• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / محمد صلى الله عليه وسلم / دراسات وبحوث
علامة باركود

الرحمة المهداة

الرحمة المهداة
عبدالفتاح آدم المقدشي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/10/2012 ميلادي - 7/12/1433 هجري

الزيارات: 11468

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الرحمة المهداة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفصل رسل العالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فلقد أصابتنا صدمةٌ عظيمة مما سمعنا من الشتائم بجناب سيد ولد آدم، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة إلى البشرية كلهم، وقد قال - تعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

فكما قيل: المرء عدو لِما جهل، ومن الجهالة العمياء أو التجاهل المتعمَّد: التعامي عن شرف وعِظَم سيد ولد آدم؛ فآثار المصطفى وأعمالُه وتاريخه والأمة التابعة له - غيرُ خفية، ولكنه الحقد والحسد الدفين في قلوب هؤلاء الشعوب؛ قال - تعالى -: ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118].

 

وإننا إذ نعلم أن الغرب تتلمذوا لأساتذتهم المسلمين، واستفادوا منهم الكثير من العلوم المتنوعة التي طوروها فيما بعد، ويتبجحون بها اليوم، فقد كان المسلمون مدة طويلة من الزمن وقرونًا تترا يحكمون بعضًا من بلدانهم، والتي كانت الأندلس أعظمَها وأشهرها، وما أدراك ما الأندلس؟! تلك البلاد التي أناخ المسلمون بنورهم بتخوم ديار أوروبا فتنورت واستنارت؛ ليستضيء بها الغرب في ظلماته التي يعيش فيها، ويقتبس منها في حياته المظلمة.

 

فعجَّت الأندلس بعلماء المسلمين في ذلك العصر، بفنون علومهم المختلفة قرونًا متتابعة، فبنوا فيها صرحًا علميًّا عظيمًا؛ فانتفع بهم العباد والبلاد كلها، بل مسلمهم وكافرهم، فلا استعباد ولا تعذيب ولا محاكم تفتيش، بل حرية حقيقيَّة للجميع، ورعاية حقوق إنسان حقيقي و: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43].

 

بل الغربيون لا ينكرون ذلك، ويقرُّون به[1].

 

ونود هنا أن نبيِّن لهم أنهم أيضًا بأمسِّ الحاجة إلى أن يدرسوا دين الإسلام الحق، ويأخذوا به؛ ليسعدوا به في الدنيا والآخرة، أو يستحيوا ويحترموا أساتذتهم ويسكتوا، كما نطالبهم بأن يأتوا بحجج وعلوم تناقض ما نحن عليه من الحق المبين، أو تبين ما وقعنا فيه من الباطل، إن كانوا صادقين.

 

وأيضًا نعلم أنهم أقاموا في بلدانهم جامعات[2] يدرَّس فيها العلومُ الإسلامية؛ لإبطال الحق وإحقاق الباطل، ولكن أنى لهم ذلك وهيهات!

 

ونحن إذ نبين هذه الحقائق نتحداهم أيضًا هنا أن يأتوا بما يناقض دينَنا الحق، فإن لم يستطيعوا فليسلِّموا لهذه المعجزة الخالدة، وليكفُّوا عن السباب والشتائم، وإنما يستخدم هذا الأسلوبَ السخيفَ من الشتائم والسباب السفيهُ العاجزُ الضعيف المخذول.

 

قال - تعالى -: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23].

 

وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].

 

والحقيقة أن الغربَ ما منعهم من اتباع الحق إلا الحسدُ بعد ما تبين لهم الحقُّ؛ ولذلك تراهم ما زادوا إلا السباب..

 

وقد تولَّد من هذا الحسد ما ذكره اللهُ لنا في كتابه:

1- أنهم لا يودُّون أن ينزلَ اللهُ علينا من خير؛ قال - تعالى -: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 105]، فخيرٌ هنا نكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ أي: من أي خير، سواءٌ كان قليلاً أم كثيرًا.

 

2- ودَّ كثير منهم لو يردوننا من بعد إيماننا كفارًا؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109].

 

3- أن نحذر منهم إذ ما بدا منهم من العداوات، وما تخفي صدورُهم أكبر منها.

 

4- أن يحذر المسلمون حبَّهم ومودتهم؛ فإنهم إن أبدوا محبةً فليست حقيقية، وإنما ذلك لينالوا غرضًا من أغراضهم؛ قال - تعالى -: ﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ ﴾ [آل عمران: 119].

 

بل هذا واجب الولاء والبراء؛ فمن تركه فهو مرتد خارج من دين الإسلام المنزل، ومتخذ دينًا غير دين الله الحق الذي أنزله الله على محمد رسول الله؛ قال - تعالى -:﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا ﴾ [الفتح: 29] الآية.

 

ثم اعلم أن الله بيَّن لنا سوء طويّة الكفار وخُبث نياتهم فيما وراء تكذيبهم لرسول الله، ألا وهومحضُ التكذيب بآيات الله وجحدها؛ حسدًا من عند أنفسهم؛ قال - تعالى -: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33].

 

وذكر محمد بن إسحاق، عن الزهري، في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل، هو وأبوسفيانصخربنحرب، والأخنس بن شريق، ولا يشعر واحد منهم بالآخر، فاستمعوها إلى الصباح، فلما هجم الصبحُ تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقال كلٌّ منهم للآخر: ما جاء بك؟ فذكر له ما جاء له، ثم تعاهدوا ألا يعودوا؛ لِما يخافون من علم شباب قريش بهم؛ لئلا يفتتنوا بمجيئهم، فلما كانت الليلةُ الثانية جاء كل منهم ظنًّا أن صاحبيه لا يجيئان؛ لِما تقدم من العهود، فلما أجمعوا جمعتْهم الطريق، فتلاوموا، ثم تعاهدوا ألا يعودوا، فلما كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضًا، فلما أصبحوا تعاهدوا ألا يعودوا لمثلها (ثم تفرقوا)، فلما أصبح الأخنسُ بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أباسفيانبنحربفي بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعتُ أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفتُ معناها ولا ما يراد بها، قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به، ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه في بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيُك فيما سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرفَ، أطعموا فأطعمنا [ص: 252]، وحملوا فحملنا، وأعطَوْا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الرُّكَب، وكنا كفرسَيْ رهان، قالوا: منَّا نبيٌّ يأتيه الوحي من السماء! فمتى ندرك هذه؟! والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدِّقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه.

 

وروى ابن جرير، من طريق أسباط، عن السدي، في قوله: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33] لَمَّا كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة، إن محمَّدًا ابنُ أختكم، فأنتم أحقُّ من كفَّ عنه، فإنه إن كان نبيًّا لم تقاتلوه اليوم، وإن كان كاذبًا كنتم أحقَّ من كف عن ابن أخته، قفوا هاهنا حتى ألقى أبا الحكم، فإن غَلب محمَّدٌ رجعتم سالمين، وإن غُلِب محمَّدٌ فإن قومكم لم يصنعوا بكم شيئًا، فيومئذ سمِّي الأخنس: وكان اسمه أبيًّا، فالتقى الأخنس وأبو جهل، فخلا الأخنس بأبي جهل فقال: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمَّد: أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا من قريش غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل: ويحك! والله إن محمدًا لصادق، وما كذب محمَّد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجاب والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟! فذلك قولُه: ﴿ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33]، فآياتُ الله: محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلَّم؛ اهـ؛ ذكره ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية.

 

وهذا الذي فعله الكفار - خصوصًا بني إسرائيل التي هي وراء هذه الفتنة وكل الفتن في هذا العالم - متعمَّدٌ كما لا يخفى، والمقصود واضح، وهو تجربةُ غيْرة المسلمين، وما هم قادرون أن يفعلوا، وإظهار مدى ضعفهم في دفاعهم عن رسولهم - صلى الله عليه وسلم - وقد يكون ذلك مقدمةً لفعل تعديات أخرى؛ كهدم مسجد الأقصى والعياذ بالله، أو ربما هي وراء أهداف خرافة "الهرمجدون" التي يعتقدونها؛ ليستعجلوا حرب ملاحم تقع بين المسلمين والنصارى، كما هي قائمة بل وأكثر وأعظم.

 

وقد قال - تعالى -: ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴾ [المائدة: 64].

 

ولقد عاثت اليهودُ في الأرض فسادًا عظيمًا، وطغت طغيانًا كبيرًا، وبغت بغيًا عظيمًا، وأوقدت النار للحرب، وأوقعت المجازر بالمسلمين هنا وهناك، فمن تظنون أن يطفئ نيرانهم يا ترى؟ أجنود تنزل من السماء؟ أم أنتم في انتظار المهدي؟ أم أنتم في انتظار الوعد المذكور في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أم ماذا؟!


ولقد وصل اليهودُ في هذا الزمان إلى طغيانَ فرعون، وما بقي إلا أن تدَّعي الألوهية، وأنها تملك هذه الدنيا مشرقًا ومغربًا، وتقول عارضة عضلاتها: من أشدُّ مني قوة؟!

والجواب سهل، وهو أن نقول لهم: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 15]، ولكن، أين المتيقنون بهذه الحقيقة؟ فبعض الناس - هداهم الله - لم يؤمنوا بربهم حق الإيمان؛ ليتجاوزا هذه الابتلاءات بنجاح؛ أي: بصبرٍ ويقين وتقوى وتوكل؛ قال - تعالى -: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120]، وقال - تعالى -: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].

 

والمؤمنون الحقيقيون هم المعتصمون بربهم حقَّ الاعتصام، المطبقون بشريعة رب العالمين لا بشريعة الشياطين، والمجاهدون الذين يجاهدون مع قلة العدد والعدة، كما جاهدت بنو إسرائيل لَمَّا ظُلموا مع قلة عَدَدهم وعُدَدهم أمام أعدائهم.

 

وقد قالت الطائفة المؤمنة القليلة المستيقنة بلقاء ربها، الناجحة، والذين لم يضعفوا أمام الابتلاءات، بل وصبروا وصابروا أعداءهم، وآثروا الآخرة على الدنيا: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].

 

وهذه سنَّة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.

 

وقد جرت سنةُ الله في خلْقه أن يهلك الأممَ التي تكذب رسولَها إن كان عددهم قليلاً، ويبتلي بالجهاد الأمم الكثيرة؛ كبني إسرائيل، وأمتنا التي هي خيرُ الأمم على الإطلاق، وذلك إن قمنا بالواجب الذي أمرنا الله - سبحانه وجلَّ جلاله - به.

 

قال - تعالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، فكأن اللهَ يشير في هذه الآية إلى ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للإيمان؛ لتقديمه - سبحانه - من ذكر الإيمان بالله، وأن الخيريةَ لا تأتي أبدًا بإيمان بلا أمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر، بل هذا خسارة وهلاك في الدنيا والآخرة؛ كما أوضح الله - سبحانه - ذلك بما جاء في سورة العصر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فخيرُ ما يُؤْمر به المعروف، وينهى به عن المنكر: الجهاد في سبيل الله"؛ أفاده في كتاب الاستقامة.

 

قلت: وخير دليل على ذلك سيرةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - التي عاشها في فترة مكة، فإنه لم يتجاوز المؤمنون في هذه الفترة - التي هي أطولُ من فترة مكثه بأبي هو وأمي - في المدينة مجردَ مئاتٍ.

 

ولَمَّا أسَّس دولتَه في المدينة وحكَم وعدل وأحسن، وجمع الفرقاء المتناحرين، وجاهد في الله حقَّ جهاده، وأعزه اللهُ ببدر، وأكرمه - تحولت الأعدادُ إلى آلاف في فترة وجيزة جدًّا، فضلاً عن السنوات التي أعقبها اللهُ بعد ذلك، فجعلهم اللهُ في أوج العزة والسيادة في جزيرة العرب، حتى وصلت أعداد المسلمين إلى عشرات الآلاف من المسلمين المجاهدين المنتصرين.

 

والله - سبحانه وتعالى - قال: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 191]، ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 217]، فما فتنة أكبر من فتنة تكفير المسلمين والطعن في دينها ونبيها وإحراق كتابها في مرأى ومسمع.

 

فمن يَرْجُ رحمةَ الله ومغفرته ورضوانه فليعمل بما أعقبه اللهُ بعد ذكره - سبحانه -: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 217]، قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218].

 

فإذا لم ندافع عن ديننا الحق، فوالذي لا إله إلا هو، إني أخاف أن يرتد كثيرٌ من العوام استحياءً من العيب الذي لطخ بدينهم، الذي كان الواجب أن يعتزوا به وبنبيهم الكريم الذي أهين - وللأسف الشديد - ونحن مع ذلك كله - أمة لا إله إلا الله - شاهدون على ذلك، ونعيش في هذا الوضع الشائن والله المستعان، ولا ريب أن المسؤولية ستقع على عاتق كل قادر ومستطيع في صد هذا العدوان المتكرر المتعمَّد فأعرض عنه، واتبع هواه ودنياه، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

 

فالمؤمنون الحقيقيون هم الذين يتيقنون بالنصر الموعود من قِبَل ربهم، والله لا يخلف الميعاد، والذين يدعون بما جاء في هذا الدعاء: ﴿ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].

 

وقال - تعالى - في سورة سبأ: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾ [سبأ: 22].

 

وقد قال - تعالى -: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141]، ولو كنا مؤمنين حق الإيمان كما يريده الله منا - لكانت الأمورُ كما قاله الله - تعالى - وبيَّنه في هذه الآية الكريمة.

 

ولكن الحقيقة والواقع هو لَمَّا فُقد مِنَّا شرطُ الإيمان وحق الإيمان، سلَّط الله علينا الكفار، حتى انبطحنا تحتهم، وأصبحنا من السافلين، وهكذا جاء مثل هذا الشرط في قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].



[1] فالكتب المؤلَّفة في إقرار عزة الإسلام وأهله من قِبَل الغرب كثيرةٌ، منها: كتاب وقع في يدي اسمه "the Europe and old world" أوروبا والعالم القديم، وقد أشاد مؤلِّفه بحضارة المسلمين، وذكر أن المسلمين في العالم القديم تقدَّموا في الطب والهندسة، وكانوا تجارًا كبارًا حتى قال: كلمة (الجبر) اسم عربي، وهي كذلك، بل قال: حتى الأرقام التي يستخدمونها اقتبسوها من العرب، وقد كانوا يستخدمون الأرقام بطريقةٍ صعبة، عبارة عن ألفات عريضة مكلفة متعبة، وإن كانوا على سبيل المثال أرادوا أن يكتبوا ثلاثة فيكتبون (111)، وهكذا.... وإن كانوا إلى الآن يستعملونها في الفصل بين أجزاء كتاب الواحد.

[2] هؤلاء هم المشهورون باسم المستشرقين، وهم الذين يبحثون ويدرسون الإسلام؛ ليُظْهِروا عيوبَه، وليجادلوا به المسلمين.

ومنها على سبيل المثال قولهم: إن مريم ابنة عمران التي ذُكِرَ في القرآن أنها أخت لهارون - خطأ؛ لأن هناك مدةً كبيرة بين موسى وعيسى.

وهذا من ضمن شبهاتهم الرخيصة، فما المانع أن يكون لمريم أخ باسم هارون، وأب باسم عمران.

والغريب في الأمر: أن يرفع الغرب عقيرته الآن بما يسميه الإسلام "devil" ؛ أي: شيطان، مع عظيم ما رزقَ اللهُ أمَّةَ الإسلام من قيم وأخلاق واحتشامٍ وكرم، ومع ما يعيشه الغرب من تدنٍّ في الأخلاق، وتبنِّي زواج الشذوذ، ورعاية حقوقهم، وشرب الخمور، وأكل الخنزير، وغير ذلك مما لا نستطيع إحصاءه.

إذًا فهم دائمًا يجادلون بمثل هذه الأمور السخيفة التي يأباها الواقع والعقل، فيبوءون - بحمد الله - بالفشل أمام علماء الإسلام والدين الحق، بل وعوامهم؛ ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة
  • نبي الإسلام، الرحمة المهداة للعالمين
  • المنحة في الإساءة إلى الرحمة المهداة
  • الرحمة
  • الوصية المربحة للبقية المصلحة؟
  • وارحمتاه
  • الرحمة المهداة
  • مهداة إلى الرحمة المهداة (قصيدة)
  • محمد - صلى الله عليه وسلم - الرحمة المهداة
  • سحائب الرحمة (خطبة جمعة)
  • وقف رسول الله الرحمة المهداة
  • تجليات الرحمة الإلهية وكيف نحصلها (خطبة)
  • الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم (خطبة)
  • إنه الرحمة المهداة فاقتدوا بهداه صلى الله عليه وسلم
  • خطبة الرحمة

مختارات من الشبكة

  • الرحمة المهداة: مظاهر الرحمة بالبشر في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • عالمية الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إبراهيم الرحمة المهداة(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • وقفة مع قصيدة الرحمة المهداة في ديوان إجهاشة النبض للشاعر حمد بن محمد علا الله حكمي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الرحمة المهداة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرحمة المهداة(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • الرحمة المهداة (صلى الله عليه وسلم) (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الرحمة المهداة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الرحمة المهداة، محمد صلى الله عليه وسلم (WORD)(كتاب - الإصدارات والمسابقات)
  • الرحمة المهداة (سيرة الرسول الكريم WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب