• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / د. علي بن عبدالعزيز الشبل / مقالات


علامة باركود

شرح العقيدة الواسطية (10)

شرح العقيدة الواسطية (12)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل


تاريخ الإضافة: 17/10/2015 ميلادي - 3/1/1437 هجري

الزيارات: 13049

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح العقيدة الواسطية (10)

إثبات صفة الوجه لله عز وجل


وقوله: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 27]:

في هذه الآية إثبات صفة الوجه لله تعالى، والوجه مِن صفات الله الذاتية، فلله وجهٌ يليق بجلاله وعظمته، لا يُشبه وجوه المخلوقين.

 

والوجه يُعبَّر به عن صفة الوجه، ويعبر به أحيانًا عن الصفة، وعن الذات، فيدلُّ على وجهه، ويدلُّ على ذاته فقال تعالى: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾، فوصف هذا الوجه بأنه ذو جلال وذو إكرام، وجاء في قراءة: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾، فبهذِه القراءة فإن الجلال والإكرام وصْفٌ لله تعالى.

 

وقوله: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص: 88].

وجه الله لا يَهلِك، وإنما يَبقى، والوجه قد ثبت لله حتى في الأدلة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم - أن الله يكشف الحجاب يوم القيامة، حتى يرى المؤمنون وجهه - في أدلة أخرى كثيرة[1]، من صفات ذاته الملازمة لذاته أزلاً وأبدًا.

 

وجاء الوجه في القرآن بمعنى الجهة؛ ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115]؛ أي: الوجهة التي أمركم الله عز وجل باستقبالها، وتَحتمل أن الوجه وجه الله الذي يستقبله المصلي، فالآية محتملٌ فيها الوجهان.

 

• إثبات صفة اليد لله عز وجل:

وقوله: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75]:

من صفات الله الذاتية أن الله له يدان كريمتان، لا تَغيضهما نفقة، لائقتان بجلاله وعظمته، لا تشبهان أيدي المخلوقين؛ كما قال تعالى عائبًا على إبليس: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75]، بيدي على جهة التثنية، وقال عائبًا على اليهود: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 64].


فأثبَت أن له يدَين ثنتين لائقتين به سبحانه وتعالى، وجاء في صحيح مسلم: ((إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه))، وفي سنن ابن ماجه: ((يمين الله ملأى لا يَغيضها شيء، سحَّاء الليل والنهار، وبيده الأخرى الميزان، يرفع القسط ويخفض))]))، وتُسمى الأخرى شمالاً؛ كما جاء ذلك في إحدى الروايات في الصحيح، وتُسمى الأولى يمينًا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [الزمر: 67]، وتُسمى الثانية الأخرى شمالاً، لكنها يَمين؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((وكلتا يدَيِ الرحمن يَمين))[2]، ومعنى هذا أن كلتيهما مُستويتان في الفضل والشرف والمزيَّة، فلا فضْل ليد على أخرى، ولا مزية لليمنى على اليسرى؛ لأنَّه عند المَخلوقين اليد اليمنى أكرم من اليد اليسرى، أما الخالق تعالى فيداه كلتاهما مستويتان في الفضل والشرف، وجاء في الحديث عند أحمد وغيره أن النبي قال: ((إنَّ الله خلق آدم بيده، وكتب الألواح لموسى بيده، وأنشأ جنات عدن للمؤمنين بيده؛ كرامةً لهم))، ولهذا خص الله آدم بأن خلقه الله بيديه، وهذا فيه شرَف لهذه الأشياء التي باشرها الله بيديه؛ في آدم، وفي الجنة، وفي صحُف موسى: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الأعراف: 145].


والمُنحرفون المعطِّلة أوَّلوا هذه اليد تحريفًا، فأنكروا أن يكون لله تعالى يدان، وعطَّلوهما بأنواع التعطيلات:

1- فقالوا مرة: إنَّ معناهما القوة.

2- وقالوا مرةً ثانية: إنَّ معناهما القدرة.

3- وقالوا ثالثةً: إنَّ معناهما النعمة.

 

فهذه أنواع مِن التحريفات، يُسمونها هم وأضرابهم تأويلات، ويا للَّهِ كيف صار إبليسُ أعرَفَ بالله مِن هؤلاء المعطِّلة؟! لما قال الله عائبًا على إبليس: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75]، لو كان المراد باليدَين القوة والقدرة والنعمة، لقال إبليس: وأنا يا رب خلقتني بقوتك وقدرتك فأي مزيَّة لآدم عليَّ؟ فصار إبليس بهذا أعرف بالله من هؤلاء المعطلة، وهذا وجه في فساد مذهبهم.

 

والوجه الثاني أنه لو كان المراد باليدَين القوة، أو القدرة، أو النعمة، أو غير ذلك لما كان هناك حاجة إلى أن تُثَنَّيا ﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾؛ لأنَّ القدرة شيء واحد، فما الحاجة إلى أن تُثنَّى، وما الحاجة إلى أن يقول: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 64]؟ لأنَّ القدرة والنعمة والقوة لا حاجة فيها إلى أن تُثنَّى، فدلَّ ذلك على فساد مذهبهم الفساد العظيم، وهذه آثار جناية التحريف - الذي يسمونه تأويلاً - على الأدلة الشرعية، وعلى صفات الله تعالى العلية.

 

• إثبات صفة العينين لله عز وجل:

وَقَوْلِهِ: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [الطور: 48]:

في هذه الأدلة إثبات العينين صفةً لله تعالى، وهذه من صفاته الذاتية أن الله له عينان كريمتان عظيمتان لائقتان بجلاله وعظمته، لا تشبهان أعين المخلوقين بحال من الأحوال، وإنما هما لائقتان به على ما يليق بذاته وجلاله وكماله عظمةً وإجلالاً، وبعينه يُبصر، وقد أحاط بصره بكل خلقه.

 

وقد جاءت الأدلة من السنَّة على إثبات أنهما عينان اثنتان، وهذا ما أجمع عليه السلف، كما حكى الإجماعَ عليه الدارمي عثمان بن سعيد، وحكاه أيضًا ابن خزيمة، وحكاه شيخ الإسلام، وحكاه أيضًا أبو الحسن الأشعري في رسائله إلى أهل الثغر، ومستند هذا الإجماع ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، وقال فيه: ((ألا إنه أعور العين، وإن ربكم ليس بأعور))[3]، فأخذ مِن ذلك أن الله يكون له عينان؛ لأن العور يكون من عينين؛ إذ لو كانت واحدة وعميَت لا يُسمى أعور، وإنما يُسمى أعمى، ولما جاء في صحيح ابن خزيمة وغيره أن الله تعالى له عينان اثنتان، وبهذا أجمع أهل السنَّة، وأما ما جاء في الأدلة:

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [الطور: 48]، فإضافة الأعين إلى (نا) المعظم نفسه ليس المراد منها الجمع، وإنما المراد منها التعظيم والتفخيم، وفي قوله تعالى: ﴿ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ ﴾ [القمر: 13، 14]:

الدسُر هي المسامير، والمراد بذلك أنها تجري تحت أعيننا؛ أي: بعين الله عز وجل المقتضي لذلك حفظه، واطلاعه، وأنها لا تَغيب عنه، كما قال تعالى في موسى وهارون عليهما السلام لما بعثهما إلى فرعون: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46].

 

وقوله: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 39].

هذا في موسى، ففيه إثبات المحبة، وأن الله يراه بعينه سبحانه وتعالى فلا يخفى عليه، وهذا مما يقتضي - وليس معناه التأويل، وإنما مع إثبات العين لله التي يرى بها - اطَّلاعه عليه، وحفظه، وتأييده له، فلا يمسه من الله سوء، والله حافظه لأنه يُصنع على عينه سبحانه، وينشأ ويتعلم على عين الله وحفظه، ففيها إثبات صفة العينين لله على ما يليق بجلاله وعظمته.

 

• إثبات السمع لله عز وجل:

وقوله: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].

في هذه الآيات إثبات صفة السمع والبصر، فالله يسمع، وسمعه إدراكه المسموعات وإن دقَّت، وإن خفيَتْ، وإن لم تسمَعْ فإنَّ الله يسمعها، كيف وهو جل جلاله يسمع خلجات القلوب وخطراتها، وحديث النفس الذي لا يسمعه إلا الإنسان بنفسه؟! فالله تعالى يسمع ذلك ويعلمه ويُحيطُ به، وفي أول سورة المجادلة قال تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾، و"قد" إذا دخلَت على الفعل الماضي دلَّت على التحقيق (تحقيق وقوع هذا الأمر)، ﴿ وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾.

 

بدأَها بإثبات السمع، وختَمَ الآية بإثبات السمع والبصر، وهذه المرأة التي جادَلَها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها، خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها لما ظاهر منها زوجها، تقول عائشة رضي الله عنها: "سُبحان الذي وسع سمعه الأصوات! والله إني لفي طرف الحُجرة، وإنه ليخفى عليَّ بعضُ حديثها"[4]؛ أي: بعض شكايتها، وحجرته صلى الله عليه وسلم قيل: إنها ستة أذرع في ستة أذرع؛ أي: إنها ثلاثة أمتار ونيف في ثلاثة أمتار ونيِّف، وتقول عائشة: "والله إني لفي طرف الحجرة، وإنه ليخفى عليَّ بعض حديثها ما أسمعه، والله يقول: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1]".


وقد كرَّر السمع مرة ثانية فثالثة، وهو سُبحانه على عرشه، فوق سبع سماوات ولم يَخف عليه حكاية هذه المرأة جريمة الظِّهار مِن زوجها عليها، وعائشة قريبة منها ويخفى عليها بعض حديثها، تقول: "سُبحان من وسع سمعه الأصوات" إحاطة بها، وأنها لا تَخفى عليه، بل أعظم من هذا المؤمنون والحُجاج حول البيت، في جمٍّ غفير في الحج، وفي صعيد عرفة بأنواع اللغات، ومُختلِف الحاجات والرغبات، مع ضجيج الأصوات، لا يخفى على الله عز وجل أصواتهم، ولا أعيانهم، ولا حاجاتهم؛ لأن سمعه لا كالأسماع، وصفاته لا كصفات الخَلق، بل هو تعالى على وجه من الكمال والجلال مما لا يحيط معه به خلقه، فسبحانه لا إله إلا هو.

 

• أثر الإيمان بصفة السمع:

والعلماء وأهل السنَّة أثَّرت هذه الصفات في أخلاقهم، وفي عقائدهم، وفي أعمالهم، ولهذا تحرَّجوا عن الكلام البذيء لئلا يَسمعه الله منهم، وتحرَّجوا عن أن يُقارفوا الذنوب والمعاصي لئلا يطَّلع ربهم بها عليهم، وهذا مِن آثار الإيمان بهذه الصفات، نعم فإنه ليس مجرَّد الإثبات لهذه الصفات حتى نواجه المُنحرِفين، والمبتدعة، ونرد عليهم فهذا أصل، ولكن الأصل الأعظم مِن ذلك أن ينعكس آثار الإيمان بهذه الصفات على عقائدنا إجلالاً، ومخافة، وتعظيمًا لربنا جل جلاله ويَنعكس على أقوالنا وأفعالنا، فلا نُسمِع ربَّنا من أقوالنا، ولا نُريه من أفعالنا ما يكرهه ويُسخطه منا، وهذا هو اللائق الواجب على جميع المؤمنين، وأما الرد على المُنحرفين فهذا فرضٌ على أهل العلم المتعلمين.

 

المُنحرفون أوَّلوا هذه الصفات؛ المعطلة من الجهمية والمعتزلة أوَّلوها، أما الأشاعرة فقد أثبَتوا السمع والبصر مع الصفات السبع التي يُسمونها بصفات المعاني، أو الصفات العقلية وهي: السمع، والبصر، والإرادة، والحياة، والكلام، والقدرة، والعلم؛ فهذه الصفات أثبتها هؤلاء، وعاب الله تعالى - في آية آل عمران - على اليهود لما قال: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران: 181، 182].

 

﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ ﴾ فحقَّق الله أنه سَمعها، وإنما سمعها بسمعه الذي أحاط بكل شيء، وأدرك كلَّ مسموع، كما قال في المجادلة: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾.

 

وقوله: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف: 80].

أي: بلى، نَسمع سِرَّهم ونجواهم، فالله يسمع النجوى، ويسمع ما هو أخفُّ من النجوى وهو السر، والمراد بالنجوى حديث الإنسان - إلى صديقه، أو إلى من هو مُقارب له - حديثًا يُخفيه عن غيره، والسرُّ هو حديثه مع نفسه، فالله يسمع هذا، ويسمع ذاك، لا يخفى عليه هذا من هذا، بل قال العلماء: إن سمع الله لما يُجهَر به من القول كسَمعِه لما يُناجَى من القول، فهو سبحانه يسمع الأصوات بأنواع اللغات، ومع ضجيج الأصوات، بمختلف اللهجات، وبتنوع الحاجات، فتأمل هؤلاء الداعين في يوم عرفة، من أصناف المسلمين، ولغاتهم، وأحوالهم!

 

وهذا السمع ليس خاصًّا بالله، فالله تعالى يُقدِر بعض ملائكته فيَسمَعون السرَّ والنجوى، ولهذا قال: ﴿ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف: 80]؛ أي: إنهم يكتبون ما يتكلمون به، حتى حديث القلب وعزمه، وهمَّه، يعلمه الملائكة الكرام الحفظة؛ لعموم قوله تعالى عن الملائكة: ﴿ كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 11، 12]، والفعل فعلان: فعل القلب، وفعل الجوارح، وفعل القلب تعلمه الملائكة وتكتبه، فإن كان خيرًا كتب له حسنة، وإن كان غير ذلك لم يكتب حتى يعمله، وإن تركه من خشية الله أثيب عليه، وكتبت له حسنة وإن تركه من خشية المخلوق كتب عليه سيئة، وهذا في حق الملائكة، وهم خلقٌ من خلق الله، فشأن الله أعظم وأجلُّ؛ أنه يسمع سرَّهم ويسمع نجواهم.

 

وَقَوْلِهِ: ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الشعراء: 218 - 220].

فهذا فيه إثبات أن الله يرى، وهذه المقامات نُلاحظ أنها مع خُلَّص المؤمنين مِن أنبياء الله ورسله، كما أنه مع جميع الخَلق لقوله: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ [العلق: 14]، وآية الشعراء فيها دليل على أحد مقامات الإحسان.

 

والإحسان له مقامان:

1- أن تعبد الله كأنك تراه.

2- فإن لم تكن تراه - لم تصل إلى هذه الرتبة وهذا المقام الكامل من الإحسان - فاعبده لأنَّه يراك.

 

قال تعالى: ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾، والصلاة هي أربع حركات فقط: قيام، وقعود، وسجود، وركوع، ولا حركة غير هذه، ولهذا فإن صلاة الجنازة اختلفت عن الصلوات الأخرى؛ فهي قيامٌ فقط لا قعود فيها ولا ركوع ولا سجود، إلا لمن عجز عن القيام؛ حمايةً لحمى التوحيد، وسدًّا لذرائعه؛ لئلا يُظنَّ أن السجود والركوع لهذا الميت الممدد أمامهم، ولهذا شُرِعَت صلاة الجنازة في المقابر، ولم تُشرع الصلاة التي فيها ركوع وسجود في المقابر، حتى لو كانت صلاة فائتة، وقد نُهِينا عن ذلك، وقد لعن النبي من فعل ذلك، إلا صلاة الجنازة، فقد أذنَ أن تُؤدى في المقبرة؛ لأنه فعلها صلى الله عليه وسلم لما ماتت المرأة السوداء التي كانت تَقمُّ المسجد، ففقدها رسول الله، فأُخْبِرَ أنها ماتت فقال: ((هَلاَّ آذَنْتُمُونِي؟))، ثُمَّ قَالَ: ((دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا))، فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَكَّبَرَ عَلَيهِ أَرْبَعًا؛ صلاة الجنازة بعدما دفنت[5].

 

• إثبات الرؤية لله عز وجل:

وَقَوْلِهِ: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 105].

فيها إثبات أن الله يرى، والعجب من هؤلاء المحرِّفة المعطِّلة أنهم أولوا رؤية الله عز وجل ولم يُؤوِّلوا رؤية الرسول، ولا رؤية المؤمنين، فتطاوَلوا على صفات الله بالتحريف الذي يَعتقدونه تأويلاً، ولم يتطاولوا على صفات المخلوقين بالتحريف، فإلى الله المشتكى.



[1] رواه البخاري (7437)، ومسلم (182)، من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.

[2] رواه مسلم (1827)، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.

[3] رواه البخاري (3057)، ومسلم (169)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[4] رواه البخاري معلقًا، الفتح، (13 / 372)، وقد وصله أحمد في المسند (6 / 46)، وابن ماجه (2063)، بلفظ: "تبارك". وصححهما الألباني في سنن ابن ماجه (2063).

[5] رواه البخاري ( 1337 )، ومسلم ( 956 )، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة