• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | محاضرات وأنشطة دعوية   أخبار   تقارير وحوارات   مقالات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    اختتام ندوة حول العلم والدين والأخلاق والذكاء ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    لقاءات دورية لحماية الشباب من المخاطر وتكريم حفظة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تزايد الإقبال السنوي على مسابقة القرآن الكريم في ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مناقشة القيم الإيمانية والتربوية في ندوة جماهيرية ...
    خاص شبكة الألوكة
شبكة الألوكة / المسلمون في العالم / مقالات
علامة باركود

فلسطين .. ليست مسألة وقت

فلسطين .. ليست مسألة وقت
عبدالمجيد بن عبدالرحمن باحص

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/8/2014 ميلادي - 19/10/1435 هجري

الزيارات: 4132

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فلسطين.. ليست مسألة وقت

 

يُصوِّب العالم هذه الأيام جُلَّ أخباره واهتماماته نحو فلسطين، وبالتحديد غزَّة، كل القنوات تقف مندهشة مما يجري هناك، اندهاشًا متفرِّقًا بين رؤية خِذلان أصحاب القضية لقضيتهم، أو متعجِّبًا من صمود وعبقرية المجاهدين والمقاومين هناك، وحدهم الرجال على أرض غزة من يرسم للعالم هذه المعالم، وحدهم جعلوا كل الأرقام ممكنة، وكل اللحظات متسلسلة.

 

فلسطين أيها الأكارم ليست وليدة اللحظة، وغزة ليست متفاجئة من العدوان الإجرامي، إنها القضية التي تقف كل الاعتبارات عندها، ويقف الزمن ساعة في محيطها، إنها ليست مسألة وقت تنتهي بانسحاب، أو مفاوضات، أو انصراف إعلام، أو تسلُّط خائن أو مُستبد، كلا؛ ففلسطين قضيَّة أكبر من ذلك كله.. لماذا؟

 

أولاً: لأنها قضية عقديَّة، ودفاع عن عقيدة:

(إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين؛ فهي ليست ملك يميني، بل ملك للأمة الإسلامية)، بهذا النص الأسطوري للسلطان العثماني عبدالحميد الثاني كانت أهم ركيزة وسياسة ورؤية واضحة جليَّة للقضية وللأرض الفلسطينية، بجعلها - كما الأصل - قضية جميع المسلمين، وعقيدتهم وأرضهم، لا تفرِّقها سياسة، ولا يبعدها صهاينة وإعلام، ولا يُمزِّقها خونة أو مرتزقون، ولئن رأى بعض المتصهينة ولاءً ونفسًا، أو المنتمين عِرْقًا، أنَّ فلسطين قضية سياسيَّة، أو مزايدات أو تصفيات حسابية، أو أراجيف مصالحية، فإن شعبًا كاملاً يرى خلاف ما يرى، ويفند هذه الأوهام الباطلة بأفعاله؛ فهو شعبٌ ناضل ولا يزال من أجل أرضه منذ أكثر من نصف قرن، وروَّى أرضَه بدماء الشهداء من أبنائه، وقضى وقتَه تحت نيران العدوِّ أو مؤامراته وعدوانه وتصفياته، وقلوب المؤمنين معهم صِدقًا وابتهالًا، حبًّا وعوْنًا، وإن غلَبَ على عمومها الضعف والقهر، وفرَّقت بينهم الحدود، وأبعدتهم سياسات خائنة أجنبية وغير أجنبية.

 

إن العقيدة هي ما يملأ القلوب صدقًا فتفيض بذلك عطاءً، بذْلًا ودفاعًا، صمودًا ونصرًا، ولا يمكن لمن لم يملك هذه العقيدة تجاه القضيَّة الفلسطينية أن يعرف ما معنى أن تكون قضية من أهم وأشرف القضايا، إن لم تكن هي أم القضايا، حتى وإن مُزِّقت الأمَّة، وتفرَّقت وحدتها، وأُضيعَت كلمتها وقوَّتُها، إلا إنها تبقى هي الأساس للدفاع، والبذل للاسترجاع.

 

وكل من أيَّد أو ناصرَ أو تعاطفَ مع الصهاينة القتلة المجرمين محتلي الأرض ومُدنِّسي القداسة الإسلاميَّة، عليه مراجعة إسلامه قبل أفكاره، حتى وإن وجدَ تبريرًا لنفسه أن كل ما يجري في فلسطين هي حرب حزبية أو مسألة جزئية، وحتى إن زعم لنفسه ملجأ واهيًا بدعوى إرهاب القضية، وهي أن يفعل الإرهاب باسم القضية، ولم يكن متصوَّرًا حينًا أن يجهر الإعلام مُسمِّيًا نفسه (صوريًّا) باسم الإسلام - أن يجاهر بنصرة الصهاينة على أدنى أفعاله، فضلًا عن جرائمه ووحشيَّته، وما كان متوقَّعًا أن يدعم مسلم صهيونيًّا لأن يقتل أخاه المسلم، فلو كان من يدعم الصهاينة غير المسلمين، لما كان مُدهشًا، وهو المتعارف عليه، ولكان في ذلك أمرٌ قد سنَّته القوانين والطباع والعادات؛ إذ إنَّها من عدو يُدفع ويُحارَب، لكن لم يكن متوقَّعًا في أيِّ عرْفٍ عربي أو إسلامي أو خُلُقي أن يُدعَم مجرمٌ على إجرامه في بني قومه، فضلًا عن أن يكون مجرمًا عدوًّا معروفًا واضحًا جليًّا، فهو من صميم الداخل، ومن بين من يُنسب إلى أصحاب القضيَّة، لكنه الذلُّ والصغار، والركون إلى العدوِّ، والميل إلى الكفر، والانقياد لهوى ذميم في نفوس أصحابه، أذاقهم الله به ذلَّهم وهوانهم على رؤوس الأشهاد.

 

وأصبح البعيد من هول ما يرى وأسفًا على صمتنا، يُدافع عن قضيَّتنا، ويتكلَّم باسمها، ويتظاهر لها، ويندِّد ويرغي ويزبد لأجلها، فكان البعيد أرحم وأرأف بقضيتنا من بعضنا في هجومه وقلة شرفه وعقله ودينه على أهلنا في غزة وفي فلسطين!

 

وهنا أمر عجيب - وبما أن المقام مقام عقيدة وإيمان، وولاء وجهاد - وهو صمت بعض من العلماء في المقام الأول، ثم عدد من المثقَّفين، ثم أصحاب الدعوات الإنسانية، عمَّا يحدث في غزة، يعصف بالتفكير سيل جارف من الأسئلة كل صنف على حدة، كل سؤال يأخذ معه همًّا وحيرة.

 

أليس العلماء ورثة الأنبياء؟ والأنبياء مع الحقِّ دومًا وضد الظلم، فلمَ السكوت؟ أليس الساكت عن الحق شيطانًا أخرس؟ صهاينة يهود من ملة الكفر اعتدوا على المسلمين أيًّا كان تصنيفهم، أين الفتنة هنا من الوقوف مع المسلمين إن كانت هناك خشية فتنة؟ أين محل الآية الكريمة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [البقرة: 159] من قلوبهم؟

 

وللمثقفين أين هو صدق الحرف؟ أين هي المثالية وادِّعاء الصراحة والصدق في المجتمع؟ ماذا عن الوقفة الصادقة لمن أراد منك أن تقف معه بالحق ضد الظلم؟ أين حقُّه عليك كمسلم؟

 

ولأصحاب الدعوات الإنسانية، أين إنسانيتك المزعومة التي اختفت أمام هذه المجازر؟ أين عنتريَّاتك وضجتك وادِّعاءاتك أمام ما ترى؟

 

هذا غيض من فيض للأسئلة، وكل سؤال يقود لآخر، كلها تأتي بنتيجة لا تُرضي ولا تسُرّ!

 

ويجب أن تعلم الأمة بجميع أفرادها ومؤسساتها أن فلسطين هي أرضهم، وأن غزَّة هي معركتهم، وأن المجاهدين هم جنودها، وأن نساءها هن شرفهم، وبذلك يجب فرضًا يقينيًّا أن تتعدى مرحلة البيانات والاستعطافات والنداءات الباردة، إلى مراحل أكثر فاعلية وعملية، وأكبر أثرًا.

 

ثانيًا: لأنها إلهام للأحرار:

وحدهم الأحرار يشعرون بحرارة القضية الفلسطينية وبحرارة ما يجري هناك، ولا عزاء في ذلك للعبيد.

 

إن الإسلام بصفته منبعًا للحرية فقد جعل من الحرية منطلقًا رحبًا للانطلاق نحو نصرة المظلومين، وتحقيق الحق، والتقدُّم نحو العزة والنصر، لمس ذلك من قبل سلفنا الصالح ابتداءً من نبيِّنا، مرورًا بعمر بن الخطاب وربعي بن عامر، وحتى آخر عزيز جعل للإسلام حرية تصنع عزًّا ومجدًا.

 

لِم كانت القضية الفلسطينية إلهامًا للأحرار؟

إنها مُلهِمة لهم ليس لأنها القضية العظمى لهم فقط؛ بل لأنها ترفض العبودية، وتكسر القيد، وتتقدم بالمقاومة، وتبذل بالنفس، وتعطي قدر ما تأخذ، وتفدي بما تستطيع، وهذا باختصار جُلُّ ما ينشده الأحرار في كل مكان، المطلب الحقيقي لكل مسلم حر هي إذابة جميع القيود التي يصنعها المستبد أو يرسمها المستعمر بأي صورة أو بأي شكل كانت، وإقامة العدل بأصوله وأركانه وموجباته، ورفض الذل والقعود، إن الحريَّات لا تُوهَب ولا تُعطى؛ وإنما تُنتزَع انتزاعًا من يد من أزالها وأخرجها من مكانها، وكما أن الحقوق تُنتزَع فإن الحريات من باب أولى تؤخذ قوَّة لا سلمًا.

 

في زمن العبيد لا تُترك الحرية دونما أن يُشعِل طريقَها أحد، وإلا فإن العبيد بمهارات عبوديتهم ماضون في إخمادها، ولا بد أن يستلم أحد راية هذه الحرية ويمضي بها قولًا وفعلًا، ويأخذ بزمام المبادرة بالعمل لا التنظير، وإلا فإن الزَّمنَ سيطول، وسيطول غبار الاستبداد، وستكون الدندنة باسم الحرية نواحًا وصياحًا، وفي ظني أن هذه المبادرة قد اتخذها أقوام من قبل، لكن حدود ذلك كانت ضيِّقة، وكان المستعمر والمستبد أشد إحكامًا في ذلك، واليوم أتى من يجعل العالم يشاهد بصورة صارخة حقيقة من يحمل هذه المبادرة وهذه الراية، ويجعل البعيد قبل القريب يرى ذلك رأي العين، كان ذلك جليًّا في أرض المقاومة، أرض فلسطين، وتحديدًا في غزة، أرض المجاهدين وصُنَّاع العزة والكرامة للأمة، وكاتبي دستور الحرية من جديد بشكل حقيقي واقعي، لقد رأى العالم أجمع ماذا قال المجاهدون على أرض غزة فِعليًّا وعمليًّا، لا تنظيريًّا أو استنجاديًّا أو رضوخًا، شاهدنا كيف الصمود والتضحية الرهيبة والعبقرية الفذَّة، كل المعادلات تتبدَّل إن صارت بيد من يكتبها بدمه من جديد، أصبح حتى للصفر قيمة، وللحجارة قوة، وللتربية هيبة، أدركنا حقيقة مصنع الرجال، ومكمن طاقاتهم، وعلو همتهم، وتهاوت خرافات وشعارات وإعلانات وقوات حول قيمتهم الفعلية، وأصبح العالم يرقب النتيجة الفعلية ويضرب بما دونها عرض الحائط، وتحرَّكت الضمائر والقلوب دفاعًا ونصرة، إلا من مات قلبه وضميره، فأماته الله قبل حينه وهو حيٌّ يشاهد الناسُ ميتته النتنة، إن القول أمام العدو ضعف إن لم يتبعه عمل، والتنظير أمام المستبد خوف إن لم يسانده فعل، ولا زال وما يزال الأبطال في غزة الصمود وعلى أرض فلسطين يعطون للعالم أجمع دروسًا بالمجَّان لقوة دفاعهم عن حقِّهم، واستبسالهم لدفع المحتلِّ وانتزاع الحق والحرية من فم العدو، ورفض ما يمليه المستعمرون أو ما يهددون به ومعهم أذنابهم من الخونة والقاعدين، ومواجهة ذلك وإن كان العالم كل العالم في وجه حقوقهم، وإن لم يكن من الموت بد، فمن العار أن تموت جبانًا.

 

وإنك وإن تكلَّمت سنين وعقودًا ودهرًا من الزمان نحو فضيلةِ وشرفِ ما يقوم به المجاهدون وأصحاب الأرض والمقاومة في فلسطين عامة، وفي غزة خاصَّة؛ من إعادة لكرامة وعزة لأمة سُلبَت منها جميع ما يمكن أن يعيد لها مجدَها وتقف صامتة وملايين تشاهد ما يحدث ولا تفعل شيئًا، ما عرَف العبيد قيمة ذلك وما أدركوا المعاني فيها؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، ولأتوك تدريجيًّا بأخف النقد والتثريب والتقرُّب، حتى يصبحوا مع اليهود رأسًا برأس، ومقاربين للصهاينة يدًا بيد، ثم لضربوا لك أحطَّ الأمثلة وأردأها في دفاعهم عن عبوديَّتهم، ولحاربوا ونازعوا من أجل ذلك، ولاستخدموا كل طريقة ممكنة في الدفاع عن سقوطهم وذلِّهم وخذلانهم، وكيف لعبد متصهين أن يفهم مُراد الحريَّة أو عزة الأمة؟ وكيف له أن يستقيم وفي عينه زيغ، وفي فَهْمه ميل، وقد تضلَّع من ماء المهانة والذل أرباعًا ارتوت منها حياته؟ ومن يَهُن يسهل الهوان عليه.


ثالثًا: لأن القضية الفلسطينية كاشفة:

لو قدِّر لحدث أن يكشف حقيقة كبرى، لم يكن هناك أكبر من القضية الفلسطينية على مرِّ السنين، كشفت لنا أمورًا كثيرة، وكشفت أقنعة ومزايدات، واستغلالًا وتضحيات، وكل ما يمكن أن يكون فعله ويستخدم لأجله.

 

في الأيَّام الماضية انظروا، كمْ من الأقنعة تساقطت! وكم من عدوٍّ خفي اتضح أمرُه! وكم من شعارات أصبحت زائفة! فظهر كل شيء على حقيقته وأصله، وبانت معادن، واستشرفت معالم، لقد كشفت لنا أحداث غزة كم هناك من صدْر يحمل حقدًا وضغينة على المجاهدين، وكم من أصحاب سموم رموا بسمومهم الجهاد جزْمًا منهم أنه الإرهاب ولو لم يكن تصريحًا، وكم جَيَّش المتصهينون إعلامهم للنيل من أبطال المقاومة وآساد الجهاد هناك، حتى إن الواحد ليُخيَّل إليه أن المجاهدين المقاوِمين هناك هم الإرهابيون المحتلون!

 

لقد كشفت لنا أحداث غزة بما لا يشك فيه عاقل - إلا أصحاب الهوى ومنعدمو الضمير - أن الغرب بكل سياساته وأفعاله هو العدوُّ الحقيقي، والمدمِّر الفعلي، وإن كان يتذرَّع بالمنظَّمات وبالحقوق وبالإنسانيَّات التي يضعها لنفسه لا لغيره، وإن الاستعمار لا زال ضاربًا بجذوره في جميع البلدان العربية، عدا قلة نادرة جدًّا ويخشى عليها أيضًا، وكأنها إعادة لسيرة أسلافهم، ولتاريخ صليبيٍّ قديم يتجدد وهو متجدد في كل عام، يرتوي من دماء المسلمين، ويُمزِّق وَحْدتهم، ويبعث في نفوسهم الخذلان، ويسعى لتدميرهم، لقد كانت الأحداث في غزة كاشفة بمعنًى جليٍّ، وأن كلَّ امرئٍ أدرك حقيقة نفسه ومن حوله، واتضحت الصفوف حول ذلك؛ فكانوا على ثلاث فئات: فئة مع العدو تأييدًا، أو تمني نصره، أو تثبيطًا لغيره، وفئة مع المجاهدين والمقاومة دفاعًا ونصرة، وتأييدًا ودعاءً، وفئة صامتة كصمت القبور، كأنه لا يعنيها ما يحدث، وكأن الدماء والعدوان الذي تراه لجنس غير جنس البشر، فضلاً عن كونه ضد أبرياء، فضلاً عن أنه ضد المسلمين وإخوان يجمعهم بهم الدين؛ فأما الصنف الأول والثاني، فمعلوم حكمهم ومآلهم ونتيجتهم، وأما الصنف الأخير، فهم كما قيل: "أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى"، وعنهم لا تسل؛ فما لجرح بميِّتٍ إيلامُ.

 

وفي ظل هذا الكشف عن الوجوه، واتِّضاح التوجُّهات، وكشف البيانات، لا تلوموا العامَّة إن تبعوا إعلامًا ممسوخًا أو متصهينًا، بل لوموا مَنْ كان يستطيع مَنْع ذلك، سواء كان شيخًا أو عالمًا، أو داعية أو مُفكِّرًا، أو كاتبًا أو مُؤثِّرًا، ثم آثرَ الراحة والدَّعة، وغَلَبه خوفه على شجاعته، إن لم يكن باطله على حقِّه، لا تلوموهم إن غلب عليهم الباطل، بل لوموا من كان بيده أن يُرشدهم ويقودهم إلى الحق لكنه فتَرَ واستجاب لسكوته وسكونه، وفي هذه القضية ومثل هذا الموطن نعلم يقينًا حقائق الأفعال، ومعادن الرجال، وأصالة الأفكار، وحقيقة الادِّعاءات، ويُظهر الله ما كان مَخفيًّا لا يعلمه إلا هو، وما كان لها أن تظهر بقدرة الله لولا هذا الابتلاء وهذا التمحيص ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [الأنفال: 37]، لقد كانت القضية الفلسطينية، والحرب على أهلها، والهجوم الصهيوني على غزة - كاشفًا للمستوى الخُلُقي، للمستوى الفكري، للمستوى الإعلامي، للمستوى القِيَمِيّ، لقد كشفت عن الوجوه والأقنعة والأدوار والحقائق حول ذلك بلا ريب أو غبش.

 

وفي هذه القضية وهذه الحرب انكشف غطاء أذهل الجميع، وكشف لنا بإبهار حجم العمل الميداني والتربية الحقيقية الجهادية، المتمثلة في الإعداد والاعتماد الذاتي، والتربية النفسية والعقدية الصحيحة السليمة للمجاهدين والمقاومين بلا غُلوٍّ أو تكفير أو تناحر أو تصفية، وبتطور كبير واستفادة من العقول والعلم وأهله في جميع التخصُّصات، فأنتجت لنا قوة أوقفت العدو وأربكت الصهاينة ومن يدعمهم ومن هو معهم قلبًا أو قالبًا، وجعلت لنا المقاومة صورة حيَّة في إيقاظ النفوس المتعلِّقة بقوة غيرها وتمسُّكها بعجزها وضعفها، فرأى العالم ما تصنع وما تفعل، وأن هناك عملاً مُنظَّمًا في ظل ظروف صعبة عصيبة، حقَّقها أطفال الحجارة سابقًا، وأبطال الجهاد الآن، لقد بان جليًّا أن الأمة المقاومة الصامدة حتى وإن كانت جريحة وفي ضعف وخذلان من حولها لها، إلا إنها لا زالت منتجة تواجه بشراسة، وتستفيد وتتعلَّم من تجاربها وأخطائها، وتروي قضيَّتها وأرضها بدماء أبنائها، لم يتوقع أحد الذكاء المُذهِل، والتنظيم العجيب، والتخطيط المدروس العبقرِيّ للمجاهدين وأبطال المقاومة؛ فقد ظن كما صنع الغرب مجموعات همجية تقتل المسلمين باسم الإسلام، وتجعل العالم يظن أن المجاهدين مجموعة من الهمج القتلة، لقد كشف المجاهدون المقاومون في فلسطين رُقيَّهم وعبقريَّتهم، وأبانوا الوجه الحقيقي للجهاد والمقاومة، وإن كان في وجههم كل المعوقات، وكل ما يمكن أن يستخدمه العدوُّ في إسقاطهم، فكسبوا بإخلاصهم قضيَّتهم، وكسروا عدوَّهم باعتمادهم على خالقهم، لم يكن يَدُر في خلد إنسان ما أخرجه لنا رجال المقاومة وأبطال الجهاد من سلاسل متلاحقة من الأحداث المتفاجئة، ابتداءً من التصنيع والتسلح الذاتي، وانتهاءً بسحْق أسطورة الجيش الذي لا يُقهَر، لقد حطَّموا أساطير وتماثيل في النفوس، وأسقطوا نظريات وكلامًا كان عند بعضٍ عقيدة وانطباعًا، ولا زالوا وما يزالون يكشفون للعالم أجمع ما يمكن أن يفعلوا، وانتقلوا من مرحلة الضعف إلى القوة، ومن الدفاع إلى الهجوم، ومن التكتيك الانسحابي إلى المضاد، ومن طلب الهدنة إلى رفضها، فأي شيء أكبر من هذا كشَفه لنا أبطال الجهاد والمقاومة؟

 

لقد أخبرنا المجاهدون في غزة بفعلهم أن تفوَّقَهم ليس بالقتال وحده - وإن كان هو الأساس - بل كان بالعلم أيضًا، لقد أخبرونا وأخبروا العالم أجمع أنه لا عذر لأمة لا تصنع مجدَها بيدِها أو تُطوِّر علمًا ذاتيًّا، حتى وإن حوصرت أو قوطِعت أو حوربت أو استُخدم ضدها كل طريقة لأن تُوقفها أو تبيدها، قطعة صغيرة من أرض محتلة ودولة مضطهدة صَنعت ما لم تصنعه دول كثيرة، وبنت مالم يَبْنِ غيرها، لا عذر لقاعد بعد أن شاهد ما تصنع المقاومة في غزة.

 

رابعًا: لأنها المبتدأ.. والمنتهى:

وعلى تراب غزة يموت الصهاينة، وعلى أرض فلسطين ينكسر المحتل، وعلى أنقاضها تُبنى الحياة ويعود النور، وعلى ترابها يسير المجاهدون ويصعدون بأرواحهم إلى السماء.

 

منذ عصر صدر الإسلام وفلسطين هي محور القضيَّة، وفيها يتجدد عهد المسلمين وتتباين حولها قوتهم، فيها يتحدَّث بالخيانة من يبيعها، ويعلو ذكر من يعيد مجدَها، فابتداؤها قضيَّة قدسيَّة وعلامة إسلاميَّة، وانتهاؤها فصل بين الجيوش المسلمة والكافرة.

 

هي المبتدأ في ضمير كل مسلم، وفي عقيدة كل مجاهد، وفي نفس كل ثائر، وهي المنتهى يوم يستردها المسلمون لأرضهم بجيوشهم وعظمتهم.

 

هي المبتدأ فلا تظن أنها وليدة اليوم، أو نهاية حرب، أو سقوط بطل، هي قضية مُتجدِّدة، متجذِّرة، يعلو صوتها بين كل حين وآخر، وهي المنتهى لكل عدوٍّ ومنافق كان دونها، وحمل وزرها، وتنفَّس بالهجوم عليها، وحارب في سبيل خذلانها.

 

هي مبتدأ كل مسلم سار على درب عزته بكل قوة ومجد، وهي المنتهى لكل ظالم محتل ومستبد.

 

وفي كل ذرة تراب، وعلى كل وجه مجاهد، وبين تجاعيد وجه الزمان، هناك تتراءى لك معاني الابتداء والانتهاء.

 

وبعد:

ففلسطين لا تنتظر ولا تنظر إلى ضعفنا الذي نحاول أن نُخفيَه خلْف بيانات أو توقيعات أو تنديدات؛ فهي تعلم أن هذا ما يمكن أن نُقدِّمه مؤقَّتًا؛ لذا فقد تجاوزت هذه المرحلة، وتجاوزت مرحلة النظَر إلى الوقت الذي فيه الانتظار لمن يُسعفها من محنتِها، ويُنقذها من ضعفها، تجاوزت ذلك يوم أن رأت أن من حولها ومن تعدُّهم عونًا لها أصبحوا أداة طعن في الظهر والخاصرة، تجاوزت ذلك في مواجهة العدوِّ، واستلهمت في نضالها كلمات الخليفة الرشيد: "الجواب ما تراه لا ما تسمعه".

 

فلسطين أرادت أن تخبر العالم أجمع وليس المسلمين فقط أن العزَّة تبدأ من فلسطين، وأن الشجاعة تُصنَع هناك، وأن النَّصر من عند الله لعباده المجاهدين الصادقين، ولَينصرنَّ اللهُ مَن يَنصرُه، وإلى الله وجَّهنا أمرَنا، هو مولانا وعليه التكلان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فلسطين قضيّتنا

مختارات من الشبكة

  • أحكام الحركة التي ليست من جنس الصلاة(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • فلسطين المحتلة: فنزويلا تدعم فلسطين لتكون عضوا في الأمم المتحدة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فلسطين: فنزويلا أول دولة تلغي الفيزا لفلسطين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فلسطين المحتلة: سريلانكا تطالب دول العالم بالاعتراف بفلسطين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فلسطين: استطلاع رأي عالمي عن الاعتراف بـ"فلسطين" من BBC(مقالة - المسلمون في العالم)
  • فلسطين المحتلة: مفكرون إسرائيليون يدعون إلى الاعتراف بفلسطين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • خطيبتي ليست بيضاء(استشارة - الاستشارات)
  • اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بمزايا ليست لأحد من العالمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعايش، التسامح، عيد ميلاد سعيد: ليست كلمات بسيطة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإيجابية ليست أحلاما وردية(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب