• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب / مدارسة القرآن في رحاب رمضان / مقالات
علامة باركود

فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن

الشيخ علي محمد الضباع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/8/2008 ميلادي - 27/8/1429 هجري

الزيارات: 21372

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
الحمد لله الذي أنزل القرآنَ وشرَّفَنَا بحفظه وتلاوته، وتعبَّدَنَا بتدبُّره ودراسته، وجعل ذلك من أعظم عبادته، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحده لا شريك له، دلَّت على وجوده المصنوعات، وشهدت بجماله وكماله وجلاله وعظمته الآيات البيِّنات، وأشهد أن سيدنا محمدًا رسولُ الله، القائل فيما يرويه عن ربِّ العالمين: ((‏مَن شغله القرآنُ وذِكْري عن مسألتي، أعْطَيْتُه أفضل ما أعطي السائلين))‏، صلَّى الله وسلم عليه وعلى آلِه وأصحابِه، الذين حازوا الدرجةَ العُلْيَا في حفظ القرآن، والعمل بشروطه وآدابه‏.‏

وبعد؛ فيقول أضعف الوَرَى، وأحوج الخلق إلى رحمة الغني الكريم "‏علي الضباع بن محمد بن حسن بن إبراهيم"‏‏:‏ هذه نبذة لطيفة في بيان آداب قارئ القرآن وكاتبه، ومَن يُعلِّمه أو يتعلَّمه، أو يحضر مجالس المحتفلين به، لَخَّصْتُهَا من كتب الأئمة المعتبرين؛ كـ"التبيان"، و"الإتقان"، و"اللطائف"، و"الإتحاف"، و"النهاية"، و"تحفة الناظرين"‏.

وسميْتُها‏:‏ "‏فتح الكريم المنَّان في آداب حَمَلَةِ القرآن"، واللهَ أسألُ أن ينفع بها النفع العميم، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم؛ إنه جواد كريم، رؤوف رحيم.
يَجِبُ عليه أنْ يُخْلِصَ في قراءته، ويريدَ بها وجهَ الله - تعالى - دون شيء آخر، من تصنُّع لمخلوق، أو اكتساب مَحْمَدة عند الناس، أو محبة، أو مدح، أو نحو ذلك، وأنْ لا يقصدَ بها توصُّلاً إلى غرض من أغراض الدنيا، من مال، أو رياسة، أو وجاهة، وأن لا يتَّخِذَ القرآن معيشة يتكسب بها، فلو كان له شيء يأخذه على ذلك، فلا يأخذه بنيَّة الأجرة؛ بل بنية الإعانة على ما هو بصدده، وأن يراعيَ الأدب مع القرآن، فيستحضر في ذهنه أنه يناجي ربَّه، ويقرأُ كتابه، فيتلوه على حالةِ مَن يرى الله - تعالى، فإن لم يكن يراه فإن الله - سبحانه وتعالى - يراه، وذلك بأنْ يُقَدِّرَ كأنه واقفٌ بين يدي الله - تعالى، وهو ناظر إليه، ومستمع منه‏.‏

ويستحب له إذا أراد القراءة أن ينظف فاهُ بالخلال، ثم بالسواك، أو نحوه من كلِّ ما ينظف‏، أمَّا متنجِّس الفم؛ فتُكرَه له القراءة‏، وقيل تَحرُم؛ كمسِّ المصحف باليد النجسة، ولو قطع القراءة وعاد إليها عن قرب استُحب له إعادة السواك؛ قياسًا على التعوذ، وأن يكونَ متطهرًا متطيِّبًا بماءِ وردٍ ونحوه، ولا تكره القراءة للمُحْدِث، وكذا المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهرُها، وأما الجُنُبُ والحائض؛ فتحرم عليهما القراءة‏، نعم يجوز لهما النظر في المصحف، وإمراره على القلب‏.‏

وإذا عَرَضَ للقارئ ريحٌ فلْيُمْسِكْ عن القراءة، حتى يتكامل خروجه، ثم يعود إلى القراءة، وكذلك إذا تثَاءَبَ أمسَكَ عنها أيضًا، حتى ينقضيَ التثاؤب، وأن يقرأَ في مكان نظيف، وأفضله المسجد بشرطه، ولتحصل فضيلة الاعتكاف، وهو أدب حسن‏.

وكَرِهَ قوم القراءة في الحمام والطريق، واختار الشافعية أن لا تُكرَه فيهما، ما لم يشتغل، وإلا كُرهت كحشٍّ، وبيت الرحى وهي تدور، والأسواق، ومواطن اللغط واللغو، ومجمع السفهاء، وبيت الخلاء، وتكره أيضًا للناعس؛ مخافة الغلط، وفي حالة الخطبة لمن يسمعها.

وأن يكون على أكمل الأحوال، وأكرم الشمائل، وأن يرْفَعَ نَفْسَهُ عن كل ما نهى القرآن عنه؛ إجلالاً له، وأن يكون مصونًا عن دنيء الاكتساب، شريفَ النفس، مرتفعًا على الجبارة والجفاة من أهل الدنيا، متواضعًا للصالحين وأهل الخير والمساكين، وأن يَجْتَنِبَ الضحك والحديث الأجنبي خلال القراءة، إلا لحاجة، والعبث باليد ونحوها، والنظر إلى ما يُلهي أو يبدِّدُ الذهن، وأنْ يلبسَ ثياب التجمل كما يلبسها للدخول على الأمير.

وأن يجلسَ عند القراءة مستقبلاً القبلةَ، مستويًا، ذا سكينة ووقار، مطرقًا رأسه، غير مترفع، ولا على هيئة التكبُّر، بحيث يكون جلوسه وحده كجلوسه بين يدي معلمه‏،‏ فلو قرأ قائمًا أو مضطجعًا جاز، وله أجرٌ أيضًا، ولكنه دون الأول، وأنْ يستعيذَ بالله من الشيطان الرجيم قبل القراءة، وقيل: بعدها لظاهر الآية، وأوجبها قوم لظاهر الأمر، فلو مرَّ على قوم فسلَّم عليهم، وعاد إلى القراءة، حَسُنَ إعادة التعوذ، ولْيُحافِظْ على قراءة البسملة أوَّلَ كل سورة غير "براءة"، وتتأكد إذا كانت القراءة في وظيفة عليها جُعل، ويخير القارئ عند الابتداء بالأوساط‏، والسُّنة أن يصل البسملة بالحمدلة، وأن يجهرَ بها حيث يشرع الجهر بالقراءة، والإسرارُ بالقراءة أفضل إن خِيفَ الرياء، أو تأذِّي مصلِّينَ أو نيامٍ، وإلا فالجهر أفضل‏.

ويُسنُّ أن يخلو بقراءته حتى لا يقطع عليه أحدٌ بكلام، فيخلطه بجوابه، وإذا مر بأحد وهو يقرأ، فيستحب له قطع القراءة ليسلِّم عليه، ثم يرجع إليها، ولو أعاد التعوذ كان حسنًا، ويقطعها لردِّ السلام وجوبًا، وللحمد بعد العطاس، وللتشميت، ولإجابة المؤذِّن ندبًا، وإذا ورد عليه مَن فيه فضيلة، من علمٍ، أو صلاح، أو شرف، فلا بأس بالقيام له على سبيل الإكرام، لا للرياء؛ بل ذلك مستحبٌّ.

ويسن أن يقرأ على ترتيب المصحف؛ لأن ترتيبه لحكمة، فلا يتركها، إلا فيما ورد الشرع باستثنائه، فلو فرَّق السورَ أو عَكَسَهَا كما في تعليم الصغار جاز، وقد ترك الأفضل، وأما قراءة السورة منكوسة؛ فمتَّفق على منعه، ويكره خلط سورة بسورة، والتقاط آية أو آيتين أو أكثر من كل سورة، مع ترك قراءة باقيها، وإذا ابتدأ من وسط سورة، أو وقف على غير آخرها، فليبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض، وليقف على الكلام المرتبط، ولا يتقيَّد بعشر ولا حِزْبٍ.

والقراءة في المصحف أفضل منها عن ظهر قلب؛ لأنه يجمع القراءة والنظر في المصحف، وهو عبادة أخرى‏، نعم إن زاد خشوعه، وحضور قلبه في قراءته عن ظهر قلب، فهي أفضل في حقه، قاله الإمام النووي تفقُّهًا، وهو حسن، ولا تحتاج قراءة القرآن إلى نية؛ كسائر الأذكار، إلا إذا نذرها، فلا بد من نية النذر، وتستحب قراءة الجماعة مجتمعين، سواء كانت مدارسة أو إدارة، وتجوز قراءة القرآن بالقراءات المُجْمَعِ على تواترها، دون الروايات الشاذة، ومن قرأ بالشاذة يجب تعريفُه بتحريمها - كما عليه الجمهور - إن كان جاهلاً، وتعزيرُه ومنعُه منها إن كان عالِمًا، وإذا ابتدأ قارئٌ بقراءة أحد القراء، فينبغي أن يستمر على القراءة بها ما دام الكلام مرتبطًا، فإذا انقضى ارتباطُه، فله أن يقرأ بغيرها، والأَوْلَى دوامُه على الأُولى في هذا المجلس، ولا تجوز القراءة بالعجمية مطلقًا، كما لا تجوز بجمع القراءات في محافل العامة، دون العرض على الشيوخ، مع ما فيه.

وتستحب القراءة بالترتيل وتحسين الصوت، بشرط أن لا تخرجَ عن حدود الواجب شرعًا، من إخراج كل حرف من مخرجه، مُوفًّى حقُّه ومستحقه، وإلا كُرهت، وتكره بالإفراط في الإسراع مطلقًا، وتستحب القراءة أيضًا بالتدبر والتفهم، بأن يشغل القارئ قلبَه بالتفكر في معنى ما يلفِظ به، فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، ولا بأس بتكرير الآية وترديدها، حتى يتم له ذلك، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى، اعتذر واستغفر، وإذا مرَّ بآية فيها ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - صلَّى عليه، سواء القارئ والمستمع، ويتأكد ذلك عند قوله - تعالى -‏:‏ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذابٍ أشفَقَ وتعوَّذ، أو تنزيهٍ نزَّه وعظَّم، أو دعاءٍ تضرع وطلب، ولْيَقُلْ بعد خاتمة والتين‏:‏ بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وبعد خاتمة القيامة‏:‏ بلى، وبعد خاتمة المرسلات‏:‏ آمنَّا بالله، وبعد خاتمة الملك‏:‏ الله ربُّ العالمين، وبعدَ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13]: ولا بشيء من نعمك ربَّنا نكذب، فلك الحمد، وبعد ختم والضحى وما بعدها يكبر، ولْيخفض صوتَه بقوله‏:‏ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30]، ونحو ذلك، وإذا فرغ من الفاتحة يقول: آمين‏.‏

ويُستحَب أن يكثر من البكاء عند القراءة، والتباكي لمن لا يقدر عليه، والحزن والخشوع، وطريق تكلُّف البكاء أن يحضر قلبه الحزن، فمِن الحزن ينشأ البكاء، ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد، والمواثيق والعهود، ثم يتأمل في تقصيره في امتثال أوامره وزواجره، فيحزن لا محالة ويبكي، فإن لم يحضره حزن وبكاء، كما يحضر أرباب القلوب الصافية، فَلْيَبْكِ على فَقْدِ ذلك منه؛ فإنه من أعْظَمِ المصائب‏.

ويستحب أن يُراعيَ حق الآيات، فإذا مر بآية سجدة من سجدات التلاوة سجَدَ ندبًا، خلافًا للحنفية حيث قالوا بوجوبها، وهي عند الشافعية في الجديد أرْبعَ عشْرَةَ سجدة‏:‏ في الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، واثنتان في الحج، وفي الفرقان، والنمل، وألم السجدة، وحم فصلت، والنجم، والانشقاق، والعلق، وأمَّا سجدة ص فسجدةُ شُكرٍ، وعند الحنيفة أربعَ عشْرةَ أيضًا، لكن بإسقاط ثانية الحج، وإثبات سجدة ص، وعن أحمد روايتان:‏ إحداهما كالشافعية‏، والثانية خمسَ عشْرَةَ سجدة، وعن مالك قولان: أولهما كالشافعية، والثاني إحدى عشرة، بإسقاط النجم والانشقاق والعلق، ويدعو في سجوده بما يليق بالآية التي قرأها، ويُشترط في هذه السجدات شروطُ الصلاة، من ستر العورة، واستقبال القبلة، وطهارة الثوب والبدن والمكان، ومن لم يكن على طهارة عند التلاوة يَسْجُدْ بعد أن يتطهر.

ويُسَنُّ أن يتعاهدَ القرآن، ويكثر من قراءته ما أمكن، في كل وقت بلا استثناء، خلافًا لمن كرهها بعد صلاة العصر، وقال: إنها من فعل اليهود، وليكُنِ اعتناؤه بها في الليل أكثر؛ لكونه أجمعَ للقلب، وأبعدَ عن الشاغلات والملهيات، وأصونَ عن الرياء وغيره من المحبطات، ولْيَحْترسْ من نسيانه؛ فإن نسيانه كبيرة، وكذا نسيانُ شيْءٍ منه، كما صرح به النوويُّ في "الروضة" وغيرها، وإذا أُرْتِجَ على القارئ، فلم يَدْرِ ما بعدَ الموضع الذي انتهى إليه، فسأل عنه غيره، فينبغي أن يتأدَّبَ في سؤاله، ولا يتكلم بما يلبس عليه‏، والسُّنة أن يقول أُنسِيت كذا، لا نَسيته؛ إذ ليس هو فاعل النسيان.

ويستحب للقارئ إذا انتهت قراءته، أن يصدِّقَ رَبَّهُ، ويشهد بالبلاغ لرسوله - صلى الله عليه وسلم، ويشهد على ذلك أنه حق، فيقول‏:‏ صدق الله العظيم، وبلَّغ رسوله الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين‏، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط.

ويُسَنُّ صومُ يوم الختم، وجمعُ الأهل والأصدقاء عنده، والدعاء عقبه، ثم الشروع في ختمة أخرى، وجرى عمل الناس على تكرير سورة الإخلاص، ومنَعَه الإمامُ أحمد‏.

آدابُ مسِّ المصحف، وحمله، وكتابته:
يَحرُم على الْمُحْدِثِ ولو أصغر مسُّ شيء من المصحف وحمْلُه، وكذا مسُّ خريطة وصندوق فيهما مصحف، بشرط أن يكونا مُعدَّين له، وكذا مس علاقة لائقة به، بشرط أن يكون عليها المصحف، وكذا يحرم عليه مسُّ ما كتب لدراسة ولو بعضُه؛ كلَوْحٍ وعلاقته، ويجب منعُ المجنون والصبي الذي لا يميز من مسه؛ مخافة انتهاك حرمته‏.

وأما الصبي المُمَيِّز فلا يمنع من مسِّ مصحف، ولوح لدراسة وتعلُّمٍ، ولا يكلف بالطهارة لذلك؛ خوف المشقة، أما لتعليم وغيره، فلا يجوز له ذلك، ولكن أفتى الإمام ابن حجر بأنه يُسْمَحُ لمؤدب الأطفال، الذي لا يستطيع أن يقيم على الطهارة في مسِّ الألواح؛ لما فيه من المشقة، لكنه يتيمم، وهو أولى‏، ويمنع الكافر بتاتًا من مس المصحف، كله أو بعضه، ولا يمنع من سماع القرآن، ويجوز تعليمه إن رُجِيَ إسلامُه‏.

أما ما كتب تميمةً للتبرك، فلا يحرم مسُّها، ولا حملها، لكن بشرط أن تجعل في حرزٍ يقيها من كل أذًى، ولا يجوز جعل صحيفة بالية منه وقاية لكتاب؛ بل يجب محوُها بماء طاهر، ويصب في بحر أو نهر جارٍ، ويحرم كَتْبُ القرآن، وكذا أسماء الله - تعالى، بنجس أو على نجس، ومسه به إذا كان غير معفو عنه، ويكره كتْبُهُ على حائط ولو لمسجد، وثياب وطعام ونحو ذلك، ويجوز هدم الحائط، ولبس الثياب، وأكل الطعام،‏ ولا تضر ملاقاتُه ما في المعدة، بخلاف ابتلاع قرطاس، فإنه يَحْرُمُ عليه، ولا يجوز كتبه على الأرض، ولا على بساط، ونحوه مما يوطأ بالأقدام، ولا يكره كتب شيء منه في إناء، ليسقى ماؤه للشفاء، خلافًا لما وقع للإمام ابن عبدالسلام في فتاويه من التحريم.

ويسن كتبه وإيضاحُه؛ إكرامًا له، وكذا يستحب نَقْطُه وشَكْله؛ صيانةً له من اللحن والتحريف، وينبغي أن يكتب على مقتضى الرسم العثماني، لا على مقتضى الخط المتداول على القياس، ولا يجوز لأحد أن يطعن في شيء من مرسوم الصحابة؛ إذ الطعن في الكتابة، كالطعن في التلاوة.
وتجب صيانة المصحف من كل أذًى، ويحرم سبُّه والاستخفاف به، ويستجب تطييبه وتعظيمه، وجعله على كرسي، أو في محل مرتفع فوق سائر الكتب؛ تعظيمًا له، وتقبيلُه قياسًا على تقبيل الحجر الأسود، والقيامُ له إذا أقدم به، وعدَّه بعضهم بدعة؛ لكونه لم يُعهَد في الصدر الأول، ويستحب تعاهده بالقراءة فيه يوميًّا، ويحرم تَوسُّدُهُ، ومدُّ الرجلين إليه، وإلقاؤه على القاذورات، والمسافرةُ به إلى أرض العدو إذا خِيفَ وقوعه في أيديهم، ويحرم محوه بالريق؛‏ أي: بالبصق عليه‏، فإن بصق على خرقة ومحاه بها، لم يَحْرُمْ، ويصح بيعه وشراؤه على الصحيح، وكرهه جماعة.

ويحرم الإخلالُ بآداب المعَلِّم، وشرطُه - أي: شرطُ المعَلِّمِ - أن يكون مسلمًا، بالغًا، عاقلاً، ثِقَةً، مأمونًا، ضابطًا، متنَزِّهًا عن أسباب الفسق ومسقطات المروءة، ولا يجوز له أن يُقْرِئَ إلا بما سمعه، ممن تَوَفَّرت فيه هذه الشروط، أو قرأه عليه وهو مُصْغٍ له، أو سمعه بقراءة غيره عليه، ويجب عليه أن يُخلص النية لله - تعالى، ولا يقصد بذلك غرضًا من أغراض الدنيا؛ كمعلومٍ يأخذه، أو ثناءٍ يلحقه من الناس، أو منزلةٍ تحصل له عندهم، وأن لا يطمعَ في رزق يحصل له من بعض من يقرأ عليه، سواء كان مالاً، أو خدمةً، وإن قلَّ، ولو كان على صورة الهدية، التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه، واختلف العلماء في أخذ الأجرة على الإقراء؛ فمنعه أبو حنيفة وجماعة، وأجازه آخرون إذا لم يشترط، وأجازه الشافعي ومالك إذا شارطه، واستأجره إجارة صحيحة، لكن بشرط أن يكون في بلده غيرُه.
وينبغي له أن يتخلق بالأخلاق الحميدة المرضيَّة، من الزهد في الدنيا، والتقلل منها، وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء والحلم والصبر، ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، وملازمة الورع والخشوع، والسكينة والوقار، والتواضع والخضوع، وأن ينَزِّهَ نفسه من الرياء، والحسد والحقد والغيبة، واحتقار غيره وإن كان دونه، ومن العُجب وقلَّ مَنْ يسلم منه، ومن المزاح، ودنيء المكاسب، وأن يصون بصره عن الالتفات إلا لحاجة، ويديه عن العبث بهما إلا لحاجة، وأن يزيل نتن إبطه وما له رائحة كريهة به، ويمس من الطيب ما يقدر عليه، وأن يلازم الوظائف الشرعية، من قص الشارب، وتقليم الظفر، وتسريح اللحية ونحوها.
وأن يكون ساكنَ الأطراف، مُتَدَبِّرًا في معاني القرآن، فارغَ القلب من الأسباب الشاغلة، إلا إذا احتاج إلى إشارة للقارئ، فيضرب بيده الأرض ضربًا خفيفًا، أو يشير بيده أو برأسه؛ ليفطن القارئ لما فاته، ويصبر عليه حتى يتذكر، وإلا أخبره بما ترك، وأن يحسن هيئته، ولتكن ثيابه بيضاءَ نقيَّةً، وليحذر الملابسَ المنهيَّ عنها، وما لا يليقُ بأمثاله.
وأن يراقب الله - تعالى - في سرِّه وعلانيته، ويعوِّل عليه في جميع أموره، وأن لا يقصد التكثر بكثرة المشتغلين عليه، وأن يصلي ركعتين إذا وصل إلى محل جلوسه، ويتأكد له ذلك إن كان مسجدًا، ويستحب له أن يوسع مجلسه؛ ليتمكن جلساؤه فيه، ويُظهِر لهم البشاشة وطلاقة الوجه، ويتفقد أحوالهم، ويسأل عمن غاب منهم، ويسوِّي بينهم، إلا أن يكون أحدهم مسافرًا، أو يتفرس فيه النجابة، أو نحو ذلك‏، وليقدم الأول فالأول‏، فإن رضي الأول بتقديم غيره قدَّمه‏، ولا بأْسَ بقيامه لمن يستحق الإكرام من الطلبة وغيرهم.

وينبغي له أن يَرفقَ بمن يقرأ عليه، ويرحبَ به، ويحسن إليه بحسب حاله ويكرمه، وينصحه ويرشده إلى مصلحته، ويساعده على طلبه بما أمكن، ويؤلف قلبه ويتلطف به، ويُحَرِّضَهُ على التعليم، ويذكِّره فضيلة الاشتغال بقراءة القرآن وسائر العلوم الشرعية؛ ليزداد نشاطه ورغبته، ويزهِّده في الدنيا، ويصرفه عن الركون إليها، والاغترار بها، ويجريه مجرى ولده، في الشفقة عليه، والاهتمام بمصالحه، والصبر على جفائه وسوء أدبه، ولا يكره قراءته على غيره ممن ينتفع به، ولا يتعاظم عليه بل يلين ويتواضع معه، ويحب له ما يحب لنفسه من الخير، ويكره له ما يكره لنفسه من النقص، ويؤدبه - على التدريج - بالآداب الشرعية، والشيم المرْضِيَّة، ويعوِّده الصيانةَ في جميع أموره، ويحرضه على الإخلاص والصدق وحسن النية، ومراقبة الله - تعالى - في جميع حالاته، وأن يَحْرِصَ على تعليمه، مؤثرًا ذلك على مصالح نفسه الدنيوية غير الضرورية‏، ويحرص على تفهيمه، ويعطيه ما يليق به، ويأخذه بإعادة محفوظاته، ويثني عليه إذا ظهرت نجابته، ما لم يخشَ عليه فتنة، بإعجاب أو غيره، ويعنفه تعنيفًا لطيفًا إذا قَصَّرَ، ما لم يَخْشَ تنفيره.

وينبغي أن لا يمتنع من تعليم أحد لكونه غيرَ صحيح النية، وأن يصونَ العلمَ فلا يذهب إلى مكان ينسب إلى المتعلِّم ليتعلمَ منه فيه، وإن كان المتعلِّمُ خليفة فمَن دونه، ويجوز له الإقراء في الطريق، خلافًا لمن عابه، ولا يجوز له تأخير الإجازة بالإقراء في نظير مال ونحوه عن كل من استحقها؛ إذ الإجازة ليست مما يُقابَل بالمال‏.‏

آداب المتعلم:
يجب عليه أن يخلص نيته، ثم يُجِدَّ في قطع ما يقدر عليه من العلائق والعوائق الشاغلة له عن تمام مراده، ولْيُبَادِرْ في شبابه وأوقات عمره للتحصيل، ولا يغتر بخدع التسويف؛ فإنه آفة الطالب، ولا يستنكف عن أحد وجد عنده فائدةً، وليقْصِدْ شيْخًا كملت أهليته، وظهرت ديانته، جامعًا للشروط المتقدمة أو أكثرها، وليطهر قلبه من الأدناس؛ ليصلح لقبول القرآن وحفظه واستثماره، وليكن حريصًا على التعلم، مواظبًا عليه في جميع الأوقات التي يتمكن منه فيها، ولا يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير، ولا يُحَمِّل نفسه ما لا يطيق؛ مخافة الملل وضياع ما حصل، وليبكر بقراءته على شيخه، وليحافظ على قراءة محفوظاته، ولا يُؤْثِر بنَوْبَته غَيْرَه، إلاَّ إذا أمره الشيخ بذلك لمصلحة، ولا يعجب بنفسه، ولا يحسد أحدًا من رفقته أو غيرَهم على فضيلة رَزَقَهُ اللهُ إياها.

ويجب عليه أن ينظر إلى شيخه بعين الاحترام، ويعتقد كمالَ أهْلِيَّتِه ورجحانه على نظرائه، فهو أقرب إلى انتفاعه، ورسوخ ما يسمعه منه في ذهنه، ويلزم معه الوقار، والتأدب، والتعظيم، ويتواضع له وإن كان أصغرَ منه سنًّا، وأقلَّ شهرة ونسبًا وصلاحًا، ولا يأخذ بثوبه إذا قام، ولا يلح عليه إذا كسل، ولا يشبع من طول صحبته، وينقاد له، ويشاوره في جميع أموره، ويَقبَل قوله، ويقعد بين يديه قعدة المتعلمين، لا قعدة المعلمين، ولا يدخل عليه بغير استئذان إذا كان في مكان يحتاج إليه، وإن ناظَرَهُ في علمٍ فليكن مع السكينة والوقار، ولا يشيرن بيده، ولا يغمزن غيره بعينه، ويتحرى رضاه وإن خالف رضا نفسه، ولا يُفشِي له سرًّا، وإذا وقع من شيخه نقصٌ فليجعلْه من نفسه، بأنه لم يفهمْ قوله، ولا يذكر أحدًا من أقرانه عنده، ولا يقول له: قال فلان خلاف قولك، ويَرُد غيبتَه إذا سمعها إن قدر‏، فإن تعذَّر عليه ردُّها، قام وفارق ذلك المجلسَ.

وإذا قَرُب من حلقة الشيخ فليسلِّم على الحاضرين، وليخصَّ الشيخ بتحية، ويسلم عليه وعليهم إذا انصرف، ولا يتخطى رقاب الناس؛ بل يجلس حيث انتهى به المجلس، إلا أن يأذن له الشيخ في التقدم، أو يعلم من إخوانه إيثارَ ذلك، ولا يقيم أحدًا من مجلسه‏، فإن آثره لم يَقبَل إلا أن يُقسِم عليه، أو أمر الشيخ بذلك، أو يكون في ذلك مصلحة للحاضرين، ولا يجلس في وسط الحلقة إلا لضرورة، ولا بين صاحبين بغير إذنهما، وإذا جلس فليوسع، وليتأدب مع رفقته وحاضري مجلس الشيخ‏؛ فإن ذلك تأدبٌ مع شيخه وصيانةٌ لمجلسه، ولا يرفع صوته رفعًا بليغًا، ولا يضحك ولا يكثر الكلام إلا لحاجة، ولا يلتفت يمينًا ولا شمالاً بلا حاجة؛ بل يتوجه إلى الشيخ، ويصغي لكلامه، ولا يغتاب عنده أحدًا، ولا يشاور أحدًا في مجلسه، وليحتمل جفوة الشيخ وسوءَ خلقه، ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله، ولا يقرأ عليه في حال شغله وملله، وغمِّه وجوعه وعطشه، ونعاسه وقلقه، ونحو ذلك مما يشق عليه، أو يمنعه من كمال حضور القلب ونشاطه، وإذا وجده نائمًا أو مشتغلاً بمهم، لم يستأذن عليه؛ بل يصبر إلى استيقاظه أو فراغه، أو ينصرف، وإذا جاء إلى الشيخ فلم يجده انتظره ولازم بابَه، ولا يفوِّت وظيفته إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك، بأن يعلم من حاله الإقراء في وقت بعينه دون غيره، ويجوز له القيام لشيخه وهو يقرأ، أو لمن فيه فضيلة من علم، أو صلاح، أو سن، أو حرمة بولاية أو غيرها، واستحب ذلك الإمام النووي، لكن بشرط أن يكون على سبيل الإكرام والاحترام، لا على سبيل الرياء والإعظام‏.‏

آداب الناس والسامعين:
يجب على جميع الناس الإيمان بأن القرآن هو كلام الله - تعالى - وتنزيله، ثم تعظيمه والخشوع عند تلاوته، والاعتناء بمواعظه، والعمل بأحكامه، وتنزيهه وصيانته من كل نقص، وينبغي لهم في مجلسه اجتناب الضحك واللغط والحديث، إلا كلامًا يُضطر إليه، وليمتثلوا قوله - تعالى -‏:‏ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، ‏وليجتنبوا النظر إلى ما يلهي أو يبدد الذهن وإلى الأمر ونحوه، ولينهوا عن ذلك غيرَهم متى قدروا عليه، وينبغي لهم تعظيمُ قُرَّائه واحترامهم، والقيام بمصالحهم، والتأدب في حقهم، كما يتأدب في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان موجودًا؛ لأنهم ورثوه كما تُلُقِّيَ من الحضرة النبوية‏.‏

ويحرم عليهم تفسيره بغير علم، والكلام في معانيه لمن ليس من أهلها، ويحرم المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصحابة والقرآن
  • 10 همسات إلى مشرفي حلقات تحفيظ القرآن
  • أهل القرآن
  • فتح كاشغر
  • إكرام حملة القرآن

مختارات من الشبكة

  • صيام التطوع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آداب الصيام: صيام ستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أجوبة مختصرة حول أحكام صيام التطوع(مقالة - ملفات خاصة)
  • أحكام صيام التطوع(مقالة - ملفات خاصة)
  • أحكام متفرقة في الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام الأحد والاثنين والخميس والجمعة(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام السبت(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام أيام البيض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل صيام الست من شوال: صيام الدهر كله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صيام الجوارح صيام لا ينتهي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب