• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب / مدارسة القرآن في رحاب رمضان
علامة باركود

تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (4)

تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (4)
الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/4/2013 ميلادي - 29/5/1434 هجري

الزيارات: 11973

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة البقرة

الآيات ( 183 : 184) [4]


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 183- 184]..

 

إن الإله العليم الحكيم الذي جعل الصيام ركنًا من أركان الإسلام ومبانيه، ودعامة عظيمة من دعائمه، شرعه لتحقيق إنسانيتنا والارتفاع بها عن مستوى البهائم. ذلك أن الإنسان ليس هو هذه الجثة القائمة بهيكلها المنتصب فقط إذا فقد الروح السماوية التي يمده الله بها. فإذا فقدها كان بمجرد هيكله مشابهًا للحيوان، بل يكون أشر وأضر منه، ولكن الله يمده بروح من عنده فيما يشرعه له من العبادات المتنوعة المزكية لنفسه، والمصلحة لأحاله وشئونه كلها.


فالإنسان جسد سفلي وروح علوي، فلجسده مطالب من جنسه السفلي، ولروحه مطالب علوية من جنسها. فإذا أخضع روحه، لمطالب جسده وحكم غريزته الحيوانية فقد استحكمت بهيميته على عقله وروحه وانقلب من مالك مدبر إلى حيوان مسير يسيره الهوى المخالف لوحي الله، وقد يتشيطن بابتعاده عن أوامر ربه فيكون شيطانًا رجيمًا من جند إبليس الذي يكسبهم كسبًا رخيصًا.


أما إذا عرف قيمة نفسه وأدرك سر الله فيه، وحكم جانب الروح حتى يخضع جسده لها، فتغلب رحه على نزعات جسده، ويصفو قلبه من همزات الشياطين، وينشغل بحب ربه والاتجاه إليه، فإنه يكون ذلك الإنسان الكامل العاقل المفكر المتطلع إلى ملكوت السماء، والمترفع عن الدنايا، والشامخ إلى استلام زمام قيادة الله في أرضه، وحسن التصرف فيما استخلفه فيها.


ومن هنا فرض الله الصيام ليتحرر الإنسان من سلطان أهوائه وغرائزه البهيمية، وينطلق من سجنها ظافرًا متغلبًا عليها.


وعلى العموم فإن شهر رمضان مدرسة تربية رحمانية يتدرب بها المسلم المؤمن على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء، والتسليم لحكمه في كل شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء، وترك ما يضره في دينه أو دنياه أو بدنه من كل شيء، ليضبط جوارحه وأحاسيسه جميعًا عن كل ما لا ينبغي بتدربه الكامل في هذا الشهر المبارك، ليحصل على تقوية الله في كل وقت وحين، وفي أي حال ومكان، وذلك إذا اجتهد على التحفظ في هذه المدرسة الرحمانية بمواصلة الليل مع النهار على ترك كل إثم وقبيح، وضبط جوارحه كلها عما لا يجوز فعله، ومواصلة هجران ما ابتلي به بعد الإفطار كما قبله لينجح من هذه المدرسة حقًّا، ويخرج ظافرًا من جهاده لنفسه، موفرًا مواهبه الإنسانية وطاقاته المادية والمعنوية لجهاد أعدائه.


فعليه أن يغتنم هذه المدرسة بصدق العزيمة والنشاط وحسن مراقبة الله حتى لا يكون من الراسبين المغبونين. عليه أن يمسك لسانه عن أنواع البذاء وفضول الكلام، كما أمسك فمه عن الطعام والشراب، وأن يواصل إمساكه بالليل عن ذلك، فلا ينطق إلا بالحض على الخير والأمر بالمعروف والكلمات النافعة البناءة الصالحة المصلحة، وأن يشغله بالذكر والتلاوة والندوات الطيبة المشتملة على ذلك، فإن من أمسك عن الطعام ولم يمسك لسانه عن الهمز واللمز وأنواع البذاء، فقد أحبط أجر صيامه من جهة، ورفض التعليم في مدرسة الله من جهة أخرى. ومن أمسك لسانه بالنهار وأطلقه بالليل فقد أفطر على الحرام، ولم يواصل التعلم والتدريب في مدرسة الله، ولا بد له من السقوط فليحذر من ذلك.


ومن كان مبتلى بالطمع والجشع يغبن الناس في المعاملة بالأيمان الكاذبة، ويغشهم بأنواع التدليس أو يطفف عليهم في وزن أو كيل أو زرع، فليحذر من فساد صومه بالإفطار على الحرام، وليحسن معاملته قولًا وفعلًا، ليتدرب على الصدق والنصح خارج رمضان، فيكون ممن تزود فيه بالتقوى، والتقوى خير زاد، فإن لم يكن كذلك بأن استمر على غشه وسوء معاملته حال الصيام، أو توقف عنها ثم رجع إليها بعد صيامه، فهو الرافض لمدرسة الله والساقط من تدريبها، فهو متعرض لإبعاد الله ومقته، محروم من مغفرته في هذا الموسم الكريم.


ومن كان مبتلى بالشهوات والطمع في أعراض الناس، فشهر الصيام خير مدرسة له، تزجره عن ذلك إذا عقل حكم الله، وتدبر حكمته وحرص على إصلاح صومه وتحصيل ثوابه، ففيه يتدرب على غض البصر وكف الجوارح إذا كان في الليل معرضًا عن ذلك بقلبه وقالبه، ويجب عليه إشغال قلبه بالتفكر في آيات الله وتذكر نعم الله عليه نعمة نعمة، ويحاسب نفسه على شكرها بحسن التصرف فيها، ويجعل قلبه سايحًا في ذلك، كي لا ينشغل بذكر محبوباته ومعشوقاته، فيكون متعلقًا بها متلهفًا على حصولها والوصول إليها، فيحدوه ذلك على العزم على مقاربة الفواحش بعد رمضان.


وعقد العزم والإصرار هما من مجبات الإثم ومحبطات الأجر، ومن كان هكذا فإنه لا شك ساقط من مدرسة الرحمن وغير متنفع بصيام رمضان، فكيف بمن اقترف المعاصي فيه والعياذ بالله؟ ومن ابتلي بالتسلط على الناس بأي نوع من أنواع التسلط لكبريائه أو مركزه، فإن هذا الشهر مدرسة له يتدرب فيها على الكف عن سوء طباعه، فإن لم ينطبع فيه ويتكيف بتقوى الله بعد خروجه، فهو الشقي المحروم، لأنه ممن رفض هذه المدرسة أو رسب فيها فلم ينل التواضع والإنصاف.


ومن ابتلي بشيء من المشروبات المفترة، فضلًا عن المسكرة، فعليه أن يستغل مدرسة شهر الصوم ليصوم عنها في ليله كما صام عنها في نهاره، وليربأ بنفسه من الإفطار على خبيث محرم أو مكروه بعدما صام عن الطيب والحلال، حتى المبتلى بالدخان ونحوه، عليه مواصلة الصوم عنه الليل ليهجره إلى غير رجعة، ولا يغلبه اليهود الذين حرموه في دولتهم المسماة (إسرائيل) فقد حرموه بادئ الأمر على جنودهم، ثم حرموه على الأساتذة والطلاب في جميع المدارس على اختلافها، فمن العار والشنار على المسلمين الذين هم جند الله أن يغلبهم اليهود على تحريم ذلك وهجره فأولى بالمسلمين وأولى أن يكونوا هم السابقين لجميع العالم في كل شيء لا اليهود فقط، وأن يهذبوا أنفسهم بحسن جهادها ليتهيئوا للجهاد الأكبر الذي أسلفناه، فإن المهزوم داخليًا لا يصلح للجهاد، ولا لأي إعداد. وفي شهر رمضان يتدرب المسلم على عبادة الله، ويجد لها حلاوة ويألف المساجد ويعمرها، ويحظى بصحبة الأخيار، فتغشاه الرحمة وتعمه البركة من الله، لا سيما من وفق لصلاة التراويح، ورتع قلبه في ربيع القرآن ورزقه الله الخشوع، فإنه ينتفع انتفاعًا روحيًا يكتسب به الإقبال على الله، والترفع عن اقتراف الإثم الذي يغمسه في المعاصي. فالمضيع للصلاة إذا عاودها واعتادها في رمضان يرجى له أن يداوم عليها بعد رمضان لما ينغرس في قلبه من التقوى والرجوع إلى الله فيه.


وكذلك الذين هم عن صلاتهم ساهون بتأخيرها أو عدم إقامتها جماعة، وقلة إلفهم للمساجد وعدم تعلقهم بها، ويحصل لهم المواظبة في شهر رمضان على الصلاة جماعة في أوقاتها، فيألفون المساجد بإقامة الصلاة، فإذا وفقوا للنجاح في هذه المدرسة الرمضانية الربانية بحسن نيتهم وصدق إقبالهم على الله، كانواطيلة السنة على صلاتهم دائمون وإليها مقبلون عن حب وشغف، فيكونون محافظين على أدائها في المساجد.


وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعداد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((رجل قلبه معلق بالمساجد))، والمسلم لا يجده حلاوة الإيمان حتى يستعذب الطاعة ويستشعر المغيبات من وعد الله ووعيده كأنها شيء حاضر ماثل أمام عينيه؛ ليقوم بتحقيق الخوف والرجاء بالمسارعة إلى مرضاة الله والمنافسة في طاعته واجتناب موجبات سخطه، وخير مدرسة للتدريب على ذلك هي مدرسة الصيام في هذا الشهر المبارك.


وأيضًا فشهر الصوم مدرسة للبخيل الذي ابتلي بالشح وقسوة القلب، إذ يحصل له بصومه تذكير عملي أوقع في نفسه من نصح الناصح وخطبة الخطيب، لأنه تذكير يسمعه ويتلقنه من صوت بطنه إذا جاع وأمعائه إذا خلت. وكبده إذا احترت من العطش، يحصل له من ذلك تذكير عملي بجوع الجائعين، وبؤس البائسين، وحاجة المحتاجين، فتسمح نفسه بأداء حق الله إليهم، وقد يجود عليهم بزيادة، فشهر الصيام شهر الجود والمواساة وشهر يزاد فيه من رزق المؤمن، كما قال صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه قوله: ((من فطر صائمًا كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء))[1].


وإن الذي تربى في النعمة ولم يذق طعم الجوع أو مرارة العطش لا يدري ما يحل بغيره من البؤساء، ولكن بصيامه له التذكير العملي والتوجيه اللاشعوري، كما يحصل له حق المعرفة بقدر نعمة الله عليه، فإن النعمة لا يعرف قدرها إلا من فقدها، وكلما ازدادت معرفة المسلم بالنعمة ازداد قيامه بشكرها. والشكر الصحيح المطلوب هو حسن التصرف في النعم، وذلك باستعمالها في طاعة الله والاستعانة بها على حمل رسالته وتنفيذ وصاياه في وحيه وعدم صرف شيء منها في معصيته.


والصوم الصحيح يحقق المعرفة بالنعمة، ويوقظ الشعور إلى حسن التصرف فيها، لذا ختم الله الآيات المتعلقة بالصيام بقوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ كما سنفصله إن شاء الله.


ثم إن في شهر الصيام مدرسة للقرآن لمن التفت إلى الله وأكثر من قراءته، فإنه مع ما يجنيه من الثواب العظيم بمضاعفة الحسنات يحصل له التدريب على مواصلة قراءة القرآن خارج رمضان، ويحفزه ذلك على تدبر الآيات وتعقلها ومحاسبة النفس عليها، ليكون من التالين لكتاب الله حق تلاوته بمعرفة معانيه، والوقوف عند حدوده بفعل ما أمر الله، وقد يكون ذلك سببًا لسعادته وراحة قلبه إذا انشغل به عما سواه.


وبالجملة فهو شهر يحصل به تقوية الإرادة على فعل الخير وترك الشر وهجر المضر الذي قد ابتلي به كثير من الناس، كالدخان الذي يستنفد فيه مبلغ كبير من المال يسيل إلى الشركات الأجنبية التي أصبحت عونًا علينا لليهود، مما لو ضبط لبلغ مئات الملايين بالعملة الصعبة لكل قطر عربي، زيادة على ما فيه من هدم الصحة والإضرار بالرئة والقلب والتأثير على الرأس والعقل. وإني أنصح الصائم أن يتدرب في صومه عنه بالنهار على تركه بالليل نهائيًا إلى غير رجعة. أنصحه بكل حرارة أن يواصل عزيمته وقوة إرادته بالليل كما كانت بالنهار، فإن الله جعل له الصيام (جنة) ووقاية من تناول ما يضره، فلا يليق به أن يخرق هذه الجنة ويضيع هذه الوقاية بأن تغلبه نفسه الأمارة بالسوء على الرجوع إلى ذلك بالليل بعدم تركه في النهار، فيجب ألا تخور قواه ولا يفسد حكمة صيامه بضعف إرادته وشدة هلعه عند الإفطار؛ فيكون ساقطًا من هذه المدرسة الكريمة.


فالله الله أيها الصائمون، اغتنموا هذه الفرصة للعزوف فيها عن كل شيء، وترك كل شيء مضر؛ ليكون صيامكم صيامًا إنسانيًا كاملًا، قد توفرت فيه القوة، وحصلت منه الحكمة، لا أن يكون صومًا بهيميًا. وقاكم الله من مثل السوء.


إن صوم رمضان من أركان الإسلام ومبانيه، لا ينكره إلا كافر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وكل من يستهجن الصيام أو يستهزىء به فهو مرتد عن دين الله، تجري عليه أحكام المرتدين من وجوب قتله وأخذ ماله، لأنه لا يرث ولا يورث، وينفسخ عقد نكاحه، بحيث قال السادة الشافعية: "من أتى بما يوجب الردة في بلد لا تقام فيه حدود الله أو لا يطبق فيه شرعه، كان نكاحه منفسخًا في نفس الأمر، ومعاشرته لزوجته تعتبر سفاحًا".


ولقد كسب الإفرنج في تربيتهم لأبنائنا كثيرًا من هذا النوع الذي يستهجن أوامر الله وينفر من طاعته، بل يتطاول على الله بالتنديد لدينه والاستهزاء والتشكيك في فرائضه وحدوده، لما انغرس في قلبه الإلحاد بما يلقنه أساتذة السوء وما يقذف به عليه في وسائل النشر المختلفة من ضروب التشكيك وتحبيب التمرد على الروحانيات.


ومن المصيبة أن الصوم لو شرعته المنظمات الدولية الكافرة وأوجبت على جيشها أو على شبابها أو كشافتها، لما وجدنا أحدًا من هؤلاء المضبوعين يستهجنه أو يستهزئ به، بل ينعكس أمرهم إلى مدحه وشدة إطرائه والحث عليه والإعجاب بمن شرعه، لأنه من أعظم وأحسن وسائل التربية، ولكن لما كان الشرع هو رب العالمين على لسان نبيه العربي الذي حسدته اليهودية العالمية وأذنابها، كان هذا جزاؤه من أبنائه المتبجحين بالعروبة، وفقهم الله للخير والصواب.


فيا إخواني:

إن شريعتكم عظيمة حكيمة؛ لأن رسالتكم رسالة عامة خالدة ما دامت السماوات والأرض، وليس فيها تشريع لا يساير التطور الصحيح، أو ينقص من المجهود كما يزعمون، فإن الذي يكون قويًا أمينًا في حفظ أمانة الله ورعاية أوامره يكون قويًا في عمله أمينًا على ما استرعاه غيره من عمل.


ومن خان أمانة الله العظمى في شرائع دينه فهو لغيرها أشد خيانة، ومن تدرب على قوة الإرادة وصدق العزيمة شهرًا كاملًا عن إيمان واحتساب، فإنه يكون قوي الشكيمة، شديد المراس، صلبًا في التصميم.


فهذه تربية الرحمن الرحيم، لا بد أن تتفوق على تربية المخلوق، وفيها من مسايرة التطور الصحيح ما تشهد له العقول الرجيحة، كما نراهم الآن يلجئون إلى كل تشريع يحصل به القوة الجسمانية والعقلية.


ومن تأمل في تربية الدول الحديثة لجيشها الذي تصطفيه للحرب والدفاع، عرف حكمة الله من شرعية الصوم والحج وغيره. فالمسلم هو جندي الله، مكلف بحمل رسالته، وتوزيع هدايته، وقمع المفتري عليه، وعدم السماح له بالانتشار، فهو أحوج إلى التربية القوية من غيره.


وما أجهل الذين يفتون العمال بالإفطار في رمضان، متعللين بحجة واهية، بل بشبهة مدحوضة لا يقرها الكفرة الأصليون، فقد حصل من (الإنكليز) أكثر من مرة امتحان العمال المسلمين بين الصيام وبين خيانة الله فيه، وذلك بإغرائهم بمضاعفة الأجور للمفطرين، حتى إذا انتهى الشهر عكسوا الأمر، فضاعفوا أجور الصائمين، ونقصوا المفطرين أو طردوهم، مع التصريح لهم أنهم خونة قد خانوا دينهم.


أما أفراخهم اليوم من المحسوبين على الإسلام فإنهم يتطاولون على وحي الله وحكمه، زاعمين أن الصيام من الإنتاج، مع أن الواقع يكذبهم في ذلك، فقد جرب المسلمون في كل عصر صيام رمضان وقت اشتداد الحر، وكل منهم يذهب إلى عمله ويؤدي واجبه، ولم يزد والله تعبنا وقت الصيف على غيره، والعلة في الحقيقة ليست من الصوم ذاته وإنما هي من ضعف النفس وقلة الإيمان.


فأولى لهم وأولى أن يعملوا على تربية نفوسهم وتقوية إرادتها وتسليم الحكم لله وحده، وأن يعترفوا بأن حكمته فوق كل حكمة، وأمره فوق كل شيء.


والعجب أنهم لا يعتبرون الأعياد القومية المختلفة المبتدعة على كثرتها منقصة للإنتاج، وهي لو قورنت بالنقص الوهمي الذي يزعمونه في الصيام لزادت عليه، مع العلم أن الإسلام أبطل الأعياد القومية الوثنية لكونها أعيادًا مادية أرضية لاروحانية فيها، ولكونها ينفق فيها من الأموال، ويضيع فيها من الوقت، ما فيه تبديد لطاقات الأمة فائدة تعود إلا على أفراد تسبح الدعاية بحمدهم وتقدس، ويكون فيها مجالًا ومربحًا للمداحين الذي أمر الشارع أن يحثى في وجوههم التراب، وقد أسلفنا حديث المنع فيما مضى، ولكن هذه الأعياد يروجها المتاجرين بعواطف الشعوب ممن يريدون كيل المدح لأشخاصهم، فنرجو الله أن ينجيهم من الضلال، وأن يرفعهم وينقذهم من هذه الهزيمة العقلية، وأن يوفقهم لتدبر قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية: 19، 18]، فإن هذا خطاب من الله - سبحانه وتعالى - لكل مسلم.



[1] انظر: ابن حبان [8/216].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (1)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (2)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (3)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (5)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (6)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183 : 184) (7)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (183: 184) (8)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية (185)
  • تفسير سورة البقرة .. الآيات (190 : 192)

مختارات من الشبكة

  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تفسير بعض من سورة البقرة ثم تفسير سورة يس(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقدمة بين يدي تفسير سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب