• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | محاضرات وأنشطة دعوية   أخبار   تقارير وحوارات   مقالات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية ...
    خاص شبكة الألوكة
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / العولمة
علامة باركود

الفقه في زمن العولمة

د. سعيد بنسعيد العلوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/8/2014 ميلادي - 19/10/1435 هجري

الزيارات: 8438

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفقه في زمن العولمة


تمهيد:

لعل أكثر النعوت التصاقاً بالعصر الذي نعيش فيه، متى اعتبرنا الثورة المعلوماتية التي نشهدها وهذا من جانب أول، ومتى نظرنا إلى الانتقال السريع للسلع والبضائع من جانب ثان من هذا العالم إلى جانب آخر، ومتى اعتبرنا حال أغلب دول المعمور أمام الشركات العملاقة، هو نعت: العولمة، فالعولمة، للأسباب التي أشرنا إلى البعض منها، عنوان العلاقة التي تحكم دول المعمور فتجعل البعض القليل منه في مكان السطوة والسيطرة والغالبية العظمى منه في موقع التبعية والضعف. وعالمنا الإسلامي الفسيح، والدول العربية الإسلامية جزء منه بطبيعة الحال، يدخل في عداد هذه الغالبية العظمى من دول الكرة الأرضية التي تعيش واقع العولمة منفعلة لا فاعلة تتهددها الأخطار لا في أمنها الاقتصادي ومحيطها المادي بل وفي نظمها الروحية والقانونية والاجتماعية وبالتالي في وجودها الاجتماعي والثقافي. وحيث كان الفقه في الإسلام مناط التشريع لأفعال المكلفين فيما كان متصلاً بالعبادات والمعاملات، وحيث إن هذه الأخيرة تتعلق بأمور الوجود المادي (الاجتماعي والاقتصادي والسياسي)، وبالتالي بأمور الدنيا - كما يقول الفقهاء - فإن سؤالاً طبيعياً يتبادر إلى ذهن المسلم اليوم وهو: ما الدور الذي يكون في إمكان الفقه أن يلعبه في عالم سمته الأساس العولمة؟ يمكن للسؤال أن يطرح بكيفية أخرى فيقال: هل يملك الفقه الإسلامي اليوم أن يشرع للمسلمين من الأحكام الشرعية ما يحفظ عليهم دينهم ويمكنهم، في الوقت ذاته، لا من الانتساب إلى العصر الذي يحيون فيه فحسب، بل وفي الأخذ منه بنصيب؟

 

لا غرو أن أخص سمات الشريعة الإسلامية، هي التطلع إلى مواكبة تطور الأزمنة والعصور بالأحكام العملية الشرعية الملائمة، وتلك هي وظيفة الفقهاء ومسؤولية الفقهاء في الإسلام. ذلك أن الأمة الإسلامية، كما يقول محمد بن الحسن الحجوي «لا حياة لها بدون الفقه ولا رابطة ولا جامعة تجمعها سوى رابطة الفقه وعقائد الإسلام، ولا تتعصب لأي جنسية فهي دائمة بدوام الفقه مضمحلة باضمحلاله، فمهما وُجِد أهل الفقه واتبعوه كانت الأمة الإسلامية، ومهما انعدم الفقه والفقهاء لم يبق للأمة اسم الإسلام»[1].

 

لست أنسب نفسي إلى الفقه، فذاك شرف لا أدعيه ولست أملك له المؤهلات، ولست أنتمي إلى زمرة الفقهاء، فتلك رتبة أجلها ولكن مداركي تدق عنها وقصوري يحول بيني وبين الوصول إليها غير أني، انتماء إلى الإسلام ديناً وإلى الشريعة المحمدية منهاجاً، أجيز لنفسي ( من هذا المنبر السَنِيِّ، أن أعمل النظر بالمساءلة والتنبيه إلى قضايا تتصل بحال الإسلام وواقع المسلمين في عالم "العولمة". من ثم طرحي للسؤال الإشكالي: ما ذا يستطيع الفقه الإسلامي، بتوسط الفقهاء، عمله في زمن العولمة؟ ربما كان السؤال متضمناً لسؤال آخر يخرج من جوفه أو كان دالاً عليه وهو: ما الهدف الأساس أو الأهداف الكبرى التي يلزم فقهاء الأمة ونخبها أن تجعله نصب أعينها متى كنا نريد لأهل الإسلام مكاناً مشرفاً في الأزمنة المعاصرة؟

 

أحسب أن المقاربة المنهجية الصائبة تقتضي، في معرض حديثي التأملي هذا، القيام بوقفات قصيرة عند العناصر أو الأقسام الثلاثة الضرورية التالية. قسم أول أحاول فيه معالجة مفهوم العولمة ذاته. وقسم ثان أسعى فيه إلى استخلاص الدلالة البعيدة التي يستوجبها الاجتهاد، من حيث هو إعمال للعقل الفقهي يتوخى الوقوع على الأحكام الشرعية التي تستوجبها الوقائع الجديدة. وإذا كان الاجتهاد، في أمده الأقصى، يستوجب التجديد في أمور الدين فإنني أرى الوقوف عند هذا المعنى ودلالته على حياتنا المعاصرة. وقسم ثالث، أخير، أحاول فيه قولاً مقبولاً في مهام الفقه ومسؤوليات الفقهاء في زمن العولمة.

 

1 - العولمة وزمانها:

تقترن العولمة، في أذهان الكثير من الدارسين بالتطور الذي عرفته الدولة القومية. في أول الأمر اعتبرت الدولة الحديثة، في الغرب الأوربي، دولة تتصف بالشمول المطلق في المسؤولية عن البلاد والعباد فكان النعت المناسب لها: «دولة الرعاية المطلقة» (أو ما يقابل في الإنجليزية لفظ Providence State وفي الفرنسية لفظ L’Etat Providence). ثم حصل في فهم الدولة القومية ومسؤولياتها أمام المجتمع تطور أصبح الهم الأساس للدولة بموجبه هو العمل على احترام القوانين والتكفل بكل الشؤون التي تتصل بالأمن الخارجي للبلد في حين أن شؤون الاقتصاد والتجارة، وكذا ما تعلق بالخدمات المختلفة (النقل، التعليم، الصحة، الرعاية الاجتماعية... إلخ) لا تعتبر من صميم انشغالات الدولة وجوباً. إنها الدولة التي تظل ساهرة حتى ينعم المواطنون في الدولة بالنوم وهم مطمئنون على أرواحهم وسلامة ممتلكاتهم - لذلك قيل عن هذه الدولة إنها تقوم بعمل الحارس الليلي (L’Etat veilleur de nuit) وبموجب التطور الذي شهدته الدول الرأسمالية الكبرى وما كان عن ظهور نظام اقتصاد السوق، والمنافسة الحرة، وتكون التكتلات الاقتصادية التي ينتج عنها ظهور شركات عملاقة تخترق عدداً من الدول مجتمعة، بل وربما كانت الإمكانات المالية والتجارية للبعض من تلك الشركات يتجاوز مقدرات دولة بأكملها، بموجب هذا كله غدا الحديث عن وظيفة جديدة للدولة تكون في تناسب مع هذا الواقع الجديد: وظيفة يغدو فيها دور الدولة تقديم التسهيلات الضرورية لعمل نظام اقتصاد السوق. كذلك برز مفهوم جديد ومعنى جديد للدولة. إنها دولة "التسهيل" (L’Etat facilitateur) وبعبارة أخرى فإن الدولة، في صيغتها الجديدة التي تجد تجلياتها في الأنظمة الليبرالية الكبرى وفي الإيديولوجيات التي تدعمها، حملت الدولة على التخلي عن الوظائف التقليدية التي تقوم بها منذ أول تكون الدولة الحديثة وكانت ترى فيها مظاهر السيادة وشروطها معاً. من ذلك مراقبة التجارة الخارجية، حماية الصناعات المحلية أو القومية، اعتبار الدولة الرقيب الأوحد على تنقل السلع والبضائع وإخضاعها لنظام من الرقابة ولسلسلة من القيود.. يمكن القول إن نوعاً من "التفويت" حصل من قبل "دولة التسهيل" لصالح الشركات العملاقة والتكتلات الاقتصادية الكبرى التي تتجاوز حدود الدولة. كان من نتائج هذا التفويت، ومن مقتضياته القانونية، التخلي عن منطق الحماية التجارية للسلع والمنتوجات القومية وذلك بفرض ضرائب على السلع المماثلة المستوردة من بلدان أخرى ربما كانت أكثر رخصاً أو أفضل جودة أو هما معاً.

 

غير أن الأمر لم يكن مقصوراً على الدول الغنية المالكية لأقساط من الشركات الكبرى أو التي تنتسب إليها، بل إنه امتد ليشمل - من باب الهيمنة وفرض الأمر الواقع - على دول الجنوب وذلك بممارسة مختلف أشكال الضغط السياسي على تلك الدول وحملها على الانصياع لمراكز القرار الجديدة في العالم، تلك التي تقنن لعالم العولمة وراء ستار وتمسك بخيوط اللغة وهي، على وجه الخصوص، البنك الدولي، وصندوق النقد العالمي، والمنظمة العالمية للتجارة ثم، في انصياع حتمي لقرارات هذه الهيآت، المنظمات العالمية الأخرى (المنظمة العالمية للتغذية، منظمات المساعدات الدولية المختلفة). هو إذن واقع جديد يجوز القول فيه إن الحاكم الآمر هو الشركات العملاقة العابرة للقارات، والموجه فيه هو الرساميل التي تتوق إلى تحقيق الأرباح الخيالية ومراكمتها. إنه «كون افتراضي لا تشابه بينه وبين العالم الجغرافي - التاريخي التقليدي (...) هنالك الآن أفراد أغنى من الدول. فثروة الأفراد الخمسة عشر الأكثر غنى في العالم تتجاوز قيمة الإنتاج الداخلي العام لجميع البلاد الإفريقية جنوبي الصحراء»[2]. إنه، في عبارة أخرى، عالم تسيطر فيه 200 شركة متعددة الجنسيات على 23 % من التجارة العالمية. عالم يبلغ فيه ما يمتلكه 225 فرداً (مائتان وخمس وعشرين) ما يعادل تماماً «مجموع الدخل السنوي لـ 2,5 مليار شخص هم الأفقر بين سكان العالم - أي 47 % من سكان العالم»[3].

 

إن كل الأحاديث المتداولة اليوم عن وجوب إدخال إصلاحات سياسية هيكلية في نظم حكم دول الجنوب إصلاحات يكون عنها احترام لحقوق الإنسان، وإفساح مجال أكبر للمرأة، وضغط في اتجاه حياة سياسية قوامها التعددية والحياة البرلمانية النشيطة واتساع دائرة المشاركة السياسية وقاعدة الحريات العامة، وبالتالي كل المعاني الجميلة والقيم العليا.. كل هذه الأحاديث تخفي وراءها، أحياناً كثيرة، إرادة اكتساح أسواق جديدة وضمان الاستقرار السياسي في مختلف دول الجنوب التي أصبحت فضاء فسيحاً للصناعات الرخيصة الكلمة، بفضل رخص أجور العمال في دول الجنوب التي تتباكى كثير من دول الشمال على سوء الأحوال فيها.

 

ربما كانت هذه الصورة غير خلو من المغالاة من جهة، ومن نزعة نحو التبسيط الذي يغض الطرف عن آليات غيرها وهذا من جهة أخرى، غير أن الصورة تظل، في ملامحها العامة ومكوناتها الأساس، صادقة إلى حد بعيد. وأنت لو حاولت أن تخرج من التعاريف المختلفة والعديدة للفظ الفرنسي mondialisation ولمثيله الإنجليزي globalization (وهما المقابلان للفظة العولمة) فأنت لا تظفر بغير معاني ترجع إلى حرية التجارة، والدعوة إلى فتح الأسواق أمام الشركات العظمى، ثم إنك تجد بدعاوى مراعاة القيم الإنسانية الشمولية، وحقوق الإنسان في مقدمتها، ما يستبيح بلاد الفقراء ودول الجنوب وما يبرر الهيمنة بكل سبيل.

 

في العوملة اتجاه الهيمنة الثقافية والروحية، مع الهيمنة السياسية، وسعي، بامتلاك ما ألمحنا الإشارة إليه من التأثير في مراكز القرار الدولي الكبرى، إلى التحكم في الخيرات الاقتصادية العالمية وإحكام القبضة على سوق التجارة العالمية وتصريف السلع والبضائع وإملاء الشروط والخدمات. لا يستدعي الأمر التوافر على معرفة اقتصادية عالية ولا الصدور عن نظرة استراتيجية عميقة في الخريطة الجديدة للعالم حتى يتبين المرء أن دولاً برمتها، يتجه عددها نحو التعاظم، أخذت تصبح وسائل ومجالات لخدمة مصالح وسياسات هذه الوحوش الاقتصادية الهائلة الجديدة أو التي هي في طور التشكل. وليس الأمر يقتضي التوافر على معرفة تاريخية عميقة ولا التسلح بأدوات معرفية ناجعة في التحليل الثقافي حتى يتبين الإنسان وجود إرادة قوية، تمتلك وسائل رهيبة لا قبل للشعوب والدول بها، بَلْهَ الأفراد والجماعات، من أجل فرض نموذج ثقافي واحد مع ما يستدعيه من قيم جديدة وفلسفة تناسب ما يكون عن اقتصاد السوق من خلق الحاجات وحث على الاستهلاك الدائم والتوافر على سلم المعايير يرسم ما ينبغي أن يكون عليه الذوق الفني والجمالي ونظم العيش. كل ذلك خدمة لمصالح اقتصادية - ثقافية - سياسية تتداخل وتتكامل مع بعضها البعض.

 

في العولمة فرض وإملاء من جانب أول، هو الجانب القوي المسيطر، وطاعة وامتثال من جانب ثانٍ هو مجموع دول العالم الأكثر فقراً والأقل قوة وتصنيعاً.

 

تلك بعض ملامح العولمة، آثر القول فيها اختصاراً، مع تشعب القضايا والمشكلات وغموض الرؤية التي تلازم خطاب العولمة ومع وفرة الدراسات التي سعت إلى تعرية الممارسات في العولمة مما لا تزال تتصدى له عدد من الجمعيات والمنتديات ممن يطلقون على أنفسهم مناهضي العولمة (Altermondialistes). العولمة واقع راهن وفي الخطاب العربي المعاصر خاصة أخطاء في الحديث عنها قد يكون أكثرها تعبيراً عن السذاجة في فهم الأشياء هو الاعتقاد بأن في إمكان الشعوب والدول الإسلامية عامة، والعربية الإسلامية خاصة، أن تقبل العولمة أو ترفضها. تأخذ بأسبابها متى شاءت ذلك وتوصد الأبواب في وجهها متى كرهت ذلك أو قدرت أن فيه تهديداً لكيانها الثقافي ومعتقداتها الدينية وللقيم التي تأخذ بها.

 

موطن السذاجة في موقف مماثل هو الجهل، جملة، أننا لا نملك تجاه العولمة أن نشاء أو نرفض بل هي واقع حَال علينا التأقلم معه والانصراف عن سلوك سياسة النعامة إذ تخفي رأسها في الرمال والصياد يطاردونها فتتوهم أنهم قد انصرفوا ما دامت لا تراهم. ذلك أن المسلمين بعض من شعوب العالم من جهة أولى، ومقتضيات الشريعة الإسلامية تستوجب إجهاد الفكر الفقهي في توخي أحكام جديدة لواقع جديد وهذا من جهة ثانية.

 

إن المطلوب هو أن يتساءل المسلم اليوم: كيف يكون لي أن أحمي ظهري وأحصن وجودي وأدافع عن ديني في عالم سمته بعض مما ذكرنا؟ وحيث كان الفقه جلاء الشريعة وكانت أحكامه ترجمتها العملية فإن سؤالنا الأصلي المتعلق بالفقه في زمن العولمة يصبح إذن ذا معنى وغاية.

 

وإذا كان مطلب التجديد في الدين، وهو الغاية القصوى من إعمال العقل الفقهي الاجتهادي، مما نرى أن زمن العولمة يستوجبه فإننا نقف عند خطاب التجديد ودلالته اليوم وقفة ضرورية.

 

2 - التجديد في الدين في زمن العولمة:

2-1. التجديد الديني أمر إلهي:

في الحديث المتفق عليه من كبار رواة الحديث أن الله يبعث للأمة، على رأس كل مائة عام، من يجدد لها أمر دينها. وهذا الوعد النبوي حقيقته إنْبَاءٌ عما سيكون في مستقبل الأزمنة والعصور وهو تجديد الدين. ومن جهة المنطق فإن التجديد لا يكون إلا متى كان هناك حصول لِلْبِلَى والتلف ومتى كان النبي يعلم، وحياً من ربه تعالى، أن تفريطاً في الدين سيحصل وأن تنكباً عن سبيله سيحدث فتكون الغاية من التجديد في الدين إذن هي حفظ الأمة من الانحراف وحفظ الدين من الضياع. نقرأ في القرآن الكريم ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9] ونبحث في كتب التفسير فنجد من المفسرين اتفاقاً على أن المقصود بذلك حفظ الكتاب من التبديل والتحريف والزيادة والنقص «وبالتالي حفظ الدين في أساسه المكين». وفي حديث نبوي آخر نجد نبي الإسلام يماثل بين الإنسان الحريص على دينه في زمن العسر والشدة وبين «القابض على الجمر» إذ كلاهما في حال مؤلم صعب.

 

نعلم أن المشتغلين بالعلوم الإسلامية كتبوا كثيراً في مسألة التجديد والمجديين وصفاتهم وطبقاتهم، فعدوا من رأوه أهلاً لذلك من أهل المائة الأولى، وذكروا من حكموا له بالوجود ضمن المائة الهجرية الثانية وهكذا حتى كان الوصول إلى العصر الذي يتحدث فيه المتحدث عن المجدد وزمانه. وفي تقديرنا فإن المقصود بالمائة عام في الحديث النبوي ليس تمام القرن على وجه التحديد بل المراد منه انصرام عدد من العقود والسنوات مع اشتداد الحاجة إلى التجديد في الدين. ولعل من المفيد في ذلك، من حيث دلالة اللغة، أن نقيس على القول القرآني في المنافقين، إذ يخاطب الله رسوله المصطفى ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 80]. والإفادة في تقديرنا، واضحة وهي استدعاء الدين للتجديد بعد حصول أحداث عظمى أو انصرام حقب مخافة حصول الخطأ والانحراف بفعل تفشي الجهل في الدين أو القصور عن الاجتهاد الحق الذي يستدعيه الوقت وبحسب ركون الناس إلى عادات يحسبونها بعضاً من الدين في حين أنها ليست من شيء وذلك هو شأن البدعة. والبدعة في معناها الاصطلاحي هي، كما يوضح الشاطبي ذلك في كتابه "الاعتصام" «العمل الذي لا دليل عليه في الشرع»[4]. والعمل الذي هو كذلك مصدره أخطاء عديدة يعددها الفقيه الأندلسي غير أنها تؤول، في نهاية الأمر، إلى مصدرين إثنين. فأما الأول منهما فهو الغلو بمعنى «المبالغة في التعبد لله تعالى». وأما الثاني فهو الاعتقاد أن في إمكان العقل بمفرده، أي في استقلال عن إرشاد الشرع، أن يعرف سبيل الهداية. والحق عند الشاطبي أن المبدأ الصحيح في الاعتقاد هو أن «العقول لا تستقل بإدراك مصالحها دون الوحي (...) لأن العقل إذا لم يكن متبعاً للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة»[5]. إنهما طرفان قصيان وكل منهما، عملا بمبدأ اتباع الوسط العادل، رذيلة والاعتداد بالعقل وحده رذيلة كذلك. يمكن القول، بكيفية أخرى، إن العمل الذي لا دليل عليه في الشرع - وهو البدعة - ليس شيئاً آخر سوى اجتناب السلوك الذي ارتضاه صاحب الشريعة ونَهْيٌ عن مخالفته والخروج عنه. في البدعة إذن إساءة للسنة، وكل محاربة للبدعة إحياء للسنة. يمكن القول إذن إن إماتة البدعة، من حيث هي إحياء للسنة وإرجاع إلى الطريق القويم أو "المحجة البيضاء"، أول الطريق على درب التجديد في الدين. كما يمكن القول أيضاً، اقتضاء لما تقدم، إن صرف الهمة إلى التجديد في الدين على الحقيقة - عند المالك للقدرة على ذلك أو عند المالكيين لها من الصفوة بالأحرى - إنصياع للأمر الإلهي والتزام بمقتضيات القرآن والسنة.

 

2 -2. التجديد في الدين مطلب معاشي:

غني عن البيان أن التجديد في الدين درجة عالية جداً من درجات الاجتهاد في الدين، بل لعلها أعلى الدرجات الممكنة. وإذا كنا نعلم أن الاجتهاد هو إعمال للعقل الفقهي فيما لم يعرف من القضايا إجماع عليه، ولم يتقرر في السنة قولاً أو فعلاً أو سكوتاً عنه من النبي، ولم يرد فيه نص قرآني صريح أو يستدعي التأويل. وإذا كنا نعلم أن مطالب الاجتهاد هي تقديم الجواب الشرعي عن النوازل التي يطرحها الوجود العيني للبشر وتستدعيها أمور المعاش كما يقول علماء الأصول فنحن ندرك خطورة قضيتين جديدتين تجابهان الناظر: أولاهما مدى قدرة الدين على مواكبة سنة الحياة في التغير والتبدل وصلاحية الدين اليوم وإمكان وجوده في أزمنتنا المعاصرة. وثانيتهما هي التي يمكن صياغتها في السؤال التالي: من يمتلك شرعية الحديث عن التجديد الديني؟

 

شكلت القضية الأولى مدار البحث عند مفكري الإسلام في عصر النهضة، بل لعلها مادة الخطاب الديني والعنصر الفاعل الأكبر في بنية ذلك الخطاب. وإذ لم نكن نرى فائدة من الخوض في السؤال الضمني أو الصريح الذي تطرحه (= قدرة الدين الإسلامي أو عجزه عن مواكبة قطار التطور) فإننا نرى أن سؤال القضية التالية (= من يمتلك شرعية الحديث عن التجديد الديني؟) يستدعي وقفة قصيرة.

 

نرى، تمهيدا للإجابة عن السؤال المتقدم، لزوم طرح مجموعة من الأسئلة نسوقها على النحو التالي: هل يملك المرء أن يتحدث عن تجديد الفكر الديني دون أن يكون هو ذاته، على نحو أو آخر، موجوداً داخل دائرة الفكر الديني وبالتالي معنياً به من حيث إن ذلك التجديد يكون ملزماً له في حياته العملية؟ ونتساءل، من جهة أخرى، فنقول: نعلم ما للدين من أثر فاعل، حاسم أحياناً كثيرة، في مجتمعاتنا الإسلامية وفي عالم اليوم إجمالاً، فهل يملك عالم الاجتماع، في العالم الإسلامي، وكذا زميله عالم السياسة، وزميلاه الآخران، المؤرخ والفيلسوف، أن يتصرفوا عن الشأن الديني في العالم الإسلامي؟ وبعبارة أخرى: هل يَسَعُ أحداً ممن ذكرنا من الباحثين أن يكون من قضية التجديد في موقف الحياد؟ وقد يجوز التساؤل أيضاً: هل في إمكان الخطاب الفلسفي في العالم الإسلامي، وكذا خطاب كل من علم الاجتماع، والسياسة، والتاريخ، أن يكتسب، في معرض الحديث عن التجديد الديني، سنداً منطقياً ودعامة شرعية؟

 

يحتج البعض بالقول المأثور: لا رهبانية في الإسلام، وهم يقصدون بذلك أنه لا وجود في الإسلام لنظام كهنوتي يمنع غير رجال الإكليروس من القول في الدين، غير أن هذا البعض يغفل عن القاعدة الشرعية التي تقضي بأن الله لا يعبد بجهل، ومعنى تلك القاعدة أن القول في الدين يستلزم التوافر على عدة معرفية ليست تكون لعموم الإنسان بل إنها مقصورة على خاصتهم فحسب، والخاصة تلك هم علماء الدين في الأمة. والحق أننا لو تأملنا هذه القاعدة الشرعية لرأينا مغزاها يقوم في حفظ الدين من فتنة الجهال، وأدنى خطر يصيب الأمة من قول من لم يكن أهلاً للقول في الدين هو خلط الشرع بما ليس فيه من الخرافة والبدع والشعوذة. بيد أننا، لو أمعنا النظر، لتبينا وجود خطر داهم يفوق الخطر السابق ذكره في مداه وهو خطر الوقوع على فهم دلالتي المسؤولية والحوار. وفي كلمة جامعة نقول إن الشرعية، شرعية التشوف إلى التجديد في الدين، تتسع فتقبل في صفوفها كل من كان مؤمناً بالدين الإسلامي (ثوابته وأركانه) ومتشرباً لدلالة القاعدة الأصولية التي تقضي بأن شرع الله يكون حيث تكون مصلحة عباد الله.

 

متى تقرر ما تقدم فنحن لا نلتمس السند الشرعي لوجوب التجديد في الدين، اليوم، في زمان العولمة، بل إننا ندل على معالم الطريق الكبرى للقول في الفقه في هذا الزمان. تسليم بصلاحية الشريعة وقدرة الفقه على المواكبة بالتشريع، متى امتلك الفقه الوسائل الضرورية لذلك. التمييز بين من يكون له أن يقول في الدين ويدعو إلى التجديد، بحكم انتسابه إلى الملة وصدور عن حقل معرفي معلوم وبين الفقهاء العلماء بالدين ثم بين هؤلاء جميعاً وبين من ينتسبون إلى الغلو في الدين، ومن ثَمّ الوقوع في شرك البدعة - وهؤلاء أبعد الناس عن خدمة الدين في أزمنتنا اليوم.

 

3 - الفقه في زمان العولمة:

إذا ما اعتبرنا حال المسلمين في زمان العولمة (السمة الكبرى المميزة للعالم الذي نعيش فيه) «نازلة» تستوجب من علماء الأمة، أهل الفقه في الدين، أن يشرعوا لها ما يستوجبه واقع الحال من أحكام جديدة مناسبة فإن سؤالاً تمهيداً يطرح نفسه ضرورة. السؤال يتصل بمدى تمثل فقهاء الأمة لواقع العولمة ولموقع أهل الملة في هذا الواقع، وبالتالي حالهم في الوجود العالمي اليوم. ذلك أن استيعاب المشكل والإحاطة به في جوانبه المختلفة هو التوطئة الضرورية للقول فيه. وبعبارة فإن أول الدرب، عند فقهاء الإسلام بمعية أهل الرأي من أبناء الملة المتنورين، هو وعي العولمة ذاتها. وعيها من حيث آليات عملها، وأهدافها وهذا من جهة أولى، والوعي، من جهة ثانية، بأن المسلمين لا يملكون تجاه العولمة أن يختاروا بين الكون وعدمه - فلا خيار في ذلك - ومن ثَمّ فهم يلتمسون عند أهل الذكر الحلول العملية. والشارع لا ينظر إلى الناس كما لو كانوا كائنات نورانية تعلو على الزمان والمكان بل إن نظره إليهم، وتلك هي الحكمة العليا، من حيث إنهم بشر يضطربون في الحياة ويتقلبون في معارجها أحوالاً وأطواراً - ثم إن الشارع (وقد ذكرنا بذلك) يحمل أهل الشريعة على تقرير القاعدة الذهبية التي تلتمس في الاجتهاد السامي مصباحاً منيراً وسبيلاً هادياً: حيث كانت المصلحة فثم شرع الله.

 

نعلم أن الاجتهاد في الدين، بَلْهَ التجديد فيه، يستوجب على الفقهاء الاستعانة في الفهم والإدراك بآراء البصراء وخبرات العارفين بالمسائل موضوع السؤال أو الاختلاف (شؤون المال والتجارة والمعاملات، وشؤون الفلك والجغرافيا، وشؤون الصحة والجسم البشري وما شابه هذا من المجالات). كذلك كان كبار المجتهدين في الإسلام، أولئك الذين يرقى بهم علمهم إلى رتبة التجديد في الدين، يجلسون استعداداً وتهيباً بمجلس السائل الطالب الذي ينشد معرفة ما لم يحط به علماً. ذاك، فيما نحسب، مقدمة الفقه في الدين - ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.

 

نحن إذن أمام عنصر أول في الإجابة عن السؤال موضع بحثنا: ماذا يستطيع الفقه في زمان العولمة؟ يستطيع الفقه - بتوسط الفقهاء - أن يستوعب طبيعة العولمة ومن ثَمّ يدرك حال المسلم وما يلزمه ويكون له في زمن العولمة سمته الكبرى المميزة - لا بل سمته الأساس. يستطيع الفقيه أن يفهم إذن، والفهم الصحيح أول الطريق - غير أن لفهم العولمة (طبيعتها، ضوابطها، انعكاساتها على المسلمين دولاً وشعوباً) شروطاً ووسائل تؤدي إلى ذلك مما يتعين الأخذ به.

 

العنصر الثاني، في الإجابة عن السؤال، يتصل بالعنصر أعلاه ويرتبط به إرتباط علة بمعلول. يتعلق هذا العنصر الثاني بإعداد العلماء، علماء الشريعة الإسلامية القادرين على الارتقاء إلى مرتبة الاجتهاد، من حيث مراكز التكوين ومعاهده ومن حيث المناهج المرجوة، والبرامج التي يستدعيها «حكم الوقت»، وبالجملة من حيث الوسائل الواجبة. كل هذا واجب، وما لا يكون الواجب واجباً إلا به فواجب مثله.

 

ما القول إذن، على سبيل الإيجاز، في إعداد العلماء اليوم وعلى أي نحو يلزم أن يكون ذلك؟

إذا صح أن لكل زمان مقتضياته ورجاله، وصح أن علماء الشريعة الموكول إليهم أمر إرشاد الأمة والقدرة على إبداء الرأي الشرعي المناسب لما يقتضيه منطق التطور وما تستدعيه مقاصد الشريعة، متى صح هذا فإنه يصح أن زمان العولمة يستدعي نظراً جديداً في تكوين العلماء القادرين على التواصل مع مقتضيات هذا الزمان وطلب الفقه في الدين على نحو يحفظ على الأمة دينها من جانب ويمكنها من الانتساب إلى العصر من جانب آخر. والأزمنة المعاصرة تقتضي، في بلاد الإسلام في عصر العولمة، إعداد علماء في الدين من طينة جديدة ويقتضي الإعداد المطلوب في ذلك التوافر على قدر هائل من الشجاعة في الرأي والجرأة في التنفيذ. ما يقضي به حكم الوقت هو التوافر على علماء في الشريعة لهم من اللغات الحية نصيب غير يسير، لا بل المطلوب، على الأقل، إجادة عالم الشريعة لأحد تلك اللغات على الأقل: قراءة وكتابة وقدرة على الجدل والحوار فالأمر، كما سنرى بعد قليل، يستدعي الدخول في حوار مع المخالفين في الملة والثقافة.

 

إن الأساس يظل، بطبيعة الأمر، تهيئة علماء في الشريعة الإسلامية يرتفع فيها علمهم إلى المرتبة التي تمكنهم من الإفتاء، أي الاجتهاد في الدين على النحو المطلوب شرعاً، لا بل إن المطلب اليوم يستدعي الارتقاء إلى درجة التجديد في الدين. غير أن الارتقاء إلى هذه الرتبة يستوجب، مع ذلك، الأخذ من المعارف العصرية بنصيب وافر. لنقل، في عبارة أكثر وضوحاً، إن إعداد علماء الإسلام اليوم يعني تكوين صفوة الصفوة والكلفة، لا شك في ذلك، عالية مرتفعة غير أن الدول الإسلامية لا تملك في ذلك أن تختار وإنما هي في حال الاضطرار. يعني ذلك، من جهة أخرى، وجوب إعادة النظر كلية في مراكز التكوين وإعداد العلماء (الأزهر، الزيتونة، القرويين وفي المعاهد الإسلامية الأخرى في مكة والمدينة ودمشق وبغداد وصنعاء، وفي ماليزيا والباكستان وأندونسيا وباقي بلاد الإسلام الأخرى). وإن هذا الأمر يستوجب، لخطره وأثره البعيد في حياتنا الروحية والعملية معاً، أن يفرد له الاهتمام وأن يكون، بمفرده موضع لقاءات وندوات.

 

العنصر الثالث من عناصر الإجابة عن السؤال المتعلق بما يستطيعه الفقه وما يلزمه القيام به في زمن العولمة متصل بموضوع الحوار مع أهل الديانات الأخرى، عامة، وأهل الديانات السماوية خاصة. والحوار لا يلزم له أن يكون من أجل تكذيب أهل الديانات الأخرى أو تصديقهم في القضايا الاعتقادية. والحوار، مع أهل الديانات السماوية خاصة، لا ينبغي له أن يكون محاكمة للماضي وما وقع فيه من أخطاء وما عرض للمسلمين فيه من ظلم. والحوار، ثالثاً وأخيراً، لا يلزم له أن يكون بقصد الدعوة إلى الدين الإسلامي والحض على تبني ما نقره من عقائد، إيماننا هو التسليم بصدقها ومتانتها وصدق رسول الإسلام عليه أفضل الصلوات والتسليم على أنبياء الله ورسله الصلاة والسلام لا نفرق بين أحد من رسله. الحوار مع أهل الديانات السماوية يستوجب خدمة هدفين إثنين بها تكون خدمة أهل الملة في زمن العولمة. الهدف الأول هو إظهار الجوانب التي تحث في الشريعة الإسلامية على تكريم الإنسان والإعلاء من قدره والدفاع عن حقوقه التي أقرها الله تعالى وأقرتها، في مجملها، الشرائع والقوانين ثم تبنتها بعد ذلك منظومة حقوق الإنسان المتعارف عليها عالمياً. الهدف الثاني هو الانخراط في جبهة عالمية إنسانية تسعى إلى الوقوف، قدر الاستطاعة وجهد الإمكان، في وجه الطوفان الجارف الذي تسعى به القوى المالكة لزمام الأمر في العالم إلى القضاء على المميزات الثقافية والروحية لمختلف الأمم والشعوب والعمل على تدويل نموذج واحد، شرس، لا نكاد نجد له اسماً. إن الخوض في قضايا الحوار بين أهل الديانات الإسلامية من شأنه أن يشحذ الطاقات الفكرية لفقهاء الأمة وأن يحملهم على فتح سبل جديدة أمام الفهم المتجدد لمقاصد الشريعة العليا مما يمكن الفقه من لعب أدوار جديدة - متى كان الإعداد الجديد لفئة علماء الإسلام على نحو يمهد لذلك ويجعله ممكناً.

 

العنصر الرابع والأخير، في النظرة التي نأخذ بها في الإجابة عن السؤال المتعلق بالفقه في زمن العولمة، هو الإقرار بأن أوجب ما يستدعيه زماننا وأول ما يستوجبه على الفقهاء خاصة هو الأخذ في الاجتهاد في الشريعة بسبيل الاجتهاد الجماعي. يكفي أن نستحضر تشابك العلوم والمعارف في زماننا، واقتضاء الفهم الأخذ بأنصبة كثيرة مما يعجز الفرد الواحد، لا بل العلم الواحد والفن الواحد من الفنون، عن الإحاطة به.. يكفي أن نستحضر ذلك حتى نتبين أن التجديد في الدين، المقصد الأسنى للاجتهاد الواجب اليوم، يستلزم أن يكون الاجتهاد عملاً جماعياً تتضافر فيه الجهود فيحضر فيه، بجانب علوم الشريعة، علماء الأمة في مختلف أصناف المعارف والعلوم. متى أحسنا الإنصات إلى مقتضيات العولمة ونتائجها وانعكاساتها على نمط وجودنا ونظمنا الثقافية والاجتماعية والسياسية، فضلاً عن النظم الاقتصادية، فنحن نتبين مغزى الدعوة في الاجتهاد إلى الجهد الجماعي الذي ليس يكون إلا للمجامع العلمية الكبرى وللمؤسسات التي يحضر فيها ممثلو الدول الإسلامية عامة.

 

خاتمة:

يملك الفقه الإسلامي في زمن العولمة الكثير، ولكنه لا يملك أبداً أن يستسلم لحال من السلبية والعجز، ولا يملك لجهود فقهاء الإسلام أن تظل مشتتة، مبعثرة، سجينة رؤية عفا عليها الزمن ورؤية تجاوزاتها الأحداث.

 

الحق أننا، في زمن العولمة، في عالمنا الإسلامي - والوطن العربي الإسلامي بعض منه، في حاجة إلى فقه جديد لدين الإسلام. فقه جديد حتى نكون في حال مواكبة لما يحدث في العالم حولنا وفي أوطاننا. يصح القول إننا في حاجة إلى نظر جديد إلى معنى الفقه والفقيه حتى نكون قادرين على الانتساب إلى عصرنا حقيقة لا وهماً، حتى ندرك المغزى البعيد لمعادلة إيجابية طرفها الأول دولة مدنية حديثة لا يكون مصيرها السحق والدمار في زمن العولمة، وطرفها الثاني فقه إسلامي جديد أو بالأحرى تجديد في الفقه الإسلامي ضمن برنامج أشمل وأرحب هو التجديد في الدين على شروطه الشرعية والفكرية معاً.

 

هل نملك القدرة على رفع التحدي والجرأة على الانتماء إلى العصر مع الأخذ بأسباب القوة والتقدم من جانب والفقه في الدين من جانب آخر حتى لا تتداعى علينا الأمم كما يتداعى الأكلة على القصعة؟

 

المصدر: التاريخ العربي


[1] محمد بن الحسن الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، مطبعة البلدية، فاس، 1345 ﻫ، ص. 10.

[2] جان زيغلر، سادة العالم الجدد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2003، ص. 25.

[3] المرجع السابق، ص. 55.

[4] إبو إسحق الشاطبي، الاعتصام، دار المعرفة، بيروت، 1986، ج 1، ص. 36.

[5] الاعتصام، المصدر السابق، ص. 47.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حق المؤلف بين فقه الإسلام وفكر العولمة
  • الداعية والعولمة حوار مع فضيلة الشيخ (إبراهيم الحقيل)
  • العولمة
  • العولمة وتدويل التعليم العالي في ظل توازن التأصيل
  • عرض كتاب: العولمة .. مقاومة واستثمار
  • العولمة الخضراء
  • العولمة والعزوف عن العمل

مختارات من الشبكة

  • المقدمات في أصول الفقه: دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (1) علم أصول الفقه يجمع بين العقل والنقل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حقيقة مفهوم الفقه وأثرها في تدريس علم الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفرق بين قواعد الفقه وأصول الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المصنف الفريد في علم أصول الفقه في ثوبه الجديد لعبدالحكيم مالك(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العالم بالفقه دون أصوله، والعالم بأصول الفقه دون فروعه: هل يعتد بقولهما في الإجماع؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فقه تاريخ الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف علم أصول الفقه عند المالكية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النظريات العامة في الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب