• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب / مدارسة القرآن في رحاب رمضان
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (6)

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/4/2013 ميلادي - 13/6/1434 هجري

الزيارات: 12375

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات (183: 184) (6)


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 183-184].

 

إن الله شرف العرب أكبر تشريف وأكرمهم بأعظم مكرمة في مثل هذا الشهر مما يقرب من أربعة عشر قرنًا بإنزال هذا القرآن العظيم بلغتهم العربية الكريمة مختارًا لها أن تكون هي اللغة الرسمية في جميع بقاع الأرض.

 

ولقد انتشرت لغتهم في أغلب المعمورة وقت أسلافهم الذين شكروا نعمة الله بالعمل، ورعوا أمانته في حمل رسالته حق رعايتها، وما أجدرنا اليوم بعرفان قيمتنا بين الأمم، وذلك بتوزيع الوحي المحمدي الذي ورثناه لتنتشر لغتنا أكثر من قبل وأوسع، ولنكون أساتذة العالم وحملة النور والصلاح والهداية والسلام ومصدري المثل العليا والمبادئ الصحيحة للعالم.

 

فنحن أمة التصدير كما أوجب الله علينا ذلك، ومن لم يقم بالتصدير انعكس أمره فكان مستوردًا.

 

ولا يليق بهذه الأمة أن تنحط من مقام العلو والتصدير إلى هاوية السفل والاستيراد هاهنا، هذا لا يرضي به إلا الصعلوك الذي جعله الله صفر اليدين من كل هدي ورسالة، ولكن هذه المهمة الجليلة التي هي توزيع الهداية والقيام بتطهير الأرض من الكفر والظلم تتطلب منا حسن التقبل أولا لما أنزل الله علينا، وأن نقف الموقف المشرف من القرآن، ونعطيه حقه الذي أوجبه الله، بل نعطيه حقوقه الكاملة، وهي أولًا أن نفرح به أعظم فرحة، إذ يجب أن نفرح به فرحة لا تشبهها أي فرحة بأي شيء من متع الدنيا ولذائذها؛ لأن من كانت فرحته بمتع الدنيا ومكاسبها أعظم من فرحته بهذا القرآن فهو مريض القلب، ناقص التفكير، لاسيما إذا كان عربيًا مسلمًا، لأن كل شيء في الدنيا يزول ويحول وينتقل من المرء إلى عدوه، وبعض النعم تكون مفسدة أو مهلكة، ولكن نعمة القرآن هي نعمة الوحي والرسالة الخالدة.

 

نعمة الهداية الأبدية العامة في كل شيء، ونعمة العزة والقيادة والسيادة العالمية لمن أحسن التصرف فيها وزحف بها إلى الإمام، كما فعل أسلافنا الذين تخرجوا في مدرسة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهي نعمة لا يعدلها نعمة، وهي منحة لا يعدلها منحة.

 

هي نعمة فيها الشفاء الصحيح للصدور من مرض الشبهات ومرض الشهوات، وهي نعمة يحصل بها المعرفة الصحيحة للحقائق ويتميز بها الخبيث من الطيب والصادق من المنافق، وهي نعمة يحصل بها الوحدة الصحيحة التامة العامة لجميع الأمة، وبعدم التزامها تمامًا تحصل الفرقة والشقاق البعيد.

 

وهي نعمة يحصل بها الأمن الصحيح والعيشة الراضية السليمة في الدنيا والآخرة، وبعدم التزامها وعدم التمسك بها يحصل الخوف والتناحر والحروب والإرهاصات المتنوعة.

 

ولذا قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57، 58]


وفائدة الفرحة الصحيحة المطلوبة منا بهذا الوحي الزيز هي القيام بحقه الثاني وهو الانشغال به عما سواه من سائر الكتب والعلوم على اختلاف أنواعها، خصوصًا الكتب التي لعبت بها أيدي اليهود كالتوراة والأناجيل ومزامير داود وبعض ما ينسب إلى الأنبياء والصالحين، فإن اليهود لعبوا ببعض الكتب ابتكارًا وابتداعًا وببعضها تحريفًا وتلبيسًا.

 

فمن واجب المسلم عامة والعربي خاصة أن يقوده الفرح بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الانشغال به من غيره، والاستغناء به عما سواه، كما ورد عن البخاري وغيره في تفسير معنى الحديث: ((من لم يتغن بالقرآن فليس منا))[1]، حملوا التغني على الاستغناء، وأورده البخاري تعليقًا، وهو يحتمل الأمرين: تحسين الصوت به مع التحزن الناشئ عن الخوف والتعظيم والاستغناء به؛ لأن الله وصفه أنه هدى وبيان (بحذف المتعلق) ليشمل جميع أنواع الهداية والبيان في جميع نواحي الحياة وميادين العلم، كما قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89]. وهذا نص صريح في عموم تبيانه لجميع الأشياء من جهة أصولها وضوابطها والقواعد التي تنشأ منها الفروع وتنبني عليها؛ لأن جزئيات الفروع تتجدد، ولكن الله جعل في وحيه لكل شيء أصلًا ومرجعًا يعرف فيه حكمه من حل وحرمة وصحة وبطلان وطيب وخبث وندب وكراهة، فلا يحدث حادث أو يتجدد نبات إلا ويعرف حكمه من تلك الأصول والضوابط.


وقد وصف الله القرآن بأنه مبارك وأنه رحمة، فمن رغب عنه إلى غيره فقد تنكب عن البركة وأخرج نفسه من الرحمة، مهما زعم فإن مزاعمه كلها مغالطة، والله حصر الهداية العامة والحق الصحيح فيه، وحصر الضلال فيما سواه.

 

نعم إن الله حصر الهداية العامة والحق الصحيح لجميع شئون الحياة في وحيه المبارك، وحصر الضلال فيما سواه. فكل من طلب الهداية بأي شأن من شئون الحياة في غير وحي الله فقد زاغ عن الهداية إلى الضلال. وقد وصف وحيه بأنه نور، فمن حاد عنه لا بد أن يتخبط في الظلمات، وأن يكون أمره مريجًا فاسدًا. ومن تنكب عن وحي الله زاعمًا أنه في عصر النور أو في عصر لا يحتاج فيه إلى القرآن أو لا يصلح تطبيقه فيه، فهذا قد حاد عن الصراط المستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وسلك طرق أهل الجحيم، واستهوته شياطين الإنس الذين هم دعاة على أبواب جهنم، من استجاب إليهم قذفوه فيها، كما أخبرنا عنهم الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - في حديث حذيفة المشهور.

 

وأعظم من هذا النوع ضلالة من زعم أن الإنسان في هذا العصر قد نضج عقله وأصبح لا يحتاج إلى التقيد بنصوص الدين أو الرجوع إليها، وأنه يستوحي الهداية من ضميره وتفكيره، فهذا والعياذ بالله مشاق لله ولرسوله، وكفره يزيد على كفر المعاندين الذين قالوا لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ ﴾ [يونس: 15] فعلمه الله أن يرد عليهم بقوله: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [يونس: 16، 15].


فهذا موقف سيد الخلق من أسلاف أهل هذه الفكرة وأمثالها، والله حصر الهداية من طريق الوحي، والضلال من طريق النفس فقال: ﴿ قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾ [سبأ: 50]. فأخبر أن نبيه - صلى الله عليه وسلم - لا يهتدي إلا من طريق الوحي.


وإذا كان صفوة الخلق مقصورة هدايته على ما يوحي الله إليه، فكيف بصعاليك أهل هذا الزمان الذين تتناقض نظرياتهم وتكذب اكتشافاتهم بعضها بعضًا، وتلعب الدجاجلة ومحترفو السياسة الموسمية بعواطفهم وعلى أذقانهم؟!! كما شاهدنا كل ذلك عيانًا وكما قص التاريخ علينا نبأ من قبلهم من قريب أو بعيد، حيث لم نجد العقول استنارت بغير وحي الله، ولا حصل زحف صحيح مقدس سليم نافع إلا على ضوء ما أنزل الله.


فيا ويح من جعل نفسه ندًا من دون الله، أو زعم الاستغناء عن حي الله. هذا جريمته أعظم من جريمة من قال: ﴿ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهَُ ﴾ [الأنعام: 93]. فمن زعم القدرة على تسير أموره أو السلوك في الطريق الذي يختاره لنفسه دون الرجوع إلى وحي الله وحكمه فيما أنزل، وأنه في حالة يستغني بها عن ذلك، فقد زاد في كفره وظلمه على أولئك الذين حكم الله في هذه الآية بأنهم من أعظم الظلمة بقوله: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام: 93].


والظلم في اللغة: النقص من الشيء. قال تعالى: ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [الكهف: 33]. وقال: ﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49] أي: لا ينقص من أجر أحد من عمله الطيب مهما كان حقيرًا. كما قال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].


وإذا كان الظلم نقص الشيء مهما كان، فلا ينقص أحد حق أحد إلا وهو منتقص لجنابه أو مستعل عليه أو مستهين بمغبة عاقبته، هذا في معاملة البشر للبشر فكيف بمعاملة الله جل جلاله؟! فلا ينقص أحد من حق الله الذي أوجب عليه أداءه من أركان الإسلام وشعب الإيمان إلا وهو مستهين بعزته، غافل عن آياته، ولا ينتقص وحيه المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا منتقص لجنابه، مستهين بعزته، غير معترف بعلمه وحكمته، أو منكر له بالكلية، أو جاحد لآياته، غير مؤمن بلقائه ووعده ووعيده.


هذا أمور لابد منها مهما حاول الملحد التلمص منها، فإن المؤمن بالشيء لابد أن يكون لإيمانه آثار يتأثر بها في اتجاهه نحو هذا الشيء، بل في أفكاره وسلوكه، إذ لا بد من تصور قيمة ما آمن به، وتصور مفعوله ومدى نفعه أو ضرره مهما كان، فكيف بالخلاق العظيم مبدع الأكوان وقيوم السماوات والأرض؟!

 

فمن كان مؤمنًا به حقا ولم يعتبره خرافة، فإنه لا بد أن يتصور مدى عظمته وعلمه وقدرته وإحاطته ورحمته وفضله وحكمته، ويتيقن أنه قاطن في أرضه، ساكن في ملكه، متقلب في نعمته، راتع في فضله، مغمور بإحسانه وجوده، ويتيقن أنه مخلوق لحكمة، لم يخلق عبثًا، تعالى الله عن العبث الذي يترفع عنه الشريف من الناس. ثم يستشعر دائمًا أن الذي خلقه مطلع عليه، رقيب على حركاته وسكناته، وأنه هيأه لأمر وفق حكمته، كما يهيئ الصانع أي آله يصنعها لحرفة ما وفق صلاحيتها للقيام بمهمتها ولله المثل الأعلى والله أعلى وأجل.


وقد جعل وظيفة الإنسان خلاف وظيفة الآلة وأعلى، فذلك التصور المنبثق من الإيمان بالله يجره إلى الإيمان بالملائكة والكتاب والنبيين، وهذا شيء ضروري للإيمان لا محالة، من كفر ببعضه غفد كفر بجميعه، ومن آمن بالكتاب والنبيين الذين خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - وجب عليه اتباعه وتنفيذ وصايا ربه جميعها وإقامة حدوده، وجعل الحاكمية له في الأرض كما هي له في السماء، وذلك بتحكيم شريعته، والقيام بنصرة لدينه، وقمع المفتري عليه، فمن عمل هكذا فهو مؤمن بالقرآن حقيقة؛ لأن هذه الأمور هي التي يصدق عليها معنى الإيمان، ومن لم يقم بها فليس في قلبه من الإيمان بالله شيء سوى الدعاوى الفارغة والمزاعم الكاذبة التي يخدع بها نفسه أو يخادع بها الناس. كما أن من زعم الإيمان بمبدأ قومي أو مذهب مادي طالبه أهل ذلك المبدأ أو المذاهب بالعمل من أجله والسعي لصالحه والتقيد بمخططاته، فإذا نكص عن العمل أو خالف المخطط اعتبروه منافقًا أو منحرفًا أو خائنًا أو مرتدًا حسبما يرونه فيه، فلا يسمحون له بالانتساب، ولا يرضون منه أن يلعب على أذقانهم.

 

وهكذا فحقيقة الإيمان هي العمل بمقتضياته ولوازمه تمامًا بدون إخلال، ومن ادعى إيمانًا عاريًا عن العمل والتضحية فهو كاذب، وأكذب منه من خالطه الريب والشكوك، كشأن كثير من أدعياء الإسلام والإيمان الذين انصبغوا بثقافة الإفرنج وأعجبوا بها، وزهدوا في وحي الله ورسالته، بل لم يقدروه حق قدره ولا بعض قدره فلم يعاملوه ولا بعشر معشار ما يعاملوا زعماءهم ورواد مذاهبهم من الحب والإجلال والعمل والانقياد البذل والتضحية، بل كان سهمه منهم الإعراض والاشمئزاز من ذكره، والاستهزاء بمن يدعو إليه كما أخبر عنهم بقوله: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر: 45].

 

وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 36] صدق الله العظيم. إن لكل قوم وارثًا، فالمتعلقون بالمذاهب العصرية، والمتجهون إلى روادهم من فلاسفة مذاهبهم وزعمائها إذا سمعوا من يتكلم بتوحيد الله أو يكتب عنه هزءوا به، ولقبوه بشتى الألقاب البشعة؛ لتنفير العوام عنه، وقالوا هذا عدو الزعيم الفلاني والمذاهب الفلاني والرائد الفلاني والجنس الفراني. هذا الرجعي المتحجر المتزمت، ونسوا أنهم قد هربوا من الإيمان الصحيح بالله وانتهجوا الخطط العادية له، وأنهم هم الرجعيون الذين رجعوا إلى صنوف الجاهلية الأولى، وأنهم هم المتحجرون الذين تحجروا واسعًا، وضيقوا نظريتهم وحصروا عملهم على فئة واحدة ووجهة واحدة وتزمتوا لها بحصر انصياعهم إليها وطرح ما سواه، مما أعادوا به العصبية الجاهلية، فهم ألصق بتلك الألقاب التي يصمون بها المتبعين لوحي الله وحكمه، ولكن الملحد الذي يميل به الهوى عن سبيل الله، وتستهويه الشياطين، فلا يبصر الحقيقة التي جاء بها وحي الله لتزكية الإنسانية والارتفاع بها عن التسفل المعنوي الذي استزلتها شياطين الجن والإنس إليه، فوحي الله سبحانه أعطى المسلمين مفاتيح الكنوز المعنوية في الدنيا، ومفاتيح الجنان في الدار الآخرة، وهم لم يضيعوا هذه المفاتيح، بل هم محتفظون بها احتفاظًا لفظيًا وسطحيًا، فهي عندهم محترمة مقدسة، ولكنهم عطلوها عن وظيفتها، فلم يستفتحوا بها تلك الكنوز؛ لأنهم اكتفوا من نصوص الوحي بألفاظها ومبانيها دون مقاصدها ومعانيها، واكتفوا من سنن الله بأشكالها دون غاياتها، ومن عظماء سلفها بقبورهم لا بحكمتهم، والعمل بمبادئهم وفضائلهم، واكتفوا من القرآن وسائر الكتب بطباعتها، وتجليدها والترنم بقراءتها دون العمل بما فيها، فكانوا كالمنسلخ منها لإصرارهم على مصالح خاصة تعارضها والعياذ بالله.


وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذه القرآن حبل الله المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة لم تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الترداد، اقرؤوه فإن الله يأجركم على قراءته بكل حرف عشر حسنات، لا أقول: (الم)حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف))[2].

 

وليست قراءته المطلوبة هذرمة أو ترنمًا يخرجه عن شرف مكانته وعلو رفعته إلى فن الأغاني والمطربات كما أولع به أهل هذا الزمان، ولا أن تقصر قراءته على المآتم كما يفعلونه في الأحزان، ولا أن يئول تقديسه إلى أن يجعل تعاويذ يحملها المرضى أو الموسوسون والصبيان، فإن الكتاب - وكل كتاب - لا يرسل لأجل نقوشه، ولا لتكييف الأصوات بكلمه وحروفه، ولكن لأجل أن يعلم مراد المرسل منه ويعمل به.

 

وقد ضرب الإمام الغزالي مثلًا للعاصي إذا قرأ القرآن وكرره، فجعله بمثابة رجل مسئول عند بعض الملوك جاءه كتاب من الملك فيه أوامر وتوصيات هامة، فأخذ يكرر قراءته ويقبله ويضعه على رأسه دون أن يعمل بشيء مما فيه.

 

ذكرنا فيما مضى طرفًا صالحًا من حكم الصوم وفوائده، ونزيدها الآن بمناسبة قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184] وذلك أن الصوم نصف الصبر كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي والبزار ورجاله رجال الصحيح. وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - رمضان شهر الصبر، كما ورد عنه: ((وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة))[3]. وإنما سمي الصوم نصف الصبر؛ لأن قوى الإنسان ثلاثة: قوة شهوانية كالتي في الحيوان، وقوة غضبية كالتي في السباع، وقوة روحية كالتي في الملائكة، فإذا تغلبت قوته الروحية على إحديهما كان ذلك نصف الصبر، وفي الصيام الصحيح يتغلب على القوتين: الشهوانية والغضبية.


ولما كان موقف المسلم على الدوام موقف جهاد لقوى الشر الداخلية والخارجية، ومن أكبر عدة الجهاد الصبر وقوة الإرادة، كان الصيام خير وسيلة للتربية على ذلك كما أسلفنا، زيادة على الأجر العظيم غير المحدود، حيث يقول الله: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10] وقد قدمنا أن من انهزم في الجهاد النفسي الداخلي لا يصلح للجهاد الخاجي؛ لأن هزيمته محققة.

 

وفي الصوم يتحرر الإنسان من سلطان الهوى وسلطان الغرائز، وينطلق من سجن جسده وقيد شهواته، محلقًا بروحه، شامخًا برأسه نحو الله جل وعلا، فليس عجيبًا ألا ترد دعوة الصائم لاقترابه من رحمة الله ورضوانه.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه برقم [7527] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] أخرجه الترمذي [2910]، وقال هذا حديث حسن صحيح غريب، والحاكم [1/741].

وأعله الدارقطني بالوقف، انظر العلل [5/326].

[3] أخرجه أبو داود [2428]، والنسائي بالكبرى [2743]، من حديث مجيبة الباهلية، عن أبيها أو عمها.

وأخرجه النسائي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في الكبرى [2716]، وأخرجه ابن الإمام أحمد [2/263، 384، 513]، والبيهقي في الشعب [3574]، وغيرهما.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (1)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (2)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (3)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (4)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (5)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (7)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183: 184) (8)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (185)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (190 : 192)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب