• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | محاضرات وأنشطة دعوية   أخبار   تقارير وحوارات   مقالات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في ...
    خاص شبكة الألوكة
شبكة الألوكة / المسلمون في العالم / مقالات
علامة باركود

لم يحن وقت الفرح

أحمد عبدالله الهلالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/2/2011 ميلادي - 18/3/1432 هجري

الزيارات: 5302

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

 

أما بعد:

فيا أيُّها الشعب الحبيب، والجيل الغريب، ورُوَّاد التمكين القريب، بإذن الله علاَّم الغيوب:

 

حياكم الله بكل خير وبِر، وتمكين ونصر، وفوزٍ بعظيم الأجر، ونفعٍ بما بقي من العمر، ودفعٍ لِبُغاة الظلم والقهر، والمكروهِ والشَّر، والبأساء والضُّر.

 

أَقول:

عُقُودُ الظُّلْمِ لَيْسَ لَهَا دَوَامُ
وَنُورُ الْحَقِّ لَيْسَ لَهُ انْصِرَامُ
إِذَا طَالَ الْمَنَامُ وَعَمَّ ظُلْمٌ
بِمِصْرَ فَسَوْفَ يَنْتَبِهُ النِّيَامُ
وَإِنْ كَانَ النِّظَامُ بِلاَ احْتِرَامٍ
فَيَسْقُطُ مَا يُثَبِّتُهُ النِّظَامُ

 

شهدنا تاريخًا بأعيننا نصنعه بأيدينا، وإرادة الله فوق ذلك كله.

 

ما كان أحد يتجرأ على التنبُّؤ بحدوث شيء مما كان، ولو تجرأ لَوُصِم بالجنون، ورُمِيَ بألوان السَّفَه والطيش.

 

وقد كان المتنبِّي يقول:

وَكَمْ ذَا بِمِصْرَ مِنَ الْمُضْحِكَاتِ
وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالْبُكَا

 

فنُسِخَ هذا، وصار الواقع:

لِصَحْوَةِ مِصْرَ تَنْتَفِضُ الْبَرَايَا
وَتَصْحُو مِثْلَ صَحْوَتِهَا الأَنَامُ

 

نعم، كانت السابقة لتونس الخضراء، بثورة شعبِها الْمُباغتة بعد حالات انتحارٍ مؤسفة، وهروب "بن علي" من البلاد، إلا أن ثورة شعب تونس الحبيب آتت أكُلَها بين عشيَّة وضحاها، وأفلح فيها من زكَّاها، وخاب من دسَّاها، وما زالوا يطالبون بِمَطالبهم المشروعة؛ من الإفراج عن المعتقلين ظلمًا، وضمان الحريات العامة، وغير ذلك، نرجو الله - تعالى - أن يَمُنَّ عليهم وعلينا بعودة الأمن والطُّمأنينة والعدل عاجلاً غيْرَ آجل.

 

أما في مصر، فالوضع مُختلف؛ فلا النظام كالنظام، ولا تعداد الشعب كتعداد الشعب؛ كِلا النظامَيْن اعتاد على سياسة القمع والقهر، إلا أن النِّظام المصريَّ - مع اعتياده القمع - كان قد اعتاد على التجاهل والتسييس، والتعتيم والتضليل باحترافيَّةٍ أكثر من النِّظام التونسي الذي لاذ بالفرار عندما شعر بِجدِّية الموقف.

 

ظل النظام المصري سادرًا في تَجاهُلِه مطالِبَ الشباب الثائر، وكان قد أحاطهم في البداية بسياجٍ أمنِي تعوَّد أسلوبَ الإجرام مع الأبرياء فقط؛ عسى أن تَصُدَّهم قوَّاتُ الأمن، وتفرِّق جُموعَهم، كما اعتادوا، إلا أن المفاجأة أنَّهم لَم يتفرَّقوا، وسقط "الأبرياء الْمُسالِمون العُزَّل" قتْلَى واحدًا تِلْوَ الآخَر؛ هذا بِرَصاصٍ حيٍّ أُطلق عليه، وهذا بطلقة مطَّاطية مُجرَّمة دوليًّا، وذلك ارتطم بالسيارة المصفحة المسرعة تُجاهه، فضلاً عن الإصابات المتنوعة من شظيةٍ اخترقَت يدَ فلان، أو قنبلة مسيلة للدموع أدَّت بفلان إلى الإغماء، أو عصا أحد جنود الطاغية أصمَّت أذُنَ فلان...

 

وبرغم ذلك وغيره لَم تنصرف الجموع، بل كانوا يتزايدون ويزدادون صمودًا وإباءً، وما يَمْتلكون من سلاحٍ سوى الحجارة كأبناء فلسطين الحبيبة.

 

وظلوا أيَّامًا صامدين، إلى أنْ هربت الشرطة من الْميدان في تطور مذهلٍ للأحداث! وكأنَّهم أُمِروا بترك مكانِهم من جهاتٍ لَم يَكُن يُعْلَم حينَها مَن الآمِرُ لَهم؟ وما مغزى انسحابِهم؟

 

ولستُ بصدد سرْدِ الأحداث التاريخية الْمُبهرة التِي كانت؛ فقد تناقلتْها وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها وتوجُّهاتِها، حتَّى الإعلام التابع للنظام الذي ظلَّ أسبوعين يعتِّم على ما يجري، ويشوش على من ينقل الحقائق، ويتعرض لَهم بالتنفير منهم تارة، وإيذاء أفراده من الصحفيين والمراسلين تارة أخرى، عاد هذا الإعلامُ - بعد تعرضه للانتقاد - يُحاول أن يَلْحق بِغيره في التغطية شبه الأمِينة للأحداث، ويعتذر عمَّا فعله سلفًا من التنفير والإيذاء، حتى إذا سقط الطاغية، وزالت الأقنعة الْمُزيَّنة عن الوجوه الآثِمة، أرجعوا سببَ تعتيمهم فيما سبق إلى الطَّاغية الذي سقط؛ فهو الذي كان يجبرهم على ذلك طوال ثلاثين عامًا مضت.

 

ما الذي أدى إلى الثورة؟

لَقَدْ عِشْنَا - وَمَا عِشْنَا - عُقُودًا
فَلَيْسَ يُرَى بِهَا إِلاَّ الظَّلاَمُ
فَسَادٌ وَارْتِشَاءٌ وَانْتِهَابٌ
وَتَضْلِيلٌ وَغِشٌّ.. وَانْتِقَامُ
وَكُلُّ حُكُومَةٍ سَلَكُوا طَرِيقًا
عَلَى الإِفْسَادِ وَالنَّهْبِ اسْتَقَامُوا
وَمَنْ يُصْلِحْ وَلَوْ شَيْئًا يَسِيرًا
فَلَيْسَ لَهُ مَكَانٌ أَوْ مُقَامُ

 

في هذه الأبيات أجملتُ بعضَ الأسباب التي أدَّت إلى الثَّورة، ولَستُ مبالغًا في هذا البيت الأخير؛ فقد كان هذا هو الواقِعَ، فمِصْر مليئة بالثروات في مجالات شتَّى:

• إن كان في الزِّراعة، فأراضيها تصلح للزراعة، وتجعلنا في اكتفاء ذاتي - بفضل الله - إنْ هي استُثمِرَت.

 

• أو في الصناعة، فما أكثرَ شبابَها العاطلين الذين يتلمَّسون أسباب الرِّزق في كل ما يُتاح أمامَهم، فلا يَجِد أكثرهم عملاً!

 

• أو في التجارة، فما أجدرَهم بفنونِها؛ صحيحها، وسقيمِها!

 

• أو في مجالات العلوم والفنون... إلخ، فمَن أراد أن يستغل مصر لصالِحِ مصر سيفعل، ولن يعدم فائدة، ولكنْ كان النِّظام البائد لا يريد مَن يَجعل مصر في عداد الدول النامية، فضلاً عن المتقدِّمة؛ لذلك يصرفون كلَّ مُصلحٍ عن الْمَوْطن الذي ينتوي فيه إصلاحًا، فيَبْقى من يريد الإفساد خالِصًا لا تشوبه شائبةُ إصلاح!

 

والشعب يرى، ويَخشى الكلامَ أو التبَرُّم أو التسخُّط، ولو في قرارة نفسه؛ فإنَّ من تكلَّم يعرف مصيره، والسجون عامرة بالمثقفين والعلماء ومريدي الإصلاح والنُّهوض بالأُمَّة، ولا يضيق بِهم المكان أبدًا.

 

فعَلِم الشعبُ أنَّ الْمَطلوب استتبابُ الفوضى، وتعميم الفساد تَحت مسمَّى النِّظام!


عَجِيبٌ أَمْرُ مِصْرَ وَمَنْ يَلِيهَا
أَلَيْسَ لَهَا سِوَى الْفَوْضَى مَرَامُ
فَجِرْذَانٌ تَسُودُ عَلَى أُسُودٍ
وَوَابِلُهَا تُبَاعِدُهُ الْجَهَامُ
وَذُو عِلْمٍ بِهَا يُرْمَى بِجَهْلٍ
وَإِرْهَابٍ فيَقْتُلُهُ الْخِصَامُ
وَيُسْجَنُ ثَمَّ أَوْ يُنْفَى بَعِيدًا
وَيَتْبَعُهُ انْتِقَاصٌ وَاتِّهَامُ

 

فما الذي جدَّ؟ وماذا طرأ وجعل الناس يَهُبُّون من سُباتِهم بعدما تعودوا على الظلم والفساد، وصارت حياتُهم بدونِهما غيرَ ذاتِ طعم، واطمأنَّ الحكامُ إلى سُباتِ المَحكومين، ونسوا أن لهم عليهم حقًّا؟!

 

الإجابة في قول الله - تعالى -: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44].

 

جاء في "الدر المنثور": "أخرج عبدالرزَّاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: ﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ قال: يعني الرخاءَ وسَعَةَ الرِّزق.

 

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السُّدِّي في قوله: ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا ﴾ قال: من الرِّزق ﴿ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ قال: مُهْلَكون متغيِّرٌ حالُهم"[1].

 

وما أغنَى عنهم الذين كانوا يُوالونَهم من الله شيئًا، يقول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 101 - 102].

 

انظر إليهم الآن وقد فرَّ كلُّ امرئٍ من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه! ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ﴾ [هود: 103 - 104]، فسبحان من له الدوام، ولا يزول ملكه على تعاقب الزمان والأيام!

 

أقول: لقد كان شبابُ الخامس والعشرين من يناير جندًا من جنود الله في إسقاط نظام "مبارك"، ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [المدثر: 31]!


أيُّها الشَّعب الْمَرِح، لَم يَحِن وقْتُ الفرَح:

ما كاد "عمر سليمان" ينتهي من إعلان تنحي "مبارك" عن الرئاسة إلا وتعالت الصيحات، وتبادلَ النَّاسُ التهاني، لا أقول في مصر فقط، بل في العالم العربي والإسلامي كافةً، إن لم يكن في العالَم بأسْرِه؛ فرحًا بسقوط الطاغية، واستبشارًا بانتهاء عهد الظلم والطُّغيان الذي دام عقودًا طويلة وقاسية.

 

لقد كان العالَم كُلُّه يتابع بِشَغفٍ ما يَجْري على أرض مصر، وينتَظِر على أحرَّ من الجمر مَا تتمخَّض عنه الأحداثُ المتلاحقة من نتائج؛ فمِنْهم من كان يتابع ليرى مَن المنتصر؟ ومنهم من كان يتابع وهو من صُنَّاع القرار المتخفِّين وراء رموز النِّظام، ومنهم من كان يتابع ويدعو الله أن يقدِّر الخير لِمِصر، ومنهم المرجفون الباغون الفتنةَ، ومنهم الوَجِلون مِن استيقاظِ الشعوب، وانتهاءِ الْمُعاهدات الباطلة، ومنهم مَن يتابع لأجل المتابعة...

 

أمَا وقد زالت الأقنعة المزركشة المصطنعة عن الرموز الْمجرمة والأيادي الآثِمة، وسقط النِّظام برموزه وأياديه، فهل يعني هذا حسْمَ المعركة في صالِح الشعب؟ وهل يُعَدُّ ذلك انتصارًا على الظلم لتبدأ مظاهرُ الفرح والتهانِي، والابتهاج والأغاني؟

 

أقول: لا، بل الأمر كما قال أحد الأفاضل: إننا وصلنا إلى نقطة الصفر، ولم نَخْطُ بعدُ خطوةً على طريق الإصلاح، بل أوقفنا الإفساد فحَسْبُ، ومن هنا فالْمسؤوليَّة الآن أكبر، والْحِمل أثقل، وطلب الإصلاح بات أشدَّ إلْحاحًا من ذي قبل، ففيمَ الابتهاجُ والفرح؟ وعلام السُّرور والمرح؟!

 

لسْتُ أدعو إلى الكآبة، ولا أقلِّل من شأن الخطوات الإيجابية التِي تَمَّت - بفضل الله سبحانه - نحو القضاء على الفساد، ولكن علينا ألاَّ ننشغل بالفرح عن الانطلاق نحو الإصلاح، والتفكير فيما هو آتٍ، وإلاَّ عدنا أدراجَنا إلى الانحطاط والفسادِ، والقهر والقمع؛ لأنَّ الأمور دومًا في تغيُّر؛ فإما إلى نُهوض وارتقاء، وإمَّا إلى تَخلُّف وترَدٍّ في مهاوي الجهل، وكَبْتِ الْحُرِّيات.

 

إلى أين؟

أمامَنا النَّجْدان؛ الخير والشر، الْهُدى والضلالة، فلا يَكُنْ نَجْدُ الشرِّ أحبَّ إلى أحَدِكمْ مِنْ نَجْد الْخَيْر.

 

لِيَبدأْ كلٌّ منا بنفسه؛ مهذِّبًا إيَّاها، ومفتِّشًا عن عيوبِها وأدوائِها، ومُعالِجًا أسقامَها، ومقيمًا إياها على سواء الصراط، علينا أن نعود إلى سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلَّم - ونطبِّقَها على أنفسنا أوَّلاً، وعلى بيوتِنا ثانيًا.

 

أمَّا شعائر الإسلام التي كان الكثيرُ يَخاف من إقامتها وتعظيمها؛ بسبب النظام الفاسد والعهد البائد، فليس لنا الآن مِن حُجَّة في تنحيتها أو إقصائها من واقعنا، فعلينا ارتياد المساجد، وإفشاء السلام، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحرص على طلب العلم صافيًا مُنقًّى، ونشر العلم الصحيح المفيد قدر الاستطاعة.

 

نعم، لقد كان الكثير منا مَمنوعًا من إقامة هذه الشعائر وغيرها؛ إما لمكروه ألْحقَه به الطغاة، أو لِخَوف إنزال المكروه به؛ درءًا للمفسدة الأكبر، لكنَّ الْمُفزِع في الأمر أن يكون الناس قد اعتادوا ترْكَ هذه الشعائر، ونسوا ما كان سببًا في تركهم إيَّاها، فيَظلُّوا في جفائهم للشعائر، ويَدْرسَ الخيرُ بسببهم، ويَنْمحي من بينِهم الْهَدْي الإسلاميُّ الظاهر الذي لا يقلُّ أهَميَّةً عن الإيمان القلبِي، والصفاء الرُّوحي.

 

فما الداعي الآن إلى مُشابَهة الكُفَّار في سَمْتِهم ومظهرهم؟ والْمُشابَهة فِي الْهَدْي الظَّاهر - كما يقول ابن القيم - ذريعةٌ إلى الْمُوافقة في القصد والعمَل[2]، وكما قال في موضع آخر: المشابهة الظاهرة ذريعة إلى الموافقة الباطنة؛ فإنَّه إذا أشبَه الْهَديُ الْهديَ، أشبه القلبُ القلب، وقد قال - صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم -: ((خالَفَ هَدْيُنا هَدْيَ الكفَّار))[3].

 

واجب الدعاة:

إن مسؤولية الدعاة اليوم باتت أكبر من ذي قبل؛ فالأمراض قد انتشرت وعمَّت، ودخلت كلَّ بيتٍ عن طريق أجهزة الإعلام الفاسدة طيلةَ قرن من الزمان أو أكثر، بدؤوا بانتقاد القِيَم الأصيلة، والتقاليد الموروثة، والاستهزاء بالْمُتمسِّك بِها؛ فهو عندهم "دَقَّة قديمة"، وتدرَّجوا - باسْم التحضر والتقدُّم - في تحبيب الثقافات الدخيلة إلى الناس، وزينوا لَهم كلَّ ما يُخالف القرآن والسُّنة؛ تصريحًا تارةً، وتلميحًا تارة أخرى.

 

لذا؛ فالطريق إلى إصلاح المفاهيم ونشر الحقِّ، قد امتلأتْ بالأشواك والشُّطَّار، وبعد أن كان المطلوبُ نشْرَ الحق لتستجيب إليه الفطرة السليمة، صار المطلب المُلحُّ إزالةَ الثوابت المغلوطة، وإعادةَ الفِطَر إلى سلامتها، وتنقيتَها مِمَّا شابَها.

 

إن على الدُّعاة أن يَقْضوا على الأمراض في مجتمعنا بِحِكْمة ورفق؛ فالله - سبحانه وتعالى - يقول: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل: 125]، وروى الإمامُ مسلمٌ بِسَنَدِه عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - قال: ((إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيْءٍ إِلاَّ زانَه، وَلا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إِلاَّ شانَه))[4].

 

وبِحمد الله شرَعَت الفضائيَّاتُ الدينيَّةُ في الآونة الأخيرة في إزالة كثيرٍ من الشوائب عن طريق الدعوة، وأسهمتْ - بشكل كبير - في عودة السلامة تدريجيًّا إلى الكثير من الفِطَر، حتَّى أحسَّت أجهزة الإعلام أن البساط يُسحَب من تحت أقدام طغاتِهم؛ لتتجه الأنظارُ إلى الحقيقة باستشراف، وتتطاولَ الأعناقُ إلى الحق كأنَّما يرونه لأول مرَّة، فسارع الإعلامُ بتوجيه الاتِّهامات إلى تلكم الفضائيات بأنَّها قنوات الفتنة، وناشرة التطرُّف والفكر المغلوط، والفهم السقيم، والتحجُّر، والانغلاق... إلخ.

 

فأغلقوها، ثم أعادوها، ثم شوشوا عليها، ثم أغلقوا بعضها نِهائيًّا؛ دليلاً على خوفهم من عودة الناس إلى الحقِّ، وعدم امتلاكِهم ما يدفع هذا الْحقَّ، أو يُلْهي الناسَ عنه.

 

أمَا وقد أخذ الشعب - كل الشعب - تعهُّدًا بضمان الْحُرِّيات العامة بعد انتصار الثورة، فنرجو الله - سبحانه - أن تكون تلك الحريات مكفولةً للدعوة إلى الحق، لا مقصورةً على المشوِّشين والمُرْجفين في المدينة، كما كانت من قبل، وأن ينتهي نفوذ الذين يقولون: ﴿ لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26].

 

وهذا وحده كسْبٌ كبير للأمة كلِّها، فحُرِّية الدعوة إن كُفِلتْ لجميع الأطراف سيُبْرِز كلُّ ذي بضاعةٍ بضاعتَه، وينكشف المُحقُّ من المبطل، ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 33 - 35].

 

وعسى أن تكون الأحداث الْجارية حجرَ الأساس في بناء التمكين إذا استفاد المسلمون من ثِمارها لصالِح الأُمَّة جميعًا، قبل أن يستغِلَّها المرجفون والحاقدون ويَجعلوا منها حجَرَ عثرةٍ جديدًا في طريق الإصلاح والبناء.

 

يقول الله - تعالى -: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].

 

نسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يكشف الغُمَّة عن جميع الأمة، وأن يوفِّقَنا إلى ما يُحِبُّ ويرضى، اللَّهم وَلِّ أمورنا خيارَنا، ولا تُوَلِّها شِرارَنا، واختم بالباقيات الصالِحاتِ أعمالَنا، اللهم ائذن لِشَرعك أن يَحْكم، وللقرآن أن يقود، وللإسلام أن يَسُود، اللهم اجعلنا هُداةً مهديِّين، لا ضالِّين ولا مُضلِّين، اللهم اشْفِ صدور قومٍ مؤمنين.

 

وصلَّى الله وسلم وبارك على نبينا سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



[1] "الدر المنثور في التأويل بالمأثور"، السيوطي (4/ 56).

[2] "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (3/ 112).

[3] "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (1/ 364)، والحديث ورد بغير هذا اللفظ في "مصنَّف ابن أبي شيبة" (3/ 387) ح 15184، و"المراسيل" لأبي داود (1/ 154) ح 151، و"السنن الكبرى" للبيهقي (5/ 204) ح 9521.

[4] "صحيح مسلم" (4/ 2004).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الطريق إلى الفرح
  • احتفالات الفرح بين المشروع والممنوع (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الشوق يحن(مقالة - حضارة الكلمة)
  • يديعوت: حماس انتصرت في الحرب وعلى الخاسر أن يحني رأسه ويلبي مطالب المنتصر(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إذاعة مدرسية عن أهمية الوقت (استغلال الوقت – فوائد تنظيم الوقت)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من السنن الموقوتة قبل الفجر(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • موقف الفقهاء من تقسيم الوقت إلى اختيار واضطرار - وحكم تأخير الصلاة إلى وقت الاضطرار (PDF)(كتاب - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • حرمة تثبيت الوقت بين الفجر وطلوع الشمس ومثله تثبيت الوقت بين المغرب والعشاء (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فرغ وقتا للدعاء في رمضان واغتنم أوقات الإجابة(مقالة - ملفات خاصة)
  • صلاة الليل في وقتها (أفضل وقت لصلاة الليل)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • إلى متى يديرك الوقت؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صلاة الجمعة وصلاة العيد(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)

 


تعليقات الزوار
5- أكرمكم الله
أحمد الهلالي - مصر 26-02-2011 01:19 PM

جزاكم الله خيرًا مشائخي الفضلاء، وبارك فيكم ونفع بكم.

وأما بقية القصيدة فسأنشرها هنا على شبكتنا الحبيبة قريبا إن شاء الله تعالى بعدما أختمها.

4- صدقت
أبو معاذ المنفلوطي - مصر 23-02-2011 02:42 PM

صدقت أخي الكريم؛ فنحن مازلنا في بداية الطريق.

3- بوركت شاعرنا الكريم!
أبو مسلم - عفا الله عنه - مصر 23-02-2011 01:46 PM

بارك الله فيك، ونفع بك، وأكثر من هذا ، فلعبارتك وقع وأثر.

2- دمت مبدعا!
فريد البيدق - مصر 22-02-2011 09:03 PM

طاب حرفك ودام شاعرنا الحبيب أحمد!

1- مقالة طيبة
محمود ثروت - مصر 22-02-2011 03:02 PM

أبيات جميلة يا أخي الكريم عززت من قيمة المقالة، وهي دعوة للتريث والتقاط الأنفاس للاعتبار فيما مضى، ومحاولة التغيير الجاد فيما هو قادم، هل للقصيدة بقية؟

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب