• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير قوله تعالى: {المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق}

تفسير قوله تعالى: {المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق}
الشيخ محمد حامد الفقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/5/2016 ميلادي - 17/8/1437 هجري

الزيارات: 24292

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير قوله تعالى

﴿ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الرعد: 1]

 

مقدمة سورة الرعد:

ذُكِر في مصحف الملك فؤاد أنها مدنية، وآياتها ثلاث وأربعون آية، وأنها نزلت بعد سورة محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر الصفوي في جامع البيان أنها مكية أو مدنية، وآياتها خمس وأربعون آية، وقال الزمخشري: مختلف فيها وآياتها ثلاث وأربعون، وقال القرطبي: مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، ومدنية في قول الكلبي ومقاتل، وقال ابن عباس وقتادة: مدنية إلا آيتين منها نزلتا بمكة، وهما قوله عز وجل: ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ﴾ [الرعد: 31]، إلى آخرهما، وقال أبو حيان في البحر: هذه السورة مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وابن جبير، وعن عطاء: إلا قوله: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ﴾ [الرعد: 43]، وعن غيره إلا قوله: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ﴾ [الرعد: 12]، ومدنية في قول الكلبي ومقاتل وابن عباس وقتادة، واستثنينا آيتين قالا: نزلنا بمكة وهما: ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ﴾ [الرعد: 31]، إلى آخرهما، وعن ابن عباس إلا قوله: ﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ ﴾ [الرعد: 31]، وعن قتادة: مكية إلا قوله: ﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ ﴾ [الرعد: 31] حكاه المهدي، وقيل: السور.

 

وقال النيسابوري: مكية، وقيل: مدنية إلا آية نزلت بالجحفة، وهي قوله: ﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ ﴾ [الرعد: 30]، وحروفها 3506، وكلماته ا85، وآياتها 43.

 

وقال البغوي: مكية إلا قوله: ﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ ﴾ [الرعد: 31]، وقوله: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43]؛ ا. هـ.

 

وقد ذكر السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن): الكلام في المكي من القرآن والمدني، وذكر في ذلك آثارًا وكلامًا طويلاً حسنًا، ذكر فيه عن سورة الرعد أن مجاهدًا وابن عباس وعلي بن طلحة قالوا أنها مكية، وفي بقية الآثار أنها مدنية، ثم قال: وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر، قال: "سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43]، أو عبدالله بن سلام؟ فقال: كيف وهذه السورة مكية؟"، ويؤيد القول بأنها مدنية ما أخرجه الطبراني وغيره عن أنس أن قوله تعالى: ﴿ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى ﴾ [الرعد: 8] إلى قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ [الرعد: 13]، نزل في قصة أربد بن قيس، وعامر بن الطفيل، حين قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يجمع بين هذا الاختلاف أنها مكية إلا آيات منها.

 

قال السيوطي: ومن فوائد معرفة المكي من المدني: العلم بالمتأخر، فيكون ناسخًا أو مخصصًا، على رأي من يرى تأخير المخصص، قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري في كتاب (التنبيه على فضل علوم القرآن): من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته، وترتيب ما نزل بمكة والمدينة، وما بمكة وحكمه مدني، وما نزل بالمدينة وحكمه مكي، وما نزل بمكة في أهل المدينة، وما نزل بالمدينة في أهل مكة، وما يشبه نزول المكي في المدني، وما يشبه نزول المدني في المكي، وما نزل بالجحفة وما نزل ببيت المقدس، وما نزل بالطائف، وما نزل بالحديبية، وما نزل ليلاً وما نزل نهارًا، وما نزل مشيعًا، وما نزل مفردًا، والآيات المدنيات في السور المكية والآيات المكيات في السور المدنية، وما حمل من المدينة إلى مكة، وما حمل من المدينة إلى أرض الحبشة، وما نزل مجملاً وما نزل مفسرًا، وما اختلفوا فيه، فقال بعضهم: مدني وبعضهم مكي، فهذه خمسة وعشرون وجهًا من لم يعرفها ويُميز بينها، لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله؛ قال السيوطي: وقد أشبعت الكلام عليها في كتاب الإتقان، ثم قال: اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة: أشهرها: أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها؛ سواء نزل بمكة، أو بالمدينة، عام الفتح أو عام حجة الوداع، أو بسفر من الأسفار، وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي بسنده إلى يحيى بن سلام قال: "ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلى الله المدينة، فهو من المكي، وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بعد ما قدِم المدينة، فهو من المدن"، وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحًا.

 

الثاني: أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة، والمدني ما نزل بالمدينة، وعلى هذا نثبت الواسطة، فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني، وقد أخرج الطبراني في الكبير من طريق الوليد بن مسلم عن عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أُنزل القرآن في ثلاثة أمكنة: مكة، والمدينة، والشام)، قال الوليد: يعني بيت المقدس، وقال الشيخ عماد الدين بن كثير: تفسيره تبوك أحسن، قلت: ويدخل في مكة ضواحيها؛ كالمنزل بمنى وعرفات والحديبية، وفي المدينة ضواحيها؛ كالمنزل ببدر وأُحد وسلع.

 

الثالث: أن المكي ما وقع خطابًا لأهل مكة، والمدني ما وقع خطابًا لأهل المدينة، قال القاضي أبو بكر بن العربي في الانتصار: إنما يرجع في معرفة المكي والمدني لحفظ الصحابة والتابعين، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ لأنه لم يؤمر به، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة، وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول؛ ا. هـ.

 

قال أبو طاهر - عفا الله عنهما - وقول القاضي ابن العربي هذا يدل على عدم صحة ما روى الطبراني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه حديث لا يُعتد به في هذا الموضوع، ويدل أيضًا على بطلان دعوى أبي القاسم النيسابوري السابقة التي عد فيها خمسًا وعشرين نوعًا من العلم تتعلق بالمكي والمدني، وأن مَن لم يعرفها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله، وهذا لا يمنع أن تكون معرفة المكي والمدني من العلوم الشريفة التي كان يحرص السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة العلم على تحصيلها ومعرفتها، يدل لذلك ما أخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال: "والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت"، وروى أبو نعيم في الحلية عن أيوب السختياني، قال: سأل رجل عكرمة عن آية من القرآن، فقال: "نزلت في سفح هذا الجبل، وأشار إلى سلع"، وقد ألف المتقدمون فيه وأكثروا.

 

ثم قال السيوطي: ضوابط: أخرج الحاكم في مستدركه والبيهقي في الدلائل والبزار في مسنده من طريق الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: "ما كان ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 104]، أُنزل بالمدينة، وما كان ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ ﴾ [البقرة: 21] فبمكة، وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن عن علقمة مرسلاً، وأخرج عن ميمون بن مهران قال: "ما كان في القرآن ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ ﴾ [البقرة: 21]، أو ﴿ يَابَنِي آدَمَ ﴾ [الأعراف: 26]، فإنه مكي، وما كان: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 104]، فإنه مدني"، قال ابن عطية وابن الغرس: هو في ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 104] صحيح، وأما ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ ﴾ [البقرة: 21]، فقد يأتي في المدني، وقال ابن الحصار: قد اعتنى المشتغلون بالنسخ بهذا الحديث واعتمدوه على ضَعفه، وقد اتفق الناس على أن النساء مدنية، وأولها ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ ﴾ [البقرة: 21] وعلى أن الحج مكية وفيها: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ﴾ [الحج: 77]، وقال مكي: هذا إنما هو في الأكثر وليس بعام، وفي كثير من السور المكية ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 104]، وقال غيره: الأقرب حمله على أنه خطاب المقصود به أهل مكة أو المدينة، ثم قال السيوطي: وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق يونس بن كثير عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: "كل شيء نزل من القرآن فيه ذكر الأمم والقرون، فإنما نزل بمكة، وما كان من الفرائض والسنن قائمًا نزل بالمدينة"، ثم حكى عن الجعبري أن كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فمكية، وكل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية؛ ا. هـ.

 

هذا وينبغي لكل طالب علم تفسير القرآن الكريم أن يقرأ كتاب الإتقان وما في معناه؛ ليستنير بما فيه من العلوم والفنون، ويزداد قوة على فَهم كتاب الله تعالى وتبحُّرًا في فِقه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

♦ ♦ ♦

 

بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الرعد: 1].

 

تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور، ومن ذلك أول سورة البقرة، فارجع إليه، وقوله سبحانه: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ﴾ [يونس: 1]، يخاطب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم مقدمًا له ومنزلاً عليه هذه الآيات المشار إليها، وهي آيات القرآن المبين والكتاب الحكيم الذي لا ريب فيه من رب العالمين: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، وهو الحق الخالص الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الهدى الصادق الذي لا يقرب الجهل والضلال من أي ناحية من نواحيه، وهذه الآيات القرآنية مؤلفة من هذه الحروف الهجائية التي يؤلف العرب منها كلماتهم، ولكن فرق عظيم وبون شاسع بينهما، فكلامهم باطل وهذه الآيات الحق المبين، وكلامهم جهل وظلمات، وهذه الآيات العلم والنور، وكلامهم ضلال وشقاء، وهذه الآيات هدى ورحمة للمؤمنين.

 

﴿ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ [الرعد: 1] وهو القرآن الكريم ﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [الرعد: 1] العلي الأعلى القاهر فوق عباده، الحكيم الخبير، لا من أحد من أهل الأرض، ولا من أحد من الملائكة سكان السماء، ﴿ الْحَقُّ ﴾ [الرعد: 1] خبر المبتدأ، وهو "الذي" و"من ربك" متعلق بقوله: "أنزل"، ويجوز أن يكون "من ربك" متعلق بمحذوف خبر "للذي"، و"الحق" خبر لمبتدأ محذوف تقديره "هو الحق"، فيكون الكلام مركبًا من جملتين هما صفتان للقرآن أنه منزل من الله رب العالمين، وأنه الحق المبين.

 

﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الرعد: 1]؛ أي: ومع أن حقيقة القرآن ظاهرة، أظهر من النهار، واضحة أوضح من الشمس، فإن أكثر الناس طمست غشاوة الهوى والتقليد الأعمى والعصبية الجاهلية بصائرهم، وجعلتهم صمًّا وعميانًا، لا يرون شمس القرآن وهدايته، ولا يسمعون صوت الحق ودعوته، ولا يَهتمون أن يعرفوا الدين بعقولهم، ويبحثون بها حُججه وبراهينه، فيردون الدين الباطل وينفرون منه؛ لأن عقولهم صحيحة؛ ولأنه دين الفطرة، ولأنه الدين القيِّم الذي أقامه الله على البرهان والحجة، لا على التقليد الأعمى، واتباع الأهواء والآراء.

 

لا يهتم أكثر الناس للدين اهتمامهم لمتاع الدنيا الفاني وعرضها الزائل؛ لأنهم لا يوقنون بالآخرة يقينهم بالدنيا، ولا يذكرون الآخرة وثوابها وعقابها ذِكرَهم للدنيا وعرضها ومتاعها؛ فترى أكثر الناس لشدة حرصه على الدنيا يتحرى في استطابة مطعمها ومشربها وملبسها، ويجتهد غاية طاقته في تحصيل أكثر ما يقدر عليه من عرضها ومتاعها، ويكثر من تجريب الطرق والأساليب في الوصول إلى ذلك، مستعملاً كل ما أُوتي من عقل وذكاء وفطنة ونباهة في ذلك، فأما الدين فيتواكل في طلبه أشد التواكل، وينتحل لجهله كل الأعذار، ويغري نفسه أن يكون فيه مثل الحمار؛ لا يعي ولا يعقل، ولا يستعمل ما وهبه الله من فَهمٍ ولا تفكير، بل يُقاد قَود الدابة، ويساق سَوق الأنعام، ويُعلل نفسه ويُعلله شياطين الجن والإنس بأن الدين خاص بطبقة من الناس، قد اتخذوه حرفةً بالفهم والبحث والتحصيل، وإلا كان من يحاول ذلك من المعتدين.

 

هذا حال أكثر الناس غزاهم الشيطان بخدعه، وغرهم عن دينهم بكيده ومكره، وأعمى بصائرهم عن نوره وهدايته بظلمات وساوسه، وصدق عليهم ظنه فاتبعوه، وزيَّن لهم العمل والاعتقاد، فصدقوه وأطاعوه، فكانوا من الكافرين الذين قال الله فيهم على لسان متبوعهم وإمامهم الشيطان: ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17]، ولقد كرر الله سبحانه هذا المعنى وهو ضلال أكثر الناس وكفرهم وفُسوقهم، وفسادهم وجهلهم، واتباعهم للشيطان، وتمرُّدهم على الرحمن كرر الله هذا المعنى في كثير من آي القرآن؛ بعضه خطابًا لنبيه صلى الله عليه وسلم كقوله: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، وكقوله: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف: 103]، وبعضه على نحو آخر من الخطاب؛ كقوله تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وكقوله: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، وأمثال ذلك؛ ليعزي رسوله صلى الله عليه وسلم وورثته بأن قِلَّتهم هي الخير والبركة، وهي ثلة أولياء الله وحزبه المفلحين، لا يضيرهم أنهم قلة، ولا يضرهم أن غيرهم كثرة، ولا يضعف من حجتهم، ويقلل من قيمة حقهم أن حزبهم قليل عدده، وأن حزب الشيطان كثير عدده؛ فإن لهم قدوة حسنة بإبراهيم الذين كان وحده أمة قانتًا لله حنيفًا.

 

وكرَّر الله هذا المعنى في القرآن الكريم أيضًا؛ ليبطل به دعوى أهل الباطل وعباد الأوهام والخرافات، وأسرى التقاليد والعادات، الذين بنوا دينهم على غرور السواد الأعظم وكثرة الدهماء، وجيش العوام وأشباه الأنعام، فما لهؤلاء من حجة يدفعون بها الحق والبرهان القوي إلا: ﴿ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 74]، ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23]، نحن مع الجمهور؛ فإنه ليس من المعقول أن تضل الأمة كلها، وتزيغ عن الحق، ويكون هذا النفر القليل هو المهتدي إلى الحق وحده، إذا صدقنا هذه الطائفة القليلة واتبعناها، كان معنى هذا أننا نرمي الأمة كلها بالكفر والمروق، والزيغ والضلال، وفيها الرؤساء والسادة والكبراء، وهذا لا يمكن أن يكون هذه حجج العوام وأشباه الأنعام الذين نزلوا عن شرف الإنسانية وعقلها إلى حضيض البهيمية وتقليدها، وانقيادها الأعمى وجهلها، ولذلك قال الله تعالى هنا بعد أن بيَّن أن القرآن آيات بينات واضحات، وأن ما أنزله على صفيه وحبيبه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، هو الحق الذي وضحت حقيقته، وبانت لكل ذي عينين سليمتين من عمى الهوى والتقليد، منددًا بأولئك الذين هم أنعام في ثياب بني آدم: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [هود: 17]، فلا تعبأ بهم أيها الرسول ولا تحزن عليهم، فخير المعادن أفَلُّها؛ وأطيب ثمرات الأرض وأنفع نباتها أقلُّها، فاحرص على تلك الثلة القليلة النافعة، فهي المعادن النفيسة وهي الثمار الطيبة المباركة، وهي مصابيح الهدى التي ستملأ الأرض هدًى ونورًا، وهي عُمُد الحق والدين التي سيُنى عليها صرحُ الإسلام ويقوم مجده، ويعظم شأنه، ويبلغ صوته المشارقَ والمغاربَ من تلك الفئة القليلة؛ فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين!

 

جعلنا الله من هؤلاء بمنِّه وكرمه، وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله وسلم.

 

مجلة الهدي النبوي: المجلد الخامس، العدد 18-19، شوال 1360هـ





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا}
  • تفسير قوله تعالى: (الم)
  • تفسير قوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة}
  • تفسير قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}
  • تفسير قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)
  • تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}
  • تفسير قوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}
  • تفسير قوله تعالى: (اعملوا آل داوود شكرا)
  • تفسير قوله تعالى: كذبت ثمود بالنذر
  • تفسير قوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا.. } [البقرة: 14]
  • تفسير قوله تعالى: {صم بكم عمي فهم لا يرجعون}
  • تفسير قوله تعالى: { وعلم آدم الأسماء كلها... }
  • تفسير قوله تعالى: {قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم...}
  • تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا...}
  • تفسير قوله تعالى: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا...}
  • تفسير قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين...}
  • تفسير قوله تعالى: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك...}
  • تفسير قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ...}
  • تفسير قوله تعالى: { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ... }
  • تفسير قوله تعالى: {الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ...}

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى: {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (وأما بنعمة ربك فحدث)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تفسير قوله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله..)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (وإياك نستعين)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب