• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع
علامة باركود

فضل الإطعام في يوم ذي مسغبة

فضل الإطعام في يوم ذي مسغبة
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/11/2016 ميلادي - 6/2/1438 هجري

الزيارات: 40000

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فضل الإطعام في يوم ذي مسغبة[1]

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:71 - 72].


أما بعد: فإن أصدق القيل قيلُ الله، وخير الهدي هدي رسول الله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الناس، حينما تتبدل الأحوال، وتتغير الأطوار، ينطق الزمان بصمته قائلاً للناس: إن المسرة لا تدوم، وحلاوة العيش لا تستمر، وسعة الدنيا تضيق، وغضارة الأيام تذهب ولو بعد حين.


فبينا الإنسان يعيش في بحبوحة من الحياة، تفيض دنياه نعمة واتساعًا، بعيداً عن شوائب الأكدار، وآلام الحاجة؛ إذا غِيَرُ الحياة-بقدر الله تعالى- تهجم على سروره فتنازعه ما وجد، وتغيّض عنه ما فاض عليه، فينقلب السرور شروراً، والوسع ضيقًا، والصباح مساء، والابتسام عبوساً.

كأن لم يكن يومًا سليلَ تنعُّمٍ ♦♦♦ ولا ذاق طِيْبَ العيش حينًا من الدهر


قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس:24].


هكذا تمضي الدنيا بأهلها، لا يذوقون منها كأس الحلاوة حتى يبادر إليهم كأسُ المرارة.

عباد الله، إن الشدائد التي تمر بها بلادنا وبعض بلاد المسلمين اليوم كسوريا والعراق وليبيا قد تفاقمت، وشدّ بعضها أزر بعض حتى ضاقت بالناس المسالك، فظن كل منهم أنه هالك.


ولكن الأزمة الغذائية قد تصدرت صفحة الأزمات، فقد امتد عناؤها، وتطاير شررها حتى وصل إلى بيوت كثيرة.

بل ظهرت مجاعات في بعض المناطق أدّت ببعض أهلها إلى الهزال المخيف، أو الموت بعد المعاناة، كما ظهرت حالات فردية ذاقت شدةَ البؤس؛ لكونها لا تجد لقمة العيش اليومي التي يعيش بها ذو كبد.


وما زالت الأيام تنذر بقادم مجهول لا يُدرى ماذا يخبئ في جعبته من المفاجآت، ولكن نسأل الله أن يفرج عن المسلمين في كل مكان ما ألمّ بهم من الشدائد والمحن، وأن يجمع كلمتهم على الحق المبين.


أيها المسلمون، إن الأزمات الغذائية عدو يهدد المجتمعات، مهما كان عندها من أسباب الكفاية والغنى؛ لأنه قد يأتيها فجأة، أو زائداً على الاستعداد الذي يواجهها، أو تجتمع لحصوله أسباب غير مقدور على دفعها.


فواقعنا المَعيش في هذا العصر فيه نماذج من كوارث المجاعات التي اجتاحت أماكن معينة من العالم، حتى سقطت بسببها أعداد غير قليلة من موتى الجوع والظمأ والمرض.


وأما في العصور السابقة لعصرنا فهناك أمثلة كثيرة من طوفان المجاعة والمسغبة الذي جرف في طريقه إلى الموت والفناء آلافَ البشر، بل وصلت الأحوال البائسة في تلك العصور الخالية جراء المجاعة الشديدة إلى مشاهد يصعب تصورها، كما يذكر ذلك بعض المؤرخين.


فمن أمثلة المجاعات في التاريخ الإسلامي: ما ذكره ابن كثير رحمه الله في كتابه "البداية والنهاية"، فقد قال في حوادث السنة الثامنة عشرة للهجرة في عام الرمادة: " كان في عام الرمادة جدب عم أرض الحجاز، وجاع الناس جوعًا شديداً..... وقد أجدبت الناس في هذه السنة بأرض الحجاز، وجفلت الأحياء إلى المدينة، ولم يبق عند أحد منهم زاد، فلجأوا إلى أمير المؤمنين (أي: عمر رضي الله عنه) فأنفق فيهم من حواصل بيت المال مما فيه من الأطعمة والأموال حتى أنفذه، وألزم نفسه أن لا يأكل سمنًا ولا سمينًا حتى يكشف ما بالناس"[2].


وفي حوادث سنة (334هـ) قال ابن كثير: "وفي هذه السنة وقع غلاء شديد ببغداد حتى أكلوا الميتة والسنانير والكلاب"[3].


وفي حوادث سنة (462هـ) قال: "وفيها كان غلاء شديد بمصر فأكلوا الجيف والميتات والكلاب، فكان يباع الكلب بخمسة دنانير، وماتت الفيلة فُأكلِت مِيتاتها، وأُفنيت الدواب"[4].


وفي حوادث سنة (492هـ) قال: " وفيها غلت الأسعار جداً ببغداد، حتى مات كثير من الناس جوعًا، وأصابهم وباء شديد حتى عجزوا عن دفن الموتى من كثرتهم"[5].


وذكر أشياء أخرى فظيعة جداً من آثار تلك المجاعات.

أيها الأحبة الفضلاء، إن أيام الشدائد تكشف عن معادن الرجال، وحقائق النفوس، وتظهر ما فيها من خبايا الأخلاق والأعمال.


ففي الأزمة الغذائية يظهر من المسلمين المصابين بها الذين لا يجدون ما يذهبها أو يخففها عنهم أعمال وأخلاق متباينة:

فمنهم من يتجلدون لها، ويصبرون فيها على شظف العيش، وقلة القوت، وتبدو عليهم القناعة والعفة، ويتسلّون بالأجر المترتب على الصبر على البلاء، وبوجود أقوام آخرين يعانون ما يعانون أو أشد منهم معاناة.


فهم حينما يقرأون حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه رضي الله عنهم وما لقوا من ضيق العيش وشدة الحال في بعض الأوقات حتى ربطوا الحجارة على بطونهم أحيانًا من شدة الجوع، وربما عاش الواحد منهم يومه كاملاً على تمرة واحدة، كما في سرية الخبَط، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما بات ليالي طاويًا لا يجد ما يتعشى به عليه الصلاة والسلام؛ فإنهم عند معرفة ذلك يجدون مسلاةً وضياء ينيرون به طريقهم في دياجي أزمة الجوع.


ومن الناس المصابين بأزمة الجوع من يظهرون الجزع الشديد، والهلع الكثير، وقد يركبون مطايا الحرام المتعلق بحقوق الناس؛ ليصلوا إلى الغذاء.


وأما الذين سلِموا من الأزمة الغذائية لكونهم في غنى أو كفاية في أرض الأزمة، أو لبعدهم عن مكان الكارثة؛ فهم بين متغافل عما يحدث لإخوانه، ممسك لماله، ليس له هم إلا نفسه ومصالحه، غير ناظر بعين الرحمة إلى أهل المجاعة، ولا يعتبر بأن دوران الدوائر قد يصل إليه.


ومن أهل الغنى أو الكفاية من يشعر بآلام الجوعى، ويحس بمعاناة البؤساء، فتتحرك فيه ينابيع الرحمة والعطف ليجود عليهم ويسخو بشيء من ماله وعونه، ويتابع كرمه حتى تذهب عنهم الضراء.


يذكر أن رجلاً يقال له: العرجي كان غازيًا فأصابت الناس مجاعة، فقال للتجار: أعطوا الناس، وعليَّ ما تعطون، فلم يزل يعطيهم ويطعم الناس حتى أخصبوا، فبلغ ذلك عشرين ألف دينار، فألزمها العرجي نفسه، وبلغ الخبرُ عمرَ بن عبد العزيز فقال: بيت المال أحق بهذا، فقضى التجارَ ذلك المالَ من بيت المال[6].


أيها الأحبة الكرام، إن إطعام الجوعى، والصدقة على المحتاجين بالغذاء أيام البلاء من أعظم الأعمال الصالحة التي يُتقرب بها إلى الله تعالى؛ لأن الغذاء هو قوام البدن، ووقود استمرار الحياة الدنيوية.


وهذا العمل له فضل عظيم عند الله تعالى، وله آثار حسنة تعود على صاحبه في الدنيا والآخرة؛ فهو من أعظم أسباب تفريج الكرب عن الإنسان، وعونه على مصالح دينه ودنياه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفَّسْ عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)[7].


وهو من أسباب النجاة من المكاره؛ فقد ذكر الإمام الشوكاني في كتابه" البدر الطالع" أنه كان هناك رجل ذو دين وصدقة، فاتفق أنه بنى مسجداً يصلي فيه، وجعل يأتي ذلك المسجد كل ليلة بالسراج وبعشائه، فإن وجد في المسجد من يتصدق عليه أعطاه ذلك العشاء، وإلا أكله وصلى صلاته، واستمر على ذلك الحال، ثم إنها اتفقت شدة ونضب ماء الآبار، وكانت له بئر، فلما قل ماؤها أخذ يحتفرها هو وأولاده، فخربت تلك البئر والرجل في أسفلها خرابًا عظيمًا، حتى إنه سقط ما حولها من الأرض إليها فأيس منه أولاده، ولم يحفروا له، وقالوا: قد صار هذا قبره، وكان ذلك الرجل عند خراب البئر في كهف فيها فوقعت إلى بابه خشبة منعت الحجارة من أن تصيبه، فأقام في ظلمة عظيمة، ثم إنه بعد ذلك جاءه السراج الذى كان يحمله إلى المسجد، وذلك الطعام الذى كان يحمله كل ليلة، وكان به يفرق ما بين الليل والنهار، واستمر له ذلك مدة ست سنين والرجل مقيم في ذلك المكان على تلك الحال، ثم إنه بدا لأولاده أن يحفروا البئر لإعادة عمارتها، فحفروها حتى انتهوا إلى أسفلها، فوجدوا أباهم حيًا، فسألوه عن حاله، فقال لهم: ذلك السراج والطعام الذى كنت أحمل إلى المسجد يأتيني على ما كنت أحمله تلك المدة، فعجبوا من ذلك فصارت قضية موعظة يتوعظ بها الناس في أسواق تلك البلاد[8].


كذلك أن إطعام الجوعى من أسباب دخول الجنة، وقد ورد في ذلك أحاديث عدة، منها:

قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام)[9].

وقوله عليه الصلاة والسلام: (من ختم له بإطعام مسكين محتسبًا على الله عز وجل دخل الجنة)[10].


أيها المسلمون، إذا كان إطعام الطعام له هذا الفضل والثواب العاجل والآجل؛ فإن أجره عند الله، وأثره الحسن بين الناس يعظم ويتضاعف في أيام المجاعات، والأزمات الغذائية، وسيطرة السغب.


قال تعالى: ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴾ [البلد:11 - 18].


ومعنى الآيات: فهلا تجاوز الإنسان مشقة الآخرة بإنفاق ماله في عتق رقاب الأرقاء، أو في إطعام يتيم من ذوي القربى، أو في إطعام الفقير المُعدم في يوم ذي مجاعة، فمن فعل ذلك من المؤمنين مخلصًا لله تعالى، وكان من الذين يوصون غيرهم بالصبر والرحمة؛ فإنه مما سيؤتون كتبهم بإيمانهم، ويدخلون الجنة.


قال الرازي رحمه الله تعالى: " واعلم أن إخراج المال في وقت القحط والضرورة أثقل على النفس، وأوجب للأجر"[11]. وذلك أن النفس تبخل في وقت الشدة خوفًا من نفاد ما عندها، ولكن الأجر يعظم؛ لما في ذلك من إغاثة الملهوف، وإحياء النفوس.


إن المؤمن الرحيم يغتم غمًا شديداً عندما يرى الجوع يفتك بإخوانه المسلمين، ويرسم على وجوههم البؤس والحزن، وعلى أجسامهم العري والذبول، فما يصبر على ذلك حتى يجود من خيره بما يستطيع.


فعن جرير رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى، ثم خطب فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1] إلى آخر الآية ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] والآية التي في الحشر: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 18]، تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة ). قال: فجاء رجل من الأنصار بِصُرَّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مُذهَبَة[12]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)[13].


ذكر الماوردي في كتابه" أدب الدنيا والدين" أن أعرابيًا أتى عمر رضي الله عنه فقال:

يا عمرَ الخير جُزيتَ الجَنَّهْ
اُكسُ بُنَيَّاتي وأُمَهنَّهْ
وكن لنا من الزمان جُنَّهْ
أُقسم بالله لتفعلنَّهْ


فقال عمر رضي الله عنه: فإن لم أفعل يكون ماذا؟ فقال:

إذاً أبا حفصٍ لأذهبنَّهْ

 

فقال: فإذا ذهبتَ يكون ماذا؟ فقال:

يكون عن حالي لتُسألَنَّهْ
يوم تكون الأعطياتُ هَنَّهْ
وموقفُ المسئول بينهنّهْ
إما إلى نارٍ وإما جَنَّهْ

 

فبكى عمر رضي الله عنه حتى اخضلت لحيته، ثم قال: يا غلام، أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره، أما والله لا أملك غيره"[14].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أيها المسلمون، إن المطلوب في ظل الأزمة الغذائية أن يصبر المبتلى بها صبراً جميلاً لا ضجر فيه ولا شكوى، والصابرون يوفون أجرهم بغير حساب. وليعلم المبتلى بضيق العيش أنه ليس على الطريق وحده؛ فقد سبقه عليه أقوام إثر أقوام بُلوا أشد مما بُلي، وجاعوا أكثر مما جاع، و "في كلِّ وادٍ بنو سعد"، كما قيل.


وفي واقعه لو فتش سيجد من هو أشد منه ضرراً ومسغبة، ولكن بعض الناس لا يظهرون حاجتهم تعززاً وتعففًا وتكرمًا. ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾ [البقرة:273].


ومما تواجه به الأزمة الخانقة-معشر الفضلاء-؛ حتى يخف وقعها، ويقرب ارتفاعها: حسن التدبير للمعيشة على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص، على الحكومات، وعلى أفراد الشعوب.

فعلى المستوى العام: أن يكون هناك استعداد غذائي ومالي تسد به الحاجات إذا طرأت، وتعالج به هذه المشكلات إذا نزلت.


كما فعل نبي الله يوسف عليه السلام لما تولى خزائن مصر للعزيز، فإنه لما عبر للملك رؤيا السبع البقرات السمان، والسبع السنبلات الخضر بسبع سنين مخصبات، والسبع البقر الأخريات، والسبع السنبلات اليابسات بسبع سنين مجدبات، وعرف الملك فضل عقله، وجودة رأيه، وعرف يوسفُ أهمية حسن التدبير الغذائي فيما سيأتي من السنوات؛ فإنه طلب من الملك أن يوليه أمر خزائن الدولة؛ ليحسن مدافعة هجوم السنوات المجدبات بحسن التدبير في السنوات المخصبات، قال تعالى: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف:55].


وقد كان تدبيره المالي: أنه زرع أرض مصر في السنوات السبع المخصبات زروعًا كثيرة، وجبى من الأطعمة شيئًا كثيراً، وأودع تلك الأغذية في مخازن أُعدِت لذلك، فلما جاءت السنوات السبع المجدبات صرف ذلك المخزون على الناس، وأذهب بحسن تدبيره الجوعَ عن الناس.


وأما التدبير الخاص فيكون على مستوى الأسرة بالتخفيف من الكماليات، والنظر إلى الضروريات، وعلى مستوى الأقارب والجيران وذلك بالاشتراك الغذائي واقتسام لقمة العيش بين الجميع؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو- أي: افتقروا -، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني، وأنا منهم )[15].


أيها المسلمون، ومما تواجه به الأزمة الغذائية: إحياء التعاون الاجتماعي بين المسلمين، فالأغنياء فتح لهم اليوم باب عظيم من أبواب البر، الذي تضاعف به الحسنات، وترفع به الدرجات، وتكفر به السيئات؛ فإن الصدقة في أيام المجاعات ليست كالصدقة في غيرها، بل لعلها-والله أعلم- أفضل منها في رمضان أيام الكفاية؛ لأن فيها إحياء لنفوس كاد الجوع أن يسوقها إلى المقابر. وهذا العمل من صفات أهل الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم، وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى) [16].

وإنه ليس من الإيمان أن يشبع المسلم وأخوه المسلم من قريب أو جار أو بعيد يتلمَّض جوعًا لا يجد ما يسد به رمقه.


قال الشاعر:

فلو كنتَ جاراً يا ابن قيسٍ لعاصمٍ ♦♦♦ لما بِتَ شبعانًا وجارُك ساغبا[17].


فيا أيها الأغنياء، هذه فرصتكم، وهذا خير عظيم سيق إليكم، فلا تضيعوا هذه الغنيمة الباردة، فإن ضاقت بكم القدرة اليوم عن الصدقة فأخرجوا من الزكاة، وإن لم يحن وقتها؛ لأنه يجوز إخراج الزكاة قبل وجوبها على القول الصحيح؛ كما فعل رسول الله صلى الله عليه في زكاة العباس رضي الله عنه[18].


ونقول لكم اليوم:

ألا أيها القومُ الكرامُ لقد أتتْ
على الناسِ أيامٌ شديدٌ سعيرُها
وساءتْ بها الأحوالُ حتى تتابعتْ
مصائبُ قد شقَّ الزمانَ زئيرُها
فكشَّرَ فيها الجوعُ عن نابِ شِدَّةٍ
تُمزِّقُ أحشاءَ الورى وتُضيرُها
فأظلمتِ الأرجاءُ في وجهِ مُقترٍ
وضاقتْ به الدنيا وقَلَّ سرورُها
على صدرِه أطوادُ غمٍّ تربَّعتْ
وفي عينه دنيا تَغيبُ بدورُها
تحيطُ به الحاجاتُ من كلِّ جانبٍ
وتَنبحُه الضَّرَّاْ ويعلو هريرُها
على وجهِه بؤسٌ يقولُ لمن يَرى
هنا تُكتَبُ الشكوى وتُقراْ سطورُها
ولا يُعلِنُ الأحرارُ حاجاتِ دهرِهم
ولكنْ بصمتِ البِشْرِ يبدو ضميرُها
فجودوا -فما في الجودِ خُسْرٌ- بِمِنَّةٍ
فربُّكمُ المولى الكريمُ شكورُها
ومدُّوا يدَ الإحسانِ يا باذليْ النَّدى
فأنتمْ سحابُ الجودِ جَادَ مَطيرُها
فما أجملَ المعروفَ والدهرُ مُمحِلٌ
وبَطنُ ذوي الَّلأواْ يَصرُّ صَريرُها
فهذا زمانُ السغْبِ يا قومُ فاطردوا
جحافَله الّلاتي تمادتْ شرورُها
لتهطلَ هذا اليومَ كفٌّ كريمةٌ
فيضحكَ في أرضِ الكرامِ فقيرُها


هذا وصلوا وسلموا على الرسول الرؤوف الرحيم...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في: 4/ 2/ 1438هـ، 4/ 11/ 2016م.

[2] البداية والنهاية (7/ 90).

[3] المصدر السابق (11/ 213).

[4] المصدر السابق (12/ 99).

[5] المصدر السابق(12/ 157).

[6] ينظر: الأغاني، للأصفهاني (1/ 381).

[7] رواه مسلم.

[8] البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع (1/ 470).

[9] رواه أحمد والترمذي وابن حبان، وهو حسن.

[10] رواه ابن شاهين، وأبو نعيم في أخبار أصبهان، وهو في السلسلة الصحيحة للألباني.

[11] تفسير الرازي: مفاتيح الغيب (31/ 169).

[12] أي: فضة مموهة بذهب، كناية عن الصفاء والاستنارة.

[13] رواه مسلم.

[14] أدب الدنيا والدين (ص: 245).

[15] متفق عليه.

[16] متفق عليه.

[17] تفسير القرطبي (20/ 69).

[18] جاء في الحديث: (إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام)، رواه الترمذي، وهو حسن.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أهمية إطعام الطعام في الإسلام
  • الاستقرار .. إطعام من جوع وأمان من خوف
  • من الآداب: التزاور والإطعام (للأطفال)
  • لماذا لا يستطيع العالم الاستمرار في إطعام سكانه؟
  • أحكام شعر الإنسان

مختارات من الشبكة

  • مفهوم الفضائل والمناقب والخصائص والبركة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل العفو والصفح - فضل حسن الخلق - فضل المراقبة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أيام الله المعظمة: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • فضل صيام ستة أيام من شوال - بعدة لغات(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الأيام المعلومات وفضلها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر لا سيما الأيام البيض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يوم عرفة ويوم النحر: أسباب القبول والمغفرة فيهما وبيان فضلهما(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • خطبة عن فضل عشر ذي الحجة وفضل الأضحية وأحكامها(مقالة - ملفات خاصة)
  • فضل الإيمان بأسماء الله ذي الطول وذي الفضل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب