جهود المملكة في خدمة الحجيج

جهود المملكة في خدمة الحجيج

الخطبة الأولى

الحمد الله القائل: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ).

إن خدمة الحجيج نعمة عظيمة، منَّ الله بها على هذه البلاد، ولقد اعتنت هذه الدولة المباركة بحجاج بيت الله الحرام عناية عظيمة واستجابة لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125].

ولقد انتهى موسم الحج لهذا العام 1440هـ بفضل الله بنجاح كبير، ولقد تمكن الحجاج ولله الحمد من أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة، وبهذه المناسبة نُهنئ جميع الشعب السعودي حكومة وشعبًا، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده حفظهما الله تعالى، وكل مسلم يحب المملكة من قلبه نهنئهم جميعًا على هذا النجاح، وما ذلك إلا بتوفيق الله تعالى ومعونته أولًا وآخرًا، ثم بفضل الجهود المبذولة من قِبَل حكومتنا المباركة، ولقد قدمت كافة الخدمات التي يحتاجها الحجاج، ووفرت لهم سائر وسائل الراحة والطمأنينة من كافة الخدمات، سواء في المواصلات، أو خدمات صحية، أو توفير المياه والسكن الآمن، وغير ذلك مما يحتاجه الحاج، كما وفرت لهم عددًا كبيرًا من الأطباء في كل تخصص، ونفذت عدد من العمليات الجراحية والولادة، كل ذلك بالمجان ومن دون مقابل، كما بذل رجال الأمن جهودًا جبارة في خدمة الحجيج متحمِّلين عناءَ الوقوف في الحر الشديد من أجل راحة الحجاج، ولقد نقلت لنا وسائل الاعلام صورًا ومواقفَ عظيمة تثلج الصدر لجنودنا من رجال الأمن وشبابنا المتطوعين، وهم يحملون كبار السن على أيديهم ويسعفونهم، ويرشونهم بالماء البارد لتلطيف الجو، والابتسامة لا تفارق وجوههم التي تدل على شعورهم بالسعادة وهم يقدمون هذه الخدمة من أجل خدمة ضيوف الرحمن، فضيوف الرحمن هم ضيوفنا، كل هذه الجهود يبذلها أهل المملكة حكومة وشعبًا بكل فخر واعتزاز، شاكرين الله أن شرَّفنا بهذه المهمة، ومنحنا إيَّاها دون غيرنا، ونقول للعالم كله في الوقت الذي ينعق فيه الناعقون وينبحون ليل نهار منتقدين سياسة المملكة، ويطالبون بتدويل الحج، نقول لهم خسِئتم وخبتُم، وخابت مساعيكم، لن تنالوا ما تريدون بإذن الله ولو لعقتم السماء، فالجهود التي تقدمها حكومة المملكة وشعبها لا تقدر بثمن، اسمعوا إلى هذه الجهود الجبارة بالأرقام التي تعكس النجاح السعودي الكبير في حسن التنظيم وإدارة الحشود، جهزت المملكة 173مستشفى ومركزًا صحيًّا، وعيادة متنقلة، بطاقة سريرية 5000 سرير، وتم إجراء 336 عملية قلب مفتوح وقسطرة و2700 عمليات مختلفة، تم توزيع 26 مليون وجبة مجانية، وتقديم الخدمة العلاجية لأكثر من نصف مليون حاج، كما تم تحجيج 400 حاج من المرضى المنومين بواسطة القافلة الصحية الطبية، كما أن جهودها في توسعة الحرم جبارة، وبحسب الإحصاءات يتجاوز عدد المصلين في الحرم المكي 278 ألف مصل كل ساعة، كما أن عدد الطائفين حول الكعبة 107 آلاف طائف كل ساعة، ويعمل على خدمة الحجاج خلال أداء المناسك فقط أكثر من 300 ألف موظف مباشر وغير مباشر في الخدمات الرئيسية والخدمات المساندة، كما يتم ضخ ألفي طن من ماء زمزم في الحرم المكي، و300 طن في الحرم النبوي بالمدينة المنورة بشكل يومي، ولاحظ أنه قد تم نقل 2،489،406 حاج من عرفات إلى مزدلفة خلال ست ساعات؛ أيُّ قوة هذه وإمكانات تستطيع نقل حوالي مليونين ونصف تقريبًا خلال ست ساعات؟! وهذا رد قوي على كل حاقد وحاسد من الذين يريدون تدويل الحج، ويدَّعون عدم قدرة المملكة على إدارته، نقول لهم: أنتم لم تستطيعوا أن تحلوا مشاكلكم الاقتصادية والسياسية، ولم تستطيعوا وقف مظاهرات معارضيكم الذين لا يتجاوز عددهم بضعة آلاف، وربما بعض المئات، فكيف بإدارة مليونين ونصف.

أيها المؤمنون، إنني لا أقول هذا من باب الكبر والخُيلاء والغطرسة، واحتقار الغير، لا والله، ولكن أنتم تعلمون ما تواجهه المملكة من حرب ومكائد من الحاقدين الذين يخدمهم إعلامهم الكاذب بنقل الإشاعات المغرضة لتشويه المملكة، ويخفون جهودها وجميلها، حتى صدَّقها الكثير من المغفلين الجهلة من غير تثبت ولا رويَّة، فلذلك علينا جميعًا وعلى كل غيور على المملكة ومقدساتها - أن يُسهم في نشر ما تقدِّمه المملكة من جهود للإسلام والمسلمين عبر وسائل الإعلام؛ حتى تتضح الحقيقة للجاهلين، ولكن لا نقول إلا: حسبنا الله ونعم الوكيل ومن يتوكل على الله فهو حسبُه.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

عباد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حجَّ ولم يرفُث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه"، فهنيئًا للحجاج الذين نالوا هذه النعمة العظيمة، ولن نقول لهم إلا: أيها الحجاج ها أنتم قد تَمَّ حجُّكم، تقبَّل الله منكم، وعدتم سالمين، فماذا بعد الحج يا ترى، إن من مقاصد الحج أنه يربي على التقوى، ويربي المسلم على تذكرُّ الآخرة، وتذكر الخلائق في عرصات يوم القيامة، كلهم حُفاة عُراة، فيجعله زاهدًا في هذه الدنيا، مقبلًا على الدار الأخرة. فهل يا ترى استفاد الحجاج من حجهم؟ هل تأملوا هذه المعاني وهذه الدروس وهذه الحكم والأسرار البليغة في هذه العبادة؟

إن للحج المبرور أمارة ولقبوله منارة، سُئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما الحج المبرور؟ فقال: أن تعود زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة.

إن من عاد إلى بلاده بعد أدائه الحج وقد تغيَّر حاله، واستقامت نفسه على عبادة الله، وحسُنت أخلاقه مع عباد الله، لهو الفائز حقًّا، نعم هو الذي استفاد من حجه، أين حجُّ مَن حجَّ، ثم عاد بعد حجه فعاد إلى ارتكاب المنكرات والفواحش.

إن مَن لبَّى لله بالحج، فلا ينبغي له بعد عودته أن يطيع الشيطان، فاتَّقوا الله عباد الله وصلوا وسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.