• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / ملف الحج / مقالات في الحج
علامة باركود

وقفة مع آية: {وأتموا الحج والعمرة لله}

الشيخ محمد حامد الفقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/1/2016 ميلادي - 30/3/1437 هجري

الزيارات: 15120

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفة مع آية

﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196]


بسم الله الرحمن الرحيم

قول الله تعالى ذكره: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [البقرة: 196 - 203].


يقول الله جل ثناؤه لعباده المؤمنين الذين أقاموا ما كتب الله عليهم في الصيام، وأدَّوه على الوجه الذي يحبه الله تعالى منهم إيمانًا واحتسابًا، وأقاموا ما ندبهم له من الجهاد الذي قدموا به أنفسهم وأموالهم صفقة رابحة لله، ثمنها عنده جنة عرضها السموات والأرض،يقول الله لهؤلاء: قوموا بحق الحج والعمرة تامًّا وافيًا على أكمل وجه وأوفاه بما ينبغي لله من العبادة الخالصة والطاعة التامة الكاملة في مناسك الحج والعمرة التي أراكموها، استجابة لدعوة أبيكم إبراهيم عليه السلام وعلى نبينا وجميع الأنبياء،وتمام الشيء ألا تنقص منه ولا تزيد عليه.


وقد قرأ عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (وأقيموا الحجَّ والعمرةَ لله).


وقال الله تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾ [البقرة: 124]؛ أي: قام بما أوجب الله عليه فيهن وافيًا تامًّا غير منقوص، ولا زائد عنهن من عند نفسه شيئًا، فكافأه الله أن جعله للناس إمامًا،كذلك المؤمن الذي يتم الحج والعمرة بمناسكها تامة لا ينقص منها شيئًا ولا يزيد عليها من عند نفسه شيئا يجعله الله فيهما إمامًا.


ولقد أوصانا الله أشد الوصية أن يكون إتمام الحج والعمرة لله خالصًا، لا يخرج إليهما ولا يأتي بعمل من أعمالهما ولا ينسك نسكًا لهما إلا والباعث عليه مرضاة الله وحده، وابتغاء الأجر والمثوبة من عنده وحده، وأن تكون هذه النية الخالصة حاضرة مشهودة في القلب والنفس عند كل عمل وحركة،وحذَّرنا أشد التحذير أن نبتغي بعملنا في الحج والعمرة وغيرها من الطاعات مَحْمَدةً في الدنيا، ولا ثناءً من الناس، أو حظًّا مما في أيديهم من متاع الدنيا وعرَضهِا الذي ينفَد ولا يبقى؛ فإن ذلك الشركُ الخفيُّ الذي يقول الله فيه: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16]، ومِن أعظم خُدَع الشيطان وكيده للجاهلين: أن يزين لهم لفظ: (نَوَيْت)، والتشدد فيه، والتنطع البارد، وقلوبهم لا تنطوي إلا على مراءاة الناس، وحب الثناء منهم؛ فتحبَط أعمالهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون.


والحج: هو القصد إلى بيت الله الحرام على الوجه الذي يوجب رضا الله ورحمته؛ بأن تكون النفقة فيه من مال طيب حلال، وأن يكون سخيَّ النفس بالصدقات والإحسان، غير شحيح ولا بخيل مُقتر، على الموسع قدره، وعلى المتوسط قدره، وعلى الفقير قدره،فإذا بلغ الميقات، وهو أول حد من حدود الأرض التي جعلها الله حريمًا لبيته المشرف، فلا يجاوز ذلك الحد إلا محرمًا قد تطهر وتنظف وتطيب وتجرد من ثيابه الاعتيادية، ولف نصفه الأسفل بقطعة من القماش الساذج الذي لم يفصل تفصيل ما اعتيد لبسه - كالسراويل مثلًا - وكذلك نصفه الأعلى، والقصد من ذلك العود إلى البساطة والفطرة الأولى، والتجرد من تكلفات الحياة وزينتها وريشها الذي يميز الغني من الفقير، والمأمور من الأمير،والله يريدهم ضيوفًا عند بيته، تجردوا من كل فوارق الدنيا، فهي فوارق غرور وخداع،والله يريد أن يحضرهم بمشهدهم هذا عند بيته المكرم مشهدهم يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين،والله يريد أن يذكرهم يوم العرض عليه والجزاء، ليستغفروا ربهم عند بيته، ويستميحوه العفو والصفح وهم في دار الضيافة، وفي منزلة الزلفى لديه،فتلك فرصة يتيحها الكريم لنزلائه ووفده؛ ليكفر عنهم سيئاتهم، ويحمل عنهم تبعاتهم، ويرفع لهم درجاتهم، فإذا جاؤوا يوم الدِّين كانوا من الذين ابيضَّت وجوههم لما ابيضت صحفهم، وطابت أعمالهم، وزكَتْ نفوسهم وأرواحهم.


فطوبى لمن فقه عن الله حكمته في الإحرام وغيره، ونفى عن نفسه وساوس الشيطان؛ من التنطع في عقدة الحزام، أو خياطة في النعال، أو في المخلاة التي يحمل فيها بعض متاعه، أو ما إلى ذلك مما شددوا فيه وتنطعوا، وضيعوا حقيقة الدين ولب العمل الصالح،والأمر أيسر جدًّا مما يظنه أولئك المتنطعون، خصوصًا من يلبسون ثياب العلماء وينطقون بلسانهم،فالبلاء كل البلاء على العامة - وعلى الحُجَّاج خصوصًا - من أولئك الذين لا يعرفون إلا ألفاظ المتون والشروح والحواشي وما فيها من قشور ورسوم جافة، ولا يدرون ما وراء ذلك من علم وهدى وحكمة عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين، وأئمة الهدى من السالفين رضي الله عنهم.


ألا يكفيهم في يسر الإسلام وسماحته: ما روى البخاري ومسلم وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الحلق قبل الذبح يوم النحر، فقال: ((افعل ولا حرج))، وما سُئل عن شيء قُدِّم أو أُخِّر ذلك اليوم إلا قال: ((افعل ولا حرج)).


وأشد البلاء تلك الحيرة التي يقع فيها الحُجَّاج من كثرة الأقاويل، والاختلافات المتضاربة في الأمر الواحد، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما حج إلا مرة واحدة، فكيف يتأتى هذا الاختلاف؟ اللهم إلا مرض التفرق وحب الاختلاف، أصاب الناس في كل شيء، حتى في الأمر الذي ليس للرسول صلى الله عليه وسلم فيه إلا عمل واحد؛ لأنه لم يتكرر وقوعه منه،ولقد فتن لابسو ثياب العلماء بهذا الاختلاف والتفرق، لدرجة أن يقول الواحد منهم للعامة: من كان مذهبه كذا فلا يعمل بكلامي هذا؛ فإنه لمن مذهبه كذا،فلا بد أن ينقسم الناس في درسه شيعًا وأحزابًا، ويلجئهم ما يسمعون من كلام متضارب إلى الحيرة والاضطراب والشكوك، حتى يضطرهم ذلك إلى التهاون في الأمر كله؛ لأنهم رأوه على تلك الصورة خارجًا عن طوقهم، وإنك لتدهش لهم وقد ملكتهم الحيرة، وأحاط بهم الاضطراب، فوجموا لا يدرون ماذا يقولون ويعملون، والعلم الذي ينتظرون منه المخرج هو الذي حيَّرهم،فإذا قرأت عليهم هَدْيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجه وعمرته هَشُّوا لذلك وفرحوا، وأشرق على وجوههم نور اليقين والاطمئنان، ومضَوا في مناسكهم راضين مطمئنين مخلصين، إلا إذا وقع عليهم غراب من الذين ينعقون بالخلاف والتفرق، فما يزال يبغِّض إليهم السنَّة ويشوهها بما يرمي الذي دعاهم إليها ويخلَعُ عليه من ألقاب الكفر والزندقة والمروق والإلحاد، حتى يعيد الشك والحيرة إلى قلبِ مَن لم يثبِّتْه الله ويهدِ قلبه.


ولقد كان في إحدى السنين الماضية أن رزق الله ركاب الباخرة - وقد كانوا في أشد الحيرة مما سمعوا من الاختلافات - برجل دعاهم إلى هَدْيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجه، وقرأه عليهم من حفظه، فسروا لذلك،فبينما هم جلوس يتحدثون بما أنعم الله عليهم وقع عليهم أحد أولئك الغربان، فأصغى إلى ما يتحدثون وسمِعهم يعيدون ما سمعوا من هَدْيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكفهَرَّ وجهُه واغبَرَّ واربَدَّ، وزمجر وأرغى وأزبد، وقال لهم: مَن الذي علمكم هذا؟ قالوا: فلان عالم من علماء الأزهر، قال: أعوذ بالله، هذا ضال مضل، كيف يعلمكم هَدْيَ رسول الله؟ حرام على مثلكم أن يعرف هذا، ولا يحل لكم أن تعملوا إلا بمذاهبكم، فقالوا: نحن عوامُّ لم نتعلم المذاهب، فقال: ولو، ولا ينبغي أبدًا أن تسمعوا لهذا الكلام، والذي قاله لكم ضال مضل، فقالوا له: لا والله ما الضالُّ إلا أنت أيها المقبِّحُ لسنَّة رسول الله، والمحرِّم العمل بها،فارتد خاسئًا وهو حسير.


ثم بعد أن يلتف بهذين الثوبين وقد أعرى رأسه من الغطاء، يصلي فرض الوقت - إن كان - وإلا فركعتين نفلًا، ثم يعلن أنه قد استجاب لدعوة ربه التي أذَّن بها إبراهيم ومَن بعده مِن كل متبع لملته الحنيفية، فيقول: (لبيك اللهم عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)، ثم يكثر من التلبية والذكر والتسبيح، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.


ويقصد أن يكون متمتعًا، وهو الذي أمر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجته وقال: ((إنه للأبد وأبد الأبد))، وقال: ((لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت، ما سُقت الهديَ، ولجعلتها عمرةً))، وقد كانوا دخلوا مكة يوم السادس من ذي الحجة فأقاموا يومًا واحدًا حلالًا،والأدلة على ذلك من السنة كثيرة جدًّا.


والمتمتع هو الذي يحرم بالعمرة من الميقات في أشهر الحج، فإذا بلغ مكة أتم مناسكها من الطواف والسعي، ثم تحلل، وبقي بمكة متحللًا إلى يوم الثامن من ذي الحجة، فيحرم بالحج، ويبدأ في مناسكه، وعليه هدي التمتع، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع،وأشهُرُ الحج هي شوال وذو القَعدة وعشرٌ من ذي الحجة.


﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ﴾ [البقرة: 196]؛ أي: منَعكم بعد الإحرام ومجاوزة الميقات مانع قاهر من عدو أو مرض عن متابعة المناسك، وبلوغ البيت، ﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة: 196]؛ أي: فحقٌّ عليكم أن تقدموا إلى البيت هديًا، أي هدي يتيسر لكم على قدر غناكم وفقركم من الإبل أو البقر أو الغنم، ينحر عند البيت، أو في المكان الذي أحصرتم فيه إن لم يمكن بلوغ الهديِ البيتَ.


﴿ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ ﴾ [البقرة: 196]؛ أي: لا تحلوا من إحرامكم الذي أحصرتم عن إتمام نسكه، ﴿ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ [البقرة: 196]؛ أي: ينحر عند البيت إن أمكن وصوله إليه، أو في المكان الذي أحصرتم فيه إذا تعسر وصوله إلى البيت،ويدل ذلك على أن حلق الرأس هو آخر ما يُعمَل من مناسك الحج والعمرة،وقد أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ألف وأربعمائة في ذي القعدة سنة ست من الهجرة بعمرة، وساقوا الهدي، فلما بلغوا الحديبية - وهي قرية مكانها بجوار الشميسي الآن - منعهم المشركون من دخول مكة وإتمام مناسكهم، وعقدوا معهم الصلح المعروف بصلح الحديبية، ومن شروطه: أن يرجعوا عامهم هذا ثم يعودوا من العام القابل معتمرين، على ألا يبقوا بمكة أكثر من ثلاثة أيام،وليس في السنَّة ما يدل على أن كل من أحصروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ست عادوا معه لعمرة القضية في سنة سبع،وهذا يدل على أن الواجب إنما هو القضاء من العام القابل على المستطيع،ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربع عُمَرٍ، هاتان الثنتان في سنة ست، فأحصر ومنع، ثم في سنة سبع أتم نسكه في ذي القعدة وعاد قبل دخول ذي الحجة، والثالثة عمرة الجعرانة في ذي القعدة سنة ثمان بعد فتح مكة وغزوة حنين وتفريق غنائمها،والرابعة أهلَّ بها في ذي القعدة مع حجته في سنة عشر،ومات صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول من السنة الحادية عشرة.


﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا ﴾ [البقرة: 196] يضطره مرضه إلى لبس شيء من ثيابه العادية، ﴿ أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ﴾ [البقرة: 196] مِن نحوِ قملٍ أو صداع يضطره إلى الحلق أو التغطية، ﴿ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ [البقرة: 196]؛ أي: فواجب عليه إذا كان كذلك أن يفدي عن لبسه وحلقه بأحد هذه الثلاثة،وفي صحيحي البخاري ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على كعب بن عجرة رضي الله عنه في الحديبية وقد حصرهم المشركون، وكانت له وفرة، فجعلت الهوام - القمل - تتساقط على وجهه، فقال: ((ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا، أما تجد شاة؟)) قلت: لا، [قال]: ((صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام، واحلق رأسك))، ولم يحدد له النبي صلى الله عليه وسلم مكانًا للفدية، ولا سنًّا معينة للشاة،والأولى أن تكون بمكة إن شاء الله.


قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ ﴾ [البقرة: 196]؛ أي: من العدو الذي كان قد أحصركم، أو بزوال المرض الذي كان بكم، ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة: 196]؛ أي: فمَن أهلَّ مِن الميقات في أشهر الحج بالعمرة وتابع مناسكها حتى أتمها وتحلل منها وبقي بمكة حلالًا حتى يوم التروية (اليوم الثامن من ذي الحجة) فأحرم بالحج - فهذا هو المتمتع، وعليه ما استيسر من الهدي؛ بدنة أو بقرة أو شاة، وقد سماه الله هديًا، فله أن يأكل منه، بخلاف دم العقوبة؛ وذلك لأنه أحرم بالحج من مكة، وهي ليست بميقات له، وإنما هي ميقاته مؤقتًا بوجوده فيها بعد التحلل من العمرة،وله أن يذبحه قبل منًى أو فيها أو بعدها بمكة بعد فراغه من المناسك.


﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ﴾ [البقرة: 196] هَدْيًا ولا ثمنَ هَدْيٍ، ﴿ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 196] يعني بمكة قبل إحرامه بالحج، أو بعد إتمامه لمناسكه، ﴿ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ﴾ [البقرة: 196] إلى بلادكم، وذلك تخفيف من الله، فإذا تيسر له صيام العشرة كلها بمكة، لم يكُنْ بذلك بأس ﴿ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 196]، فإن كان من أهل مكة فليس عليه عمرة، لأن العمرة: تعمير البيت بالطواف، والمكي حاضر البيت، يعمره كل ساعة بالطواف، إنما العمرة للآفَاقِيِّ الذي لا يكون بمكة، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 196] راقبوه في أعمالكم، واخشَوْه أن يرى في أعمالكم نقصًا ظاهريًّا أو معنويًّا، وعدوانًا في مناسككم، أو رجوعًا إلى الوثنية الجاهلية من عبادة الموتى، واعتقاد البركة في الأحجار والأشجار، يحاول الشيطان أن يبطل بها أعمالكم، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 196] لِمن يتعدى حدوده، أو يعود للجاهلية بعمله أو عقيدته؛ كمثل ما يصنعه كثير من العوام في التمسح بالحديد المنصوب على مقام إبراهيم، وتقبيل كل جدران الكعبة وكسوتها، والتمسح بها، وأخذ البركة - بزعمهم - منها، وأخذ خيط يقيسون به مقام إبراهيم أو باب الكعبة يعقدونه عقدًا؛ يعتقدون أن من تعلَّقَتْ ذلك الخيط تحمل ولو كانت عقيمًا،وكذلك تقبيل شباك النحاس المقام على القبر الشريف، ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاء المشركين لآلهتهم؛ مثل: يا رسول الله، اشفع لي، يا رسول الله، أغثني، يا رسول الله، أنت لها ولكل كرب؛ فكل ذلك وأمثاله عدوان أشد عدوان، وظلم أشد ظلم، يعاقب الله عليه أشد العقاب، وقد أخبر الله عن فاعله بأنه ﴿ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، وأنه رجس ونجس، فِعله تحقير للكعبة، وإهانة للمشاعر الحرام، وإيذاء لله ولرسوله.


قول الله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ [البقرة: 197] شوال وذو القعدة وذو الحجة، أو عَشْر من ذي الحجة؛ يعني أن من أهل بالحج من الميقات في أي يوم من هذه الأيام انعقد حجًّا، بخلاف بقية أيام السنة، فلا ينعقد فيها حج مهما أهل به، وإنما تنعقد العمرة فقط، فليس للعمرة أشهر معلومة، وقد سبق أن عُمَرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كلها كانت في ذي القعدة،وقد كان أهل الجاهلية يرون العمرة في أشهر الحج مِن أنكر المنكرات بجهلهم وتقاليدهم الخرافية، فأبطل الله ذلك مِن زعمهم، وجعل أفضل النسك التمتع؛ ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ﴾ [البقرة: 197]، وعقَده بالإحرام من الميقات، أو عقد العمرة كذلك ﴿ فَلَا رَفَثَ ﴾ [البقرة: 197]؛ فقد دخل بذلك في حضرة القدس التي لا ينبغي لها إلا كل الأدب، ومكارم الأخلاق، وذكر الله، وترتيل القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن مَن كان بحضرة الملوك ينبغي له أن يتأدب بأدب الملوك، وتحضر نفسه عظمة الملوك وهيبتهم، وتملِك كل مشاعره وحواسه، فلا يتحرك ولا يتكلم إلا في مرضاة الملك الأجلِّ الأعلى، الذي تكرم عليه فأضافه تلك الضيافة التي ليس أكرم ولا أنعم منها، وليس كل الناس يصلح لتلك الضيافة الكريمة.


و(الرفث) الجماع، والحديث في شأنه مع النساء، أو تقبيل زوجته، أو لمسها، أو ملاعبتها، أو كلام الرجال مع بعضهم البعض بما جرت العادة أنه يحرك الشهوة، أو يثير دواعيها؛قال الله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187].


وكذلك ﴿ لَا فُسُوقَ ﴾ [البقرة: 197]، لا ينبغي لمن عقد الحج أو العمرة،والفسوق كل معصية بالقول أو العمل،وأصل الفسوق: الخروج عن الحد؛ وذلك أن كل معصية كلامية أو عملية فهي خارجة عن مقتضى الحج والعمرة.


ولما كان من أهم مقاصد الحج تعارف المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، وتآلفهم وتشاكيهم، وائتمارهم على ما يصلح شؤونهم، ويرفع نير الذلة والصغار عن أممهم وبلادهم، ويوفر لهم أسباب الحياة الطيبة والعزة والسلطان - نهاهم عن الجدال فقال: ﴿ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]؛ لأن الجدال يؤدي إلى التنافر والتباغض والتحاسد، ولو كان في مناسك الحج، خصوصًا ما يقع بسبب الاختلافات، وتعصب كل واحد لمذهبه؛ فإن هذا من شر ما يقضي على حكمة الحج، وكثير من فوائده،وكل واحد يعلم قصد نفسه من الكلام والبحث: هل هو الجدال والمراء وحب الغلب والظهور، أو هو لأجل فهم المسألة والاستفادة منها؟ والله يعلم ذلك من قلوب الناس ونواياهم؛ لذلك قال: ﴿ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 197]؛ أي: يعلم مقاصدكم ونواياكم، فإن كانت خيرًا أثابكم، وإن كانت غير ذلك عاقبكم، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾ [البقرة: 220]،ثم قال: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]؛ أي: احملوا معكم في سفركم إلى الحج أو العمرة زادًا تستغنون به عن المسألة وذُلها؛ فذلك مما لا ينبغي للمؤمن إلا للضرورة الملجئة،والزاد زادان: زاد الجسم بالطعام والشراب، وزاد الروح والقلب بالإيمان وإخلاص القصد، وصدق التوجه إلى الله وحده،وزاد الجسم يفنى ولا يبقى، فخيره قاصر على وقته وساعته، أما زاد الروح والقلب فباقٍ، لا تزيده الأيام إلا قوة وبركة، فهو بلا شك خير من زاد الجسم،فالواجب على العاقل أن يهتم لزاد القلب والروح أشد مما يهتم لزاد الجسم.


وأن يُعنَى بالإخلاص والعمل الصالح أشد من عنايته بالطعام والشراب واللباس،وقد يكون المعنى: لا تُكثروا من حمل الزاد فتُثقلوا على أنفسكم في السفر بما لا حاجة له، واكتفوا بأقلِّ زاد يقيكم الجوع والمسألة، وتتقوَّوْنَ به على أعمال الحج والعمرة.


﴿ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197] راقبوا الله وحده، لا تراقبوا غيره، واقصِدوه بقلوبكم وأعمالكم، لا تقصدوا غيره؛ من الموتى الذين لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، ولو كانوا أنبياء ومرسلين، ولو كان خير الأنبياء، وخاتم المرسلين، وصفوة خلق الله أجمعين صلى الله عليه وسلم،فليكن قصدكم إذا سافرتم إلى المدينة الصلاة لله في المسجد النبوي، ثم السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وهذا هو اللائق بذوي الألباب، والعقول السليمة، الصافية من أمراض الجهل والخرافات، والعادات الوثنية التي زينها الشيطان، فظنها أولئك الجاهلون قُربةً إلى الله، وحبًّا لرسوله، وما هي بشيء من ذلك، وإنما هي الوثنية الأولى، والشِّرك الذي لا يغفره الله،نسأل الله العافية.


روى البخاريُّ وأبو داود عن ابن عباس قال: "كان أهلُ اليمن يحجُّون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكِّلون، فإذا قدِموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197] الآية"، وقال أبو الفرج ابن الجوزي: وقد لبس إبليس على قوم يدعون التوكل فخرجوا بلا زاد، وظنوا أن هذا هو التوكل، وهم على غاية الخطأ،قال رجل لأحمد بن حنبل: أريد أن أخرج إلى مكة على التوكُّل بغير زاد، فقال له أحمد: اخرُجْ في غير القافلة، فقال: لا، إلا معهم، قال أحمد: فعلى جُرُبِ الناس توكلتَ؛ اهـ.


ثم قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 198]؛ أي: لا إثم عليكم ولا حرجَ عليكم بعد إتمامكم مناسكَ الحج والعمرة أن تطلبوا من رزق الله، بالتجارة الحلال ونحوها؛ فإن ذلك لا ينافي العبادة، ما دام القصدُ الأول هو الحجَّ والعمرة، والتجارة أمر ثانوي عارض،قال البخاري: عن ابن عباس: "كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فتأثَّموا أن يتَّجِروا في الموسم، فنزلت ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾ [البقرة: 198] الآية في مواسم الحج"، وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة التيمي قال: "قلت لابن عمر: إنا نكرى، فهل لنا من حج؟ قال: أليس تطوفون بالبيت، وتأتون الموقف، وترمون الجمار، وتحلقون رؤوسكم؟ قال: قلنا: بلى، فقال ابن عمر: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 198]، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((أنتم حُجَّاج))،ولكن ليحذر أحد من الغش والكذب في البيع والشراء بمكة؛ فإن السيئة فيها بمائة ألف، وليحذر أحد أن يتجر فيما حرمه الله؛ كالمواد المخدِّرة من الحشيشة والأفيون ونحو ذلك؛ فمن اتجر في شيء من ذلك، فلا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا، وعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين.


فإذا وقفتم بعرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة - وهي عمدة أفعال الحج ومناسكه - روى الإمام أحمد وأصحاب السنن بإسناد صحيح عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحج عرفات - ثلاثًا - فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجرُ، فقد أدرك الحجَّ،وأيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه))، وروى أحمد وأصحاب السنن عن عروة بن مضرس الطائي قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة - حين خرج إلى الصلاة، يعني صلاة الفجر - فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبلي طيئ، أكللتُ راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن شهد صلاتنا هذه فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تمَّ حجُّه، وقضى تَفَثَه))"، وقد كانت قريش تقف بمزدلفة ولا تجاوزها إلى عرفة لتقف مع الناس، قد جعل الله ذلك عامًّا للناس كلهم.


﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ﴾ [البقرة: 198] بعد الوقوف بها من الزوال إلى غروب الشمس - واحذروا أن تبرحوها إلا بعد مغيب الشمس - فتعجلوا النفر إلى مزدلفة، ولا تصلوا المغرب إلا بها،فإذا صليتم العشاء بالمزدلفة وبتم بها ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 198]، والمشعَر المعلَم الظاهر، والصلاة والمبيت والدعاء والتكبير والتلبية بمزدلفة من شعائر الحج،والمشعر الحرام: هو المزدلفة كلها، كما روي عن عبدالله بن عمر وابن عباس وغيرهما،وقد ذهب جماعة من السلف وبعض أصحاب الشافعي إلى أن الوقوف بمزدلفة ركن، وإنما سمي حرامًا؛ لأنه داخل الحرم، وتسمى أيضًا جمعًا؛ للجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير فيها،فأكثروا ذكر الله في المزدلفة ليلًا، وفي صبيحتها بعد صلاة الفجر من يوم النحر حتى يسفر النهار وقد جمعتم سبع حصيات لترموا بها جمرة العقبة حين وصولكم إلى منًى من صبيحة يوم النحر بعد شروق الشمس، ﴿ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ﴾ [البقرة: 198] وأراكم مناسككم وعباداتكم الصالحة التي ضل عنها غيرُكم، وأرشدكم بالنور الذي أنزله على نبيكم صلى الله عليه وسلم إلى خير هدي، وأقوم طريق، سواء في الحج والعمرة وغيرهما من كل شرائع الإسلام، التي هي أقوم الشرائع وأيسرها وأنفعها للإنسان، في دِينه ودنياه وآخرته، ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ ﴾ [البقرة: 198] مِن قبلِ هُدى الله لكم وتعليمه وإرشاده ﴿ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [البقرة: 198] التائهين الحيارى، أغواهم الشيطان، فزين لهم الوثنية، وعبادة الموتى من دون الله، بأهوائهم، وبغير ما شرع لهم وأحب لهم، وسلك الشيطانُ بهم هذا الطريق الأعوج المظلم بعد أن أطفأ عنهم نورَ العلم، وسلَبهم العقول وسلامة التفكير، فكانوا كالأنعام، بل أضل من الأنعام سبيلًا، ولم ينقذهم إلا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، والهدى الذي هداه الله إليه، وجعله به إمام الهادين المهتدين،وفقنا الله لهداه.


﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾ [البقرة: 199]؛ أي: ليكُنْ وقوفكم بعرفة وغيرها مع الجماهير من الناس، ولا تشذوا عنهم بما يسوِّلُ لكم شيطان الغرور أن لكم ميزة على الناس، بغِنى، أو مُلك، أو عِلم، أو دِين، والعلم والدِّين يزينان صاحبهما بزينة التواضع، وحسن الانقياد والاستسلام، والحرص على أداء الطاعة على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه؛ روى البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت قريش ومن دان دِينها يقفون بالمزدلفة - تعني يوم عرفة - وكانوا يُسمَّون الحُمْسَ - تعني الغلاة المتشددين في دينهم، مثل المتصوفة - وسائر العرب يقفون بعرفات،فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتيَ عرفات ثم يقف بها، ثم يفيض منها؛ فذلك قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾ [البقرة: 199].


﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 199] مِن فسوقكم وعصيانكم الذي أغواكم به عدوكم، وأضلكم به عن صراط الله المستقيم، وخالف بكم عن حكمة الحج التي هي جمعُ الناس في صعيد واحد، على هيئة واحدة، وبلسان واحد، وكلمة واحدة؛ لتصفوَ نفوسهم من قذارة الكبر والغطرسة، ولترجع قلوبهم سليمة بالفطرة والبساطة، بعيدة عن التكلف وحب المفارقة والخلاف والشذوذ، وقد هداكم الله وأنقذكم برسوله صلى الله عليه وسلم من جاهليتكم، وفتح لكم بالحج ومناسكه بابًا إلى التوبة والندم، وسبيلًا إلى الفرار إلى ربكم وبارئكم، تعرفون فضله فتشكرونه على ما أنعم عليكم؛ فاستغفروه من ذنوبكم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199] كثير المغفرة، واسع الرحمة.


﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ ﴾ [البقرة: 200] وفرغتم من أداء ﴿ مَنَاسِكَكُمْ ﴾ [البقرة: 200] العبادات المتعلقة بالحج والعمرة، وشعائرهما من الإحرام إلى الذبح والحلق، ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 200] تذكَّروه بقلوبكم، واشغَلوها بالتفكُّر في نعمائه وآلائه، التي أجلُّها هدايتكم وتوفيقكم لطاعته، واشغَلوا ألسنتكم بالثناء عليه بما هو أهله؛ من الحمد والتهليل، والتكبير والتسبيح، والصلاة على نبيه المصطفى محمد، الذي كان الخير والفوز والسعادة لكم على يديه الكريمتين صلى الله عليه وسلم.


والحاجُّ من يوم تدخل أشهر الحج عليه يبدأ يتحرك قلبه بالشوق إلى البيت العتيق، ولا يزال هذا الشوق يزداد في قلبه اشتعالًا حتى يسجل اسمه في سجل الضيوف؛ بأخذ جواز السفر إلى الأقطار المقدسة، ويأخذ له أهبته، ويعقد به عزيمته،فإذا ما أخذ طريقه في السكة الحديد والباخرة في البحر، ازداد هيامه، واستبطأ القطار السريع والباخرة التي تشق عباب البحر مغذة السير، وتمنى أن لو أعطاه الله أجنحة يطير عليها إلى غايته، ويبلغ بها إلى بيت ربه، فإذا ما آذن صفير الباخرة أنها بحذاء رابغ "ميقات أهل مصر والشام وما والاهما" ذابت القلوب صبابة، وطارت الأرواح سابحة في جو من الغبطة والسرور لا يعرفه إلا من ذاق حلاوته،وانطلقت الألسنة مهللة بكلمة الحق: "لبيك اللهم لبيك"، ويشع نور السرور والفرح على الوجوه، فتراها بيضاء كثياب الإحرام التي لفت فيها الأجسام،فإذا ما وطئ ميناء جدة أول بقعة من الأرض المقدسة لم يكن له هم إلا السفر السريع العاجل إلى كعبة آماله، وبقية نفسه، ومنتهى قصده، فإذا تجلى أمام عينيه من باب السلام جلال ذلك البيت العتيق وجماله، وأشرق عليه نوره وهداه، خشعت الجوارح، وسكت اللسان ساعة تكلم القلب والروح فيها بلغة يعلمها رب البيت، فيفتح لها أبواب السماء، ولا يجعل دونها حجابًا أن تصعد إليه، وحاول المحب أن يكتم حبه؛ حتى لا يعلم به إلا الحبيب، ولكن هيهات قد غلبته العبرات، وكشفت عن طوايا نفسه وما ملأ جوانحها من اشتعال نار الحب، دموع العين تجري على خدود أحالها كثرة الغبار وطول التهجير في السعي للمحبوب الأعظم، فكساها جمال: "هؤلاء عبادي جاؤوني شُعثًا غبرًا من كل فج عميق"، فلا تسل حينئذ عن العبرات والزفرات الصادقات، والنفوس المختلجات المستغفرات، الشاكيات إلى سيدها فقرها وحاجتها، وذلها ومسكنتها، الراجيات المؤملات في كرم سيدها وحبيبها وقرة عيونها أن يجيزها كرامتها، وأن يمنحها نزل ضيافتها: مغفرة ورضوانًا يليقان بكرم أرحم الراحمين.


وهكذا كلما طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وصعد إلى عرفة فوقف فيها موقف السائل الراغب المخبت الخاشع، وناجى سيده في ذلك الموقف وقد تجلى على القلوب والأرواح من نفحات وتجليات سيدها وحبيبها، ومَن لا تجد السرور واللذة والنعيم إلا في قُربه، ما أنساها كل شيء، وشغلها عن كل شيء، وجعلها في جنات النعيم، فإذا ما أتم نسكه وقضى تَفَثَهُ وفرغ من ضيافة سيده برمي آخر جمرة في اليوم الثاني أو الثالث عشر من ذي الحجة - رأيت العجب! رأيت أن القلوب التي ما كان يخطر فيها من ذكريات الأهل والولد والوطن والمال نسمة، عادت إليها عاصفة شديدة من تلك الذكريات، وحنَّت أشد الحنين إلى الأهل والولد، وأخذت تتساءل: متى يسمح لنا بالرحيل؟ متى تقوم أول باخرة من جدة؟ في كم يوم تقطع الباخرة الطريق من جدة إلى الوطن؟ كم من الأيام تمكث في الحجر الصحي؟ ما أطول ذلك وأكثره! سبحان الله مقلب القلوب، ومن بيده الأرواح والنفوس يصرفها ويوجهها ويقيمها ويقعدها، لا إله إلا أنت.


فإذا هبت على القلب عواصف الشوق إلى الآباء والأبناء، وتحركت سواكن الذكريات إلى الأهل والوطن، فهنا يحاول الشيطان أن يجد الثغرة التي يدخل منها إلى القلب، فيطغى بذكريات الأهل والولد على ذكر الله؛ فاحذر ذلك؛ فإن الله قد حذرك ودلَّك على موضع الضعف من سور مدينة قلبك الذي يريد الشيطان أن يتسلق عليه منه: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200].


ولقد كان العرب يتخذون من منًى معارض للمفاخر والتقاوُلِ، فيقوم من كل قبيلة شاعرها أو خطيبها ينافح عن حسبها ونسبها، ويشيد بفعالها ومواقفها، ويقوم الآخر فيقول، والثالث والرابع وهكذا،وكم في الشعر من غلوٍّ واسراف، ومدح بالكذب، وقول بغير الحق، وهذا يتنافى مع ما كان فيه الحاجُّ والمعتمر من الإقبال على الله الحق المبين، الذي يمقت الغلو والكذب وقول الباطل،وكم أثارت تلك الممادح والقصائد من إحن كامنة، وأيقظت بين العرب من أحقاد نائمة، وسلَّت من سيوف، وشرعت من رماح، وأراقت من دماء، وأطاحت برؤوس، ورملت نساءً، ويتَّمَتْ أطفالًا؛لذلك يحذرهم من ذلك التقاوُلِ، ويدعوهم إلى خير ما يزكي نفوسهم، ويطهر أرواحهم، ويجمع كلمتهم، ويُقوِّي وَحْدتهم ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]،ومن أفضل ذكر الله والمنافع التي دعاهم لشهودها عند بيته أن يعقد الحجاج مؤتمرًا إسلاميًّا عامًّا من خلاصة الوافدين إلى بيت الله ونبهائهم وعلمائهم وفضلائهم، ويديروا فيه الرأي والتشاور فيما يصلح الأمة، ويفك عنها قيود الذلة والصغار التي قيدها بها أعداؤها في البلاد والنفوس والقلوب والأعمال والأخلاق والجماعات والأفراد، وأن يعمَلوا متضافرين على النهوض بالأمة من كبوتها، وإقالتها من عثارها؛ لتعود سيرتها الأولى؛ مِن العز والقوة والسلطان، منتهزين الفرص التي يهيئها اللهُ بهذه الحروب القائمة، ويشغل أهلها بأنفسهم عنا وعن بلادنا فترة الحرب، فيلم المسلمون شعثهم، ويجمعون شتات قواهم المعنوية والحسية؛ فلعل الساعة قد حانت لتحقيق ما أعد الله للمسلمين من نصر وعزة، وما ذلك على عقلاء المسلمين وعلمائهم وقادتهم بعزيز! والله الموفق، ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126].


﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ﴾[البقرة: 200] بلسان حاله وأعماله ومقاله: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا ﴾ [البقرة: 200] مِن مالها وزينتها ووجاهتها وحسن الأحدوثة وثناء الناس ومدحهم بالحق والباطل، وندائهم له "بالحجاج"، وإن لم ينادوه بها غضب، وأنَّبَهم أشد التأنيب، أو ليتخذ من ذلك اللقب شبكة يحتال بها على اصطياد ما شاء من أموال الناس بالباطل والغش وتطفيف الكيل والميزان، ولا يفكر إلا في ذلك من حظوظ الدنيا ومتاعها القليل، أو ليتجر في المحرَّمات من أنواع المخدِّرات، فهذا أخسر الناس صفقة، وأبخسهم بَيعة، وأشدهم - والعياذ بالله - خيبةً وحسرة؛ ﴿ وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ﴾ [البقرة: 200] من ثوابها ونعيمها، وجناتها ورضوانها ﴿ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ [البقرة: 200] من حظٍّ ونصيب، وإنما حظه الوافر ونصيبه الكثير من عذاب أليم؛ ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16].


﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].


ومن الناس عاقلون، نفَعهم الله بسمعهم وأبصارهم وقلوبهم، ففقهوا أن الحياة الدنيا متاع، ولا بد لها من معونة من الله، ومدد من فيض إحسانه، وأن يجعل ذلك المدد من المال والنساء والبنين والعافية في الجسم والوجاهة، ونفوذ الكلمة في الناس؛ أن يجعل ذلك عونًا على مرضاته وطاعته، فيكون حسنات تكسب وتعين على حسنات الآخرة، وعظيم ثوابها ونعيمها،والحسنة في الدنيا: المرأة التي تسر زوجها إذا نظر إليها، وتحفَظه في عِرضه وماله إن غاب عنها، وتطيعه إذا أمرها، وتحقق السكون والمودة والرحمة التي من أجلها كانت الزوجية،وكذلك الذرية الحسنة التي تكون عونًا لوالديهم - بذكائهم وفطانتهم - على حمل متاعب الحياة ومشاقها، وقرة لعين أبويهم في طاعة الله ومرضاته، والاستقامة على مكارم الأخلاق،والصحة التي تعين العبد على القيام بمطالب الحياة الدنيا، وأداء حق العبودية لله وحده،والأصدقاء الذين يحبون في الله، ويكرهون في الله، ويُعينون على ذكر الله،والوظيفة التي يستعين بها على معيشته ودينه، والبر والإحسان إلى ذوي قرباه وجيرانه، وغيرهم من المُعْوِزين والمحتاجين بالمال والجاه، وأمثال ذلك كله حسنة في الدنيا،والحسنة في الآخرة ظاهرة واضحة،آتانا الله ذلك من حسنات الدنيا والآخرة.


روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول: ((اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار)).


خصوصًا بين الركن الأيمن والحجر الأسود حين الطواف بالبيت.


﴿ أُولَئِكَ ﴾ [البقرة: 202] الذين لا يقصرون رغباتهم وهمتهم على حظوظ الدنيا والعملِ لها، والكدح لجلبِها، بل رغبوا في الدنيا الطيبة التي تعين على الفوز في الآخرة، وتكسب الثواب والدرجات العلى في الجنة، وعملوا لها مستمدين العون من الله ﴿ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [البقرة: 202].


﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 203] بالتكبير عقب الصلاة، ومع رمي الجمرات، وفي بقية الأوقات، بأنواع الذكر والدعوات والاستغفارات، ونحر الذبائح والصدقات، والمبيت بمنًى ﴿ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203] هي أيام التشريق: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة،روى الإمام أحمد ومسلم عن نبيشة الهذلي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيام التشريق أيامُ أكلٍ وشُرب وذِكر لله)).


وفي حجَّة الوداع خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفة خطبة أتمها في منى، بيَّن فيها شرائع الإسلام،فتلك سنَّة على أهل العلم والدِّين ورثةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحيوها بتعليم الناس في هذا الجمع الحافل شرائع الإسلام الصحيحة؛ لعلهم إذا رجعوا إلى بلادهم بذلك العلم الصحيح والهدى الطيب من سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقذ الله قومهم مما هم فيه من البدع الخرافية، والتقاليد الجاهلية التي أفسدت القلوب، وأزاغت العقائد، وفرَّقت الكلمة، وشتَّتَتِ الجمعَ، وجعلت المسلمين شِيعًا وأحزابًا، كل حزب بما لديهم فَرِحون، فتداعت عليهم الأمم من كل ناحية تداعِيَ الجياع على القصاع، والتهَمَتْهم لقمة سائغة، وأخذتهم بهذا التفرق غنيمة باردة.


﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [البقرة: 203]؛ أي: عجَّل النزول من منى إلى مكة بعد رمي الجمرات الثلاث يوم الثاني عشر بعد الزوال؛لأن رمي الجمرات في أيام التشريق إنما يكون بعد الزوال،أما يوم النحر فلا يرمى فيه إلا جمرة واحدة، هي جمرة العقبة، ووقتها من طلوع الشمس - إلا أصحاب الأعذار من ثقيلات النساء والمرضى، ومن يقوم بعمل ضروري للحاج في منًى؛ كإعداد الخيام مثلًا - فلهؤلاء أن يرموا يوم النحر قبل طلوع الشمس، ﴿ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 203]، ولا حرج ولا عقوبة، ﴿ وَمَنْ تَأَخَّرَ ﴾ [البقرة: 203] حتى يرمي يوم الثالث عشر وينزل إلى مكة بعد رمي الجمرات بعد الزوال، ﴿ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 203]، ولا حرج عليه في تأخره عن الناس، ولا يُعَدُّ بذلك التأخُّر شاذًّا، كما كان يُعَدُّ شذوذ لعلها: الحُمْسمن قريش في مخالفة جماهير الناس في الوقوف بمزدلفة دون عرفة.


﴿ لِمَنِ اتَّقَى ﴾ [البقرة: 203]؛ أي: ذلك التخيير في تعجيل النفر من منى وتأخيره لمن اتقى الله، ولم يكن قصده الدافع له على التعجيل أو التأخير حظًّا من حظوظ النفس الأمارة وأهوائها، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [البقرة: 203]، وقد أقام لكم هذا الحشر العام والجمع الظاهر عند بيته آيةً على ذلك الحشر الذي يقوم فيه الناس من قبورهم، ويساقون للوقوف بين يدَيْ سريع الحساب؛ ليجزيَ كلَّ نفس بما كسبت، وما ربك بظلام للعبيد؛فاستعدوا لذلك اليوم الذي فيه إلى ربكم تحشرون، وتزودوا له خير الزاد من التقوى والعمل الصالح، والله خبير بما تعملون.


تقبَّل الله أعمالنا وأعمالكم، وجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأثابنا عليها بما هو له أهل من الفضل والإحسان العظيم،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


المصدر: مجلة الهدي النبوي - العدد 59 أول ذي الحجة سنة 59 - 30 ديسمبر سنة 40 الجزء 23 السنة الرابعة





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفة مع آية: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)
  • وقفة مع آية: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)
  • وقفة مع آية: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم)
  • وقفة مع آية (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء)
  • مع آية: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)
  • مع آية: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)
  • عشرة أعمال لها أجر الحج والعمرة
  • خطبة قصيرة عن الحج والعمرة
  • آداب الحج والعمرة
  • وقفة مع آية: قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم
  • خلاصة أعمال الحج والعمرة

مختارات من الشبكة

  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (9)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (8)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (7)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (6)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (5)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (4)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (3)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (1)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب