مؤتمر الحجيج هل يلعب دوره في إنقاذ الروهينغا من المجازر؟

مؤتمر الحجيج هل يلعب دوره في إنقاذ الروهينغا من المجازر؟

لم يشرِّع ربُّنا الحكيم تبارك وتعالى في الإسلام عبادة إلا ولها حِكَم عظيمة ومقاصد جليلة، عرفها مَن عرف، وجهلها مَن جهل، وإنَّ من العبادات التي تكمُن وراءها مقاصد نبيلة وحِكَم عديدة: عبادةَ الحجِّ لبيتِ الله العتيق التي تشهدها العاصمة المقدَّسة في هذه الأيام المباركة، ومِصداق ذلك قوله جلَّ في عُلاه: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 28].

فمقاصد الحجِّ لا تتوقف مع ممارسة شعائر معيَّنة والتنقُّل بين المشاعر المقدَّسة، بل ترمي إلى تحقيق أهداف أبعد من ذلك، مِن شأنها أن تعود هذه الأمَّة إلى عزِّها ومجدِها، وتُعيد ما سُلِب منها من سُؤْددٍ ومهابة.

فهو اجتماعٌ عظيمٌ لا نظير له في العالم؛ حيث يجمع أطيافًا مختلفة من جميع شرائح الأمَّة الإسلامية من كل فِجاج المعمورة على صعيدٍ واحد في آنٍ واحد، وعلى كلمةٍ واحدة، ففيهم أهل القيادة والرِّيادة الذين بأيديهم زمام البلاد والمجتمعات، ولصوتهم وكلمتهم آذانٌ مصغية في طول الآفاق وعرضها، ويتحكَّمون في خَلْقِ الأحداث وتغيير مجراها، كما يجمع الحجُّ رجالَ العلمِ والدِّين الذين تنساق وراءهم أعناق الأمم على اختلاف طبقاتها، ويشهده كذلك أرباب الأقلام والإعلام، الذين ينقشون في قلوب البشر ما يُريدون، ويمحون عنها ما يشاؤون، وفي الحجِّ يلتقي أصحاب الثروات وأهل المليارات ممَّن يلعبون دورًا كبيرًا في تسمين الأمم وإغنائها عن نظائرها، وغير ذلك مما تجمعه هذه الشَّعيرة العظيمة من شتَّى طبقات هذه الأمة.

فلو تمَّ استغلال هذه الفرصة الغالية التي تعود في كلِّ عامٍ مرَّة الاستغلال الأمثل؛ لنهضت هذه الأمَّة من أوحال الذُّلِّ والمهانة إلى علياء الشَّرفِ والكرامة، واستطاعت أن تُعالج أزماتها المُوجِعة، وأصبحت أمَّة آمِرة وناهية بإذن الله، بدل أن تكون أمَّة مأمورة محرومة؛ مصداقًا لقول الباري عزَّ وجلَّ: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

وإنَّ من قضايا هذه الأمة الراهنة التي تنزف الدِّماء على أحد أعضائها، وتسيل الدموع على خدودها، ما يمرُّ بمسلمي روهينغا الأقلِّية في بلاد ميانمار من ذبحٍ وتشريد، واغتصابٍ وتحريق، تُنفِّذها وحوشٌ بشريَّة ضارية، بقيادة حكومة ميانمار البوذيَّة أدعياء السَّلام والتَّعايُش! تحت مرأى ومَسمع مجتمعاتٍ دوليَّة ومنظمات الحقوق الإنسانية!

وتزامُنُ هذه المآسي وتلك الكوارث مع اجتماع وفود الحجيج على أرض الإيمان والتوحيد - بمن فيهم مِن سلفَ وصفُهم من أهل النفوذ والتأثير - يَبعثُ في النُّفوس الأمل في أن تتحرَّك نخوة إيمانية لتمدَّ يدها صوب ذلك المجتمع المنكوب الذي ليس له بعد الله إلا هذه الرابطة الإيمانية، ولتُنقذه من ذلك العالم الهمجيِّ الذي لا يعرف للإنسانية معنى، وإن اقتضى تلك المساعي ثمنًا باهظًا، أو أثقل كاهلًا؛ لأنَّ مَن أحيا نفسًا واحدة فكأنما أحيا الناس جميعًا، فكيف بمن أحيا أمَّة مؤمنةً بأسرها؟! والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه))؛ رواه مسلم.

ولنا في رسول الله الأُسوة الحسنة في انتهاز مواسم الحجِّ ووفود الحجيج لتقوية دعائم الإسلام ومعالجة أزمات تمرُّ بالأمَّة، حيث كان يستغلُّ تلك المواسم لدعوة القبائل والبَعثات إلى دين الله، وعرض رسالة الإسلام عليهم، وما بَيْعتا العقبة الأولى والثانية إلا من ثمار هذا الجهد المبارك، كما أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أحسنَ في استغلال حَجَّته لترسيخ مبادئ الرسالة الربَّانيَّة، وتوطيد معالم القوة والشرف لهذه الأمَّة، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يُلهِم أهلَ القيادة وأربابَ النُّفوذ والتأثير من هذه الأمَّة المباركة - مزيدَ الهِمَّة والعناية حيال هذا النَّزيف الدَّامي، إلى أن ترى أمَّة الروهينغا المضطهدة فجرًا صادقًا في سمائها المُظلِمة، وتعرف معنى العيش على هذه الكرة الأرضية، والله تعالى حسبنا ونعم الوكيل.