• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | محاضرات وأنشطة دعوية   أخبار   تقارير وحوارات   مقالات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    اختتام ندوة حول العلم والدين والأخلاق والذكاء ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    لقاءات دورية لحماية الشباب من المخاطر وتكريم حفظة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تزايد الإقبال السنوي على مسابقة القرآن الكريم في ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مناقشة القيم الإيمانية والتربوية في ندوة جماهيرية ...
    خاص شبكة الألوكة
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / فضائل رمضان
علامة باركود

مدرسة الصيام: المقاصد والفوائد

مدرسة الصيام: المقاصد والفوائد
عبدالحفيظ اربيحو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/6/2018 ميلادي - 22/9/1439 هجري

الزيارات: 21886

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مدرسة الصيام

المقاصد والفوائد


تتضمن هذه المادة العلمية المختصرة الحديثَ عن المقاصد التعبدية للصيام، وفوائده الروحية والتربوية.


منهجيتي في عرض المادة:

سأسلك في تناول هذه المادة العلمية الطريقةَ الاستنباطية التي تنطلق من الكل إلى الجزء؛ أي: سأُقدِّم لكل صِنفٍ من الأصناف المقاصدية بمجموعةٍ من النصوص الشرعية المتعلقة بعبادة الصيام؛ لأستخرج منها المقاصد والفوائد التي تتضمَّنها.


وغرضي من ذلك هو البَرهنة على شرعية هذه المقاصد التي سأُوردها في مطاوي هذا المقال، وإقامة الحجة على أنها ليستْ من المقاصد المتَوهَّمة، وإنما هي من المقاصد الحقيقية التي وُلِدَتْ مِن رَحِمِ النص الشرعي.


وقبل هذا وذلك سأقدِّم لهذه المادة العلمية بتوطئة مختصرة، نُبرز فيها مدى رحمة الإسلام بالعباد، وندفَع فيها شُبهةَ أن الصيام تضييقٌ لحرية الصائم في رمضان.


أولًا: التوطئة:

من المقطوع به عند علماء الشريعة أن التشريعات الإسلامية كلها، لا تخلو من مصالح ومنافعَ، فحيثما وُجِد شرعُ الله فثمةَ المصلحةُ، هذه المصلحة منها ما يستطيع العقل البشري إدراكَها واستيعابها، ومنها ما يَقصُر العقلُ عن إدراكها والوصول إلى كُنهِها، فلا يسَع العبدَ المؤمن إزاءَ ما غَمُض من حِكمِ التشريع وأسرار التكليف، إلا أن يُطفئ سراجَ عقله ثم يؤمن، وعبادة الصيام تندرج ضمنَ التشريعات الإسلامية التي يُمكن للعقل أن يَستنبطَ مصالحها ومنافعَها وأسرارَها.

 

إن شعيرة الصيام - وإن كانت تبدو في ظاهرها حرمانًا له من حقه الطبيعي الذي هو الأكل والشرب - فإن عمقَ هذه العبادة خلاف ذلك تمامًا، فجوع المسلم لمدة معينة من الزمان - تبتدئ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس - هو في الحقيقة إعدادٌ مِن الحق جل جلاله لهذا الإنسان، وتَهييءٌ له لِأَنْ يكون أهلًا لتولِّي الخلافة في الأرض، وبما أن منصب الخلافة يقتضي مجموعة من المؤهلات الأخلاقية والنفسية، فإن مدرسة الصيام مَظِنةُ اكتساب هذه المؤهلات، ودورة تدريبية لتهذيب السلوك وتقويم الأخلاق، وإزالة شوائب النفس التي يُمكن أن تَخْدِشَ أهليةَ هذا المنصب، ففي جوعِ الجسد وظمئِه، شِبَعٌ وارتواءٌ للرُّوح، فرُوحُ المؤمن الصائم تتغذَّى على جوع جسده، وترتوي بعطشه.

 

إن ما يقال في خصوص هذه العبادة - أي: الصيام - من أنها مَشقةٌ على العباد، لا يَعدو أن يكون من المغالطات والفصوص التي ما فَتِئَتْ تُلصَق بالإسلام منذ فجره؛ لأن عبادة الصيام هاته تتضمن من التشريعات الخاصة ما يُفنِّد هذا القول، ويُبطل هذا التَّخرُّص، فوجود رُخصة الإفطار مثلًا المتعلقة بأهل الأعذار، والمصرَّح بها في قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184] - ضمن هذا التشريع الرباني العام - الصيام - لَأَعْظمُ بُرهان على أن هناك مرونةً في التشريع الإسلامي على مستوى الصيام، وأن الله تعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر كما يُدَّعى.

 

هذه توطئة رُمْتُ من خلالها بيانَ وجهِ الحق في هذه العبادة، لننتقلَ بعدها إلى تعزيز هذا الحق بإبراز بعض مقاصدها وأسرارها وفوائدها، منطلقًا من هذا السؤال الآتي: إذا كانت النفوس البشرية إنما تُقبِل على فعل شيءٍ ما بناءً على ما فيه مِن محاسنَ ومنافعَ وجمالٍ، وتُدْبِر عنه وتُعرض بناءً على ما فيه من مفاسدَ ومقابحَ ومَضارَّ، فما هي منافع الصيام إذًا؟ وما السر من مشروعيته يا تُرى؟

 

المقاصد التعبدية للصيام:

النصوص المؤطرة:

• قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].


• وقال كذلك: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44].


• وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5].


المقاصد المستخلصة من النصوص:

يُستفاد من هذه النصوص الكريمة أن المقصد الأساس من الصيام، هو تحقيق التقوى والتعبد لله تعالى، فمقصد التعبد قاسمٌ مشترك بين جميع العبادات والتشريعات الإسلامية، فالغرض من مشروعية العبادات، هو مَحض التعبد إلى الله تعالى، بل ما خلَق الله تعالى الأكوان كلها إلا لتحقيق هذا المقصد الأسنى.

 

إن هذه النصوص الشرعية الكريمة تُشعر بأن النظام الكونيَّ كلَّه في عبادة سرمدية دائمة، وأن الإنسان المتمردَ على ربه، العاصيَ لأوامره - مخلوقٌ شاذٌّ، وكائن استثنائي خارج عن المنظومة الكونية أجمعِها.


إن النظر لعبادة الصيام على أنها خضوعٌ لله تعالى، وتذلُّلٌ واعترافٌ له بالفقر والمسكنة - يدفَع المؤمن لأن يصومَ صيامًا إيمانيًّا وِجدانيًّا، لا صيامًا طقوسيًّا شكلانيًّا.


إن الصائم الذي يهتم فقط بسد منافذ شهوة بطنه وفرْجه، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، دون أن يَكترثَ لعنصر الإخلاص ومحور التعبُّد، وإرادة التقرب إلى الله تعالى، مثلُه كمثل المضرب عن الطعام سواءً بسواء؛ لذلك عندما تناول الفقهاءُ حقيقةَ الصيام بالتعريف، قالوا فيه: "هو الإمساك عن شهوتَي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، بنيَّة التقرب إلى الله تعالى"، فهذا القيد الأخير من التعريف، هو الذي يُخرج الصيامَ من أن يكون مجردَ عادة وطقوس، وجوعٍ وعطش، لِأَنْ يكونَ عبادةً وجدانيةً تتصل فيها رُوح الصائم بخالقها، فتَسمو وتَزكو.


وحتى لا يكون صوم العبد صومًا شكلانيًّا، وعادة وراثية، نَبَّه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين إلى استحضار هذا المقصد - وأعني به مَحضَ التعبد، وإرادةَ التقرب إلى الله تعالى - قبل الشروع في أداء هذه العبادة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا صيامَ لمن لم يُبيِّتِ الصيامَ مِن الليل))[1].


المقاصد الروحية للصيام:

النصوص المؤطرة:

1- قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ))[2].

2- قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صِيَامُ رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ، كَفَّارَةُ مَا بَيْنَهُمَا))[3].

 

المقاصد المستخلصة من النصوص:

يستفاد من هذه النصوص الشريفة أن الحكمة من مشروعية الصيام هي غفران ذنوب الصائم وتكفير خطاياه، وهذه إحدى سوابغ أَنْعُم الله تعالى على خلقه ورحماته بعباده.

 

فأول مقصد يلوح للناظر في هذه النصوص بعين البصيرة، هو مقصد مغفرة الذنوب، وتَنقية رُوح الصائم من شوائب المعاصي، وتطهيرها مِن دَنَسِ الخطايا.

 

ولعل المتأمل في أصل اشتقاق اسم (رمضان) يَلمَس فيه معنى "التكفير"، ودلالةَ "الْمَحْو والغفران"؛ إذ مادَّة الكلمة في العربية موضوعة للدلالة على شدَّة الحَرِّ، فالرَّمضُ أو الرَّمْضاء اسمٌ للحر الشديد الْمُحْرِق؛ قال ابن دريد في بيان سبب تسمية هذا الشهر باسم (رمضان): "لَمَّا نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة، سموها بالأزمنة التي هي فيها، فوافَق رمضان أيام رَمَضِ الحَرِّ وشِدته، فسُمِّي به"[4]، وعليه فصيام رمضان يَحْرِقُ الذنوب ويُزيل الأدران كما تَحرِق الرمضاء جِلدَ الأبدان.

 

المقاصد التربوية للصيام:

النصوص المؤطرة:

1- قال الله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187].


2- قال صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ))[5].


3- قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))[6].

4- قال صلى الله عليه وسلم: ((رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ))[7].


المقاصد المستخلصة من النصوص:

كل مَن دقَّق النظر في هذه النصوص الشرعية المباركة، وأعاد قراءتها مرات وكرَّات، سيُلفي أن ما تضمَّنتها من حِكم الصوم وأسرار الصيام، كفيلٌ بالحكم على أن شهر رمضان مدرسة تربوية بامتياز، فيها يتدرَّب الصائمون على مجموعة من المهارات، ومنها يكتسبون جملة من القيم والفضائل التي تؤهِّلهم لأن يعيشوا أحوالَهم خارجَ رمضان، كما عاشوها داخل رمضان.

 

من المقاصد التربوية التي يُمكن استخلاصها من نصوص الصيام هاته، ما يأتي:

• الانضباط واحترام المواعد وتقدير الوقت، وهذا المقصد مستفاد من قوله تعالى: ﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ في آية سورة البقرة السالفة؛ لأن الصائم الذي يُمسك عن الطعام والشراب والجماع، عند أول كلمة يرفعها المؤذن لصلاة الفجر: (الله أكبر)، ولا يتجرأ أن يستمر ويتمادى في الأكل والشرب، ويُفطر كذلك عند أذان المغرب مباشرة، ولا يمكنه أن يفطر قبله ولو ببُرهةٍ من الزمان، لا يمكن لهذا الصائم الذي عاش هذه الأحوال الانضباطية في مدرسة الصيام هاته، أن يُخْلف وعدًا، أو يُهدر وقتًا بعد خروج رمضان؛ لأنه - بكل بساطة - تدرَّب على فضيلة تقدير الوقت واحترام المواعيد في مدرسة الصيام.

 

الصبرُ وضبطُ النفس والتخلي عن الخبائث:

من المدرسة الرمضانية يتزوَّد الإنسان بشحنة الصبر؛ ليتخرج من هذه المدرسة وقد كمُلت نفسُه، وصُقِلتْ رُوحُه، ومُلِئَتْ جوانبُه بطاقات ضبط النفس، فيواجه ما يَعترضه من شدائد الحياة، ومِحن الزمان، بكل رَويَّة وتعَقُّل، وجَلَدٍ وتَبَصُّر؛ لأن كُنْه الصبر هو "قوة خلقية تُمكن الإنسان من ضبط نفسه لتحمُّل المتاعب والمشقات والآلام، وضبطها عن الاندفاع بعوامل الضجر والجزع، والسأَم والملَل، والعَجلة والرُّعونة، والغضب والطيش، والخوف والطمع، والأهواء والشهوات ...، فالصبر ضرورة حياتية لكل عمل نافعٍ، فكسبُ الرزق يحتاج إلى صبر، ومعاملة الناس تحتاج إلى صبرٍ، والقيام بالواجبات والمطلوبات الدينية يحتاج إلى صبر، والكف عن المحرَّمات والمكروهات يحتاج إلى صبر، ومقارعة شدائد الحياة ومقاومة مكارهها، وتحمُّل تكاليفها ومشاقِّها يحتاج إلى صبر، وهكذا...؛ لذلك كان الإنسان بحاجةٍ في كل سنة إلى دورة تدريبية يتدرَّب فيها على خُلق الصبر، وشهر رمضان هو شهر هذه الدورة الخلقية العظيمة الرائعة"[8].

 

أضِف إلى ذلك أن المتخرج من المدرسة الرمضانية، يهون عليه تركُ كلِّ خبيث وضارٍّ؛ لأنه كما كان قادِرًا أن يصبرَ على آلام الجوع ولسعات العطش مدة غير يسيرةٍ، فإنه قادرٌ كذلك أن يصبر على ما هو أهون من ذلك وأيسر؛ لأن حاجة الإنسان إلى الطعام والشراب أشدُّ ما يكون على الإطلاق.

 

وعليه، فمدرسة الصيام تُدرب الإنسان على ترك التدخين وما في حُكمه؛ لأن مَن تخلَّى عن الطعام والشراب، لن يُعجزه أن يتخلى عن مثل هذه الخبائث.

 

مواساة الفقراء والشعور بمعاناة الضُّعفاء:

يتخرج العبد المؤمن من المدرسة الرمضانية وقد مَلَكَتْه معاني الرحمة امتلاكًا، واستحوذتْ على قلبه استحواذًا، كيف لا وقد قضى ثلاثين يوما نُشِرتْ فيها رحمة الله تعالى نشْرًا؟

إن ذلك الشعور اللطيف، والإحساس الجميل، الناشئ عن شدة الجوع والعطش - سيُوقظ المؤمن الصائم، ويُحرك فيه جوانبَ الدفء والرحمة بإخوانه الفقراء؛ لأن الذي آلَمه الجوعُ والعطش في أيام معدودات، لا بد أن يتذكَّر البطون والأكبادَ التي تَجوع الدهرَ كلَّه؛ فالرحمة إنما تنشأ من الألم كما يقول الرافعي - رحمه الله - ومتى مُلِئَ قلبُ الصائم الغني بهذا الإحساس، وهذا الشعور الذي يتولد عن جوع الصوم - تحوَّلت جوارحُه كلُّها إلى خدمة الفقير ومساعدته؛ لأنه كما "تكثُر رحمة الله تعالى على عباده المؤمنين الصائمين في رمضان، فإن واجبَ الشكر يستدعي منهم أن تتدفَّق قلوبُهم بالرحمة في هذا الشهر المبارك على عباد الله البائسين وذوي الحاجات والضرورات؛ ليكون نصيبُهم من رحمة الله أوفرَ، وليكون حظُّهم من عطاء الله أكثرَ ... لأننا حين نتدبر ما رواه البخاري ومسلم عن جرير بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يرحَمُ اللهُ مَن لا يَرحَمُ الناسَ))، فلا بد أن نلاحظ أن مفتاح تلقِّي رحمة الله العظيمة أن يرحَمَ العبدُ غيرَه من الناس المستحقين للرحمة، أما مَن كان قاسي القلب، لا يَندَى برحمةٍ نحوَ عباد الله، فإن قسوة قلبه تَحجُب عنه استقبال فُيوضِ رحمة الله"[9]، خاصة في هذا الشهر الذي هو مَهبِطُ الرحمات.

 

• تقويم السلوك وتهذيب الأخلاق: وهذا المقصد مستفاد من الحديث رقم (2)، والحديث رقم (3) والحديث رقم (4) من النصوص المؤطرة لمقاصد الصيام التربوية.

 

ليست العبرة بصورة الصيام، ولا بصورة الصلاة، ولا بصورة الزكاة، ولا بصورة الحج...، ولكن العبرة بروح هذه العبادات ولُبِّها، ألا وهو (الأخلاق)؛ لذلك وبالنظر إلى النص الثاني والثالث والرابع، يُمكننا الجزم بأن الصيام مدرسة إصلاحية، ومحطة من محطات تقويم السلوك وتهذيب الأخلاق؛ لأن الشرع الحنيف بالَغ في النهي عن مجموعة من السلوكات الشائنة في رمضان، وإن كانت هذه السلوكات شائنةً في رمضان وفي غيره من الشهور والأزمنة، فإن الشرع استعظَمها واستقبَحها في هذا الشهر الكريم لِما له مِن حُرمة وقُدسيةٍ.

 

إن الأزمات التي تعيشها الإنسانية الآن في جميع الأقطار والأمصار، وعلى كافة المستويات والمجالات، إنما يرجع أصلُها إلى أزمة واحدة فقط، هي أزمة الأخلاق والقيم، فالأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبَّط فيها بعضُ الأمم الآن، إنما ترجع في الأصل إلى الأزمة الأخلاقية القِيَميَّة؛ لأن الأخلاق هي التي تؤطِّر الإنسان، وتجعل منه مراقبًا على نفسه، ومحاسبًا لتصرُّفاته، ومقدِّرًا لمسؤولياته، وقائمًا بمهماته، وحافظًا لأماناته ... فإذا حضَر الوازع القيمي، غابت الظواهرُ التي تضرب النهضةَ والانبعاثَ في مَقتلٍ؛ مِن سرقةٍ، واختلاسٍ، وغِشٍّ، وتزويرٍ، وكذبٍ، ونفاقٍ، وخداعٍ؛ لذلك ما تعبَّد اللهُ تعالى الناسَ بهذه العبادات، وما افترَض عليهم هذه الفرائضَ والواجبات، إلا ليجعَل منهم عبادًا أطهارًا يمشون على الأرض، فالله تعالى لا تنفَعه طاعة الطائعين، ولا تَضُرُّه معصيةَ العاصين، فصيامُنا وصلاتنا وزكاتنا وحَجُّنا، لا يزيد في ملك الله ولا يَنقُصُ منه شيئًا؛ ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37].

 

فإذا تتبَّع القارئ الحصيف المواردَ التي ورَد فيها ذكرُ الفرائض الدينية، والشعائر الإسلامية العظيمة في القرآن والسنة - سيجد أن الله تعالى كلما ذكَر فريضةً من الفرائض، ذكر عقبَها قيمةً حميدة، أو سلوكًا شائنًا؛ كتعليلٍ لمشروعية تلك العبادة، ومن المعلوم أن النص الشرعي إذا عُلِّل بعلةٍ، أو قُيِّد بقيدٍ، فرُوح تلك العبادة هو ذلك القيد وتلك العلة.

 

وخُذ معي على سبيل المثال شعيرة الصلاة، فقد ذكرها الله تعالى وذكر عقبَها الفحشاءَ والمنكر، فقال تعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

 

وخُذ معي كذلك شعيرةَ الحج، فقد ذكرها الله تعالى وذكر عقبَها الرفثَ والفسوقَ والجدال، فقال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].

 

وخُذ معي أيضًا شعيرةَ الزكاة، فقد ذكرها الله تعالى وذكر عقبَها العِفَّةَ، فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 4، 5].

 

وخذ معي كذلك شعيرةَ الصيام في النص الثاني والثالث والرابع من النصوص المؤطرة للمقاصد التربوية من هذا المقال، فقد ذكَرها النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عقبَها الرفثَ والصخبَ، والتساب والتقاتل، وقولَ الزور والعملَ به.

 

فذِكرُ هذه الأخلاق والسلوكات عقبَ هذه الشعائر العظيمة، مُشْعِرٌ بأن هذه الفرائض ما شُرِعت إلا لمقصد تهذيب السلوك وتقويم الأخلاق، بل مِن أجل هذا المقصد ظهَرت البَعثة المحمدية وجاء الدين كلُّه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق))[10].

والحمد لله بدءًا وختامًا.



[1] مسند الإمام أحمد، ج 1، ص 69؛ تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 2001م.

[2] صحيح البخاري، ج1، ص 16؛ تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، 1422هـ.

[3] المعجم الكبير للطبراني، ج 6، ص 38؛ تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد، مكتبة ابن تيمية – القاهرة، الطبعة الثانية، بدون بيان سنة الطبع.

[4] لسان العرب، جمال الدين بن منظور الأنصاري، باب الراء، ج 7، ص 161، دار صادر - بيروت، الطبعة الثالثة 1414هـ.

[5] صحيح البخاري، باب: هل يقول: إني صائم، ج3، ص26.

[6] صحيح البخاري، باب: مَن لم يدَعْ قولَ الزُّور، ج3، ص27.

[7] سنن ابن ماجه، ج1، ص539؛ تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء الكتب العربية، (بدون بيان الطبعة وسنتها).

[8] الصيام ورمضان في السنة والقرآن، عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني، ص 157 و 158، دار القلم - دمشق، الطبعة الأولى 1987.

[9] الصيام ورمضان في السنة والقرآن، عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني، ص 151 و152.

[10] مسند الشهاب، محمد بن سلامة القضاعي، ج2، ص192؛ تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد، دار الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية 1986م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مدرسة الصيام (1)
  • مدرسة الصيام (2)
  • خطبة مدرسة الصيام
  • حكم الصيام وغاياته في ضوء القرآن والسنة
  • مقاصد الصيام ومظاهر الرحمة في تشريعه
  • أثر المقاصد في تحديد دلالة الألفاظ: دلالة الأمر والنهي أنموذجا
  • مدرسة الصيام

مختارات من الشبكة

  • من خصائص رمضان: الصيام مدرسة عظيمة في أمور عديدة(مقالة - ملفات خاصة)
  • صيام التطوع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهم المدارس اللسانية الغربية الحديثة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المدرسة الإسلامية بمانشستر تصنف ضمن أفضل مدارس المدينة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تعلمنا في مدرسة الصيام أن الإيمان والخلق قرناء(مقالة - ملفات خاصة)
  • تعلمنا في مدرسة الصيام أن نعيش بروح العبادة(مقالة - ملفات خاصة)
  • ماذا تعلمنا من مدرسة الصيام؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بريطانيا: مدارس في لندن تمنع الطلاب المسلمين من الصيام(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مراتب الصعود في مدارج القبول في مدرسة الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • دروس عظيمة يحصِّلها المسلم في مدرسة الصيام(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب