• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مقالات
علامة باركود

رمضان ضيف فأكرموه

رمضان ضيف فأكرموه
حسان أحمد العماري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/3/2024 ميلادي - 26/8/1445 هجري

الزيارات: 3949

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رمضان ضيف فأكرموه

 

الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال، وتوحد بالكبرياء والكمال، وجلّ عن الأشباه والأشكال أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال، وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق الفعال.. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدٌ عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال وعلي آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه ومن اتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين، أما بعد:

أيها المسلمون: عبـــــاد الله:- يحل شهر رمضان المبارك ضيفًا على أمة الإسلام في أصقاع المعمورة وينتظره المسلمون صغارًا وكبارًا رجالًا ونساءً كل عام بلهفة وشوق لينهلوا من بركاته، ويغترفوا من خيراته، ويرتشفوا من ضفافه فهو المعين الدافق، والنهر الخافق، وهو شهر النفحات والرحمات الربانية وهو شهر تجديد الإيمان وصقل الشخصية وهو شهر المغفرة والتوبة والعتق من النار وهو شهر التآلف والتراحم والبذل والعطاء وهو شهر توحيد القلوب وصفاء النفوس.. فما أحوجنا إلى هذا الشهر وإلى فضائله ومنحه في حياتنا اليوم وفي هذا الزمان الذي ضعف فيه الإيمان وفسدت فيه الكثير من القيم والأخلاق وقست القلوب وزاد القلق وكثرت الهواجس وضعف اليقين بما عند الله وما أعده لعباده.. ما أحوجنا إلى هذه النفحات الربانية لننجو بها من شقاء الدنيا وتعاسة الآخرة.. عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم"؛ [حسن، انظر: الصَّحِيحَة للألباني: 1890].


والنفحة: هي الدفعة من العطية.. وقد أجمل سبحانه نفحات هذا الشهر بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].


عبـــــــــاد الله:- إن بلوغ رمضان لنعمة كبرى، ومنة عظمى، يقدرها حق قدرها، الصالحون المشمرون، فواجب على كل مسلم ومسلمة منَّ الله عليه ببلوغ شهر رمضان، أن يغتنم الفرصة، ويقطف الثمرة، فإنها إن فاتت كانت حسرة ما بعدها حسرة، وندامة لا تعدلها ندامة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان تهيئةً لنفوسهم وشحذًا لهممهم فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: لما حضر رمضان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغـلق فيه أبواب الجحـيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم)؛ [الألباني صحيح الترغيب (999): صحيح لغيره].


(.. فهذا رمضان مقبل علينا فأقبلوا عليه، وخذوا منه الصحة لأجسامكم، والسمو لأرواحكم، والعظمة لنفوسكم، والقوة لأجسادكم، والبذل والفضل، والكرم والعفو والتسامح والصدق لتسموا أخلاقكم فرمضان فرصة لتربية النفس في هذه الجوانب لتستقيم طوال العام ومن لم يدرك هذه الحقائق الربانية فقد يخسر وأي خسارة أعظم من السقوط من عين الله ورعايته ورحمته قال عليه الصلاة والسلام: "من لم يدَع قولَ الزورِ والعملَ به والجهلَ فليس لله حاجةٌ أن يدَع طعامه وشرابَه"؛ [البخاري /6057]".


أيها المؤمنون: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان فعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه: "قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم"؛ صححه الألباني كما في صحيح النسائي)


وكان السلف: "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم"، وقال يحي بن أبى كثير: "كان من دعائهم؛ اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه منى متقبلًا"، وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين وفتحت أبواب الجنة)... وكان السلف يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه أن يتقبله منهم.... فإذا أهل هلال رمضان دعوا الله كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله"؛ (رواه الترمذي والدارمي وصححه ابن حبان)


عباد الله: وإذا كان رمضان قد حل ضيفًا على أمة الإسلام فيجب إكرامه وذلك باستغلال أيامه ولياليه بطاعة الله والتزود منه ليوم المعاد وتزكية نفوسنا وتهذيبها بمحاسن الأخلاق، وإن رمضان فرصة لإصلاح أوضاعنا بما فيه من منح ربانية ونفحات إيمانية فهو ينفث في الأرواح الأمة الواحدة والمصير الواحد والمصلحة الواحدة والدين الواحد والقبلة الواحدة والتعالم والتوجيهات الواحدة.. فلماذا إذًا نفسد حياتنا بأيدينا؟ ولماذا نبحث عن تعاستنا وشقائنا بسوء أعمالنا؟ ولماذا لا ننظر إلى أمم الأرض من حولنا وكيف تعلمت ثقافة الحوار والتعايش وحل المشاكل وتغليب مصالح الدين والأوطان على مصالح الأفراد والجماعات والأحزاب؟ وإلى متى تسفك دماء المسلمين بأيديهم؟ ألا يكفي ما يعمله أعدائهم وقد أثخنوا جراح هذه الأمة في كل مكان، في سوريا والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان، وفي فلسطين وفي القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين وهنا وهناك وغيرها من بلاد المسلمين، لماذا لا نتخذ من رمضان فرصة لتضميد الجراح وحل المشاكل وتوحيد الصفوف وننزع البغضاء والشحناء والعصبية والطائفية والمذهبية وحب الدنيا من القلوب، ونجعل مكان ذلك الإيمان والحب والتعاون والإخاء والتراحم، وهذا ما أمرنا به الله في كتابه ورسوله صل الله عليه وسلم في سنته، ونترك الخلافات على الدنيا وشهواتها وشبهاتها، ونقوى الدين القويم والعقيدة الصحيحة في قلوبنا، ونتجه لتعمر الأوطان والتنافس في البناء والعلم والازدهار،،


إننا لن نفرح بصومنا في الدنيا والآخرة إلا بتحقيق قيم الإيمان والإسلام في نفوسنا، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (قال الله: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به". والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)؛ (رواه البخاري).


فهل يمكن أن تتحقق فرحة والداء تنزف، والخلافات التافهة تعصف بالمسلم مع أخيه المسلم؟ وهل سننال الفرح في الدنيا والآخرة عندما نلقى الله والسنتنا وأيدينا ملطخة بدماء المسلمين وأعراضهم؟ هل يمكن أن يكتب لنا الفرح والسعادة في الدنيا والآخرة عند لقاء ربنا ونحن مقصرون في واجباتنا وأعمالنا وتجاه أسرنا وأولادنا وأرحامنا؟.. لا يمكن ذلك.. فعودوا إلى ربكم وثقوا به سبحانه وأخلصوا أعمالكم وتآلفوا وتراحموا وتسامحوا فيما بينكم ولن يضيع الله جهودكم ولن يرد دعائكم واستفيدوا من شهر رمضان في جميع جوانب حياتكم وارتشفوا من معينه واغترفوا من نفحاته فربما لا يعود إلى قيام الساعة.

 

أطلق الأرواح من أصفادها
في بهيج من رياض الأتقياء
إنها يا شهر ظمأى فاسقها
مشتهاها من ينابيع الصفاء
شهوة الأجساد قد ألقت بها
في قفار ليس فيها من رواء
يا ربيع الروح اقبل وأعطها
صولجان الحكم في دنيا الشقاء
كي يعيش الناس من آلائها
في رفاء وازدهار وارتقاء


معاشر المسلمين: إن من أعظم الطاعات في شهر رمضان المحافظة على الصلوات جماعة في بيوت الله والتزود من النوافل والمحافظة على ذكر الله والإكثار من القرآن قراءةً وسماعًا وفهمًا وتدبرًا وعملًا والتزامًا في واقع الحياة فكم من مسلم هجر القرآن في حياته فتحولت إلى تعاسة وشقاء وذهبت الراحة من الطمأنينة من القلوب وهو دستور أمة الإسلام وسر قوتها وعزتها والمسلم يجب أن يرتبط بهذا القرآن في رمضان وغير رمضان وأن يكون له وردًا من القرآن في كل يوم في رمضان وغيره وأما في رمضان فإنه شهر القرآن قال تعالى ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وهو موسم مدارسة القرآن حيث كَانَ المصطفى صلى الله عليه وسلم (أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ) [رواه البخاري ]، والشفاعة تربط بين رمضان والقرآن فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) [رواه أحمد]..و عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت النبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: (إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا) ("السلسلة الصحيحة" (2829).


أيها المؤمنون /عبـاد الله:- ومن الأعمال والعبادات التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في رمضان وتكون في برنامجه، المحافظة على صلاة التراويح وقيام الليل لما فيهما من الأجر والثواب والفوائد الروحية والقيم الأخلاقية والصحة الجسدية قال صلى الله عليه وسلم "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"( مسلم).. وعن عمر بن عمرو بن مرة الجهني قال (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال: يا رسول الله! أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيتُ الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء) ("صحيح الترغيب للألباني" (1/419/993). فهل نشمر عن ساعد الجد لتربية نفوسنا على صلاة التراويح والقيام في رمضان حتى تستقيم على هذه العبادة والطاعة طوال العام فتحل علينا البركات وتتنزل علينا الرحمات وتفرج الكربات وتقضى الحاجات وتدفع الشرور والآفات.. وكم نحن محتاجين إلى رحمة الله وتوفيقه ولن تنال إلا بعبادة صحيحة ومناجاة صادقة وعمل خالص..قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 15 - 17] ووصفهم في موضع آخر، بقوله: "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا " إلى أن قال ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الفرقان: 75، 76] إن قيام الليل له لذة، وفيه حلاوة وسعادة لا يشعر بها إلا من صف قدميه لله فى ظلمات الليل يعبد ربه ويشكو ذنبه، ويناجى مولاه، ويطلب جنته، ويرجو رحمته، ويخاف عذابه، ويستعيذ من ناره قال تعالى عنهم: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات:18،17] قال الحسن: كابدوا الليل، ومدّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار... وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]... عن -السري رحمه الله تعالى- قال: دخلتُ سوق النخَّاسين، فرأيت جارية ينادى عليها بالبراءة من العيوب، فاشتريتها بعشرة دنانير، فلما انصرفت بها -أي: إلى المنزل- عرضتُ عليها الطعام، فقالت لي: إني صائمة. قال: فخرجْتُ، فلما كان العشاءُ أتيتها بطعام فأكلت منه قليلا، ثم صلينا العشاء، فجاءت إليّ وقالت: يا مولاي، بَقِيَتْ لك خدمة؟ قلت: لا. قالت: دعني إذًا مع مولاي الأكبر. قلت: لكِ ذلك.


فانصرفَت إلى غرفة تصلي فيها، ورقدت أنا، فلما مضى من الليل الثلث ضربت الباب عليّ، فقلت لها: ماذا تريدين؟ قالت: يا مولاي، أما لك حظ من الليل؟ قلت: لا، فذهبَت، فلما مضى النصف منه ضربَت عليّ الباب وقالت: يا مولاي، قام المتهجدون إلى وِرْدِهم، وشمــَّر الصالحون إلى حظهم، قلت: يا جارية، أنا بالليل خشَبة، أي: جثة هامدة، وبالنهار جلبة، أي: كثير السعي.


فلما بقي من الليل الثلث الأخير ضربَت علي الباب ضربًا عنيفًا، وقالت: أما دعاك الشوق إلى مناجاة الملِك؟ قدِّمْ لنفسك وخُذ مكانًا؛ فقد سبقك الخُدَّام.


قال السري: فهاج مني كلامها، وقمت فأسبغت الوضوء، وركعت ركعات، ثم تحسسْتُ هذه الجارية في ظلمة الليل، فوجدتها ساجدة وهي تقول: الهي بحبك لي إلا غفرت لي. فقلت لها: يا جارية، ومِن أين علمت أنه يحبك؟ قالت: لولا محبته ما أقامني وأنامك. فقلت: اذهبي؛ فأنت حرة لوجه الله العظيم. فدعت ثم خرجت وهي تقول: هذا العتق الأصغر، بقي العتق الأكبر. أي: من النار.


ومن أعمال المسلم في شهر رمضان أن ينفق مما أعطاه الله مما قل منه أو كثر كلٌ حسب قدرته وطاقته قال تعالى (مَنْ ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245] وقال عز وجل ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]... فكم من جائع ومحتاج ويتيم ومسكين ومريض وغارم يحتاج إلى من يقف بجانبه ويمد يد العون له ولن يضيع ذلك عند الله..لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس في رمضان وغير رمضان... أخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة).. فتشبهوا بنبيكم واقتدوا بسلوكه وأخلاقه والتزموا بتوجيهات تفلحوا في الدنيا والآخرة.. اللهم وفقنا لصيام رمضان وقيامه وتقبل طاعاتنا واغفر ذنوبنا يا أرحم الراحمين، قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخطــــبة الثانــية

عبـــــــــاد الله:- وشهر رمضان هو شهر الدعاء والتضرع بين يدي الله سبحانه وتعالى ندعو لأنفسنا ومجتمعاتنا وأمتنا وللصائم عند فطره دعوة لا ترد ينبغي أن لا يفرط فيها فقد جبلت هذه الدنيا على كدر وكم نحن محتاجين إلى رحمة الله وعطفه.. فكم في هذه الدنيا مصائب ورزايا، ومحن وبلايا.. آلام تضيق بها النفوس، ومزعجات تورث الخوف والجزع.. فكم في هذه الدنيا من عين باكية، وكم فيها من قلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعدومين.. قلوبهم تشتعل ودموعهم تسيل.. هذا يشكو علة وسقمًا، وذاك حاجة وفقرًا، وآخر همًا وقلقًا!! عزيز قد ذل، وغني افتقر، وصحيح مرض.. وكل له هموم وآلام، فإلى من يشكون؟ وأيديهم إلى من يمدون؟ إلى رب الأرض والسماوات، مجيب الدعوات، ومقيل العثرات، عالم السر والنجوى.. فالدعاء هو أعظم أنواع العبادات،لأنه يدل على التواضع لله، والافتقار إلى الله، ولين القلب والرغبة فيما عنده، والخوف منه تعالى، وترك الدعاء يدل على الكبر وقسوة القلب والإعراض عن الله، وهو سبب دخول النار، يقول تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].


كما أن دعاء الله سبب لدخول الجنة قال تعالى: ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 25 - 28].. فاللهم يا موضع كل شكوى! ويا سامع كل نجوى! ويا شاهد كل بلوى! يا عالم كل خفية! ويا كاشف كل بلية! يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين! ندعوك دعاء من اشتدت فاقته، وضعفت قوته، وقلّت حيلته، دعاء الغرباء المضطرين، الذين لا يجدون لكشف ما هم فيه إلا أنت، يا أرحم الراحمين! اكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعف وفتور وذل وهوان واقض حاجاتنا واشف مرضانا واحقن دمائنا وخذ بنواصينا إلى كل خير، اللهم اعنا على الصيام والقيام وقراءة القرآن، اللهم واجعل شهر رمضان هذا العام شاهدًا علينا بالحسنات لا شاهدا علينا بالمعاصي والسيئات..... هذا وصلوا وسلموا على محمد خير البرية ورسول الإنسانية صلى الله عليه وعلى آله وسلم..... والحمد لله رب العالمين

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رقمنة رسائل التهنئات (تهنئة شهر رمضان نموذجا)
  • كيف نستقبل رمضان
  • رمضان أقبل (قصيدة)
  • حال السلف رحمهم الله مع تلاوة القرآن في رمضان
  • أحوال الناس في استقبال رمضان (خطبة)
  • ما ينبغي فعله وتركه في رمضان (خطبة)
  • يا من تريد الفوز برمضان عليك الاستعداد من الآن
  • رمضان جباه ساجدة وأيد منفقة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • علمني رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • "رمضان ليس من أجل رمضان، رمضان من أجل بقية السنة"(مقالة - ملفات خاصة)
  • حال السلف في رمضان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فانوس رمضان ( قصة قصيرة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • رمضان ضيفك.. كيف تستقبله؟(محاضرة - ملفات خاصة)
  • رمضان الضيف الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رمضان.. الضيف الراحل (تصميم)(مقالة - ملفات خاصة)
  • رمضان في الجزائر.. ضيف عزيز واستقبال حافل(مقالة - ملفات خاصة)
  • هيا بنا نستقبل رمضان؟ (استعداد)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • انتصف رمضان فاحذر!(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب