مشاريع حفر الآبار في إقليم كردستان العراق

مشاريع حفر الآبار في إقليم كردستان العراق

في عِقد التسعينيات باتت قضية المياه من القضايا الساخنة في منطقتنا العربية، وأخذت تداعيات هذه القضية أبعادًا أكبر في العراق؛ بسبب ظروف الحصار الاقتصادي الذي تجاوز مداه عقدًا من الزمن، ومن هنا جاءت الحاجة المُلِحَّة إلى استثمار المياه الجوفية؛ لسد النقص المائي الكبير الذي تعانيه مختلف مناطق العراق، وفي كردستان العراق - حيث تعمل المنظَّمات الإسلامية الإغاثية - أخذت الندوة العالمية للشباب الإسلامي على عاتقها هذه القضية على محمل الجد من خلال مكتب كردستان العراق، فأقامت الكثير من مشاريع حفر الآبار في المناطق النائية، وفي القرى الجبلية البعيدة وفي المدن الكبيرة، فرَوَت عطش عشرات الآلاف من الناس بأموال الخيِّرين والمحسنين.

ومن المدن المحتاجة جدًّا إلى الماء في الإقليم مدينة أربيل العاصمة، والتي تعاني من أزمة حادَّة ونقص كبير في المياه، خصوصًا خلال فترة فصل الصيف؛ حيث يضطرُّ الناس إلى شراء المياه أحيانًا، والتي قد يكون بعضها غير صالح للشرب وغير مطابق للمواصفات الصحية، لقد أسهمت مشاريع الندوة هذا العام في حلِّ الأزمة، فأنجزت الندوة حفر سبع آبار هذا العام في الوقت الذي يتمُّ فيه إنجاز بئرين أخريين في الوقت الحاضر، وتعود الأزمة في هذه المحافظة إلى عِدَّة أسباب، أهمها:

1- التزايد الكبير في عدد السكَّان خلال فترة الثمانينيات في أعقاب العمليات العسكرية التي جرت على المناطق الكردية، والتي سميت بـ"عمليات الأنفال" حين دمرت (4500) قرية، ونجا مَن نجا من سكان هذه المناطق إلى المدن الكردية الكبرى، هذا النزوح غير المنتظم أدَّى إلى زيادة غير محسوبة في عدد السكان، وإلى نشوء أحياء جديدة في أطراف المدينة خالية من أيِّ نوع من أنواع الخدمات، وهذا أثَّر على المدينة من حيث الخدمات العامة، وأدَّى إلى نشوء أزمة مياه الشرب.

2- قدم شبكات المياه الموجودة في المدينة، فهي تعود إلى الستينيات من القرن الماضي، حين كان عدد السكان لا يتجاوز (150) ألف نسمة، ولا زالت هذه الشبكة نفسها تعمل إلى الآن، على الرغم من أن عدد السكان تجاوز مليون نسمة.

3- ظروف الحصار الاقتصادي أدَّت إلى نقصٍ هائل في المعدَّات والمضخَّات وشبكات المياه.

4- المدينة لا تقع على أيِّ نهر من الأنهار أو البحيرات.

ومن فضل الله - سبحانه وتعالى - على هذه المدينة: وقوعها على بحيرة كبيرة من المياه الجوفية، وهذه المياه تحتاج إلى إمكانات فنية ومادية كبيرة لاستخراجها من باطن الأرض، ومع تواضع إمكانات حكومة الإقليم، خصوصًا في الفترة التي سبقت مشروع ما يُعْرَف بالنفط مقابل الغذاء والدواء - لم يكن من مدِّ يد العون التي تعين هذه المدينة على الخروج من أزمتها، وهو ما حصل فعلاً؛ حيث أنجز مكتب كردستان العراق للندوة العالمية للشباب الإسلامي العشرات من هذه الآبار خلال السنوات الماضية، وخلال زيارتي لمكتب الندوة في العاصمة أربيل اطَّلعت على مراحل إنجاز أحد هذه المشاريع، فقد تسلَّم المكتب مبلغ (12133) دولارًا؛ لحفر بئر في المنطقة دفعته المتبرعة "فاطمة سليمان حموده"، وهذا المبلغ كافٍ لإنجاز حفر بئر عادية حسب أسعار المنطقة، لكن مكتب الندوة استثمر هذا المبلغ وأنجز به ثلاث آبار ارتوازية في ثلاث مناطق في المدينة، تعتبر من أشدِّ المناطق احتياجًا إلى الماء، وذلك من خلال استثمار العلاقات الجيدة مع حكومة الإقليم، والحصول على بعض التسهيلات من معدَّات وأدوات الحفر المتوفرة في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء، عمق كل واحدة من هذه الآبار أكثر من (200م)، وقطره (8) بوصات، ويبلغ إنتاجه حوالي (140) غالونًا في الدقيقة، حسب ما أفادني به الخبير المشرف على المشروع، تم ربط هذه الآبار بشبكة مياه كل منطقة، وتمَّ نصب مضخة على كل بئر مع مُوَلِّد للكهرباء؛ نظرًا لعدم توفر التيار الكهربائي، وقد استطلعت ردود أفعال الناس الساكنين في هذه المناطق خلال جولتي، فوجدت الكثير من الشكر والثناء والدعاء لهذا المشروع الذي ساعد على حلِّ أزماتهم مع الماء، وقد سألت مستطرفًا الأخ المهندس شيروان أسعد مدير المكتب الذي رافقني خلال جولتي على المشروع، وقلت: لماذا لم تكتفوا ببناء بئر واحدة وتوفروا المبلغ المتبقي لمشاريع المكتب الأخرى؟ فقال: يبقى هدفنا - أولاً وأخيرًا - خدمة بلدنا الذي يعاني - كما لاحظت - من أزمة شديدة في مياه الشرب، ثم إن للمتبرع الحق علينا في زيادة وتعظيم أجره وثوابه عند الله - سبحانه وتعالى - وهو الهدف الذي دفعه إلى إرسال تبرُّعه من مسافات بعيدة إلى بلدنا هذا.

كانت هذه الإجابة كافية وشافية، وتعكس مدى الارتباط القائم بين المتبرِّع والمتبرَّع له، على الرغم من بُعْد المسافات، واختلاف البلدان والألسن والأعراق، فالجامع الوحيد الذي يربط أبناء الأمة الواحدة هو الإسلام، وكفى به جامعًا ورابطًا.