• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | محاضرات وأنشطة دعوية   أخبار   تقارير وحوارات   مقالات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في ...
    خاص شبكة الألوكة
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / خطب رمضان والصيام
علامة باركود

ويا باغي الشر أقصر (خطبة)

ويا باغي الشر أقصر (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/3/2025 ميلادي - 17/9/1446 هجري

الزيارات: 2021

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ويا باغي الشر أقصر

 

الحمد لله الذي يمحو الزَّلل ويصفح، ويغفر الخطَل ويسمح، نحمده ما أمسى النهارُ وما أصبح، الحمدُ لله مُبلِّغِ الرَّاجي فوق مأمُولِه، ومُعطِي السائلِ زيادةً على مسؤولِه، نحمدُه على نيلِ الهُدى وحصولِه، وأشهد أن لا إله إلَّا اللهُ وحده لا شريك له، علَّم وألهم، وأنعم وأكرم، وأخَّر وقدَّم، وأحكَم وأبرم، وأمات وأيتم، وأوجب وألزم.

 

وأشهد أن سيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسله رحمةً للعالمين، وإرشادًا للجاهلين، فأبلغَ الرسالة، وأوضحَ الدِّلالة، وأزالَ الجهالة، وبيَّن الهدى من الضلالة، فنطق بالحجة، ونهَجَ المحجَّة، وشرَعَ الدين وأرشد إليه، وبيَّن الغيَّ وحذَّر منه، فلم يُبقِ عذرًا لمعتذِر، ولا حجَّةً لمحتجِج.

 

أيا خيرَ خلق الله.. يا ختْمَ رُسْلِهِ
علوتَ كما تعلو الرؤوسَ العمائمُ
وَلَا فَخْر إلَّا بانتسابي لأمّةٍ
بها أنت متبوعٌ وحبُّك لازمُ
عَلَيْكَ صَلاةُ اللَّهِ ما صامَ صائم
وما قام بالقرآن في الليل قائمُ
وما هلَّ شهرُ الخير باليُمن والعطا
وما اشتاق للبيت المعظّمِ هائمُ

 

صلى الله عليه وسلَّم ما لمع برق، وهمع ودق، وطلعت شمس، ونسخ اليومُ أمس، وبعد:

أيها المؤمنون الموحِّدون -عباد الله-:

إلى لقياهُ كم هَفَتِ المشاعر
وكم قلبٍ من الأشواق طائرْ!
يحثُّ خطى الدقائق والثواني
ويسرع كي يعانقَ خيرَ زائرْ
فيا أهلًا بشهر الصوم فاحتْ
طيوبُ شذاه فالدنيا مباخرْ
سويعات ويشرق في سمانا
سناك فتنتشي كلُّ الخواطرْ
فوصلك رَيُّ أفئدةِ العَطاشى
ومصباحُ الطريق لكلِّ حائرْ
أحبائي سيشرقُ خيرُ شهرٍ
به واللهِ كم حُسِمَت مصائرْ؟!
ووفقنا لما يرضيك عنا
وبالإيمان واجبر كلَّ عاثرْ
أَهِلَّ هلالَه باليُمن ربي
وجُدْ بالعفو إنك خيرُ غافرْ
وتهنئةٌ يصاحبها دعاءٌ
لكم أهلَ المكارم والمفاخرْ
وصلِّ إلهَنا في كل حينٍ
على المختار قرّةِ كلِّ ناظِرْ

 

أيها المسلمون، هذا شعبان قد تقلَّصتْ ظلالُه، وهذا رمضان أوشكَ أن يبزُغ هلالُه؛ فانظُروا ما تُودِعُونه، وتُوَدِّعُونه به من العمل الصالح، والدُّعاء المُجاب؟! فلعلَّ كثيرًا منَّا لا يبلُغه مِن قابلٍ، أو يبلغه فيعمل فيه ما هو فيه الآن عامِل؛ فاغتِنمُوا ساعاته، فإنَّها كنوزُ الثَّواب، ولجوا ما دام قد فُتح لكم الباب[1].

 

يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا دَخَلَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّياطِينُ»[2].

 

فأبشِروا -يا معاشرَ المسلمين-، فهذه أبوابُ الجنَّة الثمانيةُ -في هذا الشهر الكريم- لأجلكم قد فُتِحَتْ، ونسماتُها على قلوب المؤمنين قد نَفَحَتْ، وأبوابُ الجحيم كلُّها لأجلكم مُغلَقَةٌ، وأَقدامُ إبليسَ وذريتِهِ من أجلِكُم موثَقَة، اقصِمُوا ظهرَهُ بكلمة التوحيدِ؛ فهو يشكو ألم الانكسار، ويدعو بالويل لما يرى من تنزل الرحمة ومغفرة الأوزار،غلب حزبُ الرحمن، وهرب حزبُ الشياطين، فما بقي له سلطان إلا على الكفار، عُزل سلطان الهوى، وصارت الدولةُ لسلطان التقوى، ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر:2][3].

 

ساق الله تعالى إليكم سعادة إهلاله، وعرَّفكم بركة كماله وإكماله، وقسم لكم من فضله، ووفَّقكم لفرضه ونفله، ولقَّاكم ما ترجونه، ورقَّاكم إلى ما تحبُّونه، وتقبَّل منكم ما تقدمونه وتتلونه، ولا أخلاكم من برٍّ مرفوع، ودعاء مسموع.

 

وبلَّغكم بركة مقدمه، ويُمْن مختتمه، وخصَّكم باستغلال أيامه، وإتمام صيامه وقيامه.

 

أتى رمضانُ مزرعةُ العبادِ
لتطهيرِ القلوبِ مِن الفسادِ
فأدِّ حقوقَهُ قولًا وفعلًا
وزادَكَ فاتَّخْذهُ للمعادِ
فمَنْ زرعَ الحُبوبَ وما سَقَاها
تَأَوَّهَ نادمًا يومَ الحصادِ

 

رمضان! ذلك المقبل من آفاق الغيب، حاملًا هدايا العتق، وبشارات الرحمة! فارتقبه طفلًا ناضر القلب، يحمل في صدره قنديلَ التوبة، وربيعَ الوحي، وعافية السلامة من أغلال الحقد وضغائنه؛ فإنه شهرُ صفاءٍ وحبٍّ وتأمُّل، وترفُّعٍ عن المادة وأوضارِها، وعن شهوات النَّفس وأوزارِها، وإعراضٍ عن مشاهد الطريق، للتفكُّرِ في غاية الطريق.

 

سأصرفُ همَّتي بالكلِّ عمَّا
نهاني اللهُ من أمرِ التّلاحِ
إلى شهرِ الخشوعِ مع الخضوعِ
إلى شهرِ العفافِ مع الصَّلاحِ
يُجازَى الصائمون إذا استقاموا
بدارِ الخلدِ والحور الملاحِ
وبالغفران من ربٍّ عظيمٍ
وبالملك الكبيرِ بلا براحِ

 

يا أيها المسلمون، هذا رمضان، فخذوا منه الصِّحة لأجسامكم، والسمُوَّ لأرواحكم، والحب لقلوبكم، والعظمة لنفوسكم، والقوَّة والنُّبل، والبَذل والفَضْل، وخذوا منه ذُخرًا للعالمِ كلِّه يكن لكم ذُخرًا[4].

 

أما واللهِ لو عمَّ هذا الصَّومُ الإسلاميُّ أهلَ الأرض جميعًا؛ لآل معناه أن يكون إجماعًا من الإنسانية كلِّها على إعلان الثَّورةِ شهرًا كاملًا في السَّنة؛ لتطهير العالم من رذائِله وفسادِه، ومحقِ الأثَرَة والبُخل فيه[5].

 

الصومُ للأبرار جُنَّةْ
وهو مفتاحٌ لِجَنّةْ
من صامه لله لا
يرجو سواه ورام عونَهْ
فجزاؤُهُ غفرانُ ما
ضي السيئاتِ وتلك مِنّةْ
الصوم تركُ القيل في
هذا وذاك وهُمْ وهُنّهْ
الصوم إمساكٌ عن الشّ
هوات لا تركُ الأعِنةْ
دَعْ كلَّ سبّابٍ وعيّ
ابٍ وكذابٍ وشأنهْ
واسلك سبيل الناسكي
ن التاركين غرام بثنَةْ
أزِح الغشاوةَ عن فؤا
دٍ لم يزل بين الأكنّةْ
يا ذا الذي خلجَتْ به ال
أحوال في الأوحال هُنّهْ
يا ضيعة الأعمار وال
أيامُ تجري بينهُنّهْ
كُفُّوا عن العصيان إس
رافيلُ ألقم فاهُ قرنَهْ
من يبتغ الرّيان ي
وم الحشر في روضات جَنّةْ
فليأتِهِ بالصوم مس
رورَ الفؤاد ومُطمئنهْ

 

فهنيئًا لمن قبل الله مساعيه وزكاها، ورفع درجاته وأعلاها، وبلَّغه من الآمال منتهاها، وظفر بأبعدها وأقصاها[6].

 

وطوبى لامرئٍ أحسنَ الصيام والقيام، وحَمى جوارحَه عن موارد الآثام، وأمسَك عن فضول الكلام، ولم ينطق إلا بذكر الله، وذلك حقيقةُ الصيام، فاغتنَم الخيرات خيرَ اغتنام.


وبُؤسَى لامرئٍ ظلَم نفسه بترك صيامه وقيامه، أو نام عن الصلوات أكثرَ أيَّامه، أو سوَّد صحيفتَه بأكل حرامه، أو أحبط عملَه بكثرة كلامه؛ متَّخذًا له شهرَ راحةٍ في الدنيا، وتنعّم وتفنّن بالمآكل والمشارب، ظانًّا أنَّ في إمساكِه عن الطَّعام والشَّراب طولَ نهاره أداءَ الواجب، لا والله، وإنَّما الفائزُ مَن جرَّد نفسَه للطاعة، وخلَعَ ثيابَ الرَّاحة، واشتغَل بالخيرات ليلَه ونهارَه[7].

 

رمضانُ ليس لفضلِهِ مِنْ مُشْبِه
فافرحْ فقد مَنَّ الإلهُ بِقُربِهِ
يكفيهِ أن الله قال تَفَضُّلًا:
«الصومُ لي وأنا الذي أَجْزي به»
وله على كلِّ الشهورِ مزيَّةٌ
فالله أنزل فيه أَعْظَمَ كُتْبِهِ
والعبدُ يفرحُ فرحتين: بفطرهِ
مِن صومِه وبفضلِ لُقْيا ربِّهِ
وبليلةِ القدرِ التي قد فُضِّلَتْ
يَقْضِي الموفَّقُ ما مضى من نَحْبِهِ
مَن كان أدركهُ ولم يُغْفرْ له
فمتى عسى تُمْحى مَرارةُ ذنبِهِ؟!
وإذا امرؤٌ لم يَلْقَ فيه سعادةً
فمتى إذن يلقى سعادةَ قلبِهِ؟!

 

أيها المسلمون، هذا رمضان قد حان نزولُه، فبماذا نستقبلُه؟ أترانا نُصِرُّ على مساوينا، ونستمرُّ على مخازينا؟ فإنْ كان ذلك فإنَّها لأجحَفُ خسارة، وأخسَرُ تجارة.

 

عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صَعِدَ المِنبرَ، فقال: «آمِينَ آمِينَ آمِينَ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ»[8].

 

أيها الموحِّدون، متى يُغفَرُ لمن لا يُغفَرُ لهُ في هذا الشَّهرِ؟

 

متى يُقبَلُ مَن رُدَّ في ليلةِ القدرِ؟

 

متى يصلُح مَن لا يصلُح في رمضان؟

 

متى يصحُّ من كان فيه من داء الجهالةِ والغفلة مرضان؟

 

كلُّ ما لا يُثمِرُ مِن الأشجارِ في أوانِ الثّمارِ، فإنَّه يُقطَعُ ثم يُوقد في النَّارِ.

 

من فرَّط في الزَّرعِ في وقت البذار لم يحصُد يومَ الحصادِ غيرَ النَّدم والخسارِ[9].

 

مَن فاتهُ الزَّرعُ في وقتِ البِذار فما=تراهُ يَحصُدُ إلَّا الهمَّ والنَّدما

فيا بؤسًا لمن أبعده الله! ويا لشقاوة من طرده الله! ويا لخسارة من حرمه الله!

 

يقول صلى الله عليه وسلم: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ»[10].

 

ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ»[11].

ومَن رَوّتْه مُرضعةُ المعاصي
فقد جاءتْه أيَّامُ الفِطام

فيا باغي الشرّ أقصر، أقصر فإن الجنان مجدّدة، والجحيم مسدّدة، والشياطين مقيدة، والمردة مصفّدة، والهمم متجدّدة، والعبادات ممهدة، وطرق الخير معبّدة، وصروح البر ممرّدة، وسبل الطاعة متعدّدة، والملائكة مؤيدة.

 

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَظَلَّكُمْ شَهْرُكُمْ هَذَا، بِمَحْلُوفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَا دَخَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَهْرٌ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْهُ، وَلَا دَخَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ شَهْرٌ شَرٌّ لَهُمْ مِنْهُ، بِمَحْلُوفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ أَجْرَهُ وَنَوَافِلَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُوجِبَهُ، وَيَكْتُبُ وِزْرَهُ وَشَقَاءَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُعِدُّ لَهُ مِنَ النَّفَقَةِ فِي الْقُوَّةِ وَالْعِبَادَةِ، وَيُعِدُّ الْمُنَافِقُ اتِّبَاعَ غَفَلَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَاتِّبَاعَ عَوْرَاتِهِمْ، فَهُوَ غُنْمٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَنِقْمَةٌ لِلْفَاجِرِ، أَوْ قَالَ: يَغْتَمُّ بِهِ الْفَاجِرُ»[12].

 

فيا باغي الشرّ أقصر، أقصر عن التقصير في الواجبات، والتمادي في السيئات، والاسترسال في المباحات، والانشغال بالملهيات، والاستغراق في الجزئيات، وانتهاك الحرمات، وضياع الأوقات، وتفويت النفحات.

 

الأمرُ جدٌّ وهو غيرُ مزاحِ
فاعملْ لنفسك صالحًا يا صاحِ

يا باغي الشرِّ أقصر، أقصر عن العجز، والكسل، والكلل، والملل، والجبن، والبخل، والظلم، والكيد، والمكر، والبغي، والعدوان، والجفاء، والغلظة، والشدة، والقسوة، واللؤم، والشؤم، والجهالة، والضلالة، والبطالة، والمعاصي والآثام، والتمادي والإجرام، وظلم الأنام، وأخذ حقِّ الضعفاء، والبؤساء، والأيامى، واليتامى، واستحلال حقوق الآخرين، وغصب المستحقات، والموقوفات، والممتلكات، والأمانات.

 

أقصِر يا مَن لا يقومُ ثوابُ صيامِه وقيامِه، في موازنة ظلمِه وإجرامِه!

 

يا باغي الشرِّ أقصِر عن مقارفةِ ال
آثامِ والفحشِ والعصيانِ والخطَلِ
وتبْ إلى الله -يا هذا- على عجلٍ
ما دمتَ ترفل في بحبوحة المَهَلِ
واخلع ثياب التواني فهي خادعة
فلستَ تضمنُ طول العيش بالأجلِ
وقل لنفسك: إن الشر مهلكُها
إذا تمادتْ به في مسلك الزَّللِ
ومَن تمادى بفعلِ الشرِّ في زمنٍ
يلقَ الجزاءَ به جنسًا مِن العملِ
فالشرُّ باب عذاب ظلَّ منفتحًا
وعقدُ حبلٍ على الأعناق متّصلِ
ماذا استفدت من الشهر الكريم إذا
لم تُطعم الروحَ زادَ الخائفِ الوجلِ؟
ترجو النَّجاة لنفسٍ أنت موبقُها
فشاربُ السمِّ لا يُشفى مِن العللِ
فارغب إلى الله واطرق بابه عجلًا
واحذر من الوهم والتَّسويفِ والكسلِ

 

فيا أيها الصائم -الراجي رحمة ربه-، طهِّر جسدك من الحسد، ونقِّ قلبك من الحقد، ونزِّه روحك عن البغضاء، وسلِّم نفسك من الشحناء، وخلِّص بدنك من الدَّخل، ونظِّف جوهرك من الدّغل، وعمِّر حياتك بالتقوى، واغسل فؤادك باليقين، واملأ وجدانك بالمحبة، وداوِ كَلْمك بالرِّضا.

 

أغلق مدن أحقادك، واطرق أبواب الرحمة والمودة، وارحم القريب، وودَّ البعيد، وازرع المساحات البيضاء في حناياك، وتخلَّص من المساحات السوداء داخلك.

 

يقول صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ النَّاسِ ذُوْ القَلْبِ الْمَخْمُوْمِ، واللّسَانِ الصَّادِقِ»، قيل: قد عرَفنا اللسان الصادق، فما القلب المخموم؟ قال: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، الَّذِي لا إِثْمَ فِيْهِ، ولا بَغْيَ وَلا حَسَدَ»، قيل: فمَن على أَثَره؟ قال: «الَّذِي يَشْنأُ الدُّنْيَا، وُيحِبُّ الآخِرَةَ»، قيل: فمَن على أَثره؟ قال: «مُؤْمِنٌ فِي خُلُقٍ حَسَنٍ»[13].

 

يا عبد الله، قَدِّر محراب قلبك، وقَدّم احتياجك على رغبتك، وخُذ ما ينفعك، واصحب مَن يدفعُك، والزم ما يرفعُك.

 

أقبل على نفسك ودرِّبها، وانتبه إلى أحوالك ورتِّبها، والتفت إلى أخلاقك وهذِّبها.

 

وانتبه من رقدة الغف
لةِ فالعمرُ قليل
واطّرح سوف وحتى
فهما داءٌ دخيل

 

ولا تكن ممن إذا سُئل بخل، وإن عوتب جهل، وإن رُجي خيَّب، وإن طُلب تغيّب، وإن قُدّم تهيّب، لا يجيب إلا عنفًا، ولا يعطي إلا خوفًا، ولا يعرف إلا سوف.


يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لَلشَّرِّ، مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ»[14].

 

يقول صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ» فقال رجل: بلى يا رسول الله، قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ»[15].

 

فيا باغي الشر أقصر، أقصر يا من أمسكت عن المفطرات والمفسدات أثناء الصيام، وفعلت ما يجب اجتنابُه، ويَحرم ارتكابُه على الدوام.


أقصر عن الغضب، والصياح، والتوتر، والشدة، والقسوة، والفحش، والبذاءة، والسلب، والثلب، والغيبة، والخيبة، والهمز، واللّمز، والذمِّ، والشتم، والجهر بالسوء، وانتقاص الآخرين، والاستطالة في أعراضهم، وانتهاك أبعاضهم، وانتقاص أغراضهم، واستحلال حرماتهم.

 

أتأكلُ في نهار الصوم لحمي
وتُمسِك عن شرابك والطعامِ؟!
لأجلِ اللهِ -جلَّ علاهُ- أقصِرْ
ولا تَجرَحْ قَداساتِ الصّيامِ
إذا استحللتَ لحمَ أخيكَ مَيْتًا
فقد أوغلتَ في الفعل الحرامِ

 

يا مَن تسألُ عن غُبار الطريق، وغربلَة الدقيق، وابتِلاع الرِّيق هل تُفسِدُ الصومَ أم لا؟

 

يا من تحترز عن هذه الأمور اليسيرة، وتفرط في الأمور الجليلة.

 

تصومُ عنِ الحلالِ ولا تُبالي
بما اقْترفتْ يداك من الحرامِ
وتسألُ حُكمَ بلْعِ الرِّيقِ فيهِ
وكم أسْرفتَ في ظُلْم الأنامِ!
وجارُك يشتكي جوعًا ولَمّا
يرِقَّ له سوى ريحِ الطّعامِ
غنيٌّ أنت عن صومٍ كهذا
ولم تفقهْ به معنى الصيامِ!

 

يا باغي الشر أقصر، واحذرك دنياك الغرَّارة، ونفسَك الأمَّارة؛ فـ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ [يوسف:53]، وقد كان نبيُّك صلى الله عليه وسلم يستعيذ قائلًا: «أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ»[16].

 

وكان يقول صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشدِ أَمْرِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَخْطَأْتُ وَمَا عَمَدْتُ، وَمَا عَلِمْتُ وَمَا جَهِلْتُ»[17].

 

وعلَّمنا صلى الله عليه وسلم أن نقول: «وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا»[18].

 

فكن -يا عبد الله-، كما قال الأول:

ما إن دعاني الهوى لفاحشةٍ
إلَّا نهاني الصيامُ والكرمُ
فلا إلى مُنكرٍ مَددتُ يدِي
ولا مشتْ بي لرِيبَةٍ قدَمُ

 

هذا، وإنَّ أبلغَ واعظٍ بوَصْفِه، وأعظمَ زاجرٍ دافعٍ للنفس والشيطان بإيضاحِه وكشْفِه؛ كلامٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفِه، والله -تعالى- يقول: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 5 – 6].

 

وفَّقني الله وإياكم لاتباع رضوانه، وغمرني وإياكم بكامِل عفوِه وغفرانِه، ورزقني وإيَّاكم خيرات برِّه وإحسانه، وأدخلَنا في زمرةِ أحبابه المخصوصين بمنِّه وأمانِه.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفِروه جميعًا، إنَّه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

الحمد لله حَسَنِ الاسمِ، علِيِّ الوصف، تسبِّح له السموات والأرض والطيرُ قابضاتٌ وصفّ، قدَّر المقاديرَ، وأنزل المعاذير، فما لِشرعِه رَدٌّ أو تحوير، رُفِعت الأقلام وما في الصُّحُف جفَّ.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما نظرٌ شفَّ، ورمش طرف، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله ونبيُّه وخليله ورحمته وهُداه إلى العالمين، خيرُ من صام وقام وعفَا وعَفَّ، صلى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه وأتباعِه ما طائرٌ رَفّ، ووابِلٌ كفَّ، وبعد:

عامٌ تولَّى فعاد الشّهرُ يطلبُنا
كأنَّنا لم نكن يومًا ولا كانا
حَفَّتْ بنا نفحةُ الإيمانِ فارتفعتْ
حرارةُ الشَّوق في الوِجدانِ رِضْوانا
يا باغي الخيرِ هذا شهرُ مَكرُمةٍ
أقْبِل بصدقٍ جزاك اللهُ إحسانا

 

يُروى عن الأصمعي أنه قال: دخل عليَّ شهرُ ‎رمضان وأنا بمكة، فخرجتُ إلى الطائف لأصوم بها؛ هربًا من حرِّ مكة، فلقيني أعرابيٌّ في الطريق، فقلت له: أين تريد؟ فقال: أريد هذا البلد المبارك (مكة)؛ لأصوم هذا الشهر المبارك فيه، فقلت له: أما تخاف الحرَّ؟ فقال: من الحرِّ أَفرُّ[19].

 

سأطلب بُعد الدار منكم لتقرُبوا
وتسكبُ عيناي الدموعَ لتجمدا

أيها المسلمون، هذا شهرُ التوبة قد أناخَ بساحتِكم، ونزل بباحَتِكم، وهو عن قريبٍ راحلٌ عنكم، شاهدٌ لكم أو عليكم، فاعمُروا نهارَه وليلَه بما يُقرِّبكم من رِضوان الله وجنَّته، ومغفرته، ورحمتِه وكرامتِه.


أيها العابدون، الشُّهور منازلُ عمرِنا الزَّمانيَّة، فاعمروا كلَّ منزلٍ بما يُحمد ويُرجى خيرُه، ولا تدمِّروها بما يُذمُّ ويُخاف شرُّه.

 

أيها الإخوة المؤمنون، وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة المعيشة الضنك في العذاب الأليم، وهو يمرُّ مَرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله، فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو، والأمانيِّ الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته.

 

نخطُو وما خَطوُنا إلَّا إلى الأجلِ
وننقضي وكأنَّ العمرَ لم يطُلِ
ونستلذُّ الأماني وهي مُرْديةٌ
كشارِبِ السُّمِّ ممزوجًا مع العسلِ

 

فعجبًا ممن يدرك رمضان فلا يَنهَرُه صيامُه، ولا يَنهَزُه قيامُه، ولا تغيره أيامُه، ويا ضيعة من فاته خيرُ رمضان! ويا شقوة من أضاع شهر رمضان! «وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ»[20].

 

أيها الإخوة الكرام، إن شهر رمضان هو التحدِّي الأكبر بحقٍّ؛ لامتحان الإرادة البشرية، في الصيام والقيام وعمل الخير، وتنقية النفس من أخطائها الكثيرة.

 

ألا فقوموا بحق شهركم، واتقوا الله في سرِّكم وجهركم، واعلموا أن عليكم ملكين يصحبانكم طول دهركم، ويكتبان كل أعمالكم، فلا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم.


أيها الصائمون، احذروا ما أعدَّه أهلُ الانحلال، ودعاة الفساد والضلال، من برامج مضلة، ومشاهد مخِلّة، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [النور: 19].


يولِّي الشيطان هاربًا في رمضان، فيكثِّف أتباعُه حربهم على الدين والأخلاق والقيم، وكأنهم يشفقون من بوار تجارتهم الشيطانية في هذا الشهر المُبارك، فيجن جنونهم، وينوعون أساليبهم وفنونهم، ويستنفرون جنودهم، ويضاعفون جهودهم، لتزيين طرق الغواية، والصدِّ عن سبيل الهداية، ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر:8]، ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 14].

 

كم فتنوا وأعَلُّوا، وكم هدموا وأضلُّوا! وكم في صحيفتهم من عظائم، وكم في رقابهم من جرائم! ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [النحل: 25]، ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [العنكبوت: 13].

 

إنهم قُطَّاع طرق، ولصوص أخلاق، وأدوات إفساد، ونذر لؤم، ورسل شؤم، ﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 221]، ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27].

 

فاتقوا غوائلهم، واحذروا مكائدهم، واجتنبوا مصائدهم، واقطعوا حبائلهم، وقاطعوا برامجهم، وفِرُّوا منهم فراركم من الأسد، ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]، ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ [طه: 15، 16].

 

يقول صلى الله عليه وسلم لعلي -رضي الله عنه-: «يا عليُّ، يَا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ»[21].

 

وفي صحيح مسلم[22] عن جَرِير بن عبدالله -رضي الله عنه- قال:«سألتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَن نَظَرِ الْفُجَاءَةِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي».

 

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: «حِفْظُ الْبَصَرِ أَشَدُّ مِنْ حِفْظِ اللِّسَانِ»[23].

 

حصِّن صيامَك بالسُّكوتِ عن الخنا
أطبِق على عينيك بالأجفانِ
لا تمشِ ذا وجهين مِن بين الورَى
شرُّ البريَّة من له وجهانِ

 

فيا عبد الله، لا تجعل ‌قلبَك للإيرادات والشُّبُهات مثلَ الإسفنجةِ، فيتشرَّبَها، فلا ينضَح إلا بها، ولكن اجعله كالزُّجاجة المصمتة، تمرُّ الشُّبُهات بظاهرها ولا تستقرُّ فيها، فيراها بصفائه، ويدَفُعها بصلابته، وإلا فإذا أَشْرَبتَ قلبَك كلَّ شبهة تمر عليك صار مقرًّا للشبهات[24].

 

يا أيها الصائم، اعرفْ خطرَك، واغضضْ بصرَك، وسلِّم العبادة خالصةً لمن فطرَك، ولا تترك شيئًا ممّا ندبَك إليه وأمرَك.

 

ألا فتوبوا إلى بارئكم وأنيبوا، ولبُّوا داعيه وأجيبوا، وسابقوا إلى مرضاته وأهيبوا.

 

وتفقدوا الفقراء يا أحبابنا
فالفقرُ أضحى في البلاد رهيبا
كم أسرةٍ تحيا عذابًا دائمًا
وتعيشُ بؤسًا موجعًا وكئيبا
مِن حقِّهم يا إخوتي أن تجعلوا
في سعيكم للمُعدمين نصيبا
قبل الصيامِ تحسَّسوا أوجاعهم
طوفوا بِهم تجدوا الإله قريبا
فبهم وربي تنصرون كما حكى
طه.. ليرشد للفلاح لبيبا
يا رب وفقنا لمسح دموعهم
ندعوك ربًّا واسعًا ومجيبا
وصلاة ربي والسلام على الذي
وصف الدواء وأحسن التطبيبا

 

جعلني الله وإياكم ممن صام رمضان وصانه، ولم يكدر بالذنوب عمله وإحسانه.



[1] ينظر: آثار العلامة المعلمي (22/ 45).

[2] رواه البخاري (3277).

[3] لطائف المعارف (1/ 326).

[4] مع الناس، علي الطنطاوي (1/ 29).

[5] وحي القلم (2/ 59).

[6] ينظر: سحر البلاغة وسر البراعة، للثعالبي (1/ 101).

[7] ينظر: آثار العلامة المعلمي (22/ 7).

[8] أخرجه ابن حبان (409)، والبزار(1405)، والطبراني في الكبير(2022)، والبيهقي في الشعب (3350)، وهو في التعليق الرغيب، للألباني (2/ 66).

[9] لطائف المعارف (1/ 372).

[10] رواه النسائي (2106)، وأحمد(7148)، وابن أبي شيبة (8959)، وعبد بن حميد (1430).

[11] أخرجه الترمذي (682)، وابن ماجه (1642)، وابن خزيمة (1883)، وابن حِبَّان (3435)، والحاكم (1532)، والبيهقي في السنن الكبرى (8501)، مشكاة المصابيح (1/ 611).

[12] أخرجه ابن أبي شيبة (8876)، وأحمد (8350)، وابن خزيمة (1884)، والبيهقي في السنن الكبرى (8502).

[13] أخرجه ابن ماجه (4216)، والطبراني في مسند الشاميين (1218)، وأبو نعيم (1/ 183)، والبيهقي في الشعب (4462)، وهو في السلسلة الصحيحة (948).

[14] أخرجه ابن ماجه (238)، وابن أبي عاصم في السنة (305)، والطبراني في الكبير (5956)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (590).

[15] أخرجه أحمد (8465)، والترمذي (2263)، وابن حبان (528)، والبيهقي في الشعب (10755).

[16] أخرجه الترمذي (3392)، والنسائي في الكبرى (10563)، والدارمي (2731)، وأحمد (6851)، والبخاري في الأدب المفرد (1202)، وابن حبان (962)، وابن عساكر(1246).

[17] أخرجه النسائي في الكبرى (10764)، وأحمد (19992)، وعبد بن حميد (476)، وابن حبان (1798)، والحاكم (1880).

[18] رواه وأبو داود (1097)، والترمذي (1105)، والنسائي (1404)، وابن ماجه (1892)، وابن أبي شيبة (17508)، وأحمد (2749)، والدارمي (2248)، والبيهقي (5802).

[19] الكامل للمبرد (1/ 163).

[20] أخرجه الترمذي (3545)، وأحمد (7444)، وابن حبان (908).

[21] أخرجه أبو داود (2149)، وأحمد (1369).

[22] صحيح مسلم (2159).

[23] الورع، لابن أبي الدنيا (62).

[24] مفتاح دار السعادة (1/ 395).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر

مختارات من الشبكة

  • كيف تقضي يومك في رمضان؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير أبشر (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير أقبل (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير.. بادر بالخير (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يا باغي البركة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يا باغي الخير أقبل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يا باغي الخير(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • يا باغي الخير أدرك شهر رمضان قبل فوات الأوان(مقالة - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير أقبل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رمضان أقبل.. فيا باغي الخير أقبل(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب