محطات في رحلة البرازيل (9) - أين نحن؟!

محطات في رحلة البرازيل (9)

أين نحن؟!

تساؤلات تواردت لي في بلاد البرازيل، صغتُها في حوار بين شخصيتين من نسج الخيال، هما: سعيد ومحمود.

محمود: هل كل من حولنا الآن في النار ونحن في الجنة؟

ردَّ سعيد بسؤال مفاجئ: وما يُدريك أننا في الجنة أصلاً؟!

أطرق محمود قليلاً، ثم قال: نحن مسلمون، وديننا دين الحق.

سعيد: ما تقوله حق، لكن أليس في المسلمين المقصر والمذنِب؟! وقد وعد الله المذنب بالعقاب الدنيوي والأخروي، فمنهم مَن سيدخل الجنة برحمة الله تعالى وفضله عليه، ومنهم مَن سيُعاقَب على صنيعه، فلا يجب أن نحكم على الأحياء بجنة أو بنار.

محمود: أليس الكفار في النار؟!

سعيد: هذا ما قاله الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 64 - 68].

محمود متعجِّبًا: كيف يكونون في النار، وبعضهم لم تبلغه الرسالة؟!

سعيد: هناك أمران لا بد أن نعلمهما في هذه المسألة؛ أولهما: أن الله - عز وجل - عدلٌ في أفعاله وأقداره، فكل ما يأتي منه خير للعباد؛ لذا كان جوابه - سبحانه - على حجة الملائكة لخلق آدم؛ حيث قال سبحانه: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]، فهو العلام سبحانه، ونحن لا نعلم الغيب ولا المستقبل ولا مصاير الناس، فكل شيء تحت عِلمه وبأمره - سبحانه.

الأمر الثاني: أن الله قد أخبر بأنه لن يُعذِّب أحدًا مالم تقم الحجة عليه بقوله: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، وفي الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أربعة يمتحنون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هَرَم، ورجل مات في الفترة؛ أما الأصم فيقول: يا رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا، وأما الأحمق فيقول: يا رب قد جاء الإسلام والصبيان يَرمونني بالبعر، وأما الهَرَم فيقول: يا رب قد جاء الإسلام وما أَعقِل شيئًا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيُرسِل إليهم رسولاً: أن ادخلوا النار، فمَن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومَن لم يدخلها سحب إليها))[1].

وسكت سعيد برهة، ثم أردف يقول: محمود، هل لي أن أطرح عليك تساؤلاً آخر؟

محمود: تفضَّل، قل ما عندك.

سعيد: لِمَ لا نسأل أنفسنا: لماذا لم نُبلِّغ دين الله لمن لا يعرفه، بدلاً من أن نشغل عقولنا بشبهات عن أفعال الله - عز وجل - تُعيق أفعالنا؟! أليس فينا دعاة وعلماء، فأين هم من هؤلاء؟! كم خرَّجت الجامعات الإسلاميَّة في أقطار العالم الإسلامي من دعاة وشيوخ! كم أجازت حلقات العلماء من دعاة! وكم من تزكيةٍ في أعمال الدعوة حصل عليها الدعاة من العلماء المعتبرين! فأين هم هؤلاء؟!

لقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة))[2]، أين ذلك الهم الذي يؤرِّق المؤمن حتى يؤجِّج فيه رُوح البذل والعطاء والتبليغ؟! الهم الذي أخرج رجلاً من نعيم عيشه وكنف أسرته عندما استيقظت همَّته، فبذل نفسه ووقته وماله في أدغال إفريقيا وأحراشها، فكتب الله - عز وجل - الهداية للآلاف من الناس على يديه، واستمرَّ في دعوته حتى وافاه الأجل، وأخوف ما كان يخاف منه أن يصبح نِتاجه لقمة سائغة للروافض وأهل البدع والأهواء.

محمود: عرفته إنه الشيخ عبدالرحمن سميط، لقد شاهدت جزءًا من سيرته في أحد القنوات الإسلامية.

سعيد: هذا أنت، شاهدتُ فعرفت، أما الكثير من المسلمين، فلا يعرفونه، بينما يعرفون تفاصيل حياة الكثير من مشاهير الرياضة والفن والسياسة، كم نحن بحاجة ماسة لإبراز تلك القدوات المعاصِرة وهم كثر، إلا أن سِيرهم مغمورة في ذاكرة أصحابهم وذويهم، أو في صفحات كتاب مغمور.

أين نحن من هذه الأمة، بل قل هذه قارة التي يَسكُنها ما يَزيد عن 200 مليون نسمة في البرازيل فقط، ناهيك عن الدول المُجاوِرة لها، فمعظمهم لا يعرف عن الإسلام شيئًا.

محمود: صدقتَ، ابتعاد الدعاة والعلماء عن تبليغ ما تعلَّموه، جعل الساحة مُشرَعة لكل صاحب بدعة، أو مُتّبِع هوى، أو قليل عِلْم وتقوى، فتصدَّروا فضلُّوا وأضلوا.