• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (13)

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (13)
د. أيمن محمود مهدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/2/2017 ميلادي - 18/5/1438 هجري

الزيارات: 9315

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (13)


أدرك الصحابةُ الكرامُ رضوان الله عليهم مكانةَ السُّنة النبوية المطهَّرة، وعرَفوا قدرها، واستوعبوا النصوص الآمرة بتبليغ العلم، وأحَبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، فازدادوا قربًا من النبي صلى الله عليه وسلم، واستماعًا لأحاديثه، وتطبيقًا لها، ونقلوها إلى مَن بعدهم على أحسن ما يكون النقل.

 

والناظر في كتب العلم يُدرِك بوضوح أن للصحابة رضوان الله عليهم جهودًا جبَّارة في خدمة الحديث النبوي، استطاعوا عن طريقِها أن يحفظوا سُنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينقلوها إلى الأجيال التالية غضَّةً طرية، كما أرادها الله عز وجل ورسولُه صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يصِلوا إلى هذه النتيجة عن طريقِ جهود ضخمة، ولقد أثمرت هذه الجهود حفظَ السُّنة في الصدور، وفهمَها بالعقول، وتدوينها في الكتب، ونشرها وإذاعتَها بين الناس، وتطبيقَها في كل مجالات الحياة.

 

وسأذكرُ أبرز هذه الجهود، التي يتبيَّن من خلالها الجهدُ الذي بذلوه من أجل خدمة السُّنة، والطريقة التي اتَّبعوها من أجل صيانتها والحفاظِ عليها.

 

الثالث عشر: نقد الرواة أو وضع قواعد علم الجرح والتعديل:

حرَص الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على حفظ السنة في الصدور، وتطبيقها في جميع مناحي الحياة، وبعضُهم لم يكتفِ بذلك فكتبها في صُحُفٍ خاصة؛ صيانةً لها من الإضافة والنقصان، والتحريف والنسيان، وقام بعضهم بالتجريح والتعديل حمايةً للسُّنة، ولكن الكلام في الرجال جرحًا وتعديلًا كان قليلًا في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، ومعظمُه منصرفٌ إلى الضبط، وهذا أمرٌ طبيعي؛ وذلك لأن الرواة في هذا الزمن كانوا من الصحابة، والصحابة رضوان الله عليهم كلُّهم عدول، بتعديل الله عزَّ وجلَّ ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم، فلم يكونوا يعرفون الكذب في حديثهم، فضلًا عن أن يكذبوا على رسول اللهصلى الله عليه وسلم، ثم نقلوها إلى التابعين كما سمِعوها من فمِ النبيصلى الله عليه وسلم.


وقد أراد الصحابة رضوان الله عليهم بالاهتمام المُبَكِّر بقواعد الجرح والتعديل: الاحتياطَ من وقوع البعض في الخطأ، ولرسم قواعد قَبول الرواية لمن يأتي بعدهم.


سأل عبدالله بن عمر رضي الله عنه أباه رضي الله عنه عن روايةٍ لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقال له عمر رضي الله عنه: إذا حدَّثك سعدٌ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تسأل عنه غيرَه[1].


وسأل عمر رضي الله عنه عبدَالرحمن بن عوف رضي الله عنه عن حديثٍ، فوجد عنده منه علمًا، فقال له: هَلُمَّ؛ فأنت العدل الرضا[2].


وظلَّ الأمر على ذلك حتى ظهرت الفتنة، وحاول البعض أن يُؤَيِّد موقفَه بأدلَّةٍ من السُّنة، فبدأ الصحابة رضوان الله عليهم ينتبهون لهذا الأمر، ويسألون عن أسانيد الأحاديث، ويتثبَّتون في النقل، ويتحرَّون في الرواية، وقد وجَدوا في أدلة الشرع ما يُؤكِّد هذا المنهجَ ويوجبه؛ حمايةً للسنة، ودفاعًا عنها.


فبدأ الصحابة رضوان الله عليهم البحث والتفتيش عن حال الرواة، إلا أن الكلام في الرواة جرحًا وتعديلًا كان قليلًا في هذا الزمن المبارك؛ لقِلَّة بواعثه؛ ولأن أكثر الرواة صحابة، وهم عدول، وأكثر الرواة من التابعين ثقات، فلا يكاد يوجد في القرن الأول - الذي انقرض فيه الصحابة وكبارُ التابعين - ضعيفٌ، إلا الواحد بعد الواحد من التابعين، ولقد تكلَّم في الرواة عددٌ من صغار الصحابة[3]؛ كأنس بن مالك رضي الله عنه، وعبدالله بن عباس رضي الله عنه، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وغيرهم، وسأضرب لك من الأمثلة ما يُؤكِّد هذا الأمرَ ويثبته:

1- عن أبي إسحاق قال: كنتُ مع الأسود بن يزيد جالسًا في المسجد الأعظم[4]، ومعنا الشعبي، فحدَّث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سُكْنى ولا نفقة، ثم أخذ الأسود كفًّا من حصى، فحصبه به[5]، فقال: ويلك تُحدِّثُ بمثل هذا؟ قال عمر رضي الله عنه: لا نترك كتاب الله عزَّ وجلَّ وسُنة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم لقول امرأةٍ لا ندري لعلَّها حفِظَت أو نسيت، لها السكنى والنفقة؛ قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ [الطلاق: 1][6].


فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحتاطُ في نقل هذه الرواية التي يراها مخالفةً للقرآن الكريم، ويُعلِّل سبب الرفض بخشيته مِن عدم ضبط راويهِ في النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المعارضة التي رآها عمر رضي الله عنه ليسَتْ موضع تسليم عند الصحابة رضوان الله عليهم ومَن بعدهم؛ فإن هذه الآية إما أن تكون خاصة بالرجعية، كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1]، وقوله: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [الطلاق: 2]، فلا تعارُضَ حينئذٍ؛ لأن الحديث في البائن، وإما أن تكون شاملةً للرجعية والبائنة، وعلى هذا فلا يكون حديث فاطمة منافيًا للقرآن، بل غايته أن يكون مخصِّصًا لعمومه[7]، والأمر موضع خلافٍ بين العلماء، والذي يعنينا هنا: هو نقد الصحابة رضوان الله عليهم للرُّواة وللمتون.


2- قال محمد بن سيرين أحد أئمة التابعين: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمَّا وقعتِ الفتنة، قالوا: سَمُّوا لنا رجالَكم، فيُنْظر إلى أهل السُّنة فيُؤْخَذ حديثُهم، ويُنْظَر إلى أهل البِدَع فلا يُؤْخَذ حديثهم[8].


فهذا الأثر يُفيد وقوع العناية بالإسناد منذ عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وهي تُمَثِّل نشأة بذوره فقط؛ لأن الإسنادَ وسيلةٌ للكشف عن الرواة لاختبار عدالتهم وضبطهم، وكلهم عدولٌ ضابطون، ولكن كان يروي بعضهم عن بعض، والقليل منهم كان يروي عن التابعين، كما روى السائب بن يزيد - وهو صحابي - عن عبدالرحمن بن عبد القاري، وهو تابعي[9].

فقد اعتنَوا بالإسناد؛ للوقوف على مخرج الحديث سليمًا، وكلما ظهرتِ الفتن زاد اهتمامهم بالإسناد.


قال ابن حبان: ولو لم يكنِ الإسنادُ وطلب هذه الطائفة له، لظهَر في هذه الأمة من تبديل الدينِ ما ظهر في سائر الأمم؛ وذلك أنه لم يكن أمةٌ لنبي قط حفِظتْ عليه الدين عن التبديل ما حفظت هذه الأمةُ، حتى لا يتهيَّأ أن يُزَاد في سُنةٍ من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَلِفٌ ولا واوٌ، كما لا يتهيَّأ زيادة مثله في القرآن؛ لحفظ هذه الطائفة السُّننَ على المسلمين، وكثرة عنايتهم بأمر الدين، ولولاهم لقال مَن شاء ما شاء[10].

 

3- عن مجاهد بن جبرٍ قال: جاء بُشَير العدوي إلى ابن عباس رضي الله عنه، فجعل يُحدِّثٌ ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس رضي الله عنه لا يأذَنُ[11] لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال: يا بن عباس، ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أُحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع؟! فقال ابن عباس رضي الله عنه: إنا كنَّا مرةً إذا سمعنا رجلًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرَتْه أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركِب الناس الصعبَ والذلول[12]، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف[13]، فهذا ابن عباس رضي الله عنه يرفض الإصغاء لحديثٍ لا سند له، حتى يعرف رجاله، ويعرف أيُقْبَلُ حديثهم أم لا؟

 

4- قال سعيد بن جبير:قلت لابن عباس رضي الله عنه: إن نَوْفًا البِكَالي[14] يزعم أن موسى عليه السلام ليس بموسى بني إسرائيل، إنما هو موسى آخر، فقال: كذب عدوُّ الله؛ حدثنا أُبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((قام موسى النبي عليه السلام خطيبًا في بني إسرائيل، فسُئِل: أيُّ الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعَتَبَ الله عليه؛ إذ لم يردَّ العلم إليه...))؛ الحديث[15].


5- عن ابن مُحيريز أن رجلًا من بني كنانة يُدعى المُخْدجي، سمع رجلًا بالشام يُدْعَى أبا محمد[16]، يقول: إن الوتر واجب، قال المُخْدجي: فرُحْتُ إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه فأخبرتُه، فقال عبادة رضي الله عنه: كذب[17] أبو محمد؛ سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى العِبَادِ ...))؛ الحديث[18].


6- عن عَمْرَة بنت عبدالرحمنأنها أخبرت عائشةَ أنعبدالله بن عمر رضي الله عنه يقول: ((إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحَيِّ))، فقالتعائشة:يغفر اللهلأبي عبدالرحمن، أمَا إنه لم يكذب، ولكنه نسِي أو أخطأ، إنما مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهوديةٍ يُبْكَى عليها، فقالصلى الله عليه وسلم: ((إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعذَّبُ فِي قَبْرِهَا))[19].


7- عن محمود بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه أنه حدَّث عن عِتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: كنتُ أُصلِّي لقومي بني سالم...، الحديث، وفيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا الله، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ))، قال محمود رضي الله عنه: فحدَّثْتُها قومًا فيهم أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوته التي تُوفِّي فيها، ويزيد بن معاوية عليهم بأرض الروم، فأنكرها عليَّ أبو أيوب رضي الله عنه، قال: والله ما أظنُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قُلْتَ قط، فَكَبُر ذلك عليَّ، فجعلتُ للهِ عليَّ إن سلَّمني حتى أقفُلَ من غزوتي، أن أسأل عنها عتبان بن مالك رضي الله عنه إن وجدتُه حيًّا في مسجد قومِه، فقفلتُ: فأهللتُ بحجةٍ أو بعمرة، ثم سِرْتُ حتى قدمتُ المدينة، فأتيتُ بني سالم، فإذا عتبان رضي الله عنه شيخٌ أعمى يُصَلِّي لقومه، فلما سلَّم من الصلاة، سلَّمتُ عليه وأخبرته من أنا، ثم سألتُه عن ذلك الحديث، فحدَّثنيه كما حدَّثنيه أوَّلَ مرة[20].


ففي هذا الحديث: حلفُ أبي أيوب رضي الله عنه ونفيُه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث، وذلك على حسب ظنِّه، ويُمكِن أن يتذرَّع به مُتذرِّعٌ في أن بعض الصحابة رضوان الله عليهم قال على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، وقد بيَّن العلماء وشرَّاح الحديث وجهَ إنكار أبي أيوب رضي الله عنه على محمود بن الربيع رضي الله عنه؛ وذلك أنه رأى الحديث بحسب علمه مخالفًا لآياتٍ كثيرةٍ من القرآن؛ مثل قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 71]، وأحاديث شهيرة منها: حديث الشفاعة، الذي فيه أن المؤمنين يخرجون من النار[21]، ولم يدُرْ بخَلَدِه التوفيقُ بين النصوص، فظنَّ أن محمود بن الربيع رضي الله عنه أخطأ في نقله، فنفى الحديث وأنكره، بحسب ما غلب على ظنه، ومن السهل أن يُقَال لنفي هذا التعارض المُتَوَهَّم: إن التحريم محمولٌ على تحريم الخلود في النار؛ جمعًا بين النصوص الصحيحة.


وعلى هذا: فإذا ورد على لسان أحدِ الصحابة نفيُ ما رواه نظيره، أو قوله في مثيله: كذب فلان، أو نحو هذا من العبارات - فالمراد به أنه أخطأ أو نسي؛ لأن الكذب عند أهل السنة هو: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه عمدًا، أو نسيانًا، أو خطأً، ولكن الإثم يختصُّ بالعامد فقط، وحاشا الصحابة الأبرار رضوان الله عليهم أن يتعمَّد أحدهم ذلك، رضي الله عنهم وأرضاهم[22].


مِن كل ما مضى يتَّضِحُ لنا أن الصحابة رضوان الله عليهم بلَغُوا الذروةَ في التثبُّت من الحديث، وأعملوا الرويَّة والأناة في تحمُّل الخبر وأدائه، ولم يحدِّثوا إلا عن ثقةٍ تامةٍ بصحة ما يحدِّثون به، وقد حرَصوا كلَّ الحرص على المحافظة على الحديث، وما تركوا وسيلةً تُبَلِّغُهُم هذه الغاية إلا أخذوا بها، وتحرَّوا أقوم المناهج وأدقَّها في الذبِّ عن السُّنة ودفعِ كل دَغَلٍ عنها[23].



[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب المسح على الخفين 1/ 365، رقم: 202.

[2] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب السهو 1/ 324 وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

[3] راجع في هذا الموضوع: المتكلِّمون في الرجال؛ للسخاوي صـ: 93، وذكر من يُعْتَمد قوله في الجرح والتعديل؛ للذهبي صـ: 175.

[4] يريد مسجد الكوفة؛ فإن أبا إسحاق والأسود والشعبي كلهم كوفيون.

[5] أي رمى الأسود الشعبيَّ بالحصباء؛ إنكارًا منه على هذا الحديث.

[6] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، 2/ 1118، رقم: 1480.

[7] راجع في هذا الموضوع: كلام ابن القيم في تهذيبه لسنن أبي داود وشرحه لها، 3/ 190 - 193.

[8] أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، باب بيان أن الإسناد من الدين 1/ 15.

[9] صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل 1/ 515، رقم: 747.

[10] المجروحين؛ لابن حبان 1/ 25.

[11] أي: لا يستمع ولا يُصغي، ومنه سُمِّيت الأذن؛ راجع: لسان العرب 1/ 105.

[12] أصل الصعب والذلول في الإبل، فالصعب: العسر المرغوب عنه، والذلول: السهل الطيب المحبوب المرغوب فيه، فالمعنى: سلك الناس كل طريقٍ مما يُحمد ويذم، وتركوا المبالاة في القول والعمل؛ راجع: النهاية في غريب الحديث 3/ 28.

[13] أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها؛ 1/ 13.

[14] نَوْف - بفتح النون وسكون الواو - بن فَضَالة - بفتح الفاء والضاد المعجمتين - البِكَالي - بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف، ابن امرأة كعب، كان إمامًا لأهل دمشق، كذَّب ابنُ عباس رضي الله عنه ما رواه عن أهل الكتاب، مات بعد التسعين؛ راجع: تهذيب التهذيب 8/ 562، رقم: 7493.

[15] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب العلم، باب ما يُستحبُّ للعالم إذا سُئِل: أيُّ النَّاس أعلم؟ 1/ 263، رقم: 122، ومسلم في صحيحه بنحوه، كتاب الفضائل، باب من فضائل الخضر عليه السلام، 4/ 1847، رقم: 2380.

[16] أبو محمد هو: مسعود بن أوس، وقيل: ابن زيد، أنصاري، له صحبة؛ راجع: الإصابة 7/ 303، رقم: 10510.

[17] قال ابن حجر: قال ابن حبان: وأهل الحجاز يُطْلِقُون (كذب) في موضع (أخطأ)، قال: ويؤيِّد ذلك إطلاقُ عبادة بن الصامت رضي الله عنه قوله: "كذب أبو محمد" لَمَّا أُخْبِر أنه يقول: "الوتر واجب"؛ فإن أبا محمد لم يقله روايةً، وإنما قاله اجتهادًا، والمجتهد لا يُقَال: إنه كذب؛ إنما يُقال: إنه أخطأ؛ هدي الساري صـ: 448.

[18] أخرجه أبو داود في سننه بلفظه، كتاب الصلاة، باب فيمن لم يُوتر 2/ 63، رقم: 1420، وأخرجه بنحوه: النسائي في سننه، كتاب الصلاة، باب المحافظة على الصلوات الخمس 1/ 230، ومالك في الموطأ، كتاب الصلاة، باب الأمر بالوتر صـ: 120، وأحمد في مسنده 16/ 392، رقم: 22592، والدارمي في سننه، كتاب الصلاة، باب في الوتر 1/ 446، رقم: 1577، وابن حبان في صحيحه الإحسان، كتاب الصلاة، باب فضل الصلوات الخمس 3/ 115، رقم: 1728، وابن ماجه في سننه مختصرًا، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها 1/ 448، رقم: 1401، وصحَّحه الألباني؛ انظر: صحيح سنن ابن ماجه 1/ 235، رقم: 1150، وقال ابن عبدالبر: هذا حديثٌ صحيحٌ ثابت؛ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 10/ 156، قلت: الحديث إسناده صحيح ورجاله ثقات.

[19] أخرجه مسلم في صحيحه بلفظه، كتاب الجنائز، باب الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه 2/ 643، رقم: 932، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه بنحوه، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه))، 3/ 181، رقم: 1289.

قال الإمام القرطبي: إنكار عائشة رضي الله عنها ذلك، وحكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان، أو على أنه سمع بعضًا ولم يسمع بعضًا - بعيدٌ؛ لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون، وهم جازمون، فلا وجهَ للنفي مع إمكان حمله على محملٍ صحيح.

وقال جمهور المحدثين بصحة ما رواه عمر وابنه رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن كلام عائشة رضي الله عنها لا يقـدح فيـه، وقد جمع كثيـرٌ من أهـل العلـم بين حديثَي عمـر وابنه عبدالله رضي الله عنهما وعائشة رضي الله عنها بضروبٍ من أوجه الجمع؛ راجع: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم؛ لأحمد بن عمر القرطبي، 2/ 581، 582، وفتح الباري 3/ 184 وما بعدها، وتهذيب سنن أبي داود وشرحه؛ لابن قيم الجوزية 4/ 293، وما بعدها.

[20] أخرجه البخاري في صحيحه بلفظه، كتاب التهجُّد، باب صلاة النوافل جماعة 3/ 72، رقم: 1185، والحديث عند مسلم في صحيحه بدون القصة المذكورة، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة 1/ 455، رقم: 33.

[21] أخرج البخاري في صحيحه من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: ((يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ))؛ كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال 1/ 91، رقم: 22.

[22] انظر: فتح الباري 3/ 74، ولمحات من تاريخ السنة؛ للشيخ عبدالفتاح أبو غدة صـ: 72، 73.

[23] الضوء اللامع المبين عن مناهج المحدثين؛ للدكتور أحمد محرم صـ: 92.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (9)
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (10)
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (11)
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (12)
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (14) نقد المرويات أو المتون
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (15)
  • جهود الصحابة رضي الله عنهم في تدوين السنة

مختارات من الشبكة

  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (8)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (7)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (6)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جهود الصحابة رضوان الله عليهم في خدمة السنة (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة حق الصحابة رضوان الله عليهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقصد العدل في حياة الصحابة رضوان الله عليهم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب