• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / خطب رمضان والصيام
علامة باركود

يا باغي الخير أقبل (خطبة)

يا باغي الخير أقبل (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/3/2023 ميلادي - 9/8/1444 هجري

الزيارات: 65791

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يا باغي الخير أقبل

 

الحمد لله الذي لم يُستفتَح بأفضل من اسمه كلام، ولم يُستنجَح بأحسن من صنعه مرام، الحمد لله أجزل عطاه، وأسبغ نعماه، والحمدُ لله لا يُحمَد حقًّا إلا الله، ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، الحمد لله على بلوغ رمضان حمدًا يُوافي نعمه وعطاياه، والشكر له على ما أفاض من الخير وأسْداه.

 

وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولا ربَّ غيرُه، ولا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، ونبيُّه وصفيُّه ونجيُّه، ووليُّه ورضيُّه ومجتباه.

 

أيا خيرَ خَلْقِ اللهِ يا ختْم رسْلِهِ
علوتَ كما تعلو الرؤوسَ العمائمُ
ولا فخر إلَّا بانتسابي لأمَّةٍ
بها أنت متبوعٌ وحبُّك لازمُ
عليك صلاةُ اللهِ ما صامَ صائمُ
وما قام بالقرآنِ في الليلِ قائمُ
وما هلَّ شهْرُ الخيرِ باليُمْن والعَطا
وما اشتاقَ للبيت المعظَّمِ هائمُ

 

صلواتُ الله وسلامه عليه ما أضاء النهار بضياه، واحلولك الليل بظلماه، وعلى آله وأصحابه ومن تَبِعَهم بإحسان ما أمَّت الوُفودُ بيتَ الله، ولهجت الألْسُن بـ ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [الصافات: 35]، وتعطَّرت الأفواهُ بالصلاة والسلام على رسول الله.

 

بَيْنَ الْجَوانِح فِي الأعْماقِ سُكْناه
فَكَيفَ نَنْسَى وَمَن في النَّاسِ يَنْسَاهُ؟!
وَكيفَ ننسى حَبيبًا من طفولتنا
نحيا بمقدمه جلَّتْ مزاياهُ
في كُلِّ عامٍ لنا لقيا محببةٌ
يهتزُّ كُلُّ كيانٍ حين نَلْقاهُ
بالعينِ والقلبِ والآذان نرقبهُ
فالنفسُ تعشقه والرُّوح تحياهُ
فنورُهُ يَجْعلُ اللَّيلَ البهيمَ ضُحًى
فما أجلَّ وما أحلى محياهُ
نلقاهُ شهرًا ولكن في نهايته
يمضي كطيفِ خيالٍ قد لمحناهُ
في موسمِ الطُّهْر في رمضان تَجْمَعُنا
محبةُ اللهِ لا مالٌ ولا جاهُ
فالأُذُنُ سامِعةٌ والعَيْنُ دامِعةٌ
والرُّوحُ خاشعةٌ والقلبُ أوَّاهُ

 

فهنيئًا لكم هذا الشهر الذي تضوَّعتْ بالأَرَجِ لياليه، وتوهَّجَت بالعبير نواحيه، هنيئًا لكم هذا الزائر الميمون، والضيف المعظَّم المصون، هنيئًا لكم هذا المتجَرُ الربيحُ، والموسم الفسيح، والوجهُ الصبيح، هنيئًا لكم أن أمكنكم من التجارة الرابحة مَن أوسَعَ لكم مواسمها، ويسَّر لكم الأعمال الصالحة، مَن بيَّن لكم معالمها، ورغَّبكم في الخيرات، من وفَّر مغانمها، ودعاكم إلى رفيع الدرجات، من منحكم كرائمها.

 

فأيُّ هناء وأيُّ بهاء وأيُّ عطاء؟! وأيُّ جَمال وأيُّ ظلال وأيُّ جلالٍ؟!


أَقبَلْتَ يا رمضانَ الخيرِ فابتهَجَتْ
نفوسُنا، وانطوَتْ أَرتالُ أحزانِ
إذا تَلَفَّتُّ لَمْ أُبْصِرْ سوى أُفُقٍ
يَطوِي ظلامَ الرَّزايا طَيَّ كِتمانِ
فالنُّورُ مُنبثِقٌ والكونُ مُؤتلِقٌ
تَزيدُهُ أَلَقًا آياتُ قرآنِ

 

فبُورِكَت لكم فواتِحُه وخواتِمُه، وبواكِرُه وأواخِرُه، وغُرَرُه وغوابِرُه.

 

واحمدوا الله أن بلَّغكم، واشكروه على أن أخَّركم إليه، ومكَّنكم، فكم من طامع بلوغَ هذا الشهر فما بلغه! وكم مؤمِّل إدراكَه فما أدركه! فاجأه الموت فأهلكه.

 

كم كُنْتَ تعرف ممَّن صام في سلفٍ
مِن بين أهلٍ وجيرانٍ وإخوانِ!
أفناهم الموتُ واستبقاك بَعْدَهُمُ
حيًّا فما أقربَ القاصي من الداني!

 

فاللهُمَّ لك الحمدُ على جليل نعمائكَ، ولكَ الشكرُ على فيض عطائكَ.


يا أيها المسلمون، ((أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ))[1].

 

يقول صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ))[2].

 

فيا باغي الخيرِ أقبل! يا باغي الخيرِ أقبل! فرمضان ربيعُ التُّقى، وقد فاحَ قدَّاحُه.


رمضان يوسفُ الزمان، في عينِ يعقوب الإيمان.


كان ليعقوبَ اثنا عشر ولدًا، فما رجعَ بصرُهُ إلا بقميصِ يوسف.

 

رمضان يا خيرَ الشهورِ تحيةً
تضفي عليك من الجلال جلالا
خذها يفوح عبيرُها من مؤمنٍ
يبغي لك التعظيمَ و الإجلالا

إنه شهر لا يشبُهُه شهر، عظيم الأمر، جليل القدر، فضائله لا تُحصى، ومحامدُه لا تُستقصَى، إنه شهر القبول والسعود، وموسم العِتْق والجود، وميدان الترقِّي والصعود، إنه كنزُ المُتقين، وبهجةُ السالِكين، وراحةُ المُتعبِّدين، فيه تخرج النفوس مِنْ رِقِّ الغفلة، ووفاق الكسل والفترة، إلى فضاء العبادة وربيع الطاعة؛ فالألْسُن ضارعة، والأعينُ دامعةٌ، والآذانُ سامِعةٌ، والأنفسُ طامعةٌ، إنَّ الرُّوح تتروَّح في شهرِ الصوم، وتودُّ لو كان ألفَ يوم.

 

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ [البقرة: 185] وما أدراك ما شهرُ رمضان! إنه شهرُ المكاسب والمرابح، ما أندى ظلاله، وأعم نواله، وأبهى جماله، وأسمى جلاله!

 

إنه زائرٌ زاهر، وشهر عاطر، وشرف ظاهر، وفضل زاخر؛ بل هو أوسعُ مِن أن تُحدَّ نسماتُه، وأبعدُ مِن أن تُعَدَّ نفحاتُه، وأرفع مِن أن تُحصى خيراته، وأعظمُ مِن أن تُستقصى ثمراته!

 

شهرٌ يفوق على الشهور بليلةٍ
من ألف شهرٍ فُضِّلت تفضيلا
طوبى لعبدٍ صحَّ فيه صيامُهُ
ودعا المهيمن بكرةً وأصيلا
وبليله قد قام يختم وِرْدهُ
متبتِّلًا لإلهه تبتيلا


﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ وما أدراك ما شهرُ رمضان! ما أطيبَ المُناجاةَ فيه في جوفِ الليل وعند السَّحَر! وما ألذَّ انشِغالَ القلوب فيه في تدبُّر الآيات وترتيل السور! فاجعلوا - يا رحمكم الله- لمنازلكم بالقرآن دويًّا، واجعلوا شهركم بالذِّكْر نَدِيًّا.

 

يا باغي الخيرِ أقبل! فهذا شهرُ إقالة العثار، وزمان غفران الأوزار، ووقت الإنابة، ولحظة الإجابة من الكريم لمن طرق بابه، هذا أوان الإياب ﴿ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ص: 42].

 

فطوبى لمن غسل في رمضان درن الذنوب بتوبة، ورجع عن خطاياه قبل فوت الأوبة.

 

يا باغي الخيرِ أقبل! فهذا نسيمُ القبول هبَّ، هذا سيلُ الخير صبَّ، هذا الشيطانُ تبَّ، هذا بابُ الجنة مفتوحٌ لمن أحبَّ، هذا أوان الجد لمن كان مجدًّا، هذا زمان التعبُّد لمن كان مُستعِدًّا.

 

فطوبى لمن خاف الويل، فأوفى الكيل، وشمَّرَ عن الذيل، وجدَّ في التعبُّد في جنح الليل، بقلبٍ مشرق، وشوقٍ محرق، وأنينٍ مقلق، وحنينٍ مُحدِق، وصعداءَ تُخرق.

 

وباتَ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِه=إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُتْخمِينَ المَضَاجِعُ

أيها المسلمون، أيام رمضان تاجٌ على رأس الزمان، مَنْ رُحِم فيها فهو المرحوم، ومن حُرِم خيرها فهو المحروم، ومن لم يتزوَّد من عامه فيها فهوَ الظلوم الملوم.

 

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَزْرَعْ وَأَبْصَرْتَ حَاصِدًا=نَدِمْتَ عَلَى التَّفْرِيطِ فِي زَمَنِ الْبَذْرِ

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ وما أدراك ما شهرُ رمضان!

 

إنه شهرُ التوبة والإقلاع، والجِدِّ والإسراع، شهر عمارة المحراب، وتلاوة الكتاب، تعمر فيه المساجد، ويُغْبَطُ فيه الراكع والساجد، ترِفُّ فيه القلوب، وتُغفَر فيه الذنوب، وتتجافى عن المضاجع الجنوب.

 

فيا باغي الخيرِ أقبِل! فهذا شهرُ العتق من النيران، شهر فكاك الرقاب من دار الشقاء والحرمان، شهرُ التخلُّصِ مِن الخذلان والهوان، شهرٌ يُطلَقُ فيه العَاصِي، ويُفكُّ فيه العانِي، ويُعتَقُ فيه الجانِي.

 

شهرٌ شريفٌ فيه نيل المُنى
والعتق والفوز بسكنى الجنان
شهرٌ عظيمٌ فيه نيل الرِّضا
وهو طراز فوق كم الزمان
طوبى لمن قد صامه واتَّقى
مولاه في الفعل ونطق اللسان
فيا هَنا مَنْ قام في ليله
ودمعه في الخَدِّ يحكي الجُمان

 

طوبى لامرئٍ أحسنَ الصيام والقيام، وحَمَى جوارحَه عن موارد الآثام، وأمسَكَ عن فضول الكلام، وسابق الدقائق واللحظات والليالي والأيام، فاغتنَم الخيرات خيرَ اغتنام.

 

ذاك الذي قد خصَّه ربُّه
بجنة الخلد وحورٍ حسان

فيا باغي الخير أقبل! وليكن رمضان بشارةَ فجرِك، وإشراقةَ صُبْحِك، وعنوانَ توبتِك، وبدايةَ أوْبَتِك، ولتكن لهجة قلبك، ونغمة فؤادك، ولغة روحك، وحداء هيامك:

يا رب عبدُكَ قد أتاك
وقد أساء وقد هفا
يكفيه منك حياؤه
من سوء ما قد أسلفا
حمَلَ الذُّنوبَ على الذنوب
الموبِقات وأسْرَفا
وقد استجار بذيل عَفْوِك
مِنْ عقابِك مُلحِفا
يا رب فاعْفُ وعافِه
فلأنت أوْلَى مَنْ عَفا

 

عَجَبًا ممَّن يُدرِك رمضانَ فلا يُصلحه صيامُه، ولا يهزُّه قيامُه، ولا تُغيِّرُه أيَّامُه، عَجَبًا ممن يدرك رمضانَ وهو يطمع في الجنة والمغفرة، ثم يضيِّعه في الْمُلْهِيَات والمنهيات والمُحرَّمات، ويا ضيعةَ مَنْ فاته خيرُ رمضان، ويا شقوةَ مَنْ أضاع شهرَ رمضان!

 

يا باغي الخير، إنَّ مما يُعينك على نفسك، وينفعك في رمسك، وينصرك على أهوائك، ويشفيك من أدوائك، ويسدُّ خللك، ويذهب عِللك، ويشرح فؤادك، ويُحقِّق مرادك، ويزيل غرمك، ويكثر غُنْمك، ويعظم حصدك، ويصلح قلبك، ويقيم دربك، ويرضي ربك، ويحفز جوارحك، وينشط جوانحك؛ أن تحسم إرادتك، وتحزم إدارتك، وتحسن عبادتك، ولتحقيق ذلك؛ حدِّث نفسك قائلًا: لعل هذا العمل الصالح آخر عمل في حياتي!

 

لعل هذا الموسم لن يتكرَّر بعد؛ فلأجتهدنَّ في الفوز فيه، لعلِّي لن أسلك هذا الطريق ثانيةً، فليكن الآن قبل أن يضيقن ويغلق المضيق، لعله لا يُتاح لي مرة أخرى أن أسهم في هذا المعروف والبذل والعون والعطاء؛ فلأسارع قبل الرحيل، ويحلّ بدلَ الممكنِ المستحيل.

 

خاطب نفسك إن كسِلَتْ أو توانتْ: ﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الفرقان: 15]، ﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ [القصص: 61].

يا باغي الخير:

وَإِذا افْتَقَرت إِلَى الذَّخَائِر لم تَجِدْ
ذُخْرًا يكون كصالح الْأَعْمَالِ

 

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

 

ألا فاعلموا - عباد الله - أنكم قد علمتم ما سمعتم، ولقد أحسن من انتهى إلى ما سمع أو علِم، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا خير إلا منه، ولا فضلَ إلا من لدُنه، أحمده حمدًا لا انقطاع لراتبه، ولا إقلاع لسحائبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مُجزِلُ الهِبات والعطايا، وغافرُ الذنوب والخطايا، وعالِمُ المقاصد والنوايا، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والسائرين على ذلك السبيل، وسائر المُنتمين إلى ذلك القَبيل.


عباد الله، إن ركاب السابقين إلى الله في رمضان يحدوها هذا الأثر: ((رغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ عليه رمضان ثم انسلَخَ قبل أنْ يُغفَرَ له))[3].

 

فلا تكُن ممَّن أبَى.. وخرجَ رمضانُ ولم ينَل فيه الغُفرانَ والمُنَى.


واحذر أن تكون ممَّن جاعوا بالنهار، وما فهموا كيف صاموا، وشبعوا بالليل فناموا وما قاموا! بل قلِّلْ واختصِرْ، لعلك تغلب هواك وتنتصِر.


فمواسم الخيرات مراتع للحسنات، فإذا هبَّت رياح الطاعة، فاغتنمها كل ساعة، فأوقات رمضان سعادة، وطوبى لمن أحسن الاستفادة، وادَّخرها ليوم الوفادة.

 

فاغنم منه اللحظات والدقائق، تتجلى لك المعاني والحقائق، واهتبل ساعاته تظفر بهباته، فما سعد من سعد إلا بذلك، وما شقي مَنْ شقي إلا بورود المهالك!

 

وإن أتى رمضانُ واصطُفيتَ له
فاخلَع ثيابَ الهوى وقُمْ على قدمِ
وصُنْه عن كل ما يُردِيكَ من حُرُمٍ
ولتعكِسِ النفسَ عكسَ الخيلِ باللُّجُمِ

 

يا أيها الصائمون، إنَّ شهرَ رمضان مَيدانُ سِباقٍ؛ لكنَّه سريعُ التقضِّي؛ فالأوقاتُ فيه تُنتَهَب، وما يفُوتُ منه فبالكسَلِ والتفريطِ، وما يُغتَنَمُ منه فبالجِدِّ والصَّبر، وإنَّ تعَبَ المُحصِّل فيه راحةٌ في العاقِبة، وراحةَ المُقصِّر فيه تعَبٌ في العاقِبة.

 

أيها المسلمون، لا تجرحوا صيامَكم بالزور، والإثم، والجهل، والظلم، فرُبَّ صائمٍ لا يقوم ثوابُ صيامِه في موازنة إثم ظلمِه وإجرامه، فاتقوا اللهَ يا مَنْ أمسكتُم عن المفطِرات والمفسِدات أثناءَ الصيام، وفعلتُم ما يجب اجتنابُه على الدوام، عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه قال: إذا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً[4].

 

يا أيها الصائمون، ليس الصومُ -فقط- الإمساكَ عن الشراب والطَّعام! إنما الصومُ صومُ الجوارح عن الآثام، وصمتُ اللسانِ عن فضولِ الكلام، وغضُّ العينِ عن النظرِ إلى الحرام، وكفُّ الكفِّ عن أخْذِ الحُطام، ومنعُ الأقدامِ عن قبيحِ الإقدام.

 

إذا لم يكن للسمع مني تصاونٌ
وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صَمْتُ
فحظي- إذن- من صومي الجوع والظما
وإن قلتُ: إني صمتُ يومًا فما صُمْتُ

 

أيها المتقون الصائمون، فتِّشُوا عن المحتاجين من أقربائكم، والمساكين من جيرانكم، والغرباء من إخوانكم، لا تنسوا بِرَّهم وإسعادهم، أشركوهم معكم في رزق ربِّكم، اذكروا جوع الجائعين، ولوعة الملتاعين، وعبرات البائسين، وغربة المشرَّدين، ووحشة المهجرين.

 

وَمَا ضَاعَ مَالٌ أَوْرَثَ الْحَمْدَ أَهْلَهُ
وَلَكِنَّ أَمْوَالَ الْبَخِيلِ تَضِيعُ

يا باغي الخير!

تصدَّق ولو بالقليلِ لتحْظى
بما ليس يُحصى غِنًى أو يُعَدُّ
ومُدَّ يَدَ العون للناسِ يومًا
تجِدْ عِوَضَ الله ليس يُحَدُّ
لعلَّكَ تُسْديْ صنِيْعَك شخْصًا
يكونُ له دعوةٌ لا تُرَدُّ!



أيها المسلمون، اغتنموا فسحة أعماركم، وقوة أبدانكم في الإقبال على الخيرات في رمضان؛ فإن لكل شيء سوقًا، وإن سوق الآخرة رمضان، وإنَّ مَن هُيِّئ له أن يدخل السوق ليربح ثم انصرف عنه، فهو من أعظم الخاسرين، وإن الخسارة التي لا ربحَ بعدها؛ خسارةُ العبدِ مغفرةَ الله ورحمتَه.

 

فأقصِروا عن التقصير في هذا الشهر القصير، ويا باغي الخير أقبل!

 

شُدُّوا لهاتيك السماءِ رِحالا
وثِقوا به فهو الكريمُ تعالى
رمضانُ فرْصتكم فجِدُّوا واجْهَدوا
واستبْسِلوا لا تقتلوهُ كُسالى
اسْقُوا النهارَ به رحيقَ دعائكم
واقضوا الليالي هيبةً وجلالا
قوموا إلى جناتِهِ فاز الذينَ
سَعَوا إليهِ وحقَّقُوا الآمالا!

 

اجتهدوا -يا رعاكم الله- ما استطعتم في إعتاق رقابكم، وفكاك أبدانكم، وشراء أنفسكم من الله جل جلاله، ولا تشغلنكم الدنيا عن أداء المفروض، فإنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة.

 

واحذروا أن تكونوا ممَّن استهوته الشياطين، فشغلته بالدنيا عن الدين، أو قطعته بنياتُ الطريق؛ فغَطَّ في سباتٍ عميق، أو انشغل بالملهيات؛ فغفَل عن شهر الرحمات، والهاتفُ من بديعِ المختَرَعات، وعجيب المصنوعات، تشعَّبَت بنا عجائبُه، وكَثُرَتْ فينا مطالبُه، وعلقت فينا مخالبُه، وتفرَّقَت بنا مشارِبُه، فلنحذر أن يزاحم الهاتف والواتساب عبادةَ ربِّ الأرباب، وأن يُنافس وظائفَ الشهر المبارك، الذي سرعانَ ما يحول ويزول.


جعلني اللهُ وإيَّاكم ممَّن صامَ رمضانَ وصانَه، ولم يكدر بالذنوب عملَه وإحسانَه، اللهُمَّ بَارِكْ لنا في شهرنا، اللهم بَارِكْ لنا في فواتحه، وخواتمه، وبواكره وأواسطه وأواخره، وغرره وسرره، يا ربَّ العالمينَ، واجعلنا فيه من عتقائك من النار، اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار، يا ربَّ العالمينَ، اللهم اجعل دعاءنا مسموعًا، ونداءنا مرفوعًا، يا كريم يا عظيم يا رحيم.

 

رفَعْنا من الضِّيْقِ كفَّ ابتهال
إليكَ وأنت كريمُ النَّوالِ
ومَن سوف يرحمُ إنْ أنت لم
ترْحمِ الخلقَ?! مَن?! يا مُجيب السؤالِ
ومن سوف يسقي يباس القلوبِ
التي لوَّحَتْها رياحُ الشِّمالِ
تَدَخَّلْ بلطفك وافعل بنا ما
يليقُ بِجودِك يا ذا الجلالِ!



اللهم أنتَ الملِكُ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، أنت ربنا ونحن عبيدُك، ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا، فاغفر لنا ذنوبنا؛ لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدنا لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها؛ لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخيرُ كله في يديك، والشر ليس إليك، نحن بك وإليك، تباركت وتعاليت، نستغفرك ونتوب إليك.

 

اللهم لا تجعَلنا من المُضيِّعِين، ولا تجعَلنا من المُفرِّطين.

 

يا محسنًا إلينا قبل أن نطلب، لا تُخيِّبْ أمَلَنا فيك ونحن نطلبُ، فبإنعامك المتقدِّم نتوسَّلُ إليك.

 

وصلُّوا وسلِّموا على أحمد الهادي شفيع الورى طرًّا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا.


اللهم فصَلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه.

 

ما قطعتْ شمسُ النهار أبرُجا
وسطَع البدرُ المنيرُ في الدُّجى
وآلِه وصَحْبِه ومَنْ سَلَكْ
سبيلَهم ما دارَ نجمٌ في فلكْ



[1] رواه النسائي في سننه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب ذكر الاختلاف على معمر فيه (4/ 129)، صححه الألباني، صحيح وضعيف سنن النسائي (5/ 250).

[2] رواه ابن ماجه في سننه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب ما جاء في فضل شهر رمضان (1/ 526)، ورواه الترمذي في سننه، باب ما جاء في فضل شهر رمضان (2/ 59)، وابن خزيمة في صحيحه، باب ذكر البيان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله: ((وصفدت الشياطين)) مردة الجن منهم (3/ 188)، والحاكم في المستدرك، كتاب الصوم (1/ 582)، صحَّحه الألباني، مشكاة المصابيح (1/ 611).

[3] رواه الترمذي في سننه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أبواب الدعوات (5/ 442)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2/ 300).

[4] الأثر أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، باب ما يؤمر به الصائم من قلة الكلام، وتوقي الكذب (2/ 271)، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان، باب الصائم ينزه صيامه عن اللغط والمشاتمة، وما لا يليق به (5/ 247)، وفي فضائل الأوقات (ص186).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رمضان أقبل.. فيا باغي الخير أقبل
  • يا باغي الخير أقبل
  • يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر
  • يا باغي الخير أقبل

مختارات من الشبكة

  • كيف تقضي يومك في رمضان؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير.. بادر بالخير (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يا باغي الخير أبشر (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير .. أقبل (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير .. أقبل (1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير أقبل ( بطاقة دعوية )(كتاب - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • يا باغي الخير أدرك شهر رمضان قبل فوات الأوان(مقالة - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير استعد(مقالة - ملفات خاصة)
  • يا باغي الخير... انتصف رمضان(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب