تحليل محوسب لحضور بعض مسائل فقه الصيام على مواقع الإنترنت

تحليل محوسب لحضور بعض مسائل فقه الصيام على مواقع الإنترنت
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)

1- مقدمة:
أضحت سمة هجرة المسلم المعاصر من دائرة النَّصِّ المطبوع باتِّجاه النَّص الرَّقمي - المودع على مواقع الإنترنت - حقيقة لا يمكن تجاوزها، وبدأت العلاقة التي كانت ترْبِط المسلم بِموارد شريعته تمرُّ بتحوُّلات حاسمة، نتيجةً لتغْييب الدَّور الَّذي يُمارسه أهل العِلْم والدِّراية في تتبُّع مسارات المسائل الفقهيَّة السَّائدة لدى العامة، بعد أن نجحت شبكة الإنترنت في ترْسيخ مفهوم نسبيَّة المكان في الفضاء المعلوماتي لمواقِعِها، ومنح المستخدِم فرصة إيداع ما يريد من أفْكار في مواقعِها مع غياب الرِّقابة عن محتوى الخطاب المعروض.

وللوقوف على الدَّور الَّذي يُمارسه المسلم المعاصر في المنظومة المعرفيَّة لشبكة الإنترنت؛ للوصول إلى إجابات بخصوص مسائل فقهيَّة محدَّدة، حاولنا تتبُّع مسارات أهمِّ مفردات فِقْه الصيام على الإنترنت، لتحْقيق غايتين، الأولى: تحديد ماهيَّة المعالجة التي ظفِرت بها هذه المفْردة التعبُّديَّة بجميع تجلياتها على مواقع الإنترنت.

والثانية: بيان خصائص خارطة مفردات الصِّيام المستوْطنة في البلدان العربيَّة، وما تمرُّ به من تغيرات خلال السَّنوات الخمس الأخيرة؛ وذلك لتوْفير مناخ مناسب لفقهاء الأمة ودعاتها في تحليل خارطة مفاهيم حضور المفْردات الإسلاميَّة على مواقع الإنترنت صناعة وتلقيًا، والتَّمهيد لصياغة إستراتيجية شرعيَّة للتعامل مع النَّهج الرقمي الجديد السَّائد، لتلبية حاجات المسلم، من خلال توفير إجابات حاسمة عمَّا يدور في ذهنه من أسئلة، والحفاظ على ثوابت الشَّريعة عبر المراقبة الدَّائمة لما يدور في مواقع الإنترنت، بعيدًا عن الرقابة الَّتي بات من الضَّروري حضورُها الدَّائم؛ لتقْتفي آثار المعالجات التي يُمارسها بعضُهم على موارد الشَّريعة الغرَّاء، لحمايتها من التَّأويلات الفاسدة، والآراء الشَّاذَّة.

2- التمهيد لإنشاء خارطة مفاهيم للخطاب الشَّرعي على الإنترنت:
أصبحت بيئة الإنترنت الوعاء الشَّامل الذي يستوعب مختلف أشكال الخطاب الذي يدور على ساحة المتغير الثقافي، والعلمي، والاقتصادي، فتحولت أنظارُنا صوب قراءة محتويات هذه الشبكة العملاقة للوقوف على أهمِّ التيَّارات الفكريَّة السَّائدة عليْها، وتحليل مكوّناتها، بدلاً من النَّهج التقْليدي الَّذي يتناول بالنَّقد النُّصوص المطبوعة على الورق في الصُّحف والمجلات والكتُب، بعد أن بدأ تأثيرها بالتناقُص نتيجة لتزايد حجْم الفيض المعلوماتي الرقمي على الإنترنت.

وتتألَّف المنظومة الرقميَّة الإسلاميَّة على الإنترنت من طيف واسع من المستخْدِمين، الَّذين يمارسون عمليَّة إضافة المحتوى المعرفي (بمختلف تجلياته) إلى مواقع الإنترنت التي يَمتلكونها، أو التي قد فتحت أبوابَها لتوطين خطابهم في صفحاتها، ومن مستعرضي مواقع الإنترنت الَّذين يوظفون محركات البحث Search Engines (مثل Yahoo  ،Google،..)؛ للظَّفر بإجابات حاسمة عن المسائل الفقهيَّة التي تدور في أذهانهم، أو بقصد إزالة إشكال لما يدور من نقاشات على ساحة الواقع اليومي.

من أجل هذا يُمكِن إنشاء خارِطة مفاهيم للمُفْردات الشَّرعيَّة التي يعالجها المُسْلِم المعاصر، من خلال تتبُّع حضور هذه المُفْردات على مواقع الإنترنت المختلفة، الَّتي ستعكس الدور الَّذي يمارسه في إنتاج خطاب شرعي لمعالجة المسائل، من جهة، وحصْر جميع أشكال البحث والاستقصاء التي يمارسها من خلال محركات البحث، التي تعكس عمَّا ينقّب عنه في الموارد الرقمية المتوافرة على الإنترنت، من جهة أخرى.

ويُمكن لخارطة المفاهيم هذه أنَّ توفِّر لنا فهمًا كافيًا بطبيعة المعالجات الَّتي يُمارِسها المسلم المعاصر في تناوُل المسائل الفقهيَّة والعقديَّة، وستعمِّق فهْمنا بمستوى قدرته على معالجة هذه المسائل، مع تحْديد مواطن الزَّيغ والبدع، فتمنح الأئمَّة والدُّعاة فرصة كافية للوقوف بوجهها وإخمادها.

3- آلية إنْشاء الخريطة وتَجْميع عناصرها المنتشِرة على صفحاتها الرقميَّة:
لضمان إنْجاح عمليَّة لمْلمة عناصر خارطة المفاهيم الشَّرعيَّة المستوطنة على مواقع الإنترنت بكثافة؛ سعينا لتوظيف تقنية التنقيب المعرفي Knowledge Mining التي تستعمل تقنيات حوسبة ذكية؛ للتنقير عن حضور المفردات داخل صفحات الويب، على وفق نسق مفهومي محدد (الرزو، 2003).

وارتكزت عمليَّة التنقيب المعرفي إلى نسق مفهومي، قسِّمت من خلاله الفضاءات الرقميَّة لشبكة الإنترنت على محورين أساسيين:
المحور الأول: مختلف أشكال مواقع الإنترنت التي تودع فيها النصوص الرقمية، أو تدور عليها النقاشات، أو تبسط على ساحتها المنتديات العربيَّة والإسلاميَّة.
المحور الثَّاني: سبْر مسارات عمليَّات البحْث عن النصوص الَّتي يُمارِسها المسلم من مختلف بلدان العالم، للوصول إلى إجابات سريعة وآنية لمسائل فقهيَّة تدور بخلَده.

وقد وقع اختِيارُنا في هذه الدِّراسة على مسألة الصيام، فحدَّدنا لها جُملة من المحاور التي انتُقِيت مفرداتُها بعناية بالغة (في ضوء المعالجات الفقهيَّة المطْروحة بأمَّهات الكتب الفقهيَّة حول مسألة الصيام)؛ لكي تمنحنا صورة واضحة المعالم عن مستوى الاهتِمام السَّائد في المحتوى الرقمي الإسلامي بِمحاور هذه المسألة وتفريعاتها (القاضي عياض، 2001).

وقد آثرْنا اعتماد التقسيمات التي تبنَّاها الفقهاء في تقْعيد مادَّة فقه الصيام، ومسائله المتشعِّبة، فبرزت أمامَنا أربعةُ محاور أساسيَّة هي:
المحور الأول: الصائم.
المحور الثاني: صوم رمضان.
المحور الثالث: أحكام الصيام (واجب، أو مسنون، أو مستحب، أو نافلة، أو مكروه، أو محرم).
المحور الرابع: آداب الصيام وأسراره.

وقُمْنا بتتبُّع مفردات المحاور الأرْبعة على شبكة الإنترنت، ثمَّ عمدنا إلى تحديد حجْم حضور كل منها على صفحات الويب، وقد صنفت المواقع إلى مجموعة من المستويات الرئيسة والثَّانويَّة؛ لضمان استيعاب جَميع الصفحات المنتشِرة على الإنترنت، ولتحديد معالم المعالجات المفاهيميَّة التي يُمارسها المسلم المعاصر على عناصر هذه المسائل، وبمختلف تشعُّباتها.

وشملت المواقع التي تناولتْها الدراسة:
صفحات الإنترنت، والمواقع الإسلاميَّة، ومواقع الأخبار، والمدوَّنات، والمنتديات، والصور، ثم قسِّمت المواقع الإسلاميَّة إلى: مواقع إسلاميَّة عامَّة، ومواقع دعويَّة، ومواقع تُعْنى بالسنَّة النَّبويَّة، ومواقع أئمَّة العلم الشَّرعي والدُّعاة، ومواقع شبكات إسلاميَّة، ومواقع مكتبات إسلاميَّة، ومواقع تُعْنى بالقرآن وعلومه، ومواقع تودع فيها الفتاوى، ومواقع شيعيَّة، ومواقع إذاعات إسلامية، ومواقع مجلات إسلامية، ومواقع تُعْنى بجمع الحديث النبوي، وأخرى خصصت لنصْرة النبي الكريم - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ومواقع تُعْنَى بمسائل الإعجاز العلمي، وأخرى تعالج مسائل المرأة، وأخيرًا مواقع لعدد من المساجد الإسلاميَّة.

وشمل البحث في المنتديات:
مواقع المنتديات الإسلاميَّة، ومواقع منتديات عامَّة، ومواقع اقتِصاديَّة، وأخرى نفسيَّة، ومواقع لمنتديات المرْأة، ومنتديات الحاسوب، ومنتديات علميَّة، وأُخْرى تعليميَّة، ومنتديات طبِّيَّة، ومنتديات متنوِّعة لا يجمعها قاسم مشترك.

أمَّا ما يخص استيعاب ما يمارسه المسلم من عمليَّات البحث ضمن محركات البحث، فقد آثرنا استخدام محرِّك البحث Google؛كوْنه الأكثر شيوعًا في وقتنا الرَّاهن، فضلاً عن قدرته المميزة على دعْم البحْث باللغة العربية، فأوغلْنا بوساطته في أعماق الشَّبكة العنكبوتيَّة؛ لتحديد أنْماط عمليَّات البحث ومساراتها التي مورست لبلوغ مفردات فقه الصيام خلال السنوات 2004 -2008؛ كي يكتمل مشهد حضور هذه المفردة الفقهيَّة على شبكة الإنترنت.

4- بيانات خارطة المفاهيم لمسائل فقه الصيام على الإنترنت:
يظهر في الجداول (1، 2، 3) مستوى تكرار المفردات الخاصَّة بكل محور من محاور مسائل الصيام على كل من مواقع الإنترنت، والمواقع الإسلاميَّة، والمنتديات، والمدوَّنات، والمواقع الإخباريَّة، والصور، خلال عمليَّة البحث التي أجريت على مواقع الإنترنت خلال الأعوام 2004 - 2008.

ويبدو واضحًا من الجدول (1) أنَّ مفردات المحور الَّذي يعنى بالمسائل التي تخص الصائم هي الأوفر حظًّا بالذكر في مواقع الإنترنت، والمواقع الإسلاميَّة، والمدونات، والمنتديات.

ويمكن أن يعزى هذا الأمر إلى وجود اهتِمام كبير تُوليه شريحةٌ واسعة من مستخدمي الإنترنت في تتبُّع أهم المسائل التي تخص الصائم، أمَّا أسرار الصيام وآدابه فلم تلْقَ عناية كافية لدى المسلم المعاصر الذي بات أشدَّ التصاقًا بالواجبات الشَّرعيَّة منه بالآداب ورقائق العبادات.

أمَّا إذا حاولنا قراءة البيانات الموجودة في الجدول (2)، فسنجد أنَّ كلاًّ من المواقع الإسلامية العامَّة ومواقع الدَّعوة هي الأكثر ازدحامًا بصفحات الويب التي تناقش فيها مسائل الصيام، تأتي بعدها مواقع الشيوخ والمكتبات الإسلامية التي حفلت بنصوص وكتب نوقشت فيها هذه المسائل.

ويلاحظ أنَّ الاهتمام يتناقص من محور الصائم، ثمَّ صوم رمضان، فأحكام الصيام، ويكاد يغيب في مواقع مختلفة بمحور أسرار الصيام وآدابه.

أمَّا بيانات الجدول (3)، فتظهر وجود اهتمام كبير بمفردات محاور الصيام في المنتديات العربيَّة المختلفة، التي يغذِّيها خاصَّةُ المسلمين وعامَّتهم بنقاشاتهم ومساجلاتهم الفقهية، ويظهر في المنتديات تفوُّق اهتمام روَّادها بمسائل شهر رمضان، وأحكام الصيام، في حين بقيت مفردات أسرار الصيام الأقل حضورًا، مع زيادة طفيفة عمَّا هي عليه في المواقع الإسلامية (انظر الجدولين 2، 3).

وخلاصة القول في هذا المقام:
هو أنَّ مفردات محاور الصيام قد انتشرت بكثافة كبيرة على مختلف أشكال صفحات الويب العربية، سواء كانت صبغة المواقع إسلاميَّة صرفة، أم مواقع عامَّة؛ بل حتَّى في مواقع الحاسوب، وهذه البيانات تؤكِّد بروز وعْي جديد بمسائل الصيام، وعوارضه، ومسائل أخرى باتت تشدُّ المسلم إلى دينه الحنيف.

بَيْدَ أنَّنا نؤكِّد حقيقة وجود هوَّة شاسِعة بين الإكْثار من ذِكْر مُفْردة من مفردات الصيام، وبين إدْراك دلالاتها ضِمْن الأنموذج الفقهي السَّليم، حيث لا شائبة تكدِّر صفو الإيمان، ولا هوى متبعًا يُحيل عمل المسلم إلى هباء منثور، كما أنَّها تؤكِّد في الوقْت نفسِه ضرورة نُهوض علماء الأمَّة ودعاتها بدوْر فاعل يدعم الرَّغبة الصَّادقة لدى عامَّة المسلمين، فيوجّه حوارهم باتِّجاه فيه صلاحهم، ودرء غائلة الفرقة والخلاف بيْنهم.

الجدول (1): تفاصيل المفردات الإيمانيَّة المنتشرة في مختلف مواقع الإنترنت (بحسب ورودها في الموقع).
 

الجدول (2): تفاصيل المفردات الإيمانيَّة المنتشرة في أصناف المواقع الإسلاميَّة المختلفة.

الجدول (3): تفاصيل المفردات الإيمانيَّة المنتشرة في أصناف المنتديات العربيَّة المختلفة.
  

أمَّا إذا توجَّهنا صوب ما يُمارسه المسلم المعاصر من عمليَّات بحث وتنقير على مواقع شبكة الإنترنت للظَّفر بإجابات شافية، عن مسائل تشخص أمامه حوْل مسائل الصيام وتفريعاتها، فسنجد أنفُسَنا قبالة بيانات الجدول (4) الذي يُظْهِر لنا المراتب العشَرة الأُوَل للدُّول الإسلاميَّة التي بحث مواطنوها عن مفردات مُختلفة توزَّعت على محاور الصيام المنتخبة.

الجدول (4): المراتب العشَرة الأُوَل للدول الإسلامية وأهم الموضوعات التي يبحث فيها المسلِمون عن مسائل الصيام.

ويبدو واضحًا أنَّ المواطن الليبي من أكثر المسلمين توظيفًا لمحرِّكات البحث على الإنترنت للحصول على إجابات عن مسائل الصيام، في حين تتقاسم دول عربيَّة أخرى المراتِب التسعة في موضوعات الصيام المختلفة.

ويبدو واضحًا من الجدول (5) هويَّة اللغات التي يوظِّفها المسلم في البحث عن مفردات الصيام على شبكة الإنترنت، إذ تتبوَّأ اللغة العربية المرتبة الأولى، وتأتي بعْدَها اللغة العبرية، [كيف ذلك؟!] فالفرنسيَّة، فالإنجليزيَّة، ثم الألمانيَّة.

الجدول (5): مراتب اللُّغات التي يوظِّفها المسلمون في البحث عن مسائل الصيام.

 

أمَّا الجدول (6)، فيظهر لنا نسب البحْث عن مسائل الصيام خلال الأعوام 2004 – 2008، إذ يلاحظ وجود نمو كبير في عمليَّات البحث عن مسائل الصيام، خلال هذه المدَّة الزمنيَّة، وفي موضوعات الصيام ومسائله جميعها، الأمر الذي يؤكِّد تزايُد الوعي الفقهي لدى المسلم المعاصر، ورغبته في معرفة المزيد عن مسائل ديننا الحنيف.

الجدول (6): نسب البحث عن مسائل الصيام على شبكة الإنترنت خلال السنوات 2004 - 2008.
 

5- الاستنتاجات:
لقد تحوَّلت حصيلتنا المعرفية الإسلامية من دائرة المدوَّن على مادة الورق إلى البيئة الرقميَّة الشَّبكاتيَّة التي استوطنت بيئة الإنترنت، ففرضت على المسلم المعاصر ممارسة جملة من معالجات المفاهيم المبتكرة على النصوص الرقميَّة لمواردنا.

وقد استجاب المسْلِم المعاصر لدعْوة عصر الرَّقمنة والإنترنت، فبدأ بخُطُوات متسارعة لتحْويل نصوصه إلى نصوص رقميَّة، وهرع إلى عرْض حجم كبيرٍ من خطابه الإسلامي على مواقع الشبكة العنكبوتية World-Wide-Web للإنترنت.

إنَّ البيئة المفتوحة التي تمتاز بها شبكة الإنترنت قد منحت الكثيرين فرصة سهلة لمناقشة هذه المسائل العويصة، من دون أن يمتلك بعضهم أدوات معرفيَّة كافية تؤهله لممارسة هذه النشاطات على صفحات الويب المنتشرة على مواقع الإنترنت المختلفة، فتراكمت المادَّة الرقميَّة المطروحة في هذا الميدان الحيوي والخطير في الوقت نفسه.

لقد أظهرت مخطَّطات المفاهيم للآراء ذوات الصِّلة بمنظومة فقه الصيام ومسائله - وجود أكثر من فرصة خصْبة لتتبُّع مسارات الخِطاب الإسلامي على الإنترنت، وتحليله، والوقوف على الفجوات المعرفيَّة السَّائدة بين مفرداته، كما أنَّ تحليل هذه المخطَّطات خلال مدَّة زمنيَّة محدَّدة سيوفِّر معلومات مهمَّة تسْهِم في دعْم القيادات الإسلاميَّة في تحديد الإطار العام للخطاب المطلوب عرْضه على ساحة المتغير الإسلامي؛ لإزالة الإشكاليَّات، وانتشال الأمَّة من المآزِق المعرفيَّة التي قد يمرُّ بها طائفة من أفرادِها، والسَّعي نحو توجيه خطابِهم إلى ما فيه نفْع للأمَّة.

ومن المعلوم أنَّ شبكة الإنترنت ومواقعَها التي شرعت أبوابَها لكلِّ مَن يريد أن يُضيف إليْها ما يريد - قد منحت شريحة من أشْباه الفقهاء سبيلاً سائغة ميسَّرة إلى عرض آرائهم، بقطع النظر عن صحَّتها وبطلانها، وهو أمر خطير للمسلم الَّذي لم تتوافر لديْه فرصة التَّمييز بين الغثِّ والسَّمين مما يعرض أمامه من أقوال تخص المسائل الفقهيَّة، فتتشكَّل لديْهِم مبادئ فقهيَّة (على حدِّ فهمهم لما تجمَّعت بين أيديهم من أقوال في هذه المواقع)، من دون أن تنضبِط بحقائق شريعتِنا التي كشفت عنها علومها، ودلَّت عليْها نصوصها المباركة.

من أجل هذا؛ فهُناك مهمَّة خطيرة ملْقاة على عاتِقِنا، تفرض عليْنا تحليل الخطاب الإسلامي على الإنترنت، وتتبُّع مساراته على صعيد النَّصِّ المودع على مواقع الويب، وعمليَّات البحث التي تمارس على المواقع.

ويمكن أن نوضِّح كيفية استِثْمار نتائج عمليَّات التنقيب المعلوماتي على شبكة الإنترنت ومواقعها بما يأتي:
إنَّ حجم حضور مفردات الصِّيام على الإنترنت يوفِّر لنا صورة واضحة المعالم عن حجْم الاهتمام بهذه المسائل، وطبيعة الفجوات المعرفيَّة السَّائدة في بعض جوانبها، فيدفعنا نحو سدِّ الفجوات بمعالجات فقهيَّة متعمِّقة.

يمكن من خلال تحديد حجم حضور مسائل الصيام على المواقع الإسلامية معرفة ما تُمارسه كلُّ شريحة من شرائح المجتمع الإسلامي في معالجة هذه المسائل، وهل أنَّ الخطاب المعروض متَّزن؟ أم أنَّ المعالجات قد تركَّزت في محور دون آخَر؟ لكي نحدِّد أسباب تغير مسارات الاهتمام، ونعاود توجيهها بما يخدم الخطاب الفقهي للمسألة.

إذا وجدْنا إقبالاً كبيرًا من المسلمين في أحد الأقطار نحو التَّنقير عن مسائل محدَّدة، فيمكن أن يعد مثل هذا الأمر مؤشرًا على عدم نهوض علماء البلد بِمهمَّتهم تجاه توعية المواطن بفِقْه الصيام، أو أنَّ هذه الظَّاهرة تعد مؤشرًا على بروز صحوة فقهيَّة في اتجاه محدَّد.

يمكن للغة البحث عن مسائل الصيام أن تمنحنا فرْصة كافية للتَّفكير بتوْفير خطاب فقهي بلغات غير العربيَّة؛ لدَعْم سعْي المسلمين في أقْطار إسلاميَّة أخرى للتفقُّه بمسائل قد أفرزتْها بيئتهم.

تعدُّ نسب النُّمو في البحث عن مسائل الصيام مؤشرًا مهمًّا لتحْديد ما يجول بخاطر المسلم المعاصر، وهل أن حاجات الباحث على الإنترنت تقع ضمن دائرة مقاصد الشريعة الحقَّة؟ أم أنَّ هناك أمورًا طارئة قد فرضتها، تتطلب منَّا معالجات آنية، أو بعيدة المدى؛ لتجاوز العقبات، والحفاظ على الخطاب الفقهي من التغيير؟

ونأْمل أن يسهم هذا النَّمط من المعالجات المحوسبة في بيان الكثير من المسائل التي تعمُّ بها البلوى في وقْتِنا الرَّاهن؛ حيث تحول المسلم إلى بيئة الإنترنت ومواقعها، فأصبَح حضوره أشدَّ وضوحًا بعد أن انفتحت ذاتُه على البيئة الرقميَّة الجديدة، وتوفَّرت بين أيدينا أدواتٌ ذكيَّة يمكن أن نوظِّفَها بعناية لخدمة خطابِنا الإسلامي، ونبعد عن أنفسنا موارد الشُّبه والابتداع.

6- المراجـع :
الرزو، حسن مظفر، (2003)، جغرافية الفضاء المعلوماتي، المجلَّة العربيَّة للعلوم والمعلومات، العدد الثاني، المجلد 18، ديسمبر 2003، الصفحات 110 - 123.
القاضي عياض، اليحصبي، (2001)، الإعلام بحدود قواعد الإسلام، تحقيق محمد صديق المنشاوي، الطبعة الأولى، دار الفضيلة، القاهرة، مصر.