطمئنة، معها الزادُ والخير الكثير، فقال رجل لعمر في هذا المظهر المهيب: أشهد أنَّها انحسرتْ عنك، ولستَ بابن أَمَة، فقال له عمر: "ويلَك! ذلك لو كنتُ أنفقتُ عليهم من مالي أو مِن مال الخطَّاب، إنما أنفقتُ عليهم من مال الله - عزَّ وجلَّ -".

 

إخوة الإيمان: فإنَّ النفوس بعدَ سماع هذه الأخبار، ونوادر المواقِف، لا يسعها إلا أن تقِفَ خاشعة، مترضيةً عن فاروق الأمَّة، عارفةً فضلَه وفضائلَه، وقِدَمَه وأياديَه على أهل الإسلام، نسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يجمعنا وإيَّاكم مع هذه الصفوة الصادقة في دار كرامته، ومستقر رحمته.
أقول ما قد سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطَفى، وعلى آله وصحبه ومَن اجتبى... أما بعد:

أيُّها الناس: لقد علَّم الفاروق -رضي الله عنه- الأمَّةَ من بعده دروسًا كثيرةً عام الرمادة:

فعلَّم الأمَّة استشعارَ عظمة المسؤولية لكلِّ صاحب ولاية عامة أو خاصَّة، تتعلَّق بمعاش الناس وعيشهم ورزقهم.

 

وعلَّم عمرُ الأمَّةَ أيضًا صِدْقَ اللجوء إلى الله تعالى في الملمَّات، وشكاية الحال إليه في الأزمات.

 

وعلَّم عمرُ الأمَّة من بعده مبدأَ التضامن الإسلامي، وأن يسعى المسلِمون في مواساة إخوانهم المنكوبين والمحصورين، "فالمسلِم أخو المسلِم"، "والمسلِمون كالجَسد الواحد، إذا اشْتكى منه عضوٌ تَدَاعى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى".

 

كم يعيش المسلمون اليومَ في مناطقَ شتى، حالة تُشبِه حالةَ الرمادة في عهْد عمر!! كم يذوق إخواننا في أرْض الشام من ضِيق وضَنْك، وحصار مِن أرذل الخَلْق، وأنذل الخليقة، حتى كثُرت مناداتهم، وعَلَت تأوهاتهم، وبُحَّتْ أصواتهم من كثرة المسألة، وبلاد المسلمين تُنفق المليارات، لا نقول: في الأمور الضروريَّة، بل في الأمور الكمالية والتافِهة!![*].

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم
قتلى وأسرى فما يهتز إنسانُ؟
ألا نفوسٌ أبيَّاتٌ لها هممٌ
أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ

 

معاشرَ المسلمين: إننا في صددِ الحديثِ عن إغاثةِ الشعبِ اليمني والسوري والبورمي وغيرها من الشعوب نذكرُ دعمَ مركز الملك سلمان حفظه الله للإغاثة الإنسانية في سطور التي قد لا يذكرها الإعلام أو لا يسلط عليها الضوء كثيراً:

ونذكر هنا إحصائيات مشاريع المركز في اليمن فقط وهي كالتالي:

بلغ إجمالي مشاريع المركز ♦♦♦ 98 ثمانية وتسعون مشروعاً .

في مجال الأمن الغذائي، والإيواء، وإدارة وتنسيق المخيمات، والتعليم ، والحماية، والتعافي المبكر، والصحة، والتغذية، والمياه، والإصحاح البيئي، والاتصالات، والخدمات اللوجستية، ودعم وتنسيق العمليات الإنسانية.

 

وبلغ إجمالي الشركاء = 73 ثلاثة وسبعون شريك.

 

أما إجمالي مبالغ هذه المشاريع فقد بلغ (456,210,271) فقط أربعمائة وستة وخمسون مليوناً ومئتان وعشرة آلاف ومئتان وواحد وسبعون ريالاً سعودياً لا غير دولار أمريكي.

 

ونأملُ أن يكونَ لهذا الدعمِ ما بعدَه، وأن يتحرَّكَ المسلمون حكوماتٍ وشعوباً لدعم إخوانِهم في كلِّ مكان يحتاجُ فيه المسلمون إلى دعمٍ ومساندة.

 

وإذ سمعتم أن الفاروقَ -رضي الله عنه- يعتبرُ نفسَه مسؤولاً عن الدابةِ تموتُ في أرضِ العراق: لِمَ لَمْ يُمهِّد لها الطريق؟ فكيف بموتِ آلافٍ؛ بل ملايين من البشرِ المسلمين لا تصلُ إليهم حاجتُهم من الطعامِ أو الكساء، أو تصلُ إليهم بجهودِ اليهود والنصارى والمشركين فيسدُّون جَوْعةَ بطونهم، وتظلُّ قلوبُهم من الإيمانِ والإسلام جَوْعى؟!.

 

أخيراً.. إنكم معاشرَ المسلمين تُدعَوْنَ اليومَ للإنفاق، وتُمتحَنون في أموالكم، وكما تُسألون: من أين اكتسبتُموها؟ فتسألون: وفيمَ أنفقتُموها؟

 

وليس يخفى حاجةُ المسلمين في كل مكان، تنظر عن اليمين فتجد جائعاً منطوياً وتنظر عن الشمال تجد ميتاً من شدة البرد والعطش، فأَرُوا اللهَ من أنفسِكم خيراً، وانصُروا إخوانكم، ولا يَسبِقنَّكم غيرُ المسلمين.

 

اللهمَّ أغْنِ فقراءَ المسلمين، وسُدَّ حوائجَهم، وثبِّتْ على الحقِّ أقدامَهم، وانصُرهُم على القومِ الكافرين.

ثم إن الله أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا وهو: الصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الكريم. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا ورسولِنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائِر الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم عليك بمن اعتدَى على المُسلمين، اللهم عليك بمن اعتدَى على المُسلمين، اللهم عليك بمن اعتدَى على المُسلمين، اللهم اكتُب النصرَ والتمكينَ لجميع المُسلمين في كل مكان.

اللهم أيِّد إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين، اللهم سدِّد رأيَه، اللهم سدِّد رأيَه، اللهم اجعَله هادِيًا مهديًّا، اللهم اجمَع به كلمةَ المسلمين، اللهم انصُر به هذا الدين، اللهم احفَظ به البلادَ والعباد، اللهم احفَظ به البلادَ والعباد.

اللهم احفَظ جميع بلادِ المُسلمين، اللهم احفَظ جميع بلادِ المُسلمين، اللهم احفَظها من الشُّرور والأخطار، اللهم احفَظ بلادَ الحرمين، اللهم احفَظها بحفظِك، واكلأها برعايتِك وعنايتِك.

اللهم احفَظ علينا أمنَنا واستِقرارَنا، اللهم احفَظ علينا جميعًا في كل مكانٍ أمنَنا واستِقرارَنا ورغدَنا ورخاءَنا يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اجعَلنا شاكِرين لنِعَمِك، مُثنِينَ بها عليك، وأتمَّها علينا بفضلِك وجُودِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم اغفِر للمُسلمين والمُسلِمات، والمُؤمنين والمُؤمنات.

اللهم احفَظ المُسلمين في سُوريا واليمن وبورما والعراق وفلسطين، اللهم أطفِئ عنهم الفتنَ والشُّرور، اللهم احفَظهم بحفظِك، اللهم احفَظهم في كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنعِم عليهم بنعمةِ الأمن والاستِقرار، اللهم أنعِم على العالَم الإسلاميِّ بكلِّ أمنٍ واستِقرارٍ ورخاءٍ وعزَّةٍ وتمكين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم احفَظ جنُودَنا، اللهم احفَظ جنُودَنا، اللهم كُن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم احفَظهم في برِّك وجوِّك وبحرِك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أيِّدهم بتأييدك، اللهم أيِّدهم بتأييدك، اللهم أيِّدهم بتأييدك يا ذا الجلال والإكرام.

 

ربنا ظلمنا أنفسنا كثيراً ..ربنا آتنا في الدنيا حسنة..

عباد الله: اذكروا الله ذِكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بُكرةً وأصيلاً، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.

 


[*] ما سبق مستفاد من خطبة: من قصص السابقين (الوقوف مع حاجات المنكوبين) للشيخ إبراهيم بن صالح العجلان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تحقيق تخريج مسألة ( أن عمر لم يأخذ من الناس زمن الرمادة )

مختارات من الشبكة

  • صيام يوم عرفة يكفر الله بها عامين وصيام يوم عاشوراء يُكفر الله بها عاما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المبادرات العمرية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • في وداع العام واستقبال العام الجديد والحث على العمل وفضل يوم عاشوراء(مقالة - ملفات خاصة)
  • وزير الإرشاد والأوقاف السوداني: هذا العام عام مناصرة مسلمي جنوب السودان(مقالة - المسلمون في العالم)
  • خطبة: عام مضى وعام أتى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: العام الدراسي ليكون عام نجاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • ومضى عام، وجاء عام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إصدارات إدارة البحوث في دائرة الشؤون الإسلامية بدبي من عام 1994 إلى عام 2006م(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نودع عاما ونستقبل عاما جديدا (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب