• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / خطب رمضان والصيام
علامة باركود

رمضان شهر الانتصارات (خطبة)

رمضان شهر الانتصارات (خطبة)
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/1/2022 ميلادي - 23/6/1443 هجري

الزيارات: 125096

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رمضان شهر الانتصارات

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

 

فأحبتي في الله كم لله عز وجل علينا من نعم ظاهرة وباطنة أسبغها علينا، وكم لله عز وجل من خير وفضل أفاض به علينا، واختص به أمة الإسلام دون غيرها من الأمم، ولو يعلم الناس ما عند الله عز وجل في شهر رمضان من الرحمات والبركات والخيرات، ما فرَّط المفرِّطون، وقصَّر المقصرون، وغفل عن ذكره الغافلون، فالله عز وجل قد أودع شهر رمضان الكثير من الأسرار والكنوز التي جعلت هذا الشهر المبارك شامة العام وتاج الشهور ودُرَّة الزمان، فكما أن شهر رمضان هو شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن، والصدقة والإطعام والعبادات الكثيرة، فإن شهر رمضان أيضًا هو شهر الانتصارات، شهر العزة والكرامة؛ فربنا عز وجل جعل شهر رمضان شهر ميلاد الأمة الإسلامية، حين أضاء وحيُ السماء ظلمات الأرض، وبدد نور الهداية ظلمات الشرك والجاهلية والخرافة، فكان رمضان عهدًا جديدًا استقبلت به البشرية خير رسل الله وآخر رسالات السماء، فكان رمضان نقطة تحوُّل في مسيرة البشرية بنزول القرآن؛ كان انتصارًا للنور على الظلام، والحق على الباطل، والتوحيد على الشرك، والطهارة والنقاء على الفحش والعَهْر، فقد وقعت فيه العديد من الأحداث العظام والمواقف الجسام التي مثلت تحولًا كبيرًا في حياة الأمة، فمعاني الانتصارات وأبجديات العزة وأصول الكرامة، قد تجسدت في شهر رمضان الكريم.

 

فإلى القلب الذي يفكِّر خاشعًا بين يدي ملك السماوات والأرض، وينفطر كمدًا على نكبات المسلمين، وإلى العين التي تسيل دمعًا من خشية الله، ودمًا على أحوال المسلمين ومآسيهم، وإلى الجوارح التي تصوم ابتغاء رضوان الله، وتشتاق أن ينتصر الإسلام، إلى هؤلاء جميعًا نهدي لهم هذه المشاهد والمواقف الكبرى في معاني الانتصار.

 

في شهر رمضان حقق المسلمون عدة انتصارات كانت بمثابة المحطة الفارقة والنقطة الفاصلة في حياة الأمة الإسلامية، وأُولى هذه الانتصارات كانت يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، يوم بدر، في العام الثاني من الهجرة، عندما التقت الفئة المؤمنة جند الرحمن، مع جند الشيطان الفئة الكافرة، وقد تراءت الفئتان من أول صدام بين الحق والباطل والإيمان والكفران، ويتنزل نصر الله عز وجل على المؤمنين، ليكون أعظم انتصارات الإسلام.

 

ومن روعة الانتصار أيها المسلمون وعظمة المشهد، أنزل الله عز وجل في الواقعة قرآنًا يتلى إلى يوم الدين في سورة الأنفال التي نزلت معظم آياتها في شأن غزوة بدر، وقد سماها المولى عز وجل يوم الفرقان؛ لأنها كانت فرقانًا بين عهد الاستضعاف والقلى وتسلُّط الأعداء، إلى عهد القوة والانتشار والنصر على الأعداء، واستحق أهل بدر صك المغفرة والعتق من النيران الذي أصدره رب البرية على لسان رسول البشرية: "لعل الله اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم..."؛

 

قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 123 - 126].

 

وفي رمضان من العام الثامن من الهجرة كانت محطة فارقة ونقطة فاصلة في حياة الأمة، عندما فتحت جيوش الصحابة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، وأعلنوا سقوط عاصمة الشرك والاستكبار الجاهلي التي طالَما استغل المشركون منزلتها وفضلها في التحريض ضد الإسلام والمسلمين، وأعلنوا تحرير بلد الله الحرام من أدران الشرك والأوثان، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة الأمة اتحدت فيها بلاد الحرمين، الأصل والمهجر، وأعلن عن قيام الدولة الإسلامية على حدود جديدة.

 

أيها المسلمون، عندما قاد المعتصم العباسي جيشًا جرارًا أوله من منابت الزيتون وآخره على أبواب عمورية، وذلك في رمضان سنة 223هـ، بعد أن تجبر طاغية الروم توفيل بن ميخائيل، واستغل انشغال المسلمون بقتال بابك الخرمي في فارس، وهجم بمائة ألف صليبي على حدود الدولة الإسلامية، وأوقع بأهل زبطرة في الأناضول مذبحة مروعة، فقتل الكبير والصغير، فجدع الأنوف وسمل العيون، واستاق الحرائر، حتى إن امرأة هاشمية صاحت بعد أن لطمها كلب رومي فقالت: "وامعتصماه"، وطارت الأخبار للخليفة المعتصم وهو في إيوان قصره، فلما طرقت الصرخة الحزينة مسامع الأسد "المعتصم العباسي" أسرع مهرولًا في قصره وهو يقول مثل الإعصار: "النفير النفير"، وقد خرج بكل ما لديه من جيوش، وأقسم ليهدمنَّ أعزَّ مدينة عند الرومان، وقد كتب وصيته ولبس كفنه وتحنَّط، وقسَّم ماله: ثلثًا لأهله، وثلثًا للمجاهدين، وثلثًا لمنافع المسلمين، ولم يهدأ له بال ولم يستقر له حال حتى أناخ بساحة عمورية بأكثر من مائة ألف مجاهد من ثلاث جهات، ودخل عمورية في السادس من رمضان سنة 223هـ، فهدمها بالكلية، وتركها قاعًا صفصفًا، وأدَّب أعداء الأمة تأديبًا هائلًا، ارتدعوا به فترة طويلة، واستعادت الأمة كرامتها.

 

وكان رمضان منطلَقًا بالأمة إلى العالمية؛ حيث خرجوا من حدود الجزيرة العربية إلى العالمية، حيث حملوا رايات التوحيد إلى قلب العالم، وذلك مبكرًا جدًّا عندما فتح المسلمون جزيرة رودوس سنة 53هـ، ثم فتحوا الأندلس في معركة وادي لكة الشهيرة سنة 92 هـ، وأصبح غرب القارة الأوروبية مسلمًا يتردد الأذان في جنباته، ثم فتح المسلمون جزيرة صقلية سنة 212هـ، عندما قاد القائد الفقيه المحدث أسد بن الفرات جيوش المسلمين لمعركة سهل بلاطة في التاسع من رمضان سنة 212هـ؛ ليفتح أكبر جزر البحر المتوسط، ويصبح المسلمون على بعد خمسة أميال فقط من إيطاليا، ثم واصل المسلمون انطلاقهم إلى العالمية لنشر التوحيد بين ربوع المعمورة، وفتح العثمانيون - بقيادة سليمان القانوني - بلجراد عاصمة الصرب في رمضان سنة 927هـ، وأصبحت بلجراد مدينة إسلامية، وانتشرت فيها المساجد، حتى بلغ تعدادها 250 مسجدًا قام الصرب بإحراقها جميعًا بعد سقوط الدولة العثمانية.

 

أيها المسلمون، وانتصر المسلمون بقيادة سيف الدين قطز على جحافل التتار في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ، وقضوا على أسطورة التتار الجيش الذي لا يهزم، وكانت تلك الأسطورة قد روعت الناس في كل مكان؛ حيث بلغ من شدة خوفهم ورعبهم من التتار أن الجندي التتري الواحد يدخل السرداب وفيه مائة رجل، فيقتلهم جميعًا وحده بعد أن قتلهم الخوف والفزع من لقاء التتار.

 

وفي 10 رمضان 1363هـ (6 أكتوبر 1973م)، عبر الجيش المصري قناة السويس وحطم خط بارليف، وألحق الهزيمة بالقوات الصهيونية، في يوم من أيام العرب الخالدة التي سطرها التاريخ في أنصع صفحاته بأحرف من نور، ففي هذا اليوم وقف التاريخ يسجل مواقف أبطال حرب أكتوبر الذين تدفَّقوا كالسيل العرم يستردون أرضهم، ويستعيدون كرامتهم ومجدهم؛ فهم الذين دافعوا عن أرضهم وكافحوا في سبيل تطهيرها وإعزازها، فبعد أن احتل اليهود سيناء الحبيبة والجولان والضفة والقدس وغزة في 5 يونيو 1967م، أخذوا يتغنون بأسطورة جيشهم الذي لا يقهر، لكن مصر نجحت بفضل الله في إعادة بناء جيشها وجهزته بالعتاد وخيرة جنود الأرض، وبالتخطيط الجيد مع أشقائها العرب وبإرادة صلبة قوية وإيمان قوي عظيم وبخطة دقيقة محكمة فاجأت إسرائيل والعالم كله الساعة الثانية بعد الظهر، وانطلقت أكثر من 220 طائرة تدك خط بارليف الحصين ومطارات العدو ومراكز سيطرته، وفي نفس الوقت سقطت أكثر من عشرة آلاف وخمسمائة دانة مدفعية، وتعالت صيحات: الله أكبر، وتَم عبور القناة واقتحام حصون العدو وتحطيمها واندحر العدو، وهزم شرَّ هزيمة، ورجعت أرض سيناء كاملة بعد ذلك نتيجة لهذه الحرب المجيدة، في هذا الشهر العظيم، شهر عزة المسلمين والذلة لأعداء الحق أعداء الدين.

 

معشر الصائمين، إن المتأمل في أسباب إنزال الله نصره لعباده، يجد أنها فضل من الله أفاضه على أوليائه حين انتصروا على نفوسهم؛ فكانوا مؤهلين لتنزُّل النصر عليهم: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج:40].

 

المتأمَّل في التاريخ الإسلامي وما نقله أهل السير والمغازي ليلتمس جلبًا أن شهر رمضان المبارك هو شهر الانتصارات العظيمة للإسلام والمسلمين، فمعركة بدر الكبرى وقعت في رمضان وفتح مكة في رمضان.

 

إن ما نأخذه في حياتنا الرُّوحية من غزوة بدر أن السالك إلى الله لا بُدَّ أن يجعل رمضان فرقانًا في حياته، يترقَّى بروحه إلى المقامات العليَّة، وما نستفيده من فتح مكة أن رمضان محطة للتَّجليَّات الربَّانية وللفتح الإيماني، ففي رمضان يكون الانتصار على النفوس أقوى ما يكون أن ينتصر المسلم على نفسه التي بين جنبيه، وهي أعدى أعدائه، وذلك بمخالفتها وتعويدها على الطاعات واجتناب المنهيات؛ قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [الشمس 7-10].

 

ويقول سبحانه: ﴿ فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37-41].

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فيا أيها المسلمون، يقول سُفْيان الثوري: "ما عَالَجْتُ شيئًا أشد عليَّ من نفسي"، فالصّائم بمجاهدته نفسه بتركه ما لَذَّ وطاب من أنواع الطعام والكف عن شهوته، ينتصر على نفسه كما جاء في الحديث الذي يرويه البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: "حُفَّت الجنّة بالمكاره، وحُفَّت النَّار بالشَّهوات"، لذا اشتمل رمضان على كلِّ أسباب الانتصار على النفس، انتصار على الرياء وملاحظة الخلق بتصفية العمل للخالق، فرمضان شهر الإخلاص بلا منازع، وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعي الرياء وأسبابه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه، فامتناع الصائم عن الطعام والشراب والشهوات المادية والمعنوية طيلة يومه، استجابة لأمر ربه هو عين الإخلاص، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي))؛ (رواه البخاري).

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))، ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))، ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

إن تحقيق هذا النوع من الانتصار هو الأساس الذي تنبني عليه كلُّ الانتصارات الأخرى، فإن تربى العبد على الاستحضار الدائم لعامل المراقبة هذا، وذلك بعدم جعل الله أهون الناظرين إليه، وتجنُّب ما لا يرضيه من فعل أو قولٍ أو خلقٍ، أو سلوك سرًّا أو علانية، فيكن بذلك قد تجاوز عتبة الانتصار الأول والمهم في مدرسة الصيام ليصحبه صحبة دائمة لازمة طيلة العام.

 

ومن مظاهر الانتصار على النفس عدم الغضب؛ كما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن سابه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم"؛ أي يقولها بلسان مقاله، ويقولها بلسان حاله بأن يتخلَّق بخُلق الصوم.

 

ومن مظاهر الانتصار على النفس: عدم الطمع في البيع والشراء، وكما جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ يُحبُّ سمحَ البيع وسمح الشراء، وسمح القضاء"، فعلى التجار أن يتَّقوا الله في هذا الشهر الفضيل بعدم رفع الأسعار، بل عليهم أن يرفعوا أسعار طاعتهم بالرَّحمة والسَّماحة في البيع والشراء.

 

وانتصار على سوء الخلق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. إِنِّي صَائِمٌ"؛ رواه البخاري ومسلم.

 

وانتصار بالاجتماع وعدم التفرق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ"؛ رواه الترمذي، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصححه الألباني.

 

وانتصار على الشح والبخل والأثرة، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ"؛ رواه البخاري ومسلم.

 

فليتأسَّ المؤمن به صلى الله عليه وسلم ويعلنها حربًا لا هوادة فيها على كل ما له علاقة بالشح والبخل، فالفلاح الذي هو غايته ومبتغاه في الدنيا والآخرة، لا يمكن أن يحوزه إلا إذا نجح في معركته مع الشح؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16].

 

وانتصار على الشهوات، فالصَّوْم عبَادَة تكف النَّفس عَن شهواتها، وتُخرجها عَن شَبَه الْبَهَائِم إِلَى شبه الْمَلَائِكَة المقربين، فَإِن النَّفس إِذا خليت ودواعي شهواتها التحقت بعالم الْبَهَائِم، فَإِذا كفت شهواتها لله، ضيقت مجاري الشَّيْطَان، وَصَارَت قريبَة من الله بترك عَادَتهَا وشهواتها محبَّة لَهُ وإيثارًا لمرضاته وتقربًا إِلَيْهِ، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)؛ (مسلم).

 

قال الحافظ ابن حجر: مقتضاه أن الصوم قامع لشهوة النكاح، واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة، وذلك مما يثير الشهوة، لكن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده، سكن ذلك والله أعلم؛ (فتح الباري).

 

قال الحليمي: الصوم يقمع الشهوة فيسهل الكف عن الحرام.

 

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي"؛ (رواه البخاري ومسلم)، فالصوم من أعظم العبادات التي تعين المسلم على الانتصار على شهواته، وانتصار على الشياطين بالتصفيد وتضييق مجاريهم بالصيام، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ"؛ رواه مسلم.

 

وانتصار على اللسان وآفاته، عندما نسمع أو نقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"؛ رواه البخاري.

 

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث))؛ (ابن حبان وابن خزيمة).

 

نُدرك أهمية هذا النوع من الانتصار في شهر رمضان، فمن لم يستطع أن ينتصر في معركته مع لسانه - خاصة وهو صائم - لا يُمكنه أن ينتصر في معركته مع شيطانه وشهواته، بل إن الانهزام أمام اللسان وآفاته يؤدي بصاحبه إلى الإفلاس؛ قال ابن القيم: إن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدَمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدَمها من كثرة ذكر الله).

 

وقال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام.

 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُهُ، ولا يستقيمُ قلبُهُ حتى يستقيمَ لسانُـهُ))؛ (رواه أحمد وحسنه الألباني). وقال جابر بن عبدالله في نصيحة غالية للصائمين: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواءً؛ (لطائف المعارف).

 

وانتصار بالاعتزاز بالإسلام، وخلع رِبقة التقليد المهين؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ"؛ رواه مسلم.

 

أسأل الله أن ينفعَنا بما نقول وبما نسمع، وأن ينصُرنا على أعدائنا، إنه نعم المولي ونعم النصير.

وأقم الصلاة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لفتات رمضانية
  • استقبال شهر رمضان (خطبة)
  • رمضان أهلا (قصيدة)
  • غذاء الأسرة في رمضان
  • الثبات بعد رمضان
  • شوقا إلى رمضان
  • رمضان أمل المكروب وفرحة القلوب (خطبة)
  • الشهر المبارك: رمضان
  • رمضان غدا أو بعد غد (خطبة)
  • طلائع رمضان (خطبة)
  • رمضان شهر الجود والإحسان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • علمني رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • استعراض الصحف الإيطالية لشهر رمضان 2014 في إيطاليا(مقالة - ملفات خاصة)
  • فضل شهر رمضان في القرآن والسنة: رمضان شهر الرحمة والغفران والعتق من النار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من خصائص رمضان: شهر معظم عند المسلمين صالحهم وطالحهم، وزكاة الفطر خاصة بصيام شهر رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • شهر رمضان في الكتاب والسنة، وأحاديث منتشرة عن شهر رمضان ولا تصح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شهر رمضان شهر مبارك وشهر عظيم(مقالة - ملفات خاصة)
  • فضل شهر رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • آخر ليلة من شهر رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • وأقبل شهر رمضان شهر القرآن(مقالة - ملفات خاصة)
  • ثبوت دخول شهر رمضان وخروجه(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب