• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / فقه الصيام وأحكامه
علامة باركود

ما الواجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا للخوف على أولادهما؟

د. ربيع أحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/7/2015 ميلادي - 24/9/1436 هجري

الزيارات: 99734

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ما الواجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا للخوف على أولادهما ؟

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين، وعلى من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فقد أجمع العلماء أن الحامل والمرضع، إذا خافتا على أنفسهما، فلهما الفطر، وعليهما القضاء فقط؛ لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه [1]، واختلف الفقهاء على عدة أقوال فيما يجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا للخوف على أولادهما هل تقضيان ما أفطرتا أم تفديان عن كل يوم مسكينا أم تفديان وتقضيان أم لا شيء عليهما لا قضاء صوم ولا كفارة أم يفرق بين الحامل والمرضع فتقضي الحامل وتقضي وتطعم المرضع؟ وبكل قول قال فريق من أهل العلم فأصبح لدينا خمسة أقوال:

القول الأول:

القضاء فقط ولا إطعام عليهما، وهو مذهب الأحناف[2] وعلي بن أبي طالب[3] وقول عطاء بن أبي رباح والحسن والضحاك والنخعي والزهري وربيعة والأوزاعي والثوري وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر [4] واختيار المزني[5] ومن المعاصرين ابن باز[6] و ابن عثيمين [7] وحسام الدين عفانة [8] وسعيد وهف القحطاني[9].


القول الثاني:

الفدية فقط ولا قضاء عليهما، وهو قول ابن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير[10] ومن المعاصرين الألباني[11] وكمال السيد سالم[12] و عبد العظيم بدوي[13] وعادل يوسف العزازي[14] وأبي عبد المعز محمد علي فركوس [15] وعبد الله الزبير عبد الرحمن[16].


القول الثالث:

الفدية والقضاء معا، وهو قول الشافعي وأحمد[17] ومن المعاصرين صالح فوزان الفوزان[18] وخالد المشيقح [19].


القول الرابع:

لا قضاء ولا فدية عليهما وهو قول ابن حزم [20].


القول الخامس:

الحامل تقضي ولا تطعم، والمرضع تقضي وتطعم، وهو قول مالك [21] والليث [22].


أدلة من قال بوجوب القضاء فقط:

الدليل الأول: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [ البقرة: 183].


وجه الدلالة: أن المسلمين مخاطبون بوجوب الصوم فإذا لم يصم المسلم لعلة، وزالت تلك العلة لزمه الصوم، والحامل والمرضع مخاطبان بالصوم لعموم الآية، ومن يخرجهما عليه بدليل صحيح صريح خال من معارض معتبر، ولا دليل.


الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184].


وجه الدلالة: أن الله تعالى جعل الفدية عديلاً للصوم لمن قدر على الصوم، إن شاء صام وإن شاء أطعم، ثم نسخ التخيير إلى وجوب الصوم عينا، فإذا لم يقدر عليه بقي عديله وهو الفدية، فصار العاجز عجزاً لا يرجى زواله، يجب عليه الإطعام عن كل يوم مسكيناً[23] أي أن الصَّوْم جعل لَهُ بدل وَهُوَ الْإِطْعَام، فكَانَ من عجز عَن الصَّوْم، فَلم يقدر عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَى بدله الَّذِي يقدر عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِطْعَام[24].


والعاجز عن الصوم إذا علم أنه يقدر على الصوم بعد فترة من الزمن فالواجب عليه الصوم لا الفدية، والحامل والمرضع من أصحاب الأعذار الطارئة التي لها مدة معينة وتزول، فالقضاء واجب عليهما، ولو أجبنا الفدية عليهما كان ذلك جمعاً بين البدلين وهو غير جائز، لأن القضاء بدل، والفدية بدل، ولا يمكن الجمع بينهما فالواجب أحدهما.

 

الدليل الثالث: قوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185].


وجه الدلالة من الآية: قوله تعالى: ﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ مشعر بأن حكم القضاء خاص بمن كان عنده عذر يرجى زواله، وقادر على القضاء بعد فترة من الزمن؛ لأن العذر إذا كان دائما لا يزول لا يكون للأمر بقضاء أيام أخر معنى، و المريض مرضا يرجى زواله والمسافر عليهما القضاء إذا أفطرا، وفي حكم المريض والمسافر كل من أفطر لعذر يرجى زواله.


والحامل والمرضع حالهما كحال المريض مرضا يرجى زواله إذ الحامل لا تبقى حاملاً والمرضع لا تبقى مرضعاً فيجوز لهما الفطر ثم تقضيان ما أفطرتا من رمضان، ولأن فطر الحامل والمرضع فطر أبيح لعذر، فلم يجب به كفارة، كالفطر للمرض[25].


الدليل الرابع: قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنِ الْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ »[26].


وجه الدلالة: قوله - صلى الله عليه وسلم-: "وَعَنِ الْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ" فيه اقتران الحامل والمرضع بالمسافر وهذا مشعر بأن الصوم موضوع عنهما كوضعه عن المسافر، وليس على المسافر إلا القضاء في أيام أخر لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185] وكذلك الحامل والمرضع فإذا سوى النبي - صلى الله عليه وسلم- بين المسافر وبين الحامل والمرضع في وضع الصوم، والمسافر لا تجب عليه الفدية مع القضاء فكذلك هما، ويؤيد ذلك أن السفر من الأعذار المؤقتة المبيحة للفطر وكذلك الحمل والرضاعة، والمسافر يطيق القضاء وكذلك الحامل والمرضع فيلزمهما ما يلزمه.


الدليل الخامس: قياس الحامل والمرضع على الحائض والنفساء فالحائض والنفساء تطيقان القضاء وعذرهما مؤقت وكذلك الحامل والمرضع إذ الحامل والمرضع تطيقان القضاء وعذرهما مؤقت فلزمهما القضاء كالحائض والنفساء.


الدليل السادس: لا فرق بين الحامل والمرضع التي تفطر خوفا على ضرر نفسها و الحامل والمرضع التي تفطر خوفا على ضرر ولدها فالصوم الذي يضر النفس منهي عنه قال تعالى: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، والصوم الذي يضر الولد منهي عنه قال تعالى: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 140]، وكيف نلزم الحامل والمرضع أن يفطرا لإنقاذ أولادهما من الضرر ثم بعد ذلك نقول لهما عليكما كفارة؟!! وعليه فإذا كانت الحامل والمرضع التي تفطر خوفا على نفسها تفطر وتقضي فكذلك الحامل والمرضع التي تفطر خوفا على ولدها تفطر وتقضي أيضا، ومن يفرق بين التي تفطر خوفا على نفسها والتي تفطر خوفا على ولدها فعليه بدليل صحيح صريح خال من معارض معتبر، ولا دليل.


أدلة من قال بوجوب الفدية فقط:

الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 184 ].


وجه الاستدلال: بعض من يوجبون الفدية دون القضاء قالوا: عند قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ هذه الآية محكمة في الشيخ والعجوز والحامل والمرضع وغير منسوخة، فالمقصود بقوله تعالى ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ أي وعلى الذين لا يطيقونه كالشيخ الكبير فدية طعام مسكين،ويؤيد ذلك قراءة " يُطَوَّقُونَهُ " بتشديد الواو وفتحها أي وعلى الذين يقدرون على الصوم مع الشدّة والمشقة - وهم الشيخ والعجوز والحامل والمرضع - فدية طعام مسكين.


والبعض قال: الآية منسوخة وأثبتت الفدية للشيخ والعجوز والحامل والمرضع إذا أفطروا، وعن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "رخص للشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطرا إن شاءا، ويطعما كل يوم مسكينا، ولا قضاء عليهما، ثم نسخ ذلك في هذه الآية: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا، وأطعمتا كل يوم مسكينا"[27] وعن قتادة، أن عكرمة، حدثه، أن ابن عباس قال: «أثبتت للحبلى والمرضع »[28]، وتفسير ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - تعلَّق بسبب نزول الآية، والمقرَّرُ في علوم الحديث أنَّ تفسير الصحابيِّ الذي له تعلُّقٌ بسبب النزول له حكمُ الرفع.

 

فعلى القول بإحكام الآية دخلت الحامل والمرضع، وعلى القول بالنسخ احتملتهما الآية فترجّح أن حكمهما الإطعام لا القضاء.

 

مناقشة الاستدلال: القول بأن الآية محكمة في الشيخ والعجوز والحامل والمرضع وغير منسوخة لا يصح لوجوه منها:

الوجه الأول: الآية صريحة فيمن يطيق الصيام، والذي يطيقه هو القادر عليه، لا العاجز عنه، و الشيخ الكبير إما لا يستطيع الصوم أو يصوم بمشقة شديدة فكيف يقال أن الآية قد نزلت فيه؟!!.


الوجه الثاني: لو كانت الآية في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام لم يناسب أن يقال له: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ إذ أنه لا يطيق الصيام فهل يقال للشخص العاجز الذي لا يستطيع الصيام أنك تطيق الصيام لكن عليك فدية، وأن تصوم خير لك؟!! وعليه فالآية فيمن يستطيع أن يصوم أي: الصوم خير لكم من الإفطار والفدية، وهذا إنما كان خيرا لهم قبل النسخ، وبعد النسخ لا يجوز، أن يقال: الصوم خير من الإفطار والفدية.


الوجه الثالث: غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَعُودَ هَذَا الْكَلامُ إِلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَلا إِلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ المتضررتا من الصوم؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ فِي حَقِّ هَؤُلاءِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ قَدْ نُهُوا أَنْ يُعَرِّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلتَّلَفِ، وَإِنَّمَا عَادَ الْكَلامُ إِلَى الأَصِحَّاءِ الْمُقِيمِينَ خُيِّرُوا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ فَانْكَشَفَ بِمَا أوضحنا أن الآية منسوخة[29].


الوجه الرابع: ليس الصوم خير للحامل والمرضع إذا كان الصوم سيضر بأولادهما بل في هذه الحال منهيان عن الصوم إذ لا ضرر ولا ضرار، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.


الوجه الخامس: ثبت عن بعض الصحابة أن الآية منسوخة فقد قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَسَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ: نَسَخَتْهَا ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ، وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [30]، وعن عَمْرُو بْن مُرَّةَ قال حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَنَسَخَتْهَا: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ"[31] وعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَرَأَ: ﴿ فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ ﴾ قَالَ: « هِيَ مَنْسُوخَةٌ »[32]، وعَنْ يَزِيد مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا »[33].

 

وتفسير يُطِيقُونَهُ بلَا يُطِيقُونَهُ أي ِبتَقْدِيرِ لَا النَّافِيَةِ يخَالِفُ ظَاهِرَ الْآيَةِ، لِأَنَّ الآية تقتضي إثبات الْإِطَاقَةَ لِقَوْلِهِ: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ وهذا التفسير ينفيها.

 

والاستدلال بقراءة "يُطَوَّقُونَهُ" لا يصح لوجوه:

الوجه الأول: أَنَّهَا شَاذَّةٌ خَارِجَةٌ عَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمَشَاهِيرُ فَلا يُعَارَضُ مَا تثبت الحجة بنقله [34]، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ بِالشُّذُوذِ عَلَى مَا نَقَلَهُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي قِرَاءَتِهِمْ وَفِي مَصَاحِفِهِمْ ظَاهِرًا مَكْشُوفًا وَمَا نُقِلَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - وَمَحْظُورٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَارِضُوا مَا تَثْبُتْ بِهِ الْحُجَّةُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالظُّنُونِ وَالْأَوْهَامِ وَالشُّذُوذِ [35].

 

والوجه الثاني: قراءة يطوقونه بالتشديد فلا تدل على مشقة تصل بصاحبها إلى جواز الفطر بعد إيجاب الصوم من غير تخيير بل تدل على مشقة ما ولا شك أن كل صوم فيه مشقة ما خصوصا أول مشروعيته[36].


وَالوجه الثَّالِثُ: الآية ختمت بـ ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾، و غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَعُودَ هَذَا الْكَلامُ إِلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَلا إِلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ، لِأَنَّ الْفِطْرَ فِي حَقِّ هَؤُلاءِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ قَدْ نُهُوا أَنْ يُعَرِّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلتَّلَفِ، وَإِنَّمَا عَادَ الْكَلامُ إِلَى الأَصِحَّاءِ الْمُقِيمِينَ خُيِّرُوا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ [37]، والله يريد لنا اليسر لا العسر.

 

وأما قول بعضهم أن الآية منسوخة فحق وأما قولهم أن الآية أثبتت الفدية للشيخ والعجوز والحامل والمرضع إذا أفطروا فقول لا دليل عليه من كتاب أو سنة صحيحة صريحة،وفرق بين الشيخ الكبير والحامل والمرضع إذ الشيخ الكبير عَاجِزٌ عَنْ الْقَضَاءِ، وَهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَيْهِ[38]، والشيخ الكبير لن يأتيه يوم يستطيع فيه الصيام فالشيخ لا يعود شبابا حتى يمكنه أن يقضي أما الحامل والمرضع فإنهما من أصحاب الأعذار الطارئة المنتظرة للزوال أي ستأتي أيام يستطيعان فيها الصيام.

 

أما الاستدلال بتفسير ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما – فغير مسلم لوجوه منها:

الوجه الأول: الآية صريحة فيمن يطيق الصيام، والذي يطيقه هو القادر عليه، لا العاجز عنه، والشيخ الكبير إما لا يستطيع الصوم أو يصوم بمشقة شديدة فكيف يقال أن الآية قد نزلت فيه؟!!.


الوجه الثاني: لو كانت الآية في الشيخ الكبير الذي يطيق الصيام بمشقة شديدة لم يناسب أن يقال له: ﴿ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ إذ أنه يطيق الصيام بمشقة شديدة وجهد شديد، وفي ذلك إضرار بالنفس و حرج فكيف يكون الصوم خير له؟!!


الوجه الثالث: ثبت عن جمع من الصحابة - رضي الله عنهم - أن الآية كانت عامة فيمن يطيق الصيام وكانوا مخيرين بين الصيام والفدية ثم نسخت بقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185] فألزموا فرضَ صومه، وبطل الخيار والفديةُ، وهذا القول هو الموافق لظاهر القرآن، وعن عَمْرُو بْن مُرَّةَ قال حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَنَسَخَتْهَا: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ"[39]،وعَنْ يَزِيد مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا »[40].


أما الاستدلال بتفسير ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: « أثبتت للحبلى والمرضع » فغير مسلم لوجهين:

الوجه الأول: الحوامل والمرضعات لو كن معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال، لقيل: وعلى اللواتي يُطقنه فدية طعامُ مسكين، لأن ذلك كلام العرب، إذا أفرد الكلامُ بالخبر عنهنّ دُون الرجال. فلما قيل: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾، كان معلومًا أنّ المعنيَّ به الرجالُ دون النساء، أو الرجالُ والنساء. فلما صحّ بإجماع الجميع - على أنّ من أطاق من الرجال المقيمين الأصحاء صومُ شهر رمضان، فغيرُ مرخص له في الإفطار والافتداء، فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية، وعُلم أن النساء لم يُردن بها لما وصفنا: من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلامُ بالخبر عنهن:"وعلى اللواتي يطقنه"، والتنزيل بغير ذلك[41].


الوجه الثاني: ثبت عن جمع من الصحابة – رضي الله عنه – أن الآية كانت عامة فيمن يطيق الصيام و كانوا مخيرين بين الصيام والفدية ثم نسخت بقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾[البقرة: 185] فألزموا فرضَ صومه، وبطل الخيار والفديةُ، وهذا القول هو الموافق لظاهر القرآن.


أما قول البعض تفسير ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - تعلَّق بسبب نزول الآية، والمقرَّرُ في علوم الحديث أنَّ تفسير الصحابيِّ الذي له تعلُّقٌ بسبب النزول له حكمُ الرفع فغير مسلم لوجهين:

الوجه الأول: ظاهر كلام ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما – في الآية أنه من قبيل التفسير لا الكلام عن سبب النزول، ولم يقل سبب نزول الآية كذا أو نزلت في كذا، وضابط ما يفسره الصحابي - رضي الله عنه - إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا[42]، وتفسير ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - متعلق بحكم شرعي مما للرأي فيه مجال فلا يحكم له بالرفع بل هو موقوف.


الوجه الثاني: ثبت عن جمع من الصحابة - رضي الله عنه - أن الآية كانت عامة فيمن يطيق الصيام و كانوا مخيرين بين الصيام والفدية ثم نسخت بقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185] فألزموا فرضَ صومه، وبطل الخيار والفديةُ، وهذا القول هو الموافق لظاهر القرآن.


الدليل الثاني: قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنِ الْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ »[43].


وجه الاستدلال: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن الله تعالى أنّه وضع عن المسافر أمرين هما الصوم وشطر الصلاة، وأنّه وضع عن الحامل والمرضع الصوم، وعند التأمّل والتدقيق نجد أنه- صلى الله عليه وسلم - عبّر بعبارة [وضع عن]، وعبارة وضع عن تعني الإسقاط بلا مطالبة بقضاء ولا إعادة مما يجعل حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا الإطعام دون القضاء.


مناقشة الاستدلال: قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنِ الْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ » معناه: أنه وضَع عن الحامل والمرضع الصومَ ما دامتا عاجزتين عنه، حتى تُطيقا فتقضيا، كما وُضع عن المسافر في سفره، حتى يقيم فيقضيه - لا أنهما أُمِرتا بالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء، ولو كان في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:" إن الله وضع عن المسافر والمرضع والحامل الصوم"، دلالةٌ على أنه - صلى الله عليه وسلم -إنما عنى أن الله تعالى ذكره وضع عنهم بقوله:"وعلى الذين يُطيقونه فدية طعامُ مسكين"، لوجب أن لا يكون على المسافر إذا أفطر في سفره قضاء، وأن لا يلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بين حُكمه وبين حكم الحامل والمرضع. وذلك قولٌ، إن قاله قائلٌ، خلافٌ لظاهر كتاب الله، ولما أجمع عليه جميع أهل الإسلام [44].


الدليل الثالث: عن عزرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "إذا خَافت الحاملُ على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان، قال: يفطران ويطعمان مكانَ كل يوم مسكينًا، ولا يقضيان صومًا "[45]، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس: " أنه رَأى أمَّ ولدٍ له حاملا أو مُرضعًا، فقال: أنت بمنزلة الذي لا يُطيقه، عليك أن تطعمي مكانَ كل يوم مسكينُا، ولا قَضَاء عليك " [46]. وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ امْرَأَتَهَ سَأَلَتْهُ وَهِيَ حُبْلَى فَقَالَ: أَفْطِرِي، وَأَطْعِمِي عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَلاَ تَقْضِي[47] وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ تُفْطِرُ وَلَا تَقْضِي»[48]، و لأنَّ قول ابن عبَّاسٍ وابن عمر - رضي الله عنهم - انتشر بين الصحابة ولم يُعلم لهما مخالفٌ مِن الصحابة فهو حجَّةٌ وإجماعٌ عند جماهير العلماء، وهو المعروفُ عند الأصوليين بالإجماع السكوتيِّ.


مناقشة الدليل: لا دليل على انتشار قول ابن عبَّاسٍ وابن عمر - الله عنهم - رضي ولا يعرف هل وافقهما غيرهما أو خالفهما فلا يجزم بأحدهما أضف إلى ذلك أن القرآن والسنة فيهما ما يخالف قول ابن عبَّاسٍ وابن عمر - الله عنهم -،وقول الصحابي يكون حجة - عند القائلين بحجيته - إذا لم يخالفه غيره من الصحابة، ولا عرف نص يخالفه.

 

الدليل الرابع: المشقة تجلب التيسير، والتيسير يجلب عند المشقة، والمشقة حاصلة للحامل والمرضع فوق مشقة الصائمين وزيادة على حالهم، والتيسير يقتضي التخفيف، والتخفيف لا يكون بإيجاب القضاء عليها، لأن الحمل ليس أياماً معدودات، ولا الرضاعة يوم واحد أو أياماً معدودة. ولا الحمل أو الرضاعة مرة أو مرتين في حياتها الزوجية، وعليه فالقول بالقضاء قضاء بالتعسير وإفتاء بإدخال المشقة والعسر، والله يريد اليسر ولا يريد العسر.


مناقشة الدليل: المشقة تجلب التيسير، ومن التيسير على الحامل والمرضع الفطر في رمضان حتى تُطيقا فتقضيا كما أن من التيسير على المريض الفطر في رمضان حتى يبرأ ويطيق الصوم فيقضي ما عليه من صيام، وكما أن من التيسير على المسافر الفطر في رمضان حتى يعود إلى بلده أو ينوي الإقامة،والمريض قد يطول مرضه والمسافر قد يطول سفره والمرأة قد يأتي عليها رمضان وهي نفساء فلا تصوم، و قد يأتي رمضان من العام المقبل وهي نفساء فلا تصوم، ومع ذلك الواجب في حق هؤلاء القضاء لا الفدية.


الدليل الخامس: أنّ المرأة إذا تزوجت وصارت تحمل وترضع، فالغالب فيها أنها لا تنقطع أبداً في حياتها عن أحد الحالين، فهي في كل أيام السنة إما مرضع وإما حامل، فمتى تقضي؟!!..


مناقشة الدليل: هذا الكلام مخالف للواقع،وكم تزوجت امرأة ولم تنجب إلا طفل أو طفلين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أطفال،ومن المعلوم أن خصوبة المرأة تقل مع تقدم العمر، وإمكانية الحمل تقل مع تقدم العمر خاصة بعد سن 35 سنة أضف إلى ذلك أن المرأة قد تتزوج و يتأخر الإنجاب لديها،وقد تنجب مرة أو مرتين، ويتعذر عليها الإنجاب مرة أخرى،والحمل المتتابع يضر بالمرأة والطفل والعذر المبيح للفطر والموجب للقضاء هو العذر المؤقت والحامل والمرضع عذرهما مؤقت مثلهما مثل المريض والمسافر، والمريض قد يطول مرضه و المسافر قد يطول سفره، ومع ذلك يقضيان بعد زوال العذر.


الدليل السادس: أنّ المنطق الفقهي لا يستقيم مع إيجاب القضاء عليها مع قيام سبب الرخصة، فهل يستقيم فقهاً أنْ يكون صيام شهر رمضان ليس واجباً على الحامل بسبب كونها حاملاً، وعلى المرضع بسبب كونها مرضعاً ثم يجب على الحامل القضاء وعلى المرضع القضاء؟ والسبب الذي من أجله رُخِّص لها في الأداء قائم عند إلزامها بالقضاء؟


مناقشة الدليل: الواقع أن الحامل لا تبقى حاملا، والمرضع لا تبقى مرضعا فهذه أعذار مؤقتة،وليست مستديمة أضف إلى ذلك أن الحامل والمرضع قد يفطرا خوفا على أنفسهما والواجب عليهما القضاء لا الفدية، وإن تتابع الحمل و الرضاعة مدة من الزمن ومن يفرق بين التي تفطر خوفا على نفسها والتي تفطر خوفا على ولدها فعليه بدليل صحيح صريح خال من معارض معتبر، ولا دليل.


أدلة من قال يفطران ويطعمان ويقضيان:

الدليل الأول: إنَّهُمَا يَقْضِيَانِ فَلِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ وَالْمَرِيضُ يُفْطِرُ وَيَقْضِي وَأَمَّا أَنَّهُمَا يُطْعِمَانِ فَلِآثَارِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.


مناقشة الدليل: قولهم: إنَّهُمَا يَقْضِيَانِ فَلِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ وَالْمَرِيضُ يُفْطِرُ وَيَقْضِي قول صحيح أما قولهم أَنَّهُمَا يُطْعِمَانِ فَلِآثَارِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ – فغير مسلم؛ لأن الله تعالى جعل الفدية عديلاً للصوم وبديلا عنه عند العجز ولو أجبنا الفدية عليهما كان ذلك جمعاً بين البدلين وهو غير جائز، لأن القضاء بدل، والفدية بدل، ولا يمكن الجمع بينهما فالواجب أحدهما.


الدليل الثاني: إذا وجب القضاء عند الفطر للخوف على النفس، فعند عدمه أولى أما الفدية لأنه فطر بسبب نفس عاجزة عن الصوم في أصل الخلقة، فأوجب الفدية كالشيخ الهرم.


مناقشة الدليل: قولهم: إذا وجب القضاء عند الفطر للخوف على النفس، فعند عدمه أولى قول صحيح أما قولهم: لأنه فطر بسبب نفس عاجزة عن الصوم في أصل الخلقة، فأوجب الفدية كالشيخ الهرم فغير مسلم لوجوه:

الوجه الأول: فرق بين الشيخ الكبير والحامل والمرضع فالشيخ الكبير يعجز عن القضاء وهما يقدران عليه، والشيخ الكبير لن يأتيه يوم يستطيع فيه الصيام أما الحامل والمرضع فمن أصحاب الأعذار الطارئة المنتظرة للزوال أي ستأتي أيام يستطيعان فيها الصيام.


الوجه الثاني: لا فرق بين من يفطر لإنقاذ نفسه ومن يفطر من أجل إنقاذ غيره كما لا فرق بين من يفطر في سفر يخصه، ومن يفطر من أجل سفر يخص غيره.


الوجه الثالث: الحامل والمرضع من أصحاب الأعذار الطارئة التي لها مدة معينة وتزول، فالقضاء واجب عليهما، ولو أجبنا الفدية عليهما كان ذلك جمعاً بين البدلين وهو غير جائز، لأن القضاء بدل، والفدية بدل، ولا يمكن الجمع بينهما فالواجب أحدهما.


أدلة من قال بعدم وجوب الفدية والقضاء

الدليل الأول: الذمم بريئة ما لم يأت نص، ولا نص.

مناقشة الدليل: حقا الذمم بريئة ما لم يأت نص لكن يوجد العديد من الأدلة تدل على وجوب القضاء على الحامل والمرضع إذا أفطرتا منها قوله تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] فالمسلمون مخاطبون بوجوب الصوم فإذا لم يصم المسلم لعلة، وزالت تلك العلة لزمه الصوم،والحامل والمرضع مخاطبان بالصوم لعموم الآية، ومن يخرجهما عليه بدليل صحيح صريح خال من معارض معتبر، ولا دليل.

 

الدليل الثاني: قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنِ الْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ »[49].


وجه الاستدلال: الحديث دل أن الصوم قد وضع عن الحامل والمرضع والمسافر، ولا يقال هنا إننا نقيسهما على المسافر فكما أن المسافر يقضي فكذلك الحامل والمرضع تقضيان، وذلك لأن المسافر إنما لزمه القضاء بنصٍّ خارج عن الحديث ألا وهو قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]، أما الحامل والمرضع فأين الملزم لهما؟.


مناقشة الاستدلال: ظاهر الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جمع بين حُكم فطر المسافر وبين حكم فطر الحامل والمرضع فدل ذلك على اشتراك المسافر والمرضع والحامل في الحكم فالصوم موضوع عن الحامل والمرضع كوضعه عن المسافر، وليس على المسافر إلا القضاء وكذلك هما، والسفر من الأعذار المؤقتة المبيحة للفطر وكذلك الحمل والرضاعة، والمسافر يطيق القضاء وكذلك الحامل والمرضع فيلزمهما ما يلزمه، ورفض قياس الحامل والمرضع على المسافر يخالف ظاهر الحديث فالحديث قد سوى بينهم في الحكم فالواجب التسوية بينهم ما لم يأت دليل.


أدلة من قال بوجوب القضاء على الحامل والقضاء والفدية على المرضع:

قالوا: تجب الفدية على المرضع دون الحامل؛ لأن المرضع أفطرت لمعنى منفصل عنها؛ ففارقت المريض والمسافر، والحامل أفطرت لمعنى متصل بها فالحمل جزء منها، والولد إذا تضرر لحقها ضرره فأشبهت المريض.


مناقشة الدليل: لا فرق بين الحامل والمرضع فالصيام قد يؤثر على الحامل وجنينها و قد يؤثر على المرضع ورضيعها الجنين قد يتضرر من صوم أمه فتتضرر الأم وتحتاج إلى راحة وبعض الأدوية، والرضيع قد يتضرر من صوم مرضعته فتتضرر المرضع وتحتاج إلى راحة و بعض الأدوية،ومن رحمة الله تعالى بالحامل وجنينها، والمرضع ورضيعها أباح الفطر، والقضاء في أيام أخر، ولا تجب الفدية عليهما؛ لأنهما يقدران على الصوم في أيام أخر ولا يجمع بين القضاء و الفدية؛ لأنه جمع بين بدلين لا يجوز.


الحامل والمرضع كالمريض والمسافر فالجميع يباح لهم الفطر وعذرهم مؤقت ويستطيعون الصوم في أيام أخر، ولذلك حكم فطر الحامل والمرضع كحكم فطر المريض والمسافر،وهو القضاء دون الفدية.


الترجيح:

بعض عرض أقوال العلماء وأدلتهم يتبين رجحان القول بوجوب القضاء فقط على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على أولادهما فهو الموافق للكتاب والسنة والقياس، وأدلة المخالفين ضعيفة، ولا تخلو من اعتراضات معتبرة هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.



[1] انظر المغني لابن قدامة 3/ 149 .

[2] المبسوط للشيباني 2/ 245 والمبسوط للسرخسي 3/ 99 وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني 2/ 97 وحلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء لأبي بكر الشاشي 3/ 147.

[3] المبسوط للسرخسي 3/ 99 وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني 2/ 97.

[4] المجموع شرح المهذب للنووي 6/ 269، والإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر 3/ 151.

[5] حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء لأبي بكر الشاشي 3/ 147 .

[6] مجموع فتاوى ابن باز 15/ 223 .

[7] الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 6/ 350، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 20/ 96 .

[8] فتاوى يسألونك للدكتور حسام الدين عفانة 4/ 316 .

[9] الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة للدكتور سعيد وهف القحطاني ص158 .

[10] المجموع شرح المهذب للنووي 6/ 269، والإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر 3/ 151.

[11] استمع إلى سلسة الهدى والنور شريط رقم: [58] وانظر إرواء الغليل للألباني 4/ 17-24.

[12] صحيح فقه السنة لأبي مالك كمال السيد سالم 2/ 127 .

[13] الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز للدكتور عبدالعظيم بدوي ص 199.

[14] تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة للشيخ عادل يوسف العزازي ص 171 .

[15] استمع و اقرأ فتوى رقم 470 في حكم إفطار الحامل والمرضع من موقع الشيخ فركوس الرسمي.

[16] فتاوى و سؤالات صيام الحامل والمرضع من موقع الشيخ عبد الله الزبير عبدالرحمن.

[17] المجموع شرح المهذب للنووي 6/ 269،و الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر 3/ 151 و المغني لابن قدامة 3/ 151.

[18] تنبيهات على أحكام تختص بالمؤمنات للشيخ صالح فوزان الفوزان ص 64

[19] المختصر في فقه العبادات للشيخ خالد حمود المشيقح ص .87 .

[20] المحلى بالآثار لابن حزم 4/ 412 .

[21] المدونة للإمام ملك بن أنس 1/ 278 وعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس 1/ 258 و .المجموع للنووي 6/ 269

[22] المغني لابن قدامة 3 / 150 .

[23] الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 6/ 325.

[24] أحكام القرآن لآبي جعفر الطحاوي ص 423.

[25] المغني لابن قدامة 3/ 150 .

[26] رواه ابن ماجه في سننه رقم 1667 بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِفْطَارِ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ ورواه أحمد في مسنده رقم .18568

[27] أخرجه ابن الجارود في المنتقى رقم 381 والبيهقي في السنن الكبرى رقم 8077، وصححه الألباني في إرواء .الغليل وقال: وإسناد هذه الرواية صحيح على شرط الشيخين 4/ 18

[28] رواه أبو داود في سننه حديث رقم 2317 وصححه الألباني. .

[29] نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 245 .

[30] رواه البخاري في صحيحه 3/ 34 بَابُ ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ﴾ .

[31] رواه البخاري في صحيحه 3/ 34 بَابُ ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ﴾ ..

[32] رواه البخاري في صحيحه 3/ 35 بَابُ ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ﴾ حديث رقم 1949.

[33] رواه البخاري في صحيحه 6/ 25 بَابُ ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ حديث رقم 4507 .

[34] نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 245 .

[35] نقله النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص 95 عن أبي جعفر .

[36] مناهل العرفان للزرقاني 2/ 202.

[37] نواسخ القرآن لابن الجوزي ص 245 .

[38] المغني لابن قدامة 3/ 151.

[39] رواه البخاري في صحيحه 3/ 34 بَابُ ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ﴾ .

[40] رواه البخاري في صحيحه 6/ 25 بَابُ ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ حديث رقم 4507 .

[41] تفسير الطبري 3/ 437 .

[42] النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر 2/ 531.

[43] رواه ابن ماجه في سننه رقم 1667 بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِفْطَارِ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ ورواه أحمد في مسنده رقم .18568

[44] تفسير الطبري 3/ 438 .

[45] أخرجه الطبري في تفسيره 3/ 427 رقم 2758 وصححه الألباني في إرواء الغليل وقال: إسناده صحيح على .شرط مسلم 4/ 19

[46] أخرجه الطبري في تفسيره 3/ 428 رقم 2759 وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 19.

[47] رواه الدارقطني في سننه رقم 2388 وصححه.

[48] رواه الدارقطني في سننه رقم 2385 وصححه.

[49] رواه ابن ماجه في سننه رقم 1667 بَابُ مَا جَاءَ فِي الْإِفْطَارِ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ ورواه أحمد في مسنده رقم .18568 ..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فوائد التمر للمرأة الحامل والمرضع
  • صوم الشيخ الكبير والمرأة العجوز والحامل والمرضع
  • أقسام الواجب من حيث: وقته، ذاته، فاعله، تقديره
  • الحامل والمرضع إذا أفطرتا قضتا الصوم فقط

مختارات من الشبكة

  • قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب(مقالة - موقع د. عبد المحسن الصويِّغ)
  • الواجب عند علماء الأصول وأثره الفقهي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • شرح متن الدرر البهية: كتاب الصيام(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • خطبة الواجب عند تجدد النعم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حق الطفل وتربية الأبناء بين الواجب الضروري والحاجيات والتحسينيات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الواجب في اللغة والاصطلاح والفرق بينه وبين الفرض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الواجب في زكاة الفطر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سعادتنا الأسرية بين "الممكن" و"الواجب"(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب