• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / خطب رمضان والصيام
علامة باركود

خير من ألف شهر (خطبة)

خير من ألف شهر (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/4/2023 ميلادي - 22/9/1444 هجري

الزيارات: 10987

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خير من ألف شهر


الحمد لله المتوحِّدِ في الجلال بكمال الجمال تعظيمًا وتكبيرًا، المتفرِّدِ بتصريف الأحوالِ ‏على التفصيل والإجمال تقديرًا وتدبيرًا، المتعالي بعظمته ومجده، الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العظيم التواب، الغفور الوهاب، الذي خضعت لعظمته الرقاب، وذلَّت لجبروته الصعاب، ولانَتْ لقُدْرته الشدائد الصِّلاب، رب الأرباب، ومسبب الأسباب، ومنزِل الكتاب، وخالق خلقه من تراب، غافرُ الذنب، وقابلُ التوب، شديدُ العقاب، ذو الطول، لا إله إلا هو، عليه توكَّلْتُ، وإليه متاب.

 

وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، إمام الأنبياء، وسيد الحنفاء، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، الذين آمنوا وهُدُوا إلى الطيِّب من القول، وهُدُوا إلى صراط الحميد.

﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 2].

 

أنتِ في الدَّهرِ غرةٌ وعلى الأرْ
ضِ سلامٌ وفي السماء دعاءُ
يتلقَّاك عند لُقياك أهلُ الْ
بِرِّ والمؤمنون والأصفياءُ
فلهم في النَّهار نَجوى وتَسبي
حٌ وفي الليل أدمُعٌ ونداءُ
ليلةُ القدرِ عندهم فرحةُ العُمْ
رِ تدانَت على سناها السَّماءُ
في انتظارٍ لنورها كلَّ ليلٍ
يتمنَّى الهُدى ويدعو الرَّجاءُ
وتعيش الأرواح في فلقِ الأشوا
قِ حتَّى يباحَ فيها اللقاءُ
فإذا الكون فرحةٌ تغمُرُ الخلْ
قَ، إليه تبتَّل الأتقياءُ
وإذا الأرضُ في سلامٍ وأمنٍ
وإذا الفجرُ نشوةٌ وصَفاءُ
وكأنِّي أرى الملائكةَ الأبرا
رَ فيها وحولَها الأنبياءُ
نَزَلوا فوقها من الملأِ الأعلى
فأين الشَّقاءُ والأشقياءُ

 

إنها الليلة المباركة، وأفضل ليالي الدهر، وخير ساعات العمر، فلو قُدِّر للعبد أن يجتهد ويواصل عبادة ربه قرابة أربعة وثمانين عامًا ليس فيها ليلة القدر؛ لكان قيامه ليلة القدر وحدها خيرًا من هذه السنوات الطوال، وهذا من عظيم فضل الله وإنعامه على هذه الأُمَّة، وفتح السبيل للمنافسة وسلوك الطرق السريعة المحصِّلة للكثير من الخير، بالقليل من الجهد مع الثقة بالله وحُسْن الظَّنِّ به.

 

وليلةٍ من ليالي العُمْرِ خالدةٍ
يَفنَى الزمانُ ولا تَفنَى لذاذتُها
كأنها حُلُمٌ بل إنَّها حُلُمٌ
لولا تَقلُّبُ عينِي وانتباهتُها

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ»[1].

 

قال الإمام مالك: بلغني أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ ألَّا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»[2].

 

أَطِلِّي عَلَيْنا مِنْ سَمائِكِ كالبَدْرِ
فلَيْلُ السُّرَى مِنْ حَوْلِنا تائِهُ الفَجْرِ
أَطِلِّي فَفِي طَياتِكِ النورُ والهُدى
هُوَ البَلسَمُ الشَّافي لأدْوائِنا الكُثْرِ
ويا ذِكْرَياتِ المجْدِ سِفْرُك حافِلٌ
تُطَالِعُنا آياتُهُ ليلةَ القدرِ

الليلة الموعودة المشهودة، التي سجَّلها الوجود كلُّه، والكونُ أجمعُه، في فرح وغبطة وابتهال للكبير المتعال، إنها ليلةُ الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى، ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثلَه في عظمته، وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية جميعًا ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1].

 

والليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتُها حدودَ الإدراك البشري، ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 2] إنها من العظمة حيث لا تحيط بها العقول، ولا تتصوَّرها الأذهان، ولا تبلغها الأوهام.

 

﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3] فكم من آلاف الشهور، وآلاف السنينَ قد انقضت دون أن تترك في الحياة بعض ما تركته هذه الليلة المباركة السعيدة من آثارٍ وتحوُّلات؟!

 

مَا نَبَا سَيْفِي وَلا دَهْرِي أَبَى
مُذْ تَخِذْتُ اللَّهَ -فَذًّا- مَأْرَبَا
وَتَوَجَّهْتُ إِلَى كُرْسِيِّهِ
أَرْمُقُ العَرْشَ، وَتَقْدِيسِي رَبَا
مُسْلِمًا جِسْمِي وَرُوحِي لِلسَّنَا
وَخَلايَايَ تَعِيشُ الطَّرَبَا
غَمَرَ الأَكْوَانَ بِالنَّشْوَةِ فِي
لَيْلَةِ القَدْرِ سُمُوًّا مُجْتَبَى
وَتَجَلَّى النُّورُ فِي قَلْبِي رِضًا
فَاضَ إِنْعَامًا وَأَسْدَى وَحَبَا

 

﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 2]، آيات تكاد ترف وتنير؛ بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود؛ نورِ الله المشرقِ في قرآنه، وإفاضة هذا النورِ على الوجود كلِّه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1] ونورِ الملائكة والروح وهم في غدوِّهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض والملأ الأعلى، وانتشارِهم فيما بين السماء والأرض، في هذا المهرجان الكوني، الذي تصوُّره كلمات السورة تصويرًا عجيبًا: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر: 4]، ونورِ الفجر الذي تعرضه النصوص متناسقًا مع نُور الوحي ونور الملائكة، وروحِ السلام المرفرف على الوجود، وعلى الأرواح السارية في هذا الوجود، وإسباغِ السلامِ الذي فاض من روح الله على الضمير البشري والحياة الإنسانية، وبما تضمنه هذا القرآن من عقيدة وتصوُّر وشريعة وآداب تشيع السلام في الأرض والضمير: ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 5].

 

ولقد تغفل البشرية -لجهالتها ونكد طالعها- عن قدر ليلة القدر، وعن حقيقة ذلك الحدث، وخسرت السعادة والسلام الحقيقي -سلامَ الضمير، وسلامَ البيت، وسلامَ المجتمع- الذي وهَبَها إيَّاه الإسلامُ.

 

﴿ سَلَامٌ هِيَ ﴾ لقد انطفأ النور الجميل الذي أشرق في رُوحها مرة، وانطمست الفرحة الوضيئة التي رفت بها وانطلقت إلى الملأ الأعلى، وغاب السلام الذي فاض على الأرواح والقلوب، فلم يُعوِّضها شيء عن فرحة الروح ونور السماء وطلاقة الرفرفة إلى عليِّين ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 2]

 

دَعَا رَمضانُ الخَيْرِ كل مُرابِطٍ
لَدَيْه فَلَبَّى المؤمنونَ على الإثْرِ
وطافَتْ بهم ريحُ الجِنانِ عَليلةً
تَهُب مِنَ الرحَمنِ ذائِعَةَ النَّشْرِ
تَنَفسَ فيها الخُلدُ حينَ تفتحَتْ
أزاهيرُهُ البَيْضاءُ في ليلةِ القَدْرِ

 

إنها ليلةُ القدر! ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4] لقد فُرِق فيها من كل أمر حكيمٍ، وقد وُضِعت فيها من قِيمٍ وأُسُسٍ وموازين، وقد قررت فيها من أقدارٍ أكبر من أقدار الأفراد، أقدار أُمَم ودول وشعوب؛ بل أكثر وأعظم، أقدار حقائق وأوضاع وقلوب!

 

فَطُوبى لِمَنْ يَحْظى بِشَمِّ عَبيرِها
فَيَسْجُدُ مَغْشيًّا عَلَيْهِ مِنَ البِشْرِ
ويَضرعُ في حُبٍّ ويَبكي من الجَوَى
ويَكْتُمُ أشواقًا تَأجَّحُ كالجَمْر
ويُصْغِي إلى صَوْتِ السماءِ كأنَّهُ
صَدى خَفَقاتِ القَلبِ يَنْبِض في الصَّدْرِ

 

﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 2] لَيْلَةٌ يُفْتَحُ فِيهَا الْبَابُ، وَيُقَرَّبُ فِيهَا الأَحْبَابُ، وَيُسْمَعُ الْخِطَابُ، وَيُرَدُّ الْجَوَابُ، وَيُسْنَى لِلْعَامِلِينَ عَظِيم الأَجْرِ ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 5].

 

يَسْعَدُ بِهَا الْمُوَاصِلُ، ويفوزُ معها الواصل، وَيُسمعُ فِيهَا السائلُ، وَيُقْبَلُ فِيهَا الْعامِلُ، فَيَا رِبْحَ الْمُعَامِلَ فِي البرِّ والْبَحْرِ ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾.

 

لَيْلَةٌ تُتَلَقَّى فِيهَا الْوُفُودُ، وَيَحْصُلُ لَهُمُ الْمَقْصُودُ، بِالْقَبُولِ وَالْفَوْزِ وَالسُّعُودِ، أَتُرَى مَا يُؤْلِمُكَ أَيُّهَا الْمَطْرُودُ ظلامُ الْهَجْرِ؟ ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾.

 

أَخْلَصُوا وَمَا أَخْلَصْتَ قَصْدَكَ، وَبَلَغُوا الْمُرَادَ وَمَا بَلَغْتَ أَشُدَّكَ، وَكُلَّمَا جِئْتَ بِلا نِيَّةٍ رَدَّكَ، أومَا يُؤَثِّرُ عِنْدَكَ شَدِيدُ هَذَا الزَّجْرِ؟ ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾.

 

أَيْقِظْ نَفْسَكَ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَانْتَظِرْ مَا سَيَأْتِي عَنْ قَلِيلٍ إِلَيْهَا، وَأَسْمِعْهَا نحيبَك فَقَدْ حَضَرَتْ لَدَيْهَا، وتضرع في ظلمات الليل إذا يسري ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾.

 

ليلةٌ يَرْبَحُ فِيهَا مَنْ فَهِمَ وَدَرَى، وَيَصِلُ إِلَى مُرَادِهِ كُلُّ مَنْ جَدَّ وَسَرَى، وَيُفَكُّ فِيهَا الْعَانِي وَتُطْلَقُ الأَسْرَى، أيتَقَدَّمُ الْقَوْمُ وأنت راجع إلى ورا، أو ليس كُلُّ هَذَا قَدْ جَرَى، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾.

 

فوا أسفى كم ذا التكسل والونا
تغافلتَ يا مغرور عن ليلة القدرِ
وقومٌ على باب الكريمِ وقُوفُهم
يناجون مولاهم قيامًا إلى الفجرِ
فيا حسنَهم والليلُ أسدلَ جُنْحَه
وأدمُعهم تهمي كمنسكب القَطرِ
أطالوا على باب الكريم وقوفَهم
ومن لازم الأبواب يظفر بالبِرِّ

 

﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾ إنها لَيْلَةُ الإِنَابَةِ، ولحظات الإصابة، فِيهَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ الإِجَابَةِ، ويؤذنُ لمن يرجو كرمَ ربِّه وثوابَه.

 

فأَيْنَ اللائِذُ بِالْجَنَابِ؟! أَيْنَ الْمُتَعَرِّضُ بِالْبَابِ؟! أَيْنَ الْبَاكِي عَلَى مَا جَنَى؟! أَيْنَ الْمُسْتَغْفِرُ لأَمْرٍ قَدْ دَنَا؟!

 

فحيَّهلا إن كنتَ ذا همَّةٍ فقد
حدا بك حادي الشوق فاطوِ المراحلَا
ولا تنتظر في السير رفقةَ قاعدٍ
ودعْهُ فإن العزم يكفيك حاملًا
وخذ قبسًا من نورهم ثم سر به
فنورهم يهديك ليس المشاعلا
وخذ منهم زادًا إليهم وسر على
طريق الهدى والحب تصبح واصلا
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي
ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلًا

 

فيا هِمَم المحبِّين بغير الله لا تقنعي؛ ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148] ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾ [آل عمران: 133]، ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾ [الحديد: 21]، ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ﴾ [التوبة: 100]، ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾ [الواقعة: 10]، ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ﴾ [الأنعام: 14]، ﴿ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 51]، ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 32]، ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 61]، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ﴾ [الأنبياء: 90].

 

ومن وقعت عليه غبرة في طريقنا؛ لم تقع عليه قتَرة فراقنا، ومن خطا خُطوة إلينا؛ وجد حظوة لدينا، ومن نقل نحونا قدَمَه؛ غفرنا له ما قدَّمه، ومن رفع إلينا يدًا؛ أجزلنا له رغدًا، ومن التجأ إلى سُدَّة كرمنا؛ آويناه في ظلِّ نِعَمِنا، ومن شكا فينا غليلًا؛ مهَّدْنا له في دار فضلنا مقيلًا.

 

خَزَائِنُهُ مَلْأَىٰ وَلِلكَوْنِ مُهْجَةٌ
عَلَىٰ بَابِهِ تَدْعُو وتَرْجُوْهُ رَحْمَتَهْ!
هُوَ الآمِرُ ادْعُوْنِيْ وَمَا خَابَ مَنْ دَعَا
وَأَجْرَىٰ عَلَىٰ خَدِّ التَّسَابِيْحِ دَمْعَتَهْ!

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله، الحمدُ لله الصادقِ في القِيل، الهادِي إلى الحقِّ بالحُجَّة والدليل، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه على إنعامِه الوافِر وفضلِه الجَزيل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو حسبنا ونِعْمَ الوكيل.


وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه المُؤيَّدُ بمُعجِزات التنزيل، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِهِ وأصحابِه الذين سارُوا على النَّهج واستقامُوا على السبيل، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فيا أيها المسلمون، ما أسرعَ مُرورَ الأيام وتعاقُبَها، وانقِضاءَ السنينَ وتلاحُقَها! وابنُ آدم يُنذِره يومُه وأمسُه، ويتعاقَبُ عليه بالعِبَر قمرُه وشمسُه! أين من كان معنا في العام الماضي؟! أصابَتهم سِهام المَنون المواضي ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر: 37]، ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [يونس: 45].

 

هَلِ الدَّهْرُ إِلَّا سَاعَةً ثُمَّ تَنْقضي
بِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَنَاءٍ وَمِنْ خَفْضِ
فَهَوْنَكَ لَا تَحْفَلْ مَسَاءَةَ عَارِضٍ
وَلَا فَرْحَةً سَرَتْ فَكِلْتَاهُمَا تَمْضِي

 

ألا فاتَّقوا الله - رحمكم الله - واعلَموا أن المُوفَّقين لا تزيدُهم مواسِمُ الخيرات إلا اجتهادًا في العبادات، وحِرصًا على الأعمال الصالِحات، فإذا ما انقضَت المواسِمُ بقِيَت آثارُها في حياتهم وسُلوكِهم، يُتْبِعون الحسنةَ الحسنة، ويدرءُون بالحسنة السيئة ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 22].

 

عباد الله، ها هو رمضان في تقويضِ خِيامه، فيا تُرى من سوف يُدرِكُه في القادم من أعوامِه؟!

 

ها هو تتصرَّمُ أيامُه، وينحلُّ عِقدُه ونظامُه، قد آذَن بالارتِحال، ولم يبقَ منه إلا بِضعُ ليال، وهكذا هي الأيامُ تفنَى، والأعمارُ تُطوَى، ولا يبقَى إلا وجهُ ذي العزَّة والجلال، فاغتنِموا - رحمكم الله - شريفَ هذه الأيام والليالي، وبادِروا بصالِح الأعمال قبل حُلول الآجال.

 

يا راحلًا وجميلُ الصبر يتبعه
هل من سبيل إلى لقياك يتفقُ؟
ما أنصفتك دموعي وهي داميةٌ
ولا وفى لك قلبي وهو يحترقُ
يا عيونًا أرسلت أدمعها
ما بذا بأسٌ لو أرسلتِ الدَّما

 

عباد الله، من كان منكم أحسن فيه فعليه التمام، ومنْ فَرَّط فليختمه بالحسنى والعمل بالختام، فاستغنموا منه ما بقي من الليالي اليسيرة والأيام، واستودعوه عملًا صالحًا يشهد لكم به عند الملك العلَّام، وودِّعوه عند فِراقه بأزكى تحية وأطيب سلام.

 

سلام من الرحمن كل أوانِ
على خير شهر قد مضى وزمانِ
سلام على شهر الصيام فإنه
أمان من الرحمن كل أمانِ
لئن فنيت أيامك الغرُّ بغتةً
فما الحزنُ من قلبي عليك بفانِ

 

فأين المُجِدُّ في آخر شهره؟! وأين المُشمِّرُ فيما بقي من عشره؟! وأين المُستعِدُّ ليوم حشرِه؟! وأين المُستدرِكُ لما فاتَ من نفَحَات دهره؟!

 

فرَحِمَ اللهُ امْرأً بادرَ للاستِدراك في باقِي أيامه وساعاته، وندِم على ما سلفَ من تفريطه وإضاعاته، وعوَّض بحُسْن العمل ما فات من طاعاته، فما أقبح التقصيرَ في آخر العمر!

 

يا غافلًا وليالي الصومِ قد ذهبتْ
زادتْ خطاياك قفْ بالباب وابكيها
ﻭَﺍﻏْﻨَﻢْ ﺑﻘﻴﺔَ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻬْﺮِ ﺗَﺤْﻆَ فما
ﻏﺮﺳﺘَﻪُ ﻣِﻦْ ﺛِﻤَﺎﺭِ ﺍﻟﺨﻴﺮِ ﺗَﺠْﻨِﻴﻬَﺎ

 

فتيقَّظ -حفِظك الله - وانظُر بين يدَيك، واجعَل أمرَ الآخرة بين عينَيك، هذا شهرُك يشهَدُ لك أو يشهَدُ عليك؟!


ويا تُرى هل تعودُ عليكم أيامُه أو لا تعود؟! ويا تُرى من هو المقبولُ؟! ومن هو المردُود؟!


فــيا قومنا أجيبوا داعي الله: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الأحقاف: 19] ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 132].

 

لا ينهضُ القلبُ إلَّا حينَ يدفعُهُ
عَزْمُ الحياةِ، إذا ما استيقظتْ فيهِ
والحَبُّ يخترقُ الغَبْراءَ، مُنْدفِعًا
إلى السماء، إذا هبَّتْ تُناديهِ
والقيدُ يأَلَفُهُ الأمواتُ، ما لَبِثوا
أمَّا الحيَاةُ فيُبْليها وتُبْليهِ

 

عباد الله، زكاة الفطر طُهرةٌ للصائم من اللَّغْو والرَّفَث، وطُعْمةٌ للمساكين، وشُكْرٌ لله على إكمال الصيام، فأدُّوها - رحمكم الله - على الوجه المشرُوع، طيبةً بها نفوسُكم، تُغنون بها الفقراءَ عن السؤال في يوم العيد، وهي صدقةٌ تُدفَعُ للفقراء والمساكين الذين تحلُّ لهم زكاةُ المال، ويبدأ وقتُ إخراجها من ليلةِ العيد إلى الخروج إلى صلاة العيد، ولو قدَّمها قبل ذلك بيومٍ أو يومين؛ أجزأَه، ومَنْ فاتَهُ إخراجُها قبل صلاةِ العيد؛ فإنه يُخرِجُها بقيةَ اليوم، ومَنْ فاتَه إخراجُها في يوم العيد؛ فإنه يُخرِجها بعدَه قضاءً.


فاللهُمَّ يا غيَّاث المستغيثين، ويا مجيبَ المضطرين، وفِّقْنا للنجاة والفوز بشهود ليلة القدر، وعظِّم لنا فيها الثواب والأجر، وضَعْ عنَّا فيها كل سيئة ووِزْر، وارفع عنا كل بلاء وشرٍّ، فإنك يا ربنا عفوٌّ تُحِبُّ العفوَ فاعْفُ عنَّا.



[1] رواه ابن ماجه في سننه، باب ما جاء في شهر رمضان (1/ 526)، ، حسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 586).

[2] موطأ مالك، باب ما جاء في ليلة القدر (1/ 321).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ليلة القدر خير من ألف شهر
  • خير من ألف شهر
  • ليلة القدر خير من ألف شهر
  • خير من ألف شهر

مختارات من الشبكة

  • 170 ألف كتاب و11 ألف وثيقة تخدم 60 ألف باحث سنويا(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • هل يوم القيامة مقداره ألف سنة أم خمسون ألف سنة؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • 16 ألف مخطوط و20 ألف رق قرآني بدار المخطوطات بصنعاء(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • ليلة القدر خير من ألف شهر (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • مركز دعوة الصينيين يترجم مائتا ألف كلمة ويدعو أربعة آلاف خلال شهر(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ليلة القدر خير من ألف شهر (بطاقة)(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • أوروبا وألف ألف مصحف(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • قول: جزاك الله ألف خير(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • قيام ليلة القدر أفضل من عبادة ألف شهر(مقالة - ملفات خاصة)
  • خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب