• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | محاضرات وأنشطة دعوية   أخبار   تقارير وحوارات   مقالات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 ...
    محمود مصطفى الحاج
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب / مواعظ وآداب
علامة باركود

استقبال رمضان

د. علاء شعبان الزعفراني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/6/2015 ميلادي - 27/8/1436 هجري

الزيارات: 11979

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

استقبال رمضان


أحد عشر شهرًا جرَت بسرعةٍ عجيبة، وها نحن نستقبلُ شَهْرَنا العظيم.. شهر رمضان الَّذي أُنزل فيه القرآن، شهر التَّوبة والذِّكر.. وشهر العِتق من النيران، فكم من شخصٍ أمَّل أن يصوم هذا الشهرَ فخانه أملُه فصار إلى ظُلمة القَبر!

 

قال تعالى: ﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾ [المؤمنون: 112، 113]؛ أي: إنَّما كان لُبثكم فيها قليلاً لو كنتُم تعلمون لآثرتُم الباقي على الفاني، ولكن تصرَّفتُم فأسَأْتُم التَّصرُّف، قدَّمتُم الحاضرَ الفاني على الدَّائم الباقي[1].

 

هكذا تُطوى الليالي والأيام، وتنقضي الشهورُ والأعوام، والعاقلُ اللَّبيب هو من يفكِّر في تلك الأيام التي عاشها، والليالي التي قضاها، نعم هي ماضٍ ترَكَه خلفَه لن يعود له مرةً أخرى، لكن تسجَّل عليه، قال تعالى: ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29].

 

وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يبشِّر أصحابَه بقدوم رمضان ويبيِّن لهم فضائلَه؛ ليحثهم على الاجتهاد في العمل الصالح، فعن أبي هريرة قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُبشِّرُ أصحابه: ((قد جاءَكم رمضانُ، شهرٌ مُباركٌ، افترض الله عليكم صيامَه، تُفتَّح فيه أبوابُ الجنَّة، وتُغلق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغلُّ فيه الشياطينُ، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِم خيرَها فقد حُرم))[2].

 

فحريٌّ بنا أن نحسن استقبال هذا الوافد الكريم، قبل أن يودِّعنا ويرتحل عنَّا، ويكون حجَّة علينا يومَ الدين، فالمحروم من حَرَم نفسَه فقصَّر في طاعة ربِّه في هذا الشهر المبارك.

 

قال ابن رجب الحنبلي: "الحذرَ الحذر من المعاصي؛ فكم سَلَبَت من نِعَم، وكم جَلبَت من نِقَم، وكم خربَت من ديار، وكم أخلَت ديارًا من أهلها، فما بقي منهم ديَّار، كم أخذَت من العصاة بالثار، كم محت لهم من آثار.

 

يا صاحبَ الذنب لا تأمَنْ عواقِبَه
عواقب الذَّنب تُخشى وهْي تنتظر
فكل نفسٍ ستُجزى بالذي كسَبت
وليس للخلق من ديَّانهم وَزَر

 

أين حال هؤلاء مِن قومٍ كان دهرهم كله رمضان؟ ليلهم قيام، ونهارهم صيام.

 

فكما قال ابن رجب رحمه الله؛ علينا أن نحذَر من الذنوب التي قد تبعدنا عن ربِّنا، وأن نتأمَّل قولَه تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27].

 

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ [النساء: 27]؛ أي: توبة تلمُّ شعثَكم، وتجمع متفرِّقَكم، وتقرِّب بعيدكم.

 

﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ ﴾ [النساء: 27]؛ أي: يميلون معها حيث مالَت، ويقدِّمونها على ما فيه رضا محبوبهم، ويعبدون أهواءهم، من أَصناف الكفَرَة والعاصين المقدِّمين لأهوائهم على طاعة ربهم، فهؤلاء يريدون ﴿ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27]؛ أي: أن تنحرفوا عن الصِّراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين.

 

يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرَّحمن إلى طاعة الشَّيطان، وعن التزام حدودِ مَن السَّعادةُ كلُّها في امتثال أوامره، إلى مَنِ الشقاوةُ كلُّها في اتِّباعه، فإذا عرفتم أنَّ الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفَلاحكم وسعادتكم، وأنَّ هؤلاء المتَّبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشَّقاء، فاختاروا لأنفسكم أَوْلى الداعيين، وتخيَّروا أحسن الطريقتَين[3].

 

• باع قومٌ من السَّلَف جاريةً، فلما قرب شهر رمضان رأَتهم يتأهَّبون له ويستعدُّون بالأطعمة وغيرها، فسألَتْهم، فقالوا: نتهيَّأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلاَّ رمضان؟! لقد كنتُ عند قوم كلُّ زمانهم رمضان، رُدُّوني عليهم.

 

• باع الحسَن بن صالح جاريةً له، فلما انتصف الليل قامَت فنادتهم: يا أهل الدار، الصلاةَ الصلاة، قالوا: أطلع الفجر؟ قالت: وأنتم لا تصلُّون إلاَّ المكتوبة؟! ثم جاءت الحسن، فقالت: بِعْتَني على قوم سوء لا يصلُّون إلا المكتوبة، رُدَّني، ردَّني[4].

 

تأمَّل إن كان مثل هذه الجارية في بيوتنا، أيمكن أن تقول: بِعْتني إلى قوم لا يصلُّون حتى المكتوبة؟! ثمَّ ننتظر نصرَ الله وتمكينه لأمَّتنا!

 

فرمضان حياة الرُّوح، وإن كانت البطون خاوية، والشفاه يابسة، فالحياة حياة الرُّوح حياة القلب، حياة الانتصار على النَّفس، ومن انتصر على نفسه انتصرَ على الأعداء؛ لهذا احتجنا لهذه الوَقفات.

 

أولاً: التوبة الصادقة:

معنى التوبة: هي الرجوعُ إلى الله والإنابةُ إليه مِن فعلِ المحرَّم والإثم، أو مِن ترك واجبٍ أو تقصير فيه، بصدقِ قلبٍ ونَدمٍ على ما كان.

 

والتوبة النَّصوحُ يحفَظ الله بها الأعمالَ الصَّالحة التي فعَلَها العبد، ويكفِّر الله تبارك وتعالى بها المعاصيَ التي وقعَت، ويدفعُ الله بها العقوباتِ النَّازلةَ والآتيَة، قال تعالى: ﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [يونس: 98].

 

والتوبةُ واجبَة على كلِّ أحدٍ مِن المسلمين، فالواقعُ في كبيرة تجِب عليه التَّوبة لئلاَّ يبغتَه الموتُ وهو على معصية، فيندم حين لا ينفع الندَم؛ فإن للذَّنب كَسرة خاصَّة تحصل في القلب لا يشبهها شيء، ولا تكون لغير المذنِب، تكسر القلبَ بين يدي الربِّ كسرة تامَّة، قد أحاطت به من جميع جهاته وألقَته بين يدَي ربِّه طريحًا ذليلاً خاشعًا.

 

فمَن لم يجد ذلك في قلبه، فليتَّهم توبتَه وليرجِع إلى تصحيحها، فما أصعب التوبة النصوح بالقلب، وما أسهلها باللِّسان والدعوى، وإذا تكرَّر الذنبُ من العبد فليكرِّر التوبةَ، فمتى ضعفنا أو قصَّرنا فلنعد إليه تبارك وتعالى، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].

 

لما كان العبد لا بدَّ أن يغفل وينال منه الشيطانُ، الذي لا يزال مرابطًا ينتظر غرَّته وغفلَته، ذكر تعالى علامةَ المتقين من الغاوين، وأن المتَّقي إذا أحسَّ بذنب، ومسَّه طائفٌ من الشيطان، فأذنب بفعل محرَّم أو ترك واجِب، تذكَّر من أيِّ بابٍ أُتِيَ، ومن أيِّ مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكَّر ما أوجب الله عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصَر واستغفَر اللهَ تعالى، واستدرك ما فَرَط منه بالتوبةِ النصوح والحسنات الكثيرة، فردَّ شيطانَه خاسئًا حسيرًا، قد أفسد عليه كلَّ ما أدركه منه.

 

وأمَّا إخوان الشياطين وأولياؤهم، فإنَّهم إذا وقعوا في الذنوب، لا يزالون يمدُّونهم في الغيِّ ذنبًا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء؛ لأنَّها طمعَت فيهم حين رأَتهم سلِسِي القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشرِّ[5].

 

ثانيًا: العزيمة على مضاعفة الجهد:

أقفُ مع نموذج واحد من مضاعفة الجهد، ألَا وهو "العطاء"؛ لأهميته خاصة في هذه الأيام، عن أبي هريرة: أنَّ رجُلاً شكا إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم قسوةَ قَلْبه، فقال له: ((إن أردتَ أن يلين قلبُك، فأطعِم المسكينَ، وامسح رأسَ اليتيم))[6].

 

هكذا نحيا رمضان، فهو مدرسةٌ تستثير الشفقَة، وتحض على الصدقة، وهو شهر يُعلِّمنا الجودَ والإحسان، ليس فقط في رمضان؛ بل واللهِ على الدوام؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾ [البقرة: 272].

 

قال الشعبي: "من لم يرَ نفسَه إلى ثواب الصَّدقة أحوج مِن الفقير إلى صدَقته، فقد أبطَل صدقتَه وضرب بها وجهَه"[7].

 

فأنت الفقير إلى عفو ربِّك، وأنت المحتاج إلى غفران الله جل وعلا.

 

ثالثًا: استشعار الثواب العظيم الذي أعدَّه الله للصائمين:

من حكمة الله سبحانه أنْ فاضَلَ بين خلقه زمانًا ومكانًا؛ ففضَّل بعضَ الأمكنة على بعض، وفضَّل بعض الأزمِنَة على بعض، ففضَّل في الأزمنة شهرَ رمضان على سائر الشهور، فهو فيها كالشمس بين الكواكب.

 

واختصَّ هذا الشهر بفضائل عظيمة، ومزايا كبيرة؛ فهو الشهرُ الذي أَنزل الله فيه القرآن، قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185].

 

وهو الشهر الذي فرض الله صيامَه، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

وهو شهر التوبة والمغفرة، وتكفير الذنوب والسيئات؛ فعن أبي هريرة أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم كان يقُولُ: ((الصَّلواتُ الخمسُ، والجُمعةُ إلى الجُمعة، ورمضانُ إلى رمضان، مُكفِّراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتَنَبَ الكبائر))[8].

 

من صامَه وقامه إيمانًا بموعود الله، واحتسابًا للأجر والثواب عند الله، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، عن أبي هريرة قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه))[9]، وعن أبي هريرة أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه))[10]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))[11].

 

ومن أدركه فلم يُغفر له، فقد رَغِمَ أنفُه وأبعده الله، بذلك دعا عليه جبريل عليه السلام، وأمَّن على تلك الدعوةِ نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، فما ظنك بدعوةٍ من أفضل ملائكة الله، يؤمِّن عليها خير خلق الله؟!

 

وهو شهر العتق من النار؛ فعن أبي هريرة، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان أولُ ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّدَت الشياطينُ ومرَدَةُ الجنِّ، وغُلِّقت أبوابُ النيران فلم يُفتح منها بابٌ، وفُتِّحت أبوابُ الجنة فلم يُغلق منها بابٌ، وينادي مُنادٍ: يا باغِي الخير أَقْبِل، ويا باغي الشَّرِّ أقصِر، ولله عُتقاءُ من النار، وذلك كلَّ ليلةٍ))[12].

 

وهو شهر الصبر؛ فإنَّ الصبر لا يتجلَّى في شيء من العبادات كما يتجلَّى في الصوم؛ ففيه يحبس المسلمُ نفسَه عن شهواتها ومحبوباتها؛ ولهذا كان الصوم نصفَ الصبر، وجزاء الصبر الجنة، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

 

وهو شهر الدعاء، قال تعالى عقيب آيات الصيام: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم: الصَّائم حتَّى يُفطر، وإمامٌ عدلٌ، ودعوةُ المظلُوم، يرفعُها الله فوقَ الغَمام، ويفتحُ لها أبواب السموات، فيقول الرَّبُّ عز وجل: وعزَّتي، لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ))[13].

 

وهو شهر الجود والإحسان؛ عن ابن عباس قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أجوَدَ الناسِ بالخيرِ، وأجودُ ما يكونُ في شهرِ رمضانَ؛ لأنَّ جبريلَ كان يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ في شهرِ رمضانَ حتى يَنْسَلِخَ، يَعرِض عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم القرآنَ، فإذا لَقيَه جبريلُ كان أجوَدَ بالخير من الرِّيحِ المُرْسَلة"[14].

 

وهو شهر فيه ليلة القدر، التي جعل الله العملَ فيها خيرًا من العمل في ألف شهر، والمحروم من حُرِم خيرها، قال تعالى: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3].

عن أنس بن مالك، قال: دخل رمضانُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ هذا الشَّهر قد حضرَكم، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرمَها فقد حُرم الخيرَ كُلَّه، ولا يُحرمُ خيرَها إلا محرُومٌ))[15].

 

فانظر - يا رعاك الله - إلى هذه الفضائل الجمَّة، والمزايا العظيمة في هذا الشهر المبارك، فحريٌّ بنا أن نعرف له حقَّه، وأن نقدره حقَّ قدره، وأن نغتنمَ أيامه ولياليَه، عسى أن نفوز برضوان الله، فيغفر الله لنا ذنوبنا، وييسِّر لنا أمورنا، ويكتب لنا السعادةَ في الدنيا والآخرة، جعلنا الله وإياكم ممن يقومون بحقِّ رمضان خير قيام.

 

رابعًا: الهدف من الصوم:

سؤال مهمٌّ يجب أن يسأله المسلمُ نفسَه خاصَّة في شهر رمضان، وحتى لا يتحول هذا الشهر من عبادةٍ لها أهداف ومقاصِد عظيمة إلى عادة ثقيلة، كان لا بدَّ من الإجابة عن هذا السؤال، فكثير من الناس يصومون، ولكنْ قليل أولئك الذين يعرفون لماذا يصومون! هذا هو الفرق بين العادة والعبادة.

 

لماذا نصوم؟ وفي رمضان أنت تمسِك عن الطعام والشراب والجِماع أكثر من نصف يوم، لماذا؟ تجوع وتعطش، لماذا؟ تسهر وتتعب، لماذا؟ أصناف الطعام بين يديك والماء البارِد بين عينيك فلا تمد يدك إليه، لماذا؟ ماذا تريد من كلِّ هذا؟ ما هو الهدف؟

 

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]؛ الغاية الأولى والهدف الأسمى من صيام رمضان هو إعداد القلوب للتقوى ومراقبة الله.

 

تعريف التقوى: حفظ النَّفْس عمَّا يُؤثم؛ وذلك بترك المحظور، ويتمُّ ذلك بترك بعض المباحات[16].

 

أمثلة عملية:

عن عبدالله قال: قال لي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ عليَّ))، قُلتُ: أقرأُ عليك وعليك أُنزل؟ قال: ((فإنِّي أُحبُّ أن أسمعَه من غيري))، فقرأتُ عليه سُورة النِّساء، حتَّى بلغتُ: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: ((أَمسِك))، فإذا عيناه تَذرفان[17].

 

فكيف بحالي وحالك مع كتاب الله وتدبُّره والتأثر به؟

• عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان الكِفلُ من بني إسرائيل لا يتورَّعُ من ذنبٍ عمله، فأتَته امرأةٌ فأعطاها ستِّين دينارًا على أن يطأَها، فلما قعد منها مَقعدَ الرجلِ من امرأته، أُرْعِدَتْ وبكَت، فقال: ما يبكيكِ؟ أكْرهتُكِ؟ قالت: لا، ولكنه عملٌ ما عملتُه قطُّ، وما حملني عليه إلاَّ الحاجةُ، فقال: تفعلِينَ أنتِ هذا وما فعلتِه؟ اذهبي فهي لكِ، وقال: لا واللهِ لا أعصي اللهَ بعدها أبدًا، فمات من ليلتِه، فأصبح مكتوبًا على بابه: إنَّ اللهَ قد غفرَ للكِفلِ"[18].

 

فإنَّنا لا ندري بأي ذنب قد يعاقبنا الله، وبأيِّ طاعة قد يَرضى عنا.

 

وأخيرًا: لنتذكَّر دائمًا: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27]، فالله عزَّ وجل يريد لنا في هذا الشهر أن تُغفر ذنوبُنا، وأن نُعتَق من النار، أمَّا بعض خلقه من شياطين الإنس، فما يريدون لنا إلاَّ الخسارة والضياع.

 

نسأل الله تعالى أن يبلِّغنا رمضان، وأن يسلِّمه لنا ويتسلَّمه منا متقبَّلاً.



[1] تفسير القرآن العظيم (5/ 316).

[2] أخرجه أحمد (8991)، وقال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (12/ 143): إسناده صحيح، وقال الألباني في تخريج المشكاة (1903): جيد لشواهده.

[3] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ للسعدي (175).

[4] لطائف المعارف (147).

[5] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ للسعدي (313)، فتأمَّل شياطين الإنس في هذا الشهر وما يمكرون به للناس ويمدونهم في الغيِّ ولا يقصرون.

[6] أخرجه أحمد (7576)، وقال الألباني في الصحيحة (854): رجاله ثقات.

[7] إحياء علوم الدين (1/ 267).

[8] أخرجه مسلم (233).

[9] متفق عليه: أخرجه البخاري (38)، ومسلم (760).

[10] متفق عليه: أخرجه البخاري (37)، ومسلم (759).

[11] أخرجه البخاري (1901).

[12] أخرجه الترمذي (682)، وقال: غريب لا نعرفه إلاَّ من حديث أبي بكر بن عياش، وقال ابن حجر في تخريج المشكاة (2/ 312): حسن.

[13] أخرجه أحمد (8044)، والترمذي (3598)، وقال: حسن، وقال ابن حجر في الفتوحات الربانية (4/ 338): حسن.

[14] متفق عليه: أخرجه البخاري (1902)، ومسلم (2308).

[15] متفق عليه: أخرجه البخاري (1902)، ومسلم (2308).

[16] المفردات؛ للأصفهاني (530).

[17] متفق عليه: أخرجه البخاري (4582)، ومسلم (800).

[18] أخرجه الترمذي (2496)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم في المستدرك (4/ 254 - 255): صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه أحمد شاكر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مضمار رمضان والرجل الثالث
  • رمضان أقبَل (بطاقة أدبية)
  • رمضان لقاء للارتقاء
  • رمضان يا أمل النفوس ( بطاقة أدبية )
  • استقبال رمضان
  • بلغتم رمضان فأروا الله من أنفسكم خيرا
  • من معين السلف والعلماء وغيرهم في رمضان (1)
  • استقبال الشهر العظيم (خطبة)
  • استقبال رمضان
  • استقبال المسلمين لرمضان بين السابقين وفي هذا الزمان (خطبة)
  • استقبال رمضان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • استقبال شهر رمضان: رمضان فرصة للتغيير (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • استقبال شهر رمضان المبارك(مقالة - ملفات خاصة)
  • استقبال رمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: استقبال رمضان(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • استقبال رمضان بالتوبة والعزيمة على الصالحات(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • التهيئة لاستقبال رمضان "معسكر شعبان"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اعتناء السلف باستقبال رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • دروس في استقبال شهر رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • وأتى رمضان فأحسنوا الاستقبال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أطفال مدينة كارجلي يتجمعون لاستقبال شهر رمضان المبارك(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/11/1446هـ - الساعة: 13:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب