التنبيه على ضعف حديث في فرضية صوم رمضان على الأمم السابقة (PDF)

التنبيه على ضعف حديث

في فرضية صوم رمضان على الأمم السابقة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً وبعد:

فقد سألني البعض عن صحة حديث ذكره بعض أهل العلم فقال: (وقيل: إن الله فرض على بني إسرائيل صيام رمضان وأنهم أضافوا إلى ذلك عشراً؛ فصارت أربعين يوماً، ثم إنه مرض أحد الملوك، أو أحد الأحبار، فنذر أنه إن شفي أن يضيف عشرة أيام، فأضاف عشرة أيام، فصارت خمسين يوماً، وهذه الزيادة لاشك أنهم مخطئون فيها) اهـ.

وجواباً عن ذلك أقول:

أولاً: لقد بحثت عن هذا الحديث فلم أقف عليه بهذا اللفظ في شيء من كتب السنة، فلعل من ذكره حكاه بالمعنى، ولعله يشير إلى تضعيفه له بقوله في أوله: (وقيل) وهي فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، وهي من الكلمات التي قد يؤتى بها للدلالة على ضعف الرواية، فمثلها كمثل رُوي وحُكي ويُذكر وهكذا من صيغ التمريض التي قد تدل على ضعف الرواية.

ثانياً: وقفت على لفظ: عن دغفل بن حنظلة عن النبي ًصلى الله عليه وسلم قال: «كان على النصارى صوم شهر رمضان، وكان عليهم ملك فمرض فتألى: لئن شفاه الله ليزيدن عشراً، ثم كان عليهم ملك بعده فأكل اللحم فوجع فاه فتألى: لئن شفاه الله ليزيدن سبعة أيام، ثم كان بعده ملك فقال: ما ندع من هذه الثلاثة أيام أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع، ففعل فصارت خمسين يوماً».

رواه الإمام البخاري في التاريخ الكبير (880) والطبراني في المعجم الكبير (4/226/ ح 4203) موقوفاً، وفي الأوسط (8193) وابن الأعرابي في معجمه (2058) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2584) وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 287) طبعة دار الفكر.

وهذا الحديث ضعيف، فإن دغفل بن حنظلة -رحمه الله- في صحبته نظر، والراجح عدم الصحبة وقد قال بذلك غير واحد من أهل العلم.

قال محمد بن سعد في الطبقات الكبرى (9 /140) طبعة مكتبة الخانجي: (أدرك النبي ًصلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً.)اهـ

وقال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 254) طبعة دار الفكر: (ولا يعرف لدغفل إدراك النبي ًصلى الله عليه وسلم.)اهـ

وقال الترمذي في سننه عقب حديث (3652): (ولا يصح لدغفل سماع من النبي ًصلى الله عليه وسلم ولا رؤية) اهـ.

وقال ابن أبي حاتم في كتابه المراسيل (صفحة: 56) طبعة مؤسسة الرسالة: (كتب إلي علي بن أبي طاهر حدثنا أحمد بن محمد الأثرم قال: قلت لأبي عبد الله دغفل بن حنظلة له صحبة؟ قال: لا، من أين له صحبة! هذا كان صاحب نسب.)اهـ وذكر ذلك أيضاً ابن عبد الهادي في بحر الدم ( 281).

وقال أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 297) طبعة مكتبة دار البيان – الكويت: (دغفل بن حنظلة سكن البصرة ويشك في صحبته) اهـ.

وقال أبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1015) طبعة دار الوطن: (مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ: مَا أَرَى لَهُ صُحْبَةً، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُعْرَفُ لِدَغْفَلٍ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ ًصلى الله عليه وسلم) اهـ.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 276) طبعة دار الفكر: (يقال إن له صحبة ورواية؛ ولا يصح عندي سماعه من النبي ًصلى الله عليه وسلم) اهـ.

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 44) طبعة دار الكتب العلمية: (ويقال: له صحبه، ولم يصح) اهـ.

وقال علاء الدين مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (4/ 278-280) طبعة الفاروق: (وقال ابن قتيبة: أدرك النبي ًصلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه) اهـ ثم قال بعد ذلك: (وقال أبو عمر بن عبد البر: دغفل يقال: إن له صحبة ورواية[1].

وقال العسكري: يقال: إنه روى مرسلا، وإنه ليس يصح سماعه. وقال الباوردي: في صحبته نظر. ولما ذكره الترمذي في كتاب «الصحابة» قال: لم يذكر سماعاً، وكان في زمان النبي ًصلى الله عليه وسلم.) اهـ ثم قال: (وقال ابن أبي خيثمة: وبلغني أنه لم يسمع من النبي ًصلى الله عليه وسلم شيئاً) اهـ وذكر نحوه ابن حجر في كتابه الإصابة (2401).

وأما قول الهيثمي في مجمع الزوائد (4771): (رواه الطبراني في الأوسط مرفوعاً كما تراه، ورواه الطبراني في الكبير موقوفاً على دغفل ورجال إسنادهما رجال الصحيح) اهـ فلا يلزم منه تصحيح الحديث لأن رجال السند قد يكونون رجال الصحيح ولكن توجد علة به يضعف الحديث بسببها، والحديث أذكر به علتين:

العلة الأولى: كما ذكرت أن دغفل بن حنظلة في صحبته نظر، وقد تقدم كلام العلماء على ذلك.

والعلة الثانية: فإن الراوي عنه الحسن، والحسن لم يدركه ولا يعرف له سماع منه كما قال البخاري في التاريخ الكبير ( 3/ 254) طبعة دار الفكر: (ولا يعرف سماع الحسن من دغفل)اهـ وقال ابن حبان في الثقات (3/ 118) طبعة دائرة المعارف العثمانية: (دغفل بن حنظلة النسابة أدرك النبي ًصلى الله عليه وسلم، يروي عنه الحسن ولم يدركه.)اهـ

تنبيه: قول ابن حبان (أدرك النبي ًصلى الله عليه وسلم) اهـ لا يلزم منه تحقيق الصحبة له، لأنه قد يكون أدركه ولم يره، وقد نفى عنه الصحبة من هو أعلى قدراً من ابن حبان وهو الإمام أحمد والبخاري.

هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

كتبه

أبو عبد الله

وائل بن علي بن أحمد آل عبد الجليل الأثري

الاثنين: 25/ رمضان / 1433هـ

13/ أغسطس/ 2012م

alsalafy1433@hotmail.com