• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مقالات
علامة باركود

مهمات شرح كتاب الصيام من بلوغ المرام

أبو هاجر النجدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/9/2008 ميلادي - 29/8/1429 هجري

الزيارات: 18726

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مهمات شرح كتاب الصيام من بلوغ المرام

للشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير



1- الصيام والصوم كلاهما مصدر للفعل (صام)، صام صومًا مثل (قال قولاً)، وصام صيامًا مثل (قام قيامًا). 

2- الصيام في اللغة هو: الإمساك عن أي شيء، فالإمساك عن الكلام يعد صيامًا في اللغة، كما قال الله - جل وعلا - على لسان مريم - عليها السلام -: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26]، والإمساك عن الحركة يعد صيامًا في اللغة، كما قيل: "وخيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ"، والإمساك عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات يُعَدُّ صيامًا في اللغة. 

3- الحقيقة اللُّغوية لا تختلف عن الحقيقة الشرعيَّة اختلافًا متباينًا، بل - في الغالب - إنَّ الحقيقة اللغوية تبقى، ويُزَاد عليها من القيود ما يُمَيِّز الحقيقة الشرعيَّة، فالصيام في اللغة: إمساك، وفي الشرع: إمساك، لكنَّه في الشرع: إمساك من نوع خاص. 

4- حقيقة الصيام الشرعيَّة: الإمساك عن الأكل والشُّرب والجماع وسائر المفطرات، في وقت مخصوص، بالنية المصاحبة المتقدمة على أول جزءٍ منه. 

5- من يزيد على التعريف قوله: "إمساك المكلَّف" يُخرج صيامَ الصبي، لكن صيام الصبي صيامٌ شرعي؛ ولذا المحقق أن صيامه يجزئه إذا وقع نصفه نفلاً ونصفه فرضًا بأن كُلِّف في أثناء النهار. 

6- بعضُهم يضيف في تعريف جميع العبادات قيدًا يَدُلُّ على أنه عبادة، لكن إذا قلنا: "بنِيَّة"، فالنية من لوازمها التعبد. 

7- بدون النية لا توجد حقيقة الصيام الشرعية، وإن وجدت صورته، فلا صيامَ لمن يبيِّت الصيام من الليل، وجاء في الحديث ((إِنَّمَا الأعْمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)). 

8- لكون الصيام شاقًّا على النفوس، جاء تشريعه تدريجيًّا، فكان الواجب صيام عاشوراء، ثم بعد ذلك نزل صيام رمضان مع التخيير بين الصيام والإطعام، ونزل الإخبار بأن الصيام أفضل، ثُمَّ بعد ذلك نُسِخ التخيير في حقِّ القادر، فبقي الصيام لا خيرة فيه بالنسبة للمستطيع، وبقي الإطعام في حقِّ من لا يستطيع. 

9- في حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنه -: ((بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادةِ أنَّ لا إلهَ إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))، وهذه الرواية المتفق عليها فيها تقديم الحج على الصيام، وعلى هذه الرواية بَنَى البخاري ترتيبَ كتابه، فقَدَّم الحج على الصيام، ولعل ذلك لِما جاء في الحج - بخصوصه - من النصوص الشديدة، ولِما لم يأت نظيره في الصيام، كما في قوله - تعالى -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، وجاء عن عمر وغيره أنهم يرسلون إلى عُمَّالِهم في الأقاليم أن ينظروا: من كانت له جِدَّة فلم يَحُجَّ فيضربوا عليه الجزية "ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين". 

10- في بعض روايات حديث ابن عمر في صحيح مسلم أنه قال: ((وصوم رمضان، والحج))، فقال رجل: "الحج، وصوم رمضان؟"، فقال ابن عمر: "لا، صوم رمضان والحج"، وعامة أهل العلم على تقديم الصيام على الحج، والأمر سهل. 

11- لأهل العلم كلامٌ في سبب ردِّ ابن عمر على هذا المستَدْرِك، مع أنه ثَبَتَ عنه أنه قدَّم الحج على الصيام:  
من ذلك ما قاله النووي - رحمه الله -: "لعَلَّ ابن عمر سَمِعَ الحديث من النبيِّ - عليه الصلاة والسلام - على الوجهين، فرواه كذلك على الوجهين، ثُمَّ لما ردَّ عليه هذا المستَدْرِك أراد أن يُؤدِّبَه، كأنه قال له: لا تستدركْ ولا تعترضْ بما لا علمَ لك به، وإلاَّ فالحديثُ ثابتٌ على الوجهين"، وهذا أسلوبٌ من أساليب تربية بعض الطُّلاب الذين يتعجلون بحضور الأكابر، فيَرُدُّون عليهم ويستَدْرِكون عليهم.  

وجوَّز النووي أن يكونَ ابن عمر يروي الحديث على الوجهين، ثُمَّ لما رواه بتقديم الصيام على الحجِّ نَسِيَ الوجه الأوَّل، فلما استدرك عليه المستدرِك قال: "لا، صوم رمضان والحج". 

الحافظ ابن حجر - رحمه الله - يرى أن هذا الاختلاف إنما هو من حنظلة الرَّاوي عن ابن عمر، وأمَّا ابن عمر فإنه يروي الحديث على وجهٍ واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جزمًا، بدليل أنه أنْكَرَ على المستدرِك، ثُمَّ الراوي رواه عنه بالمعنى، فمرَّةً قدم الصيام ومرةً قدَّم الحج، ويقول: إن نسبة هذا التقديم والتأخير أو النسيان إلى التابعي أَوْلَى من نسبته إلى الصحابي، والرواية بالمعنى جائزة، والعطف بالواو لا يَقْتَضي الترْتيبَ، فلا فرقَ بين التقديم والتأخير، بدليل أنه جاء في بعض الروايات تقديمُ الحج على الزكاة، فهل يقال: "إن ابن عمر رواه على ثلاثة أوجه"؟ 

12- الأركان غير الشهادتين والصلاة، قيل بكُفْر تاركها، وهي رواية عن الإمام أحمد، نصرها جمع من أصحابه، وهي قول عند المالكية، وذكرها شيخ الإسلام في كتاب الإيمان، والجمهور على عدم كُفْر تارك هذه الأركان مع الاعتراف بوجوبها. 

13- شُرِع الصيام في السنة الثانية من الهجرة، فصام النبي - عليه الصلاة والسلام - تسعة رمضانات. 

14- إذا نُصِح شخص من قِبَل الأطباء بالحِمْيَة، فبيَّت النيَّة، وأمسك عن الطعام من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، فإنه يُؤجَرُ على ذلك، وصيامُه شرعِيٌّ؛ لأنه بيت النية وصام المدة كاملة؛ لأنه لم يعدل عن الحِمْيَة المُجَرَّدة إلى الصيام الذي يتقرب به إلى الله - جل وعلا - إلاَّ وفي قلبه شيء من ملاحظة هذه العبادة، ويبقى أن الذي يصوم ولا يَنْهَزُه إلى الصيام إلا طَلَبُ الثواب من الله - جل وعلا - أعْظَمُ أجرًا ممن شرَّك في صيامه بين العبادة والأمر المباح. 

15- حديث أبي هريرة: ((لا تَقَدَّمُوا رمضانَ بصوم يوم ولا يومين، إلا رجلٌ كان يصوم يومًا فلْيصمه)) فيه جواز إطلاق رمضان على الشهر دون إضافة، وجاء ذلك في نصوص كثيرة، وتَرْجَمَ الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه بقوله: "بابُ: هل يُقال رمضان أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعًا"، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام رمضانَ))، وقال: ((لا تَقَدَّموا رمضانَ))؛ ردًّا على من كره ذلك من بعض المتقدمين. 

16- جاء في الحديث: ((لا تقولوا رمضان، فإن رمضان من أسماءِ الله))، لكنَّه ضعيف باتِّفاق الحفاظ؛ لأنَّه من طريق أبي معشر السندي، وهو ضعيف. 

17- سبب تسمية شهر رمضان بذلك، قيل: إن العرب لما أرادوا نقْلَ أسماءِ الشُّهور القديمة إلى لغتهم، وافق ذلك مجيء هذا الشهر في حرٍّ شديد، والرمضاءُ فيه مُحْرِقة، وقيل: لأنه يرمض الذنوب ويحرقها، وهو معروف عند العرب بهذا الاسم قبل الإسلام. 

18- قوله: ((لا تَقَدَّمُوا رمضان بصوْمِ يوم ولا يومين))، الأصل في النهي: التَّحْريم، فإذا لم يبْقَ على رمضان إلا يوم أو يومين، فإنه لا يجوزُ للمسلم أن يصومَ، إما مطلقًا أو احتياطًا لرمضان كما قال بعض أهل العلم. 

19- جاء الاستثناء ((إلا رجلٌ))، وفي بعض الروايات ((إلا رجلاً))، ويجوز الوجهان في مثْلِ هذه الصورة. 

20- جمهور العلماء حملوا النَّهْيَ على الكراهة. 

21- أمَّا إن كان من باب الزِّيادة في رمضان على القدر المشروع؛ احتياطًا لرمضان من غير رؤية فإن التحريم مُتَّجه، وهو الأصل في النهي؛ ولذا جاء في حديث عمَّار بن ياسر - رضي الله عنهما -: "من صام اليوم الذي يُشَك فيه، فقد عَصَى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم". 

22- ذكر البخاري حديث عمار معلقًا من طريق صلة بن زفر عن عمار وجزم به، وهو صحيح إلى صلة، وصلة ثِقَة، وعمار صحابي، فالخبر صحيح، وهو موصول عند أصحاب السُّنَنِ الأربعة، لا كما قاله الحافظ ((موصول عند الخمسة))؛ لأنَّه لا يوجدُ في المسند. 

23- أيُّهما أبلغ: ((من صام اليوم الذي يُشَك فيه)) أو ((من صام يوم الشك))؟ قوله: ((من صام يوم الشك))، يَدُلُّ على أنَّ الشَّكَّ موجود من جميع الناس، وأمَّا قوله ((الذي يُشَك فيه))، فإنه يدل على أنه لو وقع فيه الشك من بعض الناس، فإن من صامه يكون قد عَصَى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - ولو بأدنى شَك. 

24- نظير ذلك حديث: ((من حَدَّثَ عَنِّي بحديث يَرَى أنه كَذِب، فهو أحدُ الكاذبين))، فلا يَمتنع من التَّحْديثِ إلا إذا رأى هو أنه كَذِب، وفي الرواية الأخرى: ((من حَدَّث عنِّي بحديث يُرَى أنه كَذِب، فهو أحد الكاذبين))، فيمتنع من التحديث إذا علم أن أحدًا من أهل العلم يرى أنه كَذِب، ولو لم يَرَ هو أنه كَذِب. 

25- يوم الثلاثين من شعبان، إذا حال دون رُؤية الهلال غَيْمٌ أو قَتَرٌ:  
قول الجمهور وهو المرَجَّح: هو يوم الشك.  
رأيُ ابن عمر والمعروف في مذهب الحنابلة: مثل هذا اليوم يصام، وليس بيومِ شك، وجاء في عباراتهم: "وإن حال دون رؤيته غيْمٌ أو غُبار أو قَتَرٌ، فظاهر المذهب: يجب صومُه". 

26- يوم الثلاثين من شعبان، إذا كانت السماء صحوًا ولم يُرَ الهلال: 
قول الجمهور وهو المرَجَّح: ليس بيوم شك، فهو من شعبان قطعًا، ولا يصام لحديث: ((لا تَقَدَّموا رمضان بصوم يوم ولا يومين)). 
المعروف في مذْهَب الحنابلة: هو يوم الشك؛ لاحتمال كون هذا اليوم من رمضان، ولم يُر الهلال، ولو لم يكن ثَمَّة حائل. 

27- قول عمَّار بن ياسر - رضي الله عنهما -: "من صام اليوم الذي يُشَك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلَّى الله عليه وسلم"، وإن كان موقوفًا عليه لفظًا إلاَّ أنَّه مرفوع حكمًا؛ ولذا يقول ابن عبدالبر: "إن هذا مسندٌ عندهم، لا يَختلفون فيه؛ لأن تقريرَ المعصية لا يأتي به الصحابي من تلقاء نفسه". 

28- وُلِد القاسم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خديجة قبل البَّعْثة ومات، ثُمَّ وُلِد له بعد ذلك إبراهيم. 

29- حديث ابن عمر: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له))، ولمسلم: ((فإن أُغْمِيَ عليكم فاقْدُرُوا له ثلاثين))، وللبخاري: ((فأكْمِلوا العدَّة ثلاثين))، وله من حديث أبي هريرة: ((فأكملوا عدَّة شعبان ثلاثين))، علَّق - عليه الصلاة والسلام - الأمر بالصيام، والأمر بالفطر على الرؤية. 

30- قوله: ((إذا رأيتموه فصوموا))، هذا خطاب للأمَّة، والأصل أن يتَّجِهَ الخطاب في قوله: ((رأيتموه)) إلى كلِّ من تتأتَّى منه الرؤية، فهو خطاب للجميع في الأصل؛ لأنَّ القاعدة أن مقابلةَ الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفرادًا، فالأصل أن كلَّ من رَأَى يَصوم، ومفهوم ذلك أن من لم يَرَ لا يصوم، لكنَّ هذا غير مراد بالاتفاق، فالخطاب للمجموع لا للجميع، هو خطاب لمن يثبت الحكم برؤيته، ولا يتَّجِه إلى جميع الأمة. 

31- إذا تراءى الناس الهلالَ ليلةَ الثلاثين من شعبان، وكانت السماء صحوًا، فلم يَرَوْه، فإن هذا اليوم من شعبان قطعًا؛ لأنَّ عندنا مقدمات شرعية، وإذا لم تَثْبُت هذه المقدمات، لم تثبت نتائجها، فالصيام عُلِّق بالرؤية، وإذا لم توجد الرؤية، لم توجد النتيجة التي هي الصيام. 

32- قوله: ((فاقدروا له))، القدْر يحتمل معانِيَ متعددةً، فيحتمل أن يكون المراد: ضَيِّقوا علَيْه؛ كما في قوله - تعالى -: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7]، والمعنى: من ضُيِّق عليه رزقه، لكن هل يكون التضييق على رمضان أو على شعبان؟ 
ابن عمر يرى أنه يُضَيَّق عليه، بأن يُجعَل شعبان تسعةً وعشرين يومًا؛ ولذا كان ابن عمر يتراءى الهلالَ، فإن لم يره لِما يَحُول دونه أصبح صائمًا، وهو عُمْدَة المذهب عند الحنابلة، في وجوب صوم يوم الثلاثين، إذا حال دون الرؤية الغَيْمُ، وما في حكمه؛ لأن ابن عمر هو راوي الحديث، والراوي أعْرَف بما روى. 

33- رواية ((فاقْدُرُوا له ثلاثين)) تفَسِّر الرواية السابقة، ولا تجعل هناك مجالاً للاجتهاد؛ لأن السُّنة يفسر بعضُها بعضًا، وعلى هذا إذا لم نر الهلال أكملنا شعبان ثلاثين يومًا. 

34- عند البخاري ما هو أصرح من ذلك: ((فأَكْمِلوا العدَّة ثلاثين)). 

35- عامة أهل العلم على أنَّ يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا حال دون رؤية الهلال غَيْمٌ أو قَتَرٌ، وهو القول الصحيح الذي لا مِرْيَةَ في رُجْحانه، وإن لم يكن هذا هو يوم الشك، فأي يوم يكون يوم الشك؟ لأنه إذا لم يكن هناك حائل ولم ير الهلال لم يكن هناك شك أصلاً. 

36- دخول رمضان يَثْبت برؤية الهلال، وإذا لم تتمَّ الرؤية، فبإكمال شعبان ثلاثين يومًا، ولا ثالثَ لهما. 

37- منهم من نزع إلى أنَّ معنى ((فاقدروا له)) هو: فاقْدُروا له بالحساب، يعني: يُرجَع إلى أقوال الحُسَّاب، وهذا مذكور عن أبي العباس بن سُرَيج من الشافعية، ويروى عن مطرِّف بن عبدالله التابعي الجليل، ويُذكَر عن ابن قتيبة، يقول ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى -: "أما مطرِّف بن عبدالله فلم يثبت عنه، وأما ابن قتيبة فليس ممن يُعوَّل عليه في هذا الباب"، ويبقى أنه قولٌ     لابن سُرَيج من الشافعية، والإجماع قائم على خلافه، وأنه لا عبرة بالحساب، وأنه ليس للأمة وسيلة لإثبات دخول الشهر، إلا رؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يومًا، ولا ثالثَ لهما، ولم نُكَلَّف بأكثَرَ مما آتانا الله - جل وعلا - وفي الحديث: ((إنَّا أمَّة أمِّية لا تكتب ولا تحسب، الشهر هكذا وهكذا))؛ يعني: مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين، وعُلِّق الأمرُ بالصيام على الرؤية، أو بإكمال العدَّة ثلاثين يومًا إذا لم يُر. 

38- قد يقول قائل: إن الأمة كانت أمية لا تكتب ولا تحسب، وأما الآن فإنها صارت تكتب وتحسب، وانتفت العلة، فنرجع إلى الحساب، نقول: لا، هذا وصف الأمة، وإن وُجِد فيها من يكتب ويحسب، يقول الله - جل وعلا -: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: 2]، والرسولُ - عليه الصلاة والسلام - أميٌّ، فالأمة أميَّة بالخبر النبوي الصادق، وإن كتبت وإن قرأت. 

39- شيخ الإسلام وغيره نقلوا الإجماع على أنه لا يُعَوَّل على الحساب، والمعوَّل إنما هو على ما جاءنا في النصوص الصحيحة من الوسائل الشرعية المعتبرة، التي تترتب عليها نتائجها، وإذا فعلنا ما أُمِرنا به فإنا لا نُكَلَّف أكثر من ذلك.  

40- سواء خرجت النتائج صحيحة أو غيرَ صحيحة لسنا مطالبين بأكثر من العمل بالوسائل الشرعية في إثبات الأهِلَّة، كما أن القاضي ليس مطالبًا بأكثر من النظر في المقدمات والوسائل والبينات، وليس عليه أكثر من هذا. 

41- لا يُمنَع من استعمال المراصِدِ والمُكَبِّرات، لكنَّها ليست بلازمة، فلو أنَّ الأمة لم تستعمل هذه الأمور لم تَأْثم؛ لأن الرؤية لها وسائلها الشرعية، ونتائجها شرعية، ولا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها. 

42- قد يقول قائل: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيجب استعمال المراصد والمكبرات؛ لأنا لا نستطيع الرؤية إلا بواسطتها، نقول: الرؤية مُمْكنة في كل زمان وفي كل مكان من غير استعمال لهذه المراصد، لكن إن استُعْمِلت - وكان دورها توضيح الموجود فقط، لا إيجاد ما لم يكن موجودًا - فلا مانع من استعمالها كما تُستَعمل النظارات ومكبرات الصوت، وأما أن تكون على سبيل الإلزام فلا؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا ما آتاها، ومسائل الشرع مبنية على ما يطيقه كل مسلم، الأصل أن الرؤية بالعين المجَرَّدة، لكن لا بأسَ من استعمال ما يعين على توضيح المرئي لا على سبيل الإلزام. 

43- الجمهور والأكثر على أن الأمر في الحديث متَّجِه لمجموع الأمة، فإذا رأى الهلال من يثْبُت الحكم برؤيته من مجموع الأمة، فإنه يلزم جميع الناس الصيام، وإذا رؤي الهلال في المشرق، لزم أهل المغرب الصيام أو العكس، وهذا القول مبني على القول باتحاد المطالع، والحديث محتمل. 

44- القول الثاني هو القول بأن المطالع مختلفة، ولكل إقليم مطْلَع يخصُّه، وعُمْدَة هذا القول حديث ابن عباس في صحيح مسلم، وفيه أن كريبًا جاء من الشام، وقد صام يوم الجمعة؛ لأنهم رأَوْا الهلال في الشام ليلة الجمعة، فلمَّا جاء إلى المدينة، وبعد أن أكمل الثلاثين، قال لابن عباس: "إن معاوية والناس صاموا يوم الجمعة"، فقال له ابن عباس: "لكننا لم نره إلا ليلة السبت، فإمَّا أن نرى الهلال أو نكمل العدة ثلاثين، هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم"، وحديث الباب محتمل، وحديث ابن عباس كالنَّصِّ على اختلاف المطالع؛ لأنه رأى أن رؤية معاوية في الشام لا تُلزِم أهل المدينة بالصيام؛ لاختلاف المطالع، ويتأكد ذلك بقوله: "هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم"، لكن الذي يرد على هذا: هل أمرهم النبي - عليه الصلاة والسلام - بنص خاصٍّ يدُلُّ على اختلاف المطالع أو أمرهم النبي - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) الذي يستدل به الجمهور؛ فيكون هذا من اجتهاد ابن عباس المستند إلى النصِّ العام الذي يستدل به الجمهور؟ لكن ظاهر استدلاله على كريب - وهو أنهم غير ملزمين برؤية معاوية والناس - أنَّ هناك نصًّا خاصًّا، لكنه لم يبيِّن هذا النص، والاحتمال قائم أنه استند إلى حديث ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)). 

45- القول باختلاف المطالع مع وجود الحدود السياسيَّة بين الدول، ووجود الاختلاف في وسائل الإثبات بينها - يوجِد إشكالاً كبيرًا؛ لأنها خلاف الأصل، فمثلاً: الشام أقربُ إلى أهل الجهات الشمالية من الرياض، واليمن أقربُ إلى أهل نجران من الرياض.  

46- على القول باتحاد المطالع، وسائل الإثبات تتفاوت، والثقة تتفاوت أيضًا من بلد إلى بلد، ومن عُرف إلى عُرْف؛ لأن الثِّقَة مبناها على التقوى والمروءة، والتقوى قد تكون منضبطة إلى حدٍّ ما، لكن المروءة يختلف حدُّها من عرف إلى عرف. 

47- فالمسألة فيها شيء من الإرباك، والذي يراه الشيخ ابن باز، أنه لا إشكال في أنْ يقال باتِّحاد المطالع أو باختلاف المطالع، لا فرق، وهذه لم تُحدِث مشكلة على مر العصور بالنسبة للأمة، مع أنه وُجِد في بعض العصور من يفتي باتحاد المطالع، ووُجِد في بعض العصور من يفتي باختلاف المطالع، لكن لما كانت الأمة في السابق تحت قيادةِ واحدٍ، كان من الممكن إلزامُ الأمة في شرقها وغربِها، وهذا غيْرُ ممكن الآن، لكن إذا اجتهد علماء كلِّ دولة ممن تبرأ الذمة بتقليدهم، فلا يوجد إشكالٌ إن شاء الله تعالى.  

48- حديث ابن عمر: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنِّي رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه))؛ الحديث صحيح، ويشهد له حديث ابن عباس أن أعرابيًّا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت الهلال، فقال: ((أتشهدُ أن لا إله إلا الله؟))، قال: نعم، قال: ((أتشهد أن محمدًا رسول الله؟))، قال: نعم، قال: ((فأَذِّنْ في الناس يا بلالُ، أن يصوموا غدًا)). 

49- التَّرائي لا يكون إلا لما في رؤيته مشقة، وهو أمر مطلوب، فعلى من عَرَفَ نفسه بقُوَّة البصر وحِدَّته أن يسعى لهذا، وعلى ولي الأمر أن يكلف من يقوم بذلك. 

50- أثبت - عليه الصلاة والسلام - دخول الشهر برؤية ابن عمر.  

51- وأثبت رؤية الهلال بشهادة الأعرابي، واكْتَفَى منه بإسلامه، ويَستَدل بهذا الحديث مَنْ لا يشترِط العدالةَ، لكن هذا صحابي تشمله النصوص التي تزكي الصحابة، فالصحابة كلهم عدول ثِقات، فيختلف الأمر بالنسبة لهم عمن جاء بعدهم، وجهالة الصحابي لا تضُرُّ، مع أن الحديث فيه ضعف، إلا أنه يشهد له حديث ابن عمر، ويُقبَل مثله في باب الاستشهاد، وإن لم يعتمد عليه بمفرده. 

52- هلال رمضان يثبت برؤية واحد، بدليل حديث ابن عمر وما يشهد له. 

53- هل هذا الإخبار من قبيل الرواية أو هو ملحق بالشهادة؟ الأشهر التي الملحظ فيها دنيوي هي بالأمور الدنيوية ألصق، وأمور الدنيا يُطلَب لها أكثرُ من شاهد، وأمور الدين - بما في ذلك رواية الحديث - يكفي فيها واحد، فتكون من قبيل الأخبار، فابن عمر أخبر ولم يشهد، أخبر وهو عدل ثقة فيُقبَل خبره؛ لأنه في أمور الدين.  

54- إذا ثبت الحكم برواية واحد، فليثبت تنفيذُه برواية واحد، ونظيره في الجرح والتعديل، يكفي في تعديل الراوي تعديلُ واحد؛ لأن هذه أمور تعبدية، تختلف عن أمور الدنيا التي يدخلها ما يدخلها من المؤثرات. 

55- من هو جاهل كذاب مستبعد أصلاً ومُجَرَّح، والمسألة مفترضة فيمن يخبر وهو ثقة؛ لأن المسلم يتأثم في إثبات دخول شهر عبادة وهو ليس بصادق، وإذا اتُّهم في خروج رمضان؛ ليرتاح من الصيام، فإنه لن يُتهم في إدخاله، والمسألة مفترضة في ثقة، ومثله في رواية الحديث؛ لأن الناس يتعاظمون الكذب على النبي - عليه الصلاة والسلام - فاكتُفي بواحد. 

56- رمضان الملحوظ فيه التعبد، فإثباته ملحق بالروايات والأخبار، يكفي فيه واحد، بدلالة حديث ابن عمر. 

57- بالإمكان أن يشهد شخص بأنه رأى هلال ربيع الأول مثلاً؛ لأن له دَينًا يحل على شخصٍ آخر بدخول شهر ربيع الأول، وبالإمكان أن يشهد بذلك؛ لأنه يريد أن يتزوج امرأةً يترقب خروجها من العدَّة، وهذه أمور دُنيا، فلذلك يُشَدَّد في أمرها؛ لأن فيها مجالاً للتلاعب، فيُطلَب لها أكثر من شاهد. 

58- لما كان شهر العبادة يتعاظم الناس الشهادة بالرؤية من غير رؤية حقيقية، اكتُفي بالواحد، وأيضًا هو احتياط للعبادة؛ لأننا لو أهدَرْنا شهادة الواحد، لأمكن أن يفوتنا صيام يوم من رمضان، فمن باب الاحتياط للعبادة يثبت دخول الشهر بواحد، ولا يخرج إلا باثنين كغيره من الشهور. 

59- الحديث دليل على العمل بخبر الواحد؛ لأنا ألحقناه هنا بالأخبار لا بالشهادات، وبقيَّة الأشهر من باب الشهادات؛ لأنه يترتب عليها أمور دنيوية لا تثبت إلا باثنين، وكذلك وسائلها لا تثبت إلا باثنين. 

60- جاء في حديث عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإنْ غُمَّ عليكم فأكملوا عدَّة شعبان ثلاثين يومًا، إلا أن يشهد شاهدان))؛ مفهومه أن الواحد لا يكفي، لكن حديث ابن عمر من حيثُ الصناعة أقوى منه، مع ما يشهد له من حديث الأعرابي، ثم إن مفهوم هذا الحديث معارَضٌ بمنطوق حديث ابن عمر، والمنطوق مقدَّم على المفهوم. 

61- (أعرابيٌّ) نسبة إلى الجمع على خلاف الأصل، لكن لأنه جرى مُجرَى العَلَم صحت النسبة إليه. 

62- حديث حفصة: ((من لم يبيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له))، هذا الحديث مما اختُلِف في رفعه ووقفه، وهو ثابت من قول ابن عمر موقوفًا عليه، وهو أيضًا ثابت من حديث حفصة وأم سلمة بالرفع إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - وبالوقف عليهما، وعلى التَّنَزُّل بأنه موقوف فإنه له حكم الرفع؛ لأن نَفْيَ الصحة عن العبادة لا بُدَّ فيه من توقيف، ولا يدخله الاجتهاد، علمًا بأنه يشمله الحديث المتفق عليه: ((إنما الأعْمالُ بالنيات))، فالنيَّة السابقة للعبادة شرطٌ لصحة العبادة؛ لأن الشرط قبل المشروط. 

63- (أل) في قوله (الصيام) يحتمل أن تكون عهدية، فيكون المراد الصيام المعهود وهو صيام رمضان، ويحتمل أن تكون جنسيَّة، فيكون المراد جنس الصيام، أي: جميع أنواع الصيام، لكن عموم هذا الجنس مخصوصٌ بحديث عائشة - رضي الله عنها.  

64- حديث عائشة: دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: ((هل عندكم شيء؟))، فقلنا: لا، قال: ((فإنِّي إذًا صائم))، ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله أُهْدِيَ لنا حَيْسٌ، فقال: ((أرينيه، فلقد أصبحت صائمًا))، فأكل، مفهوم الجملة الأولى: أنَّه سيأكل لو قالوا له: نعم، ومفهوم الجملة الثانية: أنه لو لم يجد عندهم شيئًا صام. 

65- مفهوم الجملة الأولى مؤيد لمنطوق الجملة الثانية، ومفهوم الجملة الثانية مؤيد لمنطوق الجملة الأولى، فدلت الجملتان بالمنطوق والمفهوم على أن صيام النفل يصح في أثناء النهار. 

66- يحمل حديث حفصة على الصيام الواجب، ويحمل حديث عائشة على صيام النفل؛ لأنه جاء في النوافل من التَّساهُل ما لم يأتِ نظيره في الفرائض، والاحتياطُ للواجبات يكون أكثَرَ من الاحتياط للمندوبات. 

67- العمل بالحديثين معًا أولى من القول بالترجيح أو النسخ. 

68- الحَيْسُ: هو التمر مع السمن والأَقِطِ. 

69- قوله: ((أرينيه)) قبل أن يأتي العزم على الإفطار؛ ليتأكد من وجوده؛ لئلا يعزم على الفطر قبل أن يوجد المبرر، أو ليرى هل إعدادُه مناسب مما تشتهيه النفس أو لا؟ لأن بعض الناس ينوي الفطر، ثم بعد ذلك يكون الطعام الذي يريد أن يأكُلَه غير مناسب له.  

70- النبي - عليه الصلاة والسلام - لم يكن عنده نيَّة أن يفطر إلى أن قيل له: أُهْدِيَ لنا حَيْسٌ، فقال: ((أرينيه))، يعني: إن كان يستحق أن أقطع الصيام من أجله وإلا فلا. 

71- الفرض ينبغي أن يُحتاط له، فلا يدخله مثل هذا التردد بخلاف النفل؛ لأن الفقهاء ينصون على أن من نوى الإفطار أفطر. 

72- العلماء يشترطون استمرار حكم النية دون استمرار ذكرها، ومعنى استمرار الحكم هو أن لا ينوي قطع العبادة. 

73- قطْعُ النية والتردد فيها بعد الفراغ من العبادة لا أثَرَ له ألْبَتَّة. 

74- لو نوى نقْضَ الوضوء أثناء الوضوء انْتَقَضَ ولزمه الاستئناف، وكذا لو تردد في نقض الوضوء أثناء الوضوء، ولو نقضه بعد الفراغ أو تردد في نقضه بعد الفراغ، لم ينتقض. 

75- لو نوى الإفطار أثناء الصوم أو تردد فيه أفطر، ولو نوى إبطال الصوم بعد الفراغ منه أو تردد فيه بعد الفراغ منه لم يتأثر صومه ألْبَتَّة. 

76- بعضهم يلتمس شيئًا لمثل هذا التفريق مما لا يظهر وجهه، وهو أن الصيام يُدخَل فيه بالنية، فيُخرَج منه بالنية، بخلاف العبادات الفعلية لا يُخرَج منها إلا بفعل، ولا يُخرَج منها بنية. 

77- الكلام مع النساء الأجنبيات لا شَكَّ أنه وسيلة وباب لشرٍّ مستطير وخطرٍ عظيم، والكلام مع المرأة الأجنبية محرَّمٌ إلا بقدر الحاجة، كمن اتَّصَلَت لتستفتي، فإنها تجاب بقَدْرِ ما يتطلبه السؤال من جواب، وجَمْعٌ من أهل العلم ينُصُّون على أن صوْتَ المرأة عوْرَة، لكن إنْ دعَتِ الحاجة فلا بأس به بقدر الحاجة ومع أمْن الفتنة؛ لأنه مع وجود الفتنة لا يجوز لها أن تخاطب الرجال ولو مع الحاجة؛ لأن دَرْءَ المفاسد مقدَّم على جلب المصالح. 

78- هل يشترط في كلِّ يوم بعينه أن ينوى صيامه من الليل أو يكفي نِيَّةٌ واحدة لرمضان كله؟ الجواب: مِثْلُ هذا السؤال لا يحتاجه إلا شَخْصٌ يحتاج إلى أن يلفظ بالنية ويستحضرها، فنقول: النية هي مجرد العزم صومَ رمضان كاملاً، ولا يشترط قدْرٌ زائد على ذلك، لكن منهم من يقول: إننا نحتاج إلى أن نجدد النية كلَّ ليلة؛ لأنَّ صيام كل يوم عبادة مستقلة، فيحتاج كل يوم إلى نية، نقول: الحاجة هنا داعية إلى عدم قطع النية، ولسنا بحاجة إلى استمرار ذكر النية، فالشرط هو استصحاب حكم النية بأن لا ينوي قطْعَها. 

79- من أراد السفر في ليلة من ليالي أيام الصيام، ونوى الفطر في سفره، بهذا يكون قد قطع النية، فيحتاجُ إلى تجديدها إذا عدل عن رأيه وعن سفره، وأمَّا إن كان مقيمًا صحيحًا عازمًا على صيام رمضان كاملاً، فهذه هي النية، والذي يقول: إن رمضان عبادة واحدة، فإنه يستحضر النية في أوَّل ليلة، وهذا يكفيه، وهو الأصل. 

80- حديث سهل بن سعد: ((لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر))، في رواية: ((وأخَّروا السحور))، وجاء في الرواية الأخرى: ((لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر وأخَّروا السحور))، وإذا كان الدين ظاهرًا فالناس بخير. 

81- الصيام عبادة محددة بوقت محدد شرعًا، فمن تقَدَّم في سحوره على طلوع الفجر لا شك أنه أخْطَأَ السنة، وإن قصد الاحتياط للعبادة بغير مبرر للاحتياط، الاحتياط للعبادة مطلوب لو كان لا يعرف طلوع الفجر، وليس عنده من يعرفُ ذلك، لكن لا داعيَ للاحتياط إذا وُجِد مكان يُعرَف فيه الوقت بدقة؛ لأنه مخالف للتوجيه الشرعي. 

82- الاحتياط إنَّما يُطلَب عند احتمال الوقوع في المخالفة، وأما إذا أدَّى الاحتياط إلى ارتكابِ محظور أو ترك مأمور، فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط. 

83- إذا كان يرى أن فعْلَه أكمل من فعل النبي - عليه الصلاة والسلام - أو أكمل مما وجه إليه النبي - عليه الصلاة والسلام - فإنه يدخُلُ في حَيِّزِ الابْتِداع.  

84- يدخل في حَيِّزِ الابتداع من يزيد على القدر المشروع إذا ألحقه بالمشروع. 

85- جاءت العلة في تعجيل الفطر في بعض الروايات بعدم مشابَهة اليهود والنصارى؛ لأنَّهم يؤخرون الإفطار إلى اشتباك النجوم، ويوجد ممن ينتسب إلى الإسلام من يؤخِّر صلاةَ المغرب والفطر إلى اشتباك النُّجوم تشبُّهًا باليهود والنصارى، نسأل الله السلامة والعافية. 

86- قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إذا أقْبَلَ الليل من هاهنا، وأدْبَرَ النَّهارُ من هاهنا، وغَرَبَت الشمس، فقد أفطر الصائم))، معنى ((فقد أَفْطَرَ الصائم))، أي: دخل في وقت الفطر؛ لأنه لو أفطر ما صار لهذه النصوص فائدة، ولو أفطر ما صار للنهي عن الوصال فائدة. 

89- حديث أبي هريرة: ((أحبُّ عبادي إلِيَّ أعجلهم فطرًا)) فيه ضعف، ومعناه يشهد لحديث الباب الذي في الصحيحين، ولاشك أن من يلتزم الأوامر، ويجتنب النواهي محبوب عند الله - جل وعلا - فالمعنى صحيح. 

90- حديث أنس: ((تسَحَّروا؛ فإن في السحور بركة))، الأمر بالسحور أمر إرشاد، والعلة تدل على ذلك؛ تحصيلاً للبركة المرتبة عليه، فالسحور مستحب؛ لهذا الأمر، ولاشك أنه مبارك، لكن يبقى أنه يأخذ حكم الأكل، إضافةً إلى ما يدعمه مما جاء في السحور على وجه الخصوص، فالشخص المتخم أو الذي يضُرُّه الأكل يتسحر بأقل ما يطلق عليه السحور، وإذا كان بحاجة إلى الأكل اتَّجَهَ إليه الأمر به، ففرق بين من يضره الأكل وبين من يضره ترك الأكل، فيعود إلى حكم الأكل الأصلي، إلا أن القَدْرَ الذي يطلق عليه أنه سحور - بحيث يقطع الوصال - فيه بركة، ويعين على ما أمامه من ساعات النهار، ولا شك أن اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب بركة؛ لأنه جاء في الحديث ((فصْل بيننا وبين أهل الكتاب أكْلَة السَّحَر)). 

91- ذكر الإمام مالك في الموطأ عن حميد بن عبدالرحمن أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب إذا رأيا سواد الليل، ثم يُفْطِران، منهم من يقول: إنَّ المخالفة للنص تكون في التأخير الذي يصل إلى حدِّ اشتباك النُّجوم، لكن لا شك أن هذا تأخيرٌ، فالمطلوب المبادرة وتعجيلُ الإفطار، وما عدا ذلك تأخير، وحميد بن عبدالرحمن لم يدرك عمر، فهو يَحْكي قصَّةً لم يشهدها، وأما إدراكه لعثمان فهو بيِّن، لكنه لم يقل: إني رأيت عمر وعثمان، فالخبر لا شك أن فيه ما فيه، والذي يغلب على الظن أنه لم يثبت، والعبرة بالمرفوع، والثابت عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه لم يصلِّ المغرب إلا بعد فطره. 

92- حديث سلمان بن عامر الضبي: ((إذا أفْطَرَ أحدكم فلْيُفْطِر على تَمْر، فإن لم يجد فلْيُفْطِر على ماء، فإنه طهور))، هذا الحديث مضَعَّف عند أهل العلم، وحديث عمران بن حصين فيه ضعف أيضًا، فهذا لم يثبت من قوله - عليه الصلاة والسلام - لكنه ثَبَتَ من فعله، كما جاء في الحديث الصحيح أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يفطر على رُطَبَات، فإن لم يجد فعلى تَمَرَات، فإن لم يجد حَسَا حسوات من ماء. 

93- حديث أبي هريرة: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسولَ الله تواصل، قال: ((وأيُّكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربِّي ويسقيني))؛ فلمَّا أَبَوا عن الوصال واصل بهم يومًا ثم يومًا ثم رأَوْا الهلال، فقال: ((لو تَأخَّر الهلال لزدتكم))؛ كالمنَكِّل لهم حين أبَوْا أن ينتهوا، الوصال: هو صوْمُ أكثر من يوم دون أن يتخلَّلَ ذلك فطر في الليل. 

94- قوله: فقال رجل من المسلمين، هذا الرجل لم يُوقَف على اسمه، ومثل هذا يُترَك ذكره؛ لأنه لا يترتب على ذكره فائدة. 

95- قوله: فإنك يا رسولَ الله، تواصل، الحاجة داعيَةٌ إلى مثل هذا السؤال؛ لأن فعله تشْريعٌ وقوله تشريع، فليس هذا من سوء الأدب مع النبي - عليه الصلاة والسلام - بل هو سؤال استفهام، بأيِّهما نعمل، بالقول أم بالفعل؟ 

96- قوله: ((إني أبيت يُطْعِمُني ربي ويسقيني))، المرَجَّح عند ابن القيم أن هذا الطعام والشراب ما يُفاض عليه من الغذاء الروحي من الله - جل وعلا - ولا شَكَّ أن الإنسان إذا استغرق في قراءة نافعة، يُحِسُّ من نفسه في بعْضِ الأوقات أنَّه ليس بحاجة إلى طَعَامٍ ولا إلى شراب، ولو قُدِّم له الطعام قبل أن يَشْرُع في هذه القراءة لاشتاق إليه، وهذه لذَّة يدركها الناس كلهم، وطلاب العلم على وجه الخصوص. 

97- الكلام لا بد له من حقيقة، والأصل الحقيقة، خلافًا لمن يقول بالمجاز، والذي يقول بالمجاز لا إشكال عنده في هذا الحديث إطلاقًا؛ لأنه يقول: إنه أطلق عليه الطعام مجازًا.  

98- الأكل الحسِّيُّ تتفق فيه الحقائق الثلاث: الشرعية، واللغوية، والعرفية. 

99- نريد أن نطبق الحقائق الثلاث التي لا رابع لها على الطعام والشراب، المذْكُورُ: لا يوجد في لغة العرب طعام وشراب غير المأكول والمشروب، ولا يوجد في عرف الناس طعام وشراب غير المأكول والمشروب، فكيف يتَخَلَّص من هذا الإشكال من يقول بعدم المجاز؟ 

100- الجواب: قد تأتي الحقيقة الشرعية لأكْثَرَ من معنى، فالمفلس له حقيقة شرعية في باب الترهيب من ظُلْم الناس، وهذه الحقيقة جاءت في الحديث الصحيح: ((أتدرون من المفلس؟))، وله حقيقة شرعيَّة أخرى في باب الحجر والتفليس، وهو الذي لا درهم له ولا متاع، وهنا نقول: لِلأكْل والشرب أكثرُ من حقيقة شرعية؛ لأن مثل هذا النص يُلزِم به من يقول بالمجاز، يقول: أليست الحقائق الثلاث كلها تكون للأكل والشرب المحسوسين؟ نقول: نتَّفِق على هذا، لكن نقول أيضًا: من حقيقته الشرعية الأكلُ المعنوي؛ لأنه لو كان لا يثبت الوصالُ مع الأكل الحسي، فهو أكل معنوي، وهذا الأكل المعنوي حقيقة شرْعيَّة بدلالة هذا النص. 

101- يقول ابن القيم: "المراد ما يغذيه الله به من معارفَ، ويفيض على قلبه من لذَّة المناجاة، وقرة عينه بقربه وتنَعُّمه بحبه والشوق إليه، ولا يمكن أن يصِلَ الإنسان إلى هذه الدرجة، فهذا من خصائصه - عليه الصلاة والسلام. 

102- الحديث فيه دليل على أن الوِصالَ من خصائص النبي - عليه الصلاة والسلام. 

103- الأصل في النهي التحريم، لكن حَمَلَه كثير من أهل العلم في هذا الحديث على الكراهة؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - واصلَ بِهم؛ لأنه لو كان الوِصال محرَّمًا ما أُدِّبوا بهذا المحرم، فلما أُدِّبوا به عُرِف أنه جائز لكنه خلاف الأولى، ويكون هذا صارفًا للنهي من التحريم إلى الكراهة. 

104- من أهل العلم من يرى أن الأمْرَ أو النَّهْي إذا جاء من أجل الشَّفَقَة على المأمور أو على المنهي، فهو على الاستحباب في الأمر، وعلى الكراهة في النهي. 

105- قوله - عليه الصلاة والسلام - لعبدالله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد))؛ هذا النهي من باب الشفقة عليه مع جواز غيره، فيكون النهي للكراهة، وعامة أهل العلم على أنه تجوز قراءة القرآن في أقل من سبع، وكأنهم جعلوا الصارف أن النهي كان من باب الشفقة. 

106- جاء الترخيص بالوصال إلى السَّحَر، كما في قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((فأيُّكم أراد أن يواصل، فليواصل إلى السحر))، وهذا أسلوب لا يدُلُّ على الاستحباب، وإنما يدُلُّ على الترخيص، وذلك لمخالفته تعجيل الفطر. 

107- الوصال إلى السحر سماه النبي - عليه الصلاة والسلام - وصالاً، لكنه وصالٌ نِسْبِيٌّ، فهو وصال لهذه المدة الطويلة، وليس وصالاً بين يومين متواليين. 

108- الإضراب عن الطعام بزعم التوصل إلى استخْراجِ الحقِّ من الخَصْمِ، هذا الإضراب ليس بشرعي، لم يُعرَف إلا أن أمَّ سعد بن أبي وقاص أضربت عن الطعام؛ حتى يرْتَدَّ سعد عن الإسلام، فلا يليقُ بالمسلمين فعل هذا وليس من صنيعهم ولم يُعرَف عنهم، وليس من الحلول الشرعية أن يَتْرُك الإنسان ما أوجب الله عليه ويعرِّض نفسه للهلاك، الأمور تُقَدَّر بقدرها، وأصل هذه المسألة غير شرعي، فيُنظَر في حقيقتها وما تجلبه من مصالح، من استخراج للحقوق ونكاية بالعدو. 

109- إذا كان الوصال بين يومين منهيًّا عنه، فما زاد على ذلك من باب أولى. 

110- حديث أبي هريرة: ((من لم يدع قوْلَ الزُّورِ والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طَعَامَه وشرابه))؛ في رواية: ((الرفث))؛ وهو الجماع ودواعيه، كلامٌ موجَّهٌ إلى رجال، وليس بحضرة نساء فلا يدخل في الرفث، وهذا معروف عن ابن عباس فيما نقله المفسرون وأهل اللغة، والمعْتبر عند أهل العلم أن الرَّفث هو الجماع، والكلام فيه، والحديث عنه، وما يتعلق به، وفي الحديث الصحيح: ((الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحَدِكم، فلا يرفث ولا يفسق)). 

111- مفهوم الحديث أنَّ من تَرَكَ هذه الأمور فإن الله - جل وعلا وتعالى وتقدس - له حاجة في صيامه، لكن هذا المفهوم غير مراد، لأن الله - جل وعلا - هو الغني. 

112- هذه الأمور لا تبطل الصيام، وإنما تذهب الأثر المترتب عليه، بمعنى أنه لا أجر له وصيامه غير مقبول، ولا يعني أنه غير صحيح. 

113- الصيام الشرعي هو المورث للتقوى. 

114- حديث عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه، وفي رواية: "في رمضان"، الصائم ممنوع من الجماع، وممنوع مما يؤدي إليه من باب مَنْع الوسائل، لكن مجرد القُبْلَة التي لا أثر لها في الصيام، ولا تتسبب في إبطاله بأن يَخْرج منه شيء يبطل الصيام - شبهها النبي - عليه الصلاة والسلام - في حديث عمر بالمضمضة، فالصائم يتمضمض، والمضمضة مظَنَّة لانسياب شيء إلى جوفه، لكنها لا تُمنَع لذاتِها، وكذلك القبلة لا تُمنَع لذاتها، وأما إذا أدت القبلة إلى خدش الصيام، أو غلب على الظن أنها تؤدي إلى إبطاله فلا. 

115- ثبت أنَّ النبي - عليه الصلاة والسلام - قبَّل من نسائه أمَّ سلمة وحفصة وعائشة، ولكن كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: "ولكنَّه كان أملككم لإربه". 

116- الإرْبُ هو حاجة النفس ووطرها، ومنهم من يقول: أملككم لعضْوِه بحيث لا يترتب عليه خروج شيء من هذا العضو. 

117- لو قبَّل الإنسان فأمْنَى أو أمْذَى: عند الحنابلة يبطل صومه، سواء أمنى أو أمذى، وغيرهم يقول: إنه إن أمنى بَطَل صومه؛ لأنه شهوة وإن أمذى فلا. 

118- الأصل أن الصيام يبطل بالجماع، لكن يُلحَق بالجماع ما يحصل فيه اللذة؛ ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((يدع طعامه وشرابه وشهوته؛ من أجلي))، وأما المَذْيُ فليس فيه شهوة فلا يبطل الصيام، لكن على الإنسان أن يَحتاط لدينه، ومن حام حول الحِمَى يوشك أن يَقَعَ فيه. 

119- جاء التفريق بين الشاب والشيخ، فرُخِّص للشيخ ولم يُرَخص للشاب، أما بالنسبة للمرفوع فضعيف، وأما ما ثَبَتَ عن ابن عباس فصحيح، ولا شكَّ أن الدواعي والتأثر بالنسبة للشاب أشَدُّ؛ ولذا جاء توجيه الشباب: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فلْيَتَزَوَّج)). 

120- مجرد التقبيل لا بأس به؛ لأنه ثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام - واستحبه أهل الظاهر؛ اقتداءً بالنبي - عليه الصلاة والسلام - لكن هو على حسب ما يترتب عليه. 

121- قد يقول قائل: الوسائل لها أحكام المقاصد، ونحن نهينا عن الاستنشاق في قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((بالغْ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا))، والاستنشاق وسيلة إلى دخول الماء إلى الجَوْفِ، والقُبْلَة كذلك وسيلة، نقول: الاستنشاق وسيلة يغلب على الظن حصول الغاية معها، بَيْنَما القبلة لا يغلب على الظن حصول الغاية معها، ولو غلب على الظن حصول الغاية معها لمُنِعَت. 

122- قولها: "ويباشر وهو صائم"، أيْ: يَمَسُّ البدن من غير حائل، وليس معنى هذا أنه يَطَأُ فيما دون الفرج؛ لأن الوطء فيما دون الفرج يحصل به الإنزال، والإنزال مبطل للصوم. 

123- قولها: "ولكنَّه كان أمْلَكَكُم لإربه"، أي: كان يُقَبِّل، لكن عنده ما يمنعه مما يخدش الصوم. 

124- الذُّنوب لا تضاعف، لكنها تُعظَّم بسبب شَرَفِ الزمان والمكان. 

125- الناسُ أحرار من رِقِّ العباد، وأما من رِقِّ الخالق فهم عبيد وخُلِقوا للعبادة. 

126- حديث ابن عباس: "أن النبي - عليه الصلاة والسلام - احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم"، هما جملتان، ومنهم من يجمع الجملتين فيقول: احتجم وهو محرم صائم، لكن هلْ ثَبَتَ أنَّ النبي - عليه الصلاة والسلام - أحْرَمَ وهو صائم؟ صام عام الفتح في رمضان، فلَمَّا بلغ الكَديد أو كُرَاع الغميم أو عسفان أفطر. 

127- ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه احتجم وهو صائم، وثبت عنه أيضًا أنه احتجم وهو مُحْرِم، ففي هذا دليل على قول الجمهور بأن الحِجَامَة لا تؤثر في الصيام، لكن ماذا عن حديث شداد بن أوس؟

128- حديث شداد بن أوس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان، فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم))، لفظة (بالبقيع) غير محفوظة؛ لأن القضية كانت في مكة عام الفتح. 

129- الإمام الشافعي يرى أن حديث شداد منسوخ بحديث ابن عباس؛ لأنه مُتأخِّر عنه، وكل من قال بالنسخ يرى أن حديث ابن عباس كان في حَجَّة الوداع، لكن هل حُفِظ عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه صام في حجة الوداع؟ عُمْدتُهم الجمع بين الجملتين: "احْتَجَمَ وهو محرم صائم". 

130- لا إشكال في أن حديث شداد بن أوس كان عام الفتح، وابن عباس إلى عام الفتح وهو مع أبويه بمكة، ثم انتقل بعد ذلك، فحديث ابن عباس متأخر عن حديث شداد، وهو الذي مال إليه الشافعي وجَمْعٌ غفير من أهل العلم، يرون أن حديث شداد منسوخ بحديث ابن عباس. 

131- المعروف عند الحنابلة والذي يرجِّحُه شيخ الإسلام والمفْتَى به أن الحجامة مفطرة؛ لأن حديث شداد بن أوس نصٌّ في ذلك. 

132- منهم من يرى أن الحاجم والمحجوم في هذه القضية كانا يغتابان الناس، فحُكِم عليهما بأنهما أفطرا فطرًا معنويًّا لا حسيًّا، لكن ابن خزيمة تعجب من هذا القول فقال: "لو سُئل هذا القائل: هل الغيبة تفطِّر الصائم؟ لقال: لا"، ولا شك أن هذا القول لا حَظَّ له من النظر. 

133- منهم من يقول: "أفطر الحاجم والمحجوم"؛ لأن الحِجامة تؤول بهما إلى الفطر، فالحاجم قد ينساب في جوفه شيء من الدم فيفطر، والمحجوم قد يضعف عن متابعة الصيام فيفطر، وأما إذا قَوِيَ وتابع صيامه إلى غروب الشمس فإنه لا يفطر، والحاجم إذا احتاط لنفسه ولم ينسَبْ شيء في جوفه لا يفطر، كما لو حجم بآلة، فلا يمكن أن يقال: إن من حجم بآلة يفطر بذلك. 

134- الحديث يتناول الحاجم بآلة؛ لأنه ليس فيه تفصيل، لكنَّ هذا التأويل سائغ في أن الحجامة تؤول بالحاجم والمحجوم إلى الفطر، فتُمنَع الحجامة على من تضعفه؛ لأنها تؤول به إلى الفطر، وهذا رجحه جَمْع من أهل العلم، والاحتياط أن لا يَحتجم الصائم، وإن احتاج إليها فلْيَحْتَجِم بالليل كما قال ابن عمر، وإن اضطر إليها وقرر الأطباء بأنه لا بد من استخراج هذا الدم، فهو صائم بيقين ولا يبطل صيامه إلا بيقين مثله، لا سِيَّما مع وجود المعارض، أيْ: حديث ابن عباس، وهو أقوى من حديث شداد بن أوس؛ لأنه في البخاري وحديث شداد في المسند والسنن. 

135- سَحْبُ الدَّمِ للتحليل أو للتَّبَرُّع، أو تغيير الدم في عملية الغسيل: سحب الشيء اليسير الذي لا يؤثر على الصائم في الغالب لم يقل أحد: إنه يفطر، والشيء الكثير - مقدار ما يَخرج في الحجامة - يلزم من قال بالتفطير بالحجامة أن يفطِّر بهذا، وأما الغسيل واستخراج الدم من البدن، ثم إعادته إليه بعد إضافة مواد مطهرة لا شك أنه يفطِّر؛ للإعادة وإن لم نقل: إن الحجامة تفطِّر، فهذا مفطِّر قطعًا. 

136- حديث عائشة: "إنَّ النبي - عليه الصلاة والسلام - اكتحل في رمضان وهو صائم"؛ الحديث ضعيف، وقال الترمذي: "لا يصح في هذا الباب شيء". 

137- العين ليست بمنفذ إلى الجوف، وكون المكتحل أو المتداوي في عينه قد يُحِسُّ بالطَّعْم في فمه لا يعني أنه منفذ، بدليل أن من وَطِئَ الحنْظَل بقدمه يجد طعمه في حلقه، ويجد أَثَره في معدته وليس معنى هذا أنه نفذ إليها. 

138- الأنف منفذ، بدليل حديث: ((وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا)). 

139- الأذن منفذ إلى الفَمِ، فإن أخْرَجَ ما يصل إلى الفم بواسطتها، فلا أثر له على الصيام، والذي يصل إلى الفم ليس مجرد طعم بل قد يصل الجرم. 

140- الصائم منهي عن المبالغة في الاستنشاق، لكن هل يُنهَى عن المبالغة في المضمضة؟ هل نقول: من باب أولى؛ لأن الفم هو المنفذ الأصلي؟ نقول: له أن يبالغ؛ لأن المنفذ الأصلي مُحْكم، فالفم يمكن التحكم فيه بخلاف الأنف؛ لأن الأنف مفتوح، وليس فيه ما يَمْنع من انْسِيَاب الماء، فالفارق واضح؛ ولذا جاء التنصيص على الاستنشاق دون المضمضة، لكن على الصائم أن يحتاط لصومه، لا سِيَّما في الفرض. 

141- المظنة التي عُلِّق عليها الحكم لا توجد في الحاجم بالآلة، وقد يوجد في المحجوم من القوة وغزارة الدم بحيث لا تؤثر فيه الحجامة، فالمسألة مبناها على غلبة الظن، والذي يغلب على الظَّن أن الحاجم يفطر بما ينساب في جوفه، وأن المحجوم يفطر بسبب الضعف الذي يعتريه من جرَّاء الحجامة، والأصل أن الصائم صام بيقين فلا يُرفَع حُكْمُ هذا الصوم بمجرد كون المذكور مظنة؛ لأن الأمر مشكوك فيه، هل يؤول أمره إلى الفطر أو لا يؤول؟  

142- العمل المرهق يؤول بصاحبه إلى الفطر، ولا يقال: إن مِثْلَ هذا يفطِّر، لكن هذا يختلف عنْ مَا ورد فيه النص، وحديث شداد مصحح عند جَمع من أهل العلم، وإن لم يكن في الصحيحين. 

143- إذا اضْطُر إلى الحِجامة، ورأى أن يصوم يومًا مكان اليوم الذي احتجم فيه من باب الاحتياط، فالأمر فيه سَعَة، وإلا فالجمهور على أن الحجامة لا تفطِّر. 

144- التَّبَرُّع بالدم في حكم الحجامة؛ لأنه دمٌ كثير مؤثر على الصائم، وأما الشيء اليسير الذي يؤخذ من أجل التحليل ونحوه؛ فإنه معْفُوٌّ عنه ولا أثر له. 

145- غسيل الدم: استخراجُ الدم وإضافة بعض المواد عليه ثم إعادته، فهو مفطِّر بخروجه عند من يقول بالفطر بالحِجامة، وبدخوله عند من يقول: إن الفطر يكون مما دخل لا مما خرج، فهو مفطِّر على الوجهين، إضافة إلى أن يضاف إلى الدم مواد منقية. 

146- حديث أنس: أوَّلُ ما كُرِهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمَرَّ به النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال: ((أفطر هذان))، ثم رَخَّصَ النبي - عليه الصلاة والسلام - بَعْدُ في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم، قَوَّاه الدارقطني، وهو إمام حافظ ناقد، لكن حكم عليه جمع من أهل التحقيق أنه منكر. 

147- هل يُرَجَّح بالضعيف إذا تكافأت الأدلة؟ ابن القيم - رحمه الله تعالى - يرى أن الضعيف لا يُعمَل به ألبتة، لكن إذا وُجِد في المسألة قولان متساويان من كل وَجْه، أو وُجِد في حديث أو في نصٍّ من النصوص احتمالان متساويان من كل وجه، فإنه لا مانع من الترجيح بالضعيف، ونص على ذلك في تحفة المودود. 

148- العين ليست بمنفذ إلى الجوف، وإن وُجِد طعم الكُحل أو القطرة أو العلاج في الحلق. 

149- الأنف يستعمل الآن في التغذية بواسطة أنابيب توصل إلى الجوف. 

150- حديث أبي هريرة: ((من نسي وهو صائم، فأَكَلَ أو شرب فليتم صومه، فإنَّما أطعمه الله وسقاه))؛ الحديث فيه ذكْرُ الأكل والشرب دون الجماع. 

151- وللحاكم: ((من أفطر في رمضان ناسيًا، فلا قضاء عليه ولا كفارة))، هذه الرواية تشمل كلَّ مفطِّر بما في ذلك الجماع.  

152- الرواية الثانية فيها نصٌّ على الفطر: ((من أفطر)) بخلاف الرواية الأولى، ومن أفطر يَجب عليه القضاء، لكنها مؤولة بأنه شابه المفْطِرين بالأكل والشرب والجماع. 

153- دلالة الرواية الثانية على الجماع ظاهرة؛ لأنه نفى الكفارة، ولا كفارة إلا في جماع. 

154- قوله: ((فليتم صومه))، يعني: صومه ما زال ساريًا، والعلة: ((فإنما أطعمه الله وسقاه)). 

155- الإثم مرتفع في النسيان على كل حال، لكن هل يُعْفَى عن المَنْسِيِّ مطلقًا أو منه ما يُعفى عنه ومنه ما يلزم الإتيان به، ولو تُرِك أو فُعِل نِسيانًا؟ الجواب: القاعدة عند أهل العلم أن النسيان ينزِّل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزِّل المعدوم منزلة الموجود، فالنسيان ينزِّل الأكل والشرب منزلة المعدوم، ولا ينزِّل الإمساك الذي هو ركن الصوم منزلة الموجود، ومن نَسِيَ الإمساك يكون كمن نسي ركعة من الصلاة، لا بد أن يأتي به. 

156- الجمهور على أن من أكل أو شرب ناسيًا، لا قضاء عليه ولا كفارة، ويرى المالكية أن عليه القضاء دون الكفارة، بخلاف من أكل أو شرب عامدًا، فإن عليه القضاء والكفارة - عند المالكية – كالجماع. 

157- الذين يقولون: إن الفطر مع النسيان لا يؤثر، يفرِّقون بين الأكل والشرب والجماع، فيقولون: إن الأكل والشرب يُتَصَوَّر فيه النسيان، وأما الجماع فلا يُتَصَوَّر فيه النسيان، كما أنهم فرَّقوا في مسألة الإكراه بالنسبة للرجل، فيقولون: إنه لا يُتَصَوَّر إكراهه على الزنا بخلاف المرأة؛ لأنه إذا أُكرِه لا ينتشر بخلاف المرأة. 

158- الجادَّة أن يكون حُكْمُ الأكل والشرب والجماع واحدًا، وبهذا قال أكثر مَنْ يعذر بالنسيان، ورواية الحاكم كالصريحة في إرادة الجماع؛ لأنَّه لا كفارة إلا في جماع. 

159- يجب الإنكار على من رأى شخصًا يتناول المفطِّر في رمضان؛ لأن ظاهر هذا الفعل منكر، وإلا لتَذَرَّع بذلك كثير من الفساق. 

160- النِّسيان مرفوع الإثم والتبعة لا سيما في الإيجاد، وأما في العدم فلا بد من الإتيان بما عُدِم نسيانًا. 

161- حديث أبي هريرة: ((مَنْ ذَرَعَهُ اَلْقَيْءُ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ اَلْقَضَاءُ))؛ قوله: ((من ذرعه القيء))، أيْ: سبقه وغلبه. 

162- بعض الناس مبتلًى بسِعة في فُمِّ المعدة، فإذا ركع في صلاته وهو صائم، لا بد أن يَخْرج شيء، ثم إذا رفع عاد، لكنَّه إذا وصل إلى الفم، فإنه يستطيع أن يتحكم فيه، فإذا كان يستطيع أن يتحَكَّم فيه، يلزمه أن يُخرجه من فمه بأي طريقة، فإن أعاده وهو صائم أَفْطر، وإذا حاول أن يُخرجه فلم يستطِعْ، فحكمه حكم المغلوب. 

163- قوله: ((فلا قضاء عليه))؛ لأنه غلبه من غير قصد منه. 

164- قوله: ((ومَنِ استقاء فعليه القضاء))، أيْ: ومن استدعى وطلب القيء فعليه القضاء؛ لأن القيء مفَطِّر عند جمع من أهل العلم، حتى نقل ابن المنذر الإجماع على أن تَعَمُّد القيء يفطِّر الصائم. 

165- لكن جمع من أهل العلم لا يرون أنه مفطِّر، وإنما الفطر مما دخل لا مما خرج، وهذا ذَكَرَه الإمام البخاري معلِّقًا في صحيحه: ((الفطر مما دخل لا مما خرج))، والوضوء بالعكس، لكن هذا القول لم يُسَلَّم طردًا ولا عكسًا، فالدم خارج عند من يقول بالفطر بالحجامة، والقيء خارج عند من يقول بالفطر بتعمد القيء، وأكل لحم الجَزُور داخل عند من يقول بنقض الوضوء بأكل لحم الجزور. 

166- الحديث صححه بعض العلماء، والدارقطني يقول: "رواته كلُّهم ثقات"، والحاكم يقول: "صحيح على شرط الشيخين"، والبخاري يقول: "لا أُراه محفوظًا، وقد روي من غير وجه، ولا يصح إسناده، وأنكره أحمد"، لكن الحديث قابل للاحتجاج والتحسين. 

167- قوله: ((ومن استقاء فعليه القضاء))، أي: من طلب القيء واستدعى خروجه، وهذا أعمُّ من أن يستجيب له القيء فيخرج، أو لا يستجيب له فلا يخرج، فالنص يتناول ما إذا خرج القيء، وما إذا لم يخرج. 

168- قوله: ((من استقاء فعليه القضاء))، يعني: من طلب خروج القيء فخرج منه القيء، فإنه يفطر وعليه القضاء، وهذا هو ظاهر النص؛ لأن الفطر في هذا معلَّق بالقيء، بدليل قوله: ((من ذرعه القيء))؛ والمسألة كلُّها تدور على القيء، والقيء هو خروج الطعام من المعدة. 

169- ماذا لو استدعى خروج القيء فلم يخرج؟ الجواب: إن كان يعرف أن القيء مفطِّر، فقد نوى الإفطار، ويكون أفطر من هذه الحَيْثِيَّة، وهذا إذا كان ممن يرد على ذهنه أن من نوى الإفطار أفطر. 

170- إذا كان من أهل النظر، وتحرر عنده أن القيء لا يفطِّر، فإنه لا يدخل في أصل المسألة، والجاهل إذا سأل من تَبْرَأ الذِّمَّة بتقليده فهو بحسب ما يُفْتَى، إن أفتاه من يرى التفطير أفطر، وإن أفتاه من لا يرى التفطير لم يفطر. 

171- أثر النية بعد الفراغ من العبادة يختلف عن أثرها في أثناء العبادة، فمن نوى نقض الوضوء بعد الفراغ من الوضوء لا ينتقض وضوؤه، بخلاف من نوى نقضه في أثناء الوضوء، فإنه ينتقض؛ لأنه في أثناء العبادة يشترط استصحاب حُكم النية، وأما من استدعى القيء فلم يخرج، فقد نوى الفطر في أثناء العبادة، ومن نوى الإفطار أَفْطَر، إذا كان يعرف أن القيء مفطِّر. 

172- شخصٌ يعرف أن التبرع بالدم مفطِّر، ذهب إلى المستشفى؛ ليتبرع، ولما باشر الأسباب قيل له: اكْتَفَيْنا، مثل هذا نوى الإفطار؛ لأنه عازِمٌ بدليل بَذْلِهِ الأسباب للإفطار، وعند أهْلِ العِلْم أن من نوى الإفطار أفطر.  

173- لكن هل مِثْل هذا الترَدُّد والهمِّ والبذل الموقوف على قبولهم له "إن قبلوا وإلا رجعت" له أثر في الصيام؟ يقال: هذا على حسب غلبة الظن، إن كان يغلب على الظن أنهم يحتاجونه فمثل هذا مؤثر؛ لأن الأحكام تُبْنَى على غلبة الظن، وإن كان يغلب على الظن أنهم لا يحتاجونه فإنه لا يؤثر. 

174- مراتبُ القصد متفاوتة، فالعزم أقوى من مجرد الهمِّ، والهم أقوى من مجرد حديث النفس، وحديث النفس أقوى من الهاجس، والهاجس أقوى من الخاطر، والعزم فيه بذل للأسباب. 

175- حديث جابر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كُرَاع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء، فرفعه حتى نظر الناس إليه فشرب، ثم قيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة))، خرج عام الفتح لعشر خَلَوْنَ من رمضان. 

176- قوله: "فصام حتَّى بلغ كُراع الغميم"، يعني: صام من خروجه إلى أن بَلَغَ كراع الغميم، وهو وادٍ أمام عسفان، وفي بعض الروايات: "حتى بلغ عسفان"، وفي رواية: "حتى بلغ الكَديد"، وهي أماكن متقاربة يشملها عسفان، والبقية من أعماله، فلا اختلاف. 

177- كُراع الغميم على ثلاث مراحل من المدينة، وقطْع هذه المسافة يحتاج إلى أيَّام، فهل هذا اليوم الذي أفطر فيه لما بلغ كراع الغميم، بدأ في صيامه في المدينة أو بدأ صيام هذا اليوم في أثناء السفر؟ وإن قيل: إنه بدأ صيام هذا اليوم في أثناء السفر، فمِنْ باب أَوْلى أنه صام الأيام التي قبله، فما الفرق بين أن يبدأ الصيام في السفر أو يبدأَه في الحضر؟ من أهل العلم من يرى أنه إذا شهد أول اليوم في الحضر ليس له أن يفطر، ومنهم من يرى أنه إذا صام أول النهار في الحضر ثم تلبس بالسبب المبيح للفطر، له أن يفطر سواء بدأ الصيام في السفر أو في الحضر، فنحتاج مثل هذا التفصيل لمعرفة منشأ القَوْلَيْن.  

178- صام النبي - عليه الصلاة والسلام - في السفر، وصام الصحابة - رضي الله عنهم - في السفر بصُحْبَتِه - عليه الصلاة والسلام - وكان منهم الصائم، ومنهم المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا الصائم على المفطر، فالصوم في السفر صحيح.  

179- بعضهم أبْطَلَ الصيام في السفر، وقال: إنه لا يجزئ؛ لأن الله - تعالى - يقول: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، أي: يلزمه العدة، وإذا لزمته العدَّة لزمه البدل، ولا يجمع بين البدل والمبدل منه، لكن الجمهور يقدِّرون في الآية فيقولون: فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فأفطر، فعِدَّة من أيام أخر، أيْ: لا يجب عليه عدة إلا إذا أفطر، وهذا التقدير لابد منه بدلالة الأحاديث الصحيحة الصريحة. 

180- أَفْطَر النبي - عليه الصلاة والسلام - بِمَرأى الناس، فدَلَّ على جواز الفطر في أثناء النهار في رمضان إذا قام السبب المبيح للفطر. 

181- السفر مأخوذٌ من الإسفار وهو البروز والوضوح والظهور، ومنه السفور بالنسبة للمرأة التي تبرز شيئًا مما يجب تغطيته، فالسفر الأصل فيه البروز، فلا ينْطَبِق الوصف حتى يسفر ويخرج عن البلد ويبرز عنه ويتلبس بالوصف المبيح للفطر. 

182- قوله - تعالى -: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة))، وقوله: ((لَيْسَ من البر الصيام في السفر))، يَسْتَدل بذلك مَنْ لا يرى الصوم في السفر، لكن الجمهور الذين يرون الصوم في السفر - على خلاف بينهم في الأفضل، الصيامُ أو الفطر؟ - يقولون: إن النبي - عليه الصلاة والسلام - ثبت بالنص القطعي أنه صام في السفر وصام الصحابة معه، فلا بد من حمل قوله: ((أولئك العصاة))، وقوله: ((ليس من البر الصيام في السفر)) على حالة معيَّنة للتوفيق بين النصوص، فتُحْمل هذه النصوص على من شَقَّ عليه الصيام، ومن لا يَشقُّ عليه الصيام بحالٍ، الأفْضَلُ في حَقِّه أن يصوم؛ لعموم قوله - تعالى -: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]، ومن تلحقه مشقة مثل المشقة اللاحقة بالحاضر أو تزيد عنها قليلاً، يُخَيَّر بين الصيام والفطر، والفطر أفضَلُ إذا زادت المشقة، وإذا زادت المشقَّة بحيث يحصل معها حرج فـ ((أولئك العصاة))، و ((ليس من البر الصيام في السفر)). 

183- في لفظ: "إن الناس قد شقَّ عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر، فشرب"، بعض الناس يشق عليه الصيام، لكنَّه يكمل الصيام بحجة أن المدة الباقية على غروب الشمس يسيرة، فهل يُقال: إن المشقة اللاحقة له بالقضاء أشدُّ من المشقة اللاحقة له بهذه المدة اليسيرة، فيستمر صائمًا ولو شق عليه الصيام؟ لأن القضاء على بعض من لم يتعود على الصيام أشد من نقر الجبل، لكن لا شك أنه إذا شقَّ عليه الصيام أثناء السفر بحيث يتضرر بالصوم فلا شك أنه عاصٍ إذا استمر في صيامه؛ ولذا أفطر النبي - عليه الصلاة والسلام - وقال بالنسبة لمن شقَّ عليهم الصيام: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة)). 

184- من شرع في الصيام في الحضر ثم طرأ عليه السفر: كثيرٌ من أهل العلم يرَوْن أنه ليس له أن يفطر، وأجاز الإمام أحمد وجمع من أهل العلم أن يفطر؛ لأنه تلبس بالسفر والسبب قائم. 

185- حديث حمزة بن عمرو الأسلمي: يا رسول الله، إني أجد بي قُوَّة على الصيام في السفر، فهل عَلَيَّ جناح؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هي رخصة من الله، فمن أخَذَ بِها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه))، وفي رواية: "إني أسرد الصوم". 

186- قوله: ((هي رخصة من الله))، قال الله - تعالى -: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، والأصل أن من استطاع الصيام يلزمه الصيام؛ لقوله - تعالى -: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، ومن لم يشهد بأن كان مسافرًا جاءت الرخصة في حقِّه. 

187- قوله: ((هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه))؛ هذا النص يدل على أن الفطر أفضل من الصيام؛ لأنَّ كَوْنَ الشيء حسنًا أفضل من رفع الجناح عنه. 

188- حديث ابن عباس: "رُخِّص للشيخ الكبير أن يفطر، ويطعم عن كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليه"، منهم من يرى أن له حكمَ الرفع مطلقًا؛ لأن هذه الأحكام إنما تصدر عن المشرِّع، فهو يستند فيها إلى نصٍّ يدل عليها بخصوصها، وبعضهم يرى أنه يحتمل أن يكون ابن عباس فَهِمَ هذا الترخيص من قوله - جل وعلا -: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، ويؤيد فهْمَه القراءة الأخرى: (وعلى الذين يُطَوَّقونه)، يعني: يَتَكَلَّفون ويتَحَمَّلون مشقة شديدة بمباشرته. 

189- الصيام في أول الأمر كان على التخيير، ثُمَّ ارتفع التخيير، والمشهور عند الجمهور أن الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، منسوخة بقوله - جل وعلا -: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، وليست منسوخة على رأي ابن عبَّاس، بل بَقِيَ حكمها في الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام، له أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليه. 

190- الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام، هل يدخل في قوله - تعالى -: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]؛ كما يقول ابن عباس؟ الجمهور على أن الآية منسوخة، فارتفع التخيير وبقي الإلزام، ثُمَّ بعد ذلك بقي التكْليفُ لمن عقله ثابت، ومن عقله ثابت إمَّا مستطيع أو غير مستطيع، فغير المستطيع لا يقال: إنه يَسْقُط عنه الصيام كما يسقط عنه الحج؛ لأن الصيام في الأصل له بَدَل، فهو لا يستطيع الأصل لكنه يستطيع البدل؛ لأنه في أول الأمر كان التخيير بين الصيام والإطعام، ثم نسخ التخيير وبقي الإلزام في حقِّ المستطيع، وأنه ليس له أن يَعْدِل إلى البدل مع قدرته على الأصل، والذي لا يستطيع الأصل وهو مكلَّف، وعقْلُه ثابت يعود إلى البدل، فالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام يعود إلى البدل؛ لأنه يستطيعه، فيطعم مسكينًا عن كل يوم، ونظيره الذي لا يستطيع الحج بِبَدَنِهِ وعنده مال فإنه يُحَج عنه من ماله، وهذا منزع ابن عباس - رضي الله عنهما - وهذا من دقيق فقهه.

191- وعلى كلِّ حال ما يراه ابن عباس هو قول جماهير أهل العلم، فمن بقي التكليف بالنسبة له لكنه لا يستطيع الأَصْلَ؛ يعدل إلى البدل وهو الإطعام، ومنهم من قال: إنَّ الإطْعام منْسوخٌ ومرفوعٌ حكمه بالكلِّية، فلا يطالَب به أحد.  
والمرَجَّحُ في هذه المسألة ما قاله ابن عباس، وهو قول الجمهور.

192- حديث أبي هريرة: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هلكت يا رسول الله، قال: ((وما أهلكك؟))؛ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: ((هل تجد ما تعتق رقبة؟))؛ قال: لا، قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟))؛ قال: لا، قال: ((فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟))، قال: لا، ثم جلس، فأُتِي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرقٍ فيه تمر، فقال: ((تَصَدَّقْ بهذا))، فقال: أعلى أفْقَرَ منا؟ فما بين لابتيها أهل بيتٍ أحوج إليه منَّا، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتَّى بدت أنيابه، ثُمَّ قال: ((اذهب فأطعمه أهلك))؛ في بعض الروايات: جاء رَجُلٌ أعرابي، ومنهم من سمَّاه: سلمة بن صخر البَياضي، أو سلمان. 

193- هذا الرجل كان يَعْرِفُ الحكم قبل ذلك بدليل قوله: هَلَكْت، ولو كان لا يعرف أن هذا مُحرم أو أنه مفطِّر؛ فإنه يعذر بِجهله، ولا يلزمه شيء، لكن إذا كان يعرف أنه مُحرم، ولا يعرف الأثر المترتب عليه من الكفارة؛ فإنَّ فعْلَه ترتب آثاره عليه، فتلزمه الكفارة؛ لأنه ما دام عرف أنه مُحرم وجَبَ عليه أن يَكُفَّ، فهناك فَرْقٌ بين من لا يعرف الحكم أصلاً وبين من يعرفه ولا يعرف الأثر المترتب عليه. 

194- كفَّارة الجماع في نَهار رمضان على الترتيب كما في الحديث: عِتْقُ رقبة، صيام شهرين متتابعين، إطعام ستين مسكينًا. 

195- جاءت بلفظ التخيير (أو) عند مالك في الموطأ؛ ولذا جَنَحَ إلى أنها على التخيير، ولم يُشِرْ مالك في روايته الأولى التي اعتمد عليها في الموطأ - إلى أن هذا الذي أَفْطر عمدًا كان فِطْرُه بالجماع، وإنما ذكر أن أعرابيًا جاء إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال: أفطرت في رمضان؛ ولذا جعل الكفارة على كلِّ من أفطر عمدًا في رمضان، الأكل والشرب والجماع على حدٍّ سواء، والكَفَّارة على التخيير؛ لأنه خرَّجها بـ (أو)، لكن هنا في الحديث نصَّ على أنه وقع على امرأته. 

196- عند الجمهور أن الكفارة لا تلزم إلا من جامع في نهار رمضان، ولا تلزم من أفطر بالأكل أو الشرب عمدًا. 

197- الفقهاء يقولون: إن من جامع في نَهار رمضان عليه كفارة ظِهار، ولم يقولوا: إن عليه كفَّارة مجامع في نهار رمضان مع أنها ثابتة بالنص لا بالقياس؛ لأن مِثْلَ هذا النص في السنة قد يَخْفَى على كثير من الناس، بخلاف ما ثَبَتَ بالقرآن الذي يعرفه العام والخاص؛ كما قال عبادة: "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيعة النساء"، مع أن بَيْعَةَ الرجال كانت قبل بيعة النساء؛ لأن بيعة النساء مُسَطَّرة في القرآن بينما بيعة الرجال في السُّنة.  

198- قالوا: إنَّ عليه كفارة ظِهار، ولم يقولوا: إن عليه كفارة قَتْل؛ لأن كفارة القتل ليس فيها النصُّ على الإطعام، وإن قال به بعضهم بالإلحاق. 

199- الظِّهار فيه افتراق، فلا يجوز له أن يَمَسَّ امرأته حتَّى يكفِّر، وليس الأمر كذلك في مسألة الجماع في نهار رمضان. 

200- الرقبة في الحديث مُطلَقة، وهي كذلك في كفارة الظهار، وفي كفَّارة القَتْل مقيدة بكونها مؤمنة، فلا بد أن تكون الرقبة مؤمنة في كفَّارَتَيِ الظهار والجماع في نهار رمضان؛ حملاً للمطلق على المقيد؛ لأنه مع اتحاد الحكم يمكن أن يُحْمَل المطلق على المقيد، وإن اختلف السبب، والحكم هنا واحد وهو وجوب العتق، وأما إذا اخْتَلَف الحكم فلا يحمل المطلق على المقيد وإن اتحد السبب، وإذا اختلفا معًا لا يُحمل، وإذا اتحدَا معًا فالحمل متَّفَقٌ عليه. 

201- قوله: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟))، لو أفطر بينهما يومًا واحدًا لزمه الاستئناف من جديد، إلا إذا أفطر بعذر يُبِيحُ له الفطر في رمضان فلا ينقطع التتابع؛ لأن صيام رمضان آكد. 

202- قوله: ((فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟))؛ قال: لا، ثم جلس، وفي رواية: قال له: ((اجلس))؛ انتظارًا للفرج من وحْيٍ أو غيره. 

203- فأُتِيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعَرَقٍ فيه تمر، العَرَق: هو الزنبيل أو المكتل، فيه خَمْسَةَ عشرَ صاعًا؛ كما في حديث أبي هريرة، أو عشرون صاعًا كما في حديث عائشة. 

204- قوله: ((تصَدَّقْ بهذا))؛ إذا تَبَرَّعَ أحد بدفع الكفَّارة بِرِضَا مَنْ لزمته وبعلمه؛ فإنَّها تُجزئ، وأما مسألة التبرع بإخراج الزكاة، فقد جاء في حديث عمر أن ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس مَنَعُوا الزكاة، فجاء عمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر له ذلك، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((أمَّا خالد فقد احتبس أدْراعَه وعتاده في سبيل الله، وأما ابن جميل فما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرًا فأغناه الله، وأما العباس فهي عَلَيَّ ومثلها))، فهذا تحمُّل للزكاة، وإن قال بعض أهل العلم: إنَّه تَعَجَّلَ منه زكاة عامين.  

205- وهنا لولا أن مثل هذا تَدْخُلُه النِّيابة، ويتحمله غيره عنه - لَمَا قال: ((تصدَّقْ بهذا))، والفقير بين أمرين: إما أن تسقط عنه كما قال بعض أهل العلم، وإما أن تبقى دَيْنًا في ذِمَّتِه كما قاله الأكثر، وهو الأقيس كغيرها من الديون والواجبات. 

206- قوله: فما بين لابتَيْها أهلُ بيت أحوج إليه منا، وفي رواية: فوالله ما بين لابتيها، فأَقْسَم على غلبة ظَنِّه، ولم ينكر عليه النبي - عليه الصلاة والسلام - ولذا يجوِّز جمع من أهل العلم القسم على غَلَبَةِ الظن. 

207- قوله: ((اذهب فأطْعِمْه أهلك))؛ هل هذا الطعام هو الكفَّارة؟ وهل يصح أن يدْفَع الإنسان الكفَّارة لأهله؟ أو يقال: إن هذا الطَّعام كان إسعافًا لهذا البيت الذي لا يوجد في المدينة بيت أفْقَرُ منه، وتبقى الكفارة مسْكُوتًا عنها؟ ولذا يرى جمع من أهل العلم أن الكفارة تبقى دَيْنًا في ذمته ويدفعها متى أيْسر، ومنهم من يستدل بالحديث على أنه إذا كان مُعْسِرًا أثناء وقت الكفارة؛ فإنها تسقط عنه، والحديث محتمل، وكل منهم استدل بهذا الحديث، والأقيس والجاري على القواعد أنها تبقى دَيْنًا في ذمته كغيرها من الديون، إن أيسر في بقيَّة عمره دفعها، وإلا فالله - جل وعلا - يتولاها؛ ولذا أهل العلم يقولون في الحقوق الخمسة المتعلقة بالتركة: الأول: مؤونة التجهيز، والثاني: الديون المتعلِّقة بعين التركة كالديون بِرَهْن، والثالث: الديون المطلقة التي لا تتعلق بعين التركة كديون الآدميين والكفارات، والرابع: الوصايا، والخامس: الإرث، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((دين الله أحقُّ أن يُقْضَى))؛ يدل على أن هناك ما يثبت في ذمة المكلف من الدين لله - جل وعلا.  

208- بعض علماء الأندلس أفْتَى بعض الأمراء ممن وقع على أهله في رمضان بالصيام قبل العِتْق، وقال: لو أُفْتِيَ بالعتق لوقع على امرأته كل يوم؛ لسهولة العتق عليه، بخلاف صيام شهرين متتابعين، وهذه فتوى باطلة؛ لأنها مخالفة للنص. 

209- إطعام الستين مسكينًا فيه خلاف، هل يكفي مُدٌّ أو لا بد من نصف صاع؟ والأحْوَط أن يُجعَل نصف صاع من طعام. 

210- سواء أطعم الستين مجتمعين أو متفرقين، فالمقصود إخراج ثلاثين صاعًا أو خمسة عشر صاعًا، على الخلاف المعروف. 

211- ليس في الرواية التي ساقها المصنف ما يدُلُّ على أنه يقضي يومًا مكانه، لكن جاء من طرق تُثْبِتُ أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: ((صم يومًا مكانه، واستغفر الله))، ومنهم من يقول: ((إن الروايات أكثرها ليس فيه النَّصُّ على القضاء، فلا قضاء عليه، فالكفارة بمجموعها بدلٌ عن هذا الصيام الذي أُبطِل، وبهذا قال بعض العلماء، لكنَّ الرواية التي فيها الأمر بالقضاء صحيحة وثابتة، وهي القاعدة أن مَن أفطر فعدَّة من أيام أُخَر بما في ذلك الفطر بالجماع. 

212- لم يُتَعَرَّض لذكر المرأة في طرق الحديث، لكن النساء شقائق الرجال، فإذا حصل من المرأة شيء من المفطرات بطوعها واختيارها لزمها ما يلزم الرجل.  

213- الرجل مجامِع والمرأة مجامَعَة، والرجل مُحْصِن والمرأة مُحْصَنة، والإحصان تترتب عليه آثاره بالنسبة للرجل، والأمر كذلك بالنسبة للمرأة، وإن كان هذا اسم فاعل وذاك اسم مفعول، فكذلك المجامِع دَلَّت النصوص على أنه تلزمه الكفارة، والمجامَعة تلزمها الكفارة أيضًا، وهذا إذا كانت مطاوعة، وأما إذا كانت مكرهة، فالمكره لا تكليفَ عليه، لكن ليُعلَم القدر من الإكراه الذي يرتفع به التكليف. 

214- حديث عائشة وأم سلمة: إنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصبح جنبًا من جماع، ثم يغتسل ويصوم، يصوم صيامًا صحيحًا كاملاً، ولو لم يغتسل إلا بعد طلوع الصبح. 

215- جاءت امرأة أرسلها زوجها تسأل أم سلمة فأخبرتها: إن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يفعل ذلك، فقال الرجل: النبي - عليه الصلاة والسلام - غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يعني: له أن يفعل هذا، لكن لسنا مثله، فردها إلى أم سلمة مرة ثانية، فجاءت والنبي - عليه الصلاة والسلام - عندها، فقال: ((ألم تخبريها؟))، قالت: أخبرتها. 

216- قال أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام: كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة، فذكر أن أبا هريرة يقول: "من أصبح جنبًا أفطر ذلك اليوم"، فقال مروان: أقسمت عليك يا عبدالرحمن لتذهبن إلى أمِّ المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك، قال أبو بكر: فذهب عبدالرحمن، وذهبت معه حتَّى دخلنا على عائشة فسلمنا عليها، ثم قال عبدالرحمن: يا أمَّ المؤمنين، إنا كنا عند مروان، فذُكِرَ له أن أبا هريرة يقول: "من أصبح جنبًا أفطر ذلك اليوم"، فقالت عائشة: "ليس كما قال أبو هريرة، يا عبدالرحمن، أترغب عما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع؟"، قال: فقال عبدالرحمن: لا والله، قالت: "فأشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصبح جنبًا من غير احتلام، ثم يصوم ذلك اليوم"، قال: ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك، فقالت مثل ما قالت عائشة - رضي الله عنهما - قال: فخرجنا حتَّى جئنا مروان، فذكر له عبدالرحمن ما قالتا، فقال مروان: "أقسمت عليك يا أبا محمد، لتركبن دابتي فإنها بالباب، فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق، فلتخبرنه ذلك"، قال أبو بكر: فركب عبدالرحمن، وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة، فتحدث معه عبدالرحمن ساعة، ثم ذكر ذلك له، فقال أبو هريرة: "لا علم لي بذلك، إنَّما أخبرنيه مخبر، وهو الفضل بن العباس".  

217- منهم من يُثْبِت ما قاله أبو هريرة من أنَّ من أصبح جنبًا، فلا صيام له؛ نصًّا عن النبي - عليه الصلاة والسلام - لكنه منسوخ بهذا. 

218- على كل حال وُجِد الخلاف القديم من أبي هريرة ومَنْ يقول بقوله، ثُمَّ ارتفع الخلاف، فأجمع أهل العلم على أن من أصبح جنبًا من جماع أو احتلام؛ فإنه يغتسل ويصوم وصيامه صحيح.  

219- نَفْي الاحتلام في النص إنما هو تصريح بما هو مجرد توضيح؛ لأن قولهن: "من جماع"، يعني: أنَّه من غير احتلام، وأيضًا الجمهور على أن الاحتلام لا يَحْدُث من الأنبياء؛ لأنه من تلاعب الشيطان، ومنهم من أثْبَتَ الاحتلام على الأنبياء؛ لهذا النص؛ لأنه لو كان لا يحصل منهم لم يُحتَج إلى نفيه. 

220- السبب الموجب للغسل كان قبل طلوع الصبح، والاغتسال كان بعد طلوع الصبح. 

221- إذا طَهرَت المرأة من حيضها أو نفاسها قبل طلوع الصبح، ولم تتمكن من الاغتسال إلا بعد طلوع الصبح صيامها صحيح. 

222- انعقاد الإجماع بعد الخلاف فيه خلافٌ معروف. 

223- لا أثر للاحتلام على الصيام، ولو كان في أثناء الصيام. 

224- زاد في مسلم في حديث أمِّ سلمة: "ولا يقضي"؛ لأن صيامه صحيح. 

225- حديث عائشة: ((من مات وعليه صيام، صام عنه ولِيُّه))، النكرة في سياق الشرط تفيد العموم، سواء كان الصيام من رمضان أم كفارة أمْ نذر.  

226- قوله: ((عليه))، يدل على أن هذا الحكم خاص بالصيام اللازم والواجب. 

227- (مَنْ) من صيغ العموم، فكل من مات وعليه أي نوع من أنواع الصيام الواجب صام عنه ولِيُّه، وبهذا قال جمع من أهل العلم: إن من لزمه صيام ولم يتمكن منه، فإن وليه يقوم مقامه. 

228- ومنهم من يخص هذا الصيام الذي يقبل النيابة بصيام النذر فقط، لا ما وجب بأصل الشرع، فما وجب بأصل الشرع لا يقبل النيابة، فلا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد، لكن ما أوجبه الإنسان على نفسه فهو قدر زائد على ما أوجبه الشرع ومثله يقبل النيابة، وهذا هو المعروف عند الحنابلة، ويرجحه شيخ الإسلام وابن القيم، ويرون أنه هو الجاري على القواعد، ويؤيِّدُه ما جاء في بعض الروايات: ((من مات وعليه صيام نذر صام عنه وليه))، وهي في الصحيح، وحمل المطلق على المقيد في مثل هذا متعَيَّن؛ لأنه يتَّفِقُ معه في الحكم والسبب.  

229- بعضهم جعله من باب العموم والخصوص، فالصيام عام، وصيام النذر خاص، ولا أثرَ للخاصِّ؛ لأنه ذُكِر الحكم فيه بحكم مُوافق لحكم العام، فيكون منصوصًا عليه من باب الاهتمام به، وإن كان فردًا من أفراد العام الذي يشمله النص المذكور هنا. 

230- وعلى كل حال يقول شيخ الإسلام وابن القيم: "إن الجاري على قواعد الشرع أن العبادات البدنية الواجبة بأصل الشرع لا تقبل النيابة، بخلاف ما أوْجَبَه الإنسان على نفسه". 

231- الولي هو القريب، ومنهم من يخصه بالوارث، ومنهم من يخصه بالعاصب، ومنهم من يقول: إنه لو تبَرَّع الأعلى مع وجود الأدنى صح ذلك؛ لأن المقصود أن يصام عنه، والنصُّ على الولي؛ لأن الغالب أن الولِيَّ هو الذي يَحْرص على براءة ذِمَّةِ قريبِه. 

232- القول الثالث في هذه المسألة أن الصوم لا يقبل النيابة كالصلاة، وهو المعروف عند المالكية والحنفية، فمن مات وعليه صوم يُعدَل إلى البدل وهو الإطعام؛ لتعذر الأصل، لكن الحديث صحيح وصريح في أنه يصوم عنه ولِيُّه.  

233- إن قيدْناه بالنذر وهو الجاري على القواعد فهو متَّجه، وإلا فالأصل العموم، والرواية المقيَّدة فيها قوة. 
باب صوم التطوع وما نُهِي عن صومه 

234- ما عدا صيام رمضان وما يوجبه الإنسان على نفسه فهو تطوع؛ لحديث ضمامة بن ثعلبة الذي جاء يستفهم عن شرائع الإسلام، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرهم أن الله فَرَض عليهم صوم شهرٍ من كل عام، قال ضمامة: "فهل عَلَيَّ غيره؟"، قال: ((لا، إلا أن تَطَّوَّع)). 

235- يُكَمَّل بالتطوع ما نَقَصَ من الواجب؛ لحديث عرض الأعمال، الذي فيه أنه إذا وُجِد فيها نقص من الفرائض؛ قيل: ((انظروا، هل لعبدي من تطوع؟)). 

236- النفع المتعدي عند أهل العلم في الجملة أفضل من النفع المحدود، في الجملة وليس على الإطلاق؛ لأنَّ الصلاة وهي أعظم أركان الإسلام نفعها محدود، ومع ذلك هي أفضل من الزكاة، مع أن نفْعَ الزكاة متعدٍّ. 

237- حديث أبي قتادة: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن صوم يوم عرفة، قال: ((يكفِّر السَّنَة الماضية والباقية))، وسُئِل عن صيام يوم عاشوراء، قال: ((يكفِّر السنة الماضية))، وسُئِل عن صوم يوم الاثنين، قال: ((ذاك يوم وُلِدت فيه، وبُعِثت فيه، أو أُنزِل عَلَيَّ فيه))، صوم يوم عرفة أفضل من صوم يوم عاشوراء؛ لأنه يكفِّر سنتين. 

238- قوله عن صوم يوم عرفة: ((يكفِّر السنة الماضية والباقية))، منهم من يقول: إنه يُكفِّر ما حصل في السنة الماضية من الصغائر، ويُحَال بينه وبين الذنوب في السنة اللاحقة، أو يُوفَّق للتوبة إن حصل منه ذنوب، ولسنا بحاجة إلى مِثْل هذا ما دام التكفير للصغائر، وليس هناك ما يَمْنع من تكفير هذه الأعمال العظيمة للصغائر. 

239- استشكل بعض أهل العلم تكفيرَ الذنوب المستقبَلة، ولا إشكال؛ لأن الذنوب المكفَّرة بهذه الأعمال إنما هي الصغائر؛ لأنه جاء القيد: ((ما لم تُغشَ كبيرة))، و ((ما اجتُنِبت الكبائر))، و {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]. 

240- أيام العشر من ذي الحجة أفْضَلُ أيام العام على الإطلاق؛ لحديث ((ما من أيَّام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام))، يعني: الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجُلٌ خرج بنفسه وماله، ثُمَّ لم يرجع من ذلك بشيء))، وأمَّا بالنسبة لليالي فليالي العشر الأواخر من رمضان أفضَلُ من ليالي عشر ذي الحجة عند أهل العلم. 

241- صيام يوم عرفة منصوص عليه كما في هذا الحديث، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((ما من أيام العملُ الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام))، يعني: الأيام العشر، يشمل صيام الأيام الثمانية التي قبل يوم عرفة؛ لأنه ثبت أن الصيام عمل صالح، وأنه من أفضل الأعمال بالنصوص الصحيحة الصريحة، وعلى هذا يُسَنُّ صيام التسعة الأيام من شهر ذي الحجة.  

242- ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - فيما قاله الإمام أحمد: إنَّه كان يصوم عشْرةَ ذي الحجة، وفي صحيح مسلم من حديث عائشة: "إنه ما صام العشْرَ"، والنفي عندها على حدِّ علْمِها، والمثْبِت مقدَّم على النافي، وعلى فرض عدم صيامه؛ فإن الذي يخصنا بالنسبة للاقتداء به هو قوله - عليه الصلاة والسلام - وإذا ثبتت المقدمة وهي أن الصيام عمل صالح؛ ثَبَتَتْ النتيجة وهي أنَّ الصيام من أفضل الأعمال في هذه الأيام، وحَثَّ النبي - عليه الصلاة والسلام - على كثير من الأعمال ولم يفْعَلْها، ولا يعني هذا أننا نترك هذه الأعمال، بالإضافة إلى أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قد يترك العمل الفاضل؛ رحمةً بالأمة. 

243- نعم، مَن كانت حاله كحال النَّبِي - عليه الصلاة والسلام - بحيث يعوقه الصيام عن تصريف شؤون العامة الذي هو أهم؛ فإن الصيامَ يكون بالنسبة له مفضولاً. 

244- النبي - عليه الصلاة والسلام - يُنظَر إليه وإلى ما ثَبَتَ من فعله وقوله بعدَّة اعتبارات: يُنظَر إليه باعتباره الإمام الأعظم، فيقتدي به الإمامُ الأعظمُ وولاةُ الأمر من هذه الحيثية؛ ويُنظَر إليه باعتباره مفتيًا، فيقتدي به من يتولى إفتاء الناس من هذه الحيثية، ويُنظَر إليه باعتباره قاضيًا، فيجب أن يقتدي به من يتولى القضاء من هذه الحيثية؛ ويُنظَر إليه باعتباره إمامًا في الصلاة، فيقتدي به الأئمة من هذه الحيثية. 

245- جاء في البخاري: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لامرأةٍ من الأنصار: ((ما منعكِ أن تَحُجِّي معنا؟))؛ قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه، لزوجها وابنها، وترك ناضحًا ننضح عليه، قال: ((فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرةً في رمضان حجةٌ))؛ بعض أهل العلم يقول: إنَّ الأجر المرتَّب على العمرة في رمضان خاصٌّ بالمرأة، كما أشارت إليه رواية أبي داود التي جاء فيها: فكانت تقول‏:‏ "الحج حجة والعمرة عمرة"، وقد قال هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لي، فما أدري ألي خاصة؟ وعامة أهل العلم على أنه عامٌّ للجميع. 

246- قول من يقول: إن العمرة في رمضان تَعْدِلُ حجة، لكن ليس في كلِّ عام - لا وجه له. 

247- قوله عن يوم الاثنين: ((ذاك يوم وُلِدت فيه، وبُعِثت فيه، أو أُنزِل عليَّ فيه))؛ لا شكَّ أن ولادة النبي - عليه الصلاة والسلام - خيرٌ بالنسبة للناس كلهم؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - رحمة للعالمين، فولادته ولادة رحمة، لكن من تعظيمه والفرح بولادته اتباعه، فلا نحدث في دينه ما لم يشرعه، نعم نفرح بولادته، لكن لا نزيد على ما شرعه؛ لأن مُقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله أن لا يُعبد اللهُ إلا بما شرع. 

248- لكن يصام يوم الاثنين شكرًا لله - عز وجل - على أن وُجِدَت هذه الرحمة والنعمة، ولا نتعبد بغير ما ورد. 

249- سُئِل عن الاثنين مع الخميس، فقال: ((يومان تُرفَع فيهما الأعمال، فأحب أن يُرفَع عملي وأنا صائم))، وما جاء في يوم الاثنين أكثر. 

250- حديث أبي أيوب الأنصاري: ((من صام رمضان، ثم أَتْبَعَه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر))؛ الشرط: ((من صام رمضان))؛ فالذي لا يصوم رمضان لا ينفعه صيام الست، ومقتضى الشرط أنه لا بد من استكمال صيام رمضان قبل الست؛ لأنه قال: ((ثُمَّ أتْبَعَه))؛ يعني: بعد صيام رمضان كاملاً يُتبِعه ستًّا من شوال. 

251- على هذا لا بد من قضاء ما أفطره في رمضان، ثُمَّ بعد ذلك يُتبِعه الست. 

252- قد يقول قائل - وقد قيل -: القضاء وقته موَسَّع، وهذه الست وقتها مضيَّق، فله أن يتطوع في الوقت الموسَّع، كما أنه له أن يصلي ما شاء قبل الفريضة بعد دخول وقتها، لكن التنظير غير مطابق، فمن دخل عليه وقت صلاة الظهر وفي ذمته صلاة الفجر مثلاً، ليس له أن يتطوع قبل أن يصَلِّي الفجر. 

253- المسألة خلافيَّة بين أهل العلم، وأكثر ما يستند إليه المجوِّزون للتطوع قبل استكمال القضاء فعل عائشة - رضي الله عنها - وهو أنها يكون عليها الصوم من رمضان فلا تستطيع أن تقضيه إلا في شعبان؛ لمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، ويبعد أن تَسْمعُ النصوص الحاثَّة على صيام التطوع ثم لا تتطوع بالصيام، وهذا يقتضي أن تقدِّم التطوع على القضاء. 

254- لكن ظاهر الحديث على أنه لا يصح التطوع قبل أن تُؤدَّى الفريضة. 

255- قوله: ((ثم أَتْبَعه ستًّا من شوال))؛ الأصل أن يقول: ((ستةً))؛ لأن التمييز مذكرٌ، والنحاة صرحوا بأنه يجوز الوجهان إذا لم يُذكَر الوجهان. 

251- وقد صحّف الصوري قوله: ((ستًّا))، فقال: "شيئًا"، لكن الروايات الصحيحة الثابتة جاء فيها: ((ستًّا)). 

252- قال الجمهور بمقتضى هذا الحديث الصحيح الصريح، وهو أن صيام الست من شوال مستحب، وقال الإمام مالك: "إن صيامها ليس بمشروع"؛ لأنه نص في موطَّئٍه أنه لم ير أحدًا من أهل العلم والفضل يصومها، وما دام العمل على خلاف ذلك عند أهْلِ المدينة فلا يُشرَع صيامها، والعمل عندهم حجة، لكن إذا ثَبَتَ النص فلا كلام لأحد، فقول الإمام مالك - رحمه الله - مرجوح، ومع ذلك يبقى أنه إمام، وأنه نَجْمُ السنن، وأنه إمام دار الهجرة، وليس هذا من القَدْح فيه، لكن الحق أحب إلينا منه - رحمه الله. 

253- قوله: ((كان كصيام الدهر))؛ شهر رمضان عن عشرة أشهر، والست عن ستين يومًا؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فمن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال يكون كمن صام اثنا عشر شهرًا. 

254- جاء النهي عن صيام الدهر في قوله: ((لا صام من صام الأبد))؛ فصيام الدهر ليس بممدوح، وإن كان بعض أهل العلم قد استدل بحديث حمزة بن عمرو الأسلمي الذي جاء فيه: ((إني أسرد الصوم))؛ على جواز صيام الدهر باستثناء العيدين وأيام التَّشْريق. 

255- كيف يُشَبَّه الممدوح – صيام رمضان والست - بالمذموم - صيام الدهر؟ التشبيه يأتي في النصوص ولا يُرَاد به مطابقة المشبَّه بالمشبَّه به من كل وجه، كما شُبِّه إتيان الوحي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحيانًا بصلصلة الجرس، فالوحي محمود والجرس مذموم، لكن الشبه إنما هو من وجه دون وجه، فيُشبَّه به من الوجه الذي فيه المطابقة، وهو أنه صوت متدارك وقوي، لكن لا يُشبَّه به من الوجه المذموم وهو الإطْراب والطنين، وكذلك تشبيه رؤية الباري برؤية القمر ليلةَ البدر، إنما هو تشبيه من وجه دون وجه، ومثل ذلك تشبيه السجود على اليدين ببروك البعير. 

256- قال - عليه الصلاة والسلام -: ((الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة))؛ وجاء في المسند: ((إلى ألفي ألف ضعف))؛ وإن كان ضعيفًا إلا أن فضْلَ الله لا يُحَدُّ. 

257- حديث أبي سعيد الخدري: ((ما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفًا))؛ قوله؛ ((ما من عبد))؛ يشْمَل الذَّكر والأنثى، اللهم إلا إن قلنا: إن المراد بسبيل الله في الحديث الجهاد، والمرأة ليس عليها جهاد. 

258- إذا زادت المشقَّة زاد الأجر؛ لأن المشقَّة التابعة للعبادة يُرَتَّب عليها الأجر العظيم من الله - جل وعلا - وأما المشقة لذاتِها فليس فيها أجر، إلا إذا ثبتت تبعًا للعبادة. 

259- منهم من قال: إن المراد بقوله: ((في سبيل الله))، أي: في الجهاد، والظاهر من صنيع البخاري أن هذا هو الراجح عنده؛ لأنه أدْخَلَه في كتاب الجهاد، ومنهم من قال: إن المراد بقوله: ((في سبيل الله))؛ أي: خالصًا لوجه الله، وفضْلُ الله واسع. 

260- قوله: ((سبعين خريفًا))، أي: سبعين سنة؛ لأن الخريف فصل من الفصول الأربعة. 

261- الصوم في الجهاد مرغَّب فيه بهذا النص، وهو الظاهر منه، لكن إذا ترتب عليه الضعف أمام العدو فالفطر أفضل؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - أمَرَهم بالفطر، وذكَرَ لهم العلة: ((إنكم ملاقو العدو غدًا))؛ ويُكتَب له ما نواه وقَصَدَه - إن شاء الله تعالى. 

262- حديث عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتَّى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهرٍ قط إلا رمضان، وما رأيته في شهرٍ أكثر منه صيامًا في شعبان؛ يتسنَّى له أحيانًا أن يسرد الصيام، فيغتنم الأوقات التي يكون عليه العمل فيها أخف، وأحيانًا لا يتسنَّى له ذلك، وينشغل بالأمور العامة فيسرد الفطر. 

263- قولها: "وما رأيته في شهرٍ أكثَر منه صيامًا في شعبان"؛ مع أنه جاء النهي عن تقدُّم رمضان بيوم أو يومين، وجاء أيضًا: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا))، وسيأتي الكلام عليه، وجاء أيضًا: ((أفضل الصيام صيامُ شهر الله المحرم))، وهذا من الترغيب بالقول وبالفعل، فهو - عليه الصلاة والسلام - يرغِّب في صيام شهر الله المحرم بقوله، وثَبَتَ من فعله أنه كان يُكثِر من الصيام في شعبان. 

264- الصيام في شعبان يُسَنُّ الإكثار منه، وأيضًا الصيام في شهر الله المحرم والإكثار منه مطلوب. 

265- جاءت العلة في الإكثار من صيام شعبان في حديثٍ لا يسلم من مقال، وهو أنه شهرٌ يُغفَل عنه بين رجب ورمضان، واستغلال أوقات غفلة الناس مطلوب. 

266- منهم من يرى أن المفاضلة في قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((أفضل الصيام صيام شهر الله المحرم))؛ إنما هي بالنسبة للأشهر الحرم، وتفضيل الصيام في شعبان هو بالنسبة لغير الأشهر الحرم. 

267- حديث أبي ذر: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة"؛ الحديث جاء من طرق عديدة عن أبي ذر وأبي هريرة وغيرهما. 

268- الحثُّ على صيام ثلاثة أيَّام من كل شهر، وأنها كصيام الدهر: أوْصَى النبي - عليه الصلاة والسلام - أبا هريرة - رضي الله عنه - بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، قال أبو هريرة: "أوصاني خليلي بثلاث"؛ ومنها: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأوصى بذلك أبا ذرٍّ وأبا الدرداء - رضي الله عنهما - والمقصود أنها وصية النبي - عليه الصلاة والسلام. 

269- من صام ثلاثة أيام من كل شهر فكأنما صام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، ومن صام ثلاثة أيام فكأنما صام شهرًا كاملاً. 

270- هذا الحديث جاء فيه أن هذه الثلاثَةَ الأيَّامَ من كل شهر هي الأيام البيض، وهو حديث قابل للاحتجاج؛ لأنه حسن. 

271- إذا فرَّق هذه الأيام الثلاثة وجعلها في أيام الاثنين، حصل له أجر صيام يوم الاثنين وأجر صيام الثلاثةِ الأيامِ من كل شهر، وإذا فرَّقها وجعلها في أيام الخميس، حصل له أجر صيام يوم الخميس وأجر صيام الثلاثة الأيام من كلِّ شهر، وإذا صام الاثنين ثم الخميس ثم الاثنين، حصل له أجرُ صيام الاثنين والخميس وأجر صيام الثلاثة الأيام من كل شهر، وإذا صام الأيام البيض، حصل له أجر صيام الثلاثة الأيام من كل شهر، وامْتَثَل الأمرَ الوارد في هذا الحديث، وأكمَلُ من ذلك كله أن يصوم كل ما حُثَّ عليه، وأفضل من ذلك كله صيام داود - عليه السلام - يصوم يومًا ويفطر يومًا. 

272- حديث أبي هريرة: ((لا يحل لامرأةٍ أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه))، وزاد أبو داود: ((غير رمضان))؛ رمضان مُسْتثنى شرعًا، فليس للزوج أن يَمْنَعَ زوجته من صيامه، وليس للسيد أن يَمْنَع الرقيق من صيامه، وليس للوالد أن يمنع الولد من صيامه، وليس للأم أن تمنع الولد من صيامه. 

273- الأمور المفروضة في الشرع ليس لأحدٍ أن يتدخل فيها. 

274- في "صحيح البخاري" عن الحسن: صبِيٌّ أراد أن يصلي في المسجد فمنعته أمُّه؛ قال: ((ليس له أن يطيعها))؛ لكن إن خُشِي على الصبي من تأثير المنحرفين عليه في طريقه إلى المسجد مع عدم وجود الأب؛ فحينئذٍ يُرجَع إلى غلبة الظن ويوازن بين المصالح والمفاسد، وهذا بالنسبة لمن لا يتسَنَّى له أن يصطحب معه ولده إلى المسجد، وأما من تسنى له ذلك فإنه ليس له أن يمنع ابنَه من الصلاة في المسجد.  

275- إذا كان الزوج حاضرًا، وعلمت المرأة أنه لا يريدها في شيء - لا لحاجته الخاصة ولا لحاجة البيت – وأنه لا يكره ذلك فلها أن تصوم؛ لأن هذا إذن عمليٌّ من الزوج لها، لكن له أن يمنعها لعموم الحديث، يمنعها لمصلحته أو لمصلحتها، وإذا انتفت مصلحة الطرفين فإنْ منَعَها تَعَنَّت.  

276- حديث أبي سعيد الخدري: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر؛ صيام هذين اليومين حرامٌ بالإجماع، ولا يصح أيضًا، فلو صامه عن قضاءٍ مَا أَجْزأ، ولو نذر أن يصوم يوم العيد لم ينعقد النذر عند الجمهور؛ لأنه نذر معصية، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((من نَذَرَ أن يعصِيَ الله، فلا يعْصِه))؛ وعند الحنفية ينعقد لكن لا يجوز أن يصومه، بل يصوم يومًا مكانه. 

277- لو نذر صوم يوم العيد فهو كما لو نذر أن يصوم في الليل مثلاً؛ لأنه ليس بمحل للصيام، ولا يجوز أن يتعبد بصيامه. 

278- حديث نبيشة الهذلي: ((أيام التَّشْريق أيام أكلٍ وشرب وذكرٍ لله - عز وجل))؛ هذا خبرٌ يتضمن النهي، وعند أهل العلم أن النهي إذا جاء بصيغة الخبر كان أبلغ من النهي الصريح. 

279- الأصل في النهي التحريم، وقال جمع من أهل العلم: إن النَّهْيَ هنا للتحريم، وإن هذه الأيام ملحقةٌ بالعيد، فحكمها حكمه وإن لم تكن بمنزلته في قوة التحريم؛ لأنه خُفِّف في أمرها بالنسبة لمن لم يجد الهدي، وأما يوم العيد فلا يُصَام بحال، وما دخله الاستثناء أخف حكمًا مما لم يدخله الاستثناء. 

280- حديث عائشة وابن عمر: "لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْن إلا لمن لم يجد الهدي"؛ الذي لم يَجِدِ الهدي يلزمه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، والأصل أن يكون صيامُ الثلاثةِ الأيامِ في الحج قبل عرفة، على الخلاف في صوم يوم عرفة للحاج كما سيأتي، فيحرم قبل السادس من ذي الحجة؛ ليكون صيامه الثلاثة الأيام في الحج قبل عرفة، لكن جاء الترخيص لمن لم يَجِدِ الهدي في أن يصوم أيَّام التشريق. 

281- البخاخ إذا كان مجرد هواء فإنه لا يفطِّر، لكن إذا كان فيه مواد لها جرم تنساب إلى الجوف فهو مفطِّر. 

282- من قدم من سفر وهو مفطر يلزمه الإمساك، وكذا من أفْطَر بجماع. 

283- صيام الكفارة يكون بصيام شهرين متتابعين بالأهلة، سواء كان الشهر ثلاثين يومًا أو تسعةً وعشرين يومًا. 

284- حديث أبي هريرة: ((لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بَيْن الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بَيْن الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم))؛ ليلة الجمعة لا تُخَصُّ بقيام زائد عن غيرها من الليالي، ولا تُخَص بعبادة لم تُشرَع، ولا يدخل في ذلك من زاد في قيامها؛ لنشاطه لا لأنها ليلة جمعة. 

285- صلاة الرغائب جاء فيها خبر لا يثبت، فلا تُشرَع. 

286- يشرَع في هذه الليلة الصلاة على النبي - عليه الصلاة والسلام - كما يُشرَع ذلك في يوم الجمعة، ويُشرَع في يومها قراءة سورة الكهف، وما ورد في ليلتها فيه ضعف. 

287- قوله: ((ولا تَخْتَصُّوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام))؛ جاء في حديث أم المؤمنين جُوَيْرية بنت الحارث - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وهي صائمة يوم الجمعة، فقال: ((أصمتِ أمْسِ؟))؛ قالت: لا، قال: ((تريدين أن تصومي غدًا؟))؛ قالت: لا، قال: ((فأفطري)). 

288- قوله: ((إلاَّ أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم))؛ فمن كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ووافق صومه يوم جمعة فلا بأس. 

289- حديث أم المؤمنين جويرية نصٌّ في أن يوم الجمعة لا يُخَص بصيام، لكن إذا صام يومًا قبله أو يومًا بعده فلا بأس؛ لعدم تخصيصه. 

290- تدُلُّ النصوص على أن ساعة الاستجابة يوم الجمعة تكون من دخول الإمام إلى أن تُقْضَى الصلاة، وجاء ما يدل على أنها آخر ساعة في يوم الجمعة.  

291- الفائدة من النَّصِّ على أن في يوم الجمعة ساعة استجابة - هي التَّعَرُّض لهذه الساعة وتحري الدعاء فيها.  

292- جاء في الحديث: ((لا يُوافِقُها عبْدٌ مسلم قائم يُصلِّي))؛ الحديث، قوله: ((قائم يصلي))؛ هل المراد به الصلاة فعلاً أو انتظار الصلاة؟ الجواب: المراد به انتظار الصلاة، سواء قلنا: إن ساعة الاستجابة من دخول الإمام إلى أن تُقْضَى الصلاة، أو قلنا: إنها آخر ساعة في يوم الجمعة، وإلاَّ لو قلنا: إن المراد به الصلاة حقيقةً، فالقيام في الصلاة ليس موضعًا للدعاء؛ ولذا من يرجِّح أن ساعة الاستجابة هي آخر ساعة في يوم الجمعة قيل له: إن آخر ساعة ليس وقتًا للصلاة، قال: إن الذي ينتظر الصلاة في صلاة، وهذا الكلام صحيح، ويؤيده أن القيام في الصلاة ليس موضعَ دعاء، إلا إذا كان المراد بالقيام مجرَّد الصلاة بما في ذلك السجود وما بعد التشهد، لكن يُشَمُّ من الحديث أن المراد به من ينتظر الصلاة، وبهذا أجاب الصحابة. 

293- انتظار الصلاة يكون في المسجد لا في غيره؛ لأن معنى كونه ينتظر الصلاة أنه في مكانها، ومن كان في بيته أو في متْجَره لا يسمى منتظرًا للصلاة؛ لأن بعض الناس يستشكل تخصيص بعض الناس الجلوس في المسجد عصْرَ الجمعة، لكن نقول: ما دام أنه ينتظر الصلاة وينتظر ساعة الاستجابة، فهو في صلاة ومتعرض للنفحات الإلهية بدعائه الله - جل وعلا - في هذه الساعة، فلا إشكال في الجلوس عصر الجمعة في المسجد؛ لأنه ينتظر الصلاة، فهو في صلاة، وهذا هو وقت ساعة الاستجابة. 

294- بعض الناس يتَحَرَّى أن تكون ختمة القرآن في ساعة الاستجابة، وجاء أن عند ختم القرآن دعوةً مستجابة، فيريد أن يجتمع هذا مع هذا؛ ليكون أرجى للإجابة، الجواب: تخصيص وقت معين لخَتْم القرآن لا دليلَ عليه، وليس من عمل السَّلَف، لكن هو من لازم النصِّ؛ لأن النص: ((اقرأ القرآن في سبع))؛ وعدد أيام الأسبوع سبعة، فإذا بدأ يوم السبت سيختم يوم الجمعة، ولا يُلام الإنسان إذا خَتَمَ يوم الجمعة أن يقصد أن تكون ختمته في آخر ساعة من يوم الجمعة أو مع دخول الإمام، وهو كمن قَصَدَ أن تكون ختمته في آخر الليل لا في أوله.  

295- بعض الناس يقصد أن يكون عنده درس في يوم الجمعة، الجواب: جاء النهي عن التحلُّق يوم الجمعة، لكن المقصود بالنهي: المبادرة إلى صلاة الجمعة وعدم التضييق على من بادر إلى صلاة الجمعة، وهذا هو المنصوص عليه في كتب أهل العلم، وهو الذي أطبق عليه الشراح كلهم، فالنهي يحمل على ما قبل صلاة الجمعة، ولا يشمل ما بعد صلاة الجمعة، وكثير من أهل العلم لهم دروسٌ لا سِيَّما بعد صلاة الجمعة، وكان تفسير شيخ الإسلام بعد صلاة الجمعة في المسجد. 

296- حديث أبي هريرة: ((لا يصومَنَّ أحدُكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يومًا قبله، أو يومًا بعده))؛ يشهد له حديث أم المؤمنين جُوَيْرِية، وقوله - عليه الصلاة والسلام - لها: ((فأفطري))؛ يدل على وجوب الفِطْر إذا لم يُصَمْ يومٌ قبله، ولم يرد الصيام بعده. 

297- إذا لم يكن من عادة الإنسان أن يوتِر في سائر الليالي، فلا ينبغي له أن يَخُصَّ ليلة الجمعة بوتر، مع أن الوتْر شأنه عظيم، وهو سنة مؤكدة، وقال بعْضُ أهل العلم بوجوبه، ولم يتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفرًا ولا حضرًا، وأمر به فقال: ((أوتروا يا أهل القرآن)). 

298- حديث أبي هريرة: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا))؛ يعني: بعد الخامس عشر من شعبان. 

299- هذا الحديث صححه جَمْع من أهل العلم، وقال الإمام أحمد ويحيى بن معين: "حديثٌ منكر". 

300- ثَبَتَ النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، ومفهومه أن التقدم بثلاثة أيام لا بأس به؛ ولذا استنكر بعض العلماء هذا الحديث، وبعضهم صححه وحمله على من يصوم النصف الثاني من شعبان، ولا يصوم في النصف الأول؛ احتياطًا لرمضان، ويَرِدُ فيه ما يرد من النهي عن الاحتياط لرمضان بيوم أو يومَيْن، فقد تقدَّم أن النبي - عليه الصلاة والسلام - أكثر ما يصوم من الأشهر في شعبان. 

301- الإمام أحمد ويحيى بن معين وجمع من أهل العلم نصُّوا على أن الحديث منكر؛ لأنه من رواية العلاء بن عبدالرحمن، وهو صدوقٌ ربما وَهِم، وإن كان من رجال مسلم، فمثل هذا لا يُحتَمل تفرده، وهو أحد نوعي المنكر؛ لأن المنكر يطلق على المخالفة مع ضعف الراوي، ويطلق على تَفَرُّد الراوي الذي لا يُحتَمل تفرده. 

302- من أهل العلم من يرى أنه إذا انتصف الشهر، حَرُمَ الصيام؛ عملاً بهذا الحديث، وقد صححه جمع من المتأخرين. 

303- من كانت عادته صيام ثلاثة أيام من كل شهر، عليه أن يَحْرِصَ على أن تكون في النصف الأول؛ ليتقي هذا النهي فيما لو ثَبَتَ، وهو في الحقيقة قابل للثُّبوت، وتحسينه له وجه؛ لأن ضعفه ليس بشديد. 

304- وعلى كلِّ حال ليتقي صيام النصف الثاني من شعبان قدر الإمكان، وكأن النهي إنما هو من أجل أن لا يوصَلَ الصيام برمضان، وحديث: ((لا تَقَدَّمُوا رمضان بصوم يوم ولا يومين))؛ أثبت من هذا الحديث. 

305- حديث الصماء بنت بسر: ((لا تصوموا يومَ السبت إلا فيما افتُرِض عليكم، فإن لم يَجِد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة فليمضغها))؛ ظاهر النهي، يتناول ما إذا أُفرِد بالصيام وما إذا ضُمَّ إليه يومٌ آخر، وهو بهذا معارَض بحديث جُوَيْرية، وفيه أنه قال لها لما صامت الجمعة: ((أتصومين غدًا))، أي: السبت، وهذا دليل على جواز صيامه، لكن مع الجمعة. 

306- قوله: ((فإنْ لم يَجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة؛ فليمضغها))؛ هذا من باب تأكيد الفطر. 

307- رجال هذا الحديث كلهم ثقات. 

308- قوله: ((إلا أنَّه مضطرب))؛ الحديث المضطرب هو الذي يُرْوَى على أوجه مختلفة متساوية، فالحديث رُوِي مرةً عن الصماء، وروي مرةً عن عبدالله بن بسر عن أخته الصماء، ومرةً روي عن عبدالله بن بسر بدون ذِكْرِ أخته، ومرةً ترويه الصماء عن عائشة عن النبي - عليه الصلاة والسلام - ومرة ترويه مباشرة عن النبي - عليه الصلاة والسلام - مع أن الصيغة التي معنا: "عن الصماء بنت بسر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال"؛ مُحْتَمَلَة، وعلى كل حال لو قُدِّر أنه عن عائشة عن النبي - عليه الصلاة والسلام - فإنَّه يكون مرسلَ صَحابِيٍّ، وهو مقبول عند عامة أهل العلم.  

309- هذه العلة ليست بمؤثرة، فيمكن الترجيح بين الأوجه، ويمكن احتمال الأوجه، بحيث تكون متفقة لا مختلفة، مرة يُروى كذا ومرة يُروى كذا، ولا تَقْدَحُ بعض الروايات في بعض. 

310- قوله: "وقد أنكره مالك"؛ قال أبو داود في السنن: "قال مالك: هذا كذب". 

311- قوله: "وقال أبو داود: هو منسوخ"؛ أي: بحديث جويرية، فقوله لها: ((أتَصومين غدًا))؛ دلَّ على جواز صيام يوم السبت. 

312- حديث أم سلمة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد، وكان يقول: ((إنهما يوما عيدٍ للمشركين، وأنا أريد أن أخالِفَهم))؛ في سنده راويان مجهولان، فهو ضعيف. 

313- حديث أبي هريرة: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة"؛ هذا الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده مهدي الهَجَري وهو ضعيف. 

314- ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه دعا يوم عرفة بإناء، فشرب وهو على دابته والناس ينظرون، فهل فطره في يوم عرفة يقاوم الحثَّ على صيام يوم عرفة، فنكتفي بفعله فنفطر في يوم عرفة بعرفة، أو يقال: إنه كالصيام في السفر؛ حيث أفطر - عليه الصلاة والسلام - لما بلغ الكَديد، ولا أحد يمنع من الصيام في السفر؟ الجواب: أهلُ العلم يقولون: إنَّه لا يصامُ يوم عرفة بعرفة؛ ليتَقَوَّى على الذكْرِ، وإذا كانت هذه هي العلة فالحكم يزول بزوالها، لكن يبقى أن النبي - عليه الصلاة والسلام - أفطر وهو القدوة، وبعض أهل العلم يؤثِّم من يصوم يوم عرفة بعرفة؛ ولعله استنادًا إلى هذا الحديث مع فطره - عليه الصلاة والسلام - وفعله - عليه الصلاة والسلام - هو الأكمل، وما اختاره الله لنبيه - عليه الصلاة والسلام - هو الأفضل. 

315- حديث عبدالله بن عمرو: ((لا صام من صام الأبد))؛ يَحْتَمِلُ أنه دعاء عليه وزجْرٌ له على صنيعه؛ فيكون المعنى: لا مَكَّنَهُ الله من الصيام، ويحتمل أنه خبر فيكون المعنى: أن هذا لم يصم الصيام الشرْعِيَّ، وإن أمْسَكَ عن الطعام والشراب. 

316- لمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ: ((لا صام ولا أفطر))، وعند الترمذي: ((لا صام ولا أفْطَر، أو لم يصم ولم يُفْطر))؛ والمعنى: إنه ليس بالذي صام الصيام الذي يُرجَى ثوابُه، وليس بالذي أفْطَر مع النَّاس، واسْتَمْتع بما أنعم الله عليه به. 

317- يقول ابن العربي: "إن كان دعاء، فيا ويح من دعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان خبرًا فيا ويح من أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم". 

318- وصيام الدهر مذموم على الوجهين. 

319- منهم من يَحْمِلُ هذه النصوص على من يصوم الدهر صيامًا حقيقيًّا، ولم يستثن الأيام التي نُصَّ على تحريم صيامها كالعيدين والتشريق، ولا يتناول النهْيُ من صام بقيَّة الأيام مما لم يُنَص على تحريم صيامها، بدليل أن سَرْدَ الصوم لا إشكال فيه، فالنبي - عليه الصلاة والسلام - كان يصوم حتَّى يقال: لا يفطر، وكان يفطر حتى يقال: لا يصوم، وجاء في حديث حمزة بن عمرو الأسلمي: "إني أسرد الصوم". 

320- وعلى كل حال، النبِيُّ - عليه الصلاة والسلام - ثَبَتَ عنه أنه كان يصوم ويفْطِر، وفي الحديث: ((فمن رغب عن سنتي فليس مني))، فمن صام الأيَّام كلَّها باستنثاء العيدين والتشريق؛ فقد رَغِبَ عن سُنَّة النبي - عليه الصلاة والسلام - ومجَرَّد الرغبة في الخير لا تكفي ما لم يكن هناك اتِّباع. 

321- ظاهر الأخبار يدُلُّ على تحريم صيام الدهر كما قال طائفة من أهل العلم. 

322- وإذا كان الإنسان يبحث عن الأجر؛ فإنَّ أفضَلَ الصيام صيامُ داود - عليه السلام - كان يصوم يومًا ويفطر يومًا. 
باب الاعتكاف وقيام رمضان 

323- الاعتكاف يُخَصَّص للعبادات الخاصة من الصلاة والصيام والذكر والتلاوة والدعاء، ولا يُسْتَحَبُّ في الاعتكاف أن ينشغل الإنسان بما يُشغِل قلْبَه من النفْع المتعدي. 

324- قيام رمضان يكون بالصلاة، وفي حُكْمها الذِّكر والتلاوة، كل ذلك يشملُه اسم القيام. 

325- حديث أبي هريرة: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غُفِر له ما تقدم من ذنبه))؛ (ما) من صيغ العموم، و (ذنبه) مفرد مضاف فيعم، لكن الجمهور على أن الكَبَائرَ لا بُدَّ لها من توبة. 

326- ظاهر الحديث أن هذا الوعد يتحقق بقيام جميع رمضان، لا بقيام ليلة أو ليالي من رمضان؛ لأنه قال: ((من قام رمضان))، ورمضان يشمل جميعَ الشهر، ولم يقل: من قام في رمضان، أو من قام ليلةً من رمضان. 

327- من قام رمضان مع الإمام أو منفردًا؛ صَحَّ عنه أنه قام رمضان. 

328- سَبَق الكلام على صلاة التراويح، وعلى قول عمر - رضي الله عنه -: "نعمت البدعة هذه"؛ في مهمات شروح أبواب كتاب الصلاة، فلتُرَاجع. 

329- الشارح بتأثيرٍ من البيئةِ التي عاشَ فيها لَمَزَ عمر - رضي الله عنه - فقال: "وأمَّا صلاة التراويح، فقد ابتدعها عمر"؛ وقال في موضع آخر: "والبدعة قبيحة، ولو كانت من عمر"؛ وهذا كلام في غاية السوء في حقِّ أمير المؤمنين الخليفة الراشد. 

330- من أدلَّة تأثير البيئة على الشارح هو أنه لا يوجد في كلامه في الشرح - التَّرَضِّي على معاوية - رضي الله عنه - عند ذكره، ومثل هذا التَّأَثُّر قبيحٌ من رجلٍ يهْتَمُّ بسنة النبي - عليه الصلاة والسلام. 

331- حديث عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دَخَلَ العشرُ - أيْ: العَشْر الأخيرة من رمضان - شدَّ مِئْزَرَه، وأحْيا لَيْلَه، وأَيْقَظَ أهْلَهُ، دخولُ العَشْر يكون بغروب شمْس يوم العشرين، فيوم العشرين ليس من العشر، بل العشر تبدأ بليلة الحادي والعشرين. 

332- قولها: "شدَّ مئزره"؛ أيْ: تأهَّب للتشمير في العبادة، واعتزل النساء، وطوى الفراش. 

333- قوْلُها: "وأحيا ليله"؛ مفهومه أنَّه لا ينام ليالي العشر، وجاء في الحديث الصحيح أن النبي - عليه الصلاة والسلام - لم يُحفَظ عنه أنه أحيا ليلةً كاملةً إلى الصبح، لكن قولها: "أحيا ليله"؛ خاصٌّ بالعشر. 

334- كان - عليه الصلاة والسلام - يخلط العشرين الأُوَل بصلاةٍ ونوم. 

335- قولها: "وأيقظ أهله"؛ يدُلُّ على أنه لا يُلزِم مَنْ تَحْتَ يدِه أن يقوموا الليل كلَّه، ولا يحملهم على ما يحمل عليه نفسه، بل يتركُ لهم الفرصة ليناموا ثم يوقظهم. 

336- أفضلُ ليالي السَّنة الليالي العشْرُ الأخيرة من رمضان، وهي مشتملة على ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، كما أن أفضل أيَّام السنة أيام عشر ذي الحجة، وهي مشتملة على يوم عرفة ويومِ العيد يومِ الحج الأكبَرْ. 

337- حديث عائشة: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعْتَكِفُ العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، ثُم اعتكف أزواجه من بعده"، اعتكف العشر الأُوَل، ثُم اعتكف العشر الوسطى، ثم استَقَرَّ اعتكافه في العشر الأواخر، ومرةً قطع اعتكافه وقضاه في عشر شوال؛ لأنه إذا عمل عملاً أثبته. 

338- الاعتكاف سُنَّة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. 

339- أقلُّ ما ينطبق عليه اسم الاعتكاف ما يشْمَلُه المسمَّى اللغوي، وهو اللزوم والمُكْث، وأما مُجرد الدخول إلى المسجد والمكث اليسير، فإنه لا يسمى اعتكافًا لا لغةً ولا شرعًا. 

340- التحديد الشرعي للاعتكاف جاء بعشر ليالٍ، لكن طول المُكث يسمَّى اعتكافًا لغةً، واعتكاف ليلة يسمَّى اعتكافًا، وقد نذر عمر - رضي الله عنه - أن يعتكف ليلة وأقره النبي - عليه الصلاة والسلام - وقال: ((أوفِ بِنَذْرِك))، فدَلَّ على أن اعتكاف ليلة مما يتقرب به، فهو داخل في مسمَّى الاعتكاف. 

341- قولها: "حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده"؛ يدلُّ على أن الاعتكاف بقِيَ إلى وفاته - عليه الصلاة والسلام - واعتكف أزواجه من بعده فليس بمنسوخ، بل هو حكمٌ مُحْكم. 

342- حديث عائشة: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يعتكف صلَّى الفجر ثُم دخل معتكفه"؛ العشر الأواخر تبدأ من غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين. 

343- قولها: "صلَّى الفجْرَ، ثُمَّ دخل معتكفه"؛ إِنْ كانت صلاة فجر اليوم الحادي والعشرين، فإن ليلة الحادي والعشرين لم تدخُلْ في الاعتكاف، وإن كانت صلاة فجر اليوم العشرين، فإن ليلة الحادي والعشرين تدخل، ويكون نهارُ يوم العشرين قدْرًا زائدًا على العشر. 

344- العلماء يقولون: إنه يدخل قَبْل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين؛ لأنها ليلة تُرْجَى فيها ليلة القدر، وجاء فيها الحديث الصحيح أنه - عليه الصلاة والسلام - رأى أنه يَسْجُدُ في صبيحتها على ماء وطين، فإذا قلنا: إنه يدخل معتكفه من صبح إحدى وعشرين فمعناه أنه لم يعتكف قبل ذلك، لكن أهل العلم يقولون: إنه يدخل المسجد للاعتكاف ليلة إحدى وعشرين قبل غروب الشمس، ويدخل للمعتكف وهو المكان المخَصَّص للاعتكاف داخل المسجد إذا صلَّى الصبح؛ لينقطع فيه عن الناس. 

345- النبِيُّ - عليه الصلاة والسلام - اتَّخذ مكانًا مُخَصَّصًا للاعتكاف، فلما صلَّى الفجر دخَلَه، وإذا أراد أن يصَلِّي خرج إلى الناس وصلى بهم، ثُم دخل المعتكف. 

346- العَشْر تبدأ بغروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، وتنتهي بغروب الشمس ليلة العيد. 

347- بعض الفقهاء يسْتَحْسن أن يبيت ليلة العيد في المسجد، ويخرج من المسجد إلى المصلَّى بثيابه التي اعتكف فيها، لكن ليلة العيد ليست داخلة في العشر قطعًا. 

348- جاء في إحياء ليلة العيد حديث ضعيف: ((من أحيا ليلتي العيدين، أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب))؛ فالفقهاء يستحبون المُكث في المسجد من أجْل هذا الحديث. 

349- حديث عائشة: "إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَيُدْخِل عليَّ رأْسَه وهو في المسجد فأُرَجِّلُهُ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، إذا كان معتكفًا"؛ يدخل رأسَه عليها في بيْتِها. 

350- خروج بعض البدن من المسجد لا يؤثر في الاعتكاف، لكن ليس معنى هذا أن الإنسان يجعل رأسَه الأوقات الطويلة خارج المسجد ينظر في الغادي والرائح، بل هذا كان من النبي - عليه الصلاة والسلام - لحاجة؛ لأنها تُرَجِّلُهُ وهي حائض لا تدخل المسجد. 

351- قولها: "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة"؛ أي: لِمَا لا بُدَّ له منه، كقضاء الحاجة والوضوء والأكل والشرب إذا مُنِع من دخوله إلى المسجد، وما عدا ذلك يَخِلُّ بالاعتكاف. 

352- الأصْلُ جواز الأكل والشرب والنوم في المسجد. 

353- يقولون إن ما يتساقط من الشعر أو من الظفر ينبغي أن يُصان عنه المسجد؛ ولذا كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يخرج رأسه من المسجد، ويدخله في حجرتها؛ لكي ترجِّلَه. 

354- على المرأة أن تَخْدِمَ زوجها فيما تَعارفَ عليه الناس، وينبغي عليه أن لا يكلِّفَها أكثر مما تعارف عليه الناس، ولا يُكلِّفُها ما لا تطيق. 

355- حديث عائشة: "السنة على المعتكف أن لا يعودَ مريضًا، ولا يشْهَدُ جِنازَة، ولا يَمَسُّ امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة، إلا لما لا بُدَّ له منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجدٍ جامع"؛ قول الصحابي: (السُّنَّة)، أو (من السنة) له حُكم الرفع. 

356- قولها: "أن لا يعودَ مريضًا"؛ لأن معنى الاعتكاف لزوم المسجد، والخروجُ منه لعيادة المريض خرْقٌ لهذا اللزوم، ومثله: "ولا يشهد جِنازة". 

357- تَخْصيصُ هذه الأيام للعبادات الخاصة وللخلوة المفيدة للقلب - فائدةٌ عُظْمَى إذا كانت على وجه شرعي. 

358- قولها: "ولا يَمَسُّ امرأة ولا يباشرها"؛ قال - تعالى -: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]. 

359- قولها: "ولا اعتكاف إلا بصوم"؛ النبي - عليه الصلاة والسلام - لم يثبت عنه أنه اعتكف إلا وهو صائم، وثبت في الحديث الصحيح أن عمر - رضي الله عنه - نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية، فقال له النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((أوْفِ بنَذْرك))، والليل ليس محلاًّ للصوم؛ ولذا يختلف أهْلُ العلم في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف. 

360- لكن قولها: "ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجدٍ جامع"؛ هو الذي أشار المؤلف إلى أنه موقوف على عائشة، وما قبله مرفوع، وإذا كان من قولها فهو اجتهاد منها يعارضه حديث عمر - رضي الله عنه. 

361- الأوْلَى والأكمل والأحوط أن يكون الاعتكاف مقرونًا بالصيام. 

362- قولها: "ولا اعتكاف إلا في مسجدٍ جامع"؛ هذا من كلام عائشة؛ لئلا يلزم عليه أن يخرج من معتكفه في المسجد لأداء الجمعة. 

363- أما المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة؛ بحيث يَحتاج إلى أن يَخْرج من مُعْتكفه خَمْسَ مرات في اليوم، فهذا لا يصح فيه الاعتكاف، وأمَّا المسجد الذي تقام فيه الجماعة دون الجمعة؛ فإنه يصح فيه الاعتكاف؛ لأن الخروج مرة في الأسبوع لا يؤثر. 

364- حديث ابن عباس: ((ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه))؛ يعني: ينذر أن يعْتَكِف صائمًا أو يصوم في اعتكافه. 

365- حديث ابن عباس الراجح وقْفُه، ورَفْعُه إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - ضعيفٌ. 

366- أصح ما في الباب وجودًا صيامُ النبي - عليه الصلاة والسلام - أثناء اعتكافه، وعدمًا حديثُ عمر أنه نذَرَ أن يعتكف ليلة، وأما حديثُ عائشة وحديث ابن عباس فلا تقوم بهما حُجَّة. 

367- سميت ليلة القدر بذلك؛ لِعِظَمِ قدْرُها وشَرَفُها عند الله - جل وعلا - أو لما يُقَدَّر فيها من أرزاق وآجال وأعمال، وهي خيْرٌ من ألف شهر ليس فيها ليلة قدر. 

368- على الإنسان أن يَحْرص ويجتهد على أن يصيبَ ليلة القدر، ولا يلزم أن ينظر في الأقوال ويرجح بينها بحيث تكون عنده ليلة معيَّنَة يتَعَمَّدُ قيامَها ويترك ما عداها؛ لأن هذا يبعثه على الزهد في طاعة الله - جل وعلا. 

369- لو ثبت تعْيين ليلة القدر عند أحدٍ من الناس برؤيا؛ فإنه لا ينبغي أن يشيع ذلك؛ لأن إخفاءها له حِكَم عظيمة، والرسول - عليه الصلاة والسلام - المؤَيَّد بالوحي أراد أن يخبرهم بعيْن هذه الليلة فتَلاحَى فلان وفلان فرُفِعَت، ورفْعُها من مصلحة العباد؛ ليجتهدوا في جميع رمضان لا سيما في العشر الأواخر. 

370- الذين يتبادلون رسائل الجوال في تَعْيِين ليلة القدر يُعارِضون الحكمة من إخفائها، ويعينون بعض النفوس الضعيفة على الكسل. 

371- من قام ليالي العشر أصاب ليلة القدر بيقين، لكن يحتاج أن يقومها إيمانًا واحتسابًا. 

372- حديث ابن عمر: إن رجالاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرِّيها فليتحرَّها في السبع الأواخر))، أي: أُرُوا ما يدلُّ على ليلة القدر، وقد تكون رؤياهم أنهم رَأَوا شخصًا يقول لهم: إن ليلة القدر في الليلة الفلانية، أو ما بين ليلة كذا إلى ليلة كذا، فكأنهم قيل لهم في المنام: إنَّها في السبع الأواخر، أو يكون أحدُهم رآها ليلة أربع وعشرين، وآخر رآها ليلة خمسٍ وعشرين وآخر رآها ليلة ستٍّ وعشرين، وهكذا في السبع الأواخر كلها، فتوافقوا على القدر المشترك الذي يشمل الجميع وهو كونها في السبع الأواخر. 

373- ولا يَمنع أن تكون رؤياهم قد تواطأت على ليلةٍ بعَيْنها، والنبي - عليه الصلاة والسلام - أراد أنْ يعمِّمَ في السبع؛ حرصًا على أن تضرب أمته بسهامٍ من سهام الخير؛ لأن التحديد ليس من المستحيل من المؤَيَّد بالوحي. 

374- قوله: ((فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر))؛ يستوي في ذلك الأشفاع والأوتار، إلا أنه جاء في الأوتار ما يرجحها. 

375- الليلة الأولى من السبع الأواخر يحتمل أن تكون ليلة الثالث والعشرين، ويحتمل أن تكون ليلة الرابع والعشرين، والمرجح عند أهل البصرة كأنس بن مالك والحسن البصري وسائر أئمة البصرة - أنَّها ليلة الرابع والعشرين. 

376- يختلف أهل العلم في عِظَم أجر العبادة مع الاستثقال، فهناك من يقول: إن من يُقبل على العبادة وهي ثقيلة عليه له أجران: أجرُ مجاهدة النفس وأجرُ أداء العبادة، لكنَّ المقطوعَ به أن من يأتي بالعبادة مُنشرحَ النفس، مقبلاً عليها، مرتاحًا بها فهو أفضل؛ لأنه تعدَّى مرحلة المجاهدة، والنبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: ((أرِحْنا بالصلاة يا بلال))، ولسان حال الواحد منا: "أرحنا منها". 

377- ليلة الحادي والعشرين جاء فيها النَّصُّ المتفق عليه: ((رأيت كأني أسجد صبيحتها في ماء وطين))، فسجد صبح اليوم الحادي والعشرين على ماء وطين؛ لأنه نزل المطر ووَكَفَ المسجد. 

378- ليلة الحادي والعشرين فيها نصٌّ، وليلة السابع والعشرين فيها نص، والسبع الأواخر فيها نصٌّ، والأوتار فيها نص؛ مجيء النصوص بهذه الطريقة التي فيها شيء من الإشكال على بعض طلاب العلم، لا شكَّ أنه مَقْصِد شرعي، وعدم بيان الراجح بيقين أيضًا هدف شرعيٌّ؛ لأن هذا كله يدل على إخفائها، وإخفاؤها كان لكي يعمرَ المسلم وقتًا طويلاً بعبادة الله - جل وعلا. 

379- ولذا يرجِّح جمع من أهل العلم أنها ليست في ليلة معينة في كلِّ سنة، ويقولون: إنها تنْتَقل، وهذا هو المرجح، وهو الذي تدلُّ عليه النصوص. 

380- لا يمنع أن تكون ليلة القدر في ليلة الرابع والعشرين إذا كان الشهر كاملاً. 

381- الرؤيا لا يُبْنَى عليها حكم شرعي؛ لأن الأحكام الشرعية استقَرَّت بنصوص الكتاب والسنة، فليس لأحد أن يبنِيَ حُكمًا على رؤيا، وليس له أن يُصَحِّح أو يرجح في مسألة شرعية؛ بناءً على رؤيا، وليس له أن يصحح حديثًا أو يضعفه؛ بناءً على رؤيا، وليس له أن يمنع الناس من عمل مباح؛ بناءً على رؤيا، وليس له أن يسهِّل لهم في عمل مُحرم؛ بناءً على رؤيا. 

382- مثل هذه الرؤيا ورؤيا الأذان إنما اكتسبت الشرعية من إقرار النبي - عليه الصلاة والسلام. 

383- حديث معاوية: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في ليلة القدر: ((ليلة سبع وعشرين))؛ ليلة سبع وعشرين ليلة راجحة عند كثير من أهل العلم وجمْعٍ من الصحابة، وفيها مثل هذا الخبر، لكن المرجح وقفه على معاوية - رضي الله عنه. 

384- اختلف في تعْيِينها على ستة وأربعين قولاً، ذَكَرَها الحافظ في "فتح الباري"، والمسألة تحتمل أكثر، لكن هناك أقوال يمكن إدخالها مع غيرها، وهناك أمور ليست بأقوال كالقول بأنها رؤيا، وقد عدَّه الحافظ من الأقوال. 

385- حديث عائشة: يا رسول الله، أرأيتَ إنْ علمتُ: أيُّ ليلة ليلةُ القدر، ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنَّك عَفُوٌّ تحب العَفْوَ فاعف عني))؛ قولها: "إن علمت: أيُّ ليلة ليلةُ القدر))؛ يدُلُّ على أن ليلة القدر تُعلَم، وأن لها علامات، منها أنها ليلة طلْقة بلْجة، فيها سكون، وفيها ارتياح، وفيها نور، وذكروا أن الكلابَ لا تنبح تلك الليلة، وذكروا أمورًا غير ذلك، لكن من أصَحِّها كونُ الشمس تطلع صبيحتها بدون شعاع، لكن لا يُستدَل عليها بطلوع الشمس الاستدلالَ الذي يَحثُّ على العمل فيها؛ لأنها تكون حينئذ قد انتهت. 

386- إن لم يعتكف المسلم فلْيتقلل من مخالطة الناس بقدر الإمكان؛ لأن مخالطة الناس تؤثِّر على القلب، وجُلُّ المخالطة الآن ضرَرُها أكثر من نفعها، اللهم إلا إذا كانت مع مَنْ أمر الله بصبر النفس معه، فهذا هو الذي يعين على ما ينفع. 

387- قولها: "إن علمت: أيُّ ليلةٍ ليلةُ القدر"، أيْ: بالعلامات، أو قيل لها: إن هذه الليلةَ ليلةُ القدر. 

388- بعضهم يرى أنه يلزم العلم بليلة القدر؛ لحصول الثواب المرتب على قيامها إيمانًا واحتسابًا، وأن الذي لا يحس بها لا يدركها، وقد وقع في حديث عند مسلم عن أبي هريرة: ((من يقم ليلة القدر فيوافقها))، أيْ: فيصيبها، لكن ليس من لازم موافقتها أن يكون على علم بها. 

389- حديث أبي سعيد الخدري: ((لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))؛ من لازم السفر شد الرحل، فإذا اقتضى هذا السفر شدَّ الرحل مُنِع السفر من أجل التعبد لله - جل وعلا - في بقعة معينة سوى ما استثني في الحديث، فليس لك أن تقول: "أنا أذهب إلى البقعة الفلانية؛ لأتعَبَّد فيها؛ لأنها أفضل" سوى المساجد الثلاثة. 

390- إذا كان هذا في المساجد، فمن باب أَوْلَى أن يُمنَع شدُّ الرحال إلى القبور وغيرها من البقاع، وهذه مسألة كبرى، أنْكَرَها شيخ الإسلام على بعض علماء عصره، ورُدَّ عليه وامتُحِن بسببها. 

391- الذي يفضِّل البقاع هو الذي خلقها، قال الله - جل وعلا -: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68]. 

392- حُكْم من سافر إلى بلد من البلدان؛ لأن فيه إمامًا قراءته مؤثِّرة، أو لأن فيه قومًا صالحين يعينونه على الخير، أو ليشهد جِنازة عالم من العلماء أو قريب أو صديق، ولم يسافر قاصدًا التعبد في تلك البقعة - هو كمن شدَّ الرَّحْل لصلة الرحم أو لزيارة قريب. 

393- أدخل الحافظ هذا الحديث في هذا الباب؛ لأنه قد وَرَد ما يدلُّ على أن الاعتكاف لا يصحُّ إلا في هذه المساجد الثلاثة، جاء هذا عن حذيفة، لكن ابن مسعود ردَّ عليه، وقد قال الله - تعالى -: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، وقوله: {المساجد} يَشْمَل مساجِدَ الأرض كلها مما تُقَام فيه الجماعة؛ ولذا المرجح أن الاعتكاف في أيِّ مسجد تُقَام فيه الجماعة صحيح. 

394- جاء أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وأن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، وجاء في المسجد الأقصى ما يدلُّ على أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة، فهذه المساجد لا شك أن لها مَزِيَّة. 

395- التفضيل والتضعيف بالنسبة للمسجد الحرام شامل للحَرَم كلِّه، ولا يَختص بالمسجد، وهو قول الجمهور، والأدلة على هذا كثيرة، ومنها قوله - جل وعلا -: {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 217]، وهم أُخرِجوا من مكة. 

396- قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((ومسجدي هذا))؛ يدلُّ على أن التضعيف خاصٌّ بالمسجد، والمسجد الأقصى مثله. 

397- على قول الجمهور بأن المضاعفة في الحرم كلِّه؛ فإنها تشمل صلوات النساء في بُيُوتهن، وتشمل كذلك نوافل الرجال في بيوتهم؛ لأن النوافل في البيوت أفضل. 

398- قال - عليه الصلاة والسلام -: ((أفضلُ صلاة المَرْءِ في بيته، إلا المكتوبة))؛ على هذا صلاةُ المَرْءِ النافلةَ في بيته أفضلُ من صلاته في المسجد النبوي، والمضاعفة خاصة بالمسجد، وهذا جَعَل بعض أهل العلم يقول: إن المضاعفة في الفرائض دون النوافل، ومثل هذا بالنسبة للمرأة التي جاء أن بيْتَها خيرٌ لها. 

399- إذا كان الدم المستخرج للتحليل أثناء الصيام شيئًا يسيرًا، فلا أثَرَ له على الصيام. 

400- الحديث: ((من صلَّى الفَجْر في جماعة، فهو في ذِمَّة الله حتَّى يُمسي))؛ ليس معناه أن من صلى الفجر في جماعة لا يموت، قال الله - تعالى -: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49]. 

401- المال الخبيث يُتَخَلَّص منه، وجاء في الحديث: ((كَسْب الحجَّام خبيث))؛ وفيه ((أطعمه ناضحك))، فيُصرَف في المصارف التي لا يُتَقَرب فيها إلى الله - جل وعلا - لأن الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيبًا، فيُصرَف في دورات المياه، وفي الطرق، وفي شيء لا تكون القربة فيه ظاهرة.

تم الشروع في تقييد فوائد هذا الشرح المبارك عشيَّة يوم الخميس السادس والعشرين من رجب، عام ثمانيةٍ وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية المباركة، وتم الفراغُ من تقييد فوائده ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من شعبان من العام نفسه، وكان ذلك قربَ "برلين" في مدينة من مدن الكُفَّار الحقيرة يقال لها: "دريسدن".




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مفسدات الصيام المعاصرة التي تعم بها البلوى
  • (المياه) من بلوغ المرام
  • (إزالة النجاسة وبيانها) من بلوغ المرام
  • ملخص أحكام الصيام من تمام المنة
  • ( التعزير وحكم الصائل ) من بلوغ المرام
  • ( كتاب القضاء ) من بلوغ المرام
  • شرح متن الدرر البهية: كتاب الصيام
  • مجالس شرح كتاب الطب من صحيح البخاري (1)

مختارات من الشبكة

  • من آداب الصيام: صيام ستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صيام التطوع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أحكام متفرقة في الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • أجوبة مختصرة حول أحكام صيام التطوع(مقالة - ملفات خاصة)
  • أحكام صيام التطوع(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام الأحد والاثنين والخميس والجمعة(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام السبت(مقالة - ملفات خاصة)
  • من صيام التطوع: صيام أيام البيض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل صيام الست من شوال: صيام الدهر كله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صيام الجوارح صيام لا ينتهي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب