• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / طب وعلوم ومعلوماتية
علامة باركود

وأرسلنا الرياح لواقح

وأرسلنا الرياح لواقح
د. عبدالمحسن صالح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/11/2014 ميلادي - 10/1/1436 هجري

الزيارات: 13482

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وأرسلنا الرياح لواقح


كثير مِن آيات القرآن الكريم تُثير فينا دوافع الفِكر، وحبَّ التأمل في مَغزاها ومعناها، وهي رغم إيجازها، تضَع لنا النقط فوق الحروف، وتترك لنا حرية التدبُّر فيما انطوت عليه مِن دلالات لا يُدركها إلا قوم يعملون ويتفكَّرون، ومِن هذه الآيات العظيمة: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر: 22].


لو أننا تعمَّقنا في المعاني التي تُشير إليها هذه الآية إيجازًا، لوجدْناها علومًا قائمة بذاتها، لكن تلك المعاني لم تتكشَّف على حقيقتها إلا من خلال الدراسات الكثيرة والمتشعِّبة التي قام بها علماء هذا الزمان عن طبيعة السُّحُب وما حملَت، وطبقات الهواء وما أخفّ، ودورة المياه في الطبيعة كيف دُبِّرت، وطاقة الشمس على البحار كيف استُغلَّت، والماء الذي تجرَّعناه كيف سار في أجسامنا ودارَ دون أن يكون لنا في أحكامه مِن خيار، ثم لا نستطيع له اختزانًا؛ فلقد جاء كل شيء بحساب ومِقدار؟!


على أن المعاني التي انطوت عليها هذه الآية والمُقتضبة قد اختَلَف في تفسيرها الأوائل والمُحدَثون؛ فمنهم من أخذ بظاهر المعنى دون باطنه، ومنهم من أخذ بالباطن دون الظاهر، ومنهم من مرَّ عليها مرَّ الكرام؛ ظنًّا منه أن المعنى واضِح.


والواقع أن كل مُفسِّر كان على حق وصواب فيما رأى، وهذا عطاء جَميل من القرآن الكريم؛ فبقدر ما يَعرف الإنسان بقدر ما ينهَل مِن تلك المعاني، إن سطحيةً فسطحيةٌ، وإن تعمُّقًا فتعمُّق، ولكلٍّ ما سعى!


دعنا إذًا نتعرَّض لما انطوَت عليه تلك الآية الكريمة من معانٍ أصيلة، ولنَتناولها بشيء من واقع علومنا الحديثة، فذلك يوضِّح - بلا شك - ما في القرآن من عطاء عظيم، رغم التلميح فيه دون التصريح، والإيجاز دون الإسهاب!


الرياح وما لقَّحت!

إن أول حقيقة عِلمية تُبرزها لنا الآية هي التي تتناول الرياح وكيف أُرسِلت أو سارت في غُلافنا الهوائي، صَحيح أننا لا نرى تياراته التي تَسري مِن مكان إلى مكان، ولا تياراته الصاعدة والهابطة، لكنَّنا نرى آثارها في ظواهر لا نَكاد نُحصيها عدًّا، لكن علينا أن نتعرَّض فقط لما له صلة بموضوعنا؛ فلولا الهواء ما كان السحُب، ولولا السُّحُب ما كان الماء العذب، ولولا اللواقح الدقيقة التي تتخلل الهواء لما كان المطر، ولولا المطر لما كانت حياتنا وحياة كل الكائنات التي تعيش على الأرض، ولولا... ولولا... إلخ.


أرأيت إذًا كيف أن هذه الحلقات ترابطَت في سلسلة من الأحداث والظواهِر، وكأنما كل حلقة منها تقود إلى الأخرى؛ لتُوضِّح لنا أن كل أمر قد دُبِّر بحكمة بالغة، وليتبيَّن لنا: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الحجر: 21] ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، ولا شكَّ أن لهذا الهواء في الأرض دورة لا تتوقَّف أبدًا، ومِن وراء هذه الدورة طاقة حرارية جبّارة تأتي من الشمس، فتُحرِّكه في تيارات لها مَسارات قُدِّرت تقديرًا، وبحيث استطاع العلماء مَعرفة اتِّجاهاتها، والتنبُّؤ بمَواعيدها، وتمييزها بمُسمَّياتها، واحتمالات سقوط أمطارها أو بَردِها... إلخ، وطبيعي أننا لا نستطيع أن نُوفِّي هذا الموضوع حقَّه لضيق المجال، لكن يكفي أن نشير هنا إلى أن الله قدَّر الأمور من خلال شرائع ونواميس صاغها العلماء في مُعادلات ونظريات وقوانين، وبها أدركنا كيف يتصاعَد البُخار من البِحار، فيُصبح سحابًا، ليسقط أمطارًا، فتسيل به جداول وأنهار، بها عذوبة ولنا فيها حياة.


على أن طبيعة هذه الرياح، وحملها للسحاب، والاتجاه به إلى مناطق قد تجود بمائها عليها أو لا تجود، كل هذا وغيره يتبع ظروفًا جوية عبَّر القرآن الكريم عنها أوجزَ وأجملَ تعبير: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57].


ولكلمة "لواقح" معنيان صالحان لتطبيقهما في مجالين مُختلفَين، أي: كأنَّما الآية قد تركَت لنا الحرية في اختيار ما نراه من معان؛ فالرياح قد تَحمل حبوب اللقاح مِن زهرة إلى زهرة من النوع ذاته، (مِن فعل لقَحَ؛ أي: أبر؛ أي: وضع طلع الذكور في الإناث كما في النخيل وسائر أنواع النباتات)، ولقد دُبِّرت الأمور هنا بحِكمة بالغة؛ إذ لا بد أن تُنتج الزهور بلايين فوق بلايين مِن حبوب اللقاح؛ حتى يكون احتمال التلقيح بالرياح مَضمونًا، ولا بد أن تكون هذه الحبوب ضئيلة الوزن والحجم جدًّا حتى تَنتثِر في الهواء، وتَحملها الرياح أو النسمات إلى مياسم الأزهار (الجزء المُستقبِل لحبوب اللقاح)، وعلى المياسم مادة لَزِجة، ولزوجتها تَصطاد لقاحاتها التي تؤدِّي إلى إخصابها.


وطبيعي أن ميسم الزهرة - وليكن مثلاً ميسم زهرة الباذنجان - قد يَستقبِل حبوب لقاح لأنواع أخرى كثيرة من نباتات لا تمتُّ لنوعه أو جنسِه بصِلة، ومع ذلك فقد دُبِّرت الأمور تدبيرًا مُتقنًا، بحيث لا يَسمح هذا الميسم لأية حبة لقاح من أي نوع بالإنبات والإخصاب، وكأنما هناك "كلمة سر" بين النوع والنوع، وعن طريقها يكون القبول، لكن هذه الشفرات أو اللغات التي تَستخدِمها النباتات كثيرة جدًّا، وعددها بعدد أنواع النباتات التي لا تحصيها عدًّا، لكن ذلك موضوع طويل ومتشعِّب ومُثير، وقد نُفرد له دراسة أخرى مُستقلَّة؛ لنعلم منها كم هي منظمة ومُتفاهمة هذه الكائنات التي لا ترى ولا تسمع ولا تَشمُّ... إلخ، ومع ذلك تستطيع أن تتعارَف بلغات خاصة، وكأنما هي أمم أمثالنا!


إذًا؛ فقبل أن تَنقل الرياح حبوب اللقاح التي تَنتشِر في كل متر مكعَّب من الهواء بالآلاف، خاصة في فصل الأزهار أو الربيع، كان لا بدَّ من وسيلة تمهِّد لحبة اللقاح معرفة النوع الذي تَنتمي إليه؛ حتى لا يَختلط على ميسم الزهرة الحابل بالنابل، وقد كان، فلا ينبغي لحبة لقاح النخيل أو القرع أو الطماطم أو أي نبات آخر أن تَنبت في غير موضعها... ﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ﴾ [القمر: 5]، ﴿ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 15].


لواقح السحاب:

المعنى الآخر الكامن في الآية الكريمة يُشير إلى أن تكوين السُّحُب، وما يَتبعه مِن تساقُط الأمطار، لا يتمُّ إلا إذا حملَت الرياح لواقحَها، هو أمر لم تَكشف عنه إلا البحوث العلمية الحديثة، لكن السبق في هذا المضمار كان للقرآن؛ إذ إن تسلسل الآية يشير إلى ذلك إشارة واضحة؛ لأن اللواقح في الرياح قد سبقت نزول الماء، أو ارتبطت به ارتباطًا صريحًا وواضحًا.


فما هي هذه اللواقح؟ وكيف تؤدِّي إلى تكوين السحُب والأمطار؟

الواقع أن عملية البخر من المحيطات والبحار تؤدِّي إلى تطاير جزيئات الماء إلى الهواء، لكن هذه الجزيئات قد تَبقى مُبعثَرة ومُشتَّتة في الجو على هيئة غاز، وطبيعي أن الهواء يحمل دائمًا نسبةً من الرطوبة أو جزيئات الماء، وهذه نُحدِّدها بمقاييس الرطوبة، فنقول مثلاً: إن الهواء مُشبَّع بالرطوبة، أو ما دون ذلك، فإذا تشبَّع فإنه لا يقبل بخرًا جديدًا، لكن هذا التشبُّع يَعتمِد على درجة الحرارة السائدة، فعلى سبيل المثال نقول: إن مائتي قدم مكعَّبة من الهواء تستطيع أن تستوعب كمية من بخار الماء تتراوَح ما بين 12 - 14 جرامًا عند درجة التجمُّد (الصفر المئوي)، لكن هذا الحجم ذاته قد يستوعب أكثر من 45 جرامًا عند درجة 20 مئوية، فإذا برد الهواء أقل مِن ذلك تخلَّص من حمله شيئًا فشيئًا على هيئة قطرات دقيقة للغاية (التكثيف الذي نراه مثلاً على كوب ماء مثلج، وهي دليلنا على البخار الذي يَنتشر في الهواء ولا يرى).


لكن ذلك لا يشرح لنا فكرة تكوين السحب والأمطار، صحيح أن السحُب تتكوَّن أساسًا من عمليات البخر، لكن البخر - في حد ذاته - لا يؤدِّي إلى تكوين السحاب، بل لا بد من وجود عامل أو وسيط أو نواة لتجمع الجزيئات الشاردة، وتؤلِّف بينها في قطراتٍ جد دقيقة من الماء، وهي التي تكوِّن السحاب بكل أشكاله وصوره وأنواعه.


ولكي نوضِّح أكثر نقول: إن السحابة تتكوَّن من أعداد لا حصر لها من قطرات صغيرة وخفيفة، ولهذا تحملها تيارات الهواء إلى أعلى، وهي لخفَّتها وضآلتها تبقى مُعلَّقة فوق رؤوسنا على هيئة تجمُّعات صغيرة أو ضخمة، وتُعطينا تكوينات سحابية مُختلفة، لكن لا بد من وجود اللواقح أو النَّوى الذي يُساعد على تكثيف جزيئات الماء في قطرات دقيقة، وهذه اللواقح تُوجد دائمًا في الهواء بصور مُتباينة؛ فقد تكون على هيئة سناج أو هبوب أو غبار أو بللورات ملح، أو مما تَتركه الشهُب أثناء احتراقها في طبقات الجو العليا، مُخلِّفة وراءها غبارًا دقيقًا... إلخ.


وطبيعي أننا لا نرى هذه اللواقح لدقَّتها؛ ففي الغلاف الهوائي الموجود فوق المدن الصناعية المُزدحِمة يوجد حوالي مليونَين ونصف مليون لاقحة في كل بوصة مكعبة من الهواء، وهذا يُنبئك بدقة أحجامها، أو إذا شئتها مقياسًا فإن قُطرَ اللاقحة أقل جزء من ألف جزء من الملليمتر، لو أنك جمعت 2500.000.000.000 لاقحة (أي: 2.5 مليون مليون)، فإنها بالكاد تزن جرامًا واحدًا، ومع هذه الدقة المتناهية، إلا أنها تقوم بدور أساسي في تجميع البخار على هيئة قطرات دقيقة تتراوح أقطارها ما بين عشر ملليمتر إلى جزء من ألف جزء من الملليمتر، أو قد نتصور ضآلة هذه القطرات لو علمنا أن قطرة ماء المطر المنهمِر والمتوسِّطة حجمًا قد تكوَّنت من تجمُّع حوالي مليون قطرة دقيقة.


وقد يتساءل متسائل: لكن أنَّى لبللورات الملح أن تتعلق في الهواء، وتَسريَ فيه، لتُصبح من اللواقح المؤدية لتكوين السحاب؟


الواقع أنها بللورات جدُّ دقيقة، وهي تنتج من الرذاذ الخفيف الناتج من أمواج البحار والمُحيطات، خاصة الأمواجَ العالية التي تضرب شواطئ الأرض، وعندما يحمل الهواء هذا الرذاذ، فسرعان ما يتبخر ماؤه، تاركًا وراءه بللورة ملح دقيقة غاية الدقة (أصغر من الميكروب الذي لا يُرى إلا بالميكروسكوب)، فتَنتشِر مع الهواء في كل أرجاء المَعمورة، ولقد تأكَّد العلماء من وجودها، حتى في الهواء الذي يَسري فوق القارات وداخلها بعيدًا عن البحار بمئات وآلاف الأميال، وهي من أكفأ اللواقح في تكوين حُبيبات الماء الدقيقة من البخار؛ فمِن خواصِّها أنها ذات نهم لتجميع جزيئات الماء الشاردة في الهواء، المُشبع بالبخار، وطبيعي أن مياه الأمطار بها عذوبة، لكنها لا تخلو من نسبة ضئيلة من الملح المذاب، وهذه تُضفي عليها طعمَها المستساغ.


وطبيعي أن الظروف الجوية تلعب بعد ذلك دورًا فعالاً في تجميع حبيبات الماء الدقيقة في حبيبات أكبر وأكبر، وإلى هنا تظهر قوتان مُتضادتان؛ قوة الجاذبية، وقوة صعود التيارات الهوائية إلى أعلى، أيهما يتغلَّب يؤدِّي إلى سقوط الأمطار أو إبقائها مُعلَّقة، لكن مما لا شكَّ فيه أن حجم قطرات الماء يَصل إلى الدرجة التي لا مناص منها عن هطول الأمطار بدرجات مُتفاوتة.


لكن القصة لم تنته عند هذا الحد؛ فاللواقح لا تُساعد فقط على تكوين قطرات الماء الدقيقة لتَصير سحابًا، بل هي قد تتداخل بين القطرات لتجمَعَها في قطرات أكبر، وتُساعد بذلك على سقوط الأمطار، والواقع أن المُشاهَدات الكثيرة التي سجَّلها العلماء، والتجارب العديدة التي أرادوا بها محاكاة الطبيعة في شرائعها، قد أوضحَت بجلاءٍ ما انطوت عليه آيتُنا الكريمة من عطاء.


فعندما تَجتاح النيران مساحات كبيرة من الغابات، وتُطلق في الهواء سناجها أو هبابها أو رمادها، وعندما تثور الرياح، وتُثير من الأرض والصحاري غبارها ورمالها، وعندما تتساقط الشهب بكثرة مُخلِّفةً وراءها جسيماتها... إلخ، فإنه من الملاحظ عادةً أن تُسقِط السحُب أمطارها؛ لأن اللواقح الناتجة من النيران والرياح والشهُب تكون قد تخلَّلت ما يقابلها من سحب، فجعلتها تُسقط أحمالها، فإذا بها تصير أمطارًا.


ولقد قام العلماء بعد ذلك بتلقيح السحاب بمَساحيق من أملاح مُختلفة بواسطة الطائرات، أو برشِّه ببلورات دقيقة من الثلج، أو بتلويثه بالغبار، ولم تمضِ إلا فترة، حتى حدَث تغيُّر في تَكوين السحاب، وبدا يُسقِط أمطاره.


هذه إذًا نُبَذ قصية مِن علومنا الحديثة التي حقَّقت ما جاءت به الآية الكريمة منذ أربعة عشر قرنًا، أو بتعبير أدق نقول: إن القرآن كان له السبق فيما تحقَّق بعد ذلك بمئات كثيرة من الأعوام.


﴿ فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ﴾!

والواقع أن هذه الكلمة أيضًا - أي ﴿ فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ﴾ - تَطوي معنى آخر كبيرًا؛ إذ ربما هي تشير إلى دورة المياه في الطبيعة؛ لأن كل ماء على هذا الكوكب ليس صالحًا للشرب؛ فالبحار والمحيطات تحوي الجانب الأكبر من الماء، لكنه ليس مناسبًا لحياة الإنسان والحيوان والنبات، أو كل ما يعيش على اليابسة، إنه صالح فقط لحياة الكائنات البحرية، فهذه قد تأقلَمت عليه، وتكيَّفت به، فنحن مثلاً لا نستطيع أن نأخذ سمكة من أنهار عذبة، ونضعها في بحار مالِحة أو العكس، ولو فعلنا لما عاشت هذه أو تلك.


كما أنَّنا لا نستطيع أن نشرب مياه البحار، ولو فعلنا لسحبَت هذه المياه المالحة بعض مياه أجسامنا، فتَزيد عطشًا على عطشٍ، وقد يؤدِّي ذلك إلى الهلاك المبين.


ولكي تيسّر لنا الأمور كان لا بد مِن عملية بخر جبارة، أو تقطير للمياه المالحة، وجاءت الشمس بحرارتها لتتسلَّط على البحار والمحيطات، فترفع منها سنويًّا كميات من الماء (على هيئة بخار) تَصِل إلى 95 ألف ميل مكعَّب، هذا ويحتوي الميل المكعب على حوالي أربعة آلاف مليون طن من الماء، اضرب هذا في ذاك، لتتَّضح ضخامة هذه العملية الهائلة التي لا يقدر عليها كل البشر حتى ولو اجتمعوا لها!


ولا بدَّ لهذه الكميات الضخمة من البخار من لواقح تَجمعها في قطرات دقيقة، لواقح تُسقِطها أمطارًا غزيرة، وقد كان - كما سبق أن أسلفنا - ثم تتوزع الأمطار لتسقط على البحار وعلى اليابسة (المعروف أن حوالي 70 % من مساحة كوكبنا تُغطِّيها البحار والمحيطات)، فيخص البحار منها 71 ألف ميل مكعب، ثم تفقد الأرض من أمطارها بعد ذلك بالبخر 15 ألف ميل مكعَّب لتعود إلى الهواء، وعندئذ لا يتبقَّى إلا تسعة آلاف ميل مكعب، لكنها مع ذلك تكفي الإنسان والزرع والضرع، بدليل أن جميع الأنهار في كل القارات بها تفيض، ومنها تتكوَّن البحيرات العذبة، وتعوِّض المياه الجوفية مخزونها... إلخ.


ومن هذه الدورة التي قدِّرت تقديرًا قامت على الأرض الحياة، فأورقَت الأشجار، وتفتَّحت الزهور، وغرَّدت الطيور، وحلَّقت الفراشات، وانطلقَت الحيوانات، وسعى الإنسان لينقِّب ويعمِّر ويتطلَّع إلى جلال الله في كل ما خلق فقدَّر فهدى، حتى ولو كان ذلك في لواقح لا نقيم لها وزنًا، رغم أنها النواة التي فاضت بها الأنهار، وجرَت الينابيع، وتغذَّت الآبار، لتسقي الإنسان وسائر أنواع النبات والحيوان؛ ﴿ خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ [لقمان: 10].


﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾

لكن... ماذا يعني حقًّا هذا الجزء الأخير من الآية؟

يبدو أن فيه معنى ظاهرًا وآخر باطنًا، ولقد عدْنا إلى عدد مِن التفاسير القرآنية، فوجدنا أن بعضها لم يُعلِّق بشيء، في حين أن البعض الآخر قد تعرَّض لظاهر الآية، أو فسَّرها التفسير التقليدي الذي وقر في العقول، أي أن الإنسان لا يَستطيع أن يتصرَّف في الماء أو يتحكَّم فيه، لكن ما نظنُّ أن ذلك هو المقصود، فلقد بنت سبأ سد مأرب من آلاف السنين لتستعين به في تخزين الأمطار، كما قام الرومان بإنشاء الآبار الرومانية المشهورة لتحتجز فيها الماء، ثم إن معظم دول العالم الآن قد أقامت السدود ليكون لها في التخزين مأرب... إلخ.


وتفسيرنا الذي سنُقدِّمه هنا من باب الاجتهاد؛ إذ يبدو - والله أعلم - أن ورود التخزين بعد الإشارة إلى شراب الماء - أو بتعبير الآية: ﴿ فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ﴾ - يرجع إلى حكمة الماء في أجسام الإنسان وكل المخلوقات، فإذا شربْنا الماء فلا تملك له تصريفًا، ولا نستطيع له تخزينًا؛ لأن الذي يتحكَّم فيه أجهزة بيولوجية مُتكاملة على درجة عظيمة من الكفاءة والتعقيد.


فرغم أن 60 % من وزن الجسم ماءٌ، فإن الحد الفاصل بين الموت والحياة يتمثَّل لنا في عدة أكواب من الماء، فإذا نقصَت معايير الماء في دمائنا وأنسجتِنا، أو زادت عن حدودها المقدَّرة، وجدت لها موازين مضبوطة لتُعيد كل شيء إلى حدوده، وكل هذا يدل على قدرة الله الذي خلق كل شيء بحساب وتقدير، حتى ولو كان ذلك في جرعة ماء.


فالماء الذي نشربه لا يُمكن الاحتفاظ به أو تخزينه؛ فجزء منه يخرج مع التنفس بخارًا، وجزء يفرَز عرقًا، وجزء ينطلق بولاً، وعلى قدر ما نتجرَّع ماءً على قدر ما تنطلِق الأحكام التي قدَّرها الخالق في أجسامنا لتتصرَّف فيما تجرَّعْنا!


ففي قاع المخِّ توجد منطقة صغيرة يُطلِق العلماء عليها: "تحت المهاد" أو: "تحت سرير المخ"، وهي المَنوطة بمهام مختلفة، منها أنها تُعاير نسبة الماء والأملاح في الدماء ليلَ نهار، فإذا نقَص الماء، وزادت الأملاح، أوحت إلينا بالعطَش؛ لنُعوِّض ما فُقد، وإن زاد الماء، وخفَّت الأملاح، أرسلت أوامرها العصبية إلى غدّة تحتها مُباشرة تُعرف باسم الغدة النخامية، وكأنما هي تنبئها بطريقة لا ندري أسرارها أن تتَّخذ أمرًا كان مفعولاً، فتقوم الغدة بإفراز هرمون في الدم، الهرمون يتوجه إلى الكُلى فتستجيب له، وتفتح العيار قليلاً أو كثيرًا (على حسب كمية الماء الموجودة في الدم) فيخرج الماء الزائد حتى تعود الأمور إلى مجاريها، وتتوازن الدماء بمائها وأملاحها ومركباتها الكثيرة.


وطبيعي أن عملية الترشيح من الكلى عملية مهمة وخطيرة؛ لأنها تُخلِّص الدم من النفايات التي تخرج من الخلايا والأنسجة، وفي الوقت ذاته تتخلَّص من الأملاح الزائدة، وكل هذا يحتاج إلى ماء لتذوب فيه، وتخرج معه على هيئة بول، ولو توقَّفت هذه العملية، لتوقَّفت الحياة تبعًا لذلك، ومِن أجل هذا وضع الخالقُ النظم الكفيلة التي تنظِّم ما يدخل الجسم وما يَخرج منه، حتى ولو كان ذلك في جرعة ماء أسقانا الله إياها من ماء أشار إليه في أول الآية، وهو المتصرِّف فيه كما ورد في آخر الآية؛ إذ ليس لنا على الماء من سلطان، ولا نستطيع له تخزينًا، فهذا شيء خارج عن حدودنا وإرادتنا.


فإن كنا قد أصبْنا في اجتهادنا هذا فذلك فضل مِن الله، وإن أخطأنا فالله غفور رحيم، ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرياح آية من آيات الله
  • خطبة المسجد الحرام 24/12/1433 هـ - التفكر في الريح والرياح
  • البلاغة في آيات الرياح والسحاب والمطر والبرق والرعد
  • القسم بمنظومة الرياح والسحاب
  • على رسلكم
  • إنها مأمورة

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الآثار الإيمانية للإيمان بالرسل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح العقيدة الواسطية (4)(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب