• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

العدوان في ضوء الكتاب والسنة

د. طه فارس

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/5/2016 ميلادي - 3/8/1437 هجري

الزيارات: 29756

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العُدْوَان

في ضوء الكتاب والسنة


 

العُدْوَانُ لغة: الظُّلمُ الصُّراح، ومُجاوزةُ الحقِّ، ومنافاةُ الالتئام، وهو مصدر من عَدَا يَعْدُو عَدْواً وعُدُوَّاً وعُدْوَانًا وعَدَاءً، ومنه: الاعتداء، والتَّعدِّي، وهو تجاوز ما ينبغي أن يُقْتَصَر عليه، والعَادِي: هو الذي يعْدُو على النَّاس ظُلْماً وعُدواناً[1]، قال ابن فارس: العين والدَّال والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يدلُّ على تجاوُزٍ في الشيء وتقدُّمٍ لما ينبغي أن يقتصر عليه[2].

 

والإثم أعمُّ منَ العُدْوَان[3]، إلَّا أنَّ العَداوة أخصُّ من البغضاء؛ لأنَّ كلَّ عَدوٍّ مبغض، وقد يبغض من ليس بعدو، والعِدَى: بكسر العين الأعداء الذين تقاتلهم، وبالضم الأعداء الذين لا تقاتلهم[4].

 

وقد يُفرَّق بين الظُّلم والعُدوان، بأنَّ الظلم ما كان بغير حقٍّ بالكليَّة، كأخذ مال بغير استحقاق لشيء منه، وقتل نفس لا يحل قتلها، وأمَّا العدوان فهو مجاوزة الحدود وتعديها فيما أصله مباح، مثل أن يكون له على أحد حقّ من مال أو دم أو عرض فيستوفي أكثر منه، فهذا هو العدوان، وهو تجاوز ما يجوز أخذه، فيأخذ ما له أخذه وما ليس له أخذه[5].

 

وأما العُدْوَان اصطلاحاً: فهو تجاوز المقدار المأمور به بالانتهاء إليه والوقوف عنده[6]، أو هو سُوء الاعتداء في قول أو فعل أو حال[7]، وأمَّا العَدَاوة: فهي ما يتمكَّن في القلب من قصد الإضرار والانتقام[8].

 

وعرَّفه بعضهم بأنه: سلوك عمدي بقصد إيذاء الغير أو الإضرار بهم، ويأخذ صوراً وأشكالاً متعدِّدَة، منها العدوان البدني واللفظي[9].

 

وقد أكَّد الله تعالى على عدم محبته للمعتدين في مواطن من كتابه، سواء كان اعتداؤهم بالقول أو الفعل أو الحال، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]، [المائدة: ٨٧]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55].

 

♦ دلالة ألفاظ العُدوان في القرآن والسنَّة:

دلَّت ألفاظ العدوان في الكتاب والسنَّة على جملة من المعاني، وإن كانت في أصلها ترجع إلى معنى واحد، وهو تجاوز الحق والعدل في الفعل أو القول أو الحال، من ذلك:

أولاً: الكفر وقتل الأنبياء عليهم السلام أو تكذيبهم:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61] أي: إن ما جازاهم الله به من الذلة والمسكنة، وإحلال الغضب بهم، إنما هو بسبب استكبارهم عن اتباع الحق، وكفرهم بآيات الله، وإهانتهم للأنبياء وأَتْبَاعهم، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم، والذي حملهم على جحود آيات الله وقتلهم الأنبياء إنما هو تقدُّم عصيانهم واعتدائهم، فجرَّهم العصيان والتمادي والاعتداء فيه إلى الكفر بالآيات وقتل النبيين، إذا المعاصي بريد الكفر، فكفرهم بالآيات سببه العصيان، وقتلهم الأنبياء سببه الاعتداء[10]، ومثلها في المعنى والدلالة آية [آل عمران: 112].

 

ومنه قوله تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [المائدة: 78] أي: إن ذلك اللعن إنما هو بسبب عصيانهم واعتدائهم على ما حرَّم الله، فعصيانهم هو مخالفتهم لأوامر الله تعالى، واعتداؤهم هو الإضرار بالأنبياء وقتلهم[11].

 

ومنه قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [يونس: 74] أي: مثل هذا الطبع العجيب المحكم الذي يمتنع زواله نطبع على قلوب المعتدين، المجاوزين الحد في الكفر والتكذيب فلا يؤمنوا، والمراد به: المشركون لأن الشرك اعتداء، فإنهم كذبوا الرسل فاعتدوا على الصادقين[12].


ثانياً: الظُّلم:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [البقرة: 85] ﴿ تَظَاهَرُونَ ﴾ [البقرة: 85] أي: تتعاونون وتتناصرون، ويقوّي بعضكم بعضاً، في ارتكاب المعاصي، والإفراط في الظلم وتجاوز الحد فيه[13].


ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2] أي: لا يحملنَّكم بغضُ قوم قد كانوا صدُّوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام عام الحديبية، على أن تعتدوا في حكم الله فيكم، فتقتصُّوا منهم ظُلمًا وعُدوانًا، بقصد الانتقام والتشفِّي[14].

 

ومنه قوله تعالى: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ﴾ [المائدة: 62] أي: ترى كثيراً من اليهود يسابقون ويبادرون في اقترافهم للمعاصي والآثام، وفي ظلمهم للناس واعتدائهم عليهم، وأكلهم أموالهم بالباطل[15].

 

ثالثاً: الصَّدُّ عن الإيمان:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ﴾ [ق: 25] أي: كثير الصدِّ للناس عن الإيمان من أن يدخل في قلوبهم، ظالم يعتدي على المسلمين بالأذى، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والقول الباطل، صاحب ريب وشكوك، يلقيها على الناس مغالطة، ليوقع في نفوسهم الشك في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة الإيمان والتوحيد[16].

ومثله في المعنى قوله تعالى: ﴿ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴾ [القلم: 12].

 

 

رابعاً: العدوان على المؤمنين:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ﴾ [المجادلة: 8] أي: إن اليهود كانوا يتحدثون فيما بينهم بما هو إثم، وهو مختصٌّ بهم، وعداون للمؤمنين، وهو ما يتعلَّق بغيرهم، ومنه معصية الرسول ومخالفته، يُصِرُّون عليها ويتواصَون بها، فنهى الله المؤمنين أن يفعلوا فعلهم[17]، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ﴾ [المجادلة: 9].


 

خامساً: السبيل والتَّبِعة:

ومنه قوله تعالى: ﴿ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [القصص: 28] أي: أن موسى عليه السلام قال لصهره شعيب عليه السلام: إنَّ الأمر على ما قلت من أنك استأجرتني على ثمان سنين، فإن أتممتُ عشرًا فمن عندي، فمتى فعلتُ أقلهما برئتُ من العهد، وخرجتُ من الشرط؛ فلا سبيلَ عليَّ ولا تبعة ولا حرج، ولا أُمنَع من أخذ أهلي والذَّهابِ بهم[18].

 

سادساً: القتل والقتال:  

من ذلك قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 193] أي: إن انتهوا عمَّا هم فيه من الشرك، وانتهوا عن قتالكم، فكُفُّوا عنهم ولا تأخذوهم بالظنة ولا تبدؤوهم بالقتال، فإنّ مَنْ قتلهم أو ابتدأهم بالقتال بعد ذلك فهو ظالم، ولا عُدوانَ إلا على الظالمين، وسُمِّي ما يُصنع بالظالمين عدوانًا من حيث هو جزاء عدوانهم الذي يستحقونه، إذ الظلم يتضمَّن العدوان، فَسُمِّيَ جزاءُ العُدوان عدوانًا، وهو من باب المشاكلة اللفظية[19].

 

سابعاً: تحريم الحلال وإحلال الحرام:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ﴾ [المائدة: 87] أي: لا تعتدوا حدودَ ما أحلَّ الله لكم إلى ما حرَّم عليكم، وذلك بتحريم ما أحلَّ وتحليل ما حرَّم، بل التزموا الوقوف على ما حَدَّ الله دونَ التَّجاوز إلى غيره[20].

 

ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 119] أي: إن كثيراً من الكفار الـمُجَادلين في المطاعم وغيرها ليضلون بتحريم الحلال وتحليل الحرام، بأهوائهم وشهواتهم بغير شرع من الله، مُجاوزين الحدَّ في الاعتداء، فيحلِّلُون ويحرِّمون من غير إذن الله، وهذا إخبار يتضمَّن الوعيد الشديد لمن اعتدى، فحلَّلَ وحرَّم بغير علم[21].


وبهذا المعنى ورد الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا»[22]، فحدود الله: هي الأمور التي حدَّها لعباده وأمر بالمحافظة عليها، فقال: ﴿ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 112] [23]، وتعدِّي حدود ما شرعه الله إنما يكون بتحريم الحلال، وتحليل الحرام.


ثامناً: نقض العهد:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴾ [التوبة: 10] أي: إن اليهود لا يُوفون ولا يُراعون حِلفاً ولا قرابة ولا عهداً، وهذا خُلُق مُتَأصِّل فيهم، سواء كانوا أقويّاء أم مستضعفين، ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴾ [التوبة: 10] أي: المجاوزون الحلال إلى الحرام بنقض العهد[24].

 

تاسعاً: المجازاة والمقابلة في العقوبة:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 194] يعني: إنِ استحلُّوا منكم في الشهر الحرام شيئًا فاستحلُّوا منهم مثلَه، وإن هتكوا حرمة شهركم فلا تبالوا بهتك حرمته لهم، وإن قاتلوكم في الشهر الحرام فقاتلوهم فيه وإن لم يجِز لكم أن تبتدؤهم بالقتال فيه، واتقوا الله فلا تتجاوز حدَّ ردِّ الاعتداء والمجازاة عليه، لأنَّ من شأن المنتقم أن يكون غاضباً فهو مظنَّة الإفراط، وقد سَمَّى الله تعالى الجزاء اعتداء مشاكلة، لأنَّه مثله في الجنس وقدر الاستحقاق على ما يوجبه، فسُمِّي باسمه على وجه المجاز، لأنَّ المعتدي في الحقيقة هو الظالم[25].

 

عاشراً: تجاوز الحدود المشروعة:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 173]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 115] أي: من اضطر إلى أكلِ ما حرَّم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير، أو ما أهل لغير الله به، غير باغ في أكله إيّاه تلذذًا، لا لضرورة حالة من الجوع، ولا عادٍ في أكله بتجاوزه ما حدَّه الله وأباحه له من أكله، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك، لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه، فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك[26].


ومنه ما ورد في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ»[27]، ومعناه: إثم ما قالاه على البادئ إذ لم يعتد المظلوم، أي: يجاوز القدر الذي قال الآخر له، فإذا تعدَّى المظلوم فأكثر شتم البادئ وإيذاءه صار إثمه أكثر من إثم البادئ[28].

قال مجاهد بن جبر: «من أربى الربى من سب سبتين بسبةٍ»[29].

 

ومنه كذلك ما روي عن معاذ بن أنس رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ بَنَى بُنْيَانًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ، أَوْ غَرَسَ غَرْسًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ، كَانَ له أَجْرُهُ جاريًا مَا انْتَفَعَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»[30]، وقد فُسِّرَ الاعتداء في البناء بالتطاول فيه والعلو والسرف ومجاوزة قدر الحاجة، مع إرادة الزينة فقط[31].

 

أحد عشر: الاعتداء في الدُّعاء:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55] أي: ادعوا ربكم وأنتم في حال تذلّل واستكانة، مخفين مُسرِّين، فهو ادّعى للإجابة وأبعد عن الرياء، فالدعاء خُفية أفضل من الجهر، وقواعد الشريعة مقررة أنَّ السرّ فيما لم يفترض من أعمال البرِّ أعظم أجراً من الجهر، وعن الحسن البصري قال: لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم[32].

 

﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55] أي: في الدعاء وغيره، ومن وجوه الاعتداء: الدعاء على غير هذين الوجهين من عدم التضرّع وعدم الخفية، وذلك بأن يدعوه وهو ملتبس بالكبر والزهو، أو أن ذلك دأبه في المواعيد والمدارس فصار ذلك له صنعة وعادة فلا يلحقه تضرّع ولا تذلل، وبأن يدعوه بالجهر البليغ والصياح، أو أن يدعو أن يكون له منزلة نبي، أو أن يدعو بمُحال، أو أن يدعو طالبًا معصية، أو أن يتخير في الدعاء ألفاظًا مفقرة وكلمات مسجعة، وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء[33].

 

وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم النهيُّ عن الاعتداء في الدعاء، فعَنْ ابْنٍ لِسَعْدٍ بن أبي وقاص أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا وَكَذَا وَكَذَا وَأَعُوذُ بِكَ مِن النَّارِ وَسَلَاسِلِهَا وَأَغْلَالِهَا وَكَذَا وَكَذَا فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ»، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ، إِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِن الْخَيْرِ، وَإِنْ أُعِذْتَ مِن النَّارِ، أُعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِن الشَّرِّ[34].

 

وعن عَبْد اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أنه سَمِعَ ابْنًا لَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْفِرْدَوْسَ وَكَذَا، وَأَسْأَلُكَ كَذَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِن النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ وَالطَّهُورِ»[35].

 

وعن الشَّعْبِيِّ عامر بن شراحيل رحمه الله قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لِابْنِ أَبِي السَّائِبِ قَاصِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: «ثَلَاثًا لَتُبَايِعَنِّي عَلَيْهِنَّ أَو لَأُنَاجِزَنَّكَ»، فَقَالَ: مَا هُنَّ؟ بَلْ أَنَا أُبَايِعُكِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: «اجْتَنِبْ السَّجْعَ مِن الدُّعَاءِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ كَانُوا لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ»[36].

 

ثاني عشر: مجاوزة القصاص أو قتل الجاني بعد العفو أو الدية:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 178] ويكون الاعتداء بمجاوزة القصاص، والقصاص أن يفعل بالجاني مثل فعله، أو أن يقتل ولي الدم غير القاتل، أو أن يقوم أولياء الدم بقتل القاتل بعد أخذ الدية أو العفو[37].

 

ثاني عشر: تجاوز أحكام الله وشرائعه في الطلاق:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229] أي: هذه الأحكام التي ذكرنا من عدد الطلاق وأخذ الخُلْع على وجهه، هي حدود الله التي حدَّها لعباده،فلا تتجاوزوا ما أحللته لكم إلى ما حرمته عليكم، وما أمرتكم به إلى ما نهيتكم عنه، ولا طاعتي إلى معصيتي، فإن من تعدَّى ذلك (أي: تخطاه وتجاوزه) إلى ما حرمت عليه أو نهيته عنه، فإنه هو الظالم[38].


ثالث عشر: إطالة أمد العِدة بالمراجعة أو الإلجاء إلى الافتداء:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [البقرة: 231] أي: لا تراجعوهن إرادة الإضرار بهن، وذلك كأن يترك المعتدَّةَ حتى تشارف الأجل ثمَّ يراجعها لا عن حاجة ولكن ليطوِّل العدة عليها، فنهي عنه بعد الأمر بضده مبالغة، وقال: ﴿ لِتَعْتَدُوا ﴾ [البقرة: 231] أي: لتظلموهن بالتطويل، أو الإلجاء إلى الافتداء[39].


رابع عشر: صرف شهوة الفرج فيما لا يحل:

ومن ذلك قوله تعالى:﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [المؤمنون: 7] [المعارج: 31] أي: الكاملون في العدوان المتناهون فيه، المتجاوزون من الحلال إلى الحرام، فسمَّى من نكح ما لا يحل عاديًا، وأوجب عليه الحد لعدوانه، واللائط عاد قرآنًا ولغة، بدليل قوله تعالى: ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [الشعراء: 165، 166]، والاستمناء باليد عدوان، وهو حرام في أكثر أقوال أهل العلم[40].


خامس عشر: قتل الصيد في الإحرام أو في الحرم:

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 94] وهو خطاب من الله تعالى، لجميع الناس مُحِلِّهم ومُحرِمهم، نزل يوم الحديبية، بأن الله سيبتلي المؤمنين ويختبرهم بالصيد يغشاهم في رحالهم، ويتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سرًا وجهرًا، فاختبروا بتركه مع التمكن منه، كما اخُتبر بنو إسرائيل بالحوت في السبت، وذلك ليظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره، فمن اعتدى بالمخالفة فصاد فله عذاب أليم[41].

 

سادس عشر: وضع الواجب في غير موضعه أو أخذ ما لا يحل أخذه:

ومن ذلك ما ورد في الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا»[42] أي: إن على المعتدي في الصدقة من الإثم ما على المانع، والمعتدي: قيل هو صاحب المال، وذلك بأن يعطي الصدقة غير مستحقيها، أو يجاوز الحدَّ في الصدقة بحيث لا يُبقى لعياله شيئًا، أو يُعطي ويمن ويؤذي، فالإعطاء مع المنّ والأذى كالمنع عن أداء ما وجب عليه، وقيل: إن المعتدي هو العامل والساعي على الصدقات، فالعامل إذا اعتدى في الصدقة بأن أخذ خيار المال أو زاد على المقدار الواجب ربما يتسبب بمنع المالك للصدقة في السنة الأخرى، فيكون في الإثم كالمانع، والحال أنه لا يحل لصاحب المال كتمانه، وإن اعتدى عليه الساعي[43].

 

سابع عشر: المبالغة في الطّهور:

ومن ذلك ما روي عن عَبْد اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أنه سَمِعَ ابْنًا لَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْفِرْدَوْسَ وَكَذَا، وَأَسْأَلُكَ كَذَا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِن النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ وَالطّهُورِ»[44]. والاعتداء في الطهور: استعماله فوق الحاجة، والمبالغة في تحري طهوريته حتى يفضي إلى الوسواس، والأولى أن يكون لفظ «الطهور» بضم الطاء، ليشمل التعدي في استعمال الماء، والزيادة على ما حد له[45].


قال ابن القيم: «فإذا قرنت هذا الحديث، بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190] وعلمت أنَّ الله يحبُّ عبادته، أنتج لك من هذا أنَّ وضوء الموسوس ليس بعبادة يقبلها الله تعالى، وإن أسقطتْ الفرض عنه فلا تفتح أبواب الجنة الثمانية لوضوئه يدخل من أيها شاء»[46].


موقف المؤمن من العُدوان:

1- ردُّ اعتداء المعتدي بعد تذكيره بالله تعالى:

فردُّ العُداون عن الإنسان حق من حقوقه، بل قد يكون واجبًا، فإن اعتدى معتد على إنسان، سواء كان ذلك على دينه أو نفسه أو عرضه أو ماله، ذكَّره بالله تعالى ثلاثاً، فإن أبى أن يرتدع عن عدوانه استعان عليه بمن حوله من المسلمين أو بالسلطان إن كان الأمر متاحاً، فإن لم يكن شيء من ذلك قاتله لردِّ عدوانه، فإن قُتِل كان من شهداء الآخرة، وإن قَتَل المعتدي كان دمه هدراً، وهو يوم القيامة من أهل الـمُعذَّبين، كما ثبت في الحديث عَنْ قُهَيْدٍ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلَ سَائِلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ عَدَا عَلَيَّ عَادٍ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ذَكِّرْهُ بِاللهِ»، وَأَمَرَهُ بِتَذْكِيرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، «فَإِنْ أَبَى فَقَاتِلْهُ، فَإِنْ قَتَلَكَ فَإِنَّكَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ فِي النَّارِ»[47]، وكذا ما رُوي عن قابوس بن مخارق عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يأتيني فيريد مالي، قال: «ذكِّره بالله»، قال: فإن لم يذَّكَّر، قال: «فاستعن عليه من حولك من المسلمين»، قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين، قال: «فاستعن عليه بالسلطان»، قال: فإن نأى السلطان عني، قال: «قاتلْ دُونَ مَالك حتى تَكُونَ من شُهَداء الآخرةِ أو تمنع مَالك»[48].

 

قال العيني مبيّناً ما في الحديث من أحكام: «فيه: جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق سواء كان المال قليلًا أو كثيرًا لعموم الحديث، وهذا قول جماهير العلماء، وقال بعض أصحاب مالك: لا يجوز قتله إذا طلب شيئًا يسيرًا، كالثوب والطعام، وهذا ليس بشيء، والصواب ما قاله الجماهير، وأمَّا المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف، وقال النووي: وفي المدافعة عن النفس بالقتل خلاف في مذهبنا ومذهب غيرنا، والمدافعة عن المال جائزة غير واجبة، وفيه: أن القاصد إذا قتل لا دية له ولا قصاص، وفيه: أنَّ الدافع إذا قُتل يكون شهيدًا، وقال الترمذي: وقد رخَّص بعض أهل العلم للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله، وقال ابن المبارك: يقاتل ولو درهمين، وقال المهلب: وكذلك في كل من قاتل على ما يحلُّ له القتال عليه من أهل أو دين، فهو كمن قاتل دون نفسه وماله، فلا دية عليه ولا تبعة، ومن أخذ في ذلك بالرخصة وأسلم المال والأهل والنفس فأمره إلى الله تعالى والله يعذره ويأجره، ومن أخذ في ذلك بالشدَّة وقُتِل كانت له الشهادة..» [49].

 

2- مجانبة العدوان والاستعاذة بالله منه:

فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ بالله تعالى من الظلم والعدوان ويعلم أصحابه ذلك، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمه وأمره أن يتعاهد أهله في كلِّ صباح: «... وأعوذُ بكَ اللهمَّ أنْ أظْلِمَ أو أُظْلَم، أو أعتَدِيَ أوْ يُعْتَدَى عَليَّ»[50]، فلا ينبغي للمؤمن أن يكون معتدياً، ولا أن يسمح لأحد أن يعتدي عليه وينال منه.



[1] انظر: تهذيب اللغة مادة: عدا، مفردات ألفاظ القرآن 1: 343، مختار الصحاح ص467، لسان العرب 15: 31.

[2] معجم مقاييس اللغة 4: 249.

[3] التوقيف على مهمات التعاريف ص34.

[4] انظر: الكليات ص 1023.

[5] شرح حديث لبيك لابن رجب ص103.

[6] انظر: الكليات لأبي البقاء ص922.

[7] انظر: التوقيف على مهمات التعاريف ص508.

[8] انظر: التعريفات ص191.

[9] انظر: موسوعة الأخلاق 4: 111.

[10] انظر: تفسير البيضاوي 1: 333، تفسير ابن كثير 1: 283، تفسير البحر المحيط 1: 399، تفسير التحرير والتنوير 4: 57.

[11] انظر: تفسير البيضاوي 2: 355، تفسير التحرير والتنوير 6: 293.

[12] انظر: تفسير القرطبي 8: 365، البحر المحيط 5: 179، التحرير والتنوير 11: 246.

[13] انظر: تفسير البغوي 1: 118، تفسير القرطبي 2: 20، تفسير أبي حيان 1: 459.

[14] انظر: تفسير الكشاف 1: 637، تفسير القرطبي 6: 47، تفسير البيضاوي 2: 292.

[15] انظر: تفسير البغوي 3: 76، تفسير القرطبي 6: 237، تفسير ابن كثير 3: 144.

[16] انظر: تفسير مفاتيح الغيب 28: 143، التحرير والتنوير 26: 312. وهناك من فسر الخير بالمال، أي: يمنع حق الله في المال ويتعد على حقوق الآخرين.

[17] انظر: تفسير البيضاوي 5: 311، تفسير ابن كثير 8: 43.

[18] انظر: صحيح البخاري 2: 790، تفسير القرطبي 13: 279، تفسير ابن كثير 6: 230 ـ 231، تفسير أبي حيان 2: 77. قلت: وقد أتم موسى عليه السلام أطول الأجلين كما ثبت في الصحيح.

[19] انظر: أحكام القرآن للجصاص 1: 325، الجامع لأحكام القرآن 2: 354، أنوار التنزيل 1: 477، تفسير ابن كثير 1: 526، التحرير والتنوير 2: 209.

[20] انظر: تفسير البيضاوي 2: 359، تفسير التحرير والتنوير 7: 17.

[21] انظر: تفسير البيضاوي 2: 447، تفسير البحر المحيط 4: 214.

[22] أخرجه الطبراني في الكبير 22: 221 عن أبي ثعلبة الخُشَنِيِّ جُرثومِ بنِ ناشر رضي الله عنه، والدارقطني في كتاب الرضاع 4: 183 برقم 42، والحاكم في المستدرك 4: 129 برقم 7114، وذكره النووي في رياض الصالحين والأربعين وحسَّنه، وذكره الهيثمي في المجمع 1: 417 برقم 796 وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

[23] انظر: التحبير للصنعاني 4: 712.

[24] انظر: تفسير القرطبي 8: 80، تفسير التحرير والتنوير 10: 124 ـ 126.

[25] انظر: أحكام القرآن للجصاص 1: 325، البحر المحيط لأبي حيان 2: 90، التحرير والتنوير 2: 211.

[26] انظر: تفسير الطبري 12: 197، أحكام القرآن للجصاص 1: 160.

[27] أخرجه مسلم برقم 2587.

[28] انظر: إكمال المعلم 8: 58، شرح المشكاة للطيبي 10: 3114، تحفة الأحوذي 6: 98.

[29] شرح السنة 13: 133.

[30] أخرجه أحمد في المسند 3: 438 برقم 15654، والطبراني في الكبير 20: 187 برقم 17167، وذكره الهيثمي في المجمع 4: 122 برقم 6284 وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه زبان بن فائد، ضعفه أحمد وغيره، ووثقه أبو حاتم.

[31] انظر: شعب الإيمان للبيهقي 7: 405، البيان والتحصيل 17: 600.

[32] انظر: تفسير القرطبي 7: 226، تفسير ابن كثير 3: 428، تفسير البحر المحيط 4: 312 ـ 313.

[33] المصادر السابقة.

[34] أخرجه أحمد في المسند 1: 172 برقم 1483، وأبو داود في الصلاة برقم 1480.

[35] أخرجه أحمد في المسند 4: 87 برقم 16847، وأبو داود في الطهارة برقم 96، وابن ماجه في الدعاء برقم 3864، وابن حبان في صحيحه 15: 166 برقم 6763.

[36] أخرجه أحمد في المسند 6: 217 برقم 25862، وذكره الهيثمي في المجمع 1: 453 برقم 915 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه أبو يعلى بنحوه.

[37] انظر: أحكام القرآن للجصاص 1: 198، تفسير الكشاف للزمخشري 1: 248، تفسير القرطبي 2: 255، تفسير البيضاوي 1: 458.

[38] انظر: تفسير الطبري 4: 584، تفسير ابن عجيبة 1: 293.

[39] انظر: تفسير الكشاف 1: 305، وتفسير البيضاوي 1: 521.

[40] انظر: تفسير البغوي 5: 410، تفسير الرازي 23: 71، تفسير القرطبي 12: 106.

[41] انظر: تفسير القرطبي 6: 300، تفسير ابن كثير 3: 190، تفسير أبي حيان 4: 21، تفسير ابن عجيبة 2: 299.

[42] أخرجه أبو داود في الزكاة برقم 1585، والترمذي في الزكاة برقم 646، وابن ماجه في الزكاة برقم 1808، وابن خزيمة في صحيحه برقم 2335، والطبراني في الكبير عن جرير 2: 306 برقم 2276، وذكره الهيثمي في المجمع 3: 134 برقم 4446 وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

[43] أخرجه أبو داود في الزكاة برقم 1585، والترمذي في الزكاة برقم 646، وابن ماجه في الزكاة برقم 1808، وابن خزيمة في صحيحه برقم 2335، والطبراني في الكبير عن جرير 2: 306 برقم 2276، وذكره الهيثمي في المجمع 3: 134 برقم 4446 وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

[44] أخرجه أحمد في المسند 4: 87 برقم 16847، وأبو داود في الطهارة برقم 96، وابن ماجه في الدعاء برقم 3864، وابن حبان في صحيحه 15: 166 برقم 6763.

[45] انظر: شرح المشكاة للطيبي 3: 803، فيض القدير 4: 130.

[46] إغاثة اللهفان 1: 142.

[47] أخرجه أحمد في المسند 3: 423 برقم 15529، والطبراني في الكبير 19: 39 برقم 15754، وذكره الهيثمي في المجمع 6: 468 برقم 10470 وقال: رواه أحمد والطبراني والبزار، ورجالهم ثقات.

[48] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 10: 116 برقم 18572، والنسائي في المجتبى برقم 4081، والطبراني في المعجم الكبير 20: 315 برقم 17505.

[49] عمدة القاري.

[50] أخرجه أحمد في المسند 5: 191 برقم 211710، والطبراني في الكبير 5: 119 برقم 4803، والحاكم في المستدرك 1: 697 برقم 1900، وذكره الهيثمي في المجمع 10: 150 برقم 16988 وقال: رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا، وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كيف نرد العدوان؟
  • الفرح المذموم
  • خطبة: الاعتصام بالكتاب والسنة

مختارات من الشبكة

  • كيفية دعوة أهل الكتاب إلى الله تعالى في ضوء الكتاب والسنة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كيفية دعوة أهل الكتاب إلى الله تعالى في ضوء الكتاب والسنة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مختصر كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الإسلام وحماية الأطفال من الانحراف إلى العدوان(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أركان وشروط وسنن الوضوء على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عرض كتاب: صناعة الكتاب المدرسي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قضية التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال في ضوء الكتاب والسنة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضية التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال في ضوء الكتاب والسنة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفوائد العقدية في قصة نبي الله عيسى عليه السلام في ضوء الكتاب والسنة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • تزكية النفس: مفهومها ووسائلها في ضوء الكتاب والسنة وأقوال العلماء(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب