صفحات منسية من تاريخ الإسلام في بقية مدن ولاية كمبانيا

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالية (16)

صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في بَقِيَّة مدن ولاية كمبانيا

لم يقتصر غزو المسلمين لذلك الإقليم على ما ذُكِر عند الحديث عن مدينة نابولي ذات الأهمية الكبرى فحسب، بل لقد غزا المسلمون مدنًا أخرى في إقليم كامبانيا، وكانت لهم فيها صَوَلات وجَوَلات.

فمن مدن إقليم كامبانيا التي غزاها المسلمون:

مدينة بينيفنتو:

وتقع هذه المدينة شمال مدينة نابلي؛ حيث ذكر الكتاني رحمه الله[1] أن المسلمين قد فتحوها سنة 842 م، وأن النصارى استرجعوها منهم سنة 852 م.

وذكر أرشيبالد لويس[2] أن سفن الأغالبة قَدَّمَتْ المساعدات لأهالي نابلي في صراعهم ضد أمير بنفنتم اللمباردي[3]، والذي كان يمثل عدوًا لهم على البَرِّ، ولعل تحالف حكومة صِقِلِّيَّة الإسلامية في عهد الأغالبة مع مدن ساحل إقليم كامبانيا - وعلى الأخص مدينة نابلي - كانت إحدى ثمرات هذه المساعدات.

وذكر أرشيبالد لويس[4] أيضًا أنه قام صراع بين رجلين متنافسين، يطالب كل منهما بالسيطرة على دوقية بنفنتم اللومبارديَّة، وأن أحدهما استعان بجنود مُرْتَزِقة من مُسْلِمي إفريقية، وصِقِلِّيَّة، وكان اسمه رادلكيس، على حين لجأ المُنافِس الآخر - واسمه سيكنولف - إلى الرد على ذلك بتأجير عدد من مُغامري إسبانيا المسلمين، ووصف أرشيبالد هؤلاء المرتزقة بأنهم لا يهمهم سوى الحصول على المَغانِم على حد تعبيره.

وبَغَضِّ النَّظر عن وصف أرشيبالد لهؤلاء الجنود، وما يُشْتَمُّ منه من نَزْعَة صليبية مُسْتَقاة من المَرْجِعِيَّة التاريخية الكَنَسِيَّة، ذات الغَزارة المَعْلوماتِيَّة لمُلْتَمِسِيِّ أحوال تلك الحِقْبة، التي يَتَعَذَّر على مُؤرخي الإسلام مَعْرَفة كثير من شِعابِها ودُرُوبِها؛ نَظَرًا لبُعْد الدِّيار، وقِصَر الاستقرار، وغَلَبة النَّزْعة الذَّاتِيَّة غير الدُّوَلِيَّة على جُهود القائمين بكثير مما وصفه المؤرخون الأوربيون المعاصرون بالمغامرات؛ فإنه مما لا شك فيه أن لُجوء كل طَرَف من الطَّرَفَيْن المذكورين آنفًا - رادلكيس وسيكنولف - إلى الاستعانة بجنود مسلمين في حَسْم نزاع قام في تلك البِقاع، لهو خير دليل على اتِّسام الجنود المسلمين - سواء كانوا من صقلية وشمال إفريقية كالذين استعان بهم الأول أو من الأندلس كالذين استعان بهم الثاني - من مَنْظور أمراء تلك البلاد وعَسْكَرِيِّيهم بالصفات العَسْكَرِيَّة المطلوبة، والتي تجعل منهم قوة ضاربة يُلْجأ إليها عند الحاجة، ويُفْزَع للاستعانة بها عند المُلِمَّات، وفقًا لرؤية بعض الأمراء والقادة العسكريين في تلك البلاد، فَضلًا عمَّا يُظْهِرُه ذلك الخبر من سهولة انتقالهم بين أرجاء تلك البلاد، بل ما يتَرَشَّح منه من كثرة تحركاتهم في بين هاتيك الأنحاء، مِمَّا أذاع في الجُنْدِيَّة صِيْتَهم، وأشاع في عُقْر ديار الرُّومان ذِكْرَهم.

ثم بَيَّن أرشيبالد أن عددًا من مُرْتَزِقة رادلكيس قد استولوا على مدينة باري، والأراضي المحيطة بها سنة 841م، وتَكَوَّنَت لهم دولة إسلامية، استمرت ما يزيد على الثلاثين عامًا، وقد سبق الحديث عن ذلك عند بيان الغزوات الإسلامية لمدينة باري.

وقد عاود المسلمون غَزْوَهم لتلك المدينة بعد ما يُقارِب القرن ونصف القرن من هجومهم الأول؛ فقد ذكر أرشيبالد[5] أن المسلمين نهبوا بنفنتم عام 1002 م.

مدينة ساليرنو:

إحدى مدن إقليم كامبانيا، وتقع شرق مدينة نابولي، ولها خليج يُسَمَّى باسمها (خليج ساليرنو) مفتوح على البحر التيراني.[6]

وقد كان للمسلمين مراكز، وقواعد في خليج ساليرنو في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي[7]، مما اضطر حينها سرجيوس دوق نابلي إلى عَقْد حِلْف مع المدن البحرية المجاورة، وهي: أمالفي، وجايتا، وسرنتو، واشتركت هذه المدن الثلاث في تكوين أسطول هزم المسلمين في البحر، وأَجْبَرَهم على التَّخَلِّي عن مراكزهم في جزيرة بونزا قرب نابولي، وفي ليكوزيا إحدى رؤوس خليج ساليرنو، وكان ذلك في العقد الخامس من القرن التاسع الميلادي، في الفترة ما بين عامي 841 إلى 846 م[8].

كما أغار المسلمون خلال عامي 868، 872 م عِدَّة غارات على مدينتي جايتا، وساليرنو، لكنها لم تُسْفِر عن فتح لهما.[9]

ثم عاود المسلمون غزو ساليرنو بعد ذلك التاريخ بما يزيد على القَرْن ونصف القَرْن؛ فقد هاجموها عام 1017 م، وشارك النورمان في الدفاع عنها، وكان بداية ظهورهم على مسرح الأحداث هناك في العام السابق لذلك الهجوم.[10]

ويذكر الكتاني[11] رحمه الله أن العُبَيْدِيِّين هاجموا ساليرنو عام 1015م.

وإنما كان يقوم بالغزو في إيطاليا في تلك الفترة الولاة الكَلْبِيِّون على صِقِلِّيَّة، التابعين للدولة العبيدية تَبَعِيَّة سياسية، مع ما كانوا يتمتعون به من سيطرة كاملة على شؤون الجزيرة، وقَدْر كبير من الاستقلالية السِّيادِيَّة عليها.

مدينة جايتا:

مَرَّ منذ قليل عند الحديث على مدينة ساليرنو غزو المسلمين لجايتا، وساليرنو خلال عامي 868، 872 م عِدَّة غارات.[12]

وذكر الكتاني رحمه الله تعالى[13] أن الأغالبة هاجموها فيما بين سنتي 856 م، 860 م.

مدينة أمالفي:

هي مدينة تقع إلى الغرب من ساليرنو، وتُطِلُّ على ساحل البحر التيراني أيضًا، ووقع في كلام ياقوت[14] أن ملف - وهي أمالفي - من مدن قِلَّوْرِيَة، وهو خطأ، والظاهر مما أورده الإدريسي عنها في نزهة المشتاق[15] أنها لا يَعُدُّها من قِلَّوْرِيَة، وقد ذكر أن هناك مدينة ملف بَرِّيَّة، وأخرى ساحلية.

وذكر الكتاني رحمه الله[16] أن الأغالبة المسلمين هاجموها بين سنتي 856، 860 م.

وقد كانت أمالفي إحدى المدن التي شكلت حلفا بحريًا مع نابلي، وجايتا، وسرنتو لمحاربة المسلمين في العِقْد الخامس من القرن التاسع الميلادي.[17]

الخريطة رقم (4) عن كتاب أطلس تاريخ الإسلام ص280.