حوار مع الدكتور إبراهيم سالم أبو محمد مفتي أستراليا

حوار مع الدكتور إبراهيم سالم أبو محمد مفتي أستراليا

مفتي أستراليا لـ "الألوكة":

♦ الصورة النمطية للإسلام أكبر تحدٍّ يواجه مسلمي أستراليا.

♦ الدور السياسي لمسلمي أستراليا لا يناسب الطابع النخبوي للجالية.

♦ تطور إيجابي في سُبُل تعامل الحكومة الأسترالية مع مشاكل المسلمين.

♦ إذاعة القرآن الكريم ساهمت في توضيح صورة الإسلام، والنهوض بالدعوة في العالم البعيد.

♦ جهودنا نجحت في إقناع مفكرين أستراليين بدعم مطالبنا المشروعة.

♦ مجلس العلماء الفيدرالي وحَّد المرجعية الفقهية، وأنهى فوضى الفتوى.

أكد د. إبراهيم سالم أبو محمد مفتي أستراليا أن عدم فَهْم غالبية الأستراليين الإسلامَ فهمًا حقيقيًّا، ووجود صورة نمطية سيئة نتيجة الاستماع لمصادر غير محايدة - يعد من أهم المشاكل التي تواجه مسلمي أستراليا، مشيرًا إلى أن العديد من المؤسسات الإسلامية تحاول التصدي ومواجهة الأباطيل والأراجيف المثارة حول الإسلام والمسلمين، وتصحيح هذه المفاهيم، وأقرَّ د. إبراهيم أبو محمد بضعف الدور السياسي لمسلمي أستراليا حتى الآن، رغم الطابع النخبوي للجالية، ووجود أعداد كبيرة من الأكاديميين، ورجال الأعمال، والأطباء، والمهندسين، وهي مؤهلات تجعلنا قادرين على لعب دور سياسي كبير، لافتًا لعدم وجود نواب مسلمين في البرلمان الفيدرالي الأسترالي رغم وجود رؤساء بلديات مسلمين في بلديات أوين وروكدل وكانتر بري.

وأوضح تعامل الحكومة الأسترالية بشكل إيجابي مع الجالية المسلمة حاليًّا، منهية عقدًا من المشاكل، لافتًا لتقديمها إعلانًا يُقرُّ للمسلمين بخصوصية قيمهم، لا سيما فيما يتعلق بالتعاملات المالية في البنوك ورفض الربا، والحجاب، وفيما يخص العلاقات الزوجية، والأحوال الشخصية، وهي مواقف تبين حجم الفوارق بينها وبين الحكومة السابقة.

وكشف د. أبو محمد عن الآثار الإيجابية لتأسيس مجلس علماء فيدرالي للمسلمين، يضم علماء من جميع الولايات، وفي مختلف التخصصات، أبرزها: إيجاد نوع من المرجعية الشرعية والإسلامية للجالية، نبتعد به عن التصرفات الفردية والارتجالية فيما يتعلق بالفتوى والقضايا الخاصة بتعايش الجالية المسلمة في أستراليا، مشيرًا إلى أن الأمر حظي بتَرحاب من الحكومة الأسترالية الحالية الراغبة بقوة في عدم حدوث ما يعكر الصفو مع الجالية، أو وقوع أزمات تعيد التوتر لعلاقات الطرفين.

في السطور القادمة التفاصيل الكاملة للحوار:

• هل لك أن تدلنا على الطريقة التي وصل بها المسلمون إلى بلاد العالم البعيدة "أستراليا"؟

إبراهيم سالم أبو محمد: ارتبط وصول الإسلام إلى أستراليا بموجتين؛ كانت الأولى في منتصف القرن الثامن عشر، حين وفدت إلى البلاد مجموعات كبيرة من الأفغان؛ للعمل في إنشاء وصيانة مرفق السكك الحديدية في معظم أنحاء الدولة القارة، ولكن الضغوط وظروف العمل وإغراءات السلطات الأسترالية أوجدت صعوبات أمام هؤلاء في الاحتفاظ بهُويتهم الدينية، فابتعدوا عن الإسلام هم وأجيالهم، ثم جاءت الموجة الثانية خلال الأعوام القليلة التالية للحرب العالمية الثانية، وكان الأتراك على رأس الوافدين بأعداد كبيرة للأراضي الأسترالية، حيث وضعوا اللبنات الأولى للجالية المسلمة في أستراليا، وجاءت بعد هجرات واسعة من باكستان، وبنجلاديش، ولبنان، ومصر، وبلدان المغرب العربي.

• في ظل هذه الموجات ما هو عدد سكان مسلمي أستراليا حاليًّا؟

إبراهيم سالم أبو محمد: قدمت موجة أخرى من مواطني البوسنة والهرسك، والصومال، ومواطنين عراقيين، حتى تجاوزت أعداد مسلمي أستراليا أكثر من مليون نسمة، يشكلون نسبة ضئيلة لمجموع سكان البلاد البالغ تعدادهم ما يقرب من 22 مليون نسمة، وينتشرون في أغلب المدن؛ مثل: كانبيرا، وملبورن، وسيدني، وجولد كوست، وغيرها من المدن، ويشكل الدين الإسلامي الديانة الثانية بعد المسيحية من حيث أعداد المعتنقين له بالنسبة لعدد السكان، وتلعب مجموعة كبيرة من المسلمين - نذروا أنفسهم للدعوة الإسلامية - دورًا مهمًّا في تحصين المسلمين؛ للحفاظ على هويتهم وعقيدتهم، وربطهم ببلدانهم الأصلية، ومنعهم من الذوبان في المجتمع الأسترالي، باعتبارهم رصيدًا للأمة الإسلامية والعربية.

حقبة سلبية:

• سيطرت على الحكم في أستراليا خلال السنوات الماضية حكومة يمينية متطرفة، ولا شك أنها أثرت بالسلب في مناخ الحريات المكفول للمسلمين وَفْقًا للدستور الأسترالي؟

إبراهيم سالم أبو محمد: لقد شهدت سنوات حكم اليمينيين بعض المضايقات ضد المسلمين - كما حدث في العديد من دول العالم - ومراقبة الأنشطة والمؤسسات الدينية، ومع هـذا لم تقترب المضايقات من العبادات والعقائد، واستمر المسلمون يمارسون عقائدهم بيسرٍ وسهولة، وإن كان الأمر لم يخلُ من بعض الممارسات العنصرية الفردية ضد بعض المؤسسات الإسلامية، ومع هذا فجدير بنا أن نؤكد أن الحرية التي يتمتع بها المسلمون في أستراليا غير مسبوقة، وقلما يتوفر قدر ضئيل منها في أغلب بلدان العالم الإسلامي، لا سيما في عهد الحكومة الحالية التي تتعاطى الشأن الإسلامي بشكل محايد، وتمتاز بطابع علماني.

• ما هي أبرز مظاهر حدوث تغيير في تعاطي الحكومة الأسترالية لمشاكلكم؟

إبراهيم سالم أبو محمد: الحكومة الحالية لا تتبنى موقفًا معاديًا للمسلمين، بل إنها تتخذ مواقف إيجابية؛ منها - على سبيل المثال -: تقديم إعلان يقر للمسلمين بخصوصياتهم وقيمهم فيما يخص التعاملات المالية في البنوك ورفض الربا، والحجاب، وفيما يخص العلاقات الزوجية والأحوال الشخصية، وهي مواقف تبين حجم الفوارق بينها وبين الحكومة السابقة، فهي تؤمن بالتناغم الحضاري والثقافي، وتقف موقفًا جيدًا من النزعات العنصرية التي لم تتجاوز الطابع الفردي، ولم تأخذ الشكل المنظم حتى الآن.

الصورة النمطية:

• إذا كنتم تتمتعون بقدر كبير من الحريات، فما هي المشكلات التي يعانيها مسلمو أستراليا؟

إبراهيم سالم أبو محمد: يواجه مسلمو أستراليا العديد من المشاكل؛ أهمها: عدم فهم غالبية الأستراليين الإسلامَ فهمًا حقيقيًّا، نتيجة عدم الاستماع له من مصادر محايدة، ورسم صورة نمطية عنه من أفعال بعض المسلمين، وقد حاولَت العديد من المؤسسات الإسلامية، ومنها دار الإفتاء، والمؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية، والمجلس الأسترالي لشؤون المرأة في المهجر، وإذاعة القرآن الكريم التي يهيمن على برامجها القرآن الكريم، وقصص الأنبياء باللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى أصول العقيدة والأخلاق الإسلامية - مواجهة الأباطيل والأراجيف المثارة حول الإسلام والمسلمين، ومحاولة تصحيح هذه المفاهيم، وتقديم الصورة الحقيقية للإسلام كدين سمح ومعتدل، يحترم الآخر، ويتعامل معه بالحكمة والمودة والموعظة الحسنة.

مكانة عالية:

• نرجو أن تلقي لنا الضوء على الدور المناط بإذاعة القرآن الكريم القيام به، وما هو الحيز الذي تصل إليه؟

إبراهيم سالم أبو محمد: إذاعة القرآن الكريم هي إذاعة تتمتع بقدر كبير جدًّا من الحرية والتأثير في أعضاء الجالية المسلمة، بل يمتد أثرها، وأَشْرُفُ بتولي مسؤولية إدارة هذه الإذاعة، بجانب رئاسة مجلس إدارة المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية، ومنصب الإفتاء، وقد أنشئت الإذاعة منذ 13عامًا، وتعمل 24 ساعة باللغتين العربية والإنجليزية، وتؤدي رسالة ممتازة، ويستطيع المسلمون في أستراليا والبلدان المجاورة لها في المحيط الهادي التقاط بثها بسهولة، فضلاً عن منطقة جنوب شرق آسيا.

• هل حققت هذه الإذاعة نجاحًا كبيرًا، خصوصًا في أوساط المسلمين الأستراليين؟

إبراهيم سالم أبو محمد: ربما لا يعرف الكثيرون المكانة السامقة التي تتمتع بها الإذاعة، فهي تمثل بالنسبة لديَّ الحرم الرابع بعد الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى، وأسعى جاهدًا للحفاظ عليها، والابتعاد بها عن أية مغامرات قد تَجُرُّ عليها أية أضرار، وتدار الإذاعة وفق رؤية موضوعية، مستعينة بالتكنولوجيا الحديثة، وتقدم خدمة متميزة، ولا تقتصر برامجها على القرآن الكريم والبرامج الشرعية، علاوة على مجموعة من الندوات والأمسيات لكبار العلماء والدعاة في العالم الإسلامي، ولدينا تسجيلات لكبار قراء القرآن في العالم الإسلامي.

خدمات متعددة:

• هل تقدم الإذاعة خدمات إخبارية اجتماعية وخدمية للمسلمين في أستراليا؟

إبراهيم سالم أبو محمد: بالفعل تقدم الإذاعة خدمات إعلامية متنوعة، تركز على ثلاث نشرات إخبارية باللغة العربية، ونشرتين باللغة الإنجليزية، وتستضيف كبار الأطباء والمختصين للرد على استفسارات المستمعين، فضلاً عن إنشاء ركن لتوفير فرص عمل مناسبة لشباب الجالية، كذلك هناك ركن اجتماعي يتولى فيه المختصون تقديم حلول لمشاكل الجالية المسلمة، من المهم الإشارة إلى أن هناك تعاطيًا إيجابيًّا ومتابعة من أعداد كبيرة من المستمعين، أهم شيء قمنا به خلال الفترة الماضية هو إنشاء مجلس علماء في "دارلي"؛ لإيجاد نوع من المرجعية الشرعية والإسلامية، نبتعد به عن التصرفات الفردية والارتجالية في الفتوى والقضايا الخاصة بتعايش الجالية المسلمة في أستراليا، وقد حظت برامجها بترحاب من الحكومة الأسترالية، وهو ما يقدم دليلاً على اهتمام أبناء الجالية بالإذاعة واحتفائهم بها.

رؤى مقنعة:

• ترأَسون المنظمة الأسترالية للثقافة الإسلامية، فما تقييمك لدور المنظمة خلال السنوات الأخيرة، لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟

إبراهيم سالم أبو محمد: لعل الهدف الأول للمنظمة كان يتمثل في تحسين تعايش وتكيف الجالية المسلمة في المجتمع الأسترالي، مع ضرورة الالتزام بالثوابت الإسلامية، وأظن أننا نجحنا بدرجة كبيرة في تحقيق الهدف، فضلاً عن أننا سعينا بقوة لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام، والتصدي عبر المحاضرات والمناظرات لوجهات النظر المعادية للإسلام، خصوصًا بعد أحداث سبتمبر عام 2001 م، دون أن نتورط في تبني صيغة دفاعية تقدم الإسلام كمتَّهم، بل نحاول توضيح الصورة الحقيقية للإسلام، وإقناع الآخر بزيف الدعايات المضادة للإسلام.

• لا شك أن هذه الجهود قد نجحت في جذب انتباه المفكرين الأستراليين لتعاطي فعالياتها؟

إبراهيم سالم أبو محمد: العديد من المفكرين الأستراليين المنصفين قد عدلوا من وجهة نظرهم تجاه الإسلام وما يتعرض له من اتهامات، بعد إمدادنا لهم بالكتب والمواد الخاصة بالإسلام ودوره التاريخي في الحضارة الإنسانية، وهو ما كانت له تداعيات إيجابية على صورة الدين الحنيف لدى عدد كبير من الأستراليين.

قاصر.. ولكن:

• رغم الدور البارز للجالية المسلمة في أستراليا إلا أنه يؤخذ عليها عدم لعبها دورًا سياسيًّا مناسبًا يواكب التحديات المجابهة لها؟

إبراهيم سالم أبو محمد: بالفعل دورنا السياسي قاصر حتى الآن رغم الطابع النخبوي للجالية، ووجود أعداد كبيرة من الأكاديميين، ورجال الأعمال، والأطباء، والمهندسين، وهي مؤهلات تجعلنا قادرين على لعب دور سياسي كبير، ولكن حتى الآن لم نقم بهذا، وإلى الآن لا يوجد نواب مسلمون في البرلمان الفيدرالي الأسترالي، ولكنْ هناك رؤساء بلديات مسلمون في بلديات أوين وروكدل وكانتر بري، ونأمل أن تشهد السنوات القادمة تفعيلاً وتنشيطًا للدور السياسي لمسلمي أستراليا.

محاكمة عاجلة:

• شنت آلة الإجرام الصهيوني عدوانًا فاشيًا على قطاع غزة، فكيف كان رد فعل الجالية المسلمة هناك؟

إبراهيم سالم أبو محمد: لقد أعلنت الجالية بكافة ألوان طيفها رفضها الشديد وإدانتها للعدوان النازي، وخرجت تظاهرات حاشدة شاجبة للعدوان، ومطالبة بوقفه منذ الأيام الأولى، وبرفع الحصار عن قطاع غزة، وبضرورة محاكمة مجرمي الحرب الصهاينة، ولقد راعينا خلال التظاهرات أن تحمل رسائل عدة؛ منها: أننا لسنا ضد أتباع النبي موسى، بل ضد إجرام العصابة العنصرية في تل أبيب، فضلاً عن أن الإشارة إلى الحرب الأخيرة في غزة أثبتت أننا والنصارى واليهود الحقيقيين في خندق واحد، فما فعلته إسرائيل من إجرام يضر بالجميع، ويجب على عقلاء العالم التصدي له، فليس هناك أي علاقة للعدوان باليهودية، ولا برسالة النبي موسى، وهو أمر حاز إعجاب الأستراليين، وجعلهم يغيرون رأيهم، ويطالبون بوقف العدوان، وتقديم من تورطوا فيه للمحاكمة، وإنزال أشد العقوبات بهم، وهو ما اعتبرناه أمرًا مهمًّا وجديرًا بالاهتمام.

ترحيب لافت:

• ما أبرز الأعمال التي قمت بها منذ توليك منصب المفتي العام لأستراليا؟

إبراهيم سالم أبو محمد: قمنا بعدة خطوات مهمة؛ منها: إنشاء مجلس علماء فيدرالي، يضم علماء من جميع الولايات، وفي مختلف التخصصات؛ لإيجاد نوع من المرجعية الشرعية والإسلامية للجالية، نبتعد به عن التصرفات الفردية والارتجالية في مجال الفتوى والقضايا الخاصة بتعايش الجالية المسلمة في أستراليا، وقد حظيت الخطوة بترحاب من الحكومة الأسترالية الحالية الراغبة بقوة في عدم حدوث ما يعكر الصفو مع الجالية، أو وقوع أزمات تعيد التوتر لعلاقات الطرفين.