• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

بدايات الصراع بين الإنسان والشيطان

د. سيف صفاء عبدالكريم الدوري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/9/2016 ميلادي - 4/12/1437 هجري

الزيارات: 45955

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بدايات الصراع بين الإنسان والشيطان


بدأَت قصَّة الصِّراع بين الإنسان والشيطان في الجنة، وتستمرُّ في الأرض إلى يوم القيامة، بدأَت مع خلق أول إنسان، واستمرَّت في ذريَّته من بعده، فما سرُّ هذا الصراع؟ وما هي بذوره وجذوره؟ وكيف نفهم أبعاده؟

لقد صوَّر القرآن الكريم بداية هذا الصراع بأبلغ عِبارة؛ إذ أظهر الشيطان ممثلًا للباطل بكلِّ أوصافه وخصائصه، وأظهر آدم عليه السلام ممثلًا للحقِّ بكلِّ أوصافه وخصائصه، والمدقق في العبارة القرآنيَّة يجد أن الصِّراعات التي توالت بين الحقِّ والباطل فيما بعد ما هي إلَّا صدًى وانعكاس لهذا الصراع الأول بكلِّ أبعاده وملامحه، فقد بذر إبليس عليه اللعنة بذرة التكبُّر والاستعلاء والغرور واتِّباع الهوى، التي هي أبعاد الصِّراع بين الحق والباطل، وسنَّ آدم عليه السلام طريقَ الاستقامة والثَّبات على الحق والأوبة بعد السقوط.


إنَّ قصة الصِّراع الأولى تمثِّل لنا نموذجين: نموذج الباطل، ونموذج الحق، ولنقف الآن على أبعاد هذا الصراع[1].

قبل أن يخلق الله سبحانه آدمَ عليه السلام قال لملائكته: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]؛ فهو سبحانه خلَق آدم ليكون في الأرض لا في السماء.


وعندما قالت الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: 30]، لم ينفِ سبحانه عن خليفة الأرض الفسادَ وسفك الدِّماء، وقال سبحانه: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 30]؛ فالإنسان قبل أن يُخلق قدَّر الله أن تكون حركته على الأرض، ولأنَّ هذه الحركة لحِكمة، ومن وراء هذه الحكمة هدَف؛ أقام الله الحجَّةَ على هذه الحركة، فإذا اقترف الإنسان المعاصي وسَفك الدماء، كانت الحجَّة شاهدًا عليه[2].


ولكن ما هي هذه الحجَّة التي جعلها الله شاهدًا على الإنسان؟ إنَّها الفِطرة؛ ذلك أنَّ حركة الإنسان في هذه الحياة لا يَنبغي أن تخرج عن دائرة العبادة لله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات: 56، 57]، فالمراد بخلقهم للعِبادة خلقُهم على وَجهٍ صالح لأن يَعبدوا اللهَ؛ بجعلهم ذوي اختيار وعَقْل واستطاعة، والغرض من خلقهم تعريضهم للثواب؛ وذلك لا يحصل إلَّا بأداء العبادات[3].


ولما كان الإنسان قد خُلق من أجل العبادة، وعلى طريق هذه العبادة توجد دوائر للإفساد وسفك الدِّماء، هدفها عرقلة هذه العبادة - فإنَّه تعالى وضع أصولَ هذه العبادة في حصن الفِطرة الحصين؛ ليَعبُر الإنسان بفطرته السليمة تلك العقبات، ويصِل بعباداته إلى حيث ينال الثواب؛ فالفطرة شعاع يَهدي صاحبَه إلى طريق النجاة، والفطرة حجَّة بذاتها على الإنسان، تنطق عليه بالحقِّ يوم يقف أمام الله تعالى يوم القيامة ويقول له: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء: 14].


ومخزون الفطرة - الحجَّة بذاته - جاء ذِكره في أكثر من موضع من كتاب الله؛ منه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 172، 173]؛ (أي: اذكر للناس موطنًا قبل الدنيا أخَذ فيه ربُّك ﴿مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾، فما من أحد منهم إلَّا استقلَّ من غيره، وتميَّز منه، فاجتمعوا هناك جميعًا وهم فرادى، فأراهم ذواتهم المتعلقة بربهم، ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾، فلم يحتجِبوا عنه، وعاينوا أنَّه ربهم؛ كما أن كل شيء بفِطرته يجد ربَّه من نفسه من غير أن يحتجِب عنه.


﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾؛ وهو خطاب حقيقي لهم لا بيان حال، وتكليمٌ إلهي لهم؛ فإنَّهم يفهمون ممَّا يشاهدون أنَّ الله سبحانه يريد به منهم الاعتراف وإعطاء الموثق، وقوله: ﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾؛ الخطاب للمخاطَبين بقوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُم﴾، القائلين: ﴿بَلَى شَهِدْنَا﴾، فهم هناك يعاينون الإشهادَ والتكليم من الله، والتكلُّم بالاعتراف من أنفسهم وإن كانوا في نَشأة الدنيا على غفلة ممَّا عدا المعرفة بالاستدلال، ثمَّ إذا كان يوم البعث وانطوى بساط الدنيا وانمحَت هذه الشواغل والحجُب، عادوا إلى مشاهدتهم ومعاينتهم، وذكروا ما جرى بينهم وبين ربهم)[4].


فهذا الميثاق الذي أخذه الله سبحانه وتعالى من بني آدم جميعًا هو مخزون الفِطرة، وهو حجَّة بذاته على الإنسان في كلِّ حركة له على الأرض، وهو بعد هذا وذاك الكشاف الذي يَهدي إلى الطَّريق المستقيم، ويجنِّب صاحبه الانزِلاق إلى طريق الإفساد وسفكِ الدِّماء، الذي لم ينفِ الله سبحانه وجودَه عن الإنسان عندما قالت الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: 30].


إذًا، بعد هذه التقدمة يمكن لنا أن نَفهم بذورَ الانحرافات الكبرى في قصَّة الصراع الأولى بين الإنسان والشيطان.

لم تظهر بذور الإفساد وسفك الدِّماء الذي ذكرَته الملائكة عندما خاطبَهم الله بأنه جاعِل في الأرض خليفة، إلَّا عندما أمَر سبحانه الملائكة بالسجود لآدم؛ ففي هذا الوقت خطَّ إبليس خطَّ الانحراف الذي تنمو عليه بذور الإفساد التي وضعها[5].


قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [ص: 71 - 76][6].


لقد ذكرَت الآية أنَّ مبدأ خلق الإنسان هو الطِّين، وفي سورة الروم التراب؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم: 20]، وفي سورة الحِجر صلصال من حَمأ مسنون؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: 26]، وفي سورة الرحمن صلصال كالفخار؛ قال تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ [الرحمن: 14]، ولا ضير؛ فإنَّها أحوال مختلفة لمادَّته الأصلية التي منها خُلق، وقد أشير في كلِّ موضع إلى واحدة منها[7].


ثمَّ جاء الأمر بالسجود لآدم[8] إذا سوَّاه؛ بتركيب أعضائه بعضها على بعض، وتتميمِها صورة إنسان تام، ونفخ فيه الروح[9].

وسجد الملائكة لأمر الله، ولم يذكر أحد منهم أي علاقة بين الطين والنور، فعندما أُمروا بالسجود سجدوا، ولم يشذ في هذا المشهد المهيب سوى إبليس قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾، لقد علَّل عدم سجوده بما يدَّعيه من شرف ذاته، وأنه لكونه خلَقه من نار خيرٌ من آدَم المخلوق من طين، وكأنه بهذا التعليل يَزعم أنَّه لا يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول؛ يعني - لعَنه الله -: وأنا خير منه، فكيف تأمرني بالسجود له؟ ثم بيَّن وجهَ هذه الخيريَّة بأنه خُلق من نار، والنار أشرَف من الطِّين الذي خُلق منه آدم، فنظر اللَّعين إلى أصل العنصر الذي خُلق منه ولم ينظر إلى التشريف العظيم الذي نالَه آدم؛ وهو أنَّ الله تعالى خلَقه بيَده ونفَخ فيه من روحه، وقاس قياسًا فاسدًا في مقابلة نصِّ قوله تعالى للملائكة: ﴿فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾، كما أنَّه لم ينظر - لعنه الله - لأمرِ مَن أمَره بالسجود؛ وهو الله جل جلاله، ثمَّ إن إبليس حتى في دعواه أنَّ النار أشرف من الطين ادِّعاؤه غير صحيح؛ فإنَّ الطين من شأنه الرَّزانة والحلم والأناة والتثبُّت، وهو محلُّ النبات والنمو والزيادة، والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة[10].


وهذا الادِّعاء الإبليسي قائم على فِريتينِ قاعدتهما التوهُّم الباطل، ودافعهما الكِبر وحب الاستعلاء ولو بغير حقٍّ:

الفرية الأولى: أنَّ مَن كان مخلوقًا من عنصر أو عناصر أشرف، كان هو أشرف دومًا، ولو ظهرت منه بعد خلقه قبائح ومنكرات وأشياء خسيسة، لم تظهر ممن كان مخلوقًا من عناصر أقل قيمة من عناصره التي خُلق هو منها، ولو ظهرت منه بعد خلقه فضائل ومزايا ومحاسِن عظيمة لم يأتِ بمثلها ذو العنصر الأشرف، وهذه الفرية هي أساس الاستعلاء والاستكبار بالأعراق والأصول، القائم على ادِّعاء التفاضل العِرقي الذي يَسري إلى الفروع وفروع الفروع، ولو فسدَت ونجم عنها ضر كبير وشرٌّ مستطير.


الفرية الثانية: أنَّ عنصر النار أشرف من عنصر الطِّين؛ وهذا ادِّعاء توهُّمي باطل؛ فالنار ذات نَفع بحرارتها؛ لإنضاجها الأشياء، واستخدامها في منافع كثيرة، وذات ضرر عظيم وخطر جسيم حينما تَحرق وتُتلِف وتهلِك، والطين ذو نفع عظيم جدًّا حينما يكون عنصرًا لإنبات الزروع والثمار وسائر نباتات الأرض النَّافعات للأحياء في غذائهم... فتفضيل عنصر النَّار على عنصر الطين تفضيل توهُّمي باطل دافعه النزعة الاستكبارية المنتنة التي نفخَت في صدر إبليس فجعلَته يعصي ربه[11].


وإبليس بمقولته هذه يكون أوَّل من بذَر بذرة الاستعلاء والتحقير؛ ذلك أنه عبر التاريخ ظهر صنف من الناس وسوَس لهم الشيطان، وألقى في روعهم أنَّهم أرقى من البشر، وتجري في عروقهم دماء الآلهة، فكانوا أتباعه، وكان كبيرَهم في هذا التحقير والاستعلاء.


ووفقًا لهذا الفقه الشيطاني ادَّعى هذا الصنف من البشر الألوهيَّةَ، وفي عهودهم اندرج الإنسان إلى مستوى أقل من مستوى البهيمة؛ فإبليس بهذه المقولة ذلَّ الإنسان على يدي الإنسان، من منطلق حِقده وخصومته لآدم وأبنائه، ولم يقذف الشيطان بفِقه: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [الأعراف: 12] على الجبابرة الذين ادَّعوا الألوهيَّة على امتداد التاريخ فقط، وإنما قذف بفقه ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [الأعراف: 12] على الخاصِّ والعام في السَّاحة الإنسانية؛ لوقف تقدُّم دين الفطرة، فما من نبيٍّ أو رسول بعثه الله منذ ذرأ الله آدم وذريته، إلَّا رُفعَت في وجهه لافتة تحقير الإنسان التي انبثقت من فقه ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [الأعراف: 12]، الذي يحمل بين طيَّاته الخصومة لبني الإنسان.


لقد واجه الخاص والعامُّ رسلَ الله عليهم السلام بقولٍ واحد على امتداد الرسالات، فقالوا: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [يس: 15]، وقالوا: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ [إبراهيم: 10]، وقالوا: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ [المؤمنون: 24].


لقد قام إبليس بتوظيف خصومته للإنسان؛ بأن بثَّ ثقافةً من شأنها أن تَمنع السجود لله، وإذا كان هو أصلَ هذه الثَّقافة يوم أن رفَض السجود، فإنَّ هذه الثقافة حمَلها في الدنيا الإنسان ضد الإنسان بعد أن دقَّ الشيطان وتدَها في الكيان الإنساني، وفقهُ التحقير هذا باقٍ ما بقي الشيطان؛ فالشيطان يَطرحه على قوم، وعند ذهاب السلف يلقيه الشيطان على الخلَف، وهكذا تتَّسع الحلقات ليكون التحقير مألوفًا على امتداد القافلة البشريَّة، وهذا ما نلحظه اليوم في واقعنا، وما نعاني منه نحن أمَّة الإسلام؛ تلك هي خطَّة الشيطان في فِقه التحقير الذي يَرفض الهدى ليفتح أبواب النار[12].


ثمَّ يظهر للمتدبِّر الفطِن أنَّ إبليس بمقولته هذه ورَفضه للسجود لآدم هو في نفس الوقت رفض للخضوع للإنسان والعمل في سبيل سعادته وإعانته على كمال المطلوب، على خلاف ما ظهر من الملائكة؛ فهو بإبائه عن السجدة خرج من جموع الملائكة؛ كما يفيده قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: 32]، وأظهر الخصومة لنوع الإنسان والبراءة منهم ما حيوا وعاشوا، وإبليس بمخالفته أمرَ الله أصبَح من المرجومين والملعونين والصَّاغرين، وكأنَّ هذه الصفات تُعطي انطباعًا أن كلَّ من يخالف أمرَ الله سبحانه وتعالى، يتلبَّس بهذا اللبوس، ويتَّصف بهذا الوصف؛ ذلك أن الذي يتكبَّر على الله يجلببه الله بجلباب الذلِّ والصَّغار؛ فمَن تواضع لله رفعه، ومن تكبَّر على الله وضعه[13].


وبعد هذا الطَّرد واللَّعن، طلب الإنظار والإمهالَ إلى يوم يُبعثون، قال تعالى: ﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [الأعراف: 14، 15]؛ أي: أمهلْني، ولا تُمِتْني إلى يوم يُبعثون؛ أي: بعث آدم وذرِّيته من قبورهم، وهو يوم القيامة والحساب، ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾؛ أي: من المؤجَّلين إلى ذلك اليوم[14].


لقد تكرَّر هذا الطلب من إبليس في سورتي (ص) والحجر، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [ص: 79، 80]، وقال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ [الحجر: 36، 37]، نلحظ في هاتين الآيتين فروقًا تعبيريَّة عن آية الأعراف، وهي فروق يكتمل فيها البناء الفنِّي للقصَّة، وتوضح من خلالها الصورة الفنيَّة بهذا التنوُّع في التعبير؛ فقد ذكر في سورة (ص) و(الحجر) لفظ الرب في أثناء السؤال، وجاء بالفاء، فما الوجه في ذلك؟


إنَّه السياق الذي يحدِّد تركيب الألفاظ وحسن اتِّساق المعاني وارتصافها، وتجدد المعاني وتغايرها؛ بحيث تحمل كلُّ وحدة لفظية دلالة معنويَّة مستقلَّة[15]؛ ففي سورة الأعراف لما اقتصَر الله سبحانه وتعالى في السؤال على الخِطاب دون صريح الاسم في هذه السورة، اقتصَر في الجواب أيضًا على الخِطاب دون ذكر المنادى، وأمَّا زيادة الفاء في السورتين دون هذه السورة؛ فلأنَّ داعية الفاء ما تضمنه النِّداء من أدعو أو أنادي نحو: ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا﴾ [آل عمران: 193]؛ أي: أدعوك، وكذلك داعية الواو في قوله: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا﴾ [آل عمران: 194]؛ فحذف المنادى في هذه السورة، فلمَّا حذفه انحذفت الفاء[16].


ويمكن أن نلحظ بُعدًا فنِّيًّا آخر، أنَّ إبليس قد جرت له محكمة ربانيَّة حول عدم تنفيذه لأمر الله سبحانه وتعالى، وهذه المحكمة قد تمَّت على جلسات ظهَر فيها إبليس في الجلستين الأولى والثانية - كما في سورتي ص والحجر - يَستعطف ربَّه سبحانه وتعالى، فقال فيهما بعد إصدار الحكم عليه: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الحجر: 36]، أمَّا في سورة الأعراف هذه، فكأنها كانت الجلسة الثالثة والأخيرة، فخاطب اللهَ جلَّ جلاله بجفاء دون أن يقول له: (رب)؛ بل قال: ﴿قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: 14]، لقد واجه ربَّه بخِطاب مماثِل لخطاب الله له؛ فكما قال الله له في هذه الآية: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: 12]، دون أن يتلطَّف به بذِكر اسمه - كما فعل في سورتي ص والحجر - قال إبليس: ﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: 14]، دون أن يقول: (رب)؛ فقد كان في هذا الخطاب شديد الوَقاحة، فخاطب ربَّه بأسلوب لا يكون إلَّا من الندِّ للند[17].


ولمَّا علم إبليس بإمهال الله له إلى يوم القيامة، كشَف اللَّعينُ عن حقده وعداوته لآدم وذرِّيته، وما هو عازم عليه لإيذائهم وإضرارهم وإضلالهم وصرفهم عن الصراط المستقيم[18]، قال تعالى حكاية عمَّا قال إبليس: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف: 16 - 18]؛ فهنا إبليس جريًا على وَقاحته ادَّعى أن الله سبحانه وتعالى أغواه بما فعَل، وفعل الغَواية هذا قد تكرَّر في ص والحجر؛ ففي ص قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ﴾ [ص: 82]، وفي الحجر قال: ﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ [الحجر: 39]، ففي الأعراف جاء مقتصرًا على الخِطاب دون النِّداء؛ وهو متماشٍ مع سياق الآية، أمَّا في ص، فقد أقسَم هو على إغواء آدم وذرِّيته، وفي الحِجر جاء مطابقًا لِما قبله في الجري على النداء[19].


• وللمفسرين في الباء الواردة في قوله تعالى: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ أقوال:

القول الأول: على أنَّه باء القسَم؛ أي: بإغوائك إيَّاي لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم؛ أي: بقدرتك عليَّ ونفاذ سلطانك فيَّ، لأقعدنَّ لهم على الطَّريق المستقيم الذي يَسلكونه إلى الجنَّة، ولما كانت (الباء) باء القسم، كانت (اللام) جواب القسم، و(ما) بتأويل المصدر، و(أغويتني) صلتها.


القول الثاني: الباء في قوله تعالى: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ سببيَّة؛ أي: بسبب إغوائك إيَّاي لأقعدنَّ لهم، والمراد أنَّك لما أغويتني، فأنا أيضًا أسعى في إغوائهم.


القول الثالث: أنَّ (ما) في قوله: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ للاستفهام؛ كأنَّه قال: بأيِّ شيء أغويتني؟ ثمَّ ابتدأ وقال: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ﴾، وفيه إشكال؛ وهو أنَّ إثبات الألف إذا دخل حرف الجر على (ما) الاستفهامية قليل[20].


والذي يترشَّح عن المعاني أن الباء جارَّة سببيَّة؛ كأنه قال: فبسبب حُكمك عليَّ بالغواية، و(ما) هنا مصدرية، وهي التي تؤول مع الفِعل الذي بعدها بمصدر؛ أي: فبإغوائك لي في حُكمك الصَّادر عليَّ، والمراد بالإغواء الحُكم الصادر على إبليس بعد رَفضه أمرَ اللهِ بالسجود لآدم، لا تقديره ولا الإجبار عليه؛ فهو الذي جناه بيده، واللام في ﴿لَأَقْعُدَنَّ﴾ واقعة في جَواب قسَم محذوف، فيكون تقدير الكلام: فبسبَب حكمك عليَّ بالغواية أُقسِم لأقعدنَّ لإغوائهم، ملازمًا صراطك المستقيم، يفسِّر ذلك ويوضِّحه قسَمُه في سورة ص[21]: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ﴾.


والإغواء: الإيقاع في الغواية؛ وهي ضد الرَّشاد، يقال: غوَى الرجل يَغوِي غيًّا: إذا فسد عليه أمرُه، أو فسد هو في نَفسه، ويقال: أغواه الله؛ أي: أضلَّه، فإغواء إبليس لآدم وذرِّيته هو إضلالهم وإفسادهم وصدُّهم عن سبيل الحق[22].


وصراط الله المستقيم هو الطَّريق الذي يصِل بسالكه إلى السَّعادة التي أعدَّها الله تعالى لِمن زكَّى نفسه بهداية دينه الحق[23]، وانتصب لفظ (صِراط) لتضمُّن فعل (أقعد) معنى فعل (أُلازم) على أنَّه مفعول به، فأغنى هذا التضمين عن التصريح بجملتين؛ إذ الجملة الأولى حُذف معمولها، والجملة الثانية حُذف لَفظ فعلها، وضمن الفعل المذكور معناه، والتقدير: لأقعدنَّ عند صِراطك ملازمًا إيَّاه[24]، والتضمن ظاهرة قرآنيَّة هي من عناصر إبداعه البياني، لها أثرها في رَسم الصورة الفنِّية؛ فقد أبان إبليس بقعوده مَعنى التمكُّن، وأضاف إليه مَعنى الملازمة، فتمَّت له المرابطة بكامل عناصرها[25].


إذًا، المرابطة بتمكُّنٍ وملازمة وترصُّد هي أوَّل شروط أعمال الإغراء والإغواء؛ للإبعاد والصَّرف عن صِراط الله المستقيم، وإبليس لم يعط العهدَ على نفسه بهذه المرابطة إلَّا بعد أن لاحظ ذرِّيته الأبالسة وجنوده من شياطين الجنِّ والإنس، وأنَّهم سيكونون أعوانه في تَنفيذ هذه الخطَّة المبرمجة؛ بدليل قوله تعالى في سورة الكهف: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: 50]، وقول الله عزَّ وجل في سورة الشعراء بشأن مَصير الغاوين والمشركين في الجحيم وجنود إبليس أجمعين: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾ [الشعراء: 94، 95]، فإبليس لمَّا أعطى العهدَ على نفسه بالإغواء كان يَعلم أنَّه سيكون له جنود وأعوان يعينونه في تَنفيذ خطَّته هذه، وجعَل إبليس مكانَ المرابطة على صِراط الله المستقيم؛ لأنَّ مهمَّته صرف المتَّجهين لسلوكه عنه، وإخراج السالكين فيه منه، أمَّا الآخرون السالكون في سبلهم المختلفة البعيدة عن صِراط الله المستقيم، فإنَّهم غاوون بأنفسهم، وقد وفروا على إبليس مباشرة مهمَّة إغوائهم؛ بل هم مهيَّؤون لأن يكونوا من جنوده شياطين الإنس مع شياطين الجن الملازمين لهم[26].


ثم بعد هذه الملازمة على الصِّراط المستقيم بيَّن أنَّه سيحيط بالإنسان ويأتيه من كلِّ جانب؛ كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 17].


وقد ذهب المفسِّرون في تحديد هذه الجهات مذاهب شتَّى، يمكن إجمالها على النحو الآتي:

1- جاء عن عبدالله بن عباس في تفسير هذه الآية: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي: "أشكِّكهم في آخرتهم"، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾؛ أي: أرغِّبهم في دنياهم، ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾؛ أي: أشبِّه عليهم أمر دينهم، ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾؛ أي: أشهي لهم المعاصي[27].

2- ذهب السدي وابن جريج إلى أنَّ معنى قوله تعالى: ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي: مِن قِبَل دنياهم، وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾؛ أي: من قبل آخرتهم[28].

3- قال مجاهد بأن المراد به هو من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون[29].

4- وذهب ابن جرير إلى أن المراد جميع طُرق الخير والشر؛ فالخير يصدهم عنه، والشر يحسِّنه لهم[30].

5- وذهب صاحب تفسير الميزان إلى أن المراد بما بين أيديهم: ما يستقبلهم من الحوادث أيام حياتهم، والمراد بخلفهم: ناحية الأولاد والأعقاب، والمراد باليمين: هو الجانب القوي الميمون في الإنسان ناحية سعادتهم؛ وهو الدين، والمراد بالشِّمال: خلاف اليمين، وإتيانه منه: أن يزيِّن لهم الفحشاء والمنكر[31].


تلك جلُّ أقوال المفسِّرين حول هذه الآية، لكننا يمكن أن نلحظ فيها معنًى أعمق ممَّا ذُكر يتماشى مع البناء الفنِّي للنصِّ القرآني، هذا الملحظ يتمثَّل في أن الإغواء يتطلَّب مُغوٍ ومغوًى، وتنحصر أعمال المُغوي الحريص على صدِّ السالِك عن سبيل الله، وإخراج السالك فيه منه وتوجيهه لسُبل ضالَّة شتى في أربع جهات:

الجهة الأولى: هي جهة ما بين يدي السالك.

الجهة الثانية: هي جهة ما خلف السَّالك.

الجهة الثالثة: هي الجهة الواقعة عن يمين السالك.

الجهة الرابعة: هي الجهة الواقعة عن شِمال السالك.

وأعمال المُغوي: إمَّا أن تكون صدًّا؛ وهذه تكون من الأمام، وإما أن تكون جذبًا ومَنعًا من التقدُّم؛ وهذه تكون من الخلف، وإما أن تكون تحويلًا عن خطِّ السير؛ وهذه تكون عن الأيمان وعن الشَّمائل، أما ما هو فوق الصراط، أو ما هو تحته، فلا دفع ولا جَذب يكون في أيِّ واحد منهما؛ لأنَّ موقع الصراط شامل لِما هو فوقه ولما هو تحته؛ فمَن كان سالكًا على صراط الله المستقيم، فكل علوٍّ فوق أرضه هو منه، وكل عمق تحت أرضه هو منه؛ وبهذا أبان إبليس خطَّته في الحِصار الإغوائي.


وطوى النَّصُّ حركات الصدِّ والمنع والتحويل عن صراط الله المستقيم؛ لأنَّها مما يمكن فهمه ذهنًا، فالنصُّ هنا يصوِّر لنا خطَّة إبليس في هذا الحصار الإغوائي، أمَّا الوسيلة المستعملة في هذا الإغواء، فقد بيَّنَتها سورة الحجر، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: 39]؛ فالوسيلة المتَّبعة بعد هذا الحِصار الشيطاني هي التزيين لهم في الأرض؛ من أفكار وأهواء، وشهوات وغرائز، وهو ما جاء بيانه في هذه الآية من سورة الحجر.


إذًا، البناء الفنِّي يَكتمل إذا فهمنا أنَّ آية سورة الأعراف تُصوِّر الحصارَ الشيطاني للإنسان بعد القعود له على الصِّراط المستقيم، وآية سورة الحجر تبيِّن الوسيلة المستخدمة في الإغواء؛ فأصول الإغواء تَرجع إلى ثلاثة أعمال في خطَّة إبليس:

الأول: الصد من الأمام.

الثاني: المنع والجَذب من الخلف.

الثالث: التحويل ذات اليمين وذات الشمال.

وهكذا أعلَن إبليس أصولَ خطَّته العامَّة لإغواء ذرِّية آدم في هذه الآية[32]، وإبليس بعد أن أعلن عن خطَّته، بيَّن قوَّة إضلاله؛ بأن خاطَب الله جل جلاله بقوله: ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 17]؛ كأنَّ عبارته هذه توحي بأنَّ خطَّته مُحكمة، فلن يفلت من الوقوع في حبائله إلَّا القليل من الناس[33].


وشاكِر: اسم فاعل؛ وهو يطلَق على مَن يكون منه شكرٌ ما ولو كان قليلًا، أما من ليس لديه أدنى شكر لربِّه، فهو كَفور (صيغة مبالغة لكافر)، والكَفور: هو الذي ليس في قلبه مثقال ذرَّة من إيمان؛ ولهذا عبَّر الله عزَّ وجل عن المؤمن ولو من أدنى درجات الإيمان بعبارة (شاكِر)، وعبَّر عن الكافر ولو مِن أخفِّ دركات الكفر بعبارة (كَفور)، فقال تبارك وتعالى في سورة الإنسان: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: 2، 3]؛ أي: إمَّا أن يكون بعد رحلة امتحانه شاكرًا ولو من أدنى درجات الشُّكر بإيمان مقبول يدخل الجنة، وإمَّا أن يكون بعد رحلة امتحانه كَفورًا ولو كان كفره من أخفِّ دركات الكفر، وهو الكفر الذي يجعله خالدًا في عذاب النار[34].


هل أدركنا دقَّة التعبير القرآني في استِعمال العبارة ورسم الصورة للشخوص؟ ولنا أن نتساءل هنا: من أين جاءت هذه الثِّقة لإبليس حتى أخبر أن خطَّته ستنجح في المستقبل عبر تاريخ الإنسان في الأرض، فيكون أكثرهم كفورين لربهم؟

يمكننا القول: إنَّ هذا كان من إبليس مستندًا إلى ما رآه من عوامل ضَعف الإنسان في تكوينه، وتأثير أهوائه وشهواته وغرائزه على إرادته، وإمكان استهوائه بها.


أو أنَّه قاسَ الإنسانَ على ما سبق أنْ عرَفه من طبيعة الجنِّ، ذوي الإرادات الحرَّة والأهواء والشهوات والغرائز؛ وهذه مشابهة لما لدى الإنسان[35].


والدليل على أنَّ هذا قد كان ظنًّا من إبليس مستندًا إلى أمارات لاحَظها - قولُ الله عزَّ وجلَّ في سورة سبأ في مَعرض الحديث عن سبأ ومعاقبتهم بالسيل العَرم وتمزيقهم كلَّ ممزَّق: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: 20].


إذًا، هذه خطَّته التي أفصَح عنها بعد أن أُمهل إلى يوم الوقت المعلوم، وقبل أن أنتقل إلى الواقع التطبيقي لهذه الخطَّة الشيطانية، علينا أن نشير إلى بقيَّة أجزاء هذه الخطَّة؛ ذلك أنَّ هناك نصوصًا قرآنية أخرى أفصحَت عن جوانب أخرى من الخطَّة الشيطانية في إضلال الناس، فإذا كان هنا قد بيَّن المكان الذي سيكمن فيه لبني آدم، والجهات التي سيُراودهم من خلالها، فإنَّه في نصوص أخرى - كما ذكرت آنفًا - قد ذكر الوسائلَ المستعملة في تطبيق خطَّة الإحاطة هذه، نقرأ في سورة الحجر الوسيلةَ الأولى في الإضلال؛ ألا وهي التزيين والإغواء، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: 39]؛ أي: لأزيننَّ لهم الباطِلَ، أو لأزيننَّ لهم المعاصي، والمراد بالتزيين لهم في الأرض: غرورهم في هذه الحياة الدنيا، وهو السبب القريب للإغواء[36].


لقد اعتمد الشَّيطانُ فقهَ التزيين والإغواء؛ فهذا الفقه وحده يحافِظ على الشذوذ، وينقله من عصر إلى عصر، ويطالعنا إبليس بوسيلة أخرى من وسائل تَنفيذ خطَّته؛ ألا وهي وسيلة الاحتناك التي جاءت الإشارةُ إليها في قوله تعالى: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 62]، والاحتناك: الاقتِطاع من الأصل، يقال: احتنك فلانٌ من مال أو علم: إذا استقصاه فأخذه كلَّه، واحتنك الجرادُ الزرعَ: إذا أكَلَه كلَّه، وحنك الدَّابةَ بحبلها: إذا جعل في حنكها الأسفل حبلًا يقودها به، والمعنى الأخير هو الأصل في الباب؛ فالاحتناك: الإلجام؛ كأنَّ المعنى: لأقودنَّهم إلى المعاصي كما تُقاد الدابَّة بحبلها، إلَّا قليلًا من ذريته؛ وهم المخلصون[37].


إنَّه فِقه تلجيم العقول، وتَكميم الأفواه، وتعصيب العيون، فقهٌ لا يخدم إلَّا الغوغاءَ وتجَّار الشهوات؛ لنشر الانحراف والشُّذوذ تحت لافتة برَّاقة، تنادي بالديمقراطية وحريَّة الإنسان فيما يَختار من تزيين الشيطان، إنَّه فِقه يَحمي الهجومَ بالانحراف لتدمير الجنس البشري بأيدي الجنس البشري[38].


ومن وسائله أيضًا في تنفيذ خطَّته ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: 118، 119]؛ فهو هنا يفصِح أنَّه سيستخلص أناسًا يُغويهم ويُضلهم، وعبَّر عن هذا الاستخلاص بالنصيب المفروض؛ كأنَّ هؤلاء الضالين نصيبُ إبليسَ الواجبُ له، وإضلالهم يكون بالاشتِغال بعبادة غيرِ الله، وباقتراف المعاصي، وإغرائهم بالاشتغال بالآمالِ والأماني التي تَصرفهم عن الاشتغال بواجب شأنهم وما يهمهم من أمرهم، ثمَّ يأمرهم بشقِّ آذان الأنعام، وتحريمِ ما أحلَّ الله، وأمرهم بتغيير خلق الله، وينطبق على مثل الإخصاء وأنواع المثلة واللواط والسحاق، وليس من البعيد أن يكون المراد بتغير خلق الله: الخروج عن حُكم الفطرة، وترك الدين الحنيف[39].


فهذه الأشياء وسائل الشَّيطان في تَنفيذ خطَّته، وكل من اتَّخذ الشيطانَ له وليًّا أصبح أداةً للشيطان، يحرِّكه ليصيب به ما يَشتهيه في عالم الزينة والإغواء.


بعد أن طرد الله سبحانه وتعالى إبليسَ من الجنة[40]؛ لاستكباره ورفضِه السجود لآدم، أسكَن الله تعالى آدمَ وزوجه في الجنَّة، وأباح لهما الأكلَ منها من حيث شاء، إلَّا من شجرة واحدة، عيَّنها لهما، ونهاهما عن الأكل منها، قال تعالى: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: 19]، وقد تكرَّر هذا الأمر حرفيًّا في سورة البقرة، ولكن بزيادة لفظة (قلنا)، قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 35].


ويمكن لنا أن نستنبط بعضَ القضايا المهمَّة من خلال هذين النصَّين:

1- أن الآيتين دلَّتا على أنَّ الله عزَّ وجل خلَق لآدم زوجة؛ وهي أمُّنا حوَّاء، وأنَّه سبحانه تولَّى بنفسه عقدَ التزويج هذا بصريح قوله: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾.


2- أن الله عزَّ وجل أسكَنهما في بيت الزَّوجية المعد لهما ولذرِّيتهما المؤمنين بالله المسلمين له، أمَّا غيرهم فلا حظَّ لهم فيها، وكان هذا الإسكان الأول إسكان امتحان واختِبار، لا إسكان خُلود واستقرار.


3- أنَّ الله عزَّ وجل أحلَّ لهما أن يأكلا من كلِّ مأكول في الجنَّة، ومن كلِّ مكان من أمكنتها، وحرَّم عليهما في إقامتهما الاختبارية أن يَأكلا من شجرة خاصَّة، عيَّنها لهما بشَخصها أو بنوعها؛ إذ نهى عن الاقتراب منها نهي تَحريم؛ بدليل ترتيب العِقاب على الأكل؛ دلَّ على هذه القضيَّة قوله تعالى: ﴿فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ﴾، والنَّهي عن قُرب الشيء أبلغ من النَّهي عنه؛ فهو يَقتضي البعد عن موارد الشُّبهات التي تُغري بالمنهي عنه وتفضي إليه، ((ومَن وَقَع في الشُّبهات وقَع في الحرام؛ كالراعي يَرعى حول الحِمى يوشك أن يقَع فيه))؛ كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم[41].


4- والقضية الرابعة: أن الله عزَّ وجل حذَّرهما من مغبَّة معصيتهما إذا أكَلا من الشجرة التي حرَّم عليهما أن يأكلا منها؛ دلَّ على هذه القضية قوله تعالى: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾، والحكم بالظُّلم يَستدعي العقوبة، وكانت العقوبة الإخراجَ من الجنَّة، وجعل الأرض هي مسرح الامتحان، (ورحلة الامتحان في الأرض لآدم وزوجه وذريتهما، رحلة كَدح ومكابدة وكشف لِما في النفوس؛ من إرادة خير واعترافٍ بالحق، أو إرادة شرٍّ وجحود للحقِّ، واتباع للأهواء والشهوات وزينة الحياة الدنيا)[42].


ولما رأى إبليس ما أنعَمَ الله به على آدم؛ من أمر ملائكته بالسجود له، ومن إسكان الله له وزوجه في الجنَّة - حسَدَهما على ذلك، فبدأ بتنفيذ خطَّته في الانتقام من آدم وزوجه[43]، فكيف بدأ بتنفيذ خطَّته؟

إنَّه بدأ أول ما بدأ بالوسوسة، قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: 20، 21]، والوسوسة والوسواس حديث النَّفس، والاسم منه الوَسواس بفتح الواو، ويطلق على الشيطان اسم (الوسواس)؛ لأنه يحدث من داخل النَّفس[44]، وهذا أدعى للاستجابة والاندفاع إلى ما تَدعو إليه الوسوسة؛ باعتبار أنَّ الداعي شيء من ذات النَّفس لا من جهة أخرى تأمر وتَنهى وتغري؛ فبهذه الوَسوسة أضلَّ إبليسُ آدمَ وأغراه بالأكل من الشجرة، فالشيطان يَستطيع أن يصِل إلى فِكر الإنسان وقلبِه بطريقة لا ندرِكها ولا نعرفها، يساعده على ذلك طبيعته التي خُلق منها؛ وهي خاصيَّة تَميَّز بها إبليس والشياطين، من خلال الدخول في النَّفس الإنسانية، فيحدِّثونها بالشرِّ، ويحضونها على فعله؛ باستمرارٍ لا يتخلَّله انقطاع، وبإصرارٍ لا يلين[45].


ثم يمكن لنا أن نلاحظ بعدًا فنِّيًّا في هذا النصِّ، متمثلًا في أن الفعل وسوس قد جاء معدًّى باللام في سورة الأعراف هكذا: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا﴾ [الأعراف: 20]، بينما جاء معدًّى بـ (إلى) في سورة طه هكذا: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ﴾ [طه: 120]، فما هو هذا البُعد الفنِّي؟

يمكننا القول: إنَّ الشيطان لم يوسوِس لآدم في أول الأمر بصورة مباشرة؛ بل كان يتَّخذ وسائلَ بعيدة عن الوسوسة المباشرة؛ وهي في آخرها تحدث الوسوسة، دلَّ على هذا استخدام حرف (إلى) المشعِر بطول المسافة بين بدء الشيطان بحركته وبين حدوث الوَسوسة، ودلَّ عليه أيضًا استخدام أسلوب العرض الاستفهامي في العبارة الإغرائية ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: 120]، فهي عبارة تُثير الشَّوق إلى المعرفة، وليس فيها إشارة ما إلى الشَّجرة التي نهى الله عزَّ وجل عن الاقتراب منها؛ فما جاء في سورة (طه) بيانٌ للمحاولة الأولى من محاولات الشيطان، تلَتْها محاولات أخرى في خطوات شيطانيَّة تهبط في الدركات، فإبليس أول ما استخدم حيلة التشويق للرَّبط، حتى وقع على المغمز الملائم لصيد الفريسة فأمسك به[46]؛ وقد دلَّ على هذا ما جاء في سورة (الأعراف)، وهو قول الله عزَّ وجل: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ [الأعراف: 20]، فالشيطان هنا قد استعمل فِقهَ الشعار في الوسوسة إلى آدم وزوجه؛ وهو فِقه يقوم على تَمييع القضايا، وترقيعِ الحقائق برقع الباطل، أو تزيين الباطل بلافِتات الحق، وفِقه الشعار الذي يعمل به أولياء الشيطان أول مَن عمل به الشيطانُ نفسه، ثمَّ ألقاه على عقولهم الصدئة ليعملوا به ضد البشريَّة، ولكن بأسلوب آخر[47].


ثمَّ جاء النصُّ ليشير إلى الغاية الشيطانية من هذا الفِقه، إنَّ غايته إيقاعُ آدم وزوجه في مَعصية الله ربهما، قال تعالى: ﴿لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا﴾ [الأعراف: 20]؛ أي: ليُظهِر لهما ما كان مستورًا من العوْرات التي يقبح كشفها[48]، وبانكشاف سوءاتهما الماديَّة تَنكشف سوءاتهما النفسيَّة المستعدَّة للسقوط في المعصية وارتكاب الإثم.


لقد كان إبليس متلهفًا أن يرى أوَّلَ ظاهرة من ظواهر مَعصيتهما؛ وهي بدوُّ سوءاتهما؛ فالوسوسة الشيطانية بدأت باستثارة رغبتهما في أن يكون لهما انطِلاق الملائكة في السموات بأجسادٍ نورانيَّة، أو أن يكونا خالدَين فيما هما فيه من نَعيم الجنة، فبدأت الخطَّة الشيطانية بأن زرَع الشكَّ في قلبيهما حول الغَرَض من نهي الله لهما عن أن يَأكلا من الشَّجرة المحرَّمة، فقال لهما مع ما قدَّم لهما من إغراءاته وتسويلاته: ما نهاكما ربُّكما عن الأكل من هذه الشجرة إلَّا منع أن تكونا ملَكين أو تكونا من الخالدين، وربَّما قال لهما: إنَّ الملائكة لم يصيروا نورانيِّين ينطلقون في السموات بأجساد نورانيَّة إلَّا بعد أن أكَلوا من هذه الشجرة[49].


فهذه فكرة إبليسيَّة قديمة تَجعل للأشياء طبائعَ ذاتية أصليَّة ثابتة، وأنَّ الله يخلق من خلالها، فإبليس لمَّا رفَض السجودَ لآدم، علَّل رفضه بأنَّ عنصر النار بطبيعتها الذاتية أشرَف من عنصر الطِّين، وفي تسويله لآدم وزوجه زعَم لهما كاذبًا أن عنصر الشجرة المحرَّمة يحوِّل الآكِلَ منها إلى ملَكٍ نوراني، يَعبر أقطارَ السموات بخفَّة الأنوار أو الأرواح المجرَّدة، أو يجعله خالدًا يعيش أبدًا دون أن يدركه الموت.


والسؤال الذي يمكن أن يُطرح هنا: كيف وقَع آدم وزوجه في هذه الغَفلة، فتصوَّر أنَّ شجرةً يمكن أن تَمنح الصِّفةَ الملائكية أو الخُلد الأبدي؟

أقول: الذي أوقعهما في هذه الغفلة شدَّةُ رغبتهما بأن يكونا ملَكين، أو بأن يكونا خالدينِ، ومعلوم أن شدَّة الرَّغبة تتحول إلى هوًى، ومن شأن الهوى أن يغشي على مَراكز التفكُّر الصحيح، ويجعل الإنسان يتصرَّف بموجِّه من رغبات نفسه، لا بموجه من فِكره وعقله وإيمانه، ومن هنا سقَط المؤمنون في أوحال المعاصي والخطايا[50].


اللَّافت للنَّظر هنا في هذه الصورة الفنيَّة أن الشيطان عندما وَسوس لآدم وزوجه معًا، وعَدَهما بأنَّ الشجرة ستجعلهما ملَكين من الملائكة أو خالدينِ، قال تعالى: ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف: 20]؛ وعندما كانت الوسوسة لآدم وحده، فقد وعَده بالخُلد وبالمُلك الذي لا يَبلى، قال تعالى: ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: 120]، فما البعد الفنِّي لهذين التعبيرين؟

الذي يظهر للمتأمِّل في هذين الوَعدينِ أنَّ كِلا الوعدين يتناسب مع التركيبة الذكوريَّة والأنثوية؛ فالذكور هم الأكثر حلمًا بالخلود، بينما الإناث أكثر حلمًا بالملائكة؛ وهذا يتناسَب مع تأنيث العرب للملائكة، ومع ربط المرأة الجميلة بصورة الملاك؛ وهذا الذي بدا لي ليس من التفسير في شيءٍ، ولا أدَّعي أنَّه مراد الله؛ وإنما هو استقراء للمسارب التي تتفتَّح على النصِّ بلا انتهاء.


والمدهِش في هذه الوسوسة حقًّا هو أنَّ آدم رأى الملائكةَ يَسجدون له، فكيف يتمنَّى أن يكون منهم، وقد علِم في ذلك السِّياقِ تميُّزَه الظاهر عليهم؟ ثم هو لم يجرِّب الموت ولم يشاهده، فكيف يحلم بالخلود؟


الذي يظهر لنا متولدًا من مسارب النصِّ التي لا تَنتهي: أنَّ آدم عليه السلام اطَّلع على الطبيعة التركيبيَّة والحركية للملائكة، فحلم أن يكون منهم، وأما الحلم بالخُلد، فإنَّه استَنتج من خلال طبيعته التركيبيَّة أنَّه إلى فَناء، أو أنَّه وزوجه كانا يَعلمان أنَّهما في سكنى ابتلاء، لا في سكنى دوام وبقاء.


ولكن مع هذا الإغراء وتلك الوسوسة، هل استسلم آدم وزوجه بسهولة؟

الصورة التي يرسمها لنا النصُّ تبيِّن أن آدم وزوجه قد وجما عن قبول ما سوَّل إبليس لهما به، فلجأ أولًا إلى حيلة حلف الأَيْمان المؤكدة، فشرع يقسِم لهما بربِّه كاذبًا، ويؤكِّد أقسامه ويقول لهما: إني لكما لمن الناصحين، قال تعالى: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: 21]؛ أي: حلف لهما بالله على ذلك أنَّه ناصِح لهما فيما يقول في خِداعهما، وقد يُخدع المؤمن بالحلف بالله[51].


ولم يكتف إبليس بالتشديد في القسم؛ بل شدَّد أيضًا في تأكيد المقسم عليه بعدَّة مؤكدات، هي (إن - والجملة الاسمية - واللام المزحلقة) في قوله تعالى: ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾[52].


ومرَّة أخرى ورغم كل هذه التأكيدات فإنَّ آدم وزوجه لم يسرِعا في الاستجابة لدعوته وتسويلاته، فاتَّخذ إبليس معهما أسلوبَ الخطوات الإزلاقية المتشابهة، والتدلية شيئًا فشيئًا في بئر المعصية، ومع كل مَرحلة من مراحل التدلية إغراءات من مَنابع التغرير والخِداع والإطماع بالباطل؛ دلَّ على هذا قول الله عزَّ وجل: ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ...﴾ [الأعراف: 22]؛ أي: فبعد أن شدَّد الحلف لهما وأكَّد لهما أنَّه لهما لَمن الناصحين، أخَذ ينزلهما شيئًا فشيئًا في بئر المعصية، أو مهواة المعصية؛ ليجعلهما عند حدِّها تمامًا ليس بينهما إلَّا الملامسة، وعندئذٍ يسهل جدًّا إزلاقهما وإيقاعهما في الزلل[53].


ومعلوم أن التدلية لا تكون رميًا أو قذفًا؛ وإنما تكون إرسالًا برفق شيئًا فشيئًا، وهذه وسيلة الشيطان، إنَّها قائمة على أسلوب الخطوات المتتابعات تنازلًا إلى الحضيض أو إلى الدرك الأسفل من الجحيم[54].


ومرة أخرى تطالِعنا العبارة القرآنيَّة لترسم لنا ظلالَ صورة فنيَّة رائعة الجمال، فهل رأينا أبلَغ وأجمل من هذه المطابقة بين العبارة التي هي غاية في الإيجاز، وبين الفِكرة المرادة ذات المرامي والأبعاد الواسعة؟! إنَّ تشبيه عملية الإغواء ذي الخطوات المتتابعات في الانحدار بالتدلية في بئر أو في مهواة - من أبدع التشبيهات وأبرَعِها وأدقِّها، واستعمال فعل (دلَّى) كان على سبيل الاستعارة الفنية الرائعة[55].


ونجح اللَّعين في إيقاعهما في المعصية، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: 22]؛ أي: فحين ذاقا طَعم مأكولٍ ما من الشجرة - (فلمَّا) حينيَّة ظرفيَّة، تختصُّ بالماضي - انكشف لهما سوءاتهما؛ إذ كانت مواراة عنهما لا يريانها، والسَّوْءَةُ فرْجُ الرجل والمرأة؛ من السوء، وسمِّيَت العورة سوْءَة؛ لأنَّ انكشافها يَسوء صاحبها؛ ولهذا أوجب الله تعالى على الإنسان أن يَستر عورته[56]؛ لأنَّ التعري بحدِّ ذاته خروج عن الفِطرة، فلمَّا علم آدم وزوجه بانكِشاف عورتيهما، سرعان ما دعاهما الحياء بأن يغطِّيا عورتهما بورَق الشَّجر، قال تعالى: ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: 22]؛ أي: أخَذا يلزقان من ورَق الجنة ورقة فوق أخرى على عَوراتهما ليستترا به؛ كما يخصف النَّعل بأن تجعل طرفه على طرفه وتوثق بالسيور[57].


وهنا ملحظ فنِّي مهم يكمل أجزاء هذه الصورة الفنيَّة، هذا الملحظ هو أنَّ سورة الأعراف ذكرَت التذوُّق، وسورة طه ذكرَت الأكل من الشجرة، قال تعالى: ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا﴾ [طه: 121]، وهو يبيِّن أن بدوَّ السَّوءة بعد الذواق كان بدوًّا أوَّليًّا وجزئيًّا، وأن البدوَّ الذي كان بعد الأكل قد كان نهائيًّا وكاملًّا، و(يظهر أن لذَّة طعم الشجرة غلبَت إرادتيهما، فأتمَّا الأكل، ولم يَملكا أنفسهما لِلَفْظِ ما في أفواههما من الشَّجرة؛ اكتفاءً بما حصل لهما من ذواق، واتعاضًا ببدوِّ آثاره؛ بل تابَعَا أكلَ ما في أفواههما وابتلاعه)[58].


بعد أن وقعا في حبائل الشيطان، جاء النِّداء الإلهي: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأعراف: 22]، وهو نِداء بدأ بالاستِفهام الذي خرَج للعتاب والتوبيخ؛ إذ ناداهما الله تعالى معاتبًا وموبِّخًا لهما، وقال: ألم أنهكما عن أن تَقربا هذه الشجرة، وأقل لكما: إن الشيطان ظاهرُ العداوة لكما، فإن أطَعتماه أخرَجَكما من الجنَّة حيث العيش الرغيد، إلى حيث الشَّقاء في العيش والتعب في الحياة[59].


ومن الملاحظ أنَّ الله عزَّ وجل لما نهاهما عن الاقتراب من شجرة الابتلاء، ذكَرَها بلفظ الإشارة الموضوع للمشار إليه القريب؛ إذ قال لهما: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: 19]، لكنَّه جلَّ جلاله في سؤال العتاب قال لهما: ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾ [الأعراف: 22]، فذكَرَها بلَفظ الإشارة الموضوع للمشار إليه البعيد، فدلَّ ذلك على أنَّهما ابتعدا بعد الأكل منها وانكشافِ سوءتيهما عن موقع خطيئتهما ابتعادًا يصحُّ معه أن يُشار إلى الشجرة باسم الإشارة الموضوع للمشار إليه البعيد، ويصحُّ معه أن يُخاطب بالنِّداء الذي يكون للبعيد، ومعلوم أنَّ من طبيعة المذنِب إذا ظهرَت عليه بعض أمارات الذَّنب أن يبتعد عن المكان الذي ارتكَب فيه ذنبَه، وهذه الحركة تكون منه حركة تلقائيَّة، توجِّهها البديهة دون أناة في التفكير[60].


وبعد هذا العتاب الربَّاني لم يكن من آدم وزوجه إلَّا الاعتراف لربِّهما بأنَّهما قد ظلما أنفسهما، وألحقا الاعتراف بطلب مغفرته ورحمته واستعطافه بأنه إن لم يغفِر لهما ولم يرحمهما فإنهما لَيكونان من الخاسرين حتمًا؛ لأنَّ خطيئتهما تقتضي خسارتهما بمقتضى أحكام العدل الربانيَّة، قال تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]، وقد روي أن هذا الدعاء بالاستغفار والتوبة هو الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربِّه[61]، قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 37]، وهكذا تاب الله تعالى على آدَمَ وزوجه، واكتفى الله تعالى بذِكر توبة آدَم دون ذِكر توبة زوجه حوَّاء؛ لأنَّها كانت تبعًا له[62].


فالعقاب الأخروي المترتب على عِصيان آدم وزوجه قد غفَره الله تعالى بالتوبة، وجعله محلًّا لاصطفائه، كما قال تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [طه: 121، 122]، ولكن يبقى العقاب الدنيوي على تلك المعصية، وهو الحدَث الأهم في إفرازات مَعركة إبليس مع آدم؛ وهو إخراج آدم وزوجه من الجنَّة، وهو نوع من العقاب الذي قضَت به سنَّته تعالى بأن يكون أثرًا طبيعيًّا للعمل السيِّئ مترتبًا عليه[63].


قال تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [الأعراف: 24]، في هذا الحكم الصادر عليهما وعلى ذرِّيَّتهما الذين سيتناسلون منهما نقلٌ لرِحلة الابتلاء من الجنَّة المعدَّة في الخطة الربانيَّة لأن تكون إحدى دارَي الجزاء، إلى الأرض التي نحن فيها، والمعدَّة في أصل الخطة الربانيَّة لأن تكون هي مَكان الابتلاء، وأنَّ الخلود السعيد لا يكتسب بالأكل من شَجرة أو مادَّةٍ ما فيها إكسير الخلود السَّعيد؛ وإنما يكون بالعمَل الإرادي الذي يتحقَّق به رضوان الله ربِّ الأكوان، والمهيمن على كلِّ شيء فيها بعلمه وحِكمتِه وقدرته، والمجري إحداثها بقضائه وقدَره وخلقه[64].

والأمر بالهبوط موجَّه لآدم وزوجه عليهما السلام وإبليس عليه اللعنة[65].


أمَّا وجه العداوة الكائنة بين بني آدم بعضهم مع البعض الآخر، فهو راجِع إلى التكوين النَّفسي للناس، القائم على حريَّة إرادة الفَرد، وعلى اختلاف المصالِح والأهواء، والشهوات والمطالب، وعلى تعارضها وتباينها مع التزاحم والتنافس، وما في النفوس من تحاسُد من شأنه أن تظهر بينهم العداوات، وهي عداوات تكون بين الأفراد وبين الجماعات الصُّغرى، ثمَّ بين الأقوام والأمم، وهي تظهر في شتى أنواع سلوكهم وتحرُّكاتهم، حتى تصِل إلى مكايد كثيرة بينهم، وإلى خصومات شديدات، ثمَّ إلى مقاتلات وحروب كبرى، وهكذا كان واقع حال الناس في تاريخهم الطويل[66].


انتهت المعركة إذًا بالتوبة على آدم، وبإهباطه إلى الأرض، وشتَّان بين مَعصية آدم وإبليس؛ فآدَم عصى ونَدِم، وإبليس عصَى وتكبَّر ولم يَندم؛ من هنا أصبح من المرجومين المطرودين إلى قيام السَّاعة.


بعد هذا العَرض لتفاصيل المعركة الأولى بين الإنسان والشيطان، والذي نتج عنه استِحكام العداء بين الشَّيطان والإنسان، علينا أن نعرف أن الجنَّة هي ميدان الصِّراع الأول، وأنَّ الأرض ستكون هي ميدان المعركة الثانية، وسيقوم إبليس فيها بتطبيق أفعاله الذَّميمة ووساوسه القبيحة على ذريَّة آدم، وهذا ما اقتضَته الحكمة الإلهيَّة؛ ليكون ابتلاء الله تعالى للبشر على أوسَع نِطاق، فالإنسان هو خليفة الله على هذه الأرض، والشيطان هو مصدر الشرِّ، وهدفه أن يعرقِل مسيرة الإنسان في قيادة الأرض إلى الإصلاح والإعمار، فالأرض هي ميدان الصِّراع الدائم، وإبليس يتحيَّن كلَّ الفرص للإيقاع بهذا الإنسان.


فقضية (أنَّ الشيطان هو عدو الإنسان الأول) هي حقيقة واقعيَّة، لا يمكن للإنسان أن ينساها أو يَغفُل عنها، ويجب عليه ألَّا تفوته العِبرة المتوخاة من قصَّة معركته الأولى مع إبليس عندما أخرج أبويه من الجنَّة؛ كما ذكرها القرآن الكريم[67].


وإبليس في قصة صِراعه الأولى مع الإنسان قد بذر بذورًا سنراها واضحة في صور الصِّراع الأخرى التي جاءت تبعًا بعد قصَّة الصِّراع الأولى، فهو قد بذر بذورَ الاستعلاء والتحقير كما شاهدناها في مقولته: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾؛ فهذه المقولة كان لها أثرها في بروز فِقه الاستعلاء والتحقير لدى طائفة من النَّاس؛ كما عرضناها فيما سبق، وكذلك فإنَّه بذر بذورَ المتاجرة بالدِّين، وجدنا ذلك واضحًا في قوله: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف: 16]، فكل الذين ظَهروا بعد ذلك وتاجَروا بالدِّين وحرَّفوا الكلِم عن مواضعه، فإنَّما زادُهم كان من فِقه الشيطان الذي كمن لهم على الصِّراط المستقيم؛ فهو قد عمل على عَرقلة طريق العبادة التي من أجلها خلَق الله الجنَّ والإنس، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]؛ أي: الغرض العبادة بمعنى كونهم عابدين الله لا كونه معبودًا[68]؛ فقد قال: ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾، ولم يقل: لِأُعبَد، أو لأكون معبودًا لهم، فالله هو المعبود الحق... وهو سبحانه قد بيَّن للجن والإنس كيف يَعبدونه، فالعبادة هي أن تَعبد اللهَ كما يريد اللهُ، وإبليس أدلى بدَلوه في اتجاهين؛ الاتجاه الأول: أنَّه وسوس للإنسان بعيدًا عن المعنى المقصود: ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾، ونصب خيمتَه في مربع لأكون مَعبودًا لهم، ووفقًا لتصوُّرات هذا المربع تمَّ عبادة الأصنام والطاغوت على امتِداد المسيرة البشريَّة، والاتجاه الثاني: وسوس للإنسان ليعرقِل المسيرةَ نحو المعنى المقصود لقوله تعالى: ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾، فالله تعالى بيَّن لعباده كيفيَّةَ عبادته على لِسان رسلِه عليهم السلام، ولما كانت دَعوة الرُّسل على صراطٍ مستقيم، فإنَّ إبليس نصَب له خيمةً على هذا الصِّراط، مهمتها: الصَّد عن سبيل الله، وعرقلة الطريق أمام العبادة الحقَّة، وتلاميذ إبليس على هذا الصِّراط هم المنافقون على امتِداد التاريخ الإنساني؛ فالمنافق يَسير على الصِّراط المستقيم عند العَرض على الله يوم القيامة[69]؛ فهذا بعض إيحاء قوله تعالى: ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾.


وبذر كذلك بذورَ المتاجرة بالشَّهوات؛ فهو قد انطلَق في ذلك من فِقه التزيين والإغواء، فهذا الفِقه وحده يحافِظ على الشذوذ، وينقله من عَصر إلى عصر تحت حماية فقه الاحتناك، وفِقهُ التزيين والإغواء جاء في قوله: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: 39]، وفقهُ الاحتناك جاء في قوله تعالى: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 62]، ومفهوم: ﴿لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: لأزيننَّ لهم الباطلَ، أو لأزيننَّ لهم المعاصي، والمراد بالتزيين لهم في الأرض: غرورهم في هذه الحياة الدنيا، وهو السبب القريب للإغواء[70].


فالركوبة مُزخرفة، وتعبر من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل، وهي تَحمل زخارفَ كل عصر، وتسير قافلة الزَّخارف والشهوات محمَّلة بانحرافاتها وشهواتها بضَجيج أو بلا ضجيج في مجتمعات هيمَن عليها فِقه الاحتناك.


تلك بعض البذور التي بذَرها إبليس، والتي كانت صدًى لكلِّ الصراعات الأخرى معه كما سنلاحظ في صور الصراع الأخرى التي سنعرض لها بعد هذه الصورة.



[1] سوف أقف في قصة آدم وإبليس مع أبعاد الصراع وصوره، ولن أدخل في تفاصيل لا تخدم البحث؛ كموقع الجنة، وهيئة السجود، وكيف دخل إبليس في الأمر مع الملائكة... إلى آخر ما هناك من قضايا حول القصَّة، نجدها مفصَّلة في كتب التفسير، وإنما التركيز هنا يَنصرف إلى الصِّراع الأزلي بين الإنسان والشيطان، وهو البعد الأهم في القصة برأيي.

[2] ينظر: الانحرافات الكبرى - القرى الظالمة في القرآن الكريم؛ سعيد أيوب - ط1 - 1412هـ - 1992م - دار الهادي - بيروت - لبنان، ص (13، 14).

[3] ينظر: التفسير الكبير؛ الرازي ج (28)، ص (200 - 202)، والكشاف؛ الزمخشري ج (4)، ص (408 - 409)، وتفسير أبي السعود ج (8)، ص (144)، وروح المعاني؛ الآلوسي ج (27)، ص (20).

[4] تفسير الميزان؛ السيد الطباطبائي - ج (8)، ص (322).

[5] ينظر: الانحرافات الكبرى - القرى الظالمة في القرآن الكريم؛ سعيد أيوب - ص (16 - 17).

[6] هذا، وقد وردَت قصَّة آدم وإبليس مكرَّرة في سبعة مواضع وفي سبع سور؛ وهي حسب ترتيب نزولها: ص الآيات (71 - 85)، الأعراف الآيات (11 - 24)، طه الآيات (115 - 123)، الإسراء الآيات (61 - 65)، الحجر الآيات (28 - 42)، الكهف الآية (50)، البقرة الآيات (30 - 39)، ينظر: الإتقان في علوم القرآن؛ السيوطي - المطبعة الأزهرية - بمصر - ط2 - 1343 هـ - 1925م - ج (1)، ص (25)، وتفسير الطبري - ج (9)، ص (110)، وتفسير القرطبي - ج (7)، ص (314).

[7] ينظر: فتح القدير؛ الشوكاني ج (4)، ص (444)، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن؛ الشنقيطي - دار الفكر - بيروت - 1415 هـ - 1995م - ج (4)، ص (25).

[8] اختلف العلماء في كيفية هذا السجود على أربعة أقوال:

1 - أنَّه مجرد الخضوع دون إيماء ولا انحِناء ولا نحوهما؛ وهذا يرجع إلى أحد معاني السجود اللغوية، والمقصود: إقرارهم لآدم بالفَضل، والقيام بمصالحه.

2 - الإيماء والخضوع.

3 - الانحناء المساوي للركوع؛ وذلك بالكفين والتعظيم؛ كسلام الأعاجم.

4 - أنَّه السجود المتعارف عليه؛ وهو وضع الجبهة بالأرض؛ وعزاه القرطبي إلى الجمهور، وهو الصواب، ولا يعكر عليه أنَّ السجود في الشريعة الإسلامية محرَّم؛ لأنَّ ذلك خاص بآدم في العالم العلوي، وليس ذلك ضمن التكاليف المنوطة بأهل الأرض، فلا يقاس عليه، وممَّا يدل على أن سجودهم كان على الجباه قوله تعالى: ﴿ فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 29]؛ حيث أمرهم بالوقوع، وهو السُّقوط، ومن المرجحات لقول الجمهور أنَّ الأصل في حكم اللَّفظ أن يكون محمولًا على بابه وحقيقته، ولا شك أنَّ هذا يـتأكد إذا كان معه قرينة تدلُّ عليه كما في هذا السجود؛ ولهذا قال ابن عطية: (وهذه اللفظة ﴿ فَقَعُوا ﴾ تقوِّي أنَّ سجود الملائكة إنما كان كالمعهود عندنا، لا أنَّه خضوع وتسليم وإشارة كما قال بعض الناس)؛ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - دار الكتب العلمية - بيروت - ط1 - 1413هـ - 1993م - ج (8)، ص (308)، لكنه رحمه الله ناقَض نفسَه في موضعٍ آخر من تفسيره فقال: (وقوله تعالى: ﴿ فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ لا دليل فيه؛ لأنَّ الجاثي على ركبتيه واقِع)، وما اعتلَّ به منقوض بكلامه الآنف الذِّكر، كما أنَّ الجثي لا يَلزم منه الانحناء؛ فيترجَّح قول الجمهور في هذه المسألة، والله أعلم؛ ينظر: في ذلك: المفردات؛ الراغب الأصفهاني، ص (224)، والجامع لأحكام القرآن؛ القرطبي ج (1) (293)، ومعاني القرآن؛ الفراء - تحقيق: أحمد يوسف نجاتي - ومحمد علي النجار - طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1980م - ج (2)، ص (88)، وأحكام القرآن؛ الجصاص - دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1405هـ - ج (1)، ص (32)، وفتح القدير؛ الشوكاني ج (1)، ص (66)، والتحرير والتنوير؛ ابن عاشور ج (1)، ص (422).

[9] ينظر: فتح القدير؛ الشوكاني ج (4)، ص (444).

[10] ينظر: تفسير ابن كثير ج (2)، ص (203)، والمستفاد من قصص القرآن - عبدالكريم زيدان ج (1)، ص (14).

[11] معارج التفكر ودقائق التدبر - عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني - دار القلم - دمشق - ط1 - 1421 هـ - 2000م مجلد 4، ص (113 - 115).

[12] ينظر: الانحرافات الكبرى - القرى الظالمة في القرآن الكريم؛ سعيد أيوب، ص (17 - 19)، وينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر؛ عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني - م 4، ص (114).

[13] ينظر: محاسن التأويل؛ القاسمي - تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي - دار إحياء التراث العربي - بيروت - ط1 - 1415هـ - 1995م - ج (7)، ص (26، 27)، والمنار ج (8)، ص (334)، وصفوة التفاسير؛ محمد علي الصابوني - دار القرآن الكريم - بيروت - ط2 - 1402هـ - 1981م - ج (1)، ص (438).

[14] ينظر: تفسير القاسمي ج (7)، ص (27).

[15] ينظر: نظرية السياق القرآني؛ د. مثنى عبدالفتاح محمود، ص (233).

[16] أسرار التكرار في القرآن؛ محمود بن حمزة بن نصر الكرماني - دراسة وتحقيق: عبدالقادر أحمد عطا - دار أبو سلامة للطباعة والنشر والتوزيع - تونس، ص (78، 79).

[17] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر؛ عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني م4، ص (118، 119).

[18] ينظر: المستفاد من قصص القرآن؛ عبدالكريم زيدان - ج (1)، ص (15)، ومعارج التفكر ودقائق التدبر م12، ص (119).

[19] ينظر: أسرار التكرار في القرآن؛ الكرماني، ص (79).

[20] ينظر: الكشاف ج (2)، ص (541)، وزاد المسير ج (3)، ص (176)، والتفسير الكبير - الرازي ج (19)، ص (147)، وتفسير القرآن العظيم؛ ابن كثير ج (2)، ص (552)، وروح المعاني ج (8)، ص (94).

[21] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر؛ حبنكة الميداني م4، ص (120).

[22] معجم مقاييس اللغة ج (4)، ص (399)، ولسان العرب ج (15)، ص (140)، ومحاسن التأويل ج (7)، ص (31).

[23] ينظر: تفسير المنار ج (8)، ص (337)، والمستفاد من قصص القرآن؛ عبدالكريم زيدان ج (1)، ص (15).

[24] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر؛ الميداني م4، ص (121).

[25] ينظر: مفاتيح الغيب؛ الرازي ج (14)، ص (36).

[26] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر؛ الميداني م4، ص (122).

[27] تفسير القرآن العظيم؛ ابن كثير ج (2) - ص (204).

[28] زاد المسير في علم التفسير - ج (3)، ص (176 - 177).

[29] ينظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز؛ ابن عطية ج (2)، ص (381)، وتفسير القرآن العظيم؛ ابن كثير ج (2)، ص (205).

[30] ينظر: جامع البيان، ج (8)، ص (136).

[31] ينظر: تفسير الميزان؛ الطبطبائي ج (31)، ص (8).

[32] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر؛ الميداني م4، ص (122، 123).

[33] ينظر: التحرير والتنوير؛ ابن عاشور ج (8)، ص (150).

[34] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر؛ الميداني م4، ص (124).

[35] المصدر السابق م4، ص (24، 125).

[36] ينظر: تفسير الميزان؛ الطبطبائي - ج (12، ص (164).

[37] مفاتيح الغيب ج (21)، ص (4)، وينظر: تفسير القرآن العظيم ج (3)، ص (50)، ومحاسن التأويل ج (9)، ص (247).

[38] ينظر: الانحرافات الكبرى؛ سعيد أيوب - ص (23، 24).

[39] ينظر: الجامع لأحكام القرآن؛ القرطبي ج (5)، ص (388 - 389)، وتفسير الميزان ج (5)، ص (84).

[40] سبق أن أشرت في بداية الحديث عن صور الصراع الأولى مع الشيطان إلى أني سأركز الحديث على جوانب الصراع في هذه القصَّة، أما التفاصيل عن حقيقة هذه الجنة، والشجرة التي نُهي آدم عن الأكل منها، فمما لا يفيد البحث في شيء، ويبعدنا عن جانب العبرة في هذه القصة.

[41] ينظر: تفسير المنار؛ محمد رشيد رضا - ج (8)، ص (346)، ومعارج التفكر ودقائق التدبر؛ الميداني م4، ص (130).

[42] معارج التفكر ودقائق التدبر؛ الميداني م4، ص (131).

[43] ينظر: تفسير ابن كثير ج (2)، ص (205).

[44] ينظر: جامع البيان ج (30)، ص (356)، والمحرر الوجيز ج (5)، ص (456)، وأنوار التنزيل ج (3)، ص (6).

[45] ينظر: حقيقة الشيطان بالمنظور القرآني؛ شاكر عبدالجبار - مطبعة اليرموك - بغداد ط 5 - 1990 م، ص (43)، وينظر: عالم الجن والشياطين؛ عمر سليمان الأشقر - ص (80).

[46] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر؛ الميداني م4، ص (135).

[47] ينظر: الانحرافات الكبرى - القرى الظالمة في القرآن الكريم؛ سعيد أيوب - ص (21).

[48] ينظر: صفوة التفاسير ج (1)، ص (239).

[49] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر - م4، ص (138).

[50] ينظر: الانحرافات الكبرى؛ سعيد أيوب - ص (21)، ومعارج التفكر ودقائق التدبر؛ الميداني م4، ص (139).

[51] ينظر: صفوة التفاسير ج (1)، ص (239).

[52] ينظر: الكشاف؛ الزمخشري - ج (2)، ص (73، 74)، وتفسير المنار ج (8)، ص (348)، وتفسير المراغي ج (7)، ص (120).

[53] ينظر: تفسير الخازن ج (2)، ص (83)، وتفسير أبي السعود ج (2)، ص (244)، وروح المعاني ج (8)، ص (87).

[54] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر - م4، ص (141).

[55] ينظر: تفسير المنار ج (8)، ص (349).

[56] ينظر: جامع البيان - ج (8)، ص (146)، وزاد المسير ج (3)، ص (180)، والجامع لأحكام القرآن ج (7)، ص (180).

[57] ينظر: تفسير الرازي ج (14)، ص (41)، وتفسير البيضاوي ج (3)، ص (13).

[58] معارج التفكر ودقائق التدبر؛ الميداني م4، ص (142).

[59] ينظر: روح المعاني ج (8)، ص (101)، وفتح القدير ج (2)، ص (186)، والمنار ج (8)، ص (350)، وتفسير المراغي ج (8)، ص (121).

[60] ينظر: دراسة نصية أدبية في القصة القرآنية؛ د. سليمان الطراونة - ص (59، 60)، ومعارج التفكر ودقائق التدبر - م4، ص (145)، وقد استنبط الأستاذ سليمان الطراونة من خلال التمايز بين اسمي الإشارة في الموقفين أنَّ الشجرة قد تكون رمزًا وليست حقيقة في الشيء، وذكر أن القرآن لطالما استعمل الشجرة رمزًا؛ مثل الشجرة الطيِّبة، والشجرة الخبيثة، والحبة التي أنبتت سبعَ سنابل... إلخ، أقول: إن ذلك ليس واردًا في شَجرة آدم؛ لأنَّ الإشارة قد جاءت صريحة؛ مما يؤكِّد على حقيقتها دون رمزيتها، أما ما ضرب من أمثلة، فإنَّ القرآن نفسه قد أفصح عن رمزيَّة هذه الأشجار من ذِكره للفظ المثال في ثناياها.

[61] ينظر: جامع البيان - ج (1)، ص (243)، والتفسير الكبير ج (3)، ص (19)، والجامع لأحكام القرآن ج (1)، ص (324).

[62] ينظر: التفسير الكبير ج (3)، ص (26)، وينظر: البيضاوي ج (1)، ص (299)، وتفسير أبي السعود ج (1)، ص (92).

[63] ينظر: تفسير المنار ج (8)، ص (351)، وتفسير المراغي ج (8)، ص (122).

[64] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر - م 4، ص (146، 147).

[65] ينظر: الجامع لأحكام القرآن ج (1)، ص (319).

[66] ينظر: معارج التفكر ودقائق التدبر م4، ص (149)، ويشير السيد الميداني إلى أن العداء في النصِّ بين الشيطان وبني آدم؛ لأن الإشارة إلى عداوة الشيطان قد جاءت في قوله تعالى: ﴿ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾ [طه: 117]، ولكن أقول: لا محظور إن قلنا: إنَّ العداوة بين بني الإنسان بعضهم مع البعض الآخر ناتِجة عن تحرُّش الشيطان بينهم وعداوته لهم.

[67] ينظر: في ظلال القرآن: م4، ص (2355).

[68] ينظر: الكشاف ج (4)، ص (408)، والتفسير الكبير ج (28)، ص (200)، وتفسير أبي السعود ج (8)، ص (144)، والجامع لأحكام القرآن ج (17)، ص (55، 56).

[69] ينظر: الانحرافات الكبرى؛ سعيد أيوب - ص (19، 20).

[70] ينظر: تفسير الميزان؛ الطبطبائي - ج (12)، ص (164).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصراع بين الإسلام وأعدائه
  • الصراعات قبل ظهور الإسلام
  • أعداء الأمة وطبيعة الصراع
  • أصالة الصراع بين الإنسان والشيطان واستمراره
  • الاستعاذة من شر الشيطان وخطره
  • الإنسان ونظرته لذاته: بين الإيمان ومشابهة الشيطان

مختارات من الشبكة

  • منظومة البيان في الإشارة إلى بدايات الأثمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بدايات الكلاسيكية الفرنسية (القرن السادس عشر)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • بداية التفريق بين العشر وغيرها في عدد الصلاة ووقتها في الحرمين(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • بداية الجمع بين صلاة أول الليل وآخره في الحرمين(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • بداية شك بين زوجين(استشارة - الاستشارات)
  • بين البداية والنهاية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بداية النضال المسلح بين المسلمين والمشركين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أنت أيها الإنسان؟ (2) بداية خلق الإنسان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب