• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب / خواطر صائم / مقالات
علامة باركود

أخطاؤنا في الصيام

الشيخ ندا أبو أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/8/2011 ميلادي - 14/9/1432 هجري

الزيارات: 15989

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أخطاؤنا في رمضان

الأخطاء الخاصة بالصيام

 

تمهيد:

إنَّ الحمدَ لله - تعالى - نحمَدُه ونستعينُه ونستغفره، ونعوذُ بالله - تعالى - من شُرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].

 

أمَّا بعدُ:

فإنَّ أصدَقَ الحديث كتابُ الله - تعالى - وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشرَّ الأمور مُحدَثاتها، وكلَّ مُحدَثة بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

فمن المعلوم أنَّ شهر رمضان من المِنَحِ الربانيَّة للأمَّة المحمديَّة، فهو شهرٌ مُبارَك تُفتَح فيه أبوابُ الجِنان؛ فلا يُغلَقُ منها بابٌ، وتُغلَق فيه أبوابُ النِّيران فلا يُفتَحُ منها بابٌ، وتُصفَّد فيه الشَّياطينُ ومرَدَة الجان.

 

شهرٌ مَن قامَه لله إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّمَ من ذنبه، شهرٌ فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهْر، مَن قامَها لله إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، شهرٌ مَن أتَى فيه بعُمرةٍ كمَن حجَّ مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وغير ذلك من الهِبَات الرَّبانيَّة، فعلى الإنسان أنْ يَجتهِدَ في شهْر رمضان؛ حتى يَخرُج الشَّهر وقد غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنبِه.

 

لكنْ هناك بعض الأخْطاء التي ربَّما يَقَعُ فيها البعضُ، فتنقص من قَدْرِ الصِّيام، وربما تَقْدَحُ في صحَّته.

 

فقُلت أُحذِّر نفسي وإخواني وأخَواتي من هذه الأخطاء حتى لا نقَع فيها، وهي من باب:

عَرَفْتُ الشَّرَّ لاَ لِلشَّرْ
رِ لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ
وَمَنْ لاَ يَعْرِفُ الشَّرَّ
مِنَ الْخَيْرِ يَقَعْ فِيهِ

 

فقد أخرَج البخاريُّ ومسلمٌ عن حُذَيفة بن اليمان - رضِي الله عنه - قال: "كان الناسُ يَسأَلُون رسولَ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الخيرِ، وكنتُ أسأَلُه عن الشَّرِّ؛ مخافَةَ أنْ أقَعَ فيه".

 

وبَوَّبَ البخاريُّ - رحمه الله - في "صحيحه": باب العلم قبل القول والعمل.

 

وعلى هذا يجبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يتعلَّم أنْ يعمل، ومن هذا الباب وضَعتُ بين يديك أخي الحبيب بعضَ الأخطاء التي نَقَعُ فيها في رمضان مثل:

الأخطاء الخاصة بالصيام، والأخطاء الخاصَّة بالطعام، الأخطاء الخاصَّة بصلاة التراويح، الأخطاء الخاصَّة بصلاة الوتر والقنوت، الأخطاء الخاصَّة بالأئمَّة عند صَلاة القيام، الأخطاء الخاصَّة بالنساء في رمضان، الأخطاء العامَّة في شهر رمضان.

 

وستَأتِي هذه الأخطاء تِبَاعًا - إن شاء الله - وأسأَلُ الله أنْ ينفَعَ بها المسلمين، كما أسأله - سبحانه وتعالى - أنْ يتقبَّل منَّا ومنكم صالِحَ الأعمال، وأنْ يجعَلَنا في رمضان من المقبولين، وأنْ يُبلِّغَنا رمضانَ أزمنةً مديدةً، وسنواتٍ عديدةً، ونحنُ في عافيةٍ وسترٍ... آمين.. آمين.

 

ومن الأخطاء الخاصَّة بالصيام

1- عدم الإخلاص في الصيام:

فمن المعلوم أنَّه لا يُقبَل أيُّ عملٍ شرعيٍّ إلا بشرطين هما: الإخلاص والمتابعة، وهذان الشَّرطان في قوله - تعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا ﴾ = المتابعة، ﴿ وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ = الإخلاص.

 

فكم من صائمٍ ليس له من صِيامِه إلاَّ الجوع والعطَش! وكم من قائمٍ ليس من قيامِه إلا السَّهر والتَّعَب! لأنَّ عمله ليس فيه إخلاصٌ، فتَجِدُه يصومُ ويقومُ من أجْل رؤية الناس أو خَوْفًا من مَذمَّتهم؛ ولذلك تجدُ أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُؤكِّد على الإخلاص في الصِّيام، فيقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تَقدَّمَ من ذَنبِه)).

 

قال أبو حاتم بن حبَّان - رحمه الله -: ((إيمانًا)) بفرضه، و((احتسابًا))؛ أي: مخلصًا فيه.

 

ولذلك تجدُ السلف أحرَصَ الناس على الإخلاص؛ لأنهم يعلَمُون أنَّ به يكونُ الخلاص.

 

فها هو داود بن أبي هند - رحمه الله -: صام أربعين سنة لا يعلَمُ به أهلُه ولا أحدٌ، وكان خزَّازًا يحمل معه غِداءَه من عندهم فيتصدَّق به في الطريق، ويرجع عشيًّا فيفطر معهم، فيظنُّ أهل السوق أنَّه قد أكَل في البيت، ويظنُّ أهله أنَّه قد أكَل في السوق؛ ("صفة الصفوة": 3/300).

 

وها هو معروف الكرخي - رحمه الله - يقول عندما سُئل: كيف تصومُ؟ فغالَط السائل، وقال: صوم نبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - كذا وكذا، وصوم داود كذا وكذا، فألَحَّ عليه السائل، فقال: أُصبِح دهري صائمًا، فمَن دعاني أكلتُ ولم أقلْ: إنِّي صائم، ا.هـ ("سير أعلام النبلاء": 9/ 341).

 

يقول سفيان الثوري - رحمه الله -: بلغَنِي أنَّ العبدَ يعمَلُ العملَ سِرًّا، فلا يَزالُ به الشيطان حتى يغلبه فيكتب في العلانية، ثم لا يَزال به الشَّيْطان حتى يحبَّ أنْ يُحمَد عليه، فينسخ من العلانية، فيثبت في الرياء، ا.هـ.

 

2- الجهل بِمُبطِلات ومُفسِدات الصيام:

فكثيرٌ من المسلمين يجهَلُون مُبطِلات الصيام، وهذا خَطَرٌ عظيم؛ لأنَّه ربما وقَع في مُبطِلٍ من مُبطِلات الصيام وهو لا يعلَمُ، فيفسد عليه اليوم وهو يظنُّ أنَّ صيامَه صحيحٌ، وهذا يتَنافَى مع قول النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنبِه))؛ (البخاري ومسلم).

 

وعلى هذا ينبغي لِمَنْ دخَل عليه رمضانُ أنْ يتعلَّم أحكامَ الصيام، وكذا مُبطِلات الصيام، وهذا من الاستِعداد لهذا الشهر المبارَك؛ حتى يَخرُجَ منه وقد غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنبِه.

 

ومن مُبطِلات الصيام التي يجبُ فيها القضاء فقط:

1- الأكل والشرب عامدًا ذاكرًا لصومه.

2- تعمُّد القيء.

3- الحيض والنفاس.

4- تعمُّد الاستمناء.

5- مَن نوى الإفطار أثناء النهار.

6- الردة عن الإسلام.

 

ومن مُبطِلات الصيام التي يجبُ فيها القَضاء والكفَّارة:

وهو الجِماع لا غيره أثناءَ نهارِ رمضان.

 

3- صيام يوم الشك (يوم ثلاثين من شعبان):

فعند الخُروج ليلةَ الثلاثين من شَعبان لرؤية هِلالِ رمضان فحالَ دون رُؤيَتِه غَيْمٌ أو قَطرٌ، فتجدُ مَن يُبيِّتُ النيَّة على أنَّ صبيحة هذا اليوم هو الأوَّل من رمضان، فيَصُومُه احتِياطًا، وهذا خَطَأٌ، وهو على خِلاف مذهب الجمهور؛ حيث قالوا: "لا يجوزُ صوم هذا اليوم لا وجوبًا ولا تطوُّعًا، واستدلُّوا بما يلي:

• ما أخرَجَه البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الشهر تسعٌ وعشرون ليلةً، فلا تَصُوموا حتى ترَوْه - أي: الهلال - فإنْ غُمَّ عليكم فأكمِلوا العِدَّةَ ثلاثين)).

وفي رواية: ((صُوموا لرُؤيَتِه وأَفطِروا لِرُؤيَتِه، فإنْ غُمَّ عليكُم فأَكمِلُوا عدَّة شعبانَ ثلاثين)).

 

• وأخرج البخاريُّ ومسلمٌ من حديث أبي هُرَيرة - رضِي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يتقدَّمنَّ أحدُكم رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومين، إلا أنْ يكون رجلٌ كانَ يصومُ صومَه، فليَصُمْ ذلك اليومَ)).

 

• وأخرج أصحابُ السُّنَنِ عن عمَّار بن ياسر - رضِي الله عنه - قال: ((مَن صامَ اليوم الذي يشكُّ فيه فقد عصَى أبا القاسم)).

 

• إنَّ صِيام هذا اليوم على سبيل الاحتِياط من التنطُّع في الدِّين؛ لأنَّ الاحتياط إنما يكونُ فيما كان الأصلُ وجوبه، أمَّا ما كان الأصل عدمه فلا احتياطَ في إيجابه.

 

وقد قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلم: ((هلك المُتَنطِّعون))؛ ("صحيح فقه السنة": 2/93).

 

تنبيه:

مَن كان له عادةٌ من صيامٍ كالاثنين والخميس مثلاً، أو يصومُ يومًا ويُفطِر يومًا، فوافَق صيامه هذا اليوم الذي قبل رمضان - فلا حرَج من صيامه، ولا يَدخُل هذا في النهي الذي جاء في الحديث وفيه: ((لا يَتقدَّمنَّ أحدُكم رمضانَ بصوم يومٍ أو يومين))؛ لأنَّه جاءَ في تتمَّة الحديث: ((إلا أنْ يكونَ رجلٌ كان يصومُ صومَه فليَصُمْ ذلك اليومَ)).

 

4- عدم تبييت النيَّة من الليل في صيام الفرْض:

وهذا خطأٌ كبيرٌ يقَع فيه البعض؛ حيث إنَّهم لا يُبيِّتُون النيَّة من الليل (ما بين غُروب الشمس إلى طلوع الفجر)، وهذا يَقدَحُ في صحَّة الصوم.

 

وذلك للحديث الذي أخرَجَه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث حفصةَ - رضي الله عنها - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن لم يُجمِع الصِّيام قبلَ الفجر، فلا صيامَ له))؛ ("صحيح الجامع": 6538).

وفي روايةٍ أخرى: ((لا صومَ لِمَنْ لم يُبيِّت الصيامَ من الليل))؛ (أبو داود والترمذي).

وعند النسائي بلفظ: ((مَن لم يُبيِّتِ الصيام من الليل فلا صِيامَ له)).

 

ملاحظات وتنبيهات:

1- الحديث السابق أُعِلَّ بالوقْف: والذي يظهَرُ أنَّه ممَّا لا يُقال من قِبَلِ الرأي؛ فله حُكمُ الرَّفع.

2- يتحقَّق تبييتُ النِّيَّة لِمَنْ عمد في وقت الليل، وتناوَل الطعام والشراب (السحور) من أجْل الصيام من الغد.

3- يُشتَرط تجديدُ النيَّة لكلِّ يوم: وهذا قولُ الجمهور: أبو حنيفة، والشافعي، ورواية عن أحمد؛ وذلك لحديث حفصة المتقدِّم، ولأنَّ كلَّ يومٍ عبادةٌ مستقلَّة لا يرتَبِطُ بعضه ببعض، ولا يفسد بفَساد بعضه، بينما ذهَب الإمامُ مالكٌ وزُفَرُ، ورواية عن أحمد إلى أنَّه تَكفِي نِيَّةٌ واحدةٌ عن الشهر كلِّه في أوَّله، لكنَّ القول الأول - وهو قول الجمهور - أرجَحُ.

4- مَن نام قبلَ رُؤية الهلال فقال: إنْ كان غدًا من رمضان فأنا صائم، فهذا صيامُه صحيح؛ لأنَّ هذا ليس تردُّدًا في نيَّة الصيام، إنما التردُّد في ثُبوت الشهر، وهذا لا يُؤثِّر في صحَّة الصوم.

(وهذا ما رجَّحَه شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله).

 

5- لا يُشتَرط تبييتُ النيَّة في صيام التطوُّع:

وذلك للحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "دخَل عليَّ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذاتَ يومٍ فقال: ((هل عندكم شيء؟)) فقلنا: لا، قال: ((فإنِّي إذًا صائم)).

 

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - كما في "شرح العمدة" (1/ 186): وهذا يدلُّ على أنَّه أنشَأ الصوم في النَّهار؛ لأنه قال: ((فإنِّي صائم))، وهذه الفاء تفيدُ السبب والعلَّة؛ فيَصِير المعنى: إنِّي صائمٌ؛ لأنَّه لا شيء عندكم، وقوله: ((فإنِّي إذًا صائم))، و((إذًا)) أصرَحُ في التعليل من الفاء، ا.هـ.

 

وهذا ما فهمه الصحابة من فِعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد ثبَت إنشاءُ نيَّة صوم التطوُّع من النهار عن ابن عباس - رضي الله عنهما - فقد جاء في "شرح معاني الآثار"؛ للطحاوي بسندٍ صحيحٍ عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: "أنَّه كان يُصبِح حتى يُظهِر، ثم يقول: والله لقد أصبَحتُ وما أُرِيدُ الصَّوْمَ، وما أكَلتُ من طَعامٍ ولا شرابٍ منذُ اليوم، ولأَصُومَنَّ يومي هذا".

 

وثبَت هذا أيضًا عن أبي الدرداء - رضِي الله عنه - فقد أخرَج البخاري مُعلقًا بصِيغة الجزم ووصَلَه عبدالرزاق في "مُصنَّفه" عن أمِّ الدرداء - رضي الله عنها - قالت: "إنَّ أبا الدرداء كان يَجِيء بعدَما يُصبح، فيقول: أعندكم غَداء؟ فإنْ لم يجدْه، قال: فأنا إذًا صائم".

 

وثبَت هذا أيضًا عن ابن مسعود،ٍ وأبي أيوب، وحذيفة، وأبي طلحة - رضي الله عنهم.

 

5- التَّلفُّظ بنيَّة الصيام:

ممَّا شاع بين الناس التلفُّظ بنيَّة الصيام، وهذا لم يكنْ يفعَله النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا صحابته ولا التابعون، فهو مُحدَث وبِدعةٌ، والنيَّة محلُّها القلب، وهي قَصْدُ العبادة.

 

وقد ثبَت في الأحاديث أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - اشترط تبييتَ الصيام قبل الفجر في الفريضة؛ ومعنى ذلك: قصد الصيام ونيَّته بقلبه أنَّه يصومُ غدًا، كما صحَّ عن أمِّ المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - أنها قالت: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن لم يُبيِّتِ الصِّيام قبلَ الفجر فلا صِيامَ له))؛ (أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن).

ففي الحديث تبييتُ الصِّيام؛ ومعناه: قصد القلب، كما هو ظاهرُ معنى: ((يُبيِّت))، والله أعلم.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - كما في "مجموعة الرسائل الكبرى" (1/243): محلُّ النيَّة القلب دُون اللسان باتِّفاق أئمة المسلمين في جميع العبادات؛ الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والعتق، والجهاد... وغير ذلك، ا.هـ.

 

ويقولُ ابن القيم - رحمه الله - كما في "إغاثة اللهفان" (1/137): فكلُّ عازمٍ على فعلٍ فهو ناويه، لا يُتصوَّر انفِكاك ذلك عن النيَّة؛ فإنَّه - أي: العزْم - حقيقتُها، فلا يمكن عدَمُها في حال وُجودِها، ومَن قعَد ليتوضَّأ فقد نوَى الوضوء، وعلى هذا لا يشرع الجهر بالنيَّة، والجاهر بالنيَّة مُسِيءٌ، ولو اعتَقَدَه دِينًا وتعبَّد الله بالنُّطق بها فقد ابتَدَع، فإنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه لم يكونوا يَنطِقون بالنيَّة مُطلَقًا، ولم يحفَظْ عنهم ذلك، ولو كان مشروعًا لبَيَّنَه الله على لسان رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم إنَّه ليس هناك حاجةٌ إلى التلفُّظ بالنيَّة؛ لأنَّ الله يعلَمُ بها؛ (انظر: "زاد المعاد": 1/196)، ("بدائع الفوائد": 3/186)، ("الشرح الممتع": 1/159).

 

6- عدم تشجيع الأولاد الصِّغار على الصيام:

تساهَلَ بعضُ الآباء مع أبنائهم في مسألة الصيام، فلا يَأمُروهم به، بل ربما وجَدُوا الصبيَّ يصوم مُتحمِّسًا وهو يطيقُ، فيَأمُره أبوه أو أمُّه بالإفطار شفَقَةً عليه بزَعْمِهم، فيجلب له الطَّعام والشراب.

 

فأين هؤلاء من صَحابة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث كانوا يتَعاهَدون الصِّبيان بالصِّيام ويُشجِّعونهم عليه؟!

 

فقد أخرَج البخاريُّ ومسلمٌ من حديث الربيع بنت مُعوِّذ - رضي الله عنها - قالت: "كُنَّا نُصَوِّم صِبياننا، ونجعَلُ لهم اللعبة من العِهن[1]، فإذا بكَى أحدُهم على الطَّعام أعطَيْناه ذاك حتى يكونَ عند الإفطار".

 

قال ابن حجر - رحمه الله - كما في "فتح الباري": وفي الحديث حُجَّةٌ على مشروعيَّة تمرين الصِّبيان على الصيام؛ لأنَّ مَن كانَ في مِثْلِ السن الذي ذُكِرَ في هذا الحديث فهو غير مُكلَّفٍ، إنما صنَع لهم ذلك للتربية، ا.هـ.

 

فلا بُدَّ أنْ نتعاهَد الأولادَ في الصِّغَرِ بالصيام والصلاة؛ امتثالاً لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، وقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته))؛ (البخاري ومسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما).

 

وذكَر بعضُ أهل العِلم كما في "المغني": أنَّ الصبيَّ يُؤمَر بالصِّيام لسَبْعٍ إنْ أطاقَه، ويضرب على تَرْكِه لعشرٍ كالصلاة، وأَجْرُ الصِّيام للصَّبيِّ، ولوالديه أجرُ التربية والدلالة على الخير.

 

ولنَبدَأ مع الأطفال بالتدرُّج؛ لغرْس حُبِّ هذه العبادة في قُلوبهم، وحتى لا يحدُث لهم صُدودٌ وكراهيةٌ لهذه العبادة، فنُصوِّم الصغيرَ الذي لا يُطِيقُ إلى صَلاة الظهر، وغيره ممَّن يشقُّ عليه إلى العصر، وهكذا حتى يتمَّ الولد صِيامَ اليومِ كاملاً.

 

7- جعْل الصيام مَدْعاةً للكسَل والتقاعُس عن العمل:

فترى الموظَّف ينامُ في عمله، والتلميذَ كذلك ينامُ في درْسه ولا يُذاكِر دُروسَه، وتُغلَق المحلات بالنهار وتتوقَّف الحياة، وإذا سَألتَ عن السبب قالوا: نحنُ صائمون!

 

وهل الصيام مَدْعاةٌ للكسَل والخمول؟!

هل تعلَمُ أخي الحبيب أنَّ غزوةَ بدرٍ الكبرى، وفتح مكة، وحطين، وعين جالوت، وفتح الأندلس... وغيرها من الغزَوات، كل هذا كان في رمضان، إنَّه شهرُ الانتصارات؛ وهذا يدلُّ على أنَّ هذا الشهر هو شهرُ الجدِّ والعمل والنَّشاط وتَكثِيف الطاعات، وهكذا كان حالُ السَّلَفِ الكِرام، والدِّراسات العلميَّة الحديثة أثبتَتْ فَوائِدَ عظيمةً للصيام، والإنسان في رمضان ينتقل من طاعةٍ إلى طاعةٍ، فمِن صيام النهار إلى صدقةٍ، إلى قِراءة القُرآن، لقيام الليل، ولصلة الأرحام، ولحضور مجالس العِلم... وهكذا.

 

لكن انقَلبَتِ المفاهيم؛ فصار الصيام مَدْعاةً للكسل والنَّوم، وهذا ما تُشاهِدُه في المساجد في نهار رمضان من كثْرة النُّوَّام، وارتفاع الشخير، وهذا على عكْس ما كانت عليه المساجدُ في حَياة السَّلَفِ؛ فقد كان القُرآن فيها كدَوِيِّ النحل، وإلى الله المشتَكى!

 

8- ترك الدعاء عند الإفطار:

كثيرٌ مِنَّا ينشَغِلُ بالطعام والشَّراب عند الإفطار، ويشغَلُه هذا عن الدُّعاء، في حين أنَّ للصائم عند فطره دعوةً لا تردُّ، كما أخبَرَ بذلك النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد أخرج البيهقيُّ في "شعب الإيمان" عن أبي هريرة - رضِي الله عنه -: ((ثلاثُ دعواتٍ مُستَجابات: دعوةُ الصائم، ودعوةُ المظلوم، ودعوةُ المسافر))؛ ("صحيح الجامع": 3030)، (الصحيحة: 1797).

 

وأخرج ابن ماجه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: ((إنَّ للصائم عند فطرِه لَدعوةً ما تُرَدُّ)).

 

فينبغي على الصائم أنْ يكونَ حريصًا على الدُّعاء عند الفِطر، فيدعو أنْ يتقبَّل الله صِيامَه، ويدعو لنفسه ولأهله بخيرَيِ الدُّنيا والآخِرة، ويدعو لأولاده بالصَّلاح، ولأمَّته بالفلاح والنَّصر والتمكين.

 

وهناك دُعاءٌ مأثورٌ كان يقولُه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند فطره؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كانَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا أفطَر قال: ((ذهب الظَّمأ، وابتلَّت العُروق، وثبَت الأجر - إنْ شاء الله)).

 

وهناك خَطَأٌ آخَر يقَعُ فيه البعضُ، وهو أنَّه يقول هذا الدعاء قبلَ أنْ يطعم شيئًا.

 

9- البعض يتَحرَّج من الحجامة، أو التبرُّع بالدم أثناء الصِّيام:

ودليلُهم في ذلك الحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو داود أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أفطَرَ الحاجمُ والمحجومُ))، لكنَّ الراجح أنَّ هذا الحديث منسوخٌ، ودليل النسخ ما أخرجه النسائيُّ في "الكبرى" والبيهقي عن أبي سعيدٍ الخدري - رضِي الله عنه - قال: "أرخَصَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحجامة للصائم".

 

وممَّا يدلُّ على هذا أيضًا ما أخرَجَه الدارقطني وصحَّحه الألباني عن أبي سعيدٍ الخدري - رضِي الله عنه - قال: "رخَّص رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في القُبلة للصائم والحجامة"، (والرخصة تكون بعد النهي).

 

ويدلُّ على هذا المعنى ما أخرَجَه الدارقطني من حديث أنس - رضِي الله عنه - قال: "أوَّل ما كُرِهَتِ الحجامة للصائم أنَّ جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائمٌ، فمرَّ به النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((أفطَرَ هذان))، ثم رخَّص النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحجامة".

 

قال الدارقطني - رحمه الله -: رجاله ثقات ولا أعلم له علَّة.

 

بل احتَجَم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو صائم؛ كما جاء في "صحيح البخاري" عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - احتَجَم وهو صائمٌ".

 

ملاحظات:

1- تُكرَه الحجامة في حقِّ مَن كان يَضعُف بها؛ ويدلُّ على هذا ما أخرَجَه البخاريُّ أنَّه قِيلَ لأنَس بن مالك - رضِي الله عنه -: "أكُنتُمْ تكرَهُون الحجامة للصائم على عهْد رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: لا، إلا من أجْل الضَّعف".

2- يَدخُل في معنى الحجامة أَخْذُ العيِّنة من الدم للتحليل، فهذا لا يفطر؛ قال ابن باز - رحمه الله -: سحْب دمٍ بغَرَضِ التحليل لا يُفسِد الصوم.

 

10- تَّحرُّج البعضِ من الاغتسال، أو الصبِّ على الرأس للتَّبرُّد:

وهذا خطأ؛ فللصائم أنْ يغتسل في نهار رمضان ولا شيءَ عليه؛ فقد أخرج البخاري تعليقًا: "أنَّه كان لأنس بن مالك أَبزَنُ يتقحَّم فيه وهو صائمٌ".

• والأبزن: حجر منقورٌ أشبه بالحوض، ومعنى يتقحَّم؛ أي: يَدخُل فيه، والمقصود أنَّه يغتسلُ.

 

وأخرج أبو داود عن بعض أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "لقد رأيتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالعَرْجِ يصبُّ على رأسه الماءَ وهو صائم من العطش أو من الحرِّ".

 

11- تَّحرُّج البعض من الصيام إذا أصبح جنبًا:

وهذا خطأٌ؛ لأنَّ الرجل إذا أصبَح جنبًا من جِماع أهله (أي: دخل عليه الفجر وهو جنبٌ) صحَّ صومُه؛ فقد أخرَج البخاريُّ ومسلمٌ عن عائشةَ وأمِّ سلمة - رضي الله عنهما - قالتا: "إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُدرِكُه الفجر وهو جنبٌ من أهله، ثم يغتَسِلُ ويصومُ".

 

وهذا الحكمُ أيضًا ينسَحِبُ على مَن احتَلَم في نهار رمضان، فصومُه صحيحٌ ولا شيءَ عليه.

 

12- تقبيل الزوجة لِمَنْ لم يضبطْ إرادتَه:

فهذا كمَن حامَ حول الحِمَى فهو يُوشِك أنْ يقَع فيه؛ لأنَّ القُبلة بريدُ الوقاع لِمَنْ لم يملك إربَه[2]، وقد كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُقبِّل، ولكن كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أملَكَنا لإربه.

 

ففي "الصحيحين" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُقبِّل ويُباشِرُ وهو صائمٌ، وكان أملكَكُم لإربه".

 

قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - كما في "مجالس شهر رمضان" (المجلس الرابع عشر): إنْ كان الصائم يَخشى على نفسه من الإنزال بالتقبيل ونحوه، أو من التدرُّج بذلك إلى الجِماع؛ لعدم قوَّته على كبْح شَهوته، فإنَّ التقبيل ونحوه يَحرُم حينئذٍ سدًّا للذريعة، وصَوْنًا لصيامه عن الفساد.

 

13- تَّحرُّج بعضِ الصائمين من المضمضة، والاكتِفاء بمسْح الفَمِ:

فتجدُ أنَّ بعضَ الصائمين إذا توضَّأ تَحرَّج من المضمضة فيمسح شفَتَيْه فقط، وهذا خطَأٌ لأمورٍ:

• أنَّ المضمضة واجبةٌ في الوضوء على الراجح من كلام أهل العلم، ولقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة: 6].

 

والأمرُ في الآية للوجوبِ، والفمُ والأنفُ من الوجْه المأمور بغَسْلِه.

 

• وأيضًا ثبَت في "سنن أبي داود" أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال للَقِيطِ بن صَبْرَةَ - رضِي الله عنه -: ((إذا تَوضَّأتَ فمَضمِض)).

 

والأمر للوجوب، وعلى هذا لا ينبَغِي ترْك المضمضة في رمضان، أو في غيره.

 

وممَّا يدلُّ أيضًا على جَواز المضمضة للصائم:

الحديث الذي أخرَجَه أبو داود وأحمد عن جابر - رضِي الله عنه - أنَّ عمرَ بن الخطاب - رضِي الله عنه - قال: "هشَشْتُ يومًا فقبَّلتُ وأنا صائمٌ، فجئتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقلت: لقد صنَعت اليوم أمرًا عظيمًا، قال: ((وما هو؟)) قلت: قبَّلت وأنا صائمٌ، قال: ((أرأيت لو تمضمضت بالماء؟)) (أي: وأنت صائم) قلت: إذًا لا يضر، قال: ((ففيمَ؟)).

 

تنبيهان:

1- لا بأسَ بالمضمضة للصائم - كما مرَّ بنا - ولو في غير وضوء أو غُسل، ولا يُفسِد صومَه البَلَلُ الذي يبقى في الفم بعد المضمضة، إذا ابتَلعَه مع الريق؛ لأنَّه لا يمكن التحرُّز منه.

2- إذا تمَضمَضَ أو استَنشَقَ فسبَقَ الماء إلى حَلْقِه من غير قَصْدٍ ولا إسرافٍ، فلا شيءَ عليه في أصحِّ قولي العلماء، وبه قال الأوزاعيُّ، وإسحاق، والشافعي في أحد قولَيْه، خلافًا لقول أبي حنيفة، ومالك بأنَّه يُفطِر.

 

• وعلى عكس الخطأ السابق تجدُ أنَّ هناك مَن يتَمضمَضَ ويستَنشِقُ ولكنَّه يُبالِغ في الاستِنشاق، وهذا خطأٌ؛ فعلى الصائم ألا يُبالِغ في الاستِنشاق أثناءَ الصيام؛ حتى لا يدخل الماء إلى جوفه وهو صائمٌ؛ ففي الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذيُّ من حديث لَقِيطِ بن صَبْرَةَ - رضِي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وبالِغْ في الاستِنشاق إلا أنْ تكون صائمًا)).

 

14- تَّحرُّج البعض أنْ يضَع أثناءَ الصيام الكُحل أو القطرة أو أنْ يشمَّ طيبًا، أو يَأخُذ حقنةً:

ولا بأسَ بهذه الأمور للصائم، وليس مع القائلين بمنْعها دليلٌ يُعتَمَدُ عليه.

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - كما في "مجموع الفتاوى" (25/233): والأظهر أنَّه لا يفطر بشيءٍ من ذلك، فإنَّ الصيام من دِين الإسلام الذي يحتاجُ إلى معرفته الخاصُّ والعامُّ، فلو كانت هذه الأمورُ ممَّا حرَّمَها الله ورسوله في الصيام ويفسد بها، لكان هذا ممَّا يجبُ على الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيانُه، ولو ذكر ذلك لعَلِمَه الصحابة، وبلَّغُوه الأمَّة، كما بلَّغوا سائرَ شرعه، فلمَّا لم ينقل أحدٌ من أهل العِلم عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في ذلك حديثًا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مُرسلاً، عُلِمَ أنَّه لم يذكُر شيئًا من ذلك، ا.هـ.

 

تنبيهات:

1- الحديث الوارد في النهيِ عن الكُحل للصائم منكرٌ، وهو حديثٌ أخرجه أبو داود وفيه: أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَر بالإثْمِد المُروَّح عند النَّوْمِ، وقال: ((ليَتَّقِه الصائمُ)) "منكر".

2- الحقن المغذِّية فيها نَظَرٌ، وقد ذهَب أهلُ العلم إلى أنَّها تفطر، لكنْ باقي الحقن العِلاجيَّة كالبنسلين والأنسولين، أو تنشيط الجسم، أو التطعيم - فلا تضرُّ الصِّيام، سواء كانت عن طريق العَضلات أو الوريد، أمَّا الحقن الشرجيَّة ففيها خلافٌ بين أهل العِلم؛ فمذهب الجمهور أنها تُفطِّر، لكنْ ذهب داود، والحسن بن صالح، وقولٌ عند المالكيَّة أنَّها لا تفطر، وإلى هذا ذهَب شيخُ الإسلام.

3- يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: إنَّ قطرةَ العين والأذن الصحيح أنها لا تفطر، ا.هـ.

 

لكن يجبُ الاحترازُ من قطرة الأنف؛ لنهي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن المبالغة في الاستنشاق للصائم.

 

15- تحرُّج البعض من بلْع الرِّيق أثناءَ الصوم:

ظنًّا منه أنَّ هذا يُفسِدُ صومَه، وهذا خَطَأٌ، والصحيح أنَّه لا بأسَ ببلْع الرِّيق ولو كثُر ذلك؛ لمشقَّة وتعذُّر الاحتِراز منه، أمَّا النُّخامة والبَلغَمُ فهذا أمرٌ مُختَلفٌ فيه، والأفضَلُ لفظُهما إذَا وصَلا إلى تجويف الفم؛ خُروجًا من الخِلاف، إمَّا إذا كانا في الحلْق فلا شيءَ في بلعهما طالما إنهما لم يَصِلا إلى تجويف الفم.

 

16- التَّحرُّج من استخدام السواك بعدَ الزوال:

ذهَب الحنابلة والشافعيَّة إلى استِحباب ترْك السِّواك للصائم بعدَ الزَّوال، وربما كان دليلهم الحديث الذي أخرجه الطبراني في "الكبير" (4/78) وفيه: ((إذا صُمتُم فاستاكُوا بالغَداة، ولا تَستاكُوا بالعَشِيِّ، فإنَّه ليس من صائمٍ تيبس شَفَتاه بالعَشِيِّ إلا كان نُورًا بين عينَيْه يوم القيامة)).

 

لكنَّ هذا الحديث لا يصحُّ؛ وعليه فالسواك مندوبٌ إليه، ولم يَرِدْ نصٌّ صحيح بمنْعه للصائم، ولو كان مُفطِّرًا لبيَّنَه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأنَّ هذا الأمرَ تعمُّ به البلوى ويَكثُر استخدامُه؛ وعليه فلا بأسَ باستخدام السِّواك في كلِّ وقتٍ.

 

وقد ذكَر البخاري في "صحيحه" عن عامر بن ربيعة - رضِي الله عنه - قال: "رأيتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتَسوَّك وهو صائم" (لكنَّ البخاريَّ ذكره معلقًا).

 

وإنْ كان هذا الأثَرُ فيه كلامٌ، إلا أنَّه يشهَدُ له ما أشارَ إليه النَّسائي في "المجتبى"؛ حيث ذكر بابًا بعنوان "باب الرخصة في السواك بالعشي للصائم"، ثم ذكر حديث: ((لولا أنْ أَشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهم بالسِّواك عند كلِّ صلاةٍ)).

 

وهذا معناه أنَّه يجوزُ استخدام السواك عند صَلاة العصر؛ أي: بعدَ الزَّوال، وهذا فَهْمٌ دقيقٌ ومُوفَّقٌ.

 

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (4/ 188): يقتضي إباحته (أي: السواك) في كلِّ وقتٍ وعلى كلِّ حال، ا.هـ.

 

أَضِفْ إلى هذا الأحاديث التي تَحُثُّ على استِخدام السواك وتُحرِّض عليه منها:

ما أخرجه النسائي في "المجتبى" وأحمد والبيهقي عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((السواك مَطهَرةٌ للفَمِ، مَرْضاةٌ للرب)).

 

تنبيه:

على الصائم إذا أراد الاستِياك أنْ يتجنَّب ما له مادَّة تتحلَّل كالسواك الأخضر، وكذلك ما أُضِيفَ إليه طعمٌ خارجٌ عنه كالليمون والنعناع، وعلى الصائم إخراجُ ما تفتَّت من السواك داخل الفم، ولا يجوزُ تعمُّد ابتلاعه، فإنِ ابتَلَعَه بغير قصدٍ فلا شيءَ عليه.

 

17- تحرُّج بعض المرضى والمسافرين من الإفطار:

فمن الأخطاء الإصرارُ على الصيام في حال السَّفَرِ أو المرَض، خاصَّة مع وُجود المشقَّة، أو وُقوع الضَّرَرِ، والله - عزَّ وجلَّ - رخَّص للمريض وكذا للمسافر الفطرَ في رمضان، ويشرع لهما القَضاءُ بعد رمضان؛ قال - تعالى -: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].

 

ومن القَواعِد المقرَّرة في الشريعة الإسلاميَّة: رفْع الحرَج ورفْع المشقَّة، وأنَّ الله يحبُّ أنْ تُؤْتَى رُخَصُه كما يحبُّ أنْ تُؤْتَى عَزائِمُه.

 

كما صَحَّ عند ابن حبَّان من حديث ابن عُمَرَ - رضي الله عنهما - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الله يحبُّ أنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يحبُّ أنْ تُؤْتَى عَزَائمُه))؛ (صحَّحه الألباني في "صحيح ابن حبان": 3568).

 

تنبيهات:

1- بالنسبة للمريض إذا كان مرضه يسيرًا لا يتأثَّر بالصوم؛ كالصداع اليسير، أو وجع الضرس، فهذا لا يجوزُ له أنْ يفطر، أمَّا إذا كان مرضه يزيدُ بالصيام ويشقُّ عليه، فهذا يُستحبُّ له الفطرُ ويُكرَه له الصوم، أمَّا إذا شقَّ عليه الصوم لدرجةٍ قد تُفضِي إلى الهلاك، فهذا يَحْرُمُ عليه الصِّيام ويجبُ عليه الفطرُ؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَلاَ تَقتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النساء: 26].

 

2- بالنِّسبة للمسافر إنْ صامَ صَحَّ صومُه؛ وذلك لما أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ عن عائشة - رضي الله عنها -: أنَّ حمزةَ بن عمرٍو الأسلمي قال للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أأَصُومُ في السَّفر؟ قال: ((إنْ شئتَ فَصُمْ، وإنْ شئتَ فأفطِر)).

 

3- إنْ كان الصيامُ بالنسبة للمسافر يشقُّ عليه أو يَعُوقُه عن فعْل الخير، فالفطر في حقِّه أَوْلَى، وإنْ كان الصيام لا يشقُّ عليه ولا يَعُوقُه عن فعْل الخير فالصِّيام في حقِّه أَوْلَى، وإنْ كان الصِّيام يشقُّ عليه مَشقَّةً تُفضِي إلى الهلاك فهُنا يجبُ عليه الفطرُ، ويَحْرُمُ عليه الصوم.

 

وبعدُ:

فهذا آخِر ما تيسَّر جمعه في هذه الرسالة.

 

نسأَلُ الله أنْ يَكتُب لها القبول، وأنْ يتقبَّلها منَّا بقبول حَسَنٍ، كما أسأَلُه - سبحانه - أنْ ينفع بها مُؤلِّفها وقارِئَها، ومَن أعانَ على إخراجها ونَشْرِها، إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

 

هذا، وما كان فيها من صَوابٍ فمن الله وحدَه، وما كان من سَهْوٍ أو خطَأ أو نِسيانٍ فمِنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله منه بَراء، وهذا شأنُ أيِّ عملٍ بشريٍّ يعتَرِيه الخطأُ والصواب، فإنْ كان صوابًا فادعُ لي بالقبول والتوفيق، وإنْ كان ثَمَّ خطأٌ فاستَغفِرْ لي.

وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الْخَلَلاَ
فَجَلَّ مَنْ لاَ عَيْبَ فِيهِ وَعَلاَ

 

فاللهمَّ اجعَلْ عمَلِي كلَّه صالحًا، ولوجهك خالصًا، ولا تجعَلْ لأحدٍ فيه نصيبًا.

والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات.

 

وآخِر دَعْوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصَحْبِه أجمعين.

هذا، والله - تعالى - أعلى وأعلم.

 

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرُك وأتوبُ إليك.



[1] العِهن: الصُّوف.

[2] الإرْب: هو الحاجة، وقيل: العضو.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من حكم فرضية الصيام
  • فضائل الصيام
  • أحكام تتعلق بالصيام
  • أمور يفطر بها الصائم
  • الأخطاء الخاصة بالطعام
  • الأخطاء الخاصة بصلاة الوتر ودعاء القنوت فيها
  • العجز الطارئ في الصيام وأحكامه

مختارات من الشبكة

  • صيام التطوع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آداب الصيام: صيام ستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أجوبة مختصرة حول أحكام صيام التطوع(مقالة - ملفات خاصة)
  • أحكام متفرقة في الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • أحكام صيام التطوع(مقالة - ملفات خاصة)
  • شرح متن الدرر البهية: كتاب الصيام(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • من صيام التطوع: صيام الأحد والاثنين والخميس والجمعة(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام السبت(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام أيام البيض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل صيام الست من شوال: صيام الدهر كله(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب