• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | محاضرات وأنشطة دعوية   أخبار   تقارير وحوارات   مقالات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    اختتام ندوة حول العلم والدين والأخلاق والذكاء ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    لقاءات دورية لحماية الشباب من المخاطر وتكريم حفظة ...
    محمود مصطفى الحاج
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / دروس رمضانية
علامة باركود

الدرس العاشر: التقوى غاية الغايات

الدرس العاشر: التقوى غاية الغايات
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/3/2024 ميلادي - 11/9/1445 هجري

الزيارات: 7414

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الدرس العاشر: التقوى غاية الغايات

 

الحمد لله الذي تفرَّد بعز كبريائه عن إدراك البصائر، وتقدَّس بوصف علاه عن الأشباه والنظائر، وتوحَّد بكمال جبروته، فلا العقل في تعظيمه حائر، وتفرَّد في ملكوته، فهو الواحد القهار الأول قبل كل أول، الآخر بعد كل آخر، الظاهر بما أبدع، فدليل وجوده ظاهر، الباطن فلا يخفى عليه ما هجس في الضمائر.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة أعدها من أكبر نعمه وعطائه، وأعدها وسيلة إلى يوم لقائه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى والرسول المجتبى، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، صاحب المقام المحمود والحوض المورود، والشفاعة العظمى، سيد الأولين والآخرين على الله ولا فخر.

 

اعلم أن الزمان لا يثبت على حال؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾[آل عمران: 140]، فتارة فقر، وتارة غنى، وتارة عز، وتارة ذل، وتارة يفرح الموالي، وتارة يشمت الأعادي.

 

فالسعيد من لازم أصلًا واحدًا على كل حال، وهو تقوى الله عز وجل، فإنه إن استغنى، زانته، وإن افتقر، فتحت له أبواب الصبر، وإن عوفي، تمت النعمة عليه، وإن ابتلي، جملته، ولا يضره إن نزل به الزمان أو صعد، أو أعراه، أو أشبعه، أو أجاعه؛ لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير، والتقوى أصل السلامة، حارس لا ينام، يأخذ باليد عند العثرة، ويواقف على الحدود.

 

والمنكر من غرته لذة حصلت مع عدم التقوى، فإنها ستحول، وتخليه خاسرًا[1].

 

بين يدي التقوى:

إن التقوى قد عرَّفها العلماء بتعريفات كثيرة، نذكر منها تعريف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الله عنه؛ سئل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن التقوى التي هي ثمرة الصيام فقال: "هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".

 

وقال الإمام الغزالي: "التقوى كنز عظيم، فإن ظفرت به فكم تجد فيه من جوهر، ورزق كريم، وملك عظيم، لأن خيرات الدنيا والآخرة جُمعت فيها".

 

وقال داود بن نصر الطائي: "ما خرج عبد من ذل المعاصي إلى عز التقوى: إلا أغناه الله بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا جليس".

 

الغاية من إرسال الرسل تقوى:

واعلموا عباد الله أن التقوى هي الغاية من إرسال الرسل، نلمس ذلك جليًّا في سورة الشعراء، فضلًا عن أمثلة في سور: البقرة، والأعراف، والمؤمنون؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

 

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 65]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [المؤمنون: 23].

 

الغاية من إنزال الكتب تقوى:

واعلموا عباد الله أن الغاية من إنزال الكتب هي الوصول إلى التقوى، فالقرآن الكريم كتاب هداية يأخذ بأيدي الحيارى والسكارى إلى رب الباري، ويوصلهم إلى الغاية العظمى؛ قال الله جل جلاله: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 1، 2].

 

والله سبحانه وتعالى قال: ﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾؛ أي: إن هذا القرآن هدى للجميع، فالذي يريد أن يتقي عذاب الله وغضبه، يجد فيه الطريق الذي يحدد له هذه الغاية، فالهدى من الحق تبارك وتعالى للناس جميعًا، ثم خص مَن آمن به بهدى آخر، وهو أن يعينه على الطاعة.

 

العبادات الغاية منها التقوى:

اعلموا أيها الأحباب أن الغاية من العبادات تحصيل تقوى الله تعالى؛ قال جل جلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة 21].

 

"تتقون" من "الوقاية" أن تجعلوا بينكم وبين النار وقاية، وتجعلوا بينكم وبين العذاب وقاية، فالمعنى أن تعبدوا الله تعالى حتى تتقوا النار وتتقوا العذاب، ليس هذا فحسب ولكن تتقوا كل مضار الحياة.

 

أو تعبدوا الله، لَعَلَّكُمْ تَصِيرُونَ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ الْمُخْتَارَةِ مِنْ صُوَرِ الْبَشَرِيَّةَ، وهي صُورَةُ الْعَابِدِينَ لِلَّهِ، الْمُتَّقِينَ لِلَّهِ.

 

الصلاة وتقوى الله تعالى:

الصلاة من أهم ثمراتها أنها تنهاه عن فعل المحظورات وتأمره بالفعل المأمورات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]؛ قال ابنُ مسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما في الصَّلاةِ مُنتهى ومُزدجرٌ عن مَعَاصي الله تعالى، فمَن لم تأمْره صلاتُه بالمعروفِ ولم تنهَه عن المنكرِ لم يزددْ بصلاتِه من الله تعالى إلا بُعدًا.

 

وقال الحسنُ وقَتادةُ من لم تنهَه صلاتُه عن الفحشاءِ والمنكر فصلاتُه وبالٌ عليه.

 

تحقيق تقوى الله بالزكاة:

الزكاة عبادة مالية يتقرب بها العبد لربه عز وجل؛ حيث إنها تزكِّي النفس، وتطهِّرها من البخل والشح، وتزكي المال بالزيادة والبركة، وتضاعف لهم الأجر، والثواب، ويتجلى معنى التقوى في الزكاة حينما ينفق الإنسان من أغلى ما يحب بصدق، وإخلاص حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه يريد بذلك وجه الله – تعالى - والحصول على مرضاته، ولعل السر في ذلك أنه ينفق ماله ليحصل على التقوى، فهو يزكي ماله؛ لأنه يعلم أن في هذا المـال حـق لغيره، وليست منة يَمُنُّها على الفقراء والمحتاجين، بل هو واجب عليه، وحق لغيره، وبذلك يتبيَّن لنا أن الزكاة تحقق التقوى، وخاصة في هذا العصر، وقد انتشرت المعاصي وكثـرت الآثـام بسبب ضعف وازع التقوى، فبالزكاة نصل إلى التقوى؛ يقول ربنا سبحانه مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ﴾ [التوبة: 103]، إنها ليست ضريبة تجبى إلى خزينة الدولة ولا إتاوة تنتزع من الإنسان عَنوة وهو كاره، وليست إحسانًا يلقيه الغني إلى الفقير، ولكنها عبادة يؤديها الغني وهو يستشعر حاجته إلى إخراجها؛ كحاجة المريض إلى الدواء، إنها لا تداوي البدن، ولكنها تداوي النفس، وتهذب البخل، وتقلِّم أظافر الشح، وتزكِّي في النفس بواعث العطاء والبذل والتضحية، وتملأ القلب بالخشية، أن يكون مصيره مصير هؤلاء الذين يشقون بأموالهم ﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 35].

 

وهذه الخشية التي تملأ القلب هي أساس التقوى.

 

صيام رمضان وتحصيل التقوى:

وكتب الله تعالى علينا الصيام لغاية عظمى وهي التقوى؛ قال الله جل جلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، هذا تعليل لكتابة الصيام ببيان فائدته الكبرى وحكمته العليا، وهو أنه يَعُد نفس الصائم لتقوى الله تعالى بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة امتثالًا لأمره واحتسابًا للأجر عنده، فتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة والصبر عنها، فيكون اجتنابها أيسر عليه، وتقوى على النهوض بالطاعات والمصالح والاصطبار عليها، فيكون الثبات عليها أهون عليه، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الصيام نصف الصبر))؛ رواه ابن ماجه وصححه في الجامع الصغير.

 

فالصيام عبادةٌ تقوِّي الوازع الإيماني وتعزِّزه لدى المسلم، فتمنعه من الوقوع في المحرَّمات، أو التمادي فيها، وتشكِّل له حاجزَ وقايةٍ يحميه من تتبُّع الآثام والشرور، فالتقوى التي يحقِّقها الصيام تحمل النفس على الالتزام بما أمر به الله تعالى، واجتناب ما نهى عنه، فتحميها من ارتكاب ما يؤدِّي بها إلى الهلاك والخسران، وتجنِّبها التعرُّض لسخط الله، وعذابه في الآخرة.

 

في الحج والعمرة وتحصيل تقوى الله:

إخوة الإسلام الحج عبادة من أجلِّ العبادات التي ربطها الله تعالى بالتقوى، ولنقف مع بعض المواضع والآيات التي وردَ فيها الأمر بالتقوى أو الحث عليها أو الإشارة إليها، ففي آية الأمر بإتمام الحج والعمرة ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ ختم الله الآية بقوله: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 196]، وفي الآية التي بعدها ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ﴾، ختمت الآية بقوله سبحانه: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ وأكد ذلك بقوله: ﴿ وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]، ثم ختم آيات الحج في سورة البقرة بقوله: ﴿ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِـمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [البقرة: 203]..

 

فتأمل تَكرار التقوى في كل آية، وفي المائدة ختم أحكام الصيد بقوله: ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المائدة: 96]، وافتتح سورة الحج بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج: 1]، ولما بدأ بالحديث عن الحج تكرر ذكر التقوى ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، ﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ﴾ [الحج: 37].

 

وعند التأمل في آيات الحج ﴿ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]، وهذه أعمال ظاهرة بينة؛ نجده ختمها بقوله: ﴿ وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]، وسبقها ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾، ما يؤكد أنه دون التقوى لن يسلم الحاج من الجدل والرفث والفسوق، بل إن الآية التي ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾، تبيِّن حكم من اضطُرَّ إلى الإخلال بهذا الإتمام كالإحصار، وحلق الرأس بسبب الأذى وهو محرم؛ حيث بيَّن جزاء ذلك من الهدي والفدية، والبديل لذلك، وحيث إن هذه الأعمال الظاهرة لا يمكن تحقيق أدائها إلا إذا كان صاحبها مراقبًا لله في سره وعلانيته، وختم الآية بالأمر بالتقوى ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾، ثم هدد من لم يراعِ جانب التقوى بقوله: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 196].

 

بل إن التعجل في الحج والتأجُّل عمل ظاهر، ومع ذلك قيد ذلك بقوله: ﴿ لِمَنِ اتَّقَى ﴾، ثم أمر بالتقوى في ختام هذه الآية ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [البقرة: 203].

 

ونجد أن نحر الهدي عمل ظاهر بارز، ومع ذلك جعل مدار قبول الدماء على تحقق التقوى ﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُـحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ﴾ [الحج: 37].

 

العلاقة بين البر والتقوى:

وها هو سبحانه يذكر لنا صفات أهل البر، وأنهم يحققون الإيمان بالله وملائكته، وكاليوم الآخر، ويتصدقون على الفقراء والمساكين، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويصبرون على البأساء والضراء، ثم بيَّن أن هؤلاء هم الصادقون المتقون؛ قال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْـمَشْرِقِ وَالْـمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْـمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْـمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْـمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكَاةَ وَالْـمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].

 

لقد بدأت الآية الكريمة بالحديث عن حقيقة البر، ثم ذيَّلت بالحديث عن التقوى، وذلك لبيان أنه لن يقوم أحد بفعل أعمال البر الجليلة؛ حتى يتحقق قبل ذلك بمرتبة التقوى، وهي شرط رئيس للبر، ومرحلة سابقة له ومتقدمة عليه، فمن لم يتقِ الله تعالى في عمله بفعل ما أمر الله عز وجل به، وترك ما نهى عنه، لن يقبل الله جل ذكره منه الأعمال الزائدة على الواجب من أعمال البر؛ فالمرتبة الدنيا شرط للارتقاء إلى المرتبة العليا، وبيانًا لذلك قال الله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 189].

 

ومعنى الآية الكريمة أن إتيان المحرم بالحج أو العمرة البيوت من ظهورها، ليس من البر أصلًا، فهي بدعة لا أساس لها في الدين، وزيادة على الواجب غير مشروعة، ثم بيَّن تقدست أسماؤه أن البر المقبول عنده، والذي يكون بفعل خيرات وعبادات زائدات على الواجب، هو البر الذي يكون من المتقي، فمن كان متحققًا بمرتبة التقوى في العمل قُبلت منه زوائد العبادات والطاعات المشروعة: ﴿ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْـمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، واعتبرت له في صحيفة أعمال البر، وهذا ما يفهم من قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا ﴾ [البقرة: 189].



[1] صيد الخاطر (ص: 137).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الدرس الأول: ثمرات الصوم (1)
  • الدرس الرابع: ثمرات قيام الليل(2)
  • الدرس الخامس: الفوائد العشرية لقراءة كتاب رب البرية (1)
  • الدرس السادس: الفوائد العشرية لقراءة كتاب رب البرية (2)
  • الدرس السابع: ثمرات الاتباع العشر
  • الدرس الثامن: تابع ثمرات الاتباع
  • الدرس التاسع: الإيثار خلق النبي المختار صلى الله عليه وسلم
  • الدرس الحادي عشر: وسائل الثبات على الإيمان
  • الدرس الثالث عشر أسباب: الثبات على المصائب
  • الدرس الرابع عشر: الثبات عند الممات
  • الدرس الرابع عشر: { وسع كرسيه السموات والأرض }
  • الدرس الخامس عشر: وسائل الثبات أمام الشهوات
  • الدرس التاسع عشر: يا عبد الله ماذا تقول لربك غدا؟
  • الدرس العشرون: أسباب سوء الخاتمة
  • الدرس الحادي والعشرون: عقوبات أكل الميراث
  • الدرس الرابع والعشرون: التحذير من اللامبالاة بالكلمة وأثرها
  • الدرس السادس والعشرون: تابع موانع قبول الأعمال
  • الدرس السابع والعشرون: موجبات النجاة العشرة من أهوال يوم القيامة
  • الدرس الثامن العشرون: تابع موجبات النجاة العشرة من أهوال يوم القيامة
  • الدرس التاسع والعشرون: ثمرات الإيمان بالله في الحياة الدنيا
  • الدرس الثلاثون: تابع ثمرات الإيمان في الدنيا

مختارات من الشبكة

  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس العاشر: الاستفهام(مقالة - حضارة الكلمة)
  • دروس رمضان 1436هـ بجامع ابن باز بمكة (الدرس العاشر 1436/9/27هـ)(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • الدرس العاشر: الإيمان بالله(مقالة - ملفات خاصة)
  • الدرس العاشر: أمراض القلوب وعلاجها(مقالة - ملفات خاصة)
  • الدرس العاشر: له ما في السماوات وما في الأرض برهان من براهين التوحيد(مقالة - ملفات خاصة)
  • شرح القاعدة العاشرة من القواعد الحسان (الدرس العاشر)(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • الدرس العاشر في دورة القاعدة النورانية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التمهيد للدرس: أهدافه، شروطه، طرقه(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من آداب المتعلم: عدم مقاطعة المعلم أثناء الدرس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دروس في النقد والبلاغة: الدرس الثامن عشر: التعبير الحقيقي والتعبير الخيالي(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب