آخر تطورات الأوضاع في أراكان

آخر تطورات الأوضاع في أراكان

منذ شهور ابتليتُ بفضول مزمن يَحدوني إلى استيعاب ما أجهل، ويُلح عليَّ إلحاح الطفل الصغير الذي تنقر ذهنَه الرغبة وتصرُخ في دواخله الحاجة، ولا يعرف سوى ممارسة الاستفهامات لتلبية مُراده؛ إذ إن حاجتي إلى المعرفة تأتي بقدر حدة ما يَعتريني من فضول، في وقتٍ يؤمن فيه العقلاء أن الفضول ليس إلا سؤالاً وجيهًا يفتقر إلى إجابة شافية، وما عدا ذلك من الأحرى أن يُنثَر في مهبِّ الريح، ويترك بين شفاه الحمقاء.

و أما عن ثُلَّة قالوا بأن الفضول داء!

فلستُ أدري متى أبرأ منه، ولعلَّ الله أن يُطيله بي ما دام مُنحصِرًا في العلم، ويقود إلى مراتب العلماء ولو أدناها.

فالفضول الذي لازمني ملازمةَ طُويلِبِ العلم لشيخه يتكالب عليَّ ولا أعرف متى تسكن حدته، بيد أني أشعر بأعراضه تثور ثوران الحمم من بطن البركان، وتتفاقم كلما وقفتُ على ما يغيب أمره عني، وما أجهل فنه، وما لا أعي طريقته.

مثلما حدث معي في إحدى الليالي؛ حيث دخلتُ إلى موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" ورأيتُ ذلك الخبر المستغيث يتناقله الأصدقاء فيما بينهم، وقد كنتُ أشهده في أوقات كثيرة مختلفة سابقة وحديثة، ويَكاد صندوق الرسائل الخاص بي يختنق منه أحيانًا لكثرة ورودِه لولا إتاحة الخيارات، وقتها قد وقعَت عيني على رسالة جديدة تفاجأت أنها تحمل الخبر نفسه يقول قائلها بعد السلام وتحايا الود: "تابعونا غدًا على إذاعة نداء الإسلام، في مداخلة خاصة حول آخر تطورات الأحداث في أراكان، وأحوال المسلمين في بورما في شهر رمضان، مع الزميل أ. عمران الأركاني نائب مدير المركز الإعلامي الروهنجي"، ومثل هذا الخبر المتكرِّر عن الموضوع المعتاد هو سبب واحد من أسباب توقُّد الفضول في داخلي، قلتُ في نفسي: ما الذي سيقوله هذه المرة؟!

وهو طيلة ما مضى من أشهر يتحدَّث - وحديثه مقيَّدٌ - عما يستجد من أوضاع وما يَحدث من تطورات في بلاده، وأي تطورات تلك التي تُشهد؟

أوقائع مُتجدِّدة تجري فتسعفه في أن يُعدَّ مادة جديدة جيدة تشرَح الوضع وتفصل الأحداث، دون أن يُثير السآمة لدى المُستمع ولا أن يُقصر في احتواء المواضيع وحكاية المستجدات؟!

ماذا عن الأوضاع في أراكان؟ أحتى هذه اللحظة حرب البوذيِّين ضد المسلمين قائمة؟

ما نوع التطورات التي يُناقشها؟ هل من تغيُّرات؟

على الرغم من أن الاستفسار عن ذلك كله ليس بالأمر الصعب، والعثور على الأجوِبة الأكيدة في غاية السهولة، إلا أني كنتُ كمَن ينعم بحظٍّ وفير من الكبرياء تلسعه الحاجة إلى المعرفة فيأبى أن يَلين لغير طريقته وهو أفقر العالمين إلى التعليم، وما كنتُ كذلك إلا لأحطِّم الجهل الذي يقبع بين زوايا عقلي وأنطلِق نحو عالم الإدراك بخطوات ثابتة لا تزعزعها رياح الاتكال.

أما عن تلك الأسئلة الشرسة فحيِّي هلا بالمذياع، وبالمحطة طريقي إلى الارتواء المعرفي والخلاص من نزعات الفضول التي هي في الحقيقة عاصِفة جهل وقلَّة إحاطة!

هُنا إذاعة نداء الإسلام:

في الثالث والعشرين من يونيو لهذا العام "اكتشف مُراسل وكالة أنباء أراكان ANA أن لجان تفتيشية بوذية مدعومة من الحكومة الميانمارية أخذت تتجوَّل مؤخرًا في كثير من المدن والقرى الروهنجية جنوب أراكان؛ وذلك بحُجة القيام بعملية إحصاء اعتيادية لأفراد الأسر والأهالي لمعرفة أعدادهم، مضيفًا أن اللجنة تؤكِّد على نفي أن تكون هذه العملية امتدادًا لعملية التعداد السكاني التي تمَّ إجراؤها في ميانمار قرب شهرين تقريبًا".

"تقوم الحكومة الميانمارية بمُحاصرة قرى الروهنجيين وأحيائهم وتمنعُهم من الخروج والتقدُّم للدفاع عن أنفسهم ضد الانتهاكات البوذية المتكرِّرة".

كنت ما أزال بحاجة إلى متابعةٍ أكثر وها هي المداخَلة الأخرى: في السابع من يوليو لهذا العام طالبت مُنظمات حقوقية حكومة ميانمار بوقف انتهاكات حقوق الإنسان ضد مسلمي الروهنجيا في إقليم أراكان داعيةً كذلك إلى الإفراج الفوري عن المحامي الحقوقي كياوهالا الذي يمثل أمام القضاء في السابع من يونيو الجاري لمواجهة عدة تهم ملفَّقة من بينها: الشغب وحمل السلاح.

ووُجِّهت هذه المطالبات من قِبَل المرصد العالمي لحقوق الإنسان والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان والمنظمة الدولية لمكافحة التعذيب بأن هناك اضطهادًا من قبل حكومة ميانمار للأقلية المسلمة التي صنَّفتها الأمم المتَّحدة بأنها الأقلية الأكثر اضطهادًا وعنفًا في العالم.

صمتًا يا مذياع!

أتحسب بأنك قادر على أن تحرِّك شهامة العرب من البشر، بينما هم يأخذون الأخبار منك خبرًا تلو خبر، يَقرؤون ويسمعون ما يحدث لبلاد المسلمين وما يجري لإخوانهم، يرون ترنُّح الدول المستضعفة وانهيار أراكانها أمام جبروت العدوِّ وبطشه، يُشاهدون أغوار جراحاتها وتَصِلُهم أنات شعوبها المغلوبة على أمرها وليس من نتيجة سوى الخذلان واللامبالاة والانهزام المُبين.

إيه يا مُذيع شابهت المذياع فما ظفرت!

أراك تَصرخ بالنيام، وتنام على الأحلام، وتستيقظ على الأوهام!

فما دامت آمالك بالعرب ستعود لك بالحُمى والجرب.

كنا يا صائحًا:

نظنُّ بأن الوضع في أراكان إما أن يكون مُظاهرة يوم، أو حرب سنَة، أو معاناة حدث سرعان ما سينقضي دون طول مكثٍ، وتعود الحياة والأمان والعيش الهانئ.

ومن وقت قريب علمنا جيدًا أنه أقسى من أن يتصوَّره إنسان ويُطيقه بشر، إذ إن حرب البوذيِّين على المسلمين حرب تفنُّن عدائي وابتكار إجرامي مُستقصد.

علِمنا أن الأوضاع تتطور إلى ما هو أسوأ، والحديث عنها لا يَستوعبها كاملةً، رأينا كَم يُمارس على المسلمين بأراكان بورما من طرق متعدِّدة من التعذيب، وأقساها أن يُلقى الروهنجيُّ المسلم في اللهيب، وكلما زحف خارج النار بما بقي فيه من حيل ضئيلة يريد النجاة إلا ويُضرب بالسواطير حتى تخور قوته ثم يُسحب ويلقى في قلب النار مجددًا ولا يبقى منه شيء، وهذا النوع من أنواع التعذيب والجرم الذي يحدث لمسلمي الروهنجيا على وجه التحديد هو لقطة تصويرية توضِّح تلاشي الديانة الإسلامية في أراكان على المدى البعيد إن بقي الحال على ما هو عليه الآن.

اليوم عرفت ما هي أراكان بورما والأحداث فيها، وما كنتُ من قبل أراها على الخريطة!

لم يكن الفضل للمِذياع، بل لإحدى نزعات الفضول.

ونزعة منها:

هل ستبقى أراكان في خارطة الإسلام!

وأخرى تأخذُني إلى آخر تطوُّرات أوضاع العرب.