• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / قضايا التنصير في العالم الإسلامي
علامة باركود

ليست طائفية: كاميليا شحاتة هي كل امرأة مصرية

غادة الشافعي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/4/2011 ميلادي - 20/5/1432 هجري

الزيارات: 6575

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لمَّا كان بناءُ البيوت على فوَّهات البراكين لا يُغيِّر مِن طبيعتها الانفجاريَّة، وإنَّما فقط يَزيد الخسائر الناجمة عنها، ولمَّا كانت أفضل الوسائل لمواجهة أيِّ مشكلة هي معرفة الأسباب التي أدَّتْ إليها، وعلاج أوجه القُصور فيها، وبيان حقوق كلِّ طرف وواجباته وإلْزامه بها، وما دُمنا قد اتَّفقنا على أنَّ مصرَ وطننا جميعًا، وأننا نرجو لأبنائنا فيها مستقبلاً يسوده الأمنُ والرخاء - فقد رأيتُ ضرورةَ التأكيد على بعضِ المعاني في مجتمعنا المصري، والتي ربَّما تفسِّر كيفية تلقِّي المواطن المصري لأخبار الأَسْرى المسلمين بالكنائس، والتي كان آخرها قضية الأخت "كاميليا شحاتة"، تلك القضية التي شغلتِ الرأي العام المصري طويلًا، وتولد عنها العديدُ مِن المظاهرات والاتهامات المتبادلة، وكادتْ أن تُهدِّد وحدة الصفِّ الوطني.

 

فالقضيةُ ببساطة:

أنَّ لدينا مواطنةً مصرية معتقلَة مِن قبل جِهة ليس من سلطتها اعتقال المواطنين، ولو أجزْنا لكلِّ طائفة أو حزب أو قبيلة اعتقالَ المنتمين إليها، أو الخارجين عنها - فضلاً عن أن يكون هذا الاعتقالُ بلا مستند قانوني، ولا محاكمة عادلة - لتخطَّف الناس مِن حولنا، ولما عاد المرءُ منَّا يأمن على نفسه وأهله، رجلاً كان أو امرأة، فضلاً عمَّا في ذلك مِن تعدٍّ على سيادة القانون وسلطان الدولة على أراضيها ومواطنيها.

 

ومن هذا المنطلق، فليس مناقشةُ قضية كاميليا أو سابقاتها وسابقيها، مِن قبيل التدخُّل في شؤون الكنيسة بأيِّ حال مِن الأحوال، فلقد نشأنا في مصر على الاحترام التام لحرية مواطنينا - يهودًا كانوا أو نصارى - في اعتقاد ما شاؤوا، والتحاكُم فيما بينهم بالشريعةِ التي ارتضوها لأنفسِهم، بلا أيِّ تدخل في خصوصيات أيِّ طائفة، وما زِلْنا.

 

وكذلك كنَّا وما زلنا نفْخر بأنَّ أقباط مصر الذين ذاقوا ويلاتِ القهر والظلم من قِبل أصحاب المذاهب النصرانية الأخرى فلم يَثْنِهم ذلك عن مذهبهم الذي اعتنقوه - دخَل الكثير منهم الإسلام طواعيةً، بينما تمتَّع مَن بقي على دِينه النصراني بكامل حقوقه الإنسانية والوطنية، وعاش الجميعُ من المسلمين والنصارى في مجتمع قائمٍ على مراعاة حقوق كافَّة المواطنين، حتى إنَّنا في مصر كنَّا نسخر مِن الدعاية الإعلاميَّة التي تهدف إلى توطيدِ الوحدة الوطنية؛ لكونِها غاية في التكلف نسبةً إلى عُمق التعايش بيْن المسلمين والنصارى في واقعِهم الحياتي.

 

وفي هذا الجوِّ لَم يكن مِن الغريب أن يعتنق الكثيرُ مِن النصارى الدِّين الإسلامي، مع كثرةِ احتكاكهم واندماجهم بالمسلمين، وتحاورهم معهم في كافَّة أمور الدِّين الإسلامي بحريةٍ ودون قيود.

 

ولم نعلمْ على مدى قرون طويلة أنَّ هناك قانونًا يسمح باعتقال أو قتْل الداخلين الجُدد في الإسلام.

 

بل ولا نعلم في دِين مواطنينا مِن النصارى ما يُبيح ذلك؛ إذ إنَّ السيد المسيح - عليه السلام - لم يخبرْ قط بأنَّه لن يجيء بعدَه أحد، وإنما بشارته صريحة في مجيء رسولٍ بعده لأتباعه مِن النصارى، فقد ورد عنه في إنجيل يوحنا (الإصحاح 11: 14): "إنْ كنتم تحبُّونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب مِن الآب فيعطيكم معزيًا آخر؛ ليمكثَ معكم إلى الأبد"، وورد عنه: "ابن البشَر ذاهب، والفارقليط من بعده يَجيء لكم بالأسرار، ويفسِّر لكم كلَّ شيء، وهو يشهد لي كما شهدتُ له، فإني أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل" يوحنا (14: 16)[1].

 

فمَن كمحمد - عليه الصلاة والسلام - شهِد لعيسى وأمِّه - عليهما السلام؟!

 

بل ورَد عن المسيح - عليه السلام - أنه قال لأتْباعه: "أيُّها الأحباء، لا تصدِّقوا كلَّ روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي مِن الله؛ لأنَّ أنبياء كذبة كثيرين قدْ خرجوا إلى العالم" يوحنا (4: 1).

 

يقول أحمد ديدات - رحمه الله -:

ولم يتركِ القديس يوحنا أتباعَه معلِّقين في الهواء يخمِّنون الحقَّ مِن الباطل، ولكن أعطاهم اختبارًا حاسمًا للتعرُّف على النبيِّ الحق، فيقول: "بهذا تَعرفون الله كل رُوح يعترِف بيسوع المسيح أنَّه قد جاء في الجسد فهو مِن الله" يوحنا (4: 2)، وكلمة رُوح مرادفة لكلمة نبي.

 

فهذا المعزي الموعود، أو رُوح الحق الذي يتمثَّل في شخصه الحق، عندما يأتي سوف يشهد للمسيح ويُنصِفه، وينتصر له ممَّا افترى به عليه أعداؤه.

 

هذا هو محمد  - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأمين، نبي الحق، صاحب النجاح البارز في إبلاغِ رِسالة الله - عزَّ وجلَّ - والذي جعَل ملايين المسلمين اليومَ يؤمنون بعيسى - عليه السلام - كأحدِ أولي العزْم مِن الرسل، إنهم يؤمنون بأنَّه المسيح ويؤمنون بميلادِه المعجز، والذي لا يؤمِن به الكثير مِن النصارى، حتى الأساقفة منهم، ويُؤمنون بمعجزاته الكثيرة بما فيها إحياء الموتى بإذن الله، وشفاء الأعمى والمجزوم بإذن الله.

 

فماذا قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن المسيح - عليه السلام؟

لقد ذُكِر المسيحُ عيسى ابن مريم - عليه السلام - في القرآن الكريم بالاسم أكثرَ من 25 مرة، وكُني عنه في القرآن أيضًا بإنصاف، مثل: (عيسى ابن مريم - النبي - من الصالحين - كلمة الله - رُوح الله)؛ قال تعالى في القرآن الكريم: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [آل عمران: 45].

 

فيا لها مِن شهادة في حقِّ عيسى - عليه السلام - واقرأ هذه الآياتِ المؤثَّرة من القرآن الكريم، والتي تحمل البشارةَ إلى مريم - عليها السلام - بمجيء عيسى - عليه السلام -: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ﴾ [مريم: 16 - 22].

 

وفي الوقتِ الحاضر يوجَد أكثر مِن مليار مسلِم في جميعِ أنحاء العالَم يؤمنون بالحمْل الطاهر لعيسى - عليه السلام - عن طريقِ الإيمان بمحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - دون أيِّ إثبات آخر.

 

وفي الإنجيل أنَّ المسيح - عليه السلام - قال: "مِن ثمارهم تعرفونهم، أيُثمر الشوك عنبًا، أم العليق تينًا، كل شجرة جيِّدة تحمل ثمرًا جيدًا، وكل شجرة رديئة تحمل ثمرًا رديئًا، فما مِن شجرة جيدة تحمل ثمرًا رديئًا، وما من شجرة رديئة تحمل ثمرًا جيدًا" متى (7: 20).

 

فهذا هو الامتحان الحاسِم الذي أراد عيسى - عليه السلام - مِن أتباعه أن يُطبِّقوه على أيِّ شخص يدَّعي النبوة، وإنَّنا نجد في القرآن الكريم رسالةً كاملة متمِّمة لما جاء على لسانِ موسى وعيسى - عليهما السلام.

 

لقد سجَّلتِ التوراة والأناجيل نصوصًا كثيرة عن صفات الذي يأتي بعدَ المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - وأنَّ الذي يأتي بعدَه لا يتكلَّم إلا بالوحي، ويخبر بالحوادث والغيوب، إلى آخر البشارات التي انطبقتْ تمامًا على نبيِّ الله محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم[2].

 

وعلى إثرِ تطبيق هذا الامتحان الحاسِم وغيره مِن البشارات التي وردتْ عن نبيِّ آخِرِ الزمان يعتنق الآلافُ اليوم مِن النصارى الدينَ الإسلامي، والكثير منهم من القساوسة؛ تصديقًا منهم للسيد المسيح، وإكمالاً لرسالته، ولم نسمعْ أنَّ كنيسة أحدهم اعتقلتْه أو قتلتْه، ولو كانت بلاده تخضَع للحكم النصراني، ولو كان أحد نوَّاب بابا الفاتيكان الأسبق.

 

هذا مع كاملِ احترامنا لحرية الآخرين في أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا بتحقُّق نبوءات السيِّد المسيح في نبيِّ الله محمَّد - عليهما الصلاة والسلام.

 

أمَّا النصُّ الذي ورَد بسفر التثنية (13)، وجاء فيه:

"وإذا أغواكَ سرًّا أخوك ابن أمِّك، أو ابنُك أو ابنتُك أو امرأةُ حضنك، أو صاحبك الذي مثل نفْسَك قائلاً: نذهب ونعبُد آلهةً أخرى لم تعرفْها أنت ولا آباؤك مِن آلهةِ الشعوب الذين حَوْلك، القريبين مِنْك أو البعيدين عنك، مِن أَقْصا الأرض إلى أقصاها، فلا ترْضَ منه، ولا تَسْمَع له ولا تُشفِق عينك عليه، ولا تَرِقَّ له ولا تَسْتُره، بل قتلاً تقتُله. يدُك تكون عليه أولاً لقَتْلِه، ثم أيدي جميع الشعب أخيرًا، تَرْجُمُه بالحجارة حتى يموت؛ لأنَّه الْتَمَس أن يطوِّحك عن الربِّ إلهك الذي أخْرجك من أرضِ مصر من بيت العبودي".

 

فبرغم إقرارِه لمبدأ إقامةِ حدِّ الرِّدة الذي طالما هُوجِم الإسلام بسببه بغير حق، إلا أنَّ تساؤُلاً يمكننا أن نطرحه - من خلال تفسير القساوسة أنفسهم لهذا النصِّ - عن مدَى انطباقه على مَن يدخل الإسلام مِن النصارى؛ ذلك أنَّه لم يغوِه حبيب أو قريب مِن عامة البشَر، وإنما اتَّبع تعاليم المسيح - عليه السلام - والتي يعتقد أنَّها وحيٌ من السماء.

 

ثم إنَّه لم يعبدْ غير إله عيسى الحق؛ يقول تعالى في القرآن الكريم:﴿ وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 46].

 

وهكذا جاء كلُّ رسول مِن عند الله تعالى، يبشِّر بمَن بعده، وأنَّه سيكون نبيًّا خاتمًا، لا خلافَ على أنَّه ليس موسى ولا عيسى - عليهما السلام.

 

بل كافة النبوءات السابِقة لم تنطبقْ إلاَّ على محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - على مدَى عشرين قرنًا مِن الزمان، ومِن غير الممكن أن تنطبِق على أحدٍ بعده؛ لأنها علاماتٌ واضحة يستدلُّ بها على نبيٍّ بعينه، وفي انطباقها على أكثرَ مِن شخص تضليل للعباد عنِ النبي الحق، وحاشَا أنبياء الله - عليهم السلام - أن يفْعلوا، فما جاؤوا إلا بالصِّدق، وما كانوا إلا هُداةً مبشرين.

 

يقول لايتنر - الحاصِل على أكثرَ مِن شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت -:

"إني لأجهرُ برجائي بمجيء اليوم الذي به يحترِم النصارى المسيح - عليه السلام - احترامًا عظيمًا، وذلك باحترامهم محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا ريبَ في أنَّ المسيحي المعترِف برسالة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبالحقِّ الذي جاء به هو المسيحيُّ الصادق"[3].

 

لهذا كان الخارجُ عن دِين نبي آخر الزمان محمد - عليه الصلاة والسلام - والذي لا نبيَّ بعده - مكذِّبًا له ولجميع مَن سبقه من الأنبياء والرسل، كافرًا بربهم جميعًا، وهو ما يستحقُّ به إقامةَ الحدِّ بعد استتابته؛ إذ إنَّ إنكار نبوَّة رسول الله محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعدَ الإقرار بها أو التدين بها لا يكون إلاَّ عن جحود أو رغْبة في إثارة الفتن، وفي هذا نصٌّ صريح؛ إذ يقول رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن بدَّل دِينه فاقتلوه))؛ إسناده صحيح.

 

ومع ذلك فإنَّ المسلمين لا يُقيمون حدَّ الردة على المرتد في غير بلادِ الإسلام؛ إعمالاً لقاعدة درْء المفاسد وترجيح المصالِح، ولو فعلوا لأعلنوا ذلك إظهارًا لدِين الله الحق، ولا يكون ذلك إلاَّ مِن قِبل وليِّ الأمر بعد ثبوت البيِّنة والبرهان.

 

فبأي شرْع أو قانون يُعتقل المسلمون في بلادِ الإسلام؛ لتترك البلاد فريسةً للفتن والاتهامات المتبادلة والمظاهرات، في وقتٍ هي في أحوج ما تكون فيه للمِّ الشمل واجتماع الأمر؟!

 

فضلاً عمَّا جنَتْه الكنيسة المصرية مِن دعاية غير مسبوقة في العالَم بأَسْره باعتقالها المواطنين الواحد تلوَ الآخر، وما يشوب ذلك مِن كثيرٍ مِن الأخبار ممَّا لا قِبل لنا بإثبات صِدقها أو كذبِها.

 

ثُمَّ إذا بالبعض يزعُم أنَّه يخشى إذا حُكِّمت الشريعةُ الإسلامية ألا يأخذ مواطنونا مِن النصارى كافةَ حقوقهم، أو أن تعود بنا إلى ظُلمات العصور الوسطى، وما سادَها مِن قهْر حيث كانتِ الكنيسة تحكُم بسلطة الربِّ.

 

فأي عجب؟! ليس فقط لأنَّ الإسلام لا كنيسة فيه، ولا سلطان لبشَر على آخر، ولا أحدَ فيه يحكم بسلطة الربِّ أبدًا مهما بلغتْ مكانته، وإنما لأنَّ المسلمين لم ولن يعرفوا أبدًا في ظل تطبيق شرع الله تعالى عصورًا مظلمة، والتاريخ يشهد بأنه بينما كانتْ أوروبا في العصور الوسطى تُعاني الجهل والقهر والظلام، كان المسلمون وغيرُ المسلمين يَنْعَمون في بلادِ الإسلام بالأمن والرخاء، والعدل والعلم، حتى قال الأديبُ الألماني جوته: "إذا كان هذا هو الإسلام، أفلا نكون جميعنا مسلمين؟!".

 

ودليل ذلك بقاء النَّصارى في أوطانهم، آمنين في كنائسِهم، مطمئنِّين على إقامة شعائرهم، بل ودليل ذلك ما يَثور مِن نقاش وجدال بيْن المسلمين والنَّصارى هذه الأيَّام؛ إذ لا يمكن أن يكونَ هذا إلا نتاج الحريَّة المكفولة لجميعِ أبناء الوطن، وإنِ اتفقنا أو اختلفنا، في وسائل التعبير عنها.

 

وفي هذا المضمار يقول توماس أرنولد:

"لَم نسمعْ عن أيَّة محاولة مدبَّرة لإرغام الطوائف مِن غير المسلمين على قَبول الإسلام، أو عن أيِّ اضطهاد منظَّم قُصِد منه استئصالُ الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاءُ تنفيذَ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحيةَ بتلك السهولة التي أقْصى بها فرود وإيزابلا دِين الإسلام مِن إسبانيا، أو التي جعل بها لويس الرابع عشر المذهبَ البروتستانتي مذهبًا يُعاقَب عليه متَّبعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظلَّ بها اليهود مبْعَدين عن إنكلترا مدةَ خمسين وثلاثمائة سَنة، وكانتِ الكنائس الشرقيَّة في آسيا قدِ انعزلتِ انعزالاً تامًّا عن سائر العالَم المسيحي، الذي لم يوجدْ في جميعِ أنحائه أحدٌ يقف إلى جانبهم باعتبارهم طوائفَ خارجةً عن الدين؛ ولهذا فإنَّ مجرد بقاءِ هذه الكنائس حتى الآن يحمل في طِيَّاته الدليلَ القوي على ما قامتْ به سياسةُ الحكومات الإسلامية بوجهٍ عام من تسامح نحوهم"[4].

 

ذلك أنَّه ليس في دِين المسلمين ما يدعوهم إلى إكراهِ أحدٍ على الإسلام؛ فالله تعالى يقول: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 99].

 

ومهمَّة المسلمين في تبليغِ رِسالة الله - عزَّ وجلَّ - إلى عبادِه مِن أهل الكتاب واضحة؛ إذ يقول تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64].

 

وإنا لمسلمون:

نؤمِن بما جاء عن عبدِالله بن سلام - رضي الله عنه - وكان حبرًا يهوديًّا قبل إسلامه - قال: لما قدِم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينةَ انجفل الناس، وقيل: قد قدِم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجئتُ فيمَن جاء، قال: فلما تبينتُ وجهه عرَفْتُ أنَّ وجهه ليس بوجه كذَّاب، فكان أوَّل ما قال: ((يا أيُّها الناس، أفْشُوا السلام، وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا والناس نِيام، تدخلوا الجنةَ بسلام))؛ حسن صحيح.

 

فرُهبان الليل المختلون بربِّهم في الصلوات، لا يمكن أن يكونوا نهارًا إلا فرسانَ خير وبرٍّ وسلام.

 

ولقدْ علم مواطنونا المصريُّون مِن النصارى، كما علِم كلُّ أهل الأرض بشهادة التاريخ والواقع العملي؛ أنَّ سعادة البشرية وأمنها ورخاءها ليس في تنحية الشريعة الإسلاميَّة عنِ الحياة، وإنَّما في عودةِ المسلمين إلى دِينهم بحق.

 

ويشهَد على ذلك آلافُ المواقف لعلماءَ مسلمين ردُّوا الحقَّ لنصراني أو يهودي، أو حتى غير كتابي، ولو كان الخصمُ مسلمًا، وفي أحداث الثورة المصريَّة الأخيرة ألزم شباب الإسلاميِّين أنفسَهم بحفظ أمْن المواطنين وممتلكات الوطن، لا فرْقَ في ذلك بين مسجد وكَنيسة، ولا بيْن حُرمة مسلِم مِن مال وعرْض ودَم وحُرْمة نصراني.

 

ومَن كان هذا حالَهم لا ينتظر منهم أن يُغلِقوا آذانهم عنِ استغاثاتِ إخوانهم المعتقلين، دون أن يسْتفرِغوا الوسعَ في إطلاق سراحِهم ومنحهم حقَّ تقرير المصير، وهم في ذلك حريصون كلَّ الحرْص على أمن البلاد وقوانينها، وقد شهِد لهم الأمْن المصري بذلك حينما أرادوا أن يقِفوا احتجاجًا للتعبير عن قضيتهم، ولفت الأنظار إليها، فكانتْ وقفتهم سلميةً، يتواصون بينهم: أن أعطُوا الطريق حقَّه، وألاَّ تتعطَّل مصلحة مواطن، وألا يُعرقَل رجلُ أمْن عن أداء مهمَّته.

 

وهم على عهدهم ما زالوا يسلكون كافةَ الطرق القانونيَّة في احترامٍ كاملٍ لقوانين البلاد وأمنها، ونحن نأمل أن تنفرِج هذه الأزمة بصدور حُكم يأذن بعهدٍ جديد لا ظلمَ فيه، عهد قوامُه معرفة كل مواطن بحقوقه وواجباته، والتزامه بها.

 

نُريد أن نتنسمَ هواءَ الحرية الحقيقي، لا يُعكِّر علينا فيه صفوَ وحدتنا الوطنية وسلامَ معيشتنا شيءٌ، نريد أن نتركَ لأبنائنا مستقبلاً واعدًا بتحقيقِ آمالهم وأمنهم وحريتهم.

 

من مراجع المقال:

• كتاب: قالوا عن الإسلام، إعداد الدكتور عماد الدين خليل.


[1] هؤلاء عرفوا الحق.

[2] مناظرات أحمد ديدات - رحمه الله.

[3] من كتاب"دين الإسلام" للباحِث الإنجليزي: لايتنر Lightner: باحث إنكليزي، حصَل على أكثرَ مِن شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت، وزار الإستانة عام 1854، كما طوَّف بعدد من البلاد الإسلامية، والْتقى برجالاتها وعلمائِها.

[4] كتاب الدعوة إلى الإسلام: تأليف توماس أرنولد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ذبح كاميليا على موائد الوحدة الوثنية
  • هل تصحح مأساة كاميليا مسار أمة؟
  • أزمة "كاميليا شحاتة".. فضائح بعضها فوق بعض!
  • في معركة "كاميليا" هل انتصر الجلادون؟

مختارات من الشبكة

  • أحكام الحركة التي ليست من جنس الصلاة(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • امرأة ليست ككل النساء(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • بكل المقاييس ليست رحلة عادية(مقالة - ملفات خاصة)
  • ليست كل الأنا أنانية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خطيبتي ليست بيضاء(استشارة - الاستشارات)
  • اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بمزايا ليست لأحد من العالمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعايش، التسامح، عيد ميلاد سعيد: ليست كلمات بسيطة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإيجابية ليست أحلاما وردية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حديث: من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • الوهابية ليست فرقة ولا جماعة ولا مذهبا جديدا (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب