• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | محاضرات وأنشطة دعوية   أخبار   تقارير وحوارات   مقالات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    اختتام ندوة حول العلم والدين والأخلاق والذكاء ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    لقاءات دورية لحماية الشباب من المخاطر وتكريم حفظة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تزايد الإقبال السنوي على مسابقة القرآن الكريم في ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مناقشة القيم الإيمانية والتربوية في ندوة جماهيرية ...
    خاص شبكة الألوكة
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب / مواعظ وآداب
علامة باركود

من يصفد شياطين الإنس في رمضان

د. عبدالرزاق مرزوكَ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/10/2007 ميلادي - 26/9/1428 هجري

الزيارات: 23213

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
الحمدُ لله الذي يزكي من يشاءُ من عباده، والصلاةُ والسلام على أطيبِ خلقه وأحراهم بفضلِه وودادِه، وعلى آله الماجدين، وصحابته المتقين، وتابعيهم إلى يوم الدين.

وبعدُ
فقد شرع الله –تعالى- الصيامَ ليكون تخليةً للأرواح وتحليةً، وتنقيةً للأبدان وتقوية، وجعل فيه للقلوب رياضًا بهيجة ونعيمًا؛ فهي ترتعُ فيها مرحة مسرورة مشرقة، وتعرج في سماء نسائمها لطيفة مسرورة متألقة.

ورفع عن عباده فيه العنت؛ ففتح لهم أبواب رحمته وجنته ليتوبوا إليه ويؤوبوا، ويسارعوا إلى نيل مرضاته ومغفرته؛ كما قال –تعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 26-28].

فهذا مرادُ الله تعالى ومقصده مما شرع؛ يجب على العبد أن يصل مرادَه به، ويجعله له تابعًا، ولا يليق به مخالفتُه أو معارضتُه؛ لاشتماله على غاية العلم والحكمة من وجهين:
الأول: ما فيه من مصلحة العباد الراجحة التي لو تركت لعلمهم وتدبيرهم ما أدركوها.
الثاني: ما في صبغة التشريع الإلهي ومنهج تنزل الشعائر من مراعاة ضعف العباد والرفق بهم ورحمتهم.

والآية الكريمة أعمُّ من أن يُراد بمضمونها شعيرةٌ إسلامية دون أخرى؛ بل كل الشعائر طُهْرة للعبد من الخطايا، وسبيل توبته إلى الله تعالى، كما أن اتباع الشهوات مانع من أدائها جميعًا، وحائل دون الإقبال على الله بما شرع، وتقديم مراده، وإيثار محبته.

فالله –تعالى- إنما يمهد لنا طريقَ مرضاته، ويعيننا على السير فيه، وهذا جلي لمن تأمل صنوف فضل الله وإحسانه التي اشتملت عليها شعيرةُ الصيام، وما ألقى خلال أيام رمضان ولياليه من منحه الوافرة وهباته الزاخرة؛ فحثنا على إحرازها بالتزلف إليه وخشيته سبحانه وتقواه؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ؛ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ؛ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ). [صحيح الترغيب والترهيب (رقم 979)].

وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله– مُنوِّهًا بشعيرة الصيام ومُبرِزًا مقاصدَه في كتابه (مفتاح دار السعادة 2/3–4): "وأما الصومُ فناهيك به من عبادةٍ تكفُّ النفسَ عن شهواتها، وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين، فإن النفس إذا خليت ودواعي شهواتها التحقت بعالم البهائم، فإذا كفت شهواتها لله ضيقت مجاري الشيطان، وصارت قريبة من الله بترك عادتها وشهواتها محبة له، وإيثارًا لمرضاته، وتقربا إليه".

ثم قال: "فهو شاهد –يعني الصوم– لمن شرعه وأمر به بأنه أحكمُ الحاكمين وأرحمُ الراحمين، وأنه إنما شرعه إحسانًا إلى عباده ورحمة بهم ولطفا بهم؛ لا بخلا عليهم برزقه، ولا مجردَ تكليفٍ وتعذيب خالٍ من الحكمة والمصلحة؛ بل هو غاية الحكمة والرحمة والمصلحة".

ولما كان مرادُ إبليس وأعوانه من الجن مخالفًا لمراد الله -تعالى- بعباده أتم فضلَه على الصائمين خاصة بتصفيد الشياطين، ومنعهم من صد عباده عما أعد لهم من خير الصيام طوال الشهر المبارك؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِن شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ؛ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ؛ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَللَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ) [صحيح الترغيب والترهيب: رقم 998).

فأعان الله –تعالى- كل صائم على دفع ما يكدر صفوَ تقواه، ويفسد عليه لذةَ نجواه، ويحولُ بينه وبين كمال التزلف إلى ربه والتودد إليه بفعل مَحابِّه وترك مساخطه وإيثار مرضاته؛ كي لا يمضي رمضانُ إلا وقد طهر قلبه مما يحجبه عن نور هدايته، ويقطع سيره إليه.
بيد أن هذا لا يعني إسقاطَ التكليف عن العبد، ولا الترخيص له في التهاون والتواكل، وإلا فإن لوقوع الشر والمعصية أسبابًا أخرى؛ كما قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: ".. إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم –يعني الشياطين– أن لا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين؛ كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية" [نقله الحافظ في الفتح 4/114].

بل يعني ما قاله الحافظُ ابنُ حجر -رحمه الله- في شرح الحديث: "في تصفيد الشياطين في رمضان إشارةٌ إلى رفع عذر المكلف؛ كأنه يقال له: قد كفت الشياطين عنك فلا تعتل بهم في ترك الطاعة، ولا فعل المعصية" [فتح الباري 4/114].

إنَّ إعانةَ اللهِ الصائمَ على طاعته بتصفيد الشياطين يعني -في تصور كل عاقل- أنه فرصةُ العمر السانحة، وذريعة اللبيب أن يحرز حُنْكَةَ الاستقامة طَوالَ العام كله بدُرْبَةِ شهر واحد؛ فيستأنف سيره إلى ربه –بعد انقضاء رمضان– وقد أبصر نور الطريق، وخبر مسالكها المنجية، وسبلها المردية، وعالج قاطعَ طريقه الشيطانَ، وعرَف حِيَلَه وأنواع مكايِدِه، وشراسته وعلامات مصايِدِه، وأنه لن يألوَ جهدًا -إذا خرج رمضان وحلت أصفاده– في استئناف عداوته وحربه، والحرص على استرداد قلاعه ومواقعه، وتعويض خسائره، والطمع في استرجاع سبيه القديم، وضم ما استطاع من سبي جديد.

فهي حال أشبه بنصر مؤزر يحرزه العبدُ طوال شهر رمضان؛ فعليه الحفاظ على غنيمته الثمينة، والحذر من الاسترخاء والغفلة عن سلاح المجاهدة والمصابرة؛ فإن إبليسَ لا تُعيِيه الهزائم، وهو لا محالة راجع إلى تلك السَّاحِ؛ فساعٍ فيما أقسم بعزة الله على تنفيذه بعد أن أخرج من الجنة مذؤومًا مدحورًا؛ {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ..} [الأعراف: 16].

وممن يجب حذرهم ممن خالفوا مراد الله تعالى بعباده أيضا (الذين يتبعون الشهوات) كما في الآية الكريمة، فهؤلاء يريدون أن يميل العبادُ عن طاعة ربهم، وعما وراء اتباع شرعه الحنيف من الخير لهم، والآية أعم من أن يراد بها طاعةٌ دون طاعة كما سبق؛ بل إن تعلقها بالصيام أظهر لأنه من وجهٍ أنجعُ الطاعات في كف الشهوات؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) [أخرجه البخاري في كتاب الصوم من صحيحه؛ باب الصوم لمن خاف على نفسه العُزْبة (4/119-فتح)].

ومن وجهٍ آخرَ لكون السر في إضافة الله –تعالى- الصيام إلى نفسه دون سائر العبادات أن الصائم إنما يدع شهوته من أجله تعالى؛ كما في الحديث القدسي الصحيح: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ –مرتين– وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِندَ اللَّهِ مِن رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) [أخرجه البخاري في صحيحه (رقم 1894)].
فهؤلاء يتبعون الشهوات من دون الله، ويريدون أن يصرفوا الطائعين عن الهدى ليصيروا مثلهم فيلقوا مصيرهم.

وفي جعل الفاعلِ موصولاً مبهمًا في قوله: {ويريد الذين يتبعون الشهوات} فوائد:
- منها تعليقُ الحكم بالصلة دون الاسم الجامد –فلم يقل مثلا: (ويريد الفاسقون)- إشعارًا بصفتهم وما اختصوا به لمن يحذر موافقةَ مرادهم ولم يعرفهم؛ فاتباع الشهوات صفتهم.

- ومنها تبصير القلب بأن اتباع الشهوات علامة الميل العظيم عن سبيل الله ؛ فإذا عرف ذلك حذر وخاف، وهذا من الأدلة على أن الإخبار عن مراد الذين يتبعون الشهوات ليس مرادًا لذاته؛ ولكن المراد الأمر باجتناب طريقهم صيانة لشرط الإخلاص.

- ومنها أن الوصف مستغرق لكل الذين يتبعون الشهوات على اختلاف أصنافهم ومراتبهم كي يكون مرادُ الله مرادًا خالصًا للعبد نفيا وإثباتا؛ فلا تشوبه شائبة الموافقة لمن خالف مراده على أي وجه، وفي قوله -تعالى-: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] إشارةٌ إلى أن الشهوة تضعفُه؛ لأن مداخلَها من نفسه عديدة دقيقة خفية؛ كالنظر والكلام والطعام وغيرها، ولكل مدخل فريقٌ يدعو إليه.

إن الذين يتبعون الشهوات يريدون أن لا يكون على النزوات سلطانٌ من دينٍ أو عُرْفٍ أو قانون، وأن لا يَكُفَّ هيجانَ الغرائز وازعٌ؛ فتصير هممُ البشر في بطونهم وفروجهم، وسعيهم في إشاعة الفواحش، وتدنيس الأعراض، وإظهار أنواع الفساد.

ومن عرَف حِرْصَ كثير من الفضائيات على الاستمرار في بث ما يحض على اتباع الشهوات من اللهو والفجور خلال شهر رمضان علم أن للشياطين المسلسلين نُوَّابًا وجندًا قاعدين صراطَ الله المستقيم للعباد؛ لا يفترون عن إغوائهم وصدهم عما أراد الله لهم من الخير بصيامهم.

فليعلمِ الصائمُ أن خطر شياطين الإنس وحربهم أشد، وليستعذ بالله من شرهم كما يستعيذ به من شر شياطين الجن، وليهجر رفثهم وفحشهم حفظا لصيامه أن يحبط؛ فيصير جوعًا محضًا، وعطشا بحتًا، وشقاء خالصًا، ولا يغرنه لبوس "الفن" الذي لفوا فيه لهوهم وخَناهم؛ إذ لو كان فنا نظيفًا وعملا صالحًا لأعان الصائم على تطهير جوارحه من فضول النظر، وإطلاق الشهوات، وركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

لو كان فنًا نظيفًا وعملا صالحا لأعان الصائم على البر والتقوى والخشية والحياء، فنهاره إمساك لا يصلح ولا يتم إلا بإمساك الجوارح، وليله قيام ودعاء، وتضرع وابتهال لا ينفع ولا يصل إلى الله إلا إذا صفا جوُّه من اللغو.

فهل ترى في تلك المسلسلات والأفلام والمسرحيات ما يدعو إلى عفاف وحشمة وتعظيم لحرمات الله جل وعلا؟..

هل ترى فيها ما يقرب من الله، ويعظم في نفس الصائم شأنَه عز وجل، ويعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته؟..

هل ترى فيها ما يعين على الزهد في الدنيا ورجاء الآخرة؟..

هل ترى فيها ما يشرح صدر العبد لدين الله، ويبصره بميثاق عبوديته ومنشور ولايته؟..

هل ترى فيها ما يدخله في رحمته ومرضاته، ويخوفه من الوقوع في موجبات سخطه وعقوبته؟..

هل ترى فيها ما يعرفه بنبيه صلى الله عليه وسلم، ويبصره بجلال قدره، ويذكره بحقوقه الجمة عليه، ويعدد فضائله ومناقبه، ويحصي شمائله وخصائصه؟..

هل ترى فيها ما يعلمه آداب تقديره صلى الله عليه وسلم ونصرته وتعزيره، وشروط محبته والتعلق به وتوقيره؟..

هل ترى فيها ما يعلم الناس شعب الإيمان، ويربيهم بالتقوى والإحسان، ويحبب إليهم الإيمان ويكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان؟..

هل ترى فيها ما يهذب النفوس ويرقيها، ويصلحها ويعليها، ويزرع فيها العزة والإباء، ويقيها سوء التردي في درك الهوان؟..

هل ترى فيها ما يسمو بالأرواح في معارج الفضيلة، ويرقى بها في مدراج الكمال، ويصفيها من أكدار الإثم والسوء، ويعصمها من أخلاط الرذيلة؟..

هل ترى فيها ما يثبت المؤمنين، وينصر الطائعين، ويعزر العابدين، ويهدي العاصين، ويشد على أيدي التائبين، ويرشد الحائرين، ويعيد اليقين إلى قلوب المترددين؟..

هل ترى فيها ما يهدي للتي هي أقوم من التصورات والتصرفات، ويبصر بأعراض الفكر المنحرف وأسبابه، ومزالقه ومخاطره؟...

هل ترى فيها ما يرفع شأن أهل العلم الأحياء والأموات، ويبرزهم ويفشي علمهم أينما كانوا، وما يحث على الفرح بوجودهم والأسف على فقدهم؟...

هل ترى فيها ما يغرس في النفوس الطيبات، ويغري بطلبها وإيثارها، ويباعد بينها وبين الخبائث ويكره إليها إتيانها؟...
كـلا!..

وإن شهر رمضان أعظمُ فاضحٍ لحقيقة هذه الفضائيات وحقيقة أهلها، وخيرُ كاشفٍ لما يريد أعداءُ هذه الأمة بها ويبيتون لها من الشر، ويصرفون فيه ما لا يحصى من الأموال كي يبدل دينها، وتبطل أعمالها، وتهدر قيمها وتدمر؛ فلا يبقى لها من الديانة إلا مشاعر باردة جامدة لا مظاهر لها من الأفعال، ولا أثر لها في السلوك، ولا يسندها في الواقع قوة أو دعم.
وتأمل حال الصائم الساعي وراء تلك الأفلام والمسلسلات والأغاني؛ يقضي أوقات ليله ونهاره أو بعضها في تتبعها..؛ بالله هل يبقى له من صيامه شيء؟ وهل يكسب ثوابا أو إثما ؟ وهل يجد ثَمَّةَ التقوى أو البلوى؟...

إن من خصائص الصيام إشعارَ العبد بلزوم تعظيم الله -سبحانه وتعالى- وتوقيره، وتعظيم شعائره وحرماته؛ والحياء منه، والخوف من مواقعة ما حرم، والحرص على فعل ما رغب فيه؛ فيصير المعرضُ عن إجلاله وطاعته في سائر الشهور مجلا له مقبلا على طاعته إذا صام، سهلا لينا سلس القياد لمن يدله على الله؛ سريع الخشوع لذكره، سريع التأثر بما يحثه على الإقبال عليه، ويحمله على خشيته وتقواه، فكيف يحفظُ هذه المشاعرَ القدسية وينميها، ويرفع قواعدَها ويبنيها مع إقامته -بما يرى من مشاهد الخنا- على هدمها ودكها؟!..

وإنك لتعجب حين تقرأ أو تسمع أن الفضائيات العربية تعد البرامج والأفلام والمسلسلات الخاصة بشهر رمضان قبل حلوله بشهور؛ فتظن أن في إضافتها إلى شهر الصيام اعتبارًا لقدسية هذه الشعيرة العظيمة، وإجلالا لحرمتها، وتقديرًا لمقاصد تشريع الصيام الإيمانية والتربوية والدعوية، وتعظيمًا لمراد الله -جل وعلا- من فرضه على عباده {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]..؛ فإذا خبرتها وجدتها لاعبة لاهية؛ هازئة بتلك الحرمة المقدسة؛ عابثة بتلك المقاصد العالية؛ مائلة عن مراد الله العلي العظيم؛ حاضة على اتباع الشهوات؛ قد اتخذت شهر الصيام ذريعة إلى ترويج سلعة "الفن" الخبيثة، وتربصت بمن يُغبَنون في فراغهم من ضعاف النفوس؛ فيُبتَلون خلال هذا الشهر بهدر الأوقات وسحقها بما ينسي ويلهي استثقالا للإمساك نهارًا، وفرحًا بالأكل والشرب ليلا، فما كان لدى تلك الفضائيات من الملهيات الصادة عن سبيل الله ألقته في سوق الغفلة عن ذكر الله آمنةً مطمئنة أن سلعتَها -على عفونتها وقذارتها- مَبِيعةٌ نافدة، وأن "رسالتها الفنية" –في تلك الأذهان الخاوية- أيضا نافذة، وأن دعاتها -على تلبسهم بوظيفة إبليس- مصدوقون مُصدَّقون!...

فإذا جئت إلى الأفلام والمسلسلات المسماة "دينية" وجدت العجب العجاب مما يؤسف وينفر، ويكدر صفو الأذواق، ويقدح في القيم والأخلاق..؛ وجدت من "يلعب دور" صحابي جليل مجاهد؛ قويًا على الكافرين في ساح القتال؛ ضعيفًا مهزومًا إذا بارزته امرأةٌ بفتنتها، مأسورًا لحسنها الباهر وجمالها؛ لا يتورع من الخلوة والمداعبة والملامسة والتغزل والمعانقة، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو: (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِن كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ). [صحيح البخاري (رقم 6120)]. 

فمن يصفِّد شياطينَ الإنس القاعدين للصائمين صراطَ الله المستقيم، ومن يسلسلهم ليُمنعوا من إغوائهم وصدهم باتباع الشهوات عن سبيل الله؟..

إنهم كشياطين الجن في الحمل على الطائعين طمعًا في إضلالهم وضمهم إلى حزبهم وشيعتهم، أو سَبْيهم لكفهم عن إرادة الله والدار الآخرة.
إنهم أعداء الأنبياء والرسل والدعاة إلى الله؛ كما قال –تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112].

وفي الحديث الصحيح عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (هَلْ تَعَوَّذْتَ بِاللَّهِ مِن شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنسِ؟)، قال: قلت: لا يا رسول الله!، وهل للإنس من شياطين؟ قال: (نَعَمْ، هُمْ شَرٌّ مِن شَيَاطِينِ الْجِنِّ!). [عمدة التفسير للشيخ المحدث أحمد شاكر رحمه الله -1/56- وأشار إلى صحته].

وقد ظهرت بحمد الله فضائياتٌ صالحات نافعات مباركات -على قلتها- تبصر المسلمين بدينهم، وتعينهم على البر والتقوى، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فلله در أهلها الصالحين القائمين على رعايتها.

فهي المرشحة بإذن الله لأداء الرسالة الإعلامية السامية النقية، وإقامة بديل الخير الكفيل بحفظ دين الصائم والمفطر، وإعانتهما على البر والتقوى، فإذا عمت وكثرت، وفشت كلمتُها وانتشرت، وعاين الناسُ فضلها ونفعها، وخيرَها وصلاحها، وصدقها وإخلاصها أيقنوا أن شأنها وشأن الفضائيات الأخرى كقوله -تعالى–: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} [الأعراف: 58]؛ فإذا بزخرفها قد ذهب، وباطلها قد زال وزهق؛ كما قال –تعالى-: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد: 17]، وإذا بها مسلسلة قد أمن المسلمون فتنتها، بل ما يدريك لعل تلك الفضائيات نفسها تعي فتفيق وتفيء، وتهتدي كما يهتدي المخطئ والمسيء ؛ فيبدل الله سيئاتها حسنات، وباطلها حقًا يشرفها ويزكيها ويرفع لها الدرجات.

ولعمري إن هذا المدى لهو خير حال ومآل، وأحسن مرغوب يطلبه اللبيب الماجد، وأفضل أمنية يتطلع إليها العاقل الراشد.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ماذا تعلمنا من رمضان؟ (1)
  • بشراكم تصفيد أبي مرة
  • معنى تقييد الشياطين في رمضان
  • الآيات العاصمة من شبهات شياطين الإنس والجن

مختارات من الشبكة

  • قول: باسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا قبل الوقاع: سبب لطرد الشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شيطان الجن أعظم ضررا من شيطان الإنس ومن النفس "المذمومة"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية الاستعاذة بالله من شياطين الإنس والجن(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر)
  • شياطين رمضان الموثقة والمطلقة(مقالة - ملفات خاصة)
  • التحصن من شياطين الجن والإنس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أسباب الوقاية من العين والمس والسحر والشيطان: عدم أذية الجن والشياطين بما نهى الشرع عنه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تتخلص من نزغ الشيطان؟ خطوات لمنع الشيطان من إعاقة تفكيرك وسلوكك(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب