الوقف في العالم الإسلامي

الوقف في العالم الإسلامي

رغم أهمِّيَّة الوقف، ودوره المشهود في مساندة الحضارة الإسلاميَّة في وقت ازدهارها إلَّا أنَّ واقعه المعاصر في جميع الدُّول الإسلاميَّة يُشير إلى أنَّه يعاني من ضعف شديد، وتراجع دوره في حياة المسلمين، ويمكن رصد أهمِّ ملامح هذا الواقع في الآتي:[1]

أ- التَّدَخُّلُ الحُكُومِيُّ[2]: ويتمثَّل هذا التَّدخُّل في نواحي عدَّة منها:

1. استيلاء الحكومة على أموال الوقف.

2. الإدارة الحكوميَّة للوقف.

3. فرض ضرائب ورسوم على بعض عمليَّات الوقف في بعض الدُّول.

ب- قَوَانِينُ الوَقْفِ [3]:

لقد صدرت عدَّة قوانين في بعض الدُّول؛ لتنظيم العمل بالوقف، إلَّا أنَّ الكثير منها يخالف طبيعة الوقف بصفته عملًا أهليًّا، وعملت على تشديد يَدِ الحكومة على الوقف، وصعَّبت على المسلمين إجراءات إنشاء أوقاف جديدة، كما أنَّ بعض الدُّول الإسلاميَّة لا يوجد فيها قوانين للوقف تنظِّم العمل بها.

جـ- تَوَقُّفُ إِنْشَاءِ أَوْقَافٍ جَدِيدَةٍ:

فالمُلَاحَظ أنَّ النِّسبة الغالبة من الأوقاف القائمة هي من تراث الأجداد، ويقلُّ إِنْ لَمْ يندر إقبال المسلمين على إنشاء أوقاف جديدة كنتيجة لما يرونه من تولِّي الحكومة شؤون الوقف، واعتقاد الكثير منهم أنَّ الوقف نشاطٌ حكوميٌّ على خلاف طبيعته بصفته نشاطًا أهليًّا [4].

د- ضَآلَةُ العَائِدِ مِنَ الاسْتِثْمَارَاتِ الوَقْفِيَّةِ:

وهذا جاء نتيجة للإدارة الحكوميَّة الَّتي ثبت فشلها في إدارة شركات القطاع العام، ومع ذلك بقيت تدير مشروعات الأوقاف الَّتي تقدر بعشرات المليارات من الجنيهات [5].

هـ- ضَيَاعُ بَعْضِ أَعْيَانِ الوَقْفِ:

لاعتداء الغير عليها بالتَّواطؤ مع ذوى النُّفوس الضَّعيفة من موظَّفي الأوقاف على مدى سنوات طويلة، هذا فضلًا عن عدم وجود حصر دقيق لها، وضياع وتلف بعض حجج الوقف، وكذا بعض أساليب الإدارة والاستثمار مثل أسلوب الحكر الَّذي ساهم في ضياع الكثير من أموال الأوقاف، وكذا نظام الاستبدال، وإلى جانب ذلك تخريب أعيان بعض عقارات الأوقاف، ولم تعد تدر عائدًا.

و- نَقْصُ الإِفْصَاحِ وَالشَّفَافِيَةِ:

بنشر المعلومات عن إدارة مال الوقف، والتَّصرُّف في الإيرادات القائمة بما يقلِّل من رغبة المواطنين بإنشاء أوقاف جديدة، وبما يضعف الرِّقابة الشَّعبيَّة على إدارة الوقف وأمواله.

ح- نَقْصُ الوَعْيِ لَدَى المُسْلِمِينَ بِأَهَمِّيَّةِ الوَقْفِ، وَمَدَى الحَاجَةِ إِلَيْهِ:

في الوقت المعاصر من خلال الدُّعاة، وعلماء الدِّين، أو من خلال وسائل الإعلام المختلفة (الجرائد- الإذاعة- التِّليفزيون- الإنترنت).

ط- الانْفِصَالُ بَيْنَ الوَقْفِ، وَالجَمْعِيَّاتِ، وَالمُؤَسَّسَاتِ الخَيْرِيَّةِ:

فمن المعروف أنَّ الوقف نشأ من الأصل؛ لمساندة مؤسَّسة تعليميَّة، أو صحِّيَّة، أو اجتماعيَّة على القيام بدورها، ولكن منذ بداية القرن العشرين الميلادي، وحتَّى منتصفه حينما وضعت الحكومات يدها على الأوقاف؛ انفصلت العلاقة بين الوقف، وهذه المؤسَّسات رغم أهمِّيَّة أَنْ يَتِمَّ الوقف على أغراض المؤسَّسات الأهليَّة الَّتي تتولَّى إدارته استثمارًا، أو صرفًا لعوائده فهي باتِّصالها المباشر بالمواطنين في مواقعها، وتخصص كل منها في مجال خير محدَّد أقدر على تولِّي إدارة الوقف، وحسن صرف غلته [6].

ومن الإنصاف الإشارة إلى أنَّه بدأت بوادر، وَإِنْ كَانَتْ قليلة في بعض الدُّول لمحاولة تلافي ما سبق من أسبابٍ أدَّت إلى ضعف الوقف الإسلاميِّ بهذه الصُّورة، وتحاول إحياء الوقف، ودوره، ومن هذه البوادر ما يلى [7]:

1- تجربة إنشاء الصَّناديق الوقفيَّة في بعض الدُّول مثل: الكُوَيْت، والسُّعوديَّة، وقطر، والإمارات.

2- تجربة الأسهم الوقفيَّة كأداة لتجميع الأموال لإنشاء أوقاف جديدة في بعض الدُّول مثل سلطنة عمان، وقطر، والكويت، والإمارات.

3- وجود عدَّة مؤسَّسات خيريَّة مانحة للأفراد، والمؤسَّسات الأخرى، تقوم على وقف من بعض رجال الخير مثل مؤسَّسة الأمير سلطان بن عبد العزيز بالسُّعوديَّة، ومؤسَّسة الشَّيخ زايد بن سلطان بالإمارات، ومؤسَّسة عبد الحميد شومان بالأردن، ومؤسَّسة اقرأ الخيريَّة الَّتي أنشأتها مجموعة دلَّة البركة.

4- إنشاء الهيئة العالميَّة للأوقاف بالبنك الإسلاميِّ للتَّنمية بجدَّة.

5- إنشاء الأمانة العامَّة للأوقاف بالكويت.