• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العلم والدعوة / العلم والدعوة
علامة باركود

ويأبى الله إلا أن يتم نوره

ويأبى الله إلا أن يتم نوره
ياسر عبدالله محمد الحوري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/7/2016 ميلادي - 14/10/1437 هجري

الزيارات: 26708

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ويأبى الله إلا أن يتم نوره


الحمد للهِ معزِّ من أطاعه واتقاه، ومذلِّ من خالف أمره وعصاه، مجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وهادي من توجه إليه واستهداه، ومحقق رجاء من صدقه في معاملته ورجاه.. من أقبل إليه صادقاً تلقَّاه ومن ترك لأجله أعطاه فوق ما يتمناه ومن توكل عليه كفاه.. فسبحانه من إله تفرد بكماله وبقاه.. أحمده سبحانه حمدا يملأن أرضه وسماه.. من اعتمد على الناس مل.. ومن اعتمد على ماله قل.. ومن اعتمد على علمه ضل.. ومن اعتمد على سلطانه زل.. ومن اعتمد على عقله اختل.. ومن اعتمد على الله فلا مل ولا زل ولا قل ولا ضل ولا اختل.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله الذي اصطفاه واجتباه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن نصره وآواه واقتفى أثره واتبع هداه وسلم تسليماً كثيراً، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

 

أما بعدُ فيا معاشر المسلمين، يقول الله - عز وجل -: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].

إذا أراد الله شيئًا فلا يُرد، ولا يُمانع ولا يخالف، بل هو الغالب لما سواه، وأكثر الناس لا يدرون حكمته، وتلطفه لما يريد، فاسم اللطيف يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة، وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية، ولذلك قال يوسف عليه السلام في آخر القصة: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100].

 

أيها المسلمون: لقد أشار الله - تبارك وتعالى - في قوله: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21]، إلى نفاذ إرادته وأنه الغلاب، وعلى العبد أن لا يغتر بظاهر الحال فإن الكفر وإن بدا عاليا، والباطل وإن ظهر منتصراً، فإنه انتصار وهمي، وغلبة غير حقيقية، والغلبة الحقيقية هي لله، والنصر الحقيقي هو النصر لدين الله، ولهذا قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف:21]، إشارة إلى هذا القهر، وأنك لا بد أن تتيقن من النصر، لأنك لا تعلم دقائق الأمور وأسرار الكون، فالله غالب على أمره، وله جند السموات والأرض، فهو القادر - سبحانه وتعالى - على تحويل الأمور وتقليب الأحوال في غمضة عين، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾، أي: لا يوقنون أن الله غالب على أمره، وأنه قادر على كل شيء - جل جلاله وتعالت عظمته -. إن الله إذا قال للشيء كن فسيكون، ولو شاء الله أن يفعل لفعل، ولو قدَّر شيئاً لكان، ولكن الله - جلت مشيئته - قد جعل في الكون سنناً, سنناً في الأرض، وسنناً في حياة الناس، وجعل تلك السنن هي العاملة - بمشيئته تبارك وتعالى - في الكون، ومن هذه السنن أنه جعل الإيمان شرطاً للنصر والعز والتمكين، فمتى ما حصل ذلك منا تحقَّق لنا وعد ربنا، وحصل لنا النصر والظفر، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]. نعم؛ إن الله غالب على أمره ولكن هذا لا يعني أن نتوانى أو نتكاسل أو نتواكل، فالله - جل جلاله - طلب منا النصرة لدينه، والدفاع عن شريعته، وحماية منهجه، والإعداد والاستعداد لملاقاة أعدائه، فإذا بذلنا هذا الأسباب، وقمنا بهذا الواجب، وتوكلنا على الله، ووثقنا في عزه ونصره وتمكينه، وعملنا بأسباب النصر، فإن نصر الله لن يتخلف، ووعده لن يتأخر، ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]. لا تغرنكم زمجرة الكفر، وصعود الباطل، وانتشار الفساد، فكل هذا سينتهي ويزول إذا قام أهل الحق بواجب الحق، ودافعوا عن الحق، ولن يبقى إلا الأصلح، ولن يدوم إلا الحق، ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 196، 197], مهما أرجف المرجفون، ومهما عاند المعاندون، ومهما بالغ في الكفر والطغيان

 

الطغاة المجرمون، فإن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، والمستقبل للإسلام رغم كل المعوقات، ورغم كل ما نراه من ضغوطات، وما نشاهده من حجب تحجب بشدة نور الحقيقة، وتقوم بكل ما أوتيت من قوة لإخفاء ظهورالحق. من كان يظن أن دولة الإسلام ستقوم في العهد النبوي، رغم قلة المسلمين وضعف قوتهم، وشحة إمكانياتهم، ووجود المنافقين في داخلهم، واليهود في المدينة من حولهم يتربصون بهم، والمشركون من خارجهم يكيدون لهم، ورغم كل هذا قامت دولة الإسلام، أقامها الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام بدعوتهم وألسنتهم، وبمهجهم وأرواحهم وسيوفهم التي تقاطرت منها دماؤهم الزكية في عشرات الغزوات والمعارك والسرايا، فبزغ الفجر، وأشرق النور، وقامت الدولة الإسلامية النبوية، ولاحت تباشير النصر والانتصار، وولى الكفر مذموما مدحوراً مهزوماً، ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].

 

أيها الأحبة في الله، أنشُكّ في أن أحبّ عباد الله إلى الله هم الأنبياء؟! أنرتاب في أنّ أطوعَ البشر لأوامِر الله هم الأنبياء؟! بالطبع لا مجالَ للشكّ في ذلك. ومع هذا فإن الأنبياء أكثر الناس بلاءً، كما أخبرنا الحبيب محمد بقوله: ((أشد الناس بلاءً الأنبياء فالأمثل)) رواه البخاري.

 

فهذا نبي الله يعقوب عليه السلام ابتلاه الله بفقد ولده الحبيب يوسف عليه السلام الذي رأى فيه بشائر النبوة، فجاءه أبناؤه بنبأ موته: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ [يوسف:17]، فصبر على ذلك واحتسب، وأسلم أمره لله، وقال: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف:18].

 

ثم ابتلاه الله بفقد ولده الثاني، فما كان منه إلا أن خفف البلاء بالصبر، ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴾ [يوسف:83]. ثم تجرأ عليه أبناؤه بالسب تارة، وبوصفه بالضلال تارة أخرى، ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ ﴾ [يوسف:85]، ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ﴾ [يوسف:95]. فصبر على ذلك كلِّه ولم ييأس من رَوح الله، وقال لبنيه:﴿ يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ﴾ [يوسف:87]. ذلك لأنّه يفقه جيدًا أنّ الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

وسبحان ربي! فارِج الهمّ وكاشف الكرب ردَّ إليه بصَره وجمع بينه وبين ولديه، ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف:21]

 

أمّا ولده يوسف عليه السلام فقد ابتلاه الله بكيد إخوته وحِقدهم عليه، وابتلاه بمحنة الجب، وابتلاه بمحنة الرق، وابتلاه الله بمحنة امرأة العزيز ثم السجن. كل هذا البلاء ليوسف عليه السلام وهو النبي ابن النبي ابن النبي عليهم السلام جميعًا، فكيف كانت خاتمته؟ جعل الله له ملك مصر، ومكنه من إخوته، ورد إليه أبويه. ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف:21].

 

أيها الأحبة في الله، إن الناظر إلى مجريات الأحداث والمطّلع على ما يدور في الساحة اليوم يجد أن الأمر جلل والخطب جسيم والواقع أليم، فالعدو كشر عن أنيابه، وأظهر ما كان يخفيه من أحقاده.

 

هذه الحال تبعث في بعض النفوس اليأس، وتبث فيها الشعور بهلاك الأمة، وبدنو أجلها، ولكن الأمر خلاف ذلك، وكفى بالتاريخ شاهدًا؛ فقد مرت على المسلمين فتن أشد ضراوة وأعظم فتكًا وأقسى قوة من فتن هذه الأيام، حتى ظن الناس أنها الآزفة التي ليس لها من دون الله كاشفة.

 

ومن هذه الفتن فتنه القرامطة، قال ابن كثير رحمه الله: "مكث القرامطة عهدا ينشرون مبادئهم وعقيدتهم حتى قويت شوكتهم، فأرسل الخليفة العباسي جيشًا قوامه عشرة آلاف مقاتل، فكانت النتيجة أن قتل الجيش العباسي بأكمله وحرق بالنيران، فازداد القرامطة إفسادًا لم يعرف المسلمون مثله في تاريخهم، فذبحوا الشيوخ والأطفال، واستباحوا الحرمات والأموال، ودخلوا مكة فقتلوا الحجيج في المسجد الحرام، ورموا جثثهم في بئر زمزم، وهدموا قبة البئر، وقلعوا باب الكعبة، ونزعوا كسوتها، وسلبوا الحجر الأسود، فبقي عندهم اثنين وعشرين سنة، وامتنع الناس عن الحج ثمانية أعوام خوفًا من بطش القرامطة"، فترة عصيبة على المسلمين، ولكن الله غالب على أمره، دب الخلاف بينهم وقتل بعضهم بعضا، فأهلكهم الله، وطوى التاريخ ذكرهم ومحا أثرهم، حتى أصبحوا أثرًا بعد عين، ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف:21].

 

ومن الفتن العصيبة التي مرت على المسلمين فتنة الصليبيّين ودخولهم بيت المقدس، قال ابن كثير رحمه الله: "دخل ألف ألف مقاتل بيت المقدس، فصنعوا به ما تصنع الوحوش بالغابة، وارتكبوا فيه ما لا تفعله الشياطين، فقتلوا في أسبوع ستين ألفًا، منهم العلماء والعباد والأئمة والزهاد، ووضعوا الصلبان على بيت المقدس، وأدخلوا الخنازير، وأبدلوا الأذان بنداء الشرك والكفران". وتباكى الناس، وظن اليائسون أن لا عودة لبيت المقدس إلى حوزة المسلمين، وأن لا خلاص لأهل الإسلام من هذه الفتنه. ولله در القائل:

كم طـوى اليأس نفوسًـا لو رأت ♦♦♦ منبتًا خصبًا لكـانت جوهرًا

 

واستمر الذل بالمسلمين إلى أن قيض الله لهذه الأمة بطلاً حرك دم الجهاد في العروق، وبث روح البطولة في النفوس، وقتل اليأس الذي خيم حول القلوب، فقام صلاح الدين ونادى من أعماق وجدانه: وا إسلاماه. والتف حوله الأبطال من جيش محمد، حتى التقوا بالصليبيين فقتلوا منهم 30 ألفًا، وفتحوا القدس، وطهروا بيت المقدس من رجس النصارى، وتوالت الانتصارات حتى دفع الصليبيون الجزية عن يد وهم صاغرون، بعد أن كانوا أعزة متمكنين مدة إحدى وتسعين سنة، ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف:21].

 

ثم نكبة أخرى ومصيبة عظمى حلت على الأمة الإسلامية، وهي فتنة التتار، حينما حاصر هولاكو عاصمة الخلافة بغداد فك الله أسرها، حاصرها بمائتي ألف مقاتل، وجنود المسلمين لا يتجاوز عددهم العشرة آلاف، وزاد الأمر سوءًا خيانة قام بها الوزيران ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي اللذان خدعا خليفة المسلمين, وزينا لقائد التتار قتله فقتله، ثم ألحقوا به من المسلمين خلقًا كثيرًا، وظلوا يقتلون في المسلمين أربعين يومًا، حتى قيل: إن عدد القتلى بلغ ألفي ألف نسمة، أي: مليونين. فتعطلت المساجد والجماعات شهورًا، وأصبحت بغداد خاوية على عروشها، والقتلى في الطرقات كالتلول، وظن الناس أن لا عودة للإسلام، ولكن الله غالب على أمره؛ هلك هولاكو، وهلك التتار، وعادت راية الإسلام عالية خفاقة تضيء الدنيا بمنهجها القويم.

قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه...

أيها الأحبة في الله، إن المسلم لا يعرف اليأس، إذ هو واثق بربه مؤمن بوعده، فإن مرت عليه محن علم أنها دليل حياة وحركة، فإن زادت المحنة شدة كان ذلك علامة على انفراجها بإذن الله.

﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ﴾ [التوبة:32]

في أي بلد، في أي مكان، في أي زمان، في أي عصر، في أي مصر.

﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ﴾ [التوبة:32]

هنيئاً لمن عرف الله، هنيئاً لمن تفانى في طاعته، هنيئاً لمن دعا إليه، هو المنتصر، هؤلاء الذين عارضوا النبي عليه الصلاة والسلام، من هم؟ زعماء، أقوياء، أغنياء، أين هم اليوم؟ في مزبلة التاريخ، هؤلاء الشباب الضعاف الفقراء الذين وقفوا مع النبي أين هم؟ تقول: سيدنا بلال، سيدنا معاذ، هؤلاء سادة، كانوا ضعافاً، كانوا فقراء، لكن الله سبحانه وتعالى رفع قدرهم، ورفع شأنهم، أعلى مكانهم، أسماؤهم في لوحة الشرف.

 

أيها المؤمنون:

المحنه والبلاء لا تزيد المؤمن إلا قوة وصلابة؛ فالحديد والذهب يبتلى بالنار ليذهب خبثه ويبقى طيبه. فالمؤمن الحق موقن بوعد الله بالنصر وإن تأخر، والآيات في هذا الشأن كثيرة تحتاج إلى من يتدبرها ويملأ قلبه يقينًا بها، قال الله تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة:21].

وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات:171 - 173].

 

والله منجز وعده وناصر أولياءه وخاذل أعداءه، ثم إنه سبحانه ينصر من ينصره ويخذل من يخذله، ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز ﴾ [الحج:40].

 

والنبي بشرنا بأن المستقبل لهذا الدين، وأن الرفعة والتمكين لأهله والمتمسكين به، قال: ((لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام، بعز عزيز أو ذل ذليل)) رواه أحمد بسند صحيح، وقال: ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها)) رواه مسلم.

 

قال الألباني رحمه الله: "قد يظن الناس أن ذلك قد تحقق في عهد النبوة والخلافة وما بعدها، ولكن الأمر خلاف ذلك، فالذي تحقق جزء من هذا الوعد، ويبقى اكتمال تحققه في الأجيال المعاصرة". وذلك على أيدي الرجال المخلصين والأبطال الصادقين الذين يعدون أنفسهم ليوم قريب ونصر محقَّق أكيد بإذن الله تعالى.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.......

 

اللهم يا من خضعت الرقاب لسطوته، وصعقت الملائكة من مخافته، ورعدت السماء لكلمته، يا مالك الملك والملكوت.. يا ذا العزة والجبروت، يا من لا يحُولُ ولا يزول ولا يفُوت، نسألك أن تنتقم من كل سفاك وسفاح، ومن كل من اعتدى على شعبه ظلماً وعدواناً. اللهم ومن دبر لعبادك المكائد وللمستضعفين الشدائد، اللهم فأبطل بأسه، ونكِّس رأسه، وشرِّد بالخوف نعاسه، واحبُك سلاسله، وانسف معاقله، وقطع اللهم مفاصلَه، وصلب أنامله، وسلِّط عليه الأمراض والأسقام، وألبسه لباس الذل والخوف، وأضعف قوته، واقهر عُتُوَّه، وأسقط عُلُوَّه، واهزم جندَه، وقلِّل رِفدَه، واخذله يوم يتمنى الناصر، واخزِه إنك أنت القوي القاهر، اللهم اقمع نزوته، واردع نشوته، اللهم خيِّب رجاءه، وأكثر عناءه، واكتب فناءَه، واجعله يتمنى الموت فلا يجده. اللهم أرنا في الطُغاة عجائب قدرتك، وسرعة انتقامك، وشدة بأسك، وعظيمَ أخذك؛ إنّ أخذك أليم شديد.

 

اللهم طال ليل الظالمين، واشتد عداءُ المجرمين، وأينعت رؤوس الباغين، فسلِّط اللهم عليهم يداً من الحق حاصدة، ترفع بها ذلنا، وتعيد بها عزنا.

اللهم عليك بمعاقل الظلم والطغيان، وحصون القهر والاستبداد.

اللهم وارحم عبادك المستضعفين، يا رب بقدرتك اشفِ صدور قومٍ مؤمنين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • السعادة لمن استقام على العبادة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مما يبغضه الله ويأباه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الشرع يأبى أن نهين صغيرا (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الله أكبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سأحيا بالتسامح ما حييت(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حديث عائشة رضي الله عنها: أظنك تحب موتي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة الشيطان على منبر من نار بعد قضاء الديان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وصايا لمن أراد الحج(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • حديث: شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • تذكرت قول الشاعر..(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب