• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / ملف الحج / خطب الحج
علامة باركود

تأملات في الحج (10) ماذا بعد الحج؟! (خطبة)

تأملات في الحج (10) ماذا بعد الحج؟! (خطبة)
خميس النقيب

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/7/2023 ميلادي - 21/12/1444 هجري

الزيارات: 31116

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تأملات في الحج (10)

ماذا بعد الحج؟!

 

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يُولَد، ولم يكن له كفوًا أحد، الحمد لله لا تطيب الدنيا إلا بذكر الله، ولا تطيب الحياة إلا بشكر الله، ولا تطيب الآخرة إلا برؤياه.

 

الحمد لله الذي وفَّق حُجَّاج بيته الحرام، فلبِسوا ملابس الاحرام، ورأوا الكعبة فبدؤوها بالتحية والسلام، واستلموا الحَجَرَ، وطافوا بالبيت، وصلُّوا عند المقام، اهتدَوا بنور القرآن، وفرِحوا بهَدْيِ الإسلام، الحمد لله أن وقف الحجيج في صعيد عرفات، وتضرعوا في الصفا والمروة بخالص الدعوات، لك الحمد ربنا غفرت لهم الذنوب، وتحمَّلت عنهم التَّبِعات، ورَمَوا وحلَقوا، وتحلَّلوا ونحروا، فتمَّت بذلك حِجَّة الإسلام، فالحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

 

الحمد لله الذي جعل الأعياد في الإسلام مصدرًا للهناء والسرور، الحمد لله الذي تفضَّل في هذه الأيام العشر على كل عبدٍ شكور، سبحانه غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو، إليه المصير.

 

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدالله ورسوله، اعتزَّ بالله فأعزه، وانتصر بالله فنصره، وتوكَّل على الله فكَفَاه، وتواضع لله فشرح له صدره، ووضع عنه وِزْرَه، ويسَّر له أمره، ورفع له ذِكره، وذلَّل له رقاب عدوِّه، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليك يا رسول الله، وعلى أهلك وصحبك، ومن تبعك بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فيا عباد الله: إن لكل شيء إذا ما تمَّ نقصان، ولكل خير إذا ما عم إنسان، ولكل وقت إذا ما مضى حُسْبان، ولكل توفيق إذا تحقق رحيم رحمنٌ، ولكل طاعة إذا ما انقَضَتْ حكمةٌ وبيان، كيف؟

 

بعد الحج أخلاقٌ والأخلاق أرزاق:

أيها المسلمون: الحج ركيزة من ركائز الإسلام، وعمود من أعمدة الشريعة، وركن من أركان الدين، والدين المعاملة، والمعاملة في الإسلام بالأخلاق الحسنة، كيف؟ وهكذا تُستقَى الأخلاق من أركان الإسلام، وتسمو المعاملات بهذه الأخلاق، كيف؟

 

في الصلاة: قال ربُّنا مبينًا الحكمةَ العليا من الصلاة: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

 

فمن لم تصرِفْه صلاته عن الفحشاء والمنكر، ومن لم تُبْعِدْه صلاته عن الغَواية والضلال، فلا صلاةَ له.

 

إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والفحشاء والمنكر هما جِماع الأقوال البذيئة، والأفعال السيئة، وهما لا يظهران إلا في التعامل مع الناس في المجتمع.

 

ويقول ربنا في الحديث القدسي: ((إنما أتقبَّل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، وقطع النهار في ذكري، ولم يَبِتْ مصرًّا على معصيتي، ورحِم الأرملةَ والمسكينَ وابنَ السبيل)).

 

وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 19 - 23]؛ أي: إن المداومة على الصلاة تعالج أمراضًا كثيرة؛ منها: الهلَع، والجزَع، ومنع الخير.

 

في الزكاة: فضلًا عن أنها طُعمة للفقير والمسكين، فإنها أيضًا تطهير النفوس من الشح والإمساك، وتطهير القلوب من الطمع والجشع، وتطهير للألسن من الكذب والنفاق، وتطهير للمجتمع من الحقد والغل والحسد، كيف؟ ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103].

 

الصوم: شهر رمضان هو جامعة الأخلاق؛ فهو شهر الصبر والبر، شهر الإخلاص والكرم، وشهر الصلة والرحمة، وشهر الحِلْمِ والصفح، وشهر المراقبة والتقوى، وكل هذه أخلاق يغرسها الصوم في نفوس الصائمين، وهي تصب كلها في التقوى؛ قال ربنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

 

في الحج: تجد أسمى المعاني الأخلاقية التي يغرسها القرآن في نفوس الحُجَّاج والمعتمرين؛ من خلال قوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].

 

والحج يجرِّد الحاج من ذنوبه، فيعود صفحة بيضاءَ كيوم مولده؛ عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((من حجَّ هذا البيت، فلم يرفُثْ، ولم يفسُقْ، رجع كيوم ولدته أمه))؛ [متفق عليه].

 

والحج يُذِيب الفقر، ويفتح للحاج أبوابَ الرزق والسَّعَةِ والغِنى، كيف؟ عن عامر بن ربيعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإن متابعةً بينهما تنفي الفقر والذنوب، كما ينفي الكِيرُ خَبَثَ الحديد))؛ [المصدر: جامع المسانيد والسنن، إسناده حسن].

 

بعد الحج زهد في الدنيا:

عباد الله: يعود الحاج زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة، كيف؟ سُئِل الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما الحج المبرور؟ قال: "أن تعود زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة"، وقال بعض السلف: "إن من ثواب الحسنة، الحسنةَ بعدها"، فما أجمل أن يعود الحاج بعد الحج إلى أهله ووطنه، وقد ازداد إيمانه، واستقام حاله، وحسُن خُلُقه، وكَمَل وقاره، ورَسَخ يقينه، وزاد وَرَعُه، وتعمَّق تقواه! فإن الحج بكل مناسكه يعرِّفك بالله تعالى، ويذكِّرك بحقوقه سبحانه، وبخصائص ألوهيته جل في علاه، وأنه لا يستحق العبادة سواه؛ وفي الأثر: (إذا عرَفْتُمُ الله حقَّ معرفته، لَزالت بدعائكم الجبال).

 

فمن يعُدْ بعد الحج بهذه الصفات الجميلة، والخِلال الجليلة، فهو حقًّا من استفاد من الحج وأسراره، ودروسه وآثاره، وإلا فأين أثرُ الحج فيمن عاد بعد حجِّه مضيِّعًا للصلاة، مانعًا للزكاة، آكلًا للربا، عاملًا بالرُّشا، عاقًّا لوالديه، قاطعًا للأرحام، والغًا في الموبقات والآثام؟ فمن امتنع عن محظورات الإحرام أثناء حج بيت الله الحرام، يعلم أن هناك محظوراتٍ على الدوام، اليوم وغدًا وطول الأعوام، فليحذر إتيانها؛ قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].

 

والمؤمن ليس له منتهى من صالح العمل إلا حلول الأجل؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].

 

بعد الحج رصيد من الأجر:

إخوة الإسلام: إن الحج رصيد للحاج إلى يوم اللقاء، فالحج ليس نفقاتٍ ضائعةً بلا عائد، كلا، فإنه ذُخْرٌ باقٍ، وغنيمة مُدَّخرة، وقُرْبَةٌ في صحيفة الأعمال يَلقَى بها الحاج ربه يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، وصدق الله: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96].

 

بعد الحج عيد المسلمين الأكبر: أيها المسلمون: إن الأعياد في الإسلام طاعة تأتي بعد الطاعة؛ فعيد الفطر ارتبط بشهر رمضانَ الذي أُنزِل فيه القرآن، وفيه الصوم الذي يُذكِّر بهَدْيِ القرآن، موسم يُختَم بالشكر والتكبير؛ ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

 

وعيد الأضحى ارتبط بفريضة الحج، موسم يُختَم بالذكر والتكبير؛ ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203].

 

إنها ذكريات تتجدد عبر الزمان والمكان، وتحياها الأجيال جيلًا بعد جيل، فتتعمق إيمانًا، وتتألق يقينًا، وتزداد صفاءً ولمعانًا.

 

بعد الحج تواضع بلا افتخار:

عباد الله: إن التجرد من الثياب المعتادة عند الإحرام فيه تذكرة بالآخرة؛ حيث المساواة بين الغني والفقير، والقوي والضعيف، والرئيس والمرؤوس، الحاكم والمحكوم، كلهم خاشعون متساوون أمام رب العالمين، وذاك درس يجب على الحاج التواضع عند التعامل مع من هم أقل درجة ومع البسطاء.

 

والافتخار فقط بالإسلام: عندما يتفاخر الناس بالأنساب، ويتنابزوا بالألقاب، ويتذاكروا بالأحساب، فإن الله عز وجل يوجِّههم إلى غير ذلك، وهذا ما حدث في أعقاب فريضة الحج، عندما فرغ الناس من أعمال الحج، تفاخروا بأنسابهم وألقابهم، هذا يقول: أنا ابن فلان، وهذا يقول: أنا من قبيلة فلان، وهذا يقول: عشيرتي فلان، وهذا ما يمقته الدين، ويُبغِضه الإيمان، يجب أن يتفاخر الناس بإسلامهم، ويتذاكروا بعقيدتهم، رحِم الله من قال:

أبي الإسلام لا أب لي سواه
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ

وصدق الله العظيم: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].

 

بعد الحج ذكر وشكر:

أيها المسلمون:

انقضى الحج وبقِيَ الذكر، ذكر الله وما والاه، ذكره على الدوام، وشكره على نعمة الإسلام؛ فالعبد الذاكر لربه، المسبِّح بحمده، المتوجِّه إليه، المتوكل عليه - يكون عند ربه مذكورًا، ويكون سعيه مشكورًا، ويكون عمله مبرورًا، وكلما زاد في ذكره، زاد الله في أجره، وشدَّ من أزْرِهِ، وكان إليه بكل خير أسرع، كيف؟ قال الله تعالى: ((إذا تقرَّب إليَّ العبد شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إليَّ ذراعًا، تقربت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا، أتيته هرولةً))؛ [تخريج السيوطي: عن أنس، تحقيق الألباني: ذكر في صحيح الجامع].

 

ولذلك قال الله تعالى في أعقاب الحج: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ [البقرة: 198 - 200].

 

دَعُوكم من هذه المفاخرات، اتركوا هذه المنابذات، تجنَّبوا هذه المناوشات، وعودوا إلى ربكم؛ فاذكروه واعبدوه، وادعوه وترسموا طريقه من جديد، ولا تحيدوا عنه؛ ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200].

 

من السبعة الذين يظلهم الله عز وجل يوم القيامة، يوم لا ظِلَّ إلا ظله: ((رجل ذكر الله في خلاء، ففاضت عيناه...))؛ [قال الشيخ الألباني: صحيح].

 

المسلم يجب أن يكون دائمَ الذكر لله، ليس ساعة دون ساعة، أو يومًا دون يوم، أو أسبوعًا دون أسبوع، أو شهرًا دون شهر، أو عامًا دون عام، كلا؛ وإنما يقول الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 41]، يجب أن يجعل المسلم لسانه دائمًا رطبًا بذكر الله: ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله))؛ [حديث ذُكِر في صحيح الجامع].

 

بعد الحج الحفاظ على العبادات، فهي ذكر، كيف؟

أخي المسلم: يجب أن تكون ذاكرًا لربك في كل أحوالك؛ في غناك وفقرك، في قوتك وضعفك، في صحتك ومرضك، في يسرك وعسرك، في سفرك ومقامك، في حَلِّك وتَرْحَالك، في حركاتك وسكناتك، حاكمًا أو محكومًا، رئيسًا أو مرؤوسًا، يجب أن تكون ذاكرًا لربك، شاكرًا لأنْعُمِهِ؛ ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 191]، يجب أن تكون دائمَ الذكر لله عز وجل، لماذا؟

 

ذكر الله عز وجل من أجله صلَّينا، ومن أجله صُمْنا، ومن أجله حَجَجْنا، ومن أجله تصدَّقنا، ومن أجله أُرْسِلَتِ الرسل، ومن أجله أُنْزِلَتِ الكتب، كيف؟

 

في الصلاة: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].

 

في الزكاة: أجر وفير، وفضل كبير، وخير كثير؛ ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].

 

والصدقة تطيب النفس وتزكِّيها، كيف؟ عن عائشة أم المؤمنين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما عمِل ابن آدم من عَمَلٍ يوم النحر أحب إلى الله من إهراقة دم، وإنه لَيأتي يوم القيامة في دمه بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم يقع من الله بمكانٍ قبل أن يقع بالأرض، فطِيبوا بها نفسًا)).

 

وفي الأثر: (الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، والله طيب لا يقبل إلا طيبًا)).

 

في الصيام: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، لماذا يا رب؟ ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

 

في الحج: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203].

 

نعم، ما فُرِضت العبادات إلا لذكر الله، وما أُنزِلتِ الكتب إلا لذكر الله؛ ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]؛ أمر يسير يسَّره الله لمن أخلص وفَهِم فقه التعامل مع كلمات الله، وآيات الله، وكتاب الله.

 

﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الفتح: 8، 9].

 

بل إن الذين يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يكونوا أشدَّ الناس ذكرًا لربهم، وشكرًا لأنْعُمِهِ، كيف؟ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، من هو الذي يذكر الله؟ هو الذي يخاف عذابه، هو الذي يرجو رحمته، يُكْثِر من ذكره، ويؤدي شكره.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرني ربي بتسع: خشية الله في السر والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغِنى، وأن أصِلَ مَن قطعني، وأعطي من حرمني، وأعفو عمن ظلمني، وأن يكون صمتي فكرًا، ونطقي ذكرًا، ونظري عِبرة، وآمر بالعرف؛ وقيل: بالمعروف))؛ [مشكاة المصابيح].

 

الصبر بعد الحج:

إخوة الإسلام:

الحج مدرسة لترويض النفس على الصبر؛ صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على الكرب، وصبر على الفقد، وصبر على كظم الغيظ وتحمُّل المشاقِّ في السفر وقيام الليل والمرض، وتحمُّل أذى الناس بسبب الزحام، وكافة المتاعب التي يلقاها الحاج من أول الرحلة إلى حين عودته، وهو يقابل ذلك كله بالقول الحسن؛ قهرًا للشيطان: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].

 

بعد الحج أخذ بالأسباب:

عباد الله:

السعي بين الصفا والمروة درسٌ نتعلم منه ضرورةَ بذلِ الجَهد لقضاء الحاجة، مع حسن التوكل على الله، مع إخلاص النية وعدم اليأس، مع اليقين بأن الخير يكون دائمًا فيما اختاره الله وعلى وَفق مشيئته؛ ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3]، كما فعلت السيدة هاجر أم إسماعيل على نبينا وعليه السلام، عندما احتاجت إلى الماء، فتركت رضيعها، وقامت تسعى بين الصفا والمروة، مشيًا وهرولة؛ سبعة أشواط، وبذلت في ذلك كل جهد، حتى خارت قواها، ولم ينبع الماء من الصفا ولا من المروة، بل من مكان آخر، وبضربة من الْمَلَكِ جبريلَ، والله يرزق من يشاء بغير حساب.

 

بعد الحج عصيان الشيطان:

أيها المسلمون:

في رمي الجمرات الثلاث درس بليغ، وتذكير بوساوس الشيطان، وعداوته للإنسان، فهو لا ييأس في اتباع كل وسائل الإغراء والوسوسة لإيقاع الإنسان في المعصية؛ ﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16، 17]، وقد حاول اللعين إغواءَ إسماعيل لعصيان أمر والده إبراهيم، عندما أخبره بأمر ذبحه، وحاول إغواء أمه هاجرَ لمنع زوجها من ذبح ابنها إسماعيل، وحاول إغواء إبراهيم لعصيان أمر ربه بذبح ابنه الأوحد إسماعيل، وفشِل الشيطان في المحاولات الثلاث، وأطاع إسماعيل أمر والده، وصبرت هاجر على هذا الابتلاء، وامتثل إبراهيم لأمر ربه، وكان النجاة والفداء بذبح عظيم؛ ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].

 

أخي المسلم: كانت عشر ذي الحجة موسمًا للخير، وسوقًا الحسنات، كل يوم بليلته يهُبُّ على قلبك المكدود، يضخ فيه الدماء، ويُنْبِت فيه الحياء، ويجدد فيه الروح، ويزيد فيه الإيمان، كل يوم بليلته يناديك: يا باغيَ الشر أقْصِرْ، ويا باغيَ الخير أقْبِلْ، يا نفوس الصالحين افرحي، ويا قلوب المتقين امرحي، يا عشَّاق الجنة تأهبوا، ويا عباد الرحمن ارغبوا، ارغبوا في طاعة الله، وفي حب الله، وفي جنة الله.

 

بعد الحج الاستقامة:

أيها المسلمون: الخلاصة: من علامات القبول، بعد الطاعة طاعة، وبعد الحسنة حسنة، وما أجمل الاستقامة بعد الحج! يقول ربنا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].

 

والإمام في الصلاة يذكر المصلين خلفه: استقيموا يرحمكم الله؛ خمس مرات في اليوم.

 

إخوة الإسلام: لا يستقيم الظل والعود أعوج؛ لذا فإن بعد الحج يجب على المسلم أن يستقيم على أمر الله، ويستمر في طاعة الله، ويداوم على ذكر الله حتى يلقاه، فيبارك له الأجر، ويفرد له الظل، وينشر له الرحمة، ويزيِّن له الجنة.

 

اللهم ارزقنا الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل.

اللهم ارزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل.

اللهم ارزقنا حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تأملات في الحج (1) الإحرام سلام واحترام
  • تأملات في الحج (2) "الطواف أطياف وألطاف" (خطبة)
  • تأملات في الحج (3) "طعام طعم وشفاء سقم" (خطبة)
  • تأملات في الحج (4) السعي حركة وبركة (خطبة)
  • تأملات في الحج (5) نسائم العشر وقسم الفجر
  • تأملات في الحج (6) عرفة إكمال وإتمام ووداع
  • تأملات في الحج (7) رمي الجمرات وذبح الأضحيات
  • تأملات في الحج (8) الحج بين الفضائل والبدائل (خطبة)
  • تأملات في الحج (9) مضى حج البيت وبقي رب البيت
  • المنافع العظيمة في الحج
  • فقه الحج (1) التعريف - الحكم - الشروط - الأركان (خطبة)
  • حكم قصر أهل مكة في الحج
  • خطبة: ماذا بعد الحج

مختارات من الشبكة

  • تأملات في مقاصد الحج(مقالة - ملفات خاصة)
  • تأملات إيمانية في الحج وشعائره (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • تأملات إيمانية في الحج وشعائره (1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • تأملات في رحلة الحج (1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • تأملات في أحوال الحجاج والمعتمرين(مقالة - ملفات خاصة)
  • أنساك الحج وأيها أفضل(مقالة - ملفات خاصة)
  • الحج: الآداب والأخلاق(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • الحج الأكبر (فضائل الحج، والحج على الفور)(مقالة - ملفات خاصة)
  • أركان وواجبات الحج وأحكام العمرة(مقالة - ملفات خاصة)
  • طواف الإفاضة في الحج(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
1- عشر بعشر
ابنة الإيمان والحكمة 10-07-2023 04:53 PM

بهذا الموضوع يكتمل العقد. حيث تكونت عشر تأملات في الحج. لتكون بعدد أيام العشر. التي هي خير أيام الدنيا.
وفي هذا الموضوع يجد القارئ ربطا بين مناسك الحج والدرس المستفاد الذي ينبغي أن يستقيم عليه بعد الحج. فهو بحق (ختامه مسك).
جزاك الله خير.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب