• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / محمد صلى الله عليه وسلم / دراسات وبحوث
علامة باركود

دلالة ما همَّ الرسول بفعله ولم يفعله

نبيل حامد خضر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/6/2009 ميلادي - 4/7/1430 هجري

الزيارات: 68657

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دلالة ما همَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفعله ولم يفعله
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)



هناك وقائع صدرتْ عن الرَّسول تبيِّن أنَّه قد همَّ بإيقاع أفعال معيَّنة؛ ولكنَّه لم يفعلها ولم تقع.


ومثل هذا نجِده في بعض أحداث السيرة النبويَّة الشَّريفة، أو بعض الأحاديث النبويَّة الشَّريفة، فهَلْ هذه الوقائع التي صدرت عن الرَّسول ولم يفعلْها يمكن عدُّها أدلَّةً على الأحْكام الشَّرعيَّة، كقوله وكفعله الصَّريح وإقراره وسكوته سواء بسواء؟ أم هي غير ذلك؟


لقد انقسم العلماء إلى قسمَين، فمِنْهم مَن عدَّه دليلًا شرعيًّا، ومنهم مَن لم يعدَّه كذلك، ولكل منهما أدلَّته وحجَجُه.


والَّذي نَميل إليْه ونحاول أن نُثْبِته هو أنَّ ما همَّ الرَّسول بفعله ولم يفعله يُعَدُّ دليلًا شرعيًّا، كباقي أقسام السنَّة النبويَّة الشَّريفة المعروفة، وهو واحدٌ منْها أو يمكن أن يكون منضوِيًا تَحت قسم من أقْسامِها.


يقال: همَّ بالشيء؛ أي: أراده[1]، وفي الصَّحيح قال - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((إنَّ الله كَتَب الحسنات والسَّيِّئات، ثمَّ بيَّن ذلك، فمَن همَّ بِحسنةٍ فلَم يعملْها، كتبَها الله - تبارك وتعالى - عِنْدَه حسنة كاملة ....)) الحديث.


قال محمَّد بن علان المكِّي: "فمَن همَّ بِحسنةٍ؛ أي: أرادَها وترجَّح فِعْلُها عنده"[2].


إنَّ هذا القسم من السنَّة النبويَّة الشريفة يَرِد بأحد طريقَين:

إمَّا بالصِّيغة اللَّفظية لمادَّة "همّ" أو مشتقَّاتها، كما هو الحال في بعْض أقوالِه - عليْه الصَّلاة والسَّلام - مثل: ((هممت)).


أو أن تدلَّ وقائع الأحْوال على همِّه بفِعْلٍ معيَّن من دون استعمال تلك المادة اللفظيَّة؛ كقوله - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((لئِنْ بقِيت إلى قابلٍ لأصومنَّ تاسوعاء))، فإنَّ هذا يدلُّ على أنَّه أراد صوْم يوم تاسوعاء؛ ولكنَّه لم يفعلْه، أو لَم يقع فعلُه بسبب وجود عارضٍ معيَّن، وهو وفاتُه - عليْه الصَّلاة والسَّلام - قبل حلول العام.


ومثل همِّه - عليْه الصَّلاة والسَّلام - بإِعْطاء ثلُث ثمار المدينة[3] إلى عيينة بن حصن قائد الأحزاب عند تفاوُضه معه، مقابل فتْحِه الحصار الذي ضربه على المدينة وتراجُعِه عنها.


ولكنَّ فِعْلَه هنا - عليْه الصَّلاة والسَّلام - لَم يقع ولم يُمض ما تفاوض عليْه؛ بسبَب وجود عارضٍ معيَّن، وهو امتِناع أصحابه بعد استشارتِهم عن قبول إعْطاء ثلث ثمار المدينة، وتبرعهم بالقتال بدلًا عن ذلك قائلين: "إنَّا كنَّا في الجاهليَّة لا نعطيهم الشيءَ إلَّا عن قِرى[4] أو بيْع، الآن وقد أعزَّنا الله بالإسلام، والله لا نعطيهم إلَّا السَّيف".


إنَّ أغْلَب علماء المسْلِمين عدُّوا همَّ الرَّسول - عليْه الصَّلاة والسَّلام - بالفِعْل دليلًا شرعيًّا يصحُّ الاستِدلال به على الأفْعال والأحداث المختلفة؛ أي: كأنَّه قد وقع منه - عليْه الصَّلاة والسَّلام - ذلك الفعل، أو كأنَّه قد أمر به، واستنبطوا من ذلك الأحْكام المختلفة.


فمثلًا قد استدلَّ ابْنُ حجر العسْقلاني على جواز مباغتة أهْل الجرائم على حين غِرَّة، من الحديث الَّذي رواه البخاري في صحيحِه، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((والَّذي نفسِي بيدِه، لقد هممتُ أن آمُر فِتْياني فيجمعوا حطبًا، ثمَّ آمُر رجُلًا يؤمُّ النَّاس، ثمَّ أُخالِف إلى رجالٍ يتخلَّفون عن الصَّلاة، فأحرِّق عليهم بيوتَهم)) الحديث.


إذ قال: "وفيه جواز أخْذ أهل الجرائم على غرَّة؛ لأنَّه - عليْه الصَّلاة والسَّلام - همَّ بذلك في الوقْت الَّذي عهد منْه فيه الاشتِغال بالصَّلاة بالجماعة، فأراد أن يبْغتهم في الوقْت الذي يتحقَّقون أنَّه لا يطرُقُهم فيه أحد"[5].


واستخْرج الإمام النَّووي أحكامًا أُخْرى من الحديث المذْكور آنِفًا بِرواية مسلم عن أبِي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ولقد هَمَمْتُ أن آمُر بالصَّلاة فتُقام، ثمَّ آمُر رجُلًا يصلِّي بالنَّاس، ثم أنطلِق معي برجالٍ معهُم حزم الحطب إلى قومٍ يتخلَّفون عن الصَّلاة، فأحرِّق عليهم بيوتَهم بالنَّار)).


إذْ إنَّه قال: "وفيه أنَّ الأمام إذا عرض له شغل يستخلف مَن يصلِّي بالنَّاس، وإنَّما همَّ بإتيانِهم بعد إقامة الصَّلاة؛ لأنَّ بذلك الوقْت يتحقَّق مُخالفتُهم وتخلُّفهم، فيتوجَّه اللَّوم عليْهم، وفيه جواز الانصِراف بعد إقامة الصَّلاة لعذر"[6].


إنَّ تلك الأحكام - وهي جواز الإنابة عن الإمام في الصَّلاة في حال انشغاله، وجواز الانصِراف بعد إقامة الصلاة لعُذْر، وغيرها - جاءت بناءً على دلالة ما همَّ الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بِفِعْله ولم يفعَلْه، كما هو واضح من كلام النَّووي؛ إذ إنَّ الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لا هو أنابَ عنْه أحدًا في تلك الصَّلاة، ولا هو انصرف بعد إقامتِها.


ونلاحظ أنَّ علماء من أمثال النَّووي وابن حجر يتعاملان مع الحديث ويَستنبطان منه الأحْكام الشَّرعيَّة المختلفة دونما حاجة إلى إقامة الحجَّة على أنَّ ما همَّ الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بفِعْله ولم يفعله هو دليل شرعي، وكأنَّ الأمر من البداهة في الاحتِجاج به بِحيث لا يحتاج إلى مزيد بيان، أو حتَّى لفت نظر.


في حين نرى علماء آخرين مثل ابن دقيق العيد يلفت النَّظر إلى أن ما همَّ الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بِفِعْله ولَم يفعَلْه يُعَدُّ حجَّة شرعيَّة، يُمكن إقامتُها على الحوادث والقضايا الَّتي تواجه الإنسان في حياتِه، معلِّلًا ذلِك بأنَّ الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يهمُّ بفِعْلٍ إلَّا إذا كان ذلك الفِعْل جائزًا؛ لأنَّ هذا ما يقتضيه مقام نبوَّته ورسالته.


ونراه يستدلُّ من الحديث المذْكور آنفًا على وجوب صلاة الجماعة وجوبًا عينيًّا، ويردُّ على مخالفيه من خلال مناقشة تلك الحجَّة؛ إذ يقول: "ومما أُجيب به عن حجَّة أصحاب الوجوب على الأعْيان ما قاله القاضي عياض - رحمه الله -: والحديث حجَّة على داود لا له؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - همَّ ولم يفعل، ولأنَّه لم يُخْبِرهم أنَّ مَن تخلَّف عن الجماعة فصلاتُه باطلة غير مُجْزِئة، وهو موضع البيان.


وأقول: أمَّا الأوَّل فضعيف جدًّا، إن سلَّم القاضي أنَّ الحديث في المؤمنين؛ لأنَّ النَّبيَّ لا يهمّ إلا بِما يجوز له ِفعلهُ لو َفَعَله، وأمَّا الثَّاني فهو قولُه: ولأنَّه لَم يُخْبِرهم أن مَن تخلَّف عن الجماعة فصلاتُه غير مُجْزِئة، وهو موضع البيان، فلقائل أن يقول: البيان قد يكون بالتَّنصيص وقد يكون بالدِّلالة، ولمَّا قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ولقد هممْتُ ..)) إلى آخره، دلَّ على وجوب الحضور للجماعة، فإذا دلَّ الدَّليل على أنَّ ما وجب من العِبادة كان شرطًا فيها غالبًا، كان ذِكْرُه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لهذا الهمِّ دليلًا على وجوب الحضور، وهو دليل على الشَّرطيَّة، فيكون ذِكْر هذا الهمِّ دليلًا على لازِمِه، وهو وجوب الحضور، ووجوب الحضور دليلًا على لازمِه، وهو الاشتراط، فذِكْر هذا الهمِّ بيان للاشتِراط بهذه الوسيلة، ولا يشترط في البيان أن يكون نصًّا كما قُلْنا، إلَّا أنَّه لا يتمُّ هذا إلَّا ببيان أنَّ ما وجب في العبادة كان شرطًا فيها، وقد قيل: إنَّه الغالب"[7].


أمَّا الذين ناهضوا دلالة ما همَّ الرَّسول - صلى الله عليْه وسلَّم - بفِعْله ولم يفعله، واعترضوا على حجِّيَّتها فقد قالوا: إنَّ الهمَّ هو شيْءٌ خطر على البال ولم يُنجز، فلا يعدُّ دليلًا[8]، وأوْردوا قولَه - تعالى -: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ [الحشر: 7] حجّة لهم؛ إذ إنَّ ما همَّ به ولم يفعلْه لَم يُؤْتِنا إيَّاه؛ لأنَّه لم يقع.


وهذا الاعتِراض في غير محلِّه؛ لأنَّ الهمَّ من الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يأتي وقد اقترن به دليل قولي صريح؛ لذلك فإنَّه مع وجود الدليل القوْلي يكون الهم قد خرج من كونه شيئًا خطر على البال - إن صحَّ هذا التَّعريف - إلى شيءٍ مصرَّح به ومعلن عنْه، فلو كان شيئًا قد خطر على البال فقط، لَما علِمْنا به؛ لأنَّ محلَّه سيكون ذهن صاحبِه، فلا سبيل لعلمنا به، ولكن مع الإعلان والتَّصريح أصبح دليلًا قوليًّا.


أمَّا الآية فإنَّ الإيتاء فيها معناه: إعطاء الأمر، وليس معناه إعطاء الفعل وإنجازه، قال القرطبي: "قوله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ [الحشر: 7]، وإن جاء بلفْظ الإيتاء وهو المناولة، فإنَّ معناه الأمر؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، فقابله بالنَّهي، ولا يقابل النَّهي إلا بالأمر، والدَّليل على فهْم ذلك ما ذكرْناه قبل مع قولِه - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((إذا أمرتُكُم بأمر فأتُوا منه ما استطعتُم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))"[9].


فضلًا على أن تعريف الهمِّ بأنَّه ما خطر على البال، تعريف فيه نظر، فلا يقال "هممت" بمعْنى ما خطر على بالي؛ لأنَّ الخاطر هو الهاجس والخواطر هي هواجس[10] النَّفس، وأحاديثها التي هي معْفو عنْها في أحكام الشَّريعة.


إنَّ الهمَّ هو من أقْسام العزم، الَّذي فيه من الإرادة ما يستطيع بها المرْء الإقْدام على الفعل[11]، يقول أبو هلال العسكري: "إنَّ الهمَّ آخر العزيمة عند مواقعة الفعل"[12].


وهناك من حاول أن يجعل للهمِّ معانيَ أُخْرى؛ محاولة منه إبْعَاد الشبهة عن سيِّدنا يوسف - عليْه السَّلام - وتأويلًا لقولِه - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ﴾[13]، قائلين: إنَّ الهمَّ الأول هو السَّعي والإرادة، أمَّا الثَّاني فهو الدَّفع والممانعة، ومنهم من قال: إنَّ امرأة العزيز عزمتْ على الفاحشة، أمَّا سيِّدنا يوسف فقد اشتهاها من غير عزيمةٍ؛ لأنَّ الأنبياء معصومون، ولا يعزِمون على الفاحشة[14]، وغير ذلك من الأقْوال.


قالوا ذلك مع أنَّ القرآن الكريم اسْتَعمل مادَّة "همّ" لكلٍّ مِن طرفي الحدث؛ أي: إنَّ المشاعر نفسَها والأحاسيس ذاتَها قد اعْتَلجت نفسيهما، وهي مشاعر وأحاسيس بشريَّة تنبع من معينٍ واحد هو الجبلَّة التي خُلِق عليْها الإنسان السوي، إن شاء استعْملها في الخير، وإن شاء استعْملها في الشَّرِّ.


إنَّ أسلوب القرآن الكريم المعجز غير عاجز عنِ استِعْمال لفظ آخر بحق سيِّدنا يوسف - عليْه السَّلام - يليق بمقامه النَّبوي، لو كان المراد من الآية تنزيه سيِّدنا يوسف عمَّا عدَّه بعضهم إنَّ ما وقع في نفسِه خطأ لا يتناسب ومقام النبوَّة؛ لهذا لجؤوا إلى إيجاد معانٍ أُخْرى لـ "همَّ" الثَّانية، وقاموا بتأويلها.


إنَّ الهمَّ في هذا المقام لا يختلف معْناه عن سابقه؛ إذِ المراد به الإرادة أيضًا، فلا داعي لمثل تلك التَّأويلات؛ لأنَّ الله - سبحانه وتعالى - قد عصم سيِّدنا يوسف - عليْه السَّلام - من الوقوع في الخطأ، ونزَّهه من ارتِكابه، فعقَّب مباشرة بعد الهمِّ الثَّانية بقوله: ﴿ لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ [يوسف: 24]، والرُّؤية هنا هي الرُّؤية المجازيَّة وليست الحقيقيَّة، وهذا تعبير عن تغليب النَّاحية الإيمانيَّة على الناحية العاطفيَّة؛ بِمعنى: أنه رأى وجه الصَّواب[15] فعدل عن الوقوع في الخطأ، هذا من ناحية.


ومن ناحيةٍ أُخرى، فإنَّنا مأمورون باتِّباع سيدنا محمد بأفعاله وأقوالِه وتقريراتِه، وهي الَّتي تسمَّى السنَّة النبويَّة، الدَّليل الثَّاني بعد القرآن الكريم، وهي الَّتي يجب أن نبحث فيها تفصيليًّا، أمَّا أفعال باقي الأنبِياء، فإنَّنا غير مكلَّفين بالبحث عنها إلَّا بقدْر تعلُّق الأمر بعصمتهم؛ أي: مدى تعلُّق الأمر بالعقائد وليس بالشَّرائع المختلفة بعْضها عن بعض.


يبقى هناك مَن يقول: إنَّ الهمَّ لا يعدُّ دليلًا؛ لأنَّ الرَّسول على الرَّغم من همِّه بتحْريق المتخلِّفين عن صلاة الجماعة، إلَّا أنَّه لم يفعل ذلك؛ لأنَّ التَّحريق حرام، والرَّسول لا يفعل الحرام، وقد روى البُخاري والترمذي والنَّسائي عن أبي هُرَيْرة - رضي الله عنه - قال: "بعثَنَا رسولُ الله في بعث، فقال: إن وجدتم فلانًا وفلانًا فأحْرِقوهما بالنَّار، ثمَّ قال رسول الله - عليْه الصَّلاة والسَّلام - حين أرَدْنا الخروج: ((إنِّي أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا، وإنَّ النَّار لا يعذِّب بها إلَّا الله، فإن وجدتموهُما فاقْتُلوهما))[16].


والجواب على ذلك: أنَّ هذا قد يكون من باب التَّهديد والوعيد بإيقاع عقوبة شديدة بسبب ترْك الواجب؛ لهذا فقد بوَّب البُخاري في صحيحه بابًا بعنوان: (باب وجوب صلاة الجماعة)، وأورد حديث المتخلِّفين المذكور آنفًا[17].


وهذا الوعيد والتَّهديد المقصود به إيقاع العقوبة بالآخرة وليس في الدنيا، إذ لو كان هؤلاء المتخلِّفون يستحقُّون ذلك العقاب أو الحدَّ، لما تخلَّف رسول الله عن تنفيذِه وإيقاعه، فثبت أنَّ المراد هو إيقاع التَّهديد والوعيد لما ينتظِرُهم في الآخرة من جراء ترْك صلاة الجماعة.


أمَّا أحكام الأفعال التي أراد الرَّسول أن يفعلها ولم يفعلها، فهي تدور بين الاستِحْباب والإباحة.


فإذا كان الفعل فعلًا تعبُّديًّا مثْل الصَّوم كما جاء في يوم تاسوعاء، فإنَّ حكم إيقاع هذا الفِعْل يكون الاستِحْباب أو النَّدب، أمَّا ما سوى ذلك فحُكْمُها الإباحة، وذلك مثل تَخْيِيره - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لأصحابِه في معركة الأحْزاب بين الدِّفاع بالقتال وبين دفْع جُزْءٍ من ثمار المدينة لفكِّ الحصار عنها، فقد ورد في السِّيرة النبويَّة: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد تفاوُضِه مع عيينة بن حصن قائِد الأحْزاب رجع إلى أصحابِه، وقال لهم بعد نقاش وحوار: ((إنِّي رأيتُ العرَب قد رمَتْكُم عن قوسٍ واحدة، فأحببتُ أن أصرِفَهم عنكم، فإن أبيتم فأنتم وذاك)).


ومثل قبول الهديَّة أو الهبة من أشْخاص، وعدم قبولها من آخرين بعيْنِهم لاعتبارات نفسيَّة، كإلْحاق الضَّرر المعنوي أو سوء التَّعامل الذي يترتَّب أحيانًا على قبول الهبة.


روى الأمام أحمد عنِ ابن عبَّاس - رضي الله عنْهُما -: أنَّ أعرابيًّا وهب للنَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - هبةً فأثابه عليْها، قال: ((رضيتَ؟)) قال: لا، قال: فزاده، قال: ((رضيت؟)) قال: لا، قال: فزاده، قال: ((رضيت؟)) قال: نعم، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لقد هممتُ ألَّا أتّهب هبة إلَّا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي))[18].


وأخيرًا:

لا بدَّ من التَّنويه إلى أنَّ الشَّارع قد بيَّن أحكامًا تتعلَّق بِما يهمُّ بفعلِه الشَّخص المكلَّف ولا يفعله، وتفصيل ذلك في قولِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عن أبي هُرَيْرة - رضي الله عنْه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((قال الله - عزَّ وجلَّ -: إذا همَّ عبْدي بسيِّئة فلا تكْتبوها عليْه، فإن عمِلَها فاكتبوها سيِّئة، وإذا همَّ بِحسنةٍ فلم يعمَلْها فاكتبوها حسنة، فإن عمِلَها فاكتبوها عشْرًا))، وفي رواية أخرى عن ترْك السيِّئة يقول: ((إنَّما تركها من جرَّاي))[19]،، والله أعلم بالصواب.

 


[1] أبو بكر الرازي: مختار الصحاح.
[2] دليل الفالحين.
[3] ينظر سيرة ابن هشام.
[4] قِرى: ضيافة.
[5] فتح الباري شرح صحيح البخاري.
[6] شرح صحيح مسلم للإمام النَّووي.
[7] أحكام القرآن، باب صلاة الجماعة.
[8] ينظر الشوكاني: إرشاد الفحول من علم الأصول.
[9] الجامع لأحكام القرآن: ج18 ص19.
[10] ينظر الفيروزأبادي: القاموس المحيط مادة (خطر).
[11] ينظر أبو هلال العسكري: الفروق اللغوية: ص101.
[12] المصدر السابق: ص103.
[13] سورة يوسف آية: 24.
[14] ينظر المصدر السابق ص104.
[15] الزمخشري: أساس البلاغة مادة (رأى).
[16] ينظر: طرح التثريب شرح التقريب: ج2 ص 314.
[17] المصدر السابق: ج2 ص 308.
[18] مسند الأمام أحمد: ج1 ص295.
[19] صحيح مسلم: ج1 ص66.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الدفاع عن السنة النبوية وطرق الاستدلال
  • السنة ومكانتها في الإسلام وفي أصول التشريع
  • وما آتاكم الرسول فخذوه

مختارات من الشبكة

  • مكاتبات الرسول صلى الله عليه وسلم للملوك تقرير للعقيدة ومنهج للدعوة ودلائل للنبوة - النجاشي أنموذجا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معجزات الرسول ودلائل نبوته .. انشقاق القمر(مقالة - ملفات خاصة)
  • معجزات الرسول ودلائل نبوته .. القرآن الكريم(مقالة - ملفات خاصة)
  • أنواع الدلالات وما تدل عليه من معان(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أسماء الله كلها حسنى(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • دلالة الاقتضاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدلالة المركزية والدلالة الهامشية بين اللغويين والبلاغيين(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • أثر المقاصد في تحديد دلالة الألفاظ: دلالة الأمر والنهي أنموذجا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله...)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
3- أحاديث هم النبي صلى الله عليه وسلم 0دراسة تأصيلية
أم إيثار - ليبيا 16-10-2016 07:21 PM

( أحاديث هم النبي صلى الله عليه وسلم - دراسة تأصيلية ) لو تفضلت علي بإفادتي هل يصلح هذا الموضوع كرسالة ماجستير ؟

2- طلب
هالة - المغرب 11-06-2015 02:05 PM

السلام عليكم ورحمة الله
ألتمس من الدكتور الكريم علي منصور آل عطية أن يرسل لي بحثه فقد حاولت الوصول الى المجلة ولم أنجح لأن موقعها الإلكتروني معطل

1- هم النبي بشي ولم يفعلة
علي منصور آل عطية - السعودية 01-01-2015 08:37 PM

لي بحث علمي محكم في مجلة الأصول والنوازل وقد نشر بالعدد التاسع بعنوان هم النبي بشي ولم يفعلة دراسة أصولية تطبيقية فيمكن الرجوع له للفائدة

د. علي منصور آل عطية
كلية الشريعة وأصول الدين
جاlعة نجران

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب