• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

الإيمان والثقة بالله والصبر

الإيمان والثقة بالله والصبر
محمد محيي الدين عبدالحميد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/10/2016 ميلادي - 7/1/1438 هجري

الزيارات: 16036

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإيمان والثقة بالله والصبر


أقوى أسباب النصر:

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾ [الأنفال: 30 - 34].

 

لقد كان من العجب العاجب أن تقوم قريش في وجه صاحب الدعوة الإسلامية صلى الله عليه وسلم وهم أهله وعشيرته وذوو قرباه، وأحق الناس بالانتصار له والذياد عنه، إن اعتدى عليه أحد، كان عجيبًا حقًّا أن يقوم هؤلاء بالتأليب عليه وتنفير الناس منه، وهم أولو العصبية وأصحاب الحمية، ولا وجود للقبيلة ما لم يأخذ كل واحد منها بنصرة أخيه على من يعترض له، ويضحي في سبيل ذلك بالنفس والمال إن اقتضى الأمر هذه التضحية.

 

وكان عجيبًا أبلغ العجب أن تتمادى في مساءته، وتبذل في سبيل ذلك الجهود الجبارة، ثم لا تكتفي بالسخرية منه وممن اتبعه، ولا بتهديده وتهديد قرابته الأدنين بالمقاطعة والحرمان من الطعام والشراب، ولا بما فعلته من تشريد أنصاره عن أوطانهم، وإصابتهم في أنفسهم وفي أموالهم، وكان أعجب من هذا كله أن يصبر صلى الله عليه وسلم على أذاهم ويأمر أصحابه بالصبر، ويزيد في سماحة الخلق وكرم النفس، فيدعو الله أن يهديهم ويوفِّقهم إلى الاستجابة له؛ لأنه يحب لهم الخير، ويعلم أن الخير في اتباع هذا الدين الذي جاء به من عند الله، ولو كان محمد صلوات الله وسلامه عليه رجلًا كعامة الرجال، لأشفق على نفسه وعلى أصحابه الذين اتبعوه وعلى أعمامه الذين أخذوا أنفسهم بالانتصار له، وإن لم يتركوا دين آبائهم إلى دينه، ولخاف على نفسه وعلى هؤلاء وهؤلاء لجاجة قريش في أذاهم وافتنانها في التنكيل بهم، ولكنه كان رجلًا عظيم الثقة بأنه على حق، يجب أن يخضع له البشر جميعًا، قوي الإيمان، ليس ساحرًا ولا كاهنًا ولا شاعرًا، ولا اعتراه بعض آلهة قومه بسوء - كما كانوا يقولون عنه - وأنه لا يتلقى هذا الوحي من الجن كما كان الكهان، ولا يتعلمه عن بشر كما زعم قادة الإجرام، ولكنه تنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلبه لينذر به قومًا لدًّا، وكان مع هذا كله لا شك في أن الله متم نوره، ومكمل به ما أراد للعالم من الصلاح والسعادة، وذلك لم تهن عزيمته، ولم تضعف قوته، ولم تفت في عضده الأحداث، بل كان كلما زادت قريش وأحلافها في أذاه والنكاية به، محاولين صده عن سبيل ربه، زاد هو مضاه في دعوته واستهانة بما يلقاه منهم، بل كان ذلك أحلى في قلبه وأعذب أن يصبر لله، ويصابر في إعلاء كلمة الله، ويرفع لواء الحق الذي أحبه الله، ويزهق الباطل الذي يبغضه الله، ولو كان محمد صلوات الله عليه رجلاً كعامة الرجال، لملأ قلبه اليأس، فانصرف عن هذه الدعوة وألقى حملها عن ظهره، فقد لبث في قومه ثلاث عشرة سنة يدعو ويلح في دعوته، وينذر ويبالغ في إنذاره، فلم يستجب له إلا نفر قليل، ليس فيهم صناديد قريش الذين تقتفي العامة آثارهم، وتسير على ما يرسمون لها من طريق، وهؤلاء الذين آمنوا معه ليس في استطاعتهم أن يدفعوا عنه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم إذا أرادهم القوم بالسوء، ولكن كيف يطرق اليأس نفسه، وهي النفس المملوءة يقينًا بأن الله غالب على أمره والمفعمة ثقة بأن للحق يومًا يظهر فيه على الباطل فيدمغه. وإذا كان أهل مكة لم يستجيبوا له، فلماذا لا يطلب النصر عند غيرهم ممن لا يكون قد ملئ حقدًا وحسدًا، ولا يكون فيه من الغرور والكبر ما عند أهل مكة، وليس له من الرياسة الزائفة ما يحرص عليه أهل مكة الذين كانوا يزعموا أنهم سادات الداعين، وهم في خوف أن تقضي هذه الدعوة الجديدة على رياستهم التي لا تعتمد إلا على الغرور والباطل؟!

 

ويبدو له خاطر عرض الدعوة - على غير قريش من قبائل العرب - التي بعثه الله بها رحمة للعالمين، وهاديًا إلى سبل السلام، وليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومبشرًا بما يستقبل الجزيرة من الفلج والغلبة، بل بما يستقبل الإنسانية جمعاء من السعادة والرخاء - إذا هم اتبعوه - وسرعان ما يأخذ في إمضاء هذا الخاطر، وكيف يتوانى ويتردد في إمضائه؟

 

أليس هو رسول الله إلى الناس كافة؟ أليس هو النور الذي حمل سراجه المنير نازلًا من المساء لهداية البشر أجمعين؟ إذًا فما باله لا يعرضه لأعين الناس جميعًا، ويوجهه إلى قلوب الناس جميعًا؛ ليهتدي به من لم يصب عينه عشي الكبر والحسد، ومن لم يطبع الله على قلبه، وكيف يتوانى ويتردد في إمضائه! أليس هؤلاء الذين حرص على أن يكونوا أول حملة هذا السراج قد خيبوا ظنه، وضيعوا الكثير من آماله؟ فما باله إذًا يؤثرهم ويقصر عليهم دعوته؟ ها هو ذا يمضي إلى الطائف؛ حيث تقيم ثقيف، وها هو ذا يجد في البحث عن سادة ثقيف وأشرافهم وأهل الرأي فيهم، حتى يجد ثلاثة أخوة هم يومئذ قادة القوم وأصحاب السلطان فيهم، وهم عبدياليل، ومسعود، وحبيب، أبناء عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غبرة بن ثقيف، وها هو ذا يجلس إليهم، فيدعوهم إلى الله ويكلمهم بما عنده، ويطلب إليهم نصرته والقيام معه على من خالفه من قومه، فيواجهونه بما لا يحب، فيقول له أحدهم: هون بمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، ويقول الآخر أما وجد الله أحدًا غيرك يرسله؟ ويقول الثالث: والله لا أكلمك أبدًا، لئن كنت رسولًا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله، فينبغي ألا أكلمك، فإذا يئس منهم ولم تبد له لائحة خير فيهم، قال لهم: "أما إذا فعلتم ما فعلتم، فاكتموا عني"؛ يريد ألا يبلغ خبره قريشًا، فيعلموا هذه الخطة الجديدة، فيأخذوا عليه أفواه الطرق، ويغلقوا دونه قلوب الناس، ولم يكن عند ثقيف بقية من كرم الخلق، فلم يقبلوا منه ما جاءهم به، ولم تطب أنفسهم بالكتمان عنه، بل أغروا به سفاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، ويحصبونه بالحصى، حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة، وهما جالسان فيه، فعمد إلى ظل كرمة فجلس فيه، وأبناء ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى من سفهاء ثقيف، حتى إذا اطمأن في مجلسه وتفرق عنه هؤلاء الأوشاب أخذ يناجي ربه: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بين غضبك، أو تحل عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله».

 

وأتى كندة في منازلهم، فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه، فأبوا عليه، وأتى بطنًا من بني كلب يقال لهم: بنو عبدالله، فعرض عليهم نفسه، فلم يقلبوا منه، وأتى بني حنيفة، فدعاهم إلى الله، فلم يكن أحد أقبح عليه ردًّا منهم.

 

اللهم غفرًا، هذا محمد رسولك وصفوتك من خلقك، والداعي إلى صراطك المستقيم، وسبيلك الذي رضيته لخلقك، يبذل في نفسه كل جهد، ولا يألو في إعلان ما أرسلته به، ولا يجد ناصرًا ولا يلقى معينًا؟ هؤلاء أقاربه قطعوا أواصر القربى، ومزقوا كل وشائج الرحم، وهلهلوا العواطف التي من شأنها عندهم، وعند غيرهم أن تصل فيما بين الناس، وهؤلاء الأباعد يتجهمونه ويغرون به السفهاء والعبيد، ويصيحون به ويرجمونه بالأحجار، ولا يرضون منه بما يرضى به أقل العرب؛ استمساكًا بأحسن الأخلاق أن يكتموا عنه ما أفضى به إليهم من دخيلة نفسه، وهو مع كل هذه البلايا - التي تكفي واحدة منها لزعزعة رواسي الجبال - صابر مطمئن النفس، عالم أنه ما جاء أحد بمثل ما جاء به إلا عُودِي وأُوذي، واثق أن العاقبة للمتقين، وليس يخاف شيئًا إلا أن يكون بك غضب عليه، فعفوك اللهم ورضاك وتأييدك، إنه لا معين له سواك.

 

وتعلم قريش بما كان منه وما كان من ثقيف، وكندة وبني حنيفة، فيعلمون أنه فكر في الانتصار عليهم بقبائل العرب، وأنه أخذ لذلك أهبته، فيحذر بعضهم بعضهًا، ويتناذرون فيما بينهم فصاحة لسانه وشدة أسر بيانه، وما يكون لذلك ولغيره من خلال الخير التي جبله الله عليه من التأثير على الناس، حتى ائتمروا فيما بينهم إلا يتركوه يلقى أحدًا ممن يَفِد على مكة لزيارة البيت الحرام إلا حذروه أمره، ودسوا له ليجنبوه فيما زعموا الخديعة به، فكانوا لا يسمعون بقادم إلا تعرضوا له، فقالوا: إنك قد قدمت بلادنا، وقد ظهر بيننا رجل أعضل بنا، وفرَّق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجه، وأنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه ولا تسمعن منه شيئًا، وربما كثر الوافدون على مكة كما يكون في موسم الحج، فلم يستطيعوا أن يتحدثوا إلى الوافدين جميعًا، فأمكنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرصة، فاستطاع أن يلتقي بقوم من الوافدين، وأن يعرض عليهم ما عندهم، فما هو إلا أن يأخذ في الحديث اليوم، حتى يكون الأمر قد بلغ قريشًا، فتراهم مسرعين إليه يفسدون عليه أمره.

 

حدث عبدالله بن عبيدالله بن عباس: "أتى لغلام شاب مع أبي بمنى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل من العرب، فيقول: يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا وتصدقوا بي، وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به، قال: وخلفه رجل أحول وضيء له، غديرتان وعليه حلة عدنية، فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه، قال ذلك الرجل: يا بني فلان، إن هذا إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم، وتسلخوا حلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه، قال عبدالله: فقلت لأبي: يا أبت، من هذا الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول؟ فقال: هذا عمه عبدالعزى بن عبدالمطلب، وهو أبو لهب".

 

ولكن عين العناية تلحظه في خطواته كلها، وقد كفل الله له أن يعصمه من الناس، وعنده من اليقين وقوة الإرادة وصادق المعرفة بأنه إذا عز المطلب هانت التضحية في سبيله، فهو لا يبالي محاولة أعداء الحلق في إفاء نوره، ولا يعبأ بما يلاقيه في سبيل بلوغ غايته، وإذا أراد الله إنفاذ أمر هيأ له أسبابه، فسار في الطريق الموصلة إليه، فلم يعترضه من عراقيل الناس شيء مهما يحكموا أمرها، فقد حدث في السنين الأخيرة من مقامه بمكة أربع حوادث، كانت لها الأثر الفعال في عزة الإسلام والمسلمين، أولها أنه قدم مكة قوم من أهل المدينة من بني عبدالأشهل، فيهم إياس بن معاذ وأبو الحيسر أنس بن رافع، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، فسمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاهم فجلس إليهم، فقال لهم: هل لكم في خير مما جئتم له؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: أنا رسول الله، بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا، وأنزل علي الكتاب، ثم ذكر لهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ: أي قوم، هذا والله خير مما جئتم له، فيأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من تراب البطحاء، فيضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصرفوا بعد ذلك إلى المدينة، ثم لم يلبث إياس بن معاذ، ويحدث قومه أنه حين حضرته الوفاة لم يزل يهلل الله تعالى ويكبره ويحمده حتى مات، فكان ذلك مبدأ لشعور أهل المدينة بالإسلام وبصاحب الدعوة إليه، فلما كان موسم الحج حدثت الثانية، وخلاصتها أن قومًا من الخزرج خرجوا لزيارة بيت الله، فعرض رسول الله نفسه عليهم فيما عرض على قبائل العرب، ودعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال بعضهم لبعض: إنه والله للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه، فأجابوا إلى ما دعاهم إليه، وصدقوا وقبلوا منه ما عرض عليهم، وقالوا له: "إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك، فلما قدموا المدينة إلى قومهم، ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام، ففشا فيهم حتى لم تبق دار من دور المدينة إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الموسم من قابل، حدثت الثالثة، فقدم مكة اثنا عشر رجلًا من أهل المدينة؛ من بني النجار وبني زريق بن عامر، وبني عوف من الخزرج، وبني سالم بن عوف، وبني سلمة، وبني سواد بن غنم، وكل أولئك من الخزرج، وبني عبدالأشهل، وبني عمرو بن عوف وهما من الأوس، فكانت بينه صلى الله عليه وسلم وبين هؤلاء النفر بيعة العقبة الأولى، بايعهم فيها على ألا يشركوا بالله شيئًا، ولا يسرقوا ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصونه في معروف، فإن وفوا بذلك فلهم الجنة، وإن فعلوا من ذلك شيئًا، فأمرهم إلى الله إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، فلما اعتزموا الانصراف إلى المدينة، أرسل معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار بن قصي، وأمره أن يُقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام، ويُفقههم في الدين، فكان مصعب في المدينة معلمًا لمن آمن بالله ورسوله، وكان من ذلك داعية لمن لم يؤمن، فصدق في الدعوة إلى الله وأخلص في النيابة عن رسول الله، فأسلم على يديه جماعة من أهل المدينة؛ منهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وهما يومئذ سيدا قومهما بن عبدالأشهل، فلما خالطت حلاوة الإيمان قلب سعد بن معاذ، انطلق إلى نادي قومه، فلما وقف عليهم، قال: "يا بني عبدالأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا، وأوصلنا وأفضلنا رأيًا، وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام، حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فلم يمس في دور بني عبدالأشهل رجل ولا امرأة، إلا دخل الإيمان في قلبه، فلما كانت الحجة القابلة، حدثت الرابعة، وهي بيعة العقبة الكبرى التي بايع النبي فيها أهل المدينة على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وأعطاهم الرسول يده على أن يقيم بين أظهرهم، ولا يعود إلى الإقامة بين أهل مكة، وإن أظهره الله عليهم، وعلى أن ذمته ذمتهم وحُرمته حرمتهم، يحارب من حاربوا، ويسالم من سالموا، وأعطوه العهد على أنهم وافون له على نهكة الأموال وقتلة الأشراف".

 

وتبلغ هذه الأخبار كلها قريشًا فيهولها الأمر، ويفزعها أن يجد محمد والصبأة من أصحابه أعوانًا في يثرب يصيبون بهم منعة إن يشاؤوا، ثم يملك عليهم نواحي تفكيرهم أن يروا هؤلاء الصبأة يتسللون إلى إخوانهم في يثرب، فيدعون إلى اجتماع عام في دار الندوة يتشاورون فيما يأخذون وما يدعون من أمر هذا الذي أعياهم بصبره، ويجتمعون فيكون منهم ما قص الله تعالى في كتابه الكريم في الآيات التي تُليت في صدر هذا الكلام، اجتمعوا ليمكروا به، واختلفوا فيما يكون منهم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

 

ووقع الذي حذروه وتخوفوا منه، فخرج الرسول وترك لهم البلد الحرام، وهذا الحرم الآمن الذي أَمِن فيه كل شيء حتى الطير، ولم يأمن فيه محمد ولا أصحاب محمد على أنفسهم، ولا على أموالهم، وهم أحق وأولى بهذا الأمن من كل أحد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما جاءهم بأمن الدنيا والآخرة.

 

وتحق على أهل هذه القرية الظالمي أهلها بإخراجهم رسول الله وصحبه من ديارهم بغير حق، إلا أن يقولوا ربنا الله، تحق عليهم من بعد ذلك كلمة العذاب، فما كان الله تعالى ليعذبهم والرسول بين ظهرانيهم، ويسلط عليهم ضروبًا من عذاب الدنيا، أهونها عليهم أن يأذن لرسوله في أن يقاتلهم ويستبيح أموالهم: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ [الحج: 39، 40]، ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 14، 15].

 

وأشدها إيلامًا لهم وحزًّا في نفوسهم أن تتناهى إليهم الأخبار يومًا بعد يوم أن قبائل العرب تدخل في دين الله أفواجًا، وأن أصحاب محمد الذي أخرجوه وطردوه يؤثرونه على أنفسهم ويفدونه بالنفيسين الأهل والمال، وأن أحدهم لا ينكل عن قتل أبيه في مرضاة الله ورسوله، واثقًا أنه لا يفعل غير الواجب عليه وأنه ما من أحد منهم إلا امتلأ قلبه إيثارًا لرسول الله، ولما يحبه الله ويؤثره، حتى يقول له سعد بن معاذ يوم بدر - وقد تهيَّؤوا لقتال قريش -: "يا نبي الله، إنا سنبني لك عريشًا تجلس فيه، ونعد لك ركائبك قريبًا منه، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنا أقوام يا نبي الله، ما نحن بأشد بك حبًّا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك، يَمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك"، وحتى يقول زيد بن الدثنة لأبي سفيان وقد قدَّموه ليقتل، قال أبو سفيان: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدًا الآن عندنا في مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك؟ فيقول زيد: والله ما أحب أن رسول الله الآن في مكانه الذي فيه تصيبه شوكه تؤذيه وأنا جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: ما رأيت أحدًا من الناس يحبه أصحابه ما يحب أصحاب محمد محمدًا، ثم قتلوا زيدًا، وذلك خزي في الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون.

 

أيها السادة، هذه حلقات بعضها آخذ برقاب بعض، سَيْرُه عليه الصلاة والسلام في سبيل الدعوة إلى الله وإعلاء كلمة الحق الذي آمن به، واعتنقه وأخذ على نفسه أن يبلغه قومه، لا نريد بها أن تبلغ من لم تكن بلغته، فإنه لم يبق بعد أربعة عشر قرنًا من لم يعلم ذلك جملة وتفصيلًا، ولكننا نريد بها أن تنشط قلوب غفلت عن ذكر الحق والجهاد في سبيله، وأن تتعالى صيحات المؤمنين؛ ليردوا إلى دينهم رواءه الذي عفت عليه السنون، وعمل فيه كَر الجديدين، ذاكرين أن الله بنى عمود هذا الدين على رجل واحد، وأنه صبر على الكيد والأذى، فجزاه الله أحسن الجزاء، وكتب له أفضل ما كتب لإخوانه النبيين.

 

مجلة الهدي النبوي - المجلد السادس - العدد (9-10) - جمادى الأول سنة 1361هـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الثقة بالله
  • ثقتي بالله
  • تفسير قوله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله .. }
  • الثقة بالله تعالى
  • حاجتنا إلى الثقة بالله
  • الإيمان بالله، وبملائكته عليهم السلام
  • اعتصموا بالله (خطبة)
  • ضعف الثقة واليقين بنصر الله تعالى
  • كلمة عن الثقة
  • أسباب تعين العبد على الصبر عن المعصية
  • الثقة بالله وكفى
  • أسباب تنمية الثقة بالله تعالى في القلب (خطبة)
  • الثقة بالله وثمارها المبهرة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة المطر والثقة بالله(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • المطر والثقة بالله(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • المطر والثقة بالله(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • حسن الظن بالله تعالى والثقة بنصره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإيمان بالكتب السماوية(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • التفاهم والثقة بين الزوجين(استشارة - الاستشارات)
  • الهدوء والثقة بالنفس في الحوار(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • التوكل على الله والثقة به(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • باسم الحب والثقة: قرارات زوجية خاطئة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • طبيعة علم الاقتصاد بين النظرة الحائرة والثقة المطلوبة!!(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب