مشروعات رمضانية

مشروعات رمضانية

إن الإيمان أغلى قضية يعيش لأجلها الإنسان الحكيم الرشيد.

وإن رمضان موسم من أعظم مواسم الإيمان، وأزكى مواسم العبادة، وإنه لحريٌّ بالمسلم أن يضع لنفسه خطةَ مشروعات في رمضان تصل به إلى رضا الله - سبحانه وتعالى.

وقد سبق لي أن تناولت بعضًا من هذه المشروعات، والآن نقف عن كثبٍ على طرائق هذه المشروعات:

1- مشروع تجديد الإيمان:

من اللازم للإنسان أن يجدِّد إيمانه، ومن ثمرات تجديد الإيمان: زيادة الإيمان، وتمكُّن الإيمان، وتجديد الإيمان له سبيل من استحداث طاعات، أو استِحداث خصائص في الطاعات، وإن رمضان لحريٌّ أن يجدِّد فيه الإنسان إيمانه.

إما باستحداث طاعات لم يكن يفعلها من قبل؛ مثل: ورْد قراءة ثابت للقرآن الكريم، أو الحفاظ على صلوات النوافل، إن لم يكن يحافظ عليها، أو التوسعة من الإنفاق كما لم يكن من قبل، أو قراءة العلم النافع من كتب التفسير والحديث والفقه، والسيرة والرقائق.

وإما باستحداث خصائص في هذه العبادات؛ كأن يَنتقِل من مستوى قراءة القرآن إلى مستوى تدبُّره، ومنه إن كان يفعله إلى مستوى الانشغال بتطبيقه، وكأن يَستحضِر مستوى أعلى من الخشوع في الصلاة وإطالتها، وتحسين أدائها والاهتمام بوقت استحبابها، وكأن يفرِّع على إنفاقه - إن كان من أهل الإنفاق - إيتاء الهدايا أصحابه وجيرانه، وكأن يسعى بين الناس بما علِم إن كان من طُلاب العلم، فيُسارِع بأداء ما تعلَّم من علم جديد قبل أن يفوت يومه الذي تعلم فيه جديدًا، وهكذا.

وهذا المشروع الكلام فيه عام يُخصِّصه ما يأتي:

2- مشروع معرفة ألفاظ القرآن الكريم في رمضان:

• الهدف: معرفة معاني ألفاظ القرآن الكريم المُشكلة على القارئ؛ مثل: ضيزى، كفاتًا، عسعس، وسق واتسق، طبقًا عن طبق، باسرة، فاقرة، قترة، وأمثال ذلك.

• الدافع: انشغال معظم الناس تحت ضغوط الحياة عن فَهم معاني القرآن الكريم أثناء القراءة، فضلا عن تدبُّرها العميق، ومعرفة تفسيرها، وأسباب نزولها، عملاً بقاعدة: ما لا يُدرك كله لا يترك كله.

• التنفيذ: قراءة جزء من القرآن يوميًّا في رمضان، ثم كتابة الكلمات التي لا يعرف معناها على هامش الصفحة، حتى إذا انتهى من ورْده، جمَع هذه الكلمات وجعل يتعلمها من كتاب لغةٍ أو تفسيرٍ، أو بسؤال شيخ من الشيوخ.

• الثمرة: درجة للأمام في مجال "تدبر القرآن الكريم"؛ عملاً بقوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].

3- مشروع حفظ ومُراجعة لسور من القرآن الكريم:

يتفرَّغ الناس عادةً في رمضان، وتقلُّ ساعات العمل؛ مما يُعطي الإنسان فرصةً للانشغال بأعمال الدين التي مِن أحبِّها وأعلاها حفظُ القرآن الكريم، فهو فُرصَة عظيمة لمن فاته تدارُك ذلك، أو انشغل عنه، حتى توانتْ نفسه وفقَد العزيمة على المضيِّ فيه، فيبدأ مَن لم يحفظ بالحفظ، ويبدأ من كان يحفظ في استرجاع حِفظه، خاصةً بعد الفجر، في الوقت الذي يتنفس فيه الصباح، وتصفو فيه الطباع، ويقوى فيه الذهن.

4- مشروع قراءة كتاب من كتب السنَّة الصحيحة:

إن مشروع قراءة السنة من أعظم المشروعات العلمية في حياة الإنسان؛ فمن حيث قيمة التعرف على كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ألا إني أوتيتُ القرآن ومثله معه))؛ [مسند أحمد: 71213]، فجعل السنَّة مثل القرآن من حيث التشريع؛ ولذلك كان القرآن والسنَّة الصحيحة الثابتة أصلاً تشريعيًّا واحدًا وليس أصلين.

ومشروع قراءة السنة النبوية يُعتبر أول درجات العلم الحقيقي النافع، ويُعتبر الأصل الذي يَنبني عليه علَّة الفقه؛ إذ أصول الفقه علم استنباط الأحكام من النصوص، والفقه هو أحكام هذه النصوص، والنصوص التي يَبني عليها العلماء هي نصوص القرآن والسنة.

ويستحب للمبتدئ في هذا الأمر أن يتوفر في رمضان لقراءة ما سهُل من هذه الكتب من المصنفات الصغيرة، ثم يتدرج إلى الأكبر؛ كأن يبدأ بالأربعين النووية مثلاً، ثم جامع العلوم والحكم، ثم رياض الصالحين، ثم الترهيب والترغيب، ثم الصِّحاح، وهكذا، أو يستشير أحد المشايخ في كيفية البدء في هذا المشروع.

5- مشروع تعلُّم فقه الصيام من كتب السنة وكتب الفقه:

بعض الناس ليسوا على ثبات في مسائل فقه الصيام، يحسن لهؤلاء أن يتهيَّؤوا لمشروع تعلُّم أحكام الصيام في مظانها كلها خلال رمضان؛ سواء من كتب السنة، أو كتب الفقه العام؛ ليكون الأمر بالنسبة لهم مقام البحث التجميعي لهذا الباب، ويمكن أن يسجِّل ما وصل إليه من مسائل مختلفة عصرية وقديمة في ملف خاص؛ ليكون مثل كتاب جامع عن الصيام وأحكامه ونحو ذلك.

6- مشروع العمل الجماعي في أمر نافع:

يحسن التواصي بالعمل الجماعي؛ لأنه يقرِّب النفوس ويؤسِّس للأخوَّة في الله تعالى، وكل أهل حي أدرى بما يحتاجه هذا الحي من أعمال خيرية مالية واجتماعية وما أشبه.

7- مشروع الدعوة إلى الله في رمضان:

يحسن بالمسلم أن يكون داعيةً لله تعالى، وهنا أنبِّه على أمرين غاية في الأهمية:

الأول: أن كل مسلم داعية في الأصل من مُنطلَق قوله تعالى: ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ [آل عمران: 114]، وليس الداعية فقط من اشتَهر شخصه وراج كلامه، وإن كان هذا داعية من مقام رفيع، إلا أن الدعوة لا تقتصر عليهم.

الثاني: أن الداعية إلى الله ليس مطالبًا أن يكون عالمًا راسخًا، وإنما يكفيه أن "يدعو بما علِم وعمِل"، وإذا أدَّى كل مسلم هذه الثلاثية، فأرجو أن ينجو برحمة الله تعالى، فالمسلم لا محالة لا بدَّ أن يعلم من أمور الدين أشياءَ صحيحةً ثابتةً، فيلزمه حينئذ العمل بما علِم، ثم يكون المقام الثالث أن يدعو الناس إلى ما علَّمه ووفَّقه الله تعالى للعمل به.

وقيمة ذلك أن الدعوة إذا كانت ثمرة العلم والعمل، كانت صحيحةً وخالصةً لله، وينجو الإنسان من عذاب من يأمر بالمعروف ولا يفعله، ومَن ينهى عن المنكر ويأتيه، والعياذ بالله تعالى.

خاتمة:

العمل على مشروع واحد من هذه المشروعات، أو تفريقها بين الإخوة:

من البديهي أن مسلمًا لا يستطيع تنفيذ كل هذه المشروعات مرةً واحدةً، ولكن ليأخذ منها بما يستطيع، ومما تَميل إليه نفسه، ويَقبله عقله وطبعه، والخير كثير يأخذ منه كلٌّ بطرف.

امتداد هذه المشروعات لما بعد رمضان:

أهم ما في العبادة التي تتجدَّد أنها تُلْتَزَم، فليكن من ضمن هذه المشروعات مشروع تمديد العمل بهذه المشروعات فيما بعد رمضان؛ لتستمر وتتسع ولو بوتيرة بطيئة، فإن العمل القليل الدائم يُثمر مع الأيام ما لا يُثمره العمل الكثير المُنقطِع.

والله أسأل أن يوفِّق هذه الأمة لما فيه الخير والرشاد، وأن يردَّنا إليه مردًّا جميلاً، وأن يجعلنا من العالِمين به العاملين بأمره، آمين.