• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / العيد سنن وآداب / خطب
علامة باركود

خطبة عيد الأضحى المبارك 1444 هـ

خطبة عيد الأضحى المبارك 1444 هـ
عبدالوهاب محمد المعبأ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/6/2023 ميلادي - 8/12/1444 هجري

الزيارات: 12392

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عيد الأضحى المبارك 1444ه‍

 

الحمد لله لا ندَّ له ولا نظيرَ يُساميه، ولا عديل له ولا مثيل يُدانيه، أحمَده حمدَ معترفٍ بجزيل نِعَمِهِ وأعَاطِيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تعصم صاحبها وتُعليه، وتقرِّبه لمولاه وتُدنيه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، من اتبعه فلا البدع تستهويه، ولا الخرافة تغويه، صلى الله وسلم عليه وعلى الخيرة المصطفَين من آله، والمقتدين بشرف فعاله وكريم خصاله؛ أما بعد:

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر عدد ما أزهرت الأزهار، الله أكبر عدد ما أثمرت الأشجار، الله أكبر عدد ما سالت الأودية بالأمطار، الله أكبر عدد ما غرَّدت الأطيار، الله أكبر عدد ما لبَّى الملبون من الحُجّاج والعُمَّار، الله أكبر كم أعتق الله برحمته عبدًا من النار! الله أكبر كم تجاوز عن الذنوب والأوزار!

 

يا أيها المسلمون: هنيئًا لكم عيد الأضحى المبارك، وقد هبَّ نسيمه مسكًا عَبَقًا، وخيرًا غَدَقًا، هنيئًا لكم يوم الحج الأكبر، هنيئًا لكم يوم الجمع الأعظم، يوم يُهراق فيه الدم، والرمي والنحر والطواف في صبيحته، فما أعظمه من يوم! وما أكرمه من جمع!

 

فها هم الحجيج في المسجد الحرام والمشاعر المقدسة تبتهل وتضرَّع، وتنادي ربها وتخشع، قد طمِعت في رحمته وغفرانه، وكرمه ورضوانه، وعطائه ونَواله، وهو الرحيم التواب، الكريم الوهاب، يفتح بابًا، ويقبل متابًا، ويُعتق رقابًا، فسبحان من خضع له كل شيء! وسبحان من دان له كل شيء!

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

معاشر المؤمنين الكرام: يومكم هذا يوم عظيم مبارك، رفع الله قدره، وأعلى شأنه وذكره، وسمَّاه يوم الحج الأكبر، يوم العَجِّ والثَّجِّ، يوم النحر والشكر، يوم التكبير والذكر، يوم العيد السعيد، هو أفضل الأيام عند الله وأعظمها، وأجَلُّها وأشرفها.

 

ثم اعلموا - يا عباد الله - أن العيد شعيرة من شعائر الله المجيدة، ومناسبة غالية من المناسبات السعيدة، فأسعد الله أيامكم، وبارك الله أعيادكم، وأدام الله أفراحكم، وتقبل الله منا ومنكم، وبشراكم - بإذن الله - أجرًا عظيمًا، وفضلًا كبيرًا. ولِمَ لا؟ فربكم جل وعلا محسن كريم، لا يضيع أجرَ مَن أحسن عملًا.

 

والعيد: قطعة من الزمن خُصِّصت لنسيان الهموم، واطِّراح الكُلَف، واستجمام القُوى الجاهدة في الحياة، مهما كانت ظروف الأمة؛ فالفرح بالعيد والأُنس به تعبُّدٌ لله نحن مأمورون به، ولا يعني نسيان قضايانا وجراحنا النازفة، وهذا من عظمة هذا الدين وكماله.

 

وإلا فالعيد يأتي وأمتنا تعاني من جراحات غائرة، وأزمات حالكة، وأحوال قاهرة، فكم في أمتنا من شريد وطريد، وحزين كئيب، قد افترش الهمَّ وتوسَّد القلق، وحسيرٍ وكسيرٍ قد غُصَّ بِرِيقِهِ وخنقَتْهُ عَبرتُه!

 

ولقد ادلهمَّت بنا الهموم جميعا وتجرعنا الغُصَصَ والغموم، وذاق الكثير من الناس هوانًا عظيمًا، وتداعت علينا المنغِّصات والبلايا المتعددة، كما تداعى الأكَلَةُ إلى قصعتها.

 

عباد الله، أحداث وتقلبات، وتغيرات ومفاجآت، مِحَنٌ عِظام، ونوازلُ جِسام، مصائب في إثْرِ مصائب، وأحزان تعقبها أحزان، حروب وفتن، قتل مباح، وعرض مستباح، وانتهاك للحقوق كل صباح، أعداء متصالحون، وقتلة متواطئون، وكَذَبة لا تحركهم إلا لغة الأطماع والمصالح، ونيران الحروب يزداد شَرَرُها، ولا تُعلم نهايتها.

 

لنتجاوز حديث الآلام، ولْنَطْوِ صفحاتِ الأحزان؛ فلن نعكِّرَ فرحة العيد بتَعداد المآسي، فلكل حال مقال؛ فالفرح اليوم عبادة عظمى، وإسعاد النفس ولهوُها المباح له في الدين معنًى.

 

ولكن دعونا مع فرحة يوم الشعائر نفتح صفحةً غائبةً عن المشاعر؛ أن نتعبد الله بإحسان الظن به سبحانه، وذلك من خلال التفاؤل الحسن بانتظار الفَرَجِ وكشف الكرب؛ فـ:

اليأس يقطع أحيانًا بصاحبه
لا تيأسنَّ فإن الفارج اللهُ
اللهُ يُحدِث بعد العسر ميسرةً
لا تجزعنَّ فإن الكافيَ اللهُ
والله ما لك غير الله من أحدٍ
فحسبُك الله في كلٍّ لك اللهُ

 

هل تعلمون - أيها الأحبة - أن هناك عبادةً عظيمةً تسمى: انتظار الفرج، وتأملوها في ثنايا: "إن الله جاعلٌ لِما ترى فرجًا ومخرجًا"، هي عبادة الأنبياء، وهي زاد الأولياء، وهي سَلْوة الأتقياء؛ لأنهم أشد الناس في البلاء، أنيسُهم هو الإيمان الراسخ بوعد: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وينتظرون وعد: ((وأن ‌الفرج ‌مع ‌الكرب، وأن مع العسر يسرًا))، ولسان حال قلوبهم: ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].

هي ‌الأيام ‌والغِيَرُ
وأمرُ الله يُنتظَر
أتيأس أن ترى فرجًا
فأين اللهُ والقَدَرُ

 

 

ننتظر الفرج بحسن ظنٍّ بالله الذي لا ينقطع به الرجاء، فمهما اشتد الظلام، فلا بد أن يعقُبَه ضياء، فمعاناة الألم لا بد لها من شفاء، وسطوة الفقر لا بد لها من جلاء، وشدة الضيق عاقبتها إلى سَعَة ورخاء، هكذا علَّمنا القرآن، فمن الذي حمل نوحًا في الفلك؟ ومن الذي نجَّى إبراهيم من النار؟ ومن الذي ردَّ يوسف ليعقوب؟ ومن الذي فلق لموسى البحر؟ ومن الذي شفى أيوب من الضر؟ ومن الذي حفِظ يونس في بطن الحوت؟ ومن الذي رفع عيسى إلى السماء؟ ومن الذي أنزل السكينة في الغار؟ فإذا علمنا أنه ليس لها من دون الله كاشفة، فأين نذهب؟ وبمن نستغيث؟ وإلى من نلجأ؟ ﴿ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر: 38].


وإني لأرجو الله حتى كأنني
أرى بجميل الظن ‌ما ‌الله ‌صانعُ

أيها المسلمون، تقول العرب: "دوام الحال من المحال"، ويقولون: "اصبِرْ تَنَلْ"، ويقولون: "كلُّ همٍّ إلى فرج".

إذا أنت لم تشرب مرارًا على القَذَى
ظمئت وأيُّ الناس تصفو مشاربه؟

إذا أُصِبْتَ بمصيبة، أو نزلت بك نازلة، فتذكر أن أصعب ما في المصيبة أولها، ثم تهون، وتذكَّر أن وقت الشدة سيزول ويذهب، وأن الصبر عند الصدمة الأولى.

 

حكَوا أن ملكًا من ملوك الهند طلب من وزير له أن ينقش على خاتم له جملة، إذا قرأها وهو حزين فرِح، وإذا قرأها وهو سعيد حزِن، فنقش الوزير: "هذا الوقت سوف يمضي".

 

دَعِ الأيام تفعل ما تشاء
وطِبْ نفسًا إذا حكم القضاءُ
ولا تجزع لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاءُ

 

يا أهل العيد، مما يجب التذكير به في هذه الأجواء البهيجة، واللحظات السعيدة شعائر وواجبات؛ أولها وظيفة العمر، وملاذ الروح؛ الصلاة؛ لأن أول ما يحاسَب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئًا؛ قال الرب عز وجل: ((انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل منها ما انتقص من الفريضة))، فلا عيد لقاطع الصلة بربه، ولا سعادة لمتهاون عن أداء فرضه، ومن ضيَّعها، فقد برئت منه ذمة الله.

 

الصلاة - يا عباد الله - غذاء شجرة الإيمان، وتزكية لأخلاق الإنسان: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]؛ فصلاة العبد إحسانه إلى نفسه، بها يترقى في مدارج الكمال، ومراقي الجلال.

 

وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، ومن كانت عنده مظلمةً لأخيه من عِرْضِه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل ألَّا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخِذَ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أُخِذَ من سيئات صاحبه فحُمِلت عليه، ثم طُرِح في النار.

 

ولا يزال المؤمن في فُسْحة من دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا، ولَزوالُ الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حقٍّ، فانجوا بأنفسكم من ورطات الأمور، وتجنبوا الوقوع في إزهاق النفوس؛ فالجزاء لعنة الله وغضبه والشقاء العظيم، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار، ولا يرمي رجل رجلًا بالفسق أو الكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك، والسِّباب واللعان ذنوب وكبائرُ، وذَهاب للمروءة والأخلاق، وحسن الخُلُق، وحسن الجوار، يعمُران الديار، ويزيدان في الأعمار، ويرفعان وينفعان الإنسان.

 

عباد الله، إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم، يغري بعضهم ببعض بما يوجب الفُرقة، وتنافر القلوب، وحصول الهجران، وسوء الظن، وتبادل التُّهم، والتلاسن والفجور في الخصومة، فكفُّوا عن التشاحن والتشاجر، والاختلاف والخصام، واعفوا واصفحوا، ولا تكونوا ممن يصر على البغي والقطيعة، واليوم هو يوم التوسعة على الأنفس، فنفِّسوا عن مكنونات صدوركم، ومستودعات قلوبكم، وأخرجوا منها ما علِق من الحقد والغل والحسد، ثم وسِّعوا على أنفسكم وأهليكم بتوسعة دوائركم ومساحاتكم؛ بحسن التواصل، والمصالحة، والمسامحة، واستعينوا على ذلك ببذل السلام، ومدِّ جسور المحبة والوئام، ونبذ التنازع والخصام، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا.

 

عودوا المريض، وصِلوا الرحم، وأطعموا الجائع، وأعطوا الفقير، وفكُّوا العاني الأسير، ووفُّوا حق الأجير، واحنوا على الوالدين، وأحسنوا إليهما، زُوروا كبار السن من جيرانكم وأصدقاء آبائكم، وأدخلوا البسمة والفرحة عليهم بالسلام والسؤال.

 

يا أهل العيد، العيد فرحة تشمل الغني والفقير، ومساواة بين أفراد المجتمع، كبيرهم وصغيرهم، تتصافى فيه القلوب، وتتصافح الأيدي، ويتبادل الجميع التهاني.

 

فاجعلوا عيدكم هذا اليوم منطلقًا لِوَأْدِ القطيعة، وطيِّ صحيفة الشقاق والنزاع، فمن بشاشة عند اللقاء، ولين في المعاملة، إلى صلة لمن قطعك وإحسان لمن أساء إليك؛ ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35]، بروا الأرحام، وواسوهم، تفقدوا أحوالهم، خاصة في مثل هذه الأحوال الصعبة، والظروف القاسية، فربكم جل وعلا أمر بصلتهم وإعطائهم من أموالكم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].

 

﴿ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النحل: 90]؛ أي: إعطاء القرابة ما تدعو إليه حاجتهم، وخص ذوي القربى؛ لأن حقهم آكَدُ، ورغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في البذل والصدقة لهم؛ فقال: ((الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة))؛ [رواه ابن ماجه].

 

قال النووي رحمه الله: "صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول؛ فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيارة، والسلام، وغير ذلك".

 

عباد الله؛ واستوصوا بالنساء خيرًا، عاملوهن بالمحبة والتقدير، والإكرام والاحترام، واحذروا التسرع في الفراق والطلاق، واحفظوا أولادكم، وأحسِنوا أدبهم وتربيتهم، وأنفقوا عليهم؛ فإن أفضل النفقة نفقةُ الرجل على أهله وعياله؛ ففي الحديث: ((دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك)).

 

غُضُّوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، واتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، والمرأة المتبرجة السافرة المتعطرة التي تفتن الرجال بزينتها وملابسها متوعَّدة بالنار وغضب الجبار.

 

والراشي والمرتشي والساعي بينهما ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومن غش المسلمين، فليس منهم، والخداع والمكر في النار، ومن استُعْمِل على عمل، فلْيَجِئْ بقليله وكثيره، ولا يكتُم منه شيئًا، فإن كتم، كان غُلُولًا يأتي به يوم القيامة.

 

فاجتنبوا في جمعكم للأموال المسالكَ المعوجَّة، والطرق الملتوية، والمخالِفة للأحكام القرآنيةـ والتوجيهات النبويةـ والقواعد الشرعية.

 

أيها المسلمون: قضية فلسطين قضية كل مسلم، ومما يسلِّي المؤمن أن نصر الله قادم، ووعده صادق، متى قام المسلمون منتصرين للإسلام، معتمدين على الملك العلَّام، مستمسكين بحبله المتين؛ جاء في المسند وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوِّهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لَأْواء، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس)).

 

عباد الله؛ لفتة مهمة؛ بسبب أفلام العنف والقتال، انتشرت الجريمة بين الشباب، وامتلأت السجون إلى الباب.

 

وبسبب برامج الفكر والحوار، انتشرت الأفكار المتطرفة، بين إلحاد خطير، وبين غلوٍّ وتكفير.

 

انتشر التدخين والخمر والمخدِّرات في المجتمعات، وظهرت أشياءُ تخالف الدين والعادات، حتى أصبحت بعض البُلدان الإسلامية العربية نسخةً من البلاد الكافرة الغربية، وأصبحنا نرى على أولادنا قصات شعر غريبةً، وملابسَ وقلائدَ وأساور عجيبةً، وتغيَّر حجاب المسلمة الأسود الساتر، واعتادت العين أن ترى الاختلاط السافر، وتغيرت الأفكار والمفاهيم، بطريقة يحتار فيها الحليم، فهل علمتم ما الذي حدث في البلاد، عندما ظهرت قنوات الرذيلة والفساد، وأدمن أبناؤنا وبناتنا الشاشات والنت والجوال؟

 

يا شبابنا، نصيحة من قلبي الدامي إلى قلوبكم الطيبة الصادقة، الإسلام يحتاج إليكم ليستعيد قوته، ووطنكم يريدكم ليحفظ أمنه وسعادته، ومجتمعكم يناديكم ليبني حضارته ونهضته، إن أيامك غالية؛ فلا تفرط منها ولو بدقيقة، ارفع نفسك بالصالحات، واجعل بينك وبين الله تعالى طاعات، اجعل بينك وبينه خلوات، اجعل بينك وبينه دعوات، اجعل بينك وبينه دمعات، فلا هداية إلا من طريقه، ولا توفيق في الدنيا والآخرة إلا بسببه، وهو يحب التائبين.

 

((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)).

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه؛ إنه كان للأوابين غفورًا.

 

الخطبة الثانية

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، عمَّ الوجود بفضله، ووسع الخلق برحمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُالله ورسوله؛ فاللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

 

فيا أيها المسلمون، لقد شرع الله لنا في هذا اليوم المبارك ذبحَ الأضاحيِّ؛ تقربًا لله وزلفى؛ قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].

 

ضحُّوا - عباد الله - وطيبوا نفسًا بضحاياكم، واذكروا الله على ما رزقكم وهداكم، فإنه ما عُبِدَ الله في يوم النحر بمثل إراقة دم الأضاحي، وإن الدم لَيقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض.

 

عباد الله، لا يصعد إلى الله اللحم، الله غنيٌّ عنا وعن لحومنا: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37]، فهذا هو الذي يصعد إليه؛ ولذلك أخلِصْ في الأُضحيَّة، وإياك والمفاخرةَ بكثرتها أو غلاء أسعارها؛ فإنها من أجَلِّ الشعائر.

 

يُسَنُّ - أيها المؤمنون - إذا رجع الإنسان من المصلَّى يوم الأضحى أن يبدأ قبل كل شيء بذبح أضحيته، والسُّنة أن يتولى المضحي ذبحها بنفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثًا وستين بَدَنَةً بيده الشريفة، ثم أعطى عليًّا رضي الله عنه فنحر الباقي، إن تيسَّر له، وإلا وكَّل غيره، ويستمر الذبح إلى غروب يوم الثالث عشر من أيام التشريق من ليل أو نهار.

 

فإذا أضجَعْتَ أضحيتك - بعدما تسوقها سَوقًا رفيقًا، ووجَّهتها إلى القبلة، وبعدما تُحِدُّ السكين - فاذكر اسم الله وكبِّر، وسمِّ من هي له، ولا تذبح واحدةً بحضرة الأخرى، وهذا من الرفق بالحيوان، فإذا ذبحت - يا عبدالله - فلا تسلخ إلا بعد التأكد من موتها.

 

والأفضل للمضحي أن يأكل منها ويتصدق ويُهديَ، والأمر في ذلك واسع، ولا يجوز بيع شيء منها؛ لأنها أُخرجت لله تعالى، ولا يعطى الجازر أجرته منها.

 

والذي يحب لمجتمعه ما يحب لنفسه، فلا يَدَعْ بقايا ضحاياه تؤذي المسلمين في طُرُقهم وظلِّهم، وإنما يريح المسلمين من بقاياها وروائحها بالطرق المناسبة.

 

وما أجمل أن نرسُم صورة التكافل والتآلف، فنهدي من ضحايانا لبيوت وجيران لا يجدون ما ينفقون، وهم لهم حق علينا! فارسموا على وجوههم البسمة، وأدْخِلوا عليهم السرور بأضحية يذبحونها ويفرحون بها.

 

ويُسَنُّ لكم في هذه الأيام الفاضلة أن تُكْثِروا من ذكر الله جل وعلا، وتكبيره وتهليله وتحميده، والتكبير يكون جهرًا في أدبار الصلوات، وفي جميع الأوقات، إلى آخر أيام التشريق.

 

أسأل الله تعالى أن يقبل منا ومن الحجاج، وأن يعينهم على أداء نسكهم بسلامة وقبول، وأن يجعلنا وإياهم ووالدينا والمسلمين في هذا اليوم العظيم من عتقائه من النار، وأن يمُنَّ علينا بصلاح القلوب والأعمال، إنه سميع مجيب.

 

اللهم أعِدْ علينا هذا العيد أعوامًا عديدةً، وأزمنةً مديدةً، ونحن ننعَم في حُلَلِ السعادة والطمأنينة، والأمن والأمان، يا ذا الجلال والإكرام.

 

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة عيد الأضحى 1441هـ (اليوم عيدنا)
  • خطبة عيد الأضحى المبارك 1442هـ
  • خطبة عيد الأضحى
  • خطبة عيد الأضحى المبارك 1443هـ
  • خطبة عيد الأضحى وبيان لفضل وأحكام أيام التشريق ومختصر أحكام الأضاحي
  • خطبة عيد الأضحى 1444 هـ

مختارات من الشبكة

  • عيد الأضحى فداء وفرحة (خطبة عيد الأضحى المبارك)(مقالة - ملفات خاصة)
  • (هذا العيد يخاطبكم) خطبة عيد الأضحى 1444 هـ(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الأضحى 1443 هـ (العيد وصلة الأرحام)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • (لمن فرحة العيد؟) خطبة عيد الأضحى 1442 هـ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عيد الأضحى المبارك 1438 (الفرحة بالعيد لا تنسينا يوم الوعيد)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الأضحى: العيد وثمار الأمة الواحدة(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة يوم عيد الأضحى 1441هـ (هذا عيدنا)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الأضحى 1440هـ (من مقاصد العيد)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عيد الأضحى عام 1438هـ (وحدة العيد)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الأضحى 1436هـ (عيد النحر)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب