مقروءات العلامة السيوطي على العلامة ابن فهد المكي بمنى والمسجد الحرام

مقروءات العلامة السيوطي على العلامة ابن فهد المكي

بمنى والمسجد الحرام

الحمد لله الذي بتوحيده ننال غايات المُنَى، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي كمله الله ظاهرا وباطنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما طاف طائف بالبيت وأقام حاجٌّ بمِنَى، وبعد:

فإن الحج نعمة عظيمة من نعم الله تعالى، وقد قال جل وعلا في شأن حجاج بيته الحرام: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ... ﴾ الآية [الحج: 27، 28].

والمنافع هنا تشمل: المنافع الدينية والدنيوية، ومن أجل المنافع الدينية في الحج: لقاء العلماء الأكابر، والتعرف على الأعلام ذوي المفاخر والمآثر، وما زال الحج ولا يزال الوُصلة العظيمة بين علماء المشرق والمغرب، والوسيلة الكريمة للقاء بين مَن تناءت بهم الديار، وتباعدت بينهم الصحاري والقفار، من أهل العلم الكبار.

لهذا وغيره، فقد حرص فيه الموفقون من أهل العلم وطلبته على اغتنام أيامه ولياليه، في تلقي العلم عن أهله وذويه، من كل مفسر أو محدث أو فقيه، أو أديب وشاعر نبيه، وتبادل المعارف والخبرات، وتلاقح الأفكار والثقافات، وتبادل المؤلفات والتصنيفات، والاستجازة بالأسانيد العليّات، والمرويات الرفيعات.

وكان ممن ضَرب في ذلك بسهم مصيب، وكان له منه أوفر حظ ونصيب:

العلامة جلال الدين السيوطي - رحمه الله وطيب ثراه -، فقد يسر الله تعالى له الحج، وهو في ريعان شبابه وزهرة عمره، واغتنم مكوثه بالبلد الحرام متعلماً ومعلماً ومؤلفاً.

فأحببت في هذا المقال أن ألقي الضوء على جانب من جوانب نشاطه العلمي ومسيرته العلمية بالبلد الحرام، ليكون مثالاً يُحتذى.

وخصصت هذا المقال لبيان مقروءاته على شيخه العلامة ابن فهد المكي أثناء تواجده بمنى في المناسك، والتي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، ومن أعظم الذكر: الاشتغال بالعلم كتابا وسنةً وما يتعلق بهما قراءةً وسماعًا ومدارسة، وإن الواحد ليأسف الأسف الشديد لما يراه من حال بعض طلبة العلم في تضييع هذه اللحظات الشريفة سدى وإذهابها هباءً مع توافر العلماء الكبار، من جميع الأقطار، الذين قد لا يتسنى له لقاؤهم فيما بعد لأسباب عديدة:

إما لموت العالم لكبر سِنه

أو بُعد دياره

أو مشقة تكاليف السفر

أو انشغال الطالب نفسِه

أو إذا ارتحل إلى الشيخ في موطنه لا يكاد ينتفع به لانشغال الشيخ عنه بأمور كثيرة...

أو نكبة بلد العالم بحربٍ أو فتنٍ، يتعرض فيها زائرها للأخطار

... إلى غير ذلك من الأسباب، والموفق من وفقه الله، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، وما توفيقي إلا بالله، وحسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب

إذا لم يكن عون من الله للفتى ♦♦♦ فأول ما يجني عليه اجتهادهُ

فصل

ذكر نبذة من ترجمة العلامة ابن فهد المقروء عليه

ترجم له تلميذه العلامة السيوطي في (نظم العقيان في أعيان الأعيان)[1] فقال:

185 - ابْن فَهد الْمَكِّيّ، الْحَافِظ تَقِيّ الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد

مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله بن فَهد بن سعد بن هَاشم بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن الْقَاسِم بن عبد الله بن جَعْفَر بن عبد الله بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ الْهَاشِمِي الْعلوِي الْمَكِّيّ، شَيخنَا الْحَافِظ تَقِيّ الدّين أَبُو الْفضل بن نجم الدّين أبي نصر بن أبي الْخَيْر، هَكَذَا كتب لي نسبته بِخَطِّهِ، والحافظ نجم الدّين عمر، وَرَأَيْت البقاعي توقف فِيهِ فِي (مُعْجَمه) من حَيْثُ بَينه وَبَين عَليّ بن أبي طَالب تِسْعَة عشر رجلا. قَالَ:

وَمن الْقَاعِدَة الَّتِي سَمعتهَا من حَافظ الْعَصْر ابْن حجر، ونقلها عَن قَاضِي الْقُضَاة ابن خلدون فِي امتحان الْأَنْسَاب:

أَنه يَجْعَل لكل مئة سنة ثَلَاثَة رجال، وَأَنه امتحن بهَا أنساباً كَثِيرَة من ذَوي الْأَنْسَاب الثَّابِتَة فَلم تخرم، وَأما غَيرهم فَلَا تكَاد تصح فيهم.

قَالَ البقاعي:

ثمَّ لما دخلت مَكَّة أخْبرت أَن انتسابهم أَولا كَانَ إِلَى عتبَة بن أبي لَهب، ثمَّ أخرجُوا هَذَا النّسَب، فَالله تَعَالَى أعلم. انْتَهى. ولد سنة سبع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة. انتهى.

وترجمه رحمه الله في معجم شيوخه (المنجم)[2]فقال:

محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن فهد بن حسن بن محمد بن عبد الله بن سعد بن هاشم بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن القاسم بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن الحنفية، وهو ابن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي المكي الشافعي، الحافظ تقي الدين أبو الفضل بن نجم الدين أبي النصر بن جمال الدين أبي الخير ابن القاضي جمال الدين أبي عبد الله، و لد بأصفون من صعيد مصر يوم الثلاثاء خامس ربيع الآخر، سنة سبع وثمانين وسبعمائة،

وسمع من البرهان الأبناسي:

الموطأ رواية يحيى بن يحيى بأفوات، وطلب الحديث بنفسه في سنة أربع وثمانمائة، وعني به.

فسمع من البرهان بن صديق:

الصحيحين والسنن الصغرى للنسائي بفوتٍ وسنن ابن ماجه ومسندي عبد والدارمي وغيرهما،

ومن المراغي:

الصحيحين وسنن أبي داود وجامع الترمذي ومسند الشافعي وصحيح ابن حبان، ومن الشريف عبد الرحمن الفاسي:

صحيح البخاري بفوت في أوله وسنن أبي داود وجامع الترمذي والموطأ رواية يحيى بن يحيى والشفا،

ومن أبي الطيب السحولي والبدر محمد بن عبد الله البهنسي:

الشفا،

ومن علي بن إبراهيم الحريري:

صحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن ابن ماجه والذرية الطاهرة للدولابي[3]،

ومن أحمد بن محمد بن مثبت:

المسلسل بالأولية وجزء البطاقة وجزء ابن عرفة ونسخة إبراهيم بن سعد وأمالي الخلال العشرة،

ومن عبد الرحمن بن محمد الزبيري وعبد الرحمن بن حيدر الدهقلي وأبي هريرة بن النقاش والجمال العرياني وأبي حامد المطري وزين الدين الطبري وجمال الدين بن ظهيرة وابن عمه أبي الفضل وشمس الدين الكناني وخلق، ودخل اليمن، فسمع بها من القاضي مجد الدين الشيرازي صاحب القاموس:

المسلسل بالأولية وأحاديث مشيخته تخريج الجمال المراكشي، وألبسه خرقة التصوف[4]،

ومن موفق الدين الأزرق:

بعض شرحه للتنبيه،

ومن الحافظ نفيس الدين العلوي والحافظ جمال الدين بن الخياط وموفق الدين علي بن أحمد بن سالم والجمال محمد بن إبراهيم المرشدي وغيرهم،

وأجاز له الحافظ زين الدين العراقي والحافظ أبو الحسن الهيثمي والكمال الدميري ومحمد بن الحسن الفرسيسي وأحمد بن عمر بن أبي البدر الجوهري وعبد الكريم بن محمد الحلبي وبدر الدين بن أبي البقاء السبكي وأحمد بن محمد بن عبد الغالب الماكسيني وخلق يجمعهم "معجمه"،

وتخرج في علم الحديث بالحافظين: الجمال بن ظهيرة والغرس خليل الأقفهسي، وأجازه ابن الجزري بالإفتاء فيه، وألف وخرج وأفاد.

مات في ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وثمانمائة . انتهى

فصل

مقروءات العلامة السيوطي على شيخه التقي ابن فهد-رحمهما الله-في منى والمسجد الحرام:

من مقروءاته عليه بمنى:

بعض الموطأ رواية يحيى بن يحيى[5]

بعض دلائل النبوة للبيهقي[6]

بعض مسند الحميدي[7]

بعض الذرية الطاهرة لأبي بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي[8]

بعض مسند الإمام أبي حنيفة للحسين بن محمد بن خسرو البلخي

بعض الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي

ومن مقروءاته عليه بالمسجد الحرام:

قال رحمه الله في (جياد المسلسلات)[9]:

الحديث الخامس عشر، مسلسل بالتحديث في يوم العيدين:

أخبرني الحافظ تقي الدين أبو الفضل محمد بن محمد بن فهد الهاشمي، سماعا عليه بالمسجد الحرام في يوم عيد الفطر، بين الصلاة والخطبة...إلخ

هذا ما تيسر إعداده، وسهل إيراده، في هذه المقالة، على عجالة.

♦ ♦ ♦ ♦

وفي الختام نسأل الله تعالى التوفيق على الدوام، ومرافقة خير الأنام صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في دار السلام

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.