• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب
علامة باركود

رمضان موسم للخيرات

رمضان موسم للخيرات
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/3/2025 ميلادي - 25/9/1446 هجري

الزيارات: 450

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رمضان موسم للخيرات

 

الحمد لله الذي منَّ على عباده بمواسم الخيرات؛ ليتزودوا فيها من القُربات، ويغفر لهم الذنوب، ويُجزل لهم الهِبات، نحمَده سبحانه ونشكره، وفَّق من شاء من عباده فأطاعه واتقاه، وخذل من شاء فأضاع أمره وعصاه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكبير المتعالِ، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

 

أهمية الحديث عن المسابقة بالخيرات:

أيها المسلمون: المرء بحُسن عمله لا بطول عمره، ولقد عوَّض الله أمة الإسلام عن قصر أعمارها بركةَ أعمالها، ومواسمَ خيراتٍ من نفحات دهرها، في نفحات ومناسبات لا تتناهى، يخرج المؤمن من عبادةٍ ليستقبل أخرى، ومن لا يُطِق عبادة ينتقل إلى غيرها، والمؤمن كَيسٌ فطِن، يعلم أن أنفاسَه معدودة، وأيامه محدودة، والحياة فرص، فمن أحسن اغتنامها فاز وسعِد، ومن ضيَّع وفرَّط فلا يلومَنَّ إلا نفسه، والمسابقة إلى الخيرات خُلُق عظيم، ومسلك كريم لا يتصف به إلا الجادُّون المشمِّرون، والمسارعة إلى أعمال البر طبع لا يتخلق به، ولا يُهدى إليه، إلا من وهبه الله علوَّ همة، وقوة عزيمة، مع سلامةِ قلبٍ، ورجاحة عقل، وانشراح صدر، والمسارعة والمنافسة إقدام، ومبادرة، وسبق، وخفَّة، وجِد، ورغبة، ومن بادر في طلب شيء، سهُل عليه تحصيله، والمسارعة والتنافس مجاهدة النفس للتشبُّه بالأفاضل، واللحوق بالأخيار، من غير إدخال ضرر على أحد، أو النَّيل من حق أحد.

 

القرآن والسنة تحدثاننا عن المسارعة بالخيرات:

عباد الله: لقد حثنا الله سبحانه في آيات كثيرة من كتابه الكريم، ونبيُّنا في سنته على فعل الخيرات، والمسابقة في عمل الطاعات، والمبادرة إلى الازدياد من الحسنات، حتى ننال أعلى المقامات، ونرتفع إلى أعلى الدرجات، ونحصل على أعظم الأجور والهبات؛ يقول ربنا سبحانه: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، ويقول: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21]، وقد مدح الله أنبياءه ورسله بقوله: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 61]، مدحهم ربهم لأنهم يسارعون إلى فعل الخير، ويتسابقون إلى عمل الطاعة، وقد حث المؤمنين على أن يشمِّروا عن ساعد الجِد، ويبادروا في السبق والمسابقة على الطاعات، ويتنافسوا عليها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، ويقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 148]، ويقول سبحانه: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48].

 

وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يحدِّث أصحابه الكرام رضي الله عنهم؛ فيقول لهم عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((عُرضت عليَّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرُّهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد؛ إذ رُفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أُمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأُفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحِبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين وُلدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئًا - وذكروا أشياءَ - فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه، فقال: هُمُ الذين لا يَرْقُون، ولا يَسْتَرْقُون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عُكَّاشة بن مِحصن فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة))؛ [متفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما].

 

رمضان من أعظم مواسم الخيرات:

أيها المسلمون، قبل أيام قليلة كان الحديث عن استقبال رمضان، وحسن استغلال أيامه ولياليه، وها نحن اليوم نعيش العشر الأوسط من أيامه الغالية، ولياليه الفاضلة، ‏عشرٌ مضت سريعًا لكأنما هي أضغاث أحلام، أو كطيفٍ زار في المنام؛ وصدق الله جل وعلا حينما قال عن أيام رمضان: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 184]، انقضى العشر الأول، ‏وها نحن في نصف الشهر، وبقِيَ لنا نصفه، وما زال الباب بحمد الله مُشرعًا لوجوه التائبين، ‏والطريق ممهدًا لأقدام السالكين لفعل الخيرات، فيا باغيَ الخيرات والنفحات، والعفو والرضوان، هذا زمانك، ‏وأوانك.

 

أيها الأحبة: لقد دعا الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين إلى المسارعة إلى الخيرات؛ فقال: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]؛ قال ابن كثير رحمه الله: "ندَبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات، والمسارعة إلى نَيل القُربات؛ كما حثهم على المسابقة والمنافسة في ذلك فقال: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]، وقال سبحانه: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 148]، وقد أثنى الله سبحانه على طائفة من عباده بأنهم يسارعون في الخيرات، وأثنى على عبده زكريا وآل بيته: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]؛ قال السعدي: "أي: يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي، ولا يتركون فضيلةً يقدرون عليها، إلا انتهزوا الفرصة فيها، وقد كان من حِرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يحث أُمَّته إلى المسارعة والمبادرة إلى الخيرات قبل نزول الفتن؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم: ((بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المُظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، أو يُمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرَض من الدنيا))؛ [رواه مسلم]، وهنا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالمسابقة إلى الخيرات، والمسارعة بالأعمال الصالحة قبل مجيء الفتن التي تكثُر في آخر الزمان، أو قبل الانشغال عن الأعمال الصالحة بالشواغل والفتن التي تثبِّط العامل.

 

وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، وهو يسأل عن أبواب الخير التي توصله إلى الجنة قال: ((كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنة، ويُباعدني من النار، قال: لقد سألتني عن عظيم، وإنه لَيسير على من يسَّره الله عليه؛ تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألَا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصدقة تُطفي الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ، وصلاة الرجل من جوف الليل قال: ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ [السجدة: 16]، حتى بلغ: ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، ثم قال: ألَا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذَروة سَنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألَا أخبرك بمِلاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: كفَّ عليك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لَمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكِلتك أمك يا معاذُ، وهل يكُب الناس في النار على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟))؛ [صحيح الترمذي].

 

إن الله تعالى قد جعل شهر رمضان مناسبةً ثمينة لعبادته، والاستزادة من تقواه، والمسارعة إلى طاعته، وهذا يدعو المسلم إلى المبادرة في جَعْلِ وقته مليئًا بالقربات والطاعات، وهِجران المعاصي والمنكرات، دون إغفال مجاهدة النفس في الكفِّ عن المكروهات وفضول المباحات، مع استحضار نعمة إطالة عمر العبد حتى بلغ رمضان هذا، وتزداد هذه النعمة وضوحًا باستحضار عدد من المسلمين ممن صاموا رمضان الأخير، بينما هم الآن في قبورهم هامدون، دون نسيان طائفة من المؤمنين أقعدهم المرض، فصاروا عن الصيام عاجزين، وأنت فُتحت لك أبواب الخيرات من صلاة وصيام وقيام ليلٍ، وصدقة وإحسان وحب للمساكين، ورفقٍ بالناس وتجاوز عن المعسرين، وصلة للرحم ورحمة، كلها أمامك تختار منها ما تقوى عليه، وتسعى إلى المسارعة في تحصيله قبل فوات الأوان.

 

أيها الأحبة: المسابقون بالخيرات المبادرون إلى الطاعات والصالحات سيسعَدون بها أيَّما سعادة في قبورهم، وفي معادهم، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الصالح عند موته وفي قبره؛ فكان مما قال في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: ((ويمثُل عمله له في صورة رجل حسن الوجه، طيب الرائحة، حسن الثياب، فيقول: أبشر بما أعدَّ الله لك، أبشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم، فيقول: بشَّرك الله بخير، من أنت، فوجُهك الوجه الذي جاء بالخير؟ فيقول: هذا يومك الذي كنت تُوعد، أو الأمر الذي كنت تُوعد، أنا عملك الصالح، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعًا في طاعة الله، بطيئًا عن معصية الله، فجزاك الله خيرًا))؛ [أخرجه أحمد، وأبو داود]، والشاهد أن هذا الرجل الصالح كان سريعًا في طاعة الله، بطيئًا عن معصيته؛ لأن المسارعة إلى الخيرات دليل على حب الله تعالى للعبد، وأنه قد اختاره ليجعله في الأرض مفتاحًا من مفاتيح الخير؛ قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 73].

 

التفريط في مواسم الخيرات:

أيها المسلمون: إن أعظم الغَبن وفداحة الخسارة التي يبوء بها من مرَّ عليه شهر الصوم، فلم تزدد لله عبادته، ولا في الخير إقباله ورغبته، ولا في الحسنات درجاته، ولا عن الشر بُعده، فذلك هو الخسران المبين يومَ يُحرم في هذا الشهر من مغفرة ذنوبه، وتكفير خطاياه، في شهر الرحمة والمغفرة، يوم تُفتح له أبواب الجنة، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبِل، ويا باغي الشر أقصِر، فيُصر العبد الغافل اللاهي على الإعراض، ويصر على معاصيه ويُصِم آذانه، ويُعرض عن نداء ربه باغتنام أيام الشهر ولياليه؛ ويصدُق فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رَقِيَ الـمنبر، فقال: آمين، آمين، آمين، قيل له: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا؟! فقال: قال لـي جبريل: رغِم أنفُ عبدٍ أدرك أبويه أو أحدهما لـم يدخله الجنة، قلت: آمين، ثم قال: رغِم أنفُ عبدٍ دخل عليه رمضان لـم يُغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين))؛ [إسناده حسن، وأصله في مسلم]؛ هذه هي الحقيقة: ((رغم أنف امرئ أدرك شهر رمضان، فلم يُغفر له))، متى يُغفر لمن لم يُغفر له في شهر رمضان؟! متى يتوب من لم يتُب إلى الله عز وجل في رمضان؟! متى يغيِّر من حاله وتقصيره وتفريطه من لم يغير من حاله في رمضان؟! والشقيُّ هو من لم يُغفر له بشهر رمضان كلُّ الذنوب والآثام.

 

خسارة وأيما خسارة أن يعمل ثم يفلس كل عمله بسبب تفريطه في شهر رمضان، وعدم المحافظة على صيامه؛ فيكون من المُفلسين، والمُفلس، أتدرون من المفلس؟ هو من ذُكر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما المُفلِس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم، فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار))؛ [مسلم]، هذا المفرط في رمضان هو من خرج منه بخُفَّي حُنين، على رغم أنه قد أتعب الجسم، وأسهر العين، ولكن لم يحقق غاية الصيام التي بيَّنها ربنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وارتكب الخسارة العظمى، وصار حاله حالَ مَن حدَّث عنه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر))؛ [صحيح ابن ماجه].

 

المفرِّط في رمضان من كثُرت خصوماته، وتعددت نزواته، وضاقت أخلاقه، في الوقت الذي قد كُبلت فيه الشياطين وشُدت أوتادهم، لكنه لم يُكبل هو، بل ظل على ما هو عليه قبل رمضان، وفي رمضان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صُفدت الشياطين ومرَدة الجن، وغُلقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، وينادي منادٍ كل ليلة: يا باغيَ الخير أقبِل، ويا باغي الشر أقصِر، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كلَّ ليلة))؛ [صحيح الجامع].

 

المفرط في رمضان من أكثَر النفقات على الطعام والشهوات، وعلى الحرام، وفاته ثوابُ أفضل الصدقات، وفاته الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة))؛ [البخاري].

 

المفرط في رمضان من أضاع ليله بالحُطام، وفوَّت القيام، الذي هو ماحٍ للآثام؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ [البخاري ومسلم].

 

المفرط في رمضان من هجر القرآن، الذي يشفع لقارئه بين يدي الرحمن؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهواتِ بالنهار؛ فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: رب، منعته النومَ بالليل؛ فشفِّعني فيه؛ فيشفعان))؛ [صحيح الجامع].

 

أيها المؤمنون: إن في رمضان لصوصًا كثرًا، يسعون إلى حرمان الناس من فضائل الشهر المبارك، ويدعونهم إلى التفريط فيه، لصوصًا يدعون إلى خطف البصر، ويدعون إلى خطف السمع، ويدعون إلى خطف الجوارح، ونقلها من مراتع التقوى كبيوت الله عز وجل، وصلاة التراويح، إلى حيث الشاشاتُ التي تدعو إلى ما يُغضب الله عز وجل، ويُفسد ما يجمعه الإنسان من حسنات في النهار، يدعونه إلى رؤية ما حرم الله عز وجل، وهم بطبيعة الحال لا يقولون: تعالَ إلى الحرام، بل يغلفون دعوتهم باسم الدراما والمسلسلات، وباسم المسابقات، وهي أمور لا يخفى على عاقل ما فيها من ضياع الأوقات، وحرمان الإنسان من الأوقات الفاضلة في هذا الشهر المبارك، فاتقوا الله، وحافظوا على صيامكم، ولا تفرطوا فيه؛ وتذكروا قوله عز وجل: ﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 221].

 

كيف نحقق المسابقة بالخيرات في رمضان؟


أيها المسلمون: هناك بعض القواعد والمعالم والوصايا المتعلقة بفعل الخير في هذا الموسم العظيم، والشهر الكريم، عسى الله أن ينفع بها؛ منها:

أولًا: أن يكون الخير همك الدائم وشغلك الشاغل: بأن تَنْوِيه وتعزم على فعله، فإن يسَّره الله لك وأعانك على أدائه، فقد تحقق أجر ما فيه رغبِت، وإليه سعيتَ، وإن لم تتمكَّن من فعله، وحِيل بين العمل والنية، فلك أجر ما نويتَ؛ قال عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل لأبيه يومًا: أوصِني يا أبتِ، فقال: "يا بني، انْوِ الخير؛ فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير"، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من همَّ بحسنة فلم يعملها، كُتبت له حسنةً، ومن همَّ بحسنة فعمِلها، كُتبت له عشرًا إلى سبعمائة ضعف، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها، لم تُكتب، وإن عمِلها كُتبت))؛ [مسلم]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "التفكر في الخير يدعو إلى العمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه".

 

ثانيًا: أن تكون على يقين أن فعل الخير هو الزاد الحقيقي: يوم القيامة، ويبقى ويُدَّخر، ولن يضيع عليك قلَّ أو كثُر، فتزوَّد من فعل الخير، واغتنم، ولا تحتقر شيئًا من الأعمال؛ قال جل ذكره: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾ [المزمل: 20]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8] قال: "ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرًا ولا شرًّا في الدنيا، إلا أراه الله تعالى إياه؛ فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته، فيغفر له من سيئاته، ويُثيبه بحسناته، وأما الكافر فيُريه حسناته وسيئاته، فيرُد حسناته ويعذِّبه بسيئاته".

 

ثالثًا: صاحِبِ الخيرَ في هذه الدنيا وفي هذه المواسم المباركة خاصة: فإنه خيرُ من تصاحبه وترافقه؛ فعن حاتم الأصم رحمه الله قال: "ورأيت لكل رجل صديقًا يُفشي إليه سره ويشكو إليه، فصادقت الخير؛ ليكون معي في الحساب، ويجوز معي الصراط"، موصيًا بفعل الخير؛ فهو النور في القبر لمن مات، مشيرًا إلى أن رابعها أن يكون عبد الله مفتاحًا للخير مِغلاقًا للشر؛ لأن من علامات رضا الله عن العبد أن يجعله مفتاحًا للخير، فإن رُؤِيَ ذُكر الله برؤيته، وهو يتقلب في الخير، يعمل الخير، وينطق بخيرٍ، ويفكر في خير، ويُضمر خيرًا؛ فهو مفتاح الخير حسبما حضر، وسبب الخير لكل من صحبه.

 

رابعًا: أن إيمان العبد لا يكمل إلا بتمني الخير لغيره من المسلمين: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفس محمد بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير))؛ [البخاري ومسلم].

 

خامسًا: أن يكون المؤمن دليلًا على الخير؛ ليحظى بذلك الجزاء الوافر؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الدالَّ على الخير كفاعله))؛ [صحيح الجامع]، وأنفع ما يقدمه المرء للناس إرشادهم وتعليمهم، وبذل النصح لهم، ودلالتهم على فعل الخيرات، وحثهم على استثمار الأوقات، وتشجيعهم على اغتنام القربات.

 

سادسًا: سَلِ الله الثبات على الدين، وادعُه أن يجعلك ممن يلزم طاعته وتقواه، واستعِذ بالله أن يردَّك على عقبيك، فتترك الخير وتنقطع عنه، وتفعل الشر وتميل نفسك إليه؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: "أحِبَّ الإسلام وأهله، وأحِبَّ الفقراء، وأحب الغريب من كل قلبك، وادخل في غموم الدنيا واخرج منها بالصبر، ولا تأمن لرجل أن يكون على خير فيرجع إلى شرٍّ؛ فيموت بشر، ولا تيأس من رجل يكون على شرٍّ فيرجع إلى خير؛ فيموت بخير، وليردَّك عن الناس ما تعرف من نفسك"؛ [الزهد الكبير للبيهقي].

 

سابعًا: أنْ تعلم أنَّ كل خير تفعله يعلمه الله: وتأمل في قوله تعالى: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 197]، مستشعرًا قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 9].


فالمسلم مأمور بأن يطلب الخير في دهره كله، لكنه مطلوب منه أن يجِدَّ ويعزم على استغلال الأيام الفاضلة، كفرصة هذا الشهر العظيم الذي تُفتح فيه أبواب الجنة، فما على المشمِّرين إلا أن يُقبِلوا، وما على المتسابقين إلا أن يبادروا، وقد تيقن المفلحون أن من الغَبن والحرمان أن يُحرم المرء فضلَ هذا الشهر، وحتى يتحقق الاغتنام؛ نحتاج إلى أن نصون أوقاتنا في رمضان، وشياطينُ الإنس في رمضان يجتهدون في صرف المسلمين عما يكون فيه خيرهم ونفعهم وصلاحهم، كما يجب ألَّا تُلهينا مواقع التواصل ولا غيرها عن اغتنام أوقات هذا الشهر الفضيل؛ حيث يجدُ فيها بعض الناس تسليةً ومتعة، فينشغلون بها، وينصرفون عن الجِدِّ والاجتهاد في مواسم الخيرات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • انطلاق مشروع "رمضان شهر الخيرات" في تتارستان
  • رمضان شهر الخيرات وموسم البركات والنفحات شهر تفتح فيه أبواب الجنة

مختارات من الشبكة

  • علمني رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • "رمضان ليس من أجل رمضان، رمضان من أجل بقية السنة"(مقالة - ملفات خاصة)
  • رمضان موسم التجارة الرابحة وقوله صلى الله عليه وسلم: أتاكم رمضان شهر مبارك(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • رمضان موسم التجارة الرابحة وقوله صلى الله عليه وسلم: أتاكم رمضان شهر مبارك(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • رمضان موسم التجارة الرابحة وقوله صلى الله عليه وسلم: أتاكم رمضان شهر مبارك(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • حال السلف في رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فانوس رمضان ( قصة قصيرة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • هيا بنا نستقبل رمضان؟ (استعداد)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • انتصف رمضان فاحذر!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شهر رمضان شهر مبارك وشهر عظيم(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب