برنامج دقيقة رمضانية (الموسم الأول) الحلقات (11-20)

برنامج دقيقة رمضانية (الموسم الأول)

الحلقات (11-20)

الحلقة الحادية عشرة:

في آيات الصيام تتجلى رحمة الله بعباده، ويسر شريعته؛ قال تعالى: ﴿ أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]؛ أي: قليلات في غاية اليسر والسهولة، ثم سهل سبحانه تسهيلًا آخر، فقال: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]، وقال سبحانه في الآية التي تليها: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن فرض عليهم الصوم بقدر المصلحة، بحيث ينتفع العبد به في دنياه وأخراه، ولا يضره، ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة"؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184].

فاللهم لك الحمد أن فرضت علينا الصيام، تطهيرًا لقلوبنا، وتزكية لنفوسنا، وطريقًا موصلًا إلى رضوانك، وجناتك جنات النعيم.

الحلقة الثانية عشرة:

قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ))، قَالَ: ((فَيُشَفَّعَانِ)).

قال الشاطبي رحمه الله تعالى:

وَإِنَّ كِتَابَ اللهِ أَوْثَقُ شَافِعٍ وَأَغْنَى غَنَاءٍ وَاهِبًا مُتَفَضِّلا وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلا وَحَيْثُ الْفَتى يَرْتَاعُ فِي ظُلُمَاتِهِ مِنَ اْلقَبرِ يَلْقَاهُ سَنًا مُتَهَلِّلا هُنَالِكَ يَهْنِيهِ مَقِيلًا وَرَوْضَةً وَمِنْ أَجْلِهِ فِي ذِرْوَةِ الْعِزِّ يُجْتَلَى يُنَاشِدُ في إرْضَائِهِ لحبِيبِهِ وَأَجْدِرْ بِهِ سُؤْلًا إلَيْهِ مُوَصَّلا

الحلقة الثالثة عشرة:

معاشر الأحبة، تأملوا كيف جاء قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186] ضمن آيات الصيام، إشارة إلى أن الصائم ينبغي له الإكثار من الدعاء، وأن دعاءه مستجاب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُم)) وذكر منهم: ((وَالصَّائِم حتى يُفْطِرُ)).

معاشر الأحبة، إن الدعاء وسيلة علو الهمة، وذلك أن الداعي يأوي إلى ركن شديد، يستعين به في كافة أموره، وينزل به حاجاته، ويقطع الطمع عما في أيدي الخلق، ويتخلص بالدعاء من أسر الخلق ورقهم ومنتهم، وهذا هو عين عزه وفلاحه.

قال الشافعي رحمه الله تعالى:

أَتَهزَأُ بِالدُّعاءِ وَتَزدَريهِ وَما تَدري بِما صَنَعَ الدُّعاءُ سِهامُ الليلِ لا تُخطِي وَلَكِن لَها أَمَدٌ وَلِلأَمَدِ انقِضاءُ

الحلقة الرابعة عشرة:

أحبتي الكرام، ما قيمة اللباس بالنسبة لكم؟ لا شك أن قيمته عظيمة كبيرة، هل تعلمون أحبتي أن أزواجكم ﴿ لِبَاسٌ لَكُمْ ﴾؟ أليس قد قال الله سبحانه وتعالى ضمن آيات الصيام: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]؟

فاحرصوا- بوركتم- في هذا الشهر المبارك، على توطيد هذه العلاقة الشريفة المباركة، ﴿ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ [الأنفال: 1]، ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ)).

طبِّقوا هذا العمل، وانظروا أثره في بيوتكم وأزواجكم وأولادكم. أستودعكم الله.

الحلقة الخامسة عشرة:

أحبتي الكرام، لقد أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم بوصية عظيمة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((الصَّوْمُ جُنَّةٌ))؛ أي: وقاية وحصن حصين من النار والعذاب في الآخرة.

قال تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 33]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونهم: المجاهدُ في سبيلِ اللهِ، والْمُكَاتَبُ الذي يريدُ الأداءَ، والناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ)).

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى.

الحلقة السادسة عشرة:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)).

أحبتي الكرام، هل استشعرتم وأنتم تصومون هذا الشهر المبارك أنكم تقيمون ركنًا من أركان الإسلام العظام؟ إذا علمتم ذلك أحبتي الكرام فأعطوا الركن حقه، وأدوا الصيام بإحسان، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].

الحلقة السابعة عشرة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟))

أحبتي الكرام، هنيئًا للمستغفرين في أوقات السحر، قال تعالى: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]، وقال تعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 16، 17].

قال الحسن: أخفى قوم عملهم، فأخفى الله لهم ما لم تر عين، ولم يخطر على قلب بشر.

الحلقة الثامنة عشرة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا ابْنُ آدَمَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ حَسَنَةٍ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ هُوَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ الطَّعَامَ مِنْ أَجْلِي، وَالشَّرَابَ مِنْ أَجْلِي، وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي فَهُوَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)).

أحبتي الكرام، تأمَّلوا في قول الحق سبحانه في هذا الحديث القدسي العظيم: ((مِنْ أَجْلِي))؛ أي: لأجل الله سبحانه وتعالى وحده، لا لأجل أحد سواه.

أحبتي الكرام، الصوم مدرسة الإخلاص.

اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل، ونعوذ بك من الرياء والسمعة، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ وَنَحْنُ نَعْلُمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا نَعْلَمُ.

قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

الحلقة التاسعة عشرة:

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.

أحبتي الكرام، الاعتكاف سنة مؤكدة، واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله، واعتكف أزواجه رضي الله عنهن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته.

والاعتكاف فرصة للخلوة مع الله، وجمع القلب عليه، وتزكية النفس، وتقويم عوجها، وإصلاح تقصيرها، وصدق الحق سبحانه: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10].

الحلقة العشرون:

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَقُلْتُ: أَلَا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ؛ نَتَحَدَّثُ؟ فَخَرَجَ فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: ((مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَرْجِعْ؛ فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ)). وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزَعَةٌ فَأُمْطِرْنَا فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْنَبَتِهِ- يعني طرف أنفه- تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ.