• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / ملف الحج / نوازل الحج
علامة باركود

حكم رمي الجمرات من الأدوار العُلى

عبدالرحمن بن فؤاد بن إبراهيم الجار الله

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/11/2008 ميلادي - 24/11/1429 هجري

الزيارات: 32844

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
المبحث الأول
تصوير النازلة
كان القيام بمنسكِ الحج بعيدًا عن تعقيدات العصر الحديث، من كثرةِ عددٍ، ومشاقِّ تنقُّل، ولأن الله - سبحانه وتعالى - جعل البيت الحرام مثابةً للناس وأمنًا، وجعل الصلاة فيه تعادل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد، وجعل أفئدة الناس تهوي إليه؛ فإن أعداد الحجاج تزيد عامًا بعد عام، وذلك يعبِّر عن تلبية دعوة الله - تبارك وتعالى - لأداء فريضة الحج، وإتمام الدين، ويزيد الازدحامُ في مناطق المشاعر، خاصة عند منطقة رمي الجمرات بوادي مِنًى، والتي تتعلق بها النازلة التي نحن بصدد تناولها، والتي تقع عند نهاية وادي منى من ناحية الشمال الغربي.

ولما رأتِ الدولة - وفقها الله - تزايُدَ عدد الحجاج، وشدة الزحام؛ مما أدى إلى إيذاء الحجاج، وعرقلةِ سيرهم، ومساهمةً في توفير أكبر قدر ممكن من الراحة للحجيج، أمرتْ بإنشاء دور ثانٍ للجمار الثلاث، بعد موافقة الشيخ محمد بن إبراهيم[1] التي نصها:
"من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالي وزير الحج والأوقاف - سلمه الله -:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد اطلعنا على خطابكم رقم 1667/ 1 في 11/ 4/ 1382هـ حول إنشاء دور ثانٍ للجمار الثلاث، وإقامة مظلات حولها، كما اطلعنا على صورة الخرائط والمواصفات التي وُضعتْ لهذا المشروع.
ونفيدكم أننا لا نرى مانعًا من ذلك؛ بشرط الإتيان على الغرض المقصود، والخلو من أي محذور شرعي، وفَّق الله الجميع، وجعل هذا العمل نافعًا، والسلام عليكم"[2].

فأنشئ جسرٌ يعلو الجمرات الثلاث عام 1395هـ، بحيث يستطيع الحاج رمي الجمرات من فوق الجسر بسهولة، وذلك عن طريق فتحات تطل مباشرة على كل جمرة، بحيث يكون هناك مستويان لرمي الجمرات: أرضي وعلوي، وقد خفف كثيرًا من الزحام، ونفع الله به في حينه وفي أعوام تلتْ، إلا أن الضعط على أماكن رمي الجمرات بعد ذلك قد زاد؛ نظرًا لازدياد عدد الحجاج، وعدم تقيد بعض الحجاج بنظام الحركة المصممِ عليها الجسرُ[3]، حيث لا يلتزمون بالمداخل والمخارج لهذا الجسر؛ مما يؤدي إلى ازدحام واختناقات في مناطق فتحات الجسر.

فقامت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز عام 1415هـ بتوسيع وتعديل الجسر، بحيث تم توسعة المستوى العلوي للجسر من الجانبين، وعمل مخارج جديدة، وانتهى العمل في العام نفسه.

ثم إنه ومع ازدياد عدد الحجاج، ومع عدم التزام بعضهم بنظام الحركة المصمم عليها الجسر؛ مما أدى إلى العديد من الوفَيَات والإصابات على مدار العديد من الأعوام، فقامت المملكة مشكورة بعد حادثة عام 1426هـ بمشروع ضخم، يُطوَّر فيه موقع الجسر؛ ليكون عبارة عن أربعة طوابق، بكامل خدماتها، وتخدم قرابة 4.000.000 حاجٍّ في اليوم، وما إن انتهت المناسك، حتى بدأت الشركات تعمل فيه بطاقة 5000 عامل، بتكلفة تجاوزت 4.2 مليار ريال[4].

وقد طُرح حكم رمي الجمرات من الأدوار العلى أولَ ما طرح - كما تبين آنفًا - عام 1382هـ بعد خطاب وزير الحج والأوقاف حينها إلى الشيخ محمد بن إبراهيم، فأفتى بما سبق ذِكره[5].
ثم أعاد الشيخ محمد بن إبراهيم بيانَ الحكم بإسهاب، ونقل كلامًا لأهل العلم في المسألة، في خطاب له إلى أمير منطقة مكة المكرمة عام 1383هـ[6].

ثم بعد ذلك أُعيد طرح الموضوع وبحثه من قِبَل هيئة كبار العلماء عام 1393هـ؛ بناءً على خطاب أمير منطقة مكة المكرمة، الوارد إلى رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، عن طريق وزارة العدل، والذي يطلب فيه إبداء الوجهة الشرعية، وبيان الحكم فيما اقترحته لجنة الحج العليا من بناء طابق على شارع الجمرات، ورفع شاخص الجمرات، ورفع جدار حوض كل جمرة إلى منسوب يمكن معه رميُ حصى الجمار من أعلى الطابق ومن أسفله بسهولة، فأعدَّت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثَها: "إقامة طابق على شارع الجمرات"[7]، كما أصدرت هيئة كبار العلماء القرار (11)[8].


المبحث الثاني
نوع النازلة
يمكن تقسيم النوازل إلى أقسام عدة، باعتبارات متنوعة، وبالإمكان تنزيل تلك التقسيمات على جميع النوازل والوقائع والمستجدات.

وسأتناول في هذا المبحث نوعَ هذه النازلةِ بالنظر إلى هاتيك الاعتبارات، ومِن الله وحده العون والطَّوْل.

أولاً: بالنظر إلى الموضوع:
تنقسم النوازل إلى قسمين:

1- نوازل فقهية: وهي ما كان من قبيل الأحكام الشرعية العملية.
وينقسم إلى نوازل في العبادات، وفي المعاملات، وفي الأنكحة، وفي الجنايات والحدود والقضاء والأطعمة.
2- نوازل غير فقهية: مثل النوازل العقدية، والنوازل اللُّغوية، والنوازل التربوية، وغيرها.
بالنظر إلى الاعتبار السابق نجد أن نازِلَتَنا من قبيل النوازل الفقهية؛ إذ إنها من فروع رمي الجمرات، الذي هو أحد فروض الحج، والحج والمناسك من أبواب العبادات في كتب الفقه، فتكون بذلك نازلة من نوازل العبادات، من كتاب الحج.

ثانيًا: بالنظر إلى كثرة وقوعها، وسَعَة انتشارها:
وتنقسم النوازل بهذا الاعتبار إلى أقسام ثلاثة:
1- نوازل لا يَسلَم أحدٌ من الوقوع فيها: مثل التعامل بالأوراق النقدية.
2- نوازل يعظم وقوعها: مثل الصلاة في الطائرة.
3- نوازل يقل وقوعها: مثل إعادة من تلف عضوه في حدٍّ.

وبهذا الاعتبار نجد أن النازلة محل البحث، لا يَسلَم حاج من الوقوع فيها.

ثالثًا: بالنظر إلى الذكورة والأنوثة:
وتنقسم النوازل بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
1- نوازل خاصة بالمرأة.
2- نوازل خاصة بالرجل.
3- نوازل عامة.

ورمي الجمرات من الأدوار العلى لا يختص بجنس دون آخر؛ بل هو عام للرجال والنساء، فهي من النوازل العامة.

رابعًا: بالنظر إلى الإفراد والتركيب:
وتنقسم النوازل بهذا الاعتبار إلى قسمين:
1- نوازل مفردة.
2- نوازل مركبة.

والرمي من الأدوار العلى من النوازل المفردة؛ إذ الغالب في نوازل العبادات أن تكون مفردة.

خامسًا: بالنظر إلى جدتها:
وتنقسم النوازل بهذا الاعتبار إلى قسمين:
1- نوازلُ محضة: وهي التي لم يسبق وقوعها؛ مثل أطفال الأنابيب.
2- نوازل نسبية: وهي التي سبق وقوعها، لكن تطورت من جهة أسبابها، والواقع المحيط بها، وتجدَّدت في بعض هيئاتها وأحوالها، حتى صارت كأنها نازلة جديدة؛ مثل: بيوع التقسيط، والزواج بنية الطلاق.

والرمي من الأدوار العلى من النوازل النسبية؛ إذ إنها قد حدثت سابقًا - كما يأتي - لكنها تجددت من جهة الواقع المحيط بها، كما أنها تجددت من ناحية هيئتها؛ إذ قد سبق وقوعها من فوق الجبل، والواقع الآن في الرمي أنه من فوق الجسر، كما أنه قد استُحدثت أدوارٌ أُخرُ زيادة على ما سبق.


المبحث الثالث
سبب حدوث النازلة
للنوازل أسباب عدة تنتجها، وتؤدي إلى اعتبارها من النوازل، وقد عدَّد المؤلفون في النوازل عددًا من تلك الأسباب[9]، فلكل نازلة سبب، ويمكن إلحاق بعض النوازل بأكثر من سبب؛ كنازلتنا هذه، إلا أن الباحث قد يرى إلحاقها بسبب من الأسباب؛ لوجه من الوجوه.

فيتنازع نازلتَنا هذه أكثرُ من سبب، إلا أن إلحاقها بـ: "المصالح الطارئة" أقوى من وجهة نظري.

والمصالح الطارئة قد تطرأ فتستوجب من المجتهدين تجدُّدَ النظر في النازلة؛ لبيان الحكم للأمة؛ كالزحام في الحج والعمرة، وكثرة أعداد الحجاج والعمار في الأعوام المتأخرة، مما نشأ عنه مضار كثيرة، من ذهاب أنفس وغير ذلك؛ فكان لا بد من النظر في نوازل الحج والعمرة؛ تحقيقًا لمقصد الشارع في مراعاة مصالح العباد.

ومن تلك النوازل: الرمي من الأدوار العلى، فسبب حدوثها هو اعتبار المصلحة الطارئة، ورفع الحرج ونفيه عن الحجاج[10]، والتوسعة عليهم؛ مراعاة للمصلحة، ودرءًا للمفسدة.


المبحث الرابع
التأصيل للرمي من الأدوار العلى
قد سبق ذكر نوع النازلة (الرمي من الأدوار العلى)، وذكرنا أنها - بالنظر إلى جدتها - من النوازل النسبية؛ إذ إنها قد حدثت سابقًا - كما يأتي - لكنها تجددت من ناحية هيئتها؛ إذ قد سبق وقوعها من فوق الجبل، والواقع الآن في الرمي أنه من فوق الجسر؛ ولذا فتُكيَّف نازلتنا على تلك النازلة، وهي رمي الجمرة من فوق الجبل، وإليك شيئًا مما يمكن أن يفيد في تأصيل المسألة:

أولاً: الإجماع:
فقد أجمع أهل العلم على جواز رمي الجمرة من فوقها، وقد نقل الإجماعَ على ذلك جمعٌ من أهل العلم - كما يأتي عند حكم النازلة - ولذا فتلحق مسألتنا بالإجماع.

ثانيًا: الأصل في العبادات التوقيف:
لأنه من المتقرر عند أهل السنة والجماعة: أن العقول لا تستقلُّ بإدراك المشروع على وجه التفصيل؛ ولذا احتيج إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب.

فباب العبادات بابٌ ضيق، موقوف على ثبوت الدليل فقط، لا على الأهواء والعقول، أو الاستحسان القبيح، ولا على التحسين والتقبيح؛ وإنما مبناها على الدليل الشرعي الصحيح، وأهل السنة بتقرير ذلك فإنهم يقفلون باب البدعة، ويَسدُّونه سدًّا محكمًا، فما ظهرت البدع إلا بالغفلة عن هذا الأصل العظيم.

ومن فروع هذا الأصل: أن العبادة قد تكون مشروعة بأصلها، ممنوعة بوصفها؛ أي: إن هذا الوصف الجديد يحتاج إلى دليل جديد، ولا يُكتفى فيه بمجرد الأدلة المثبِتة لأصله، فالأدلة التي تُثبِت أصلَ العبادة شيءٌ، وفعلُها على وصف معين شيءٌ آخر، فلا بد من دليل يثبت هذا الوصفَ بعينه؛ لأن أصل العبادة توقيفي، وكذلك كيفيتها وشروطها توقيفية، ففرق بين أدلة مشروعية الشيء، وأدلةِ إيقاعها على صفة معينة، ورميُ الجمرات عبادة، ورميها من الأدوار العلى وصفٌ لها؛ فيجب فيه ما يجب لإثبات أصل العبادة.

ثالثًا: فعلُ صحابي لم يُعلَم له مخالف:
فقد رمى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جمرةَ العقبة من فوقها[11]، ولم يُعرَف له مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم - ودعوى مخالفة عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - له يأتي الجوابُ عنها في ثنايا البحث.

وفعل الصحابي حجة، وهو مذهب الإمام أحمد على التحقيق عند متأخري الحنابلة، وهو ما جزم به شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم[12].

رابعًا: مراعاة الضرورة والحاجة:
فالضرورة أشد باعثًا أو دافعًا لتجاوز القواعد القياسية العامة، من الحاجة.

فالضرورة: ما يترتب على عدم مراعاتها خطرٌ، أو ضرر شديد محقق؛ كالموت جوعًا.
وأما الحاجة: فهي ما يترتب على تركها مشقةٌ وحرج، أو عسر وصعوبة، وقد عرَّف الزركشي والسيوطي الضرورة، فقالا: هي بلوغه حدًّا، إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب؛ كالمضطر للأكل واللبس، بحيث لو بقي جائعًا أو عريانًا لمات، أو تلف منه عضو[13].

وللمالكية والحنابلة تعريف مقارب أو مشابه، فليُطلب في مظانه.

وتطبيقات الضرورة أو الحاجة من النوازل والفتاوى كثيرةٌ، منها النازلة التي نحن بصددها، وهي جواز رمي الجمرات من الأدوار العلى، وقاعدتها المقررة: "الضرورات تبيح المحظورات"[14].

خامسًا: دفع المفاسد ودرء المضار:
حرَصت الشريعة على ضرورة تجنُّب المحرمات والمضار والمفاسد، وعلى منع المنهيات قبل تحقيق المأمورات؛ لأن ضرر المفسدة كالوباء والحريق؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((دَعُوني ما تركتكم؛ إنما أهلك مَن كان قبلكم سؤالُهم واختلافُهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم))[15].

والقاعدة الشرعية تقول: "درء المفاسد أولى من جلب المنافع"[16]، أو من جلب المصالح.

فما تَّرتب على اعتباره مفسدة ومضرة غير معتادة، ولم يَرِد فيه نص بخصوصه - لا شك في إهماله وعدم اعتباره؛ مراعاة للمقاصد العامة للشريعة.

سادسًا: رعاية المصلحة[17]:
المصلحة - في اللغة -: جلب المنفعة، أو دفع المضرة، وفي الشرع: ويمكن تعريفها: بأنها المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة؛ وهو أن يحفظ عليهم دينَهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالَهم، فكلُّ ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة، كما ذكر الإمام الغزالي.

وبعبارة أخرى: المصالح المرسلة - التي هي أصل من أصول التشريع الإسلامي -: هي الوصف الذي يكون في ترتيب الحكم عليه جلب منفعة للناس، أو درء مفسدة عنهم[18]، فهي الأوصاف التي تلائم تصرفات الشارع ومقاصده، ولكن لم يشهد لها دليلٌ معين من الشرع بالاعتبار، أو الإلغاء، ويحصل من ربط الحكم بها جلبُ مصلحة، أو دفع مفسدة عن الناس.

والمصالح أنواع ثلاثة، متفاوتة الدرجة بحسب أهميتها، وهي: الضروريات، والحاجيات، والتحسينات.

ولا شك أن مسألتنا تندرج في باب المصالح المرسلة، فالرمي من الأدوار العلى لم يَرِد فيه نص بخصوصه، ولا شك أن في اعتباره جلبًا لمصلحة العباد، ودفعًا للمفسدة عنهم، والله - تعالى - أعلم.

سابعًا: قاعدة "الهواء ملك لصاحب القرار"[19]:
ومعنى الهواء: الفراغ أو الفضاء الذي يعلو على عنان السماء.
والقرار: هو الأرض التي يقر ويثبت عليها ويقيم.

فمَن ملَك أرضًا ملكًا صحيحًا، فإنه يملِك معها هواءها الذي يعلوها إلى السماء، ولا يجوز لأحد أن يعلو على بنيانه إلا بإذنه؛ لأنه يجوز بيع الهواء الذي يعلو فوق ما أقيم على الأرض على خلاف[20].

فإن كان الهواء يتبع القرارَ في الملكية، فكذلك في رمي الجمرات، فإن للهواء حكم القرار، متى ما وقعت الجمار في محل الرمي.


حكم رمي الجمرات من الأدوار العلى
إن التوصل إلى حكم رمي الجمرات من الأدوار العلى، وما سواها من النوازل - مرتبط بسلوك الجادة في مدارك الحكم على النوازل، والتي تتكون من المدارك التالية[21]:
الأول: التصور، وقد سبق تناوله.
الثاني: التكييف، وهو ما سنتناوله في هذا المبحث.
الثالث: التطبيق.

وعند النظر في مسألة رمي الجمرات من الأدوار العلى، نجد أنه يمكن تخريجها على مسألة رمي الجمرة من فوقها، وقد سبق.


المبحث الأول
تحرير محل النزاع وذكر الأقوال في المسألة


المطلب الأول
تحرير محل النزاع في المسألة
1- أجمع الفقهاء على: أن الأفضل في رمي الجمرتين الأوليين استقبالُ القبلة، ولا يجب.
2- ذهب الجماهير إلى: أن السنّة في رمي جمرة العقبة أن يكون من بطن الوادي، وأن تكون مِنى عن يمينه، والبيت عن يساره[22]، والحق كما قالوا؛ إذ السنة صريحة به[23]، ويأتي.
3- في استقبال البيت أو جعله عن يساره خلافٌ بين أهل العلم، ليس هذا محل بحثه[24].
أما رمي جمرة العقبة من فوقها، فهي محل البحث.
وتمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأمور أربعة:
أولاً: اختصاصها بيوم النحر.
ثانيًا: أنه لا يوقف عندها للدعاء.
ثالثًا: أنها ترمى ضحى.
رابعًا: أنها ترمى من أسفلها استحبابًا[25].
وأما رميها من فوقها، ورمي الجمرتين الأخريين من فوقهما، فهو ما سنتناوله من خلال هذا البحث، ومن الله وحده العون والطَوْل.


المطلب الثاني
ذكر الأقوال في المسألة
أولاً: سبق وأن خرَّجنا رمي الجمرات من الأدوار العلى على مسألة رمي الجمرة من فوقها، وهي مسألة قد حكي الإجماعُ على جوازها - كما يأتي بيانه - ولم أجد - مع طول البحث والتتبع - قائلاً بعدم الإجزاء سوى بعض المبتدعة[26]، حيث زعم: أن رمي الجمرات من الأدوار العلى: "غير مجزئ على الأحوط"!

ثانيًا: ورد في كلام بعض الفقهاء ما يُفهم منه عدم إجزاء أو جواز رمي الجمرة من فوقها:
1- فقد اختلفت الرواية عن الإمام مالك - رحمه الله - فقد جاء عنه ما يُفهم منه جواز رمي جمرة العقبة، وجاء عنه ما يفيد تراجعه عن جوازه.

فقد قال: "لا بأس أن يرميَها من فوقها"[27]، ونقل عنه ابن القاسم - رحمه الله - قولَه: "فرميُها من أسفلها أحبُّ إليَّ"[28]، وقال: "ورميها من أسفلها، فإن لم يصل لزحام فلا بأس أن يرميها من فوقها، وقد فعله عمر لزحام"[29]، وقوله:" وإن رماها من فوقها أجزأه"[30]، بل نقل الإمام  مالك عن القاسم بن محمد - رحمه الله - أنه كان يرمي جمرة العقبة من حيث تيسر[31]، وفسره: بأن معناه: من حيث تيسر من أسفلها[32].

ثم نُقل عن الإمام مالك - رحمه الله - رجوعُه عن ذلك، فقال: "لا يرميها إلا من أسفلها"[33]؛ بل زاد في "مواهب الجليل": "فإن فعل، فليستغفر الله"[34].

والذي يظهر لي - والعلم عند الله - أن مراده في ذلك، هو عدم التساهل في رمي الجمرة من فوقها، وترك سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ إن القاعدة في مذهب المالكية: ترك مخالفة ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو خالفه في صورته؛ أفاده ابن الحاج في "مدخله"، ومما يدل على أنه لم يُرِدْ عدم الإجزاءِ أمران:
أ- أن أحدًا من المالكية لم يَقُل بعدم جواز رمي جمرة العقبة من فوقها، حتى مَن نقل عن الإمام مالك - رحمه الله - قولَه.
ب- أنه لم يقل: فليُعِد الرمي؛ بل اكتفى بالأمر بالاستغفار، وهذا مما يدل على أنه لم يُرِد عدم الإجزاء، والله - تعالى - أعلم.

أما ما يُفهم من كلام بعض الشافعية، ونسبة القول بعدم الإجزاء إليهم، فلا يصح - كما يأتي - والله - تعالى - أعلم، كما فهم البعض من قول ابن حجر الهيتمي - رحمه الله -[35] في "تحفة المحتاج شرح المنهاج": "ويجب رميها من بطن الوادي، ولا يجوز من أعلى الجبل خلفها"، وما نقله عنه زكريا الأنصاري في "الغرر البهية شرح البهجة الوردية"، قال: "ثم رأيت في "شرح العباب" لابن حجر بعد قول "العباب"[36]: "وهي - أي: جمرة العقبة - أسفل الجبل المسمى بالعقبة، فوق الطريق الجادة عن يمين الذاهب إلى مكة" ما نصه: "فعُلم منه أن ما يفعله كثير من جهلاء الحجاج مِن رميهم من أعلاها - باطل؛ لأنها ليس لها إلا مرمى واحد، وهو ما بأسفلها على الجادة، دون ما عداه من سائر الجوانب"[37].

فقد قال الشرواني في "حاشيته على التحفة" معلقًا على كلام ابن حجر: "اقتصر عليه الشارح في "شرح بافضل"، وقال الكردي في "حاشيته": قوله: (من أعلاها)؛ أي: إلى خلفها، أما إذا رمى مِن أعلاها إلى المرمى، فإنه يكفي، خلافًا لما فُهِم من هذه العبارة ونحوها من عدم الإجزاء، فقد صرح بالإجزاء في "الإيعاب"، وقال القسطلاني في "شرح البخاري": "اتفقوا على أنه من حيث رماها جاز، سواء استقبلها، أو جعلها عن يمينه، أو يساره، أو من فوقها، أو من أسفلها، أو وسطها، والاختلاف في الأفضل"؛ انتهى بحروفه.

ونقل النووي في "شرح مسلم" الإجماع على الجواز، وصرح بالحكم الذي ذكره ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي"، والزركشي في "الخادم"، وغيرهما، فلا ينبغي التوقف فيه، وقد أشبعتُ الكلام على ذلك في بعض الفتاوى"[38].

وقال زكريا الأنصاري في "الغرر البهية شرح البهجة الوردية" بعد أن نقل كلام ابن حجر في "التحفة": "فإن كانت (من) بمعنى (في)[39]، وافق غيره، وإلا كان بعيد الوجه جدًّا، فليراجع وليحرر"[40].

والمراد بقول "التحفة": "ولا يجوز من أعلى الجبل خلفها"؛ أي: لا يجوز الرمي من أعلى الجبل في خلفها، الذي هو موضع وقوف الرامين على العادة[41].
ولا منافاة بين ذلك وبين قول أئمة المذهب[42]، فقد نقل الماوردي عن الشافعي - رحمه الله - قوله: "ولا يمكنه غير ذلك؛ لأنها على أَكَمة، فلا يتمكن من رميها إلا كذلك، فإن رمى الجمرة مِن فوقها ولم يرمها من بطن الوادي، أجزأه"[43]؛ لأن معناه فيما يظهر: أنه جاء من فوقها، ورمى إلى أسفلها، لا أنه رماها من ورائها؛ وهذا ظاهر، يوافقه ما قاله ابن المنذر - رحمه الله -: "وروينا: أن عمر - رضي الله عنه - خاف الزحام فرماها من فوقها"[44]، والله - تعالى - أعلم.

ثالثًا: نقل عن الإمام أحمد - رحمه الله -: أن الجمرة لا تُرمى من بطن الوادي، ولا ترمى من فوقها، كما نقله القاضي، عن حرب، عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه: "لا يرمي الجمرة من بطن الوادي، ولا يرمي من فوق الجمرة"[45]، قال القاضي معلقًا: "يعني لا يرميها عرضًا من بطن الوادي"[46].

وقال ابن عقيل - رحمه الله -: "إنما لم يستبطن الوادي؛ لأنه أمر أن يُرمى إليه لا فيه، فإذا رمى فيه، سقط وقوفه على ما علاه، وسقط بعض ماحية بالرمي"[47].
فقد قال شيخ الإسلام - رحمه الله - معلقًا: "وهذا غلط على المذهب، منشؤه الغلط في نقل الرواية"[48]، وأجاب عنه بأمور:
1- أن القاضي في موضع آخر قد حكى المذهب، وهو جواز الرمي وإجزاؤه.
2- أن النسخة التي كانت في يد القاضي، ونقل منها رواية حرب - كان فيها غلط، وأنه[49] قد نقل رواية حرب من أصل متقن قديم من أصح الأصول.
3- أن الإمام أحمد - رحمه الله - أعلم الناس بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتبعهم لها، وقد جاءت الأحاديث صريحةً برمي النبي - صلى الله عليه وسلم - من بطن الوادي؛ كحديث جابر - رضي الله عنه - وغيره، ولا معدل عن السنة الصحيحة الصريحة[50].


المبحث الثاني
ذكر الأدلة ومناقشتها


المطلب الأول
أدلة جواز رمي الجمرات من الأدوار العلى
يُستدل على جواز رمي الجمرات من الأدوار العلى بالأدلة التالية:
الدليل الأول:
الإجماع: فقد أجمع أهل العلم - رحمهم الله تعالى - على جواز رمي الجمرات من فوقها، وقد نقل الإجماع على ذلك جماعةٌ، منهم:
1- ابن حجر - رحمه الله - في "الفتح"، قال - رحمه الله -: "وقد أجمعوا على: أنه مِن حيث رماها جاز، سواء استقبلها، أو جعلها عن يمينه، أو يساره، أو من فوقها، أو من أسفلها، أو وسطها"[51].
2- ابن عبدالبر - رحمه الله - في "الاستذكار"، قال - رحمه الله -: "وقد أجمعوا: أنه إن رماها من فوق الوادي، أو أسفله، أو من فوقه، أو أمامه، فقد جزى عنه"[52].
3- النووي في "شرح مسلم"[53]، وفي "المجموع"، قال - رحمه الله - في "المجموع": "وأجمعوا على: أن الرمي يجزئه على أي حال رماه، إذا وقع في المرمى"[54].
4- السيوطي - رحمه الله - في تعليقه على "سنن ابن ماجه"، قال: "وأجمعوا على: أنه مِن حيث رماها جاز، سواء استقبلها، أو جعلها عن يمينه، أو عن يساره، أو رماها من فوقها، أو أسفلها، أو وقف في وسطها ورماها..."[55]، ويظهر من سياق كلامه أنه يريد الإجماع في المذهب، والله - تعالى - أعلم.
5- والصنعاني - رحمه الله - في "السبل"[56].
والعمل عند أهل العلم على: أنه يجوز أن يرميها من فوقها، ومتى فعل ذلك، أجزأه[57].
قال أبو عيسى الترمذي - رحمه الله -: "والعمل على هذا عند أهل العلم، يختارون أن يرمي الرجل من بطن الوادي بسبع حصيات، يكبِّر مع كل حصاة، وقد رخص بعض أهل العلم إن لم يمكنه أن يرمي من بطن الوادي، رمى من حيث قدر عليه، وإن لم يكن في بطن الوادي"[58].

الدليل الثاني:
فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: حيث رمى جمرة العقبة من فوقها؛ خشية الزحام[59]، ولم يُنكِر عليه أحد من الصحابة - رضي الله عنهم.

ويعترض عليه: بأنه قد ورد عنه - رضي الله عنه - خلافه، فقد جاء عن عمرو بن ميمون قال: حججت مع عمر سنتين، إحداهما في السنة التي أصيب فيها، كل ذلك يلبي حتى يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي[60].

ويجاب على هذا الاعتراض: بأنه لا اعتراض، فيحمل على فعلين له، فهو قد رمى من فوق الجبل حين خاف الزحام، ورمى من بطن الوادي في وقت آخر.

والأصل في رمي الجمرة: أن ترمى من فوقها؛ كما دلت على ذلك الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورميُ عمر - رضي الله عنه - من فوق الجبل، مع حرصه على اتباع السنة - دليلٌ على الجواز.

الدليل الثالث:
أن رمي الجمرة من فوقها قد ورد عن عدد من التابعين؛ كالحسن[61] وغيره.

الدليل الرابع:
أن القاعدة: أن "الهواء ملك لصاحب القرار"[62]، فما فوق بطن الوادي تبع له، فمَن رمى من أعلى الطابق الذي بني على الوادي، فهو في حكم مَن رمى مِن بطن الوادي، وبهذا يكون قد أتى بفضيلة الرمي من الجهة التي رمى منها، لكن تمام السنّة لا تكون إلا بتطبيق الرمي؛ كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم.

قال الشرواني - رحمه الله - في "حاشيته على تحفة المحتاج": "ولو بُني على جميع موضع الرمي منارةٌ عالية لها سطح، فهل يجزئ الرمي فوقها أو لا؛ لأنه لا يعد رميًا على الأرض؟ فيه نظر، وجزم الشبلي وابن الجمال بالإجزاء في جميع ما ذُكر، فقالا: وظاهر أنه لو هبط المرمى إلى تُخوم الأرض، أو علا إلى السماء ورمى فيه - أجزأ؛ نظير الطواف، وأنه لو بني عليه دكة، أو منارة عالية، أو سطح، أو فُرشتْ فيه أو بعضِه أحجارٌ وأثبتت، أو ألقيت على أرضه وسترته بلا إثبات - كفى الرمي عليها"[63].

الدليل الخامس:
أن خلقًا كثيرًا في زمن الصحابة - رضي الله عنهم - رمَوُا الجمرةَ من أعلاها - كما يأتي من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ولم يأمروهم بالإعادة، ولا أعلنوا بالنداء بذلك في الناس[64].

الدليل السادس:
أن علة رمي النبي - صلى الله عليه وسلم - من بطن الوادي، هي ذاتها علة اختياره حصى الخَذْفِ؛ فإنه يتوقع الأذى إذا رموا مِن أعلاها لمَن أسفلها؛ فإنه لا يخلو مِن مرور الناس فيصيبهم، بخلاف الرمي من أسفل المارين من فوقها[65].


المطلب الثاني
أدلة القول بعدم جواز رمي الجمرات من الأدوار العلى
الدليل الأول:
ما روى عبدالرحمن بن يزيد: أن عبدالله - رضي الله عنه -[66] رمى من بطن الوادي، قال: فقلت: يا أبا عبدالرحمن، إن ناسًا يرمونها من فوقها! فقال: والذي لا إله غيره، هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة - صلى الله عليه وسلم[67].

ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أنه قد جاء عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - ما يخالفه، فقد روى عنه عبدالرحمن بن يزيد: أنه لما أتى جمرة العقبة استبطن الوادي، واستقبل الكعبة، وجعل الجمرة على حاجبه الأيمن، ثم رمى بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم قال: من ها هنا - والذي لا إله غيره - رمى الذي أُنزلت عليه سورة البقرة[68].

وأجيب: بأن هذا الحديث شاذ، كما ذهب إلى ذلك الحافظ ابن حجر - رحمه الله -[69] وأن هذا الخبر لا يقاوم الأول[70].

ونوقش: بأنه أمكن الجمع بينهما، فلا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع عند الجمهور، خلافًا للحنفية، فقوله في الحديث الأول: "هذا مقام" إشارة إلى هيئة الوقوف للرمي، وقوله في الحديث الثاني: "من ها هنا" إشارة إلى بطن الوادي، فيكون ابن مسعود - رضي الله عنه - قد رمى في عامين، وافق في أحدهما كمال السنة، وفي الآخر بعض السنة وفاته كمالُها؛ إما لجماح الراحلة، أو كثرة الزحام، أو غير ذلك.

الوجه الثاني: بأن هذا حثٌّ منه على الفضيلة في الرمي من جهة بطن الوادي عند السَّعة، فإذا رماها الحاج في الحوض، من فوق طابق أقيم على بطن الوادي - ولو في السعة - فقد أتى بالفضيلة، فإنه رمى من الجهة التي رمى منها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو راكب راحلته، والذي استنكر إنما هو رمى جمرة العقبة في الحوض من الخلف والناس في سَعة، وأما عند الضيق وشدة الزحام، فللحاجِّ أن يرمي في الحوض ولو من غير جهة بطن الوادي، سواء كان في مكان مساوٍ لبطن الوادي أو أعلى منه[71].

الدليل الثاني:
أن الأصل في العبادات التوقيف، ومنها أفعال الحج، فهي توقيفية[72]، وفي إباحة الرمي من الأدوار العلى مخالفةٌ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أمر بالتزام فعله في المناسك.

ويجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن رمي النبي - صلى الله عليه وسلم - لجمرة العقبة من بطن الوادي، معلَّل - كما سبق -[73] فالرامي يكون في بطن الوادي، فرميُه لها من بطن الوادي أيسر له، وأما رميها من فوقها سابقًا فهو شاق؛ لحزونة الموضع وضيقه[74]، والقصد منه إيصال الجمرات لمحل الرمي، فمتى ما وصلت أجزأه، قال أحمد النفراوي المالكي: "ولا فرق في الإجزاء بين كون الرامي واقفًا أمام البناء، أو تحته، أو خلفه؛ لأن القصد إيصال الحصيات إلى أسفل البناء"[75]، قال السَّرَخْسِيُّ الحنفي: "وقد بيَّنا: أن الأفضل أن يرميَها من بطن الوادي، ولكن ما حول ذلك الموضع كله موضعُ الرمي، فإذا رماها من فوق العقبة، فقد أقام النسك في موضعه، فجاز"[76].

الوجه الثاني: أن سماحة الشريعة توجب القولَ بإباحة الرمي من الأدوار العلى وتقتضيه، لا سيما في هذه السنين التي تزايد فيها عددُ الحجاج إلى حد يوقع في الحرج؛ بل تزهق فيه الأرواح، ففي القول بجوازه دفعٌ للحرج، وحفظ للنفوس، وتيسير لأداء النسك على حجاج بيت الله الحرام.

كما أن الإجماع منعقد على جواز الرمي من الأدوار العلى - كما سبق - وقد جاء من فعل صحابي لا مخالفَ له، والصحابةُ - رضي الله عنهم - من أشد الناس التزامًا بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم أعلم الناس، وأفقه الأمة.

الدليل الثالث:
أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلنا يا رسول الله، ألا نبني لك بيتًا يُظلُّك بمِنًى؟ قال: ((لا، مِنًى مُنَاخُ مَن سبق))[77].

وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأذن ببناء ما يظله، وفي ذلك دلالة على أنه لا يجوز البناء في منى.
ويناقش: بأن هذا البناء بمنى، ليس من جنس البناء بمنى للتملك أو الارتفاق الخاص؛ بل هو من المرافق العامة، التي تسهل أداء نسك الرمي، مع الراحة وسلامة النفوس.


المبحث الثالث
الترجيح
مما سبق: يتبين لنا أن القول بعدم إجزاء الرمي من فوق الجبل، لا وجه له، وأن القول الراجح هو جواز الرمي من فوق الجبل وإجزاؤه؛ لقوة الأدلة.
وبناء عليه فالراجح: هو جواز الرمي من الأدوار العلى، وأن الرمي منها مجزئ، والله - تعالى - أعلم.


الخاتمة
أهم نتائج البحث:
وبعد هذا العرض لهذه المسألة، نخلص بهذه النتائج:
1- تبين من خلال البحث: أن مسألة رمي الجمرات من الأدوار العلى من النوازل النسبية؛ وذلك لأنها قد وقعتْ من قبل، واجتهد فيها أهل العلم.
2- أن النازلة من نوازل العبادات.
3- أنها من النوازل العامة للرجال والنساء.
4- أنها من النوازل المفردة لا المركبة؛ وذلك لأنها من نوازل العبادات.
5- أن سبب حدوثها: هو اعتبار المصلحة الطارئة، وهي إثبات التوسعة ونفي الحرج؛ مراعاة لمصالح الحجاج.
6- بيَّنتُ عددًا من الأصول التي ترجع إليها المسألة.
7- ذكرتُ إجماع الفقهاء على: أن الأفضل في رمي الجمرتين الأوليين استقبالُ القبلة، ولا يجب.
8- ذكرتُ مذهب الجماهير: أن السنة في رمي جمرة العقبة أن يكون من بطن الوادي، وأن تكون منى عن يمينه، والبيت عن يساره، وأن السنة صريحة به، وأن المسألة محل خلاف بين أهل العلم.
9- نقلت إجماع أهل العلم على أن رمي جمرة العقبة من فوقها جائز مجزئ.
10- خرَّجتُ مسألة الرمي من الأدوار العلى على رمي جمرة العقبة من فوقها.

فما كان من خطأ فمِن نفسي ومن الشيطان، وما كان من صواب فبتوفيق الله وفضله.

تم البحث، ولله الحمد أولاً وآخرًا.


ثَبَت المراجع
1- القرآن الكريم.
2- أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، المجلد الثالث، إعداد: الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1421هـ، نشر: دار القاسم للنشر - الرياض.
3- الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي، تأليف: علي بن عبدالكافي السبكي، تحقيق: جماعة من العلماء، الطبعة الأولى 1404هـ، نشر دار الكتب العلمية - بيروت.
4- الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، تأليف: أبي عمر يوسف بن عبدالله بن عبدالبر النمري القرطبي، تحقيق سالم محمد عطا - محمد علي معوض، الطبعة الأولى 2000م، نشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
5- أصول الفقه الإسلامي، تأليف: د. وهبة الزحيلي، الطبعة الأولى 1406هـ، نشر: دار الفكر للطباعة - دمشق.
6- أصول مذهب الإمام أحمد، تأليف: د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، الطبعة الرابعة 1419هـ - 1998م، نشر مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
7- البحر المحيط في أصول الفقه، تأليف: بدر الدين محمد بن بهادر بن عبدالله الزركشي، تحقيق: ضبط نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د. محمد محمد تامر، الطبعة الأولى 1421هـ - 2000 م، نشر دار الكتب العلمية - لبنان - بيروت.
8- التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، تأليف: علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي، تحقيق: د. عبدالرحمن الجبرين، د. عوض القرني، د. أحمد السراح، الطبعة الأولى 1421هـ - 2000 م، نشر: مكتبة الرشد - السعودية - الرياض.
9- التقرير والتحرير في علم الأصول، تأليف: ابن أمير الحاج، 1417هـ - 1996 م، دار النشر: دار الفكر - بيروت.
10- الجامع الصحيح المختصر، تأليف: محمد بن إسماعيل أبي عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، الطبعة الثالثة 1407هـ - 1987م، نشر: دار ابن كثير - اليمامة - بيروت.
11- الجامع الصحيح سنن الترمذي، تأليف: محمد بن عيسى الترمذي السلمي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، نشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت. 
12- حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، تأليف: علي الصعيدي العدوي المالكي، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، 1412هـ، نشر: دار الفكر - بيروت.
13- حاشية رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، تأليف: ابن عابدين، 1421هـ - 2000م، دار النشر: دار الفكر للطباعة والنشر - بيروت.
14- الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، وهو شرح مختصر المزني، تأليف: علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبدالموجود، الطبعة الأولى 1419هـ - 1999م، نشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.
15- حواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، تأليف عبدالحميد الشرواني، دار النشر: دار الفكر - بيروت.
16- رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، تأليف: د. يعقوب بن عبدالوهاب أباحسين، الطبعة الثانية 1416هـ، نشر: دار النشر الدولي.
17- رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي، د. شرف بن علي الشريف، 1410هـ، نشر: جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
18- سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام، تأليف: محمد بن إسماعيل الصنعاني الأمير، تحقيق: محمد عبدالعزيز الخولي، الطبعة الرابعة 1379هـ، نشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
19- سنن ابن ماجه، تأليف: محمد بن يزيد، أبي عبدالله القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، نشر: دار الفكر - بيروت.
20- سنن الدارمي، تأليف: عبدالله بن عبدالرحمن أبي محمد الدارمي، تحقيق: فواز أحمد زمرلي وخالد السبع العلمي، الطبعة الأولى 1407هـ، نشر: دار الكتاب العربي - بيروت.
21- شرح الزركشي على مختصر الخرقي، تأليف: شمس الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالله الزركشي المصري الحنبلي، تحقيق: قدم له ووضع حواشيه: عبدالمنعم خليل إبراهيم، الطبعة الأولى 1423هـ - 2002م، نشر: دار الكتب العلمية - لبنان - بيروت.
22- شرح العمدة في الفقه، تأليف: أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني، أبي العباس، تحقيق د. سعود صالح العطيشان، الطبعة الأولى 1413هـ، نشر مكتبة العبيكان - الرياض.
23- شرح سنن ابن ماجه، تأليف: السيوطي، عبدالغني، فخر الحسن الدهلوي، نشر: قديمي كتب خانة - كراتشي، عدد الأجزاء: 1.
24- شرح فتح القدير، تأليف: كمال الدين محمد بن عبدالواحد السيواسي، الطبعة الثانية، نشر: دار الفكر - بيروت.
25- صحيح مسلم بشرح النووي، تأليف: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، الطبعة الثانية 1392هـ، نشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
26- صحيفة عكاظ، عدد: 14387.
27- عمدة القاري شرح صحيح البخاري، تأليف: بدر الدين محمود بن أحمد العيني، نشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
28- الغرر البهية شرح البهجة الوردية، زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري الشافعي، د. ط، د. ت، نشر: المطبعة الميمنية.
29- فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ، المجلد الثالث، جمع وترتيب وتحقيق: محمد بن عبدالرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى 1399هـ.
30- فتح الباري شرح صحيح البخاري، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبي الفضل العسقلاني الشافعي، تحقيق: محب الدين الخطيب، نشر: دار المعرفة - بيروت.
31- الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش): تأليف: أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، تحقيق: خليل المنصور، الطبعة الأولى 1418هـ - 1998 م، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
32- فقه النوازل، تأليف: محمد بن حسين الجيزاني، الطبعة الثانية 1427هـ - 2006م، نشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع - السعودية - الدمام.
33- الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، تأليف: أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي المالكي 1415هـ، نشر: دار الفكر - بيروت.
34- لسان العرب، تأليف: محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، الطبعة الأولى، نشر: دار صادر - بيروت.
35- المبسوط، تأليف: شمس الدين السرخسي، نشر: دار المعرفة - بيروت.
36- مجلة الأحكام العدلية، تأليف: جمعية المجلة، تحقيق: نجيب هواويني، نشر: كارخانه تجارت كتب.
37- المجموع، تأليف: النووي، 1997م، نشر: دار الفكر - بيروت.
38- المدونة الكبرى، تأليف: مالك بن أنس، نشر: دار صادر - بيروت.
39- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تأليف: علي بن سلطان محمد القاري، تحقيق: جمال عيتاني، المطبعة الأولى 1422- 2001 م، نشر: دار الكتب العلمية - لبنان - بيروت.
40- مشارق الأنوار على صحاح الآثار، تأليف: القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي، نشر: المكتبة العتيقة ودار التراث.
41- المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، تأليف: عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبي محمد، الطبعة الأولى 1405هـ، نشر: دار الفكر - بيروت.
42- مقترح لتخفيف الازدحام في الأوقات الحرجة في منطقة رمي الجمرات (دراسات منطقة الجمرات)، إعداد: د. عامر بن ناصر المطير، بحث مقدم للملتقى العلمي الخامس لأبحاث الحج.
43- المنثور في القواعد، تأليف: محمد بن بهادر بن عبدالله الزركشي، أبي عبدالله، تحقيق: د. تيسير فائق أحمد محمود، الطبعة الثانية 1405هـ، نشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت.
44- مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، تأليف محمد بن عبدالرحمن المغربي أبي عبدالله، الطبعة الثانية 1398هـ، نشر: دار الفكر - بيروت.
45- موسوعة القواعد الفقهية، تأليف: د. محمد صدقي بن أحمد البورنو، الطبعة الأولى 1424هـ - 2003 م، نشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
46- هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك، تأليف: عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني الشافعي، تحقيق د. صالح بن ناصر بن صالح الخزيم، الطبعة الأولى 1422هـ، نشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع - السعودية - الدمام.


[1]   هو الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن ابن الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمهم الله - (1311هـ - 1389هـ)، كان مفتيًا للديار السعودية في وقته، جلس للتدريس والإفتاء قرابة نصف قرن من الزمان، حتى انتفع به خلائقُ لا يحصون، وله رسائل وفتاوى قيمة، جمعها ابن قاسم في 13 جزءًا.
[2]   "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم"، المجلد الثالث، الجزء الخامس، ص 155، مسألة: (1190).
[3]   تشير دراسة لمعهد خادم الحرمين لأبحاث الحج، من خلال الملاحظة الميدانية لحركة الحجاج في المنطقة بين جمرة العقبة الكبرى والجمرة الوسطى - أن ما نسبته 13 % من عدد الحجاج يعكسون اتجاه الحركة على جسر رمي الجمرات؛ مما يؤدي لبعض المشاكل، خاصة عند الجمرة الوسطى.
ينظر: "وقائع ندوة النقل في الحج"، وزارة المواصلات - الرياض، 1407هـ، ص 51، بواسطة: بحث مقترح لتخفيف الازدحام في الأوقات الحرجة في منطقة رمي الجمرات (دراسات منطقة الجمرات)، من إعداد د. عامر بن ناصر المطير، مقدمة للملتقى العلمي الخامس لأبحاث الحج، والذي يشرف عليه معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج.
[4]   ينظر: "صحيفة عكاظ"، عدد (14387)، ليوم الاثنين، الموافق: (16/ 12/ 1426هـ) الصفحة: 4. 
[5]   ينظر: "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم"، المجلد الثالث، الجزء الخامس، ص 155 مسألة: (1190). 
[6]   ينظر: "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم"، المجلد الثالث، الجزء الخامس، ص 151 مسألة: (1189). 
[7]   ينظر: "أبحاث هيئة كبار العلماء"، المجلد الثالث، البحث الخامس، ص 275. 
[8]   ينظر: المرجع السابق، ص 287. 
[9]   ينظر: فقه النوازل 1/ 32. 
[10]   ينظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية 61 - 99. 
[11]   يأتي تخريجه. 
[12]   ينظر: "أصول مذهب الإمام أحمد" ص 437. 
[13]   ينظر: "المنثور" 2/ 319. 
[14]   "مجلة الأحكام العدلية": 21. 
[15]   رواه البخاري 6/ 2658، رقم 6858، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث إسماعيل، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. 
[16]   "مجلة الأحكام العدلية": 30. 
[17]   ينظر: "أصول مذهب الإمام أحمد" ص 471، فصل: المصالح المرسلة لدى الحنابلة. 
[18]   "أصول مذهب الإمام أحمد" ص 459. 
[19]   ستأتي في أدلة جواز الرمي. 
[20]   ينظر: "الفروق" مع هوامشه 4/ 45، و"موسوعة القواعد الفقهية" 12/ 110. 
[21]   للاستزادة ينظر: "فقه النوازل" 1/ 38 وما بعدها. 
[22]   ينظر: "المجموع" 8/ 143، و"شرح العمد" 3/ 530. 
[23]   ينظر: "شرح العمدة" 3/ 532. 
[24]   ينظر: "المجموع" 8/ 136، و"شرح الزركشي" 1/ 539. 
[25]   ينظر: "فتح الباري" 3/ 580. 
[26]   ينظر: "صراط النجاة"، لأبي القاسم الخوئي الرافضي، باب الحج والعمرة، فتوى رقم (100)، بواسطة موقعه على الشبكة العنكبوتية.
وقد نقلتُ الإجماع على جواز الرمي من فوق الجمرة مع الوقوفِ على المخالف؛ لأن المخالف من أهل البدع، ولم أقف على مخالف سواه، وقد تكلَّم أهل العلم من الأصوليين وغيرهم من مباحث "أوصاف مَن يُعْتَدُّ به في الإجماع"، والذي عليه معظم أهل العلم من الفقهاء والأصوليين: أنه لا يعتد في الإجماع بقول فاسق مطلقًا، سواء كان فاسقًا من جهة الاعتقاد، أو من جهة الأفعال، وقد مثَّل غير واحد من أهل العلم للفسق من جهة الاعتقاد بالرفض؛ قال المرداوي - رحمه الله - في كتاب "التحبير شرح التحرير" 4/ 1560: "لا يعتد بقول الفاسق مطلقًا، سواء كان من جهة الاعتقاد، أو الأفعال، فالاعتقاد كالرفض والاعتزال وغيرهما..."، وقال ابن القطان: "الإجماع عندنا إجماعُ أهل العلم، فأما مَن كان مِن أهل الأهواء، فلا مَدخَل له فيه"، نقله في "التقرير والتحبير" 3/ 128، و"البحر المحيط" 3/ 515.
والظاهر - والعلم عند الله - أنه لا يعتد بخلافهم؛ لمخالفتهم لأهل السنة في أصول الاستدلال، ومن ذلك أنهم لا يعتدون بالإجماع، ولا يعدونه حجة، قال في "الإبهاج" 2/ 364: "تقدم أن الشيعة لا يعدون الإجماعَ - الذي هو اتفاق المجتهدين من الأمة - حُجةً"، وقد خالف في هذا أ. د وهبة الزحيلي في "أصول الفقه" ص 44، فذهب إلى: أن الإجماع لا ينعقد بأهل السنة دون مجتهدي الشيعة! وهذا كله فيما يتعلق بالفروع، أما العقائد فلا عبرة بهم، والله - تعالى - أعلم. 
[27]   "عمدة القاري" 10 / 87. 
[28]   "عمدة القاري" 10/ 87، و"المدونة الكبرى" 2/ 421. 
[29]   "مواهب الجليل" 3/ 126. 
[30]   "المدونة الكبرى" 2/ 421، و"الاستذكار" 4/ 351. 
[31]   "المدونة الكبرى" 2/ 421. 
[32]   المرجع السابق 2/ 421، وذهب أبو عمر ابن عبدالبر إلى أوسع من ذلك؛ كما في "الاستذكار" 4/ 351، قال: "يعني من حيث تيسر من العقبة، من أسفلها، أو من أعلاها، أو وسطها، كل ذلك واسع"، ومثلها مقولة ابن بطال، نقلها العيني في "عمدة القاري" 10 / 87. 
[33]   "عمدة القاري" 10 / 87. 
[34]   "مواهب الجليل" 3/ 126.
[35]   هو: شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي المكي، الفقيه الشافعي المعروف، صاحب "تحفة المحتاج شرح المنهاج" للنووي، و"الزواجر"، وغيرهما. 
[36]   المراد به هو: "العباب المحيط بمعظم نصوص الشافعي والأصحاب"، للقاضي صفي الدين أبي السرور أحمد بن عمر بن محمد المذحجي المرادي اليمني الشافعي، الشهير بالمزجد، (ت 930هـ) والكتاب يشبه "روضة الطالبين" للإمام النووي، وهو كتلخيص لها مع زيادات من كتب أخرى في المذهب، حاول مؤلفه أن يستوعب فروع المذهب.
والكتاب مطبوع بتحقيق: حمدي الدمرداش، نشر: دار الفكر - دمشق، ويقع في ستة مجلدات، وهي طبعة تجارية، ويقال: أنه حقق في بعض الجامعات السودانية واليمنية كرسائل علمية على نسخ كثيرة.
وشرحه هو: "الإيعاب شرح العباب"، لابن حجر الهيتمي، لكن مؤلفه لم يكمله، وحسب علمي فإنه لا يزال مخطوطًا. 
[37]   "الغرر البهية شرح البهجة الوردية" 2/ 328. 
[38]   "حواشي الشرواني" 4/ 117. 
[39]   قلت: وهو أحد معانيها، ينظر: "مشارق الأنوار" 1/ 108، و"لسان العرب" 9/ 147. 
[40]   "الغرر البهية شرح البهجة الوردية" 2/ 328. 
[41]   ينظر: "الغرر البهية شرح البهجة الوردية" 2/ 328. 
[42]   فقد نقل زكريا الأنصاري عن الرملي قوله بالإجزاء، ينظر: "الغرر البهية شرح البهجة الوردية" 2/ 328. 
[43]   "الحاوي الكبير" 4/ 184. 
[44]   "المجموع" 8/ 142. 
[45]   "شرح العمدة" 3/ 530 
[46]   المرجع السابق 3/ 530. 
[47]   المرجع السابق 3/ 530. 
[48]   المرجع السابق 3/ 531. 
[49]   أي: شيخ الإسلام. 
[50]   ينظر: المرجع السابق 3/ 531 - 532. 
[51]   "فتح الباري" 3/ 582. 
[52]   "الاستذكار" 4/ 351. 
[53]   "شرح النووي على صحيح مسلم" 9/ 42. 
[54]   "المجموع" 8/ 143. 
[55]   "شرح سنن ابن ماجه" 1/ 218.
[56]   ينظر: "سبل السلام" 2/ 210. 
[57]   ينظر: "المغني" 3/ 218، لكنه قال: "والعمل عليه عند أكثر أهل العلم". 
[58]   "سنن الترمذي" 3/ 245. 
[59]   أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/ 199، برقم: 13415، باب: من رخص فيها أن يرميها من فوقها، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، وقد ضعف إسناده الحافظُ ابن حجر في "الفتح" 3/ 580، وقد استدل به جمع من الفقهاء كابن قدامة في "المغني" 3/ 218. 
[60]   أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/ 198، برقم: 13410، وقد صحح إسناده الحافظ ابن حجر في "الفتح" 3/ 580.
[61]   أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/ 199، برقم 13417، باب: من رخص فيها أن يرميها من فوقها، وفيه راوٍ مبهم. 
[62]   ينظر: "المغني" 4/ 315، و"شرح العمدة" 4/ 476، و"شرح الزركشي" 1/ 219، وللاستزادة تنظر: "موسوعة القواعد الفقهية" 12/ 110. 
[63]   "حواشي الشرواني" 4/ 134. 
[64]   ينظر: "شرح فتح القدير" 2/ 485. 
[65]   ينظر: "حاشية ابن عابدين" 2/ 513، و"شرح فتح القدير" 2/ 485، و"مرقاة المفاتيح" 5/ 566. 
[66]   هو عبدالله بن مسعود. 
[67]   متفق عليه؛ رواه البخاري 2/ 622، برقم 1660، كتاب الحج، باب: رمي الجمار من بطن الوادي، ومسلم 2/ 942، برقم 1296، كتاب الحج، باب: رمي جمرة العقبة من بطن الوادي، وتكون مكة عن يساره، ويكبر مع كل حصاة. 
[68]   رواه الترمذي 3/ 245 برقم: 910، كتاب الحج، باب: ما جاء كيف ترمى الجمار، وقال الترمذي: "حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح"، وابن ماجه 2/ 1008، برقم: 3030، كتاب المناسك، باب: من أين ترمى جمرة العقبة، قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 3/ 582: "وهذا شاذ؛ في إسناده المسعودي، وقد اختلط".
[69]   ينظر: "فتح الباري" 3/ 582. 
[70]   ينظر: "هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك" 3/ 1223. 
[71]   ينظر: أبحاث هيئة كبار العلماء، المجلد الثالث، البحث الخامس، ص 276. 
[72]   قلت: يؤخذ أنها توقيفية من قول ابن مسعود رضي الله عنه: "هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة"، فالظاهر أنه أراد أن يقول: أن كثيرا من أفعال الحج مذكور فيها - أي: في سورة البقرة - فكأنه قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه أحكام المناسك، منبهًا بذلك على أن أفعال الحج توقيفية، والله تعالى أعلم. ينظر: "عمدة القاري" 10 / 87، و"شرح النووي على مسلم" 9/ 29. 
[73]   ينظر: الدليل الخامس من أدلة الجواز. 
[74]   ينظر: حاشية العدوي 1/ 682. 
[75]   "الفواكه الدواني" 1/ 362. 
[76]   "المبسوط"، للسرخسي 4/ 66.
[77]   رواه الترمذي 3/ 228، برقم: 881، كتاب الحج، باب: "ما جاء أن منى مناخ من سبق"، وقال: "حديث حسن صحيح"، وابن ماجه 2/ 1000، برقم 3007، كتاب المناسك، باب: "النزول بمنى"، والدارمي 2/ 100، برقم: 1937، كتاب المناسك، باب: "كراهية البنيان بمنى". 




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الوصية بإخلاص الدين لله عز وجل، وبيان أحكام رمي الجمار والإنابة فيه ووقته.
  • رمي الجمرات
  • هل هناك رمي جمرات للنساء؟
  • ما هو وقت رمي الجمرات؟
  • رمي الجمرات قبل الزوال

مختارات من الشبكة

  • شرح حديث: رمي النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى البُدن فنحَرها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • هل يمكن رمي الجمرات صباحا؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • حكم القذف وصوره والترهيب من الوقوع فيه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم الرمي بالحصى المستعمل(مقالة - ملفات خاصة)
  • تأملات في الحج (7) رمي الجمرات وذبح الأضحيات(مقالة - ملفات خاصة)
  • شرح حديث ابن مسعود في رمي الجمرات(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • وقت رمي الجمرات أيام التشريق(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • رمي الجمرات: أصل مشروعيته وفضائله(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • رمي الجمرات عن اليوم المقبل(مقالة - ملفات خاصة)
  • رمي الجمرات .. بسم الله والله أكبر(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
1- بحث جميل
فالح العجمي - الكويت 13-12-2009 06:07 PM
بارك الله فيك على هذه الفوائد وهذا البحث الجميل

زادك الله علما ورفعة في الدنيا والآخرة

أخوك / فالح العجمي
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب